[البقرة : 35] وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ
(وقلنا يا آدم اسكن أنت) تأكيد للضمير المستتر ليعطف عليه (وزوجك) حواء بالمد وكان خلقها من ضلعه الأيسر (الجنة وكلا منها) أكلاً (رغداً) واسعاً لا حجر فيه (حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة) بالأكل منها وهي الحنطة أو الكرم أو غيرهما (فتكونا) فتصيرا (من الظالمين) العاصين . [المُرجَّح عند الشيخ محمود الرنكوسي أن الجنة التي كانا فيها كانت على الأرض وليست هي جنة الخلد ، دار الحديث]
قال أبو جعفر: وفي هذه الآية دلالة واضحة على صحة قول من قال: إن إبليس أخرج من الجنة بعد الاستكبار عن السجود لآدم، واسكنها آدم قبل أن يهبط إبليس إلى الأرض. ألا تسمعون الله جل ثناؤه يقول: "وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين* فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه". فقد تبين أن إبليس إنما أزلهما عن طاعة الله بعد أن لعن وأظهر التكبر، لأن سجود الملائكة لآدم كان بعد أن نفخ فيه الروح، وحينئذ كان امتناع إبليس من السجود له، وعند الامتناع من ذلك حلت عليه اللعنة. كما:حدثني به موسى بن هرون، قال: حدثنا عمروبن حماد، قال: حدثنا أسباط، عن السدي في خبر ذكره، عن أبي مالك وعن أبي صالح، عن ابن عباس وعن مرة، عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: أن عدو الله إبليس أقسم بعزة الله ليغوين آدم وذريته وزوجه إلا عباده المخلصين منهم، بعد أن لعنه الله، وبعد أن أخرج من الجنة، وقبل أن يهبط إلى الأرض. وعلم الله آدم الأسماء كلها.
وحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحق، قال: لما فرغ الله من إبليس ومعاتبته، وأبى إلا المعصية وأوقع عليه اللعنة، ثم أخرجه من الجنة، أقبل على آدم وقد علمه الأسماء كلها، فقال: " يا آدم أنبئهم بأسمائهم " إلى قوله "إنك أنت العليم الحكيم".
ثم اختلف أهل التأويل في الحال التي خلقت لآدم زوجته، والوقت الذي جعلت له سكناً.
فقال ابن عباس بما:حدثني به موسى بن هرون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط، عن السدي في خبر ذكره، عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس وعن مرة، عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: فأخرج إبليس من الجنة حين لعن، وأسكن آدم الجنة. فكان يمشي فيها وحشاً ليس له زوج يسكن إليها، فنام نومة فاستيقظ، وإذا عند رأسه امرأة قاعدة خلقها الله من ضلعه، فسألها: من أنت؟ فقالت: امرأة. قال: ولم خلقت؟ قالت: تسكن إلي. قالت له الملائكة ينظرون ما بلغ علمه: ما اسمها يا آدم؟ قال: حواء. قالوا: ولم سميت حواء؟ قال: لأنها خلقت من شيء حي. فقال الله له: " يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ". فهذا الخبرينبىء أن حواء خلقت بعد أن سكن آدم الجنة، فجعلت له سكناً.
وقال آخرون بل خلقت قبل أن يسكن آدم الجنة. ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحق، قال: لما فرغ الله من معاتبة ابليس، أقبل على آدم وقد علمه الأسماء كلها فقال: "يا آدم أنبئهم بأسمائهم " الى قوله: " إنك أنت العليم الحكيم". قال: ثم ألقى السنة على آدم فيما بلغنا عن أهل الكتاب من أهل التوراة، وغيرهم من أهل العلم، عن عبدالله بن عباس وغيره ثم أخذ ضلعًا من أضلاعه من شقه الأيسر، ولأم مكانه لحمًا، وآدم نائم لم يهب من نومته، حتى خلق الله من ضلعه تلك زوجته حواء، فسواها امرأة ليسكن إليها. فلما كشف عنه السنة وهب من نومته، رآها إلى جنبه، فقال فيما يزعمون والله أعلم: لحمي ودمي وزوجتي، فسكن إليها. فلما زوجه الله تبارك وتعالى، وجعل له سكناً من نفسه، قال له قبيلاً: " يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين ".
قال أبو جعفر: ويقال لامرأة الرجل: زوجه وزوجته، والزوجة بالهاء أكثر في كلام العرب منها بغير الهاء. والزوج بغير الهاء يقال إنه لغة لأزد شنوءة. فأما الزوج الذي لا اختلاف فيه بين العرب، فهو زوج المرأة.
القول في تأويل قوله: "وكلا منها رغدا حيث شئتما".
قال أبو جعفر: أما الرغد، فإنه الواسع من العيش، الهنيء الذي لا يعني صاحبه. يقال: أرغد فلان، إذا أصاب واسعًا من العيش الهنيء، كما قال امرؤ القيس بن حجر:
بينما المرء تراه ناعمًا يأمن الأحداث في عيش رغد
وكما حدثني به موسى بن هرون قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن السدي في خبر ذكره، عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس وعن مرة، عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، "وكلا منها رغدا"، قال: الرغد، الهنيء.
وحدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: "رغدا"، قال: لا حساب عليهم.
وحدثنا المثنى، قال حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
وحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، عن عنسبة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبي بزة، عن مجاهد: "وكلا منها رغدا"، أي لا حساب عليهم.
وحدثت عن المنجاب بن الحارث، قال: حدثنا بشربن عمارة ، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس: "وكلا منها رغدا حيث شئتما"، قال: الرغد، سعة المعيشة.
فمعنى الآية: وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة، وكلا من الجنة رزقاً واسعًا هنيئًا من العيش حيث شئتما.
كما حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد بن زريع، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة،قوله: " يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما"، ثم إن البلاء الذي كتب على الخلق، كتب على آدم، كما ابتلي الخلق قبله، أن الله جل ثناؤه أحل له ما في الجنة أن يأكل منها رغدًا حيث شاء، غير شجرة واحدة نهي عنها، وقدم إليه فيها، فما زال به البلاء حتى وقع بالذي نهي عنه.
القول في تأويل قوله تعالى: " ولا تقربا هذه الشجرة ".
قال أبو جعفر: والشجر في كلام العرب كل ما قام على ساق، ومنه قول الله جل ثناؤه "والنجم والشجر يسجدان" ( الرحمن: 6) يعني بالنجم ما نجم من الأرض من نبت، وبالشجر ما استقل على ساق.
ثم اختلف أهل التأويل في عين الشجرة التي نهي عن أكل ثمرها آدم، فقال بعضهم: هي السنبلة. ذكر من قال ذلك:حدثني محمد بن إسمعيل الأحمسي، قال: حدثنا عبد الحميد الحماني، عن النضر،عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: الشجرة التي نهي عن أكل ثمرها آدم، هي السنبلة.
وحدثني يعقوب بن إبراهيم، حدثنا هشيم وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمران بن عتيبة جميعاً عن حصين، عن أبي مالك، في قوله: "ولا تقربا هذه الشجرة"، قال: هي السنبلة.
وحدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا ابن مهدي وحدثنا أحمد بن إسحق الأهوازي،قال: حدثنا أبو أحمد الزبيري قالا جميعًا: حدثنا سفيان، عن حصين، عن أبي مالك، مثله.
وحدثنا أبو كريب، وابن وكيع، قالا: حدثنا ابن إدريس، قال: سمعت أبي، عن عطية في قوله: "ولا تقربا هذه الشجرة"، قال: السنبلة.
وحدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، عن سعيد، عن قتادة، قال: الشجرة التي نهي عنها آدم، هي السنبلة.
وحدثني المثنى بن إبراهيم، قال: حدثنا مسلم بن إبراهيم، قال: حدثنا القاسم، قال: حدثني رجل من بني تميم، أن ابن عباس كتب إلى أبي الجلد يسأله عن الشجرة التي أكل منها آدم، والشجرة التي تاب عندها. فكتب إليه أبو الجلد: سألتني عن الشجرة التي نهي عنها آدم، وهي السنبلة، وسألتني عن الشجرة التي تاب عندها آدم، وهي الزيتونة.
وحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحق، عن رجل من أهل العلم، عن مجاهد، عن ابن عباس، أنه كان يقول: الشجره التي نهي عنها آدم، البر.
وحدثني المثنى، قال: حدثنا إسحق، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن عيينة، وابن المبارك، عن الحسن بن عمارة، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: كانت الشجرة التي نهى الله عنها آدم وزوجته، السنبلة.
وحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحق، عن بعض أهل اليمن، عن وهب بن منبه اليماني، أنه كان يقول: هي البر، ولكن الحبة منها في الجنة ككلى البقر، ألين من الزبد وأحلى من العسل. وأهل التوراة يقولون: هي البر.
وحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن أسحق، عن يعقوب بن عتبة: أنه حدث أنها الشجرة التي تحتك بها الملائكة للخلد.
وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن يمان، عن جابر بن يزيد بن رفاعة، عن محارب بن دثار، قال: هي السنبلة.
وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو أسامة، عن يزيد بن إبراهيم، عن الحسن، قال: هي السنبلة التي جعلها الله رزقاً لولده في الدنيا.
قال أبو جعفر: وقال آخرون: هي الكرمة. ذكر من قال ذلك.
حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عبدالله، عن إسرائيل، عن السدي، عمن حدثه، عن ابن عباس، قال: هي الكرمة.
حدثني موسى بن هرون، قال: حدثنا عمروبن حماد، قال: حدثنا أسباط، عن السدي في خبر ذكره، عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس وعن مرة، عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: "ولا تقربا هذه الشجرة"، قال: هي الكرمة، وتزعم اليهود أنها الحنطة.
وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط، عن السدي،قال: الشجرة هي الكرم.
وحدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا هشيم، عن مغيرة، عن الشعبي، عن جعدة بن هبيرة، قال: هو العنب في قوله: "ولا تقربا هذه الشجرة".
وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثني أبي، عن خلاد الصفار، عن بيان، عن الشعبي، عن جعدة بن هبيرة: "ولا تقربا هذه الشجرة"، قال: الكرم.
وحدثنا ابن المثنى، قال: حدثني الحسين، قال: حدثنا خالد الواسطي، عن بيان، عن الشعبي، عن جعدة بن هبيرة : "ولا تقربا هذه الشجرة"، قال: الكرم.
وحدثنا ابن حميد، وابن وكيع، قالا: حدثنا جرير، عن مغيرة، عن الشعبي، عن جعدة بن هبيرة، قال: الشجرة التي نهي عنها آدم، شجرة الخمر.
وحدثنا أحمد بن إسحق، قال: حدثنا أبو أحمد الزبيري، قال: حدثنا عباد بن العوام،قال: حدثنا سفيان بن حسين، عن يعلى بن مسلم، عن سعيدبن جبير، قوله "ولا تقربا هذه الشجرة"، قال: الكرم.
وحدثنا أحمد بن إسحق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا سفيان، عن السدي، قال: العنب.
وحدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج ، عن أبي معشر، عن محمد بن قيس، قال: عنب.
وقال آخرون: هي التينة. ذكر من قال ذلك:حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، قال: تينة قال أبو جعفر: والقول في ذلك عندنا أن الله جل ثناؤه أخبر عباده أن آدم وزوجه أكلا من الشجرة التي نهاهما ربهما عن الأكل منها، فأتيا الخطيئة التي نهاهما عن إتيانها بأكلهما ما أكلا منها، بعد أن بين الله جل ثناؤه لهما عين الشجرة التي نهاهما عن الأكل منها، وأشار لهما إليها بقوله: "ولا تقربا هذه الشجرة"، ولم يضع الله جل ثناؤه لعباده المخاطبين بالقرآن، دلالة على أي أشجار الجنة كان نهيه آدم أن يقربها، بنص عليها باسمها، ولا بدلالة عليها. ولو كان لله في العلم بأي ذلك من أي رضاً، لم يخل عباده من نصب دلالة لهم عليها يصلون بها إلى معرفة عينها، ليطيعوه بعلمهم بها، كما فعل ذلك في كل ما بالعلم به له رضا.
فالصواب في ذلك أن يقال: إن الله جل ثناؤه نهى آدم وزوجته عن أكل شجرة بعينها من أشجار الجنة دون سائر أشجارها، فخالفا إلى ما نهاهما الله عنه، فأكلا منها كما وصفهما الله جل ثناؤه به. ولا علم عندنا بأي شجرة كانت على التعيين، لأن الله لم يضع لعباده دليلاً على ذلك في القرآن، ولا في السنة الصحيحة. فأنى يأتي ذلك؟ وقد قيل: كانت شجرة البر، وقيل: كانت شجرة العنب، وقيل: كانت شجرة التين، وجائز أن تكون واحدة منها، وذلك علم إذا علم لم ينفع العالم به علمه، وإن جهله جاهل لم يضره جهله به.
القول في تأويل قوله تعالى ذكره: " ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين ".
قال أبو جعفر: اختلف أهل العربية في تأويل قوله: "ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين ".
فقال بعض نحوي الكوفيين: تأويل ذلك: ولا تقربا هذه الشجرة، فإنكما إن قربتماها كنتما من الظالمين. فصار الثاني في موضع جواب الجزاء. وجواب الجزاء يعمل فيه أوله، كقولك: إن تقم أقم، فتجزم الثاني بجزم الأول. فكذلك قوله فتكونا، لما وقعت الفاء في موضع شرط الأول نصب بها، وصيرت بمنزلة كي في نصبها الأفعال المستقبلة، للزومها الاستقبال. إذ كان أصل الجزاء الاستقبال.
وقال بعض نحوي أهل البصرة: تأويل ذلك، لا يكن منكما قرب هذه الشجرة فأن تكونا من الظالمين. غير أنه زعم أن أن غير جائز إظهارها مع لا، ولكنها مضمرة لا بد منها، ليصح الكلام بعطف اسم وهي أن على الاسم. كما غير جائز في قولهم: عسى أن يفعل ، عسى الفعل. ولا في قولك: ما كان ليفعل : ما كان لأن يفعل.
وهذا القول الثاني يفسده إجماع جميعهم على تخطئة قول القائل: سرني تقوم يا هذا، وهو يريد سرني قيامك. فكذلك الواجب أن يكون خطأ على هذا المذهب قول القائل: لا تقم إذا كان المعنى: لا يكن منك قيام. وفي إجماع جميعهم على صحة قول القائل: لا تقم ،وفساد قول القائل: سرني تقوم بمعنى سرني قيامك الدليل الواضح على فساد دعوى المدعي أن مع لا التي في قوله: " ولا تقربا هذه الشجرة"، ضمير أن وصحة القول الآخر.
وفي قوله " فتكونا من الظالمين "، وجهان من التأويل:
أحدهما أن يكون "فتكونا" في نية العطف على قوله "ولا تقربا "، فيكون تأويله حينئذ: ولا تقربا هذه الشجرة ولا تكونا من الظالمين. فيكون "فتكونا" حينئذ في معنى الجزم مجزومًا بما جزم به "ولا تقربا"، كما يقول القائل: لا تكلم عمرًا ولا تؤذه، كما قال امرؤ القيس.
فقلت له: صوب ولا تجهدنه فيذرك من أخرى القطاة فتزلق
فجزم فيذرك بما جزم به لا تجهدنه ، كأنه كرر النهي.
والثاني أن يكون "فتكونا من الظالمين "، بمعنى جواب النهي. فيكون تأويله حينئذ: لا تقربا هذه الشجرة، فإنكما إن قربتماها كنتما من الظالمين. كما تقول: لا تشتم عمرًا فيشتمك، مجازاة.
فيكون "فتكونا" حينئذ في موضع نصب، إذ كان حرفاً عطف على غير شكله، لما كان في "ولا تقربا" حرف عامل فيه، ولا يصلح إعادته في "فتكونا"، فنصب على ما قد بينت في أول هذه المسألة.
وأما تأويل قوله "فتكونا من الظالمين "، فإنه يعني به فتكونا من المتعدين إلى غير ما أذن لهم وأبيح لهم فيه، وإنما عنى بذلك أنكما إن قربتما هذه الشجرة، كنتما على منهاج من تعدى حدودي، وعصى أمري، واستحل محارمي، لأن الظالمين بعضهم أولياء بعض، والله ولي المتقين. وأصل الظلم في كلام العرب، وضع الشيء في غير موضعه، ومنه قول نابغة بني ذبيان:
إلا أواري لأياً ما أبينها والنؤي كالحوض بالمظلومة الجلد
فجعل الأرض مظلومة، لأن الذي حفر فيها النؤي حفر في غير موضع الحفر. فجعلها مظلومة، لموضع الحفرة منها في غيرموضعها. ومن ذلك قول ابن قميئة في صفة غيث:
ظلم البطاح بها انهلال حريصة فصفا النطاف له بعيد المقلع
وظلمه إياه: مجيئه في غير أوانه، وانصبابه في غير مصبه، ومنه: ظلم الرجل جزوره، وهو نحره إياه لغير علة. وذلك عند العرب وضع النحر في غير موضعه.
وقد يتفرع الظلم في معان يطول بإحصائها الكتاب، وسنبينها في أماكنها إذا أتينا عليها إن شاء الله تعالى. وأصل ذلك كله ما وصفنا من وضع الشيء في غيرموضعه.
قوله تعالى : "وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين" .
