[البقرة : 284] لِّلَّهِ ما فِي السَّمَاواتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
(لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا) تظهروا (ما في أنفسكم) من السوء والعزم عليه (أو تخفوه) تسروه (يحاسبكم) يخبركم (به الله) يوم القيامة (فيغفر لمن يشاء) المغفرة له (ويعذب من يشاء) تعذيبه والفعلان بالجزم عطف على جواب الشرط والرفع أي فهو (والله على كل شيء قدير) ومنه محاسبتكم وجزاؤكم
قال أبو جعفر: اختلفت القرأة في قراءة ذلك.
فقرأته القرأة في الأمصار جميعاً "كاتبا"، بمعنى: ولم تجدوا من يكتب لكم كتاب الدين الذي تداينتموه إلى أجل مسمىً، "فرهان مقبوضة".
وقرأ جماعة من المتقدمين: ولم تجدوا كتاباً، بمعنى: ولم يكن لكم إلى اكتتاب كتاب الدين سبيل، إما بتعذر الدواة والصحيفة، وإما بتعذر الكاتب وإن وجدتم الدواة والصحيفة.
والقراءة التي لا يجوز غيرها عندنا هي قراءة الأمصار، "ولم تجدوا كاتبا"، بمعنى: من يكتب. لأن ذلك كذلك في مصاحف المسلمين.
[قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه]: وإن كنتم، أيها المتداينون، في سفر بحيث لا تجدون كاتباً يكتب لكم، ولم يكن لكم إلى اكتتاب كتاب الدين الذي تداينتموه إلى أجل مسمى بينكم الذي أمرتكم باكتتابه والإشهاد عليه سبيل، فارتهنوا بديونكم التي تداينتموها إلى الأجل المسمى رهوناً تقبضونها ممن تداينونه كذلك، ليكون ثقةً لكم بأموالكم.
ذكر من قال ما قلنا في ذلك:
حدثني المثنى قال، حدثنا إسحق قال، حدثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك قوله: "وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة"، فمن كان على سفر فبايع بيعاً إلى أجل فلم يجد كاتباً، فرخص له في الرهان المقبوضة، وليس له إن وجد كاتباً أن يرتهن.
حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قوله: "وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا"، يقول: كاتباً يكتب لكم، "فرهان مقبوضة".
حدثني يحيى بن أبي طالب قال، أخبرنا يزيد قال، أخبرنا جويبر، عن الضحاك قال: ما كان من بيع إلى أجل، فأمر الله عز وجل أن يكتب ويشهد عليه، وذلك في المقام. فإن كان قوم على سفر تبايعوا إلى أجل فلم يجدوا [كاتبا]، فرهان مقبوضة.
ذكر من تأول ذلك على القراءة التي حكيناها:
حدثنا أبو كريب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا يزيد بن أبي زياد، عن مقسم، عن ابن عباس: فإن لم تجدوا كتاباً، يعني بالكتاب، الكاتب والصحيفة والدواة والقلم.
حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية قال، أخبرنا ابن جريج قال، أخبرني أبي، عن ابن عباس أنه قرأ: فإن لم تجدوا كتاباً، قال: ربما وجد الرجل الصحيفة ولم يجد كاتباً.
حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية قال، حدثنا ابن أبي نجيح، عن مجاهد: كان يقرأها: فإن لم تجدوا كتاباً، ويقول: ربما وجد الكاتب ولم توجد الصحيفة أو المداد، ونحو هذا من القول.
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كتاباً، يقول: مداداً -يقرأها كذلك- يقول: فإن لم تجدوا مداداً، فعند ذلك تكون الرهون المقبوضة، فرهن مقبوضة، قال: لا يكون الرهن إلا في السفر.
حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج قال، حدثنا حماد بن زيد، عن شعيب بن الحبحاب قال: إن أبا العالية كان يقرؤها: فإن لم تجدوا كتاباً، قال أبو العالية: توجد الدواة ولا توجد الصحيفة.
قال أبو جعفر: واختلف القرأة في قراءة قوله: "فرهان مقبوضة".
فقرأ ذلك عامة قرأة الحجاز والعراق: "فرهان مقبوضة"، بمعنى جماع رهن كما الكباش جماع كبش، والبغال جماع بغل و النعال جماع نعل.
وقرأ ذلك جماعة آخرون: فرهن مقبوضة على معنى جمع: رهان، ورهن جمع الجمع. وقد وجهه بعضهم إلى أنها جمع رهن، مثل سقف وسقف.
وقرأه آخرون فرهن مخففة الهاء على معنى جماع رهن، كما تجمع السقف سقفاً. قالوا: ولا نعلم اسماً على فعل يجمع على فعل وفعل إلا الرهن والرهن، والسقف والسقف.
قال أبو جعفر: والذي هو أولى بالصواب في ذلك قراءة من قرأه: "فرهان مقبوضة". لأن ذلك الجمع المعروف لما كان من اسم على فعل، كما يقال: حبل وحبال و كعب وكعاب، ونحو ذلك من الأسماء. فأما جمع الفعل على الفعل أو الفعل فشاذ قليل، إنما جاء في أحرف يسيرة وقيل: سقف وسقف وسقف وقلب وقلب وقلب من: قلب النخل. وجد وجد، للجد الذي هو بمعنى الحظ. وأما ما جاء من جمع فعل على فعل فـ ثط، وثط، و ورد وورد و خود وخود.
وإنما دعا الذي قرأ ذلك: فرهن مقبوضة إلى قراءته فيما أظن كذلك، مع شذوذه في جمع فعل، أنه وجد الرهان مستعملة في رهان الخيل، فأحب صرف ذلك عن اللفظ الملتبس برهان الخيل، الذي هو بغير معنى الرهان الذي هو جمع رهن، ووجد الرهن مقولاً في جمع رهن، كما قال قعنب:
بانت سعاد وأمسى دونها عدن وغلقت عندها من قلبك الرهن
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: فإن كان المدين أميناً عند رب المال والدين فلم يرتهن منه في سفره رهنا بدينه لأمانته عنده على ماله وثقته، "وليتق الله"، المدين "ربه"، يقول: فليخف الله ربه في الذي عليه من دين صاحبه أن يجحده، أو يلط دونه، أو يحاول الذهاب به، فيتعرض من عقوبة الله لما لا قبل له به، وليؤد دينه الذي ائتمنه عليه، إليه.
وقد ذكرنا قول من قال: هذا الحكم من الله عز وجل ناسخ الأحكام التي في الآية قبلها: من أمر الله عز وجل بالشهود والكتاب. وقد دللنا على أولى ذلك بالصواب من القول فيه، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع. وقد:
حدثني يحيى بن أبي طالب قال، أخبرنا يزيد قال، أخبرنا جويبر، عن الضحاك في قوله: "فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته"، إنما يعني بذلك: في السفر، فأما الحضر فلا، وهو واجد كاتباً، فليس له أن يرتهن ولا يأمن بعضهم بعضاً.
قال أبو جعفر: وهذا الذي قاله الضحاك، من أنه ليس لرب الدين ائتمان المدين وهو واجد إلى الكاتب والكتاب والإشهاد عليه سبيلاً، وإن كان في سفر، فكما قال، لما قد دللنا على صحته فيما مضى قبل.
وأما ما قاله، من أن الأمر في الرهن أيضاً كذلك، مثل الائتمان: في أنه ليس لرب الحق الارتهان بماله إذا وجد إلى الكاتب والشهيد سبيلاً، في حضر أو سفر، فإنه قول لا معنى له، لصحة الخبر "عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
أنه اشترى طعاماً نساءً، ورهن به درعاً له".
فجائز للرجل أن يرهن بما عليه، ويرتهن بما له من حق، في السفر والحضر- لصحة الخبر بما ذكرنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن معلوماً أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن -حين رهن من ذكرنا- غير واجد كاتباً ولا شهيداً، لأنه لم يكن متعذراً عليه بمدينته في وقت من الأوقات الكاتب والشاهد، غير أنهما إذا تبايعا برهن، فالواجب عليهما -إذا وجدا سبيلاً إلى كاتب وشهيد، أو كان البيع أو الذين إلى أجل مسمى- أن يكتبا ذلك ويشهدا على المال والرهن. وإنما يجوز ترك الكتاب والإشهاد في ذلك، حيث لا يكون لهما إلى ذلك سبيل.
قال أبو جعفر: وهذا خطاب من الله عز وجل للشهود الذين أمر المستدين ورب المال بإشهادهم، فقال لهم: "ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا"- ولا تكتموا، أيها الشهود، بعد ما شهدتم شهادتكم عند الحكام، كما شهدتم على ما شهدتم عليه، ولكن أجيبوا من شهدتم له إذا دعاكم لإقامة شهادتكم على خصمه على حقه عند الحاكم الذي يأخذ له بحقه.
ثم أخبر الشاهد جل ثناؤه ما عليه في كتمان شهادته، وإبائه من أدائها والقيام بها عند حاجة المستشهد إلى قيامه بها عند حاكم أو ذي سلطان، فقال: "ومن يكتمها". يعني: ومن يكتم شهادته، "فإنه آثم قلبه"، يقول: فاجر قلبه، مكتسب بكتمانه إياها معصية الله، كما:
حدثني المثنى قال، أخبرنا إسحق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: "ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه"، فلا يحل لأحد أن يكتم شهادةً هي عنده، وإن كانت على نفسه والوالدين، ومن يكتمها فقد ركب إثماً عظيماً.
حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي قوله: "ومن يكتمها فإنه آثم قلبه"، يقول: فاجر قلبه.
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قال: أكبر الكبائر الإشراك بالله، لأن الله يقول: "إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار" [المائدة: 72]، وشهادة الزور، وكتمان الشهادة، لأن الله عز وجل يقول: "ومن يكتمها فإنه آثم قلبه".
وقد روي عن ابن عباس أنه كان يقول: على الشاهد أن يشهد حيثما استشهد ويخبر بها حيث استخبر.
حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن محمد بن مسلم قال، أخبرنا عمرو بن دينار، عن ابن عباس قال: إذا كانت عندك شهادة فسألك عنها فأخبره بها، ولا تقل: أخبر بها عند الأمير، أخبره بها، لعله يراجع أو يرعوي.
وأما قوله: "والله بما تعملون عليم"، فإنه يعني: "بما تعملون" في شهادتكم من إقامتها والقيام بها، أو كتمانكم إياها عند حاجة من استشهدكم إليها، وبغير ذلك من سرائر أعمالكم وعلانيتها، "عليم"، يحصيه عليكم، ليجزيكم بذلك كله جزاءكم، إما خيراً وإما شراً على قدر استحقاقكم.
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: "لله ما في السماوات وما في الأرض"، لله ملك كل ما في السموات وما في الأرض من صغير وكبير، وإليه تدبير جميعه، وبيده صرفه وتقليبه، لا يخفى عليه منه شيء، لأنه مدبره ومالكه ومصرفه.
وإنما عنى بذلك جل ثناؤه كتمان الشهود الشهادة، يقول: لا تكتموا الشهادة أيها الشهود،ومن يكتمها يفجر قلبه، ولن يخفى علي كتمانه ذلك، لأني بكل شيء عليم، وبيدي صرف كل شىء في السموات والأرض وملكه، أعلم خفي ذلك وجليه، فاتقوا عقابي إياكم على كتمانكم الشهادة، وعيداً من الله بذلك من كتمها، وتخويفا منه له به.
ثم أخبرهم عما هو فاعل بهم في آخرتهم وبمن كان من نظرائهم ممن انطوى كشحاً على معصية فأضمرها، أو أظهر موبقة فأبداها من نفسه- من المحاسبة عليها فقال: "وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه"، يقول: وإن تظهروا فيما عندكم من الشهادة على حق رب المال الجحود والإنكار، أو تخفوا ذلك فتضمروه في أنفسكم، وغير ذلك من سيىء أعمالكم، "يحاسبكم به الله"، يعني بذلك: يحتسب به عليكم من أعمالكم، فمجاز من شاء منكم من المسيئين بسوء عمله، وغافر لمن شاء منكم من المسيئين.
ثم اختلف أهل التأويل فيما عنى بقوله: "وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله".
فقال بعضهم بما قلنا: من أنه عنى به الشهود في كتمانهم الشهادة، وأنه لاحق بهم كل من كان من نظرائهم ممن أضمر معصية أو أبداها.
ذكر من قال ذلك:
حدثني أبو زائدة زكريا بن يحيى بن أبي زائدة قال، حدثنا ابن فضيل، عن يزيد بن أبي زياد، عن مجاهد، عن ابن عباس في قوله: "وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله"، يقول: يعني في الشهادة.
حدثنا ابن بشار قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا سفيان، عن يزيد بن أبي زياد، عن مقسم، عن ابن عباس في قوله: "وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه"، قال: في الشهادة.
حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا عبد الأعلى قال: سئل داود عن قوله: "وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله"، فحدثنا عن عكرمة قال: هي الشهادة إذا كتمتها.
حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن عمرو وأبي سعيد: أنه سمع عكرمة يقول في هذه الآية: "وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه"، قال: في الشهادة.
حدئنا ابن بشار قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا سفيان، عن السدي ، عن الشعبي في قوله. "وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه"، قال: في الشهادة.
حدثنا يعقوب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا يزيد بن أبي زياد، عن مقسم، عن ابن عباس انه قال في هذه الآية، "وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله"، قال: نزلت في كتمان الشهادة وإقامتها.
حدثني يحيى بن أبي طالب قال، أخبرنا يزيد قال، أخبرنا جويبر، عن عكرمة في قوله: "وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله"، يعني: كتمان الشهادة لاقامتها على وجهها.
وقال آخرون: بل نزلت هذه الأية إعلاماً من الله تبارك وتعالى عباده أنه مؤاخذهم بما كسبته أيديهم وحدثتهم به أنفسهم مما لم يعملوه.
ثم اختلف متاؤلو ذلك كذلك.
فقال بعضهم: ثم نسخ الله ذلك بقوله: "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت" [البقرة : 286].
ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كريب قال، حدثنا إسحق بن سليمان، عن مصعب بن ثابت، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: لما نزلت: "لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله"، اشتد ذلك على القوم، فقالوا: يا رسول الله، إنا لمؤاخذون بما نحدث به أنفسنا؟ هلكنا! فانزل الله عز وجل: "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها" الآية إلىقوله: "ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا" [البقرة : 286]، قال أبي:" قال أبو هريرة: قال رسول الله صلى الله عليك وسلم: قال الله: نعم- "ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا" " إلى آخر الآية-قال أبي: " قال أبو هريرة: قال رسول الله صلى الله عليك وسلم : قال الله عز وجل : نعم " .
حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع، وحدثنا سفيان بن وكيع قال حدثنا أبي قال، حدثنا سفيان، عن آدم بن سليمان مولى خالد بن خالد قال، سمعت سعيد بن جبير يحدث، عن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الآية: "وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء"، دخل قلوبهم منها شيء لم يدخلها من شيء، "فقال رسول الله صلى الله عليك وسلم: سمعنا وأطعنا وسلمنا". قال: فألقى الله عز وجل الإيمان في قلوبهم، قال: فانزل الله عز وجل: "آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه" [البقرة :285]، قال أبو كريب: فقرأ "ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا" [البقرة : 286]، قال فقال: قد فعلت، "ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا" [البقرة : 286]، قال: قد فعلت، "ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به" [البقرة: 286]، قال: قد فعلت، "واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين" [البقرة : 286]، قال: قد فعلت.
حدثني أبو الرداد المصري عبدالله بن عبد السلام قال، حدثنا أبو زرعة وهب الله بن راشد، عن حيوة بن شريح قال، سمعت يزيد بن أبي حبيب يقول: قال ابن شهاب، حدثني سعيد بن مرجانة قال: جئت عبدالله بن عمر فتلا هذه الآية: "وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء". ثم قال ابن عمر: لئن آخذنا بهذه الأية، لنهلكن! ثم بكى ابن عمر حتى سالت دموعه. قال: ثم جئت عبدالله بن العباس فقلت: يا ابا العباس، إنى جئت ابن عمر فتلا هذه اللآية: "وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه" الآية، ثم قال: لئن واخذنا بهذه الآية لنهلكن! ثم بكى حتى سالت دموعه! فقال ابن عباس : يغفر الله لعبدالله بن عمر! لقد فرق أصحاب رسول الله صلى الله عليك وسلم منها كما فرق ابن عمر منها، فانزل الله "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت" [البقرة: 286]، فنسخ الله الوسوسة، وأثبت القول والفعل.
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني يونس بن يزيد، عن ابن شهاب، عن سعيد بن مرجانة يحدث: أنه بينا هو جالس سمع عبدالله بن عمر تلا هذه الآية، "لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه" الآية، فقال: والله لئن آخذنا الله بهذا لنهلكن! ثم بكى ابن عمر حتى سمع نشيجه، فقال ابن مرجانة: فقمت حتى أتيت ابن عباس فذكرت له ما تلا ابن عمر، وما فعل حين تلاها، فقال عبدالله بن عباس: يغفر الله لأبي عبد الرحمن! لعمري لقد وجد المسلمون منها حين أنزلت مثل ما وجد عبدالله بن عمر، فانزل الله بعدها "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها" [البقرة : 286] إلى آخر السورة. قال ابن عباس: فكانت هذه الوسوسة مما لا طاقة للمسلمين بها، وصار الأمر أن قضى الله عز وجل أن للنفس ما كسبت وعليها ما اكتسبت في القول والفعل.
حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر قال، سمعت الزهري يقول في قوله: "وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه"، قال: قرأها ابن عمر فبكى وقال: إنا لمؤاخذون بما نحدث به أنفسنا! فبكى حتى سمع نشيجه، فقام رجل من عنده فأتى ابن عباس فذكر ذلك له، فقال: رحم اللة ابن عمر، لقد وجد المسلمون نحواً مما وجد، حتى نزلت "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت" [البقرة: 286].
حدثني المثنى قال، حدثنا إسحق قال، حدثنا عبد الرزاق، عن جعفر بن سليمان، عن حميد الأعرج، عن مجاهد قال: كنت عند ابن عمر فقال: "وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه"، الآية، فبكى. فدخلت على ابن عباس فذكرت له ذلك، فضحك ابن عباس فقال: يرحم الله ابن عمر! أو ما يدري فيم أنزلت؟ إن هذه الآية حين أنزلت غمت أصحاب رسول الله صلى الله عليك وسلم غماً شديداً وقالوا: يا رسول الله، هلكنا! "فقال لهم رسول الله صلى الله عليك وسلم : قولوا : سمعنا وأطعنا"، فنسختها: "آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله" إلى قوله: "وعليها ما اكتسبت" [البقرة :285] فتجوز لهم من حديت النفس، وأخذوا بالأعمال.
حدثني المثنى قال، حدثنا إسحق قال، حدثنا يزيد بن هرون، عن سفيان بن حسين، عن الزهري، عن سالم: أن أباه قرأ: "وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله"، فدمعت عينه، فبلغ صنيعه ابن عباس، فقال: يرحم الله أبا عبد الرحمن! لقد صنع كما صنع أصحاب رسول الله صلى الله عليك وسلم حين أنزلت، فنسختها الآية التي بعدها: "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها" [البقرة:286].
حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا سفيان، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير قال: نسخت هذه الاية: "وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه"- "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها" [البقرة: 286].
حدثنا ابن بشار قال، حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا سفيان، عن آدم بن سليمان، عن سعيد بن جبير قال: لما نزلت هذه الآية: "وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه"، قالوا: أنؤاخذ بما حدثنا به أنفسنا، ولم تعمل به جوارحنا؟ قال: فنزلت هذه الآية: "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا" [البقرة : 286]، قال: ويقول: قد فعلت. قال: فاعطيت هذه الأمة خواتيم سورة البقرة، لم تعطها الأمم قبلها.
حدثنا أبو كريب قال، حدثنا جابر بن نوح قال، حدثنا إسماعيل، عن عامر: "وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء"، قال: فنسختها الآية بعدها، قوله: "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت" [البقرة : 286].
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن الشعبي: "وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله"، قال: نسختها الآية التي بعدها: "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها" [البقرة : 286]، وقوله: "وإن تبدوا"، قال: يحاسب بما أبدى من سر أو أخفى من سر، فنسختها التي بعدها.
حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا سيار، عن الشعبي قال: لما نزلت هذه الآية: "وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء"، قال: فكان فيها شدة، حتى نزلت هذه الآية التي بعدها: "لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت" [البقرة: 286]، قال: فنسخت ما كان قبلها.
حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية، عن ابن عون قال: ذكروا عند الشعبي: "وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه" حتى بلغ "لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت" [البقرة : 286]، قال: فقال الشعبي: إلى هذا صار، رجعت إلى آخر الآية.
حدثني يحيى بن أبي طالب قال، أخبرت يزيد قال، أخبرنا جويبر، عن الضحاك في قوله: "وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه"، قال قال ابن مسعود: كانت المحاسبة قبل أن تنزل: "لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت" [البقرة: 286]، فلما نزلت نسخت الآية التي كانت قبلها.
حدثت عن الحسين قال، سمعت أبا معاذ يقول، حدثنا عبيد قال، سمعت الضحاك يذكر، عن ابن مسعود نحوه.
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن بيان، عن الشعبي قال: نسخت "وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه"، "لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت" [البقرة: 286].
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي ، عن موسى بن عبيدة، عن محمد بن كعب، وسفيان، عن جابر، عن مجاهد، وعن إبراهيم بن مهاجر، عن مجاهد قالوا: نسخت هذه الاية "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها" [البقرة: 286]، "وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه"، الآية.
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن إسرائيل، عن جابر، عن عكرمة وعامر بمثله.
حدثنا المثنى قال، حدثنا الحجاج قال: حدثنا حماد، عن حميد، عن الحسن في قوله: "وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه"إلى آخر الآية، قال: محتها: "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت" [البقرة : 286].
حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: أنه قال: نسخت هذه الآية- يعني قوله: "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها"، [البقرة: 286]- الآية التي كانت قبلها: "وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله".
حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: "وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله"، قال: نسختها قوله: "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها" [البقرة : 286].
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، حدثني ابن زيد قال: لما نزلت هذه الآية: "وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله" إلى آخر الآية، اشتدت على المسلمين وشقت مشقة شديدة، فقالوا: يا رسول الله، لو وقع في أنفسنا شيء لم نعمل به وأخذنا الله به؟ قال: لعلكم تقولون كما قال بنو إسرائيل: سمعنا وعصينا! قالوا: بل سمعنا وأطعنا يا رسول الله! قال: فنزل القرآن يفرجها عنهم: "آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله" [البقرة: 285] إلى قوله: "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت" [البقرة : 286]، قال: فصيره إلى الأعمال، وترك ما يقع في القلوب.
حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج قال، حدثنا هشيم، عن سيار أبي الحكم، عن الشعبي، عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود في قوله: "وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله"، قال : نسخت هذه الاية التي بعدها: "لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت" [البقرة : 286].
حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي قوله: "وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله"، قال: يوم نزلت هذه الآية كانوا يؤاخذون بما وسوست به أنفسهم وما عملوا، فشكوا ذلك إلى النبي صلى الله عليك وسلم، فقالوا: إن عمل أحدنا لان لم يعمل أخذنا به؟ والله ما نملك الوسوسة!! فنسخها الله بهذه الآية التي بعد بقوله: "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها" [البقرة : 286] الآية، فكان حديث النفس مما لم تطيقوا.
حدثت عن عمار قال ، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن قتادة: أن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: نسختها قوله: "لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت" [البقرة: 286].
وقال آخرون- ممن قال معنى ذلك: الإعلام من الله عز وجل عباده أنه مؤاخذهم بما كسبته أيديهم وعملته جوارحهم، وبما حدثتهم به أنفسهم مما لم يعملوه -: هذه الآية محكمة غير منسوخة، والله عز وجل محاسب خلقه على ما عملوا من عمل وعلى ما لم يعملوه مما أصروه في أنفسهم ونووه وأرادوه، فيغفره للمؤمنين، ويؤاخذ به أهل الكفر والنفاق.
ذكر من قال ذلك:
حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: "وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله"، فإنها لم تنسخ، ولكن الله عز وجل إذا جمع الخلائق يوم القيامة، يقول الله عز وجل: إني أخبركم بما أخفيتم في أنفسكم مما لم تطلع عليه ملائكتي. فأما المؤمنون فيخبرهم ويغفر لهم ما حدثوا به أنفسهم، وهو قوله: "يحاسبكم به الله"، يقول: يخبركم. وأما أهل الشك والريب فيخبرهم بما أخفوا من التكذيب، وهو قوله: "ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم" [البقرة :225]، من الشك والنفاق.
حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: "وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله"، فذلك سر عملكم وعلانيته، بحاسبكم به الله، فليس من عبد مؤمن يسر في نفسه خيراً ليعمك به، فإن عمل به كتبت له به عشر حسنات، وإن هو لم يقدر له أن يعمل به كتبت له به حسنة، من أجل أنه مؤمن، والله يرضى سر المؤمنين وعلانيتهم. وإن كان سوءاً حدث به نفسه، اطلع الله عليه وأخبره به يوم تبلى السرائر، وإن هو لم يعمل به لم يؤاخذه الله به حتى يعمل به. فإن هو عمل به تجاوز الله عنه، كما قال: "أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم" [الأحقاف: 16].
حدثني يحيى بن أبي طالب قال، أخبرنا يزيد قال، أخبرنا جويبر، عن الضحاك في قوله: "وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله"، الآية، قال: قال ابن عباس : إن الله يقول يوم القيامة: إن كتابي لم يكتبوا من أعمالكم إلا ما ظهر منها، فاما ما أسررتم في أنفسكم فانا أحاسبكم به اليوم، فاغفر لمن شئت وأعذب من شئت.
حدثني يحيى بن أبي طالب قال، أخبرنا علي بن عاصم قال، أخبرنا بيان، عن بشر، عن قيس بن أبي حازم قال: إذا كان يوم القيامة قال الله عز وجل يسمع الخلائق: إنما كان كتابي يكتبون عليكم ما ظهر منكم، فأما ما أسررتم فلم يكونوا يكتبونه ولا يعملونه، أنا الله أعلم بذلك كله منكم، فاغفر لمن شئت، وأعذب من شئت.
حدثت عن الحسين قال، سمعت أبا معاذ قال، أخبرنا عبيد قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: "وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله"، كان ابن عباس يقول: إذا دعي الناس للحساب أخبرهم الله بما كانوا يسرون في أنفسهم مما لم يعملوه فيقول: إنه كان لا يعزب عني شيء، وإني مخبركم بما كنتم تسرون من السوء، ولم تكن حفظتكم عليكم مطلعين عليه، فهذه المحاسبة.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا أبو تميلة، عن عبيد بن سليمان، عن الضحاك، عن ابن عباس نحوه.
حدثني المثنى قال، حدثنا اسحق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: "وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله"، قال: هي محكمة، لم ينسخها شيء يقول: "يحاسبكم به الله"، يقول: يعرفه الله يوم القيامة: إنك أخفيت في صدرك كذا وكذا! لا يؤاخذه.
حدثني المثنى قال، حدثنا إسحق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن عمرو بن عبيد، عن الحسن قال: هي محكمة لم تنسخ.
حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية قال، حدثنا ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: " وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله"، قال: من الشك واليقين.
حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله الله عز وجل: "وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله"، يقول: في الشك وا ليقين.
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
قال أبو جعفر: فتأويل هذه الأية على قول ابن عباس الذي رواه علي بن أبي طلحة: وان تبدوا ما في أنفسكم من شيء من الأعمال فتظهروه بأبدانكم وجوارحكم، أو تخفوه فتسروه في أنفسكم فلم يطلع عليه أحد من خلقي، أحاسبكم به ، فأغفر كل ذلك لأهل الإيمان، وأعذب أهل الشرك والنفاق في ديني. وأما على الرواية التي رواها عنه الضحاك من رواية عبيد بن سليمان عنه، وعلى ما قاله الربيع بن أنس، فإن تاويلها: إن تظهروا ما في أنفسكم فتعملوه من المعاصي ، أو تضمروا إرادته في أنفسكم فتخفوه ، يعلمكم به الله يوم القيامة، فيغفرلمن يشاء ويعذب من يشاء.
وأما قول مجاهد، فشبيه معناه بمعنى قول ابن عباس الذي رواه علي بن أبي طلحة. وقال آخرون - ممن قال: هذه الاية محكمة، وهي غير منسوخة، ووافقوا الذين قالوا: معنى ذلك: أن الله عز وجل أعلم عباده ما هو فاعل بهم فيما أبدوا وأخفوا من أعمالهم- معناها: إن الله محاسب جميع خلقه بجميع ما أبدوا من سيىء أعمالهم وجميع ما أسروه، ومعاقبهم عليه. غير أن عقوبته إياهم على ما أخفوه مما لم يعملوه ، ما يحدت لهم في الدنيا من المصائب والأمور التي يحزنون عليها ويألمون منها.
ذكر من قال ذلك:
حدثني يحيى بن أبي طالب قال، حدثنا يزيد قال، أخبرنا جويبر، عن الضحاك في قوله: "وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله"، الآية، قال: كانت عائشة رضي الله عنها تقول: من هم بسيئة فلم يعملها، أرسل الله عليه من الهم والحزن مثل الذي هم به من السيئة فلم يعملها، فكانت كفارته.
حدثت عن الحسين قال، سمعت أبا معاذ قال، أخبرنا عبيد قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: "وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله"، قال: كانت عائشة تقول: كل عبد يهم بمعصية أو يحدث بها نفسه، حاسبه الله بها في الدنيا، يخاف ويحزن ويهتم.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني أبو تميلة، عن عبيد، عن الضحاك قال: قالت عائشة في ذلك: كل عبد هم بسوء ومعصية وحدث نفسه به، حاسبه الله في الدنيا، يخاف ويحزن ويشتد همه، لا يناله من ذلك شيء، كما هم بالسوء ولم يعمل منه شيئا.
حدثنا الربيع قال، حدثنا أسد بن موسى قال ، حدثنا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن أمية أنها سألت عائشة عن هذه الآية: "وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله" و"من يعمل سوءا يجز به" [النساء: 23] فقالت : ما سألني عنها أحد مذ سألت رسول الله صلى الله عليك وسلم،فقال: يا عائشة، هذه متابعة الله العبد بما يصيبه من الحمى والنكبة والشوكة، حتى البضاعة يضعها في كمه فيفقدها، فيفزع لها فيجدها في ضبنه، حتى إن المؤمن ليخرج من ذنوبه كما يخرج التبر الأحمر من الكير.
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال التى ذكرناها بتأويل الآية قول من قال: إنها محكمة، وليست بمنسوخة. وذلك أن النسخ لا يكون في حكم إلا بنفيه بآخر، هو له ناف من كل وجوهه. وليس في قوله جل وعز: "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت" [البقرة : 286]، نفي الحكم الذي أعلم عباده بقوله: "أو تخفوه يحاسبكم به الله". لأن المحاسبة ليست بموجبة عقوبة ولا مؤاخذة بما حوسب عليه العبد من ذنوبه. وقد أخبر الله عز وجل عن المجرمين أنهم حين تعرض عليهم كتب أعمالهم يوم القيامة يقولون: "يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها" [الكهف: 94]. فأخبر أن كتبهم محصية عليهم صغائر أعمالهم وكبائرها، فلم تكن الكتب- وإن أحصت صغائر الذنوب وكبائرها- بموجب إحصاؤها على أهل الإيمان بالله ورسوله، وأهل الطاعة له، أن يكونوا بكل ما أحصته الكتب من الذنوب معاقبين. لأن الله عز وجل وعدهم العفو عن الصغائر، باجتنابهم الكبائر فقال في تنزيله: "إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما" [النساء: 31]، فذلك محاسبة الله عباده المؤمنين بما هو محاسبهم به من الأمور التي أخفتها أنفسهم، غير موجب لهم منه عقوبة، بل محاسبته إياهم- إن شاء الله - عليها، ليعرفهم تفضله عليهم بعفوه لهم عنها، كما بلغنا عن رسول الله صلى الله عليك وسلم في الخبر الذي:
حدثني به أحمد بن المقدام قال، حدثنا المعتمر بن سليمان قال، سمعت أبي ، عن قتادة، عن صفوان بن محرز، عن ابن عمر، عن نبي الله صلى الله عليك وسلم قال : "يدني الله عبده المؤمن يوم القيامة حتى يضع عليه كنفه، فيقرره بسيئاته يقول: هل تعرف؟ فيقول: نعم! فيقول: سترتها في الدنيا وأغفرها اليوم! ثم يظهر له حسناته فيقول: " هاؤم اقرؤوا كتابيه " [الحاقة: 19] أو كما قال، وأما الكافر فإنه ينادى به على رؤوس الأشهاد".
حدثنا ابن بشار قال، حدثنا ابن أبي عدي، عن سعيد، وهشام، وحدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية قال، أخبرنا هشام، قالا جميعا في حديثهما عن قتادة، عن صفوان بن محرز قال: بينما نحن نطوف بالبيت مع عبد الله بن عمر وهو يطوف، إذ عرض له رجل فقال: يا ابن عمر، أما سمعت رسول الله صلى الله عليك وسلم يقول في النجوى؟ فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليك وسلم يقول: يدنو المؤمن من ربه حتى يضع عليه كنفه، فيقرره بذنوبه فيقول: هل تعرف كذا؟ فيقول: رب اغفر-مرتين - حتى إذا بلغ به ما شاء الله أن يبلغ قال: فإني قد سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم. قال: فيعطى صحيفة حسناته -أو: كتابه- بيمينه، وأما الكفار والمنافقون فينادى بهم على رؤوس الأشهاد: "هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين" [هود: 118] أن الله يفعل بعبده المؤمن: من تعريفه إياه سيئات أعماله، حتى يعرفه تفضله عليه بعفوه له عنها. فكذلك فعله تعالى ذكره في محاسبته إياه بما أبداه من نفسه وبما أخفاه من ذلك، ثم يغفر له كل ذلك بعد تعريفه تفضله وتكرمه عليه، فيستره عليه. وذلك هو المغفرة التي وعد الله عباده المؤمنين فقال: "فيغفر لمن يشاء".
قال أبو جعفر: فإن قال قائل: فإن قوله: "لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت" [البقرة : 286]، ينبىء عن أن جميع الخلق غير مؤاخذين إلا بما كسبته أنفسهم من ذنب، ولا مثابين إلا بما كسبته من خير؟.
قيل: إن ذلك كذلك، وغير مؤاخذ العبد بشيء من ذلك إلا بفعل ما نهي عن فعله، أو ترك ما أمر بفعه له.
فإن قال: فإذ كان ذلك كذلك، فما معنى وعيد الله عز وجل ايانا على ما أخفته أنفسنا بقوله: "ويعذب من يشاء"،إن كان لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت، وما أضمرته قلوبنا وأخفته أنفسنا -: من هم بذنب، أو إرادة لمعصية - لم تكتسبه جوارحنا؟.
قيل له: إن الله جل ثناؤه قد وعد المؤمنين أن يعفو لهم عما هو أعظم مما هم به أحدهم من المعاصي فلم يفعله، وهو ما ذكرنا من وعده إياهم العفو عن صغائر ذنوبهم إذا هم اجتتبوا كبائرها. لانما الوعيد من الله عز وجل بقوله: "ويعذب من يشاء"، على ما أخفته نفوس الذين كانت أنفسهم تخفي الشك في الله، والمرية في وحدانيته، أو في نبوة نبيه صلى الله عليك وسلم وما جاء به من عند الله، أو في المعاد والبعث -من المنافقين، على نحو ما قال ابن عباس ومجاهد ومن قال بمثل قولهما، إن تأويل قوله: "أو تخفوه يحاسبكم به الله"، على الشك واليقين.
غير أنا نقول إن المتوعد بقوله: "ويعذب من يشاء"، هو من كان إخفاء نفسه ما تخفيه الشك والمرية في الله، وفيما يكون الشك فيه بالله كفراً، والموعود الغفران بقوله: "فيغفر لمن يشاء" هو الذي إخفاء ما يخفيه، الهمة بالتقدم على بعض ما نