[البقرة : 47] يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ
(يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم) بالشكر عليها بطاعتي (وأني فضلتكم) أي آباءكم (على العالمين) عالمي زمانهم [وعن الشيخ محمود الرنكوسي أن تفضيلهم على العالمين بكثرة الأنبياء فيهم وفي الحديث : "علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل" أي في الكثرة]
قال أبو جعفر: وتأويل ذلك في هذه الآية، نظير تأويله في التي قبلها في قوله: " اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي". وقد ذكرته هنالك.
القول في تأويل قوله تعالى: "وأني فضلتكم على العالمين".
قال أبو جعفر: وهذا أيضاً مما ذكرهم جل ثناؤه من آلائه ونعمه عندهم. ويعني بقوله: "وأني فضلتكم على العالمين"، أني فضلت أسلافكم، فنسب نعمه على آبائهم وأسلافهم، إلى أنها نعم منه عليهم، إذ كانت مآثر الاباء مآثر للأبناء، والنعم عند الآباء نعمًا عند الأبناء، لكون الأبناء من الآباء. وأخرج جل ذكره قوله: "وأني فضلتكم على العالمين" مخرج العموم، وهو يريد به خصوصاً، لأن المعنى: وأني فضلتكم على عالم من كنتم بين ظهريه وفي زمانه. كالذي:حدثنا به محمد بن عبد الأعلى الصنعاني قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمروحدثنا الحسن بن يحيى قال، حدثنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر عن قتادة، "وأني فضلتكم على العالمين " قال: فضلهم على عالم ذلك الزمان.
حدثني المثنى قال، حدثنا آدم قال، حدثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية:"وأني فضلتكم على العالمين" قال: بما أعطوا من الملك والرسل والكتب، على عالم من كان في ذلك الزمان، فإن لكل زمان عالمًا.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال مجاهد في قوله: "وأني فضلتكم على العالمين" قال: على من هم بين ظهرانيه.
وحدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: على من هم بين ظهرانيه.
وحدثني يونس بن عبد الأعلى قال، أخبرنا ابن وهب قال، سألت ابن زيد عن قول الله: "وأني فضلتكم على العالمين"، قال: عالم أهل ذلك الزمان. وقرأ قول الله "ولقد اخترناهم على علم على العالمين" (الدخان: 32)قال: هذه لمن أطاعه واتبع أمره، وقد كان فيهم القردة، وهم أبغض خلقه إليه، وقال لهذه الأمة: "كنتم خير أمة أخرجت للناس" ( آل عمران: 110) قال: هذه لمن أطاع الله، واتبع أمره، واجتنب محارمه.
قال أبو جعفر: والدليل على صحة ما قلنا من أن تأويل ذلك على الخصوص الذي وصفنا ما:حدثني به يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا ابن علية وحدثنا الحسن بن يحيى، قال:أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر جميعًا، عن بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ألا إنكم وفيتم سبعين أمة" قال يعقوب في حديثه: أنتم آخرها وقال الحسن: أنتم خيرها وأكرمها على الله.
فقد أنبأ هذا الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أن بني إسرائيل لم يكونوا مفضلين على أمة محمد عليه السلام، وأن معنى قوله: "وفضلناهم على العالمين" ( الجاثية: 16)، وقوله: "وأني فضلتكم على العالمين "، على ما بينا من تأويله.
وقد أتينا على بيان تأويل قوله: " العالمين " بما فيه الكفاية في غير هذا الموضع، فأغنى ذلك عن إعادته.
قوله تعالى : "يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم" تقدم . "وأني فضلتكم على العالمين" يريد على عالمي زمانهم ، وأهل كل زمان عالم . وقيل : على كل العالمين بما جعل فيهم من الأنبياء . وهذا خاصة لهم وليست لغيرهم .
يذكرهم تعالى بسالف نعمه إلى آبائهم وأسلافهم، وما كان فضلهم به من إرسال الرسل منهم وإنزال الكتب عليهم وعلى سائر الأمم من أهل زمانهم، كما قال تعالى: "ولقد اخترناهم على علم على العالمين" وقال تعالى: " وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين " قال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية في قوله تعالى: "وأني فضلتكم على العالمين" قال: بما أعطوا من الملك والرسل والكتب على عالم من كان في ذلك الزمان، فإن لكل زمان عالماً، وروي عن مجاهد والربيع بن أنس وقتادة وإسماعيل بن أبي خالد نحو ذلك، ويجب الحمل على هذا لأن هذه الأمة أفضل منهم لقوله تعالى، خطاباً لهذه الأمة "كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيراً لهم" وفي المسانيد والسنن عن معاوية بن حيدة القشيري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنتم توفون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله"، والأحاديث في هذا كثيرة تذكر عند قوله تعالى: "كنتم خير أمة أخرجت للناس" وقيل، المراد تفضيل بنوع ما من الفضل على سائر الناس، ولا يلزم تفضيلهم مطلقاً، حكاه الرازي وفيه نظر ، وقيل: إنهم فضلوا على سائر الأمم لاشتمال أمتهم على الأنبياء منهم، حكاه القرطبي في تفسيره، وفيه نظر، لأن العالمين عام يشمل من قبلهم ومن بعدهم من الأنبياء، فإبراهيم الخليل قبلهم وهو أفضل من سائر أنبيائهم، ومحمد بعدهم وهو أفضل من جميع الخلق وسيد ولد آدم في الدنيا والاخرة، صلوات الله وسلامه عليه.
قوله: 47- "يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم" قد تقدم تفسيره، وإنما كرر ذلك سبحانه توكيداً للحجة عليهم وتحذيراً لهم من ترك اتباع محمد صلى الله عليه وسلم.ثم قرنه بالوعيد وهو قوله: "واتقوا يوماً" وقوله: "وأني فضلتكم" معطوف على مفعول اذكروا: أي اذكروا نعمتي وتفضيلي لكم على العالمين، قيل: المراد بالعالمين عالم زمانهم- وقيل: على جميع العالمين بما جعل فيهم من الأنبياء. وقال في الكشاف: على الجم الغفير من الناس كقوله: "باركنا فيها للعالمين" يقال: رأيت عالماص من الناس: يراد الكثرة انتهى. قال الرازي في تفسيره: وهذا ضعيف، لأن لفظ العالم مشتق من العلم وهو الدليل، وكل ما كان دليلاً على الله كان علماً وكان من العالم. وهذا تحقيق قول المتكلمين: العالم كل موجود سوى الله، وعلى هذا لا يمكن تخصيص لفظ العالم ببعض المحدثات انتهى. وأقول هذا الاعتراض ساقط، أما أولاً فدعوى اشتقاقه من العلم لا برهان عليه، وأما ثانياً فلو سلمنا صحة هذا الاشتقاق كان المعنى موجوداً بما يتحصل معه مفهوم الدليل على الله الذي يصح إطلاقاً اسم العلم عليه، وهو كائن في كل فرد من أفراد المخلوقات التي يستدل بها على الخالق، وغايته أن جمع العالم يستلزم أن يكونوا مفضلين على أفراد كثيرة من المحدثات، وأما أنهم مفضلون على كل من جعل العالم أهل العصر، فغايته أن يكونوا مفضلين على أهل عصور ولا على أهل كل عصر، فلا يستلزم ذلك تفضيلهم على أهل العصر الذين فيهم نبينا صلى الله عليه وسلم، ولا على ما بعده من العصور، ومثل هذا الكلام ينبغي استحضاره عند تفسير قوله تعالى: "إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكاً وآتاكم ما لم يؤت أحداً من العالمين" وعند قوله تعالى: " ولقد اخترناهم على علم على العالمين " وعند قوله تعالى: "إن الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين" فإن قيل: إن التعريف في العالمين يدل على شموله لكل عالم. قلت: لو كان الأمر هكذا لم يكن ذلك مستلزماً لكونهم أفضل من أمة محمد صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى: "كنتم خير أمة أخرجت للناس" فإن هذه الآية ونحوها تكون مخصصة لتلك الآيات.
47. " يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين " أي عالمي زمانكم، وذلك التفضيل وإن كان في حق الآباء، لكن به الشرف للأبناء.
47-" يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم " كرره للتأكيد وتذكير التفضيل الذي هو أجل النعم خصوصاً ، وربطه بالوعيد الشديد تخويفاً لمن غفل عنها وأخل بحقوقها .
" وأني فضلتكم " عطف على نعمتي .
" على العالمين " أي عالمي زمانهم ، ويريد به تفضيل آبائهم الذين كانوا في عصر موسى عليه الصلاة والسلام وبعده ، قبل أن يضروا بما منحهم الله تعالى من العلم والإيمان والعمل الصالح ، وجعلهم أنبياء وملوكاً مقسطين . واستدل به على تفضيل البشر على الملك وهو ضعيف .
47. O Children of Israel! Remember My favor wherewith I favored you and how I preferred you to (all) creatures.
47 - Children of Israel! call to mind the (special) favour which I bestowed upon you, and that I preferred you to all others (for my message).