فيه ثلاث عشرة مسألة :
الأولى : قوله تعالى : "وقلنا يا آدم اسكن" لا خلاف ان الله تعالى أخرج إبليس عند كفره وأبعده عن الجنة ، وبعد إخراجه قال لآدم : اسكن ، أي لازم الإقامة واتخذها مسكناً ، وهو محل السكون . وسكن إليه يسكن سكوناً . والسكن : النار ، قال الشاعر :
قد قومت بسكن وأدهان
والسكن : كل ما سكن إليه . والسكين معروف ، سمي به لأنه يسكن حركة المذبوح ، ومنه المسكين لقلة تصرفه وحركته . وسكان السفينة عربي ، لأنه يسكنها عن الاضطراب .
الثانية : في قوله : "اسكن" تنبيه على الخروج ، لأن السكنى لا تكون ملكاً ولهذا قال بعض العارفين : السكنى تكون إلى مدة ثم تنقطع ، فدخولهما في الجنة كان دخول سكنى لا دخول إقامة .
قلت : وإذا كان هذا فيكون فيه دلالة على ما يقوله الجمهور من العلماء : إن من أسكن رجلاً مسكناً له أنه لا يملكه بالسكنى ، وأن له أن يخرجه إذا انقضت مدة الإسكان . وكان الشعبي يقول : إذا قال الرجل داري لك سكنى حتى تموت فهي له حياته وموته ، وإذا قال : داري هذه اسكنها حتى تموت فإنها ترجع إلى صاحبها إذا مات . ونحو من السكنى العمرى ، إلا أن الخلاف في العمرى أقوى منه في السكنى . وسيأتي الكلام في العمرى في هو إن شاء اله تعالى . قال الحربي : سمعت ابن الإعرابي يقول : لم يختلف العرب في أن هذه الأشياء على ملك أربابها ومنافعها لمن جعلت له العمرى والرقبى والإفقار والإخبال والمنحة والعرية والسكنى والإطراق . وهذا حجة مالك وأصحابه في أنه لا يملك شيء من العطايا إلا المنافع دون الرقاب ، وهو قول الليث بن سعد و القاسم ين محمد ، ويزيد بن قسيط .
والعمرى : هو إسكانك الرجل في دار لك مدة عمرك أو عمره . ومثله الرقبى . وهو أن يقول : إن مت قبلي رجعت إلي وإن مت قبلك فهي لك ، وهي من المراقبة . والمراقبة : أن يرقب كل واحد منهما موت صاحبه ، ولذلك اختلفوا في إجازتها ومنعها ، فأجازها أبو يوسف والشافعي ، وكأنها وصية عندهم . ومنعها مالك والكوفيون ، لأن كل واحد منهم يقصد إلى عوض لا يدري هل يحصل له ، ويتمنى كل واحد منهما موت صاحبه . وفي الباب حديثان أيضاً بالإجازة والمنع ذكرهما ابن ماجة في سننه ، الأول رواه جابر بن عبد الله قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :العمرى جائزة لمن أعمرها والرقبى جائزة لمن أرقبها" ففي هذا الحديث التسوية بين العمرى والرقبى في الحكم . الثاني رواه ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"لا رقبى فمن أرقب شيئا فهو له حياته ومماته" . قال : والرقبى أن يقول هو للآخر : مني ومنك موتا . فقوله : "لا رقبى" نهي يدل على المنع ، وقوله : "من أرقب شيئاً فهو له" يدل على الجواز ، وأخرجهما ايضاً النسائي . وذكر عن ابن عباس قال : العمرى والرقبى سواء . وقال ابن المنذر : ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
"العمرى جائزة لمن أعمرها والرقبى جائزة لمن أرقبها" . فقد صحح الحديث ابن المنذر ، وهو حجة لمن قال بأن العمرى والرقبى سواء . وروي عن علي وبه قال الثوري و أحمد ، وأنها لا ترجع إلى الأول أبداً ، وبه قال إسحاق . وقال طاوس : من أرقب شيئاً فهو سبيل الميراث .
والإفقار مأخوذ من فقار الظهر . أفقرتك ناقتي . أعزتك فقارها لتركبها . وأفقرك الصيد إذا أمكنك من فقاره حتى ترميه . ومثله الإخبال ، يقال : أخبلت فلاناً إذا أعرته ناقة يركبها أو فرساً يغزو عليه ، قال زهير :
هنالك إن تستخبلوا المال يخبلوا وإن يسألوا يعطوا وإن ييسروا يغلوا
والمنحة : العطية . والمنحة : منحة اللبن . والمنيحة : الناقة أو الشاة يعطيها الرجل آخر يحتلبها ثم يردها ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"العارية مؤداة والمنحة مرودة والدين مقضي والزعيم غارم" . رواه أبو أمامة ، أخرجه الترمذي و الدار قطني وغيرهما ، وهو صحيح .
والإطراق : إعارة الفحل ، استطرق فلان فلاماً فحله : إذا طلبه ليضرب في إبله ، فأطرقه إياه ، ويقال : أطرقني فحلك أي أعزني فحلك ليضرب في إبلي . وطرق الفحل الناقة يطرق طروقاً ، أي قعا عليها . وطروقه الفحل : انثاه ، يقال : ناقة طروقه الفحل للتي بلغت أن يضربها الفحل .
الثالثة : قوله تعالى : "أنت وزوجك" أنت تأكيد للمضمر الذي في الفعل ، ومثله "فاذهب أنت وربك" . ولا يجوز اسكن وزوجك ، ولا أذهب وربك ، إلا في ضرورة الشعر ، كما قال :
قلت إذا أقبلت وزهر تهادى كنعاج الملا تعسفن رملا
فـ زهر معطوف على المضمر في أقبلت ولم يؤكد ذلك المضمر . ويجوز في غير القرآن على بعد : قم وزيد .
الرابعة : قوله تعالى : "وزوجك" لغة القرآن زوج بغير هاء ، وقد تقدم القول فيه . وقد جاء في صحيح مسلم : زوجه ، حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب قال حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن أنس :
"أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مع إحدى نسائه فمر به رجل فدعاه فجاء فقال : يا فلان هذه زوجتي فلانة : فقال يا رسول الله ، من كنت أظن به فلم أكن أظن بك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم" . وزوج آم عليه السلام وهي حواء عليها السلام ، وهو أول من سماها بذلك حين خلقت من ضلعه من غير أن يحس آدم عليه السلام بذلك ، ولو ألم بذلك لم يعطف رجل على امرأته ، فلما انتبه قبل له : من هذه ؟ قال : امرأة ، قيل : وما اسمها ؟ قال : حواء ، قيل : ولم سميت امرأة ؟ قال : لأنها من المرء أخذت ، قيل : ولم سميت حواء ؟ قال : لأنها خلقت من حي .روي أن الملائكة سألته عن ذلك لتجرب علمه ، وأنهم قالوا له : أتحبها يا آدم ؟ قال : نعم ، قالوا لحواء : أتحبينه يا حواء ؟ قالت : لا ، وفي قلبها أضعاف ما في قلبه من حبه . قالوا : فلو صدقت امرأة في حبها لزوجها لصدقت حواء . وقال ابن مسعود وابن عباس : لما اسكن آدم الجنة مشى فيها مستوحشاً ، فلما نام خلقت حواء من ضلعه القصرى من شقه الأيسر ليسكن إليها ويأنس بها ، فلما انتبه رآها فقال : من أنت ؟ ! قالت : امرأة خلقت من ضلعك لتسكن إلي ، وهو معنى قوله تعالى : "هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها" . قال العلماء : ولهذا كانت المرأة عوجاء ، لأنها خلقت من أعوج وهو الضلع . وفي صحيح مسلم عن ابي هريرة : قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"إن المرأة خلقت من ضلع ـ في رواية : وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه ـ لن يستقيم لك على طريقة واحدة فإن استمتعت بها استمعت بها وبها عوج وإن ذهبت تقيمها كسرتها وكسرها طلاقها" . وقال الشاعر :
هي الضلع العوجاء لست تقيمها إلا أن تقويم الضلوع انكسارها
اتجمع ضعفا واقتدارا على الفتى أليس عجيبا ضعفها واقتدارها
ومن هذا الباب استدل العلماء على ميراث الخنثى المشكل إذا تساوت فيه علامات النساء والرجال من اللحية والثدي والمبال بنقص الأعضاء . فإن نقصت أضلاعه عن أضلاع المرأة أعطي نصيب الرجل ـ روي ذلك عن علي رضي الله عنه ـ لخلق حواء من أحد أضلاعه ، وسيأتي في المواريث بيان هذا إن شاء الله تعالى .
الخامسة : قوله تعالى : "الجنة" الجنة : البستان ، وقد تقدم القول فيها . ولا التفات لما ذهبت إليه المعتزلة والقدرية من أنه لم يكن في جنة الخلد وإنما كان في جنة بأرض عدن . واستدلوا على بدعتهم بأنها لو كانت جنة الخلد لما وصل إليه إبليس ، فإن الله يقول : "لا لغو فيها ولا تأثيم" وقال : "لا يسمعون فيها لغوا ولا كذابا" وقال : "لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما" . وأنه لا يخرج منها أهلها لقوله : "وما هم منها بمخرجين" . وأيضاً فإن جنة الخلد هي دار القدس ، قدست عن الخطايا والمعاصي تطهيراً لها . وقد لغا فيها إبليس وكذب ، وأخرج منها آدم وحواء بمعصيتهما .
قالوا : وكيف يجوز على آدم مع مكانه من الله وكمال عقله أن يطلب شجرة الخلد وهو في دار الخلد والملك الذي لا يبلى ؟ فالجواب : ان الله تعالى عرف الجنة بالألف واللام ، ومن قال :أسال الله الجنة ، لم يفهم منه في تعارف الخلق إلا طلب جنة الخلد . ولا يستحيل في العقل دخول إبليس الجنة لتغرير آدم ، وقد لقي موسى آدم عليهما السلام فقال له موسى :
أنت أشقيت ذريتك وأخرجتهم من الجنة ، فأدخل الألف واللام ليدل على أنها جنة الخلد المعروفة فلم ينكر ذلك آدم ، ولو كانت غيرها لرد على موسى ، فلما سكت آدم على ماقرره موسى صح أن الدار التي أخرجهم الله عز وجل منها بخلاف الدار التي أخرجوا إليها . وأما ما احتجوا به من الآي فذلك إنما جعله الله فيها بعد دخول أهلها فيها يوم القيامة ، ولا يمتنع أن تكون دار الخلد لمن أراد الله تخليده فيها وقد يخرج منها من قضي عليه بالفناء . وقد أجمع أهل التأويل على أن الملائكة يدخلون الجنة على أهل الجنة ويخرجون منها ، وقد كان مفاتيحها بيد إبليس ثم انتزعت منه بعد المعصية ، وقد دخلها النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء ثم خرج منها وأخبر بما فيها وأنها هي جنة الخلد حقاً وأما قولهم : إن الجنة دار القدس وقد طهرها الله تعالى من الخطايا فجهل منهم ، وذلك أن الله تعالى أمر بني إسرائيل أن يدخلوا الأرض المقدسة وهي الشام ، وأجمع أهل الشرائع على أن الله تعالى قدسها وقد شوهد فيها المعاصي والكفر والكذب ولم يكن تقديسها مما يمنع فيها المعاصي ، وكذلك دار القدس . قال أبو الحسن بن بطال : وقد حكى بعض المشايخ أن أهل السنة مجمعون على أن جنة الخلد هي ألتي أهبط منها آدم عليه السلام ، فلا معنى لقول من خالفهم . وقولهم كيف يجوز على آدم في كمال عقله أن يطلب شجرة الخلد وهو دار الخلد ، فيعكس عليهم ويقال : كيف يجوز على آدم وهو في كمال عقله أن يطلب شجرة الخلد في دار الفناء ! هذا ما لا يجوز على من له أدنى مسكه من عقل ، فكيف بآدم الذي هو أرجح الخلق عقلاً ، على ما قال أبو أمامة على ما يأتي .
السادسة : قوله تعالى : "وكلا منها رغدا حيث شئتما" قراءة الجمهور رغدا بفتح الغين . وقرأ النخعي وابن وثاب بسكونها . والرغد : العيش الدار الهني الذي لا عناء فيه ، قال :
بينما المرء تراه ناعما يأمن الأحداث في عيش رغد
ويقال : رغد عيشهم ورغد ( بضم الغين وكسرها ) . وأرغد القوم : أخصبوا وصاروا في رغد من العيش . وهو منصوب على الصفة لمصدر محذوف . وحيث وحيث وحيث ، وحوث وحوث وحاث كلها لغات ، ذكرها
النحاس وغيره .
السابعة : قوله تعالى : "ولا تقربا هذه الشجرة" أي لا تقرباها بأكل ، لأن الإباحة فيه وقعت . قال ابن العربي : سمعت الشاشي في مجلس النضر بن شميل يقول : إذا قيل لا تقرب ( بفتح الراء ) كان معناه لا تلبس بالفعل ، وإذا كان ( بضم الراء ) فإن معناه لا تدن منه . وفي الصحاح : قرب الشيء يقرب قرباً أي دنا . وقربته (بالكسر ) أقربه قربانا أي دنوت منه . وقربت أقرب قرابة ـ مثل كتبت أكتب كتابة ـ إذا سرت إلى الماء وبينك وبينه ليلة ، والاسم القرب . قال الأصمعي : قلت لأعرابي : ما القرب ؟ فقال :سير الليل لورد الغد . وقال ابن عطية قال بعض الحذاق : إن الله تعالى لما أراد النهي عن أكل الشجرة نهى عنه بلفظ يقتضي الأكل وما يدعوه إليه العرب وهو القرب . قال ابن عطية : وهذا مثال بين في سد الذرائع . وقال بعض أرباب المعاني قوله : ولا تقربا إشعار بالوقوع في الخطيئة والخروج من الجنة ، وأن سكناه فيها لا يدوم ، لأن المخلد رلا يحظر عليه شيء ولا يؤمر ولا ينهى . والدليل على هذا قوله تعالى "إني جاعل في الأرض خليفة" فدل على خروجه منها .
الثامنة : قوله تعالى : "هذه الشجرة" الاسم المبهم ينعت بما فيه الألف واللام لا غير ، كقولك : مررت بهذا الرجل وبهذه المرأة وهذه الشجرة . وقرأ ابن محيصت : هذي الشجرة بالياء وهو الأصل ، لأن الهاء في هذه بدل من ياء ولذلك انكسر ما قبلها ، وليس في الكلام هاء تأنيث قبلها كسرة سواها ، وذلك لأن أصلها الياء .
والشجرة والشجرة والشيرة ، ثلاث لغات ، وقرىء الشجرة بكسر الشين . والشجرة والشجرة : ما كان على ساق من نبات الأرض . وأرض شجيرة وشجراء أي كثيرة الأشجار ، وواد شجير ، ولا يقال : واد أشجر . وواحد الشجراء شجرة ، ولم يأت من الجمع على هذا المثال إلا أحرف يسيرة : شجرة وشجراء ، وقصبة وقصباء ،وطرفة وطرفاء ، وحلفة وحلفاء . وكان الأصمعي يقول في أحد الحلفاء : حلفة ، بكسر اللام محالفة لأخواتها . وقال سيبويه : الشجراء واحد وجمع ، وذلك القصباء والطرفاء والحلفاء . والمشجرة : موضع الأشجار . وأرض مشجرة ، وهذه الأرض أشجر من هذه أي أكثر شجراً ، قاله الجوهري .
التاسعة : واحتلف أهل التأويل في تعيين هذه الشجرة التي نهي عنها فأكل منها ، فقال ابن مسعود وابن عباس وسعيد بن جبير وجعدة بن هبيرة : هي الكرم ، ولذلك حرمت علينا الخمر . وقال ابن عباس أيضاً وأبو مالك و قتادة : هي السنبلة ، والحبة منها ككلى البقر ، أحلى من العسل وألين من الزبد ، قاله وهب بن منبة . ولما تاب الله على آدم جعلها غذاء لبنيه . وقال ابن جريج عن بعض الصحابة : هي شجرة التين ، وكذا روى سعيد عن قتادة ،ولذلك تعبر في الرؤيا بالندامة لآكلها من أجل ندم آدم عليه السلام على أكلها ، ذكره السهيلي . قال ابن عطية : وليس في شيء من هذا التعيين ما يعضده خبر وإنما الصواب أن يعتقد أن الله تعالى نهى آدم عن شجرة فخالف هو إليها وعصى في الأكل منها . وقال القشيري أبو نصر : وكان الإمام والدي رحمه الله يقول : يعلم على الجملة أنها كانت شجرة المحنة .
العاشرة : واختلفوا كيف أكل منها مع الوعيد المقترن بالقرب وهو قوله تعالى : "فتكونا من الظالمين" ، فقال قوم : أكلا من غير التي أشير إليها ، فلم يتأولا النهي واقعاً على جميع جنسها ، كأن إبليس غره بالأخذ بالظاهر . قال ابن العربي : وهي أول معصية عصي الله بها على هذا القول . قال : وفيه دليل على أن من حلف الا يأكل من هذا الخبز فأكل من جنسه حنث . وتحقيق المذاهب فيه أن أكثر العلماء قالوا : لا حنث فيه . وقال مالك وأصحابه : إن اقتضى بساط اليمين تعيين المشار إليه لم يحنث بأكل جنسه ، وإن اقتضى بساط اليمين أو سببها أو نيتها الجنس حمل عليه وحنث بأكل غيره ، وعليه حملت قصة آدم عليه السلام فإنه نهي عن شجرة عينت له واريد بها جنسها ، فحمل القول على اللفظ دون المعنى .
وقد اختلف علماؤنا في فرع من هذا ، وهو أنه إذا حلف ألا يأكل هذه الحنطة فأكل خبزاً منها على قولين ، قال في الكتاب : يحنث ، لأنها هكذا تؤكل . وقال ابن المواز : لا شيء عليه ، لأنه لم يأكل حنطة وإنما أكل خبزاً فراعى الإسم والصفة . ولو قال في يمينه لا آكل من هذه الحنطة لحنث بأكل الخبز المعمول منها . وفيما اشترى بثمنها من طعام وفيما أنبتت خلاف . وقال آخرون : تأولا النهي على الندب . قال ابن العربي : وهذا وإن كان مسألة من أصول الفقه فقد سقط ذلك ها هنا ، لقوله : "فتكونا من الظالمين" فقرن النهي بالوعيد ، وكذلك قوله سبحانه : "فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى" . وقال ابن المسيب : إنما أكل آدم بعد أن سقته حواء الخمر فسكر وكان في غير عقله . وكذلك قال يزيد بن قسيط ، وكانا يحلفان بالله أنه ما أكل من هذه الشجرة وهو يعقل . قال ابن العربي : وهذا فاسد نقلاً وعقلاً ، أما التنقل فلم يصح بحال ، وقد وصف الله عز وجل خمر الجنة فقال :"لا فيها غول" . وأما العقل فلأن الأنبياء بعد النبوة معصومون عما يؤدي إلى الإخلال بالفرائض واقتحام الجرائم .
قلت : قد استنبط بعض العلماء نبوة آدم عليه السلام قبل إسكانه الجنة من قوله تعالى : "فلما أنبأهم بأسمائهم" فأمره الله تعالى أن ينبىء الملائكة بما ليس عندهم من علم الله جل وعز . وقيل : اكلها ناسياً ، ومن الممكن انهما نسيا الوعيد .
قلت : وهو الصحيح لإخبار الله تعالى في كتابه بذلك حتماً وجزماً فقال : "ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما" ولكن لما كان الأنبياء عليهم السلام يلزمهم من التحفظ والتيقظ لكثرة معارفهم وعلو منازلهم ما لا يلزم غيرهم كان تشاغله عن تذكرة النهي تضييعاً صار به عاصياً ، أي مخالفاً . قال أبو أمامة : لو أن أحلام بني آدم منذ خلق الله الخلق إلى يوم القيامة وضعت في كفة ميزان ووضع حلم آدم في كفة أخرى لرجحهم ، وقد قال الله تعالى : "ولم نجد له عزما" .
قلت : قول أبي أمامة هذا عموم في جميع بني آدم . وقد يحتمل أن يخص من ذلك نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، فإنه كان أوفر الناس حلماً وعقلاً . وقد يحتمل ان يكون المعنى لو أن أحلام بني آدم من غير الأنبياء . والله أعلم .
قلت : والقول الأول أيضاً حسن ، فظنا أن المراد العين وكان المراد الجنس ، كـ"قول النبي صلى الله عليه وسلم حين أخذ ذهباً وحريراً فقال : هذان حرامان على ذكور أمتي " . وقال في خبر آخر :
"هذان مهلكان أمتي" . وإنما أراد الجنس لا العين .
الحادية عشرة : يقال إن أول من أكل من الشجرة حواء بإغواء إبليس إياها ـ على ما يأتي بيانه ـ وإن أول كلامه كان معها لأنها وسواس المخدة ، وهي أول فتنة دخلت على الرجال من النساء ، فقال : ما منعتما هذه الشجرة إلا أنها شجرة الخلد ، لأنه علم منهما أنهما كانا يحبان الخلد ، فأتاهما من حيث أحبا .
حبك الشيء يعمي ويصم ـ فلما قالت حواء لآدم أنكر عليها وذكر العهد ، فألح على حواء وألحت حواء على آدم ، إلى أن قالت : أنا آكل قبلك حتى إن أصابني شيء سلمت أنت ، فأكلت فلم يضرها ، فأتت آدم فقالت : كل فإني قد أكلت فلم يضرني ، فأكل فبدت لهما سوءاتهما وحصلا في حكم الذنب ، لقول الله تعالى : "ولا تقربا هذه الشجرة" فيجمعهما في النهي ، فلذلك لم تنزل بها العقوبة حتى وجد المنهي عنه منهما جميعاً ، وخفيت على آدم هذه المسألة ، ولهذا قال بعض العلماء : إن من قال لزوجتيه أو أمتيه : إن دخلتما الدار فأنتما طالقتان أو حرتان ، إن الطلاق والعتق لا يقع بدخول إحداهما . وقد اختلف علماؤنا في ذلك على ثلاثة أقوال ، قال ابن القاسم : لا تطلقان ولا تعتقان إلا باجتماعهما في الدخول ، حملاً على هذا الأصل وأخذاً يمقتضى مطلق اللفظ . وقاله سحنون . وقال ابن القاسم مرة أخرى : تطلقان جميعاً وتعتقان جميعاً . بوجود الدخول من إحداهما ، لأن بعض الحنث حنث ، كما لو حلف ألا يأكل هذين الرغيفين فإنه يحنث بأكل احدهما لقمة منهما . وقال أشهب : تعتق وتطلق التي دخلت وحدها ، لأن دخول كل واحدة منهما شرط في طلاقها أو عتقها . قال ابن العربي : وهذا بعيد ، لأن بعض الشرط لا يكون شرطاً إجماعاً .
قلت : الصحيح الأول ، وإن النهي إذا كان معلقاً على فعلين لا تتحقق المخالفة إلا بهما ، لأنك إذا قلت : لا تدخلا الدار ، فدخل أحدهما ما وجدت المخالفة منهما ، لأن قول الله تعالى : "ولا تقربا هذه الشجرة" نهي لهما "فتكونا من الظالمين" جوابه ، فلا يكونا من الظالمين حتى يفعلا ، فلما أكلت لم يصبها شيء ، لأن المنهي عنه ما وجد كاملاً . وخفي هذا المعنى على آدم فطمع ونسي هذا الحكم ، وهو معنى قوله تعالى : "ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي" . وقيل : نسي قوله : "إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى" . والله أعلم .
الثانية عشرة : واختلف العلماء في هذا الباب هل وقع من الأنبياء ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ صغائر من الذنوب يؤاخذون بها ويعاتبون عليها أم لا ـ بعد اتفاقهم على أنهم معصومون من الكبائر ومن كل رذيلة فيها شين ونقص إجماعاً عند القاضي أبي بكر ، وعند الأستاذ أبي إسحاق أن ذلك مقتضى دليل المعجزة ، وعند المعتزلة أن ذلك مقتضى دليل العقل على أصولهم ـ ، فقال الطبري وغيره من الفقهاء والمتكلمين والمحدثين : تقع الصغائر منهم . خلافاً للرافضة حيث قالوا : إنهم معصومون من جميع ذلك ، واحتجوا بما وقع من ذلك في التنزيل وثبت من تنصلهم من ذلك في الحديث ، وهذا ظاهر لا خفاء فيه . وقال جمهور من الفقهاء من أصحاب مالك و أبي حنيفة و الشافعي : إنهم معصومون من الصغائر كلها كعصمتهم من الكبائر أجمعها ، لأنا أمرنا باتباعهم في أفعالهم وآثارهم وسيرهم أمراً مطلقاً من غير التزام قرينة ، فلو جوزنا عليهم الصغائر لم يمكن الاقتداء بهم ، إذ ليس كل فعل من أفعالهم يتميز مقصده من القربة والإباحة أو الحظر أو المعصية ، ولا يصح أن يؤمر المرء بامتثال أمر لعله معصية ، لا سيما على من يرى تقديم الفعل على القول إذا تعارضا من الأصوليين . قال الأستاذ أبو إسحاق الأسفرايني : واختلفوا في الصغائر ، والذي عليه الأكثر أن ذلك غير جائز عليهم ، وصار بعضهم الأول إلى تجويزها ، ولا أصل لهذه المقالة . وقال بعض المتأخرين ممن ذهب إلى القول الأول : الذي ينبغي أن يقال إن الله تعالى قد أخبر بوقوع ذنوب من بعضهم ونسبها إليهم وعاتبهم عليها ، وأخبروا بها عن نفوسهم وتنصلوا منها وأشفقوا منها وتابوا ، وكل ذلك ورد في مواضع كثيرة لا يقبل التأويل جملتها وإن قبل ذلك آحادها ، وكل ذلك مما لا يزري بمناصبهم ، وإنما تلك الأمور التي وقعت منهم على جهة الندور وعلى جهة الخطأ والنسيان ، أو تأويل دعا إلى ذلك فهي بالنسبة إلى غيرهم حسنات وفي حقهم سيئات ، بالنسبة إلى مناصبهم وعلو أقدارهم ، إذ قد يؤاخذ الوزير بما يثاب عليه السائس ، فأشفقوا من ذلك في موقف القيامة مع علمهم بالأمن والأمان والسلامة . قال : وهذا هو الحق . ولقد أحسن الجنيد حيث قال : حسنات الأبرار سيئات المقربين . فهم ـ صلوات الله عليهم ـ وإن كان قد شهدت النصوص بوقوع ذنوب منهم فلم يخل ذلك بمناصبهم ولا قدح في رتبهم ، بل قد تلافاهم واجتباهم ، وهداهم ومدحهم وزكاهم واختارهم واصطفاهم ، صلوات الله عليهم وسلامه .
الثالثة عشرة : قوله تعالى : "فتكونا من الظالمين" الظلم أصله وضع الشيء في غير موضعه . والأرض المظلومة : التي لم تحفر قط ثم حفرت . قال النابغة :
وقفت فيها أصيلاً لا أسائلها عيت جواباً وما بالربع من أحد
إلا الأواري لأيا ما أبينها والنؤي كالحوض بالمظلومة الجلد
ويسمى ذلك التراب الظليم . قال الشاعر :
فأصبح في غبراء بعد إشاحة على العيش مردود عليها ظليمها
وإذا نحر البعير من غير داء به فقد ظلم ، ومنه :
ظلامون للجزر
ويقال : سقانا ظليمة طيبة ، إذا سقاهم اللبن قبل إدراكه . وقد ظلم وطبه ، إذا سقى منه قبل أن يروب ويخرج زبده . واللبن مظلوم وظليم . قال :
وقائلة ظلمت لكم سقائي وهل يخفى على العكد الظليم
ورجل ظليم : شديد الظلم . والظلم : الشرك ، قال الله تعالى : "إن الشرك لظلم عظيم" .
قوله تعالى : "وكلا منها رغدا" حذفت النون من كلا لأنه أمر ، وحذفت الهمزة لكثرة الاستعمال ،، وحذفها شاذ . قال سيبويه : من العرب من يقول : أؤكل ، فيتم . يقال منه : أكلت الطعام أكلاً ومأكلاً . والأكلة ( بالفتح ) : المرة الواحدة حتى تشبع . والأكلة ( بالضم ) : اللقمة ، تقول : أكلت أكلة واحدة أي لقمة وهي القرصة أيضاً . وهذا الشيء أكلة لك ، أي طعمة لك . والأكل ايضاً ما أكل . ويقال : فلان ذو أكل ، إذا كان ذا حظ من الدنيا ورزق واسع . "رغدا" نعت لمصدر محذوف ، أي أكلا رغداً . قال ابن كيسان : ويجوز أن يكون مصدراً في موضع الحال . وقال مجاهد : رغداً أي لا حساب عليهم . والرغد في اللغة : الكثير الذي لا يعنيك ، ويقال : أرغد القوم ، إذا وقعوا في خصب وسعة . وقد تقدم في المعنى . و "حيث" مبنية على الضم ، لأنها خالفت أخواتها الظروف في أنها لا تضاف ، فأشبهت قبل وبعد إذا أفردتا فضمت . قال الكسائي : لغة قيس وكناية الضم ، ولغة تميم الفتح . قال الكسائي : وبنو أسد يخفضونها في موضع الخفض ، وينصبونها في موضع النصب ، قال الله تعالى : "سنستدرجهم من حيث لا يعلمون" وتضم وتفتح . "ولا تقربا هذه الشجرة" الهاء من هذه بدل من ياء الأصل ، لأن الأصل هذي . قال النحاس : ولا أعلم في العربية ها تأنيث مكسوراً ما قبلها إلا هاء هذه . و من العرب من يقول : هاتا هند ، ومنهم من يقول : هاتى هند . وحكى سيبويه : هذه هند ، بإسكان الهاء . وحكى الكسائي عن العرب : ولا تقربا هذي الشجرة . وعن شبل بن عباد قال : كان ابن كثير وابن محيصن لا يثبتان الهاء في هذه في جميع القرآن . وقراءة الجماعة رغدا بفتح الغين . وروي عن بان وثاب و النخعي أنهما سكنا الغين . وحكى سلمة عن الفراء قال يقال : هذه فعلت وهذي فعلت ، بإثبات ياء بعد الذال . وهذ فعلت بكسر الذال من غير إلحاق ياء ولا هاء . وهاتا فعلت . قال هشام ويقال : تافعلت . وأنشد :
خليلي لولا ساكن الدار لم أقم بتا الدار إلا عابر ابن سبيل
قال ابن الأنباري : وتا بإسقاط ها بمنزلة ذي بإسقاط ها من هذي ، وبمنزلة ذه بإسقاط ها من هذه . وقد قال الفراء : من قال هذ قامت لا يسقط ها ، لأن الاسم لا يكون على ذال واحدة .
"فتكونا" عطف على تقربا فلذلك حذفت النون . وزعم الجرمي أن الفاء هي الناصبة ، وكلاهما جائز .
يقول الله تعالى إخباراً عما أكرم به آدم: بعد أن أمر الملائكة بالسجود له فسجدوا إلا إبليس وأنه أباح له الجنة يسكن منها حيث يشاء ويأكل منها ما شاء رغداً أي هنيئاً واسعاً طيباً: وروى الحافظ أبو بكر بن مردويه من حديث محمد بن عيسى الدامغاني، حدثنا سلمة بن الفضل عن ميكائيل عن ليث عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر، قال: قلت يا رسول الله أريت آدم أنبياً كان ؟ قال: "نعم نبياً رسولاً كلمه الله قبلاً" ـ يعني عياناً ـ فقال: "اسكن أنت وزوجك الجنة" وقد اختلف في الجنة التي أسكنها آدم أهي في السماء أم في الأرض ؟ والأكثرون على الأول، وحكى القرطبي عن المعتزلة والقدرية القول بأنها في الأرض، وسيأتي تقرير ذلك في سورة الأعراف إن شاء الله تعالى، وسياق الأية يقتضي أن حواء خلقت قبل دخول آدم الجنة وقد صرح بذلك محمد بن إسحاق حيث قال: لما فرغ الله من معاتبة إبليس أقبل على آدم وقد علمه الأسماء كلها فقال يا آدم أنبئهم بأسمائهم إلى قوله: "إنك أنت العليم الحكيم" قال ثم ألقيت السنة على آدم فيما بلغنا عن أهل الكتاب من أهل التوراة وغيرهم من أهل العلم عن ابن عباس وغيره، ثم أخذ ضلعاً من أضلاعه من شقه الأيسر ولأم مكانه لحماً، وآدم نائم لم يهب من نومه حتى خلق الله من ضلعه تلك زوجته حواء فسواها امرأة ليسكن إليها، فلما كشف عنه السنة وهب من نومه رآها إلى جنبه فقال فيما يزعمون والله أعلم لحمي ودمي وزوجتي فسكن إليها، فلما زوجه الله وجعل له سكناً من نفسه قال له قبلاً: "يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغداً حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين" ويقال إن خلق حواء كان بعد دخول الجنة كما قال السدي في خبر ذكره عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة وعن ابن مسعود وعن ناس من الصحابة: أخرج إبليس من الجنة وأسكن آدم الجنة فكان يمشي فيها وجشاً ليس له زوج يسكن إليه فنام نومة فاستيقظ وعند رأسه امرأة قاعدة خلقها الله من ضلعه، فسألها: ما أنت ؟ قالت امرأة، قال: ولم خلقت ؟ قالت لتسكن إلي. قالت له الملائكة ينظرون ما بلغ من علمه، ما اسمها يا آدم، قال: حواء، قالوا: ولم سميت حواء ؟ قال: إنها خلقت من شيء حي. قال الله: "يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغداً حيث شئتما".
وأما قوله: "ولا تقربا هذه الشجرة" فهو اختبار من الله تعالى وامتحان لادم وقد اختلف في هذه الشجرة ما هي، فقال السدي عمن حدثه عن ابن عباس: الشجرة التي نهي عنها آدم عليه السلام هي الكرم، وكذا قال سعيد بن جبير والسدي والشعبي وجعدة بن هبيرة ومحمد بن قيس، وقال السدي أيضاً في خبر ذكره عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مره عن ابن مسعود وعن ناس من الصحابة "ولا تقربا هذه الشجرة" هي الكرم. وتزعم يهود أنها الحنطة. وقال ابن جرير وابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن اسماعيل بن سمرة الأحمسي حدثنا أبو يحيى الحماني حدثنا النضر أبو عمر الخراز عن عكرمة عن ابن عباس قال: الشجرة التي نهي عنها آدم عليه السلام هي السنبلة، وقال عبد الرزاق أنبأنا ابن عيينة وابن المبارك عن الحسن بن عمارة عن المنهال بن عمر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: هي السنبلة وقال محمد بن إسحاق عن رجل من أهل العلم عن حجاج عن مجاهد عن ابن عباس قال: هي البر وقال ابن جرير: وحدثني المثنى بن إبراهيم، حدثنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا القاسم حدثني رجل من بني تميم أن ابن عباس كتب إلى أبي الجلد يسأله عن الشجرة التي أكل منها آدم والشجرة التي تاب عندها آدم فكتب إليه أبو الجلد سألتني عن الشجرة التي نهي عنها آدم وهي السنبلة، وسألتني عن الشجرة التي تاب عندها آدم وهي الزيتونة، وكذلك فسره الحسن البصري ووهب بن منبه وعطية العوفي وأبو مالك ومحارب بن دثار وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وقال محمد بن إسحاق عن بعض أهل اليمن عن وهب بن منبه أنه كان يقول هي البر ولكن الحبة منها في الجنة ككلى البقر وألين من الزبد وأحلى من العسل، وقال سفيان الثوري عن حصين عن أبي مالك "ولا تقربا هذه الشجرة" قال النخلة: وقال ابن جرير عن مجاهد "ولا تقربا هذه الشجرة" قال التينة، وبه قال قتادة وابن جريج، وقال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية كانت الشجرة من أكل منها أحدث، ولا ينبغي أن يكون في الجنة حدث، وقال عبد الرزاق: حدثنا عمر بن عبد الرحمن بن مهران قال: سمعت وهب بن منبه يقول: لما أسكن الله آدم وزوجته الجنة ونهاه عن أكل الشجرة، وكانت شجرة غصونها متشعب بعضها من بعض، وكان لها ثمر تأكله الملائكة لخلدهم وهي الشجرة التي نهى الله عنها آدم وزوجته.
فهذه أقوال ستة في تفسير هذه الشجرة. قال الإمام أبو جعفر بن جرير رحمه الله: والصواب في ذلك أن يقال إن الله عز وجل ثناؤه: نهى آدم وزوجته عن أكل شجرة بعينها من أشجار الجنة دون سائر أشجارها فأكلا منها ولا علم عندنا بأي شجرة كانت على التعيين، لأن الله لم يضع لعباده دليلاً على ذلك في القرآن ولا من السنة الصحيحة، وقد قيل: كانت شجرة البر وقيل كانت شجرة العنب وقيل كانت شجرة التين، وجائز أن تكون واحدة منها، وذلك علم إذا علم لم ينفع العالم به علمه، وإن جهله جاهل لم يضره جهله به، والله أعلم، وكذلك رجح الإبهام الرازي في تفسيره وغيره وهو الصواب، وقوله تعالى: "فأزلهما الشيطان عنها" يصح أن يكون الضمير في قوله عنها عائداً إلى الجنة فيكون معنى الكلام كما قرأ عاصم بن بهدلة وهو ابن أبي النجود فأزالهما أي فنحاهما: ويصح أن يكون عائداً على أقرب المذكورين وهو الشجرة فيكون معنى الكلام كما قال الحسن وقتادة فأزلهما أي من قبل الزللن فعلى هذا يكون تقدير الكلام "فأزلهما الشيطان عنها" أي بسببها، كما قال تعالى: "يؤفك عنه من أفك" أي يصرف بسببه من هو مأفوك، ولهذا قال تعالى "فأخرجهما مما كانا فيه" أي من اللباس والمنزل الرحب والرزق الهنيء والراحة " وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين " أي قرار وأرزاق وآجال ـ إلى حين ـ أي إلى وقت ومقدار معين ثم تقوم القيامة، وقد ذكر المفسرون من السلف كالسدي بأسانيده وأبي العالية ووهب بن منبه وغيرهم ههنا أخباراً إسرائيلية عن قصة الحية وإبليس، وكيف جرى من دخول إبليس إلى الجنة ووسوسته، وسنبسط ذلك إن شاء الله في سورة الأعراف فهناك القصة أبسط منها ههنا، والله الموفق، وقد قال ابن أبي حاتم ههنا: حدثنا علي بن الحسن بن إشكاب، حدثنا علي بن عاصم عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله خلق آدم رجلاً طوالاً كثير شعر الرأس كأنه نخلة سحوق فلما ذاق الشجرة سقط عنه لباسه، فأول ما بدا منه عورته، فلما نظر إلى عورته جعل يشتد في الجنة فأخذت شعره شجرة فنازعها فناداه الرحمن: يا آدم مني تفر فلما سمع كلام الرحمن قال: يا رب لا، ولكن استحياء ". قال: وحدثني جعفر بن أحمد بن الحكم القرشي سنة أربع وخمسين ومائتين، حدثنا سليمان بن منصور بن عمار حدثنا علي بن عاصم عن سعيد عن قتادة عن أبي بن كعب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لما ذاق آدم من الشجرة فر هارباً فتعلقت شجرة بشعره فنودي: يا آدم أفراراً مني ؟ قال: بل حياء منك، قال: يا آدم اخرج من جواري فبعزتي لا يساكنني فيها من عصاني، ولو خلقت مثلك ملء الأرض خلقاً ثم عصوني لأسكنتهم دار العاصين" هذا حديث غريب وفيه انقطاع بل إعضال بين قتادة وأبي بن كعب رضي الله عنهما. وقال الحاكم حدثنا أبو بكر بن بالويه عن محمد بن أحمد بن النضر عن معاوية بن عمرو عن زائدة عن عمار بن أبي معاوية البجلي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، قال: ما أسكن آدم الجنة إلا ما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس، ثم قال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وقال عبد بن حميد في تفسيره حدثنا روح عن هشام عن الحسن، قال: لبث آدم في الجنة ساعة من نهار تلك الساعة ثلاثون ومائة سنة من أيام الدنيا. وقال أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، قال: خرج آدم من الجنة للساعة التاسعة أو العاشرة فأخرج آدم معه غصناً من شجر الجنة على رأسه تاج من شجر الجنة وهو الإكليل من ورق الجنة. وقال السدي: قال الله تعالى: "اهبطوا منها جميعاً" فهبطوا ونزل آدم بالهند ونزل معه الحجر الأسود وقبضة من ورق الجنة، فبثه بالهند فنبتت شجرة الطيب فإنما أصل ما يجاء به من الطيب من الهند من قبضة الورق التي هبط بها آدم، وإنما قبضها آدم أسفاً على الجنة حين أخرج منها، وقال عمران بن عيينة. عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، قال: أهبط آدم من الجنة بدحنا أرض الهند. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جريرعن عطاء عن سعيد عن ابن عباس قال: أهبط آدم عليه السلام إلى أرض يقال لها دحنا بين مكة والطائف. وعن الحسن البصري قال: أهبط آدم بالهند ، وحواء بجدة، وإبليس بدستميسان من البصرة على أميال، وأهبطت الحية بأصبهان، رواه ابن أبي حاتم. وقال محمد بن أبي حاتم: حدثنا محمد بن عمار بن الحارث حدثنا محمد بن سابق حدثنا عمر بن أبي قيس عن الزبير بن عدي عن ابن عمر قال: أهبط آدم بالصفا وحواء بالمروة. وقال رجاء بن سلمة أهبط آدم عليه السلام يداه على ركبتيه مطأطئاً رأسه، وأهبط إبليس مشبكاً بين أصابعه رافعاً رأسه إلى السماء وقال عبد الرزاق قال معمر أخبرني عوف عن قسامة بن زهير عن أبي موسى، قال: إن الله حين أهبط آدم من الجنة إلى الأرض علمه صنعة كل شيء وزوده من ثمار الجنة، فثماركم هذه من ثمار الجنة غير أن هذه تتغير وتلك لا تتغير ، وقال الزهري عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه أدخل الجنة وفيه أخرج منها" رواه مسلم والنسائي. وقال الرازي: أعلم أن في هذه الاية تهديداً عظيماً عن كل المعاصي من وجوه (الأول) أن من تصور ما جرى على آدم بسبب إقدامه على هذه الزلة الصغيرة كان على وجل شديد من المعاصي، قال الشاعر:
يا ناظراً يرنو بعيني راقد ومشاهداً للأمر غير مشاهد
تصل الذنوب إلى الذنوب وترتجي درج الجنان ونيل فوز العابد
أنسيت ربك حين أخرج آدما منها إلى الدنيا بذنب واحد
وقال ابن القاسم:
ولكننا سبي العدو فهل ترى نعود إلى أوطاننا ونسلم
قال الرازي عن فتح الموصلي أنه قال: كنا قوماً من أهل الجنة فسبانا إبليس إلى الدنيا، فليس لنا إلا الهم والحزن حتى نرد إلى الدار التي أخرجنا منها. فإن قيل: فإذا كانت جنة آدم التي أخرج منها في السماء كما يقوله الجمهور من العلماء ، فكيف تمكن إبليس من دخول الجنة، وقد طرد من هنالك طرداً قدرياً، والقدري لا يخالف ولا يمانع ؟ فالجواب: أن هذا بعينه استدل به من يقول: إن الجنة التي كان فيها آدم في الأرض لا في السماء ، كما قد بسطنا هذا في أول كتابنا البداية والنهاية، وأجاب الجمهور بأجوبة، أحدها: أنه منع من دخول الجنة مكرماً، فأما على وجه السرقة والإهانةن فلا يمتنعن ولهذا قال بعضهم: كما جاء في التوراة أنه دخل في فم الحية إلى الجنة. وقد قال بعضهم: يحتمل أنه وسوس لهما وهو خارج باب الجنة. وقال بعضهم: يحتمل أنه وسوس لهما وهو في الأرض، وهما في السماء، ذكرها الزمخشري وغيره. وقد أورد القرطبي ههنا أحاديث في الحيات وقتلهن وبيان حكم ذلك، فأجاد وأفاد.
35- "اسكن" أي اتخذ الجنة مسكناً وهو محل السكون، وأما ما قاله بعض المفسرين من أن في قوله: "اسكن" تنبيهاً على الخروج لأن السكنى لا تكون ملكاً وأخذ ذلك من قول جماعة من العلماء أن من أسكن رجلاً منزلاً له فإنه لا يملكه بذلك، وإن له أن يخرجه منه، فهو معنى عرفي، والواجب الأخذ بالمعنى العربي إذا لم تثبت في اللفظ حقيقة شرعية. و"أنت" تأكيد للضمير المستكن في الفعل ليصح العطف عليه كما تقرر في علم النحو أنه لا يجوز العطف على الضمير المرفوع المستكن إلا بعد تأكيده بمنفصل. وقد يجيء العطف نادراً بغير تأكيد كقول الشاعر:
قلت إذ أقبلت وزهر تهادى كنعاج الملا تعسفن رملا
وقوله: "وزوجك" أي حواء وهذه هي اللغة الفصيحة زوج بغير هاء، وقد جاء بها قليلاً كما في صحيح مسلم من حديث أنس "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مع إحدى نسائه، فمر به رجل فدعاه وقال: يا فلان هذه زوجتي فلانة" الحديث، ومنه قول الشاعر:
وإن الذي يسعى ليفسد زوجتي كساع إلى أسد الشرى يستميلها
و"رغداً" بفتح المعجمة، وقرأ النخعي وابن وثاب بسكونها، والرغد: العيش الهنيء الذي لا عناء فيه، وهو منصوب على الصفة لمصدر محذوف. و"حيث" مبنية على الضم وفيها لغات كثيرة مذكورة في كتب العربية. والقرب: الدنو. قال في الصحاح: قرب الشيء بالضم يقرب قرباً: أي دنا، وقربته بالكسر أقربه قرباناً: أي دنوت منه، وقربت أقرب قرابة مثل كتبت أكتب كتابة: إذا سرت إلى الماء وبينك وبينه ليلة، والاسم القرب قال الأصمعي: قلت لأعرابي: ما القرب؟ قال: سير الليل لورود الغد. والنهي عن القرب فيه سد للذريعة وقطع للوسيلة، ولهذا جاء به عوضاً عن الأكل، ولا يخفى أن النهي عن القرب لا يستلزم النهي عن الأكل، لأنه قد يأكل من ثمر الشجرة من هو بعيد عنها إذا يحمل إليه، فالأولى أن يقال: المنع من الأكل مستفاد من المقام. والشجر: ما كان له ساق من نبات الأرض وواحدة شجرة وقرئ بكسر الشين وبالياء المثناة من تحت مكان الجيم. وقرأ ابن محيصن هذي بالياء بدل الهاء وهو الأصل. واختلف أهل العلم في تفسير هذه الشجرة، فقيل: هي الكرم وقيل: السنبلة، وقيل: التين، وقيل: الحنطة، وسيأتي ما روي عن الصحابة فمن بعدهم في تعيينها. وقوله: "فتكونا" معطوف على "تقربا" في الكشاف، أو نصب في جواب النهي وهو الأظهر. والظلم أصله: وضع الشيء في غير موضعه، والأرض المظلومة: التي لم تحفر قط ثم حفرت، ورجل ظليم: شديد الظلم. والمراد هنا "فتكونا من الظالمين" لأنفسهم بالمعصية، وكلام أهل العلم في عصمة الأنبياء واختلاف مذاهبهم في ذلك مدون في مواطنه، وقد أطال البحث في ذلك الرازي في تفسيره في هذا الموضع فليرجع إليه فإنه مفيد.
35. قوله تعالى " وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة " وذلك أن آدم لم يكن له في الجنة من يجانسه فنام نومة فخلق الله زوجته حواء من قصيراء من شقه الأيسر، وسميت حواء لأنها خلقت من حي، خلقها الله عز وجل من غير أن أحس به آدم ولا وجد له ألماً، ولو وجد ألماً لما عطف رجل على امرأة قط فلما هب من نهومه رآها جالسة عند رأسه (كأحسن ما في) خلق الله فقال لها: من أنت؟ قالت زوجتك خلقني الله لك تسكن إلي وأسكن إليك " وكلا منها رغداً " واسعاً كثيراً " حيث شئتما " كيف شئتما ومتى شئتما وأين شئتما " ولا تقربا هذه الشجرة " يعني للأكل، وقال بعض لاعلماء: وقع النهي على جنس من الشجر. وقالى آخرون: على شجرة مخصوصة، واختلفوا في تلك الشجرة، قال ابن عباس و محمد بن كعب و مقاتل : هي السنبلة وقال ابن مسعود: هي شجرة العنب. وقال ابن جريج : شجرة التين، وقال قتادة : شجرة العلم وفيها من كل شيء، وقال علي رضي الله عنه: شجرة الكافور " فتكونا " فتصيرا " من الظالمين " أي: الضارين بأنفسكما بالمعصية، وأصل الظلم، وضع الشيء في غير موضعه.
35-" وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة " السكن من السكون لأنها استقرار ولبث ، و " أنت " تأكيد أكد به المستكن ليصبح العطف عليه ، وإنما لم يخاطبهما أولاً تنبيهاً على أنه المقصود بالحكم والمعطوف عليه تبع له . والجنة دار الثواب ، لأن اللام للعهد ولا معهود غيرها . ومن زعم أنها لم تخلق بعد قال إنه بستان كان بأرض فلسطين ، أو بين فارس وكرمان خلقه الله تعالى امتحاناً لآدم ، وحمل الإهباط على الانتقال منه إلى أرض الهند كما في قوله تعالى : " اهبطوا مصراً " " وكلا منها رغدا " واسعاً رافهاً ، صفة مصدر محذوف .
" حيث شئتما " أي مكان من الجنة شئتما ، وسع الأمر عليهما إزاحة للعملة ، والعذر في التناول من الشجرة المنهي عنها من بين أشجارها الفائتة للحصر .
" ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين " فيه مبالغات ، تعليق النهي بالقرب الذي هو من مقدمات التناول مبالغة في تحريمه ، ووجوب الاجتناب عنه ، وتنبيهاً على أن القرب من الشئ يورث داعية ، وميلاً يأخذ بمجامع القلب ويلهيه عما هو مقتضى العقل والشرع ، كما روي " حبك الشئ يعمي ويصم " فينبغي أن لا يحوما حول ما حرم الله عليهما مخافة أن يقعا فيه ، وجعله سبباً لأن يكون من الظالمين الذين ظلموا أنفسهم بارتكاب المعاصي ، أو بنقص حظهما بالإتيان بما يخل بالكرامة والنعيم ، فإن الفاء تفيد السببية سواء جعلت للعطف على النهي أو الجواب له . والشجرة هي الحنطة ، أو الكرمة ، أو التينة ، أو شجرة من أكل منها أحدث ، والأولى أن لا تعين من غير قاطع كما لم تعين في الآية لعدم توقف ما هو المقصود عليه . وقرئ بكسر الشين ، وتقرباً بكسر التاء وهذي بالياء .
35. And We said: O Adam! Dwell thou and thy wife in the Garden, and eat ye freely (of the fruits) thereof where ye will; but come not nigh this tree lest ye become wrongdoers.
35 - We said: O Adam! dwell thou And thy wife in the Garden; and eat of the bountiful things therein as (where and when) ye will; but approach not this tree, Or ye run into harm and transgression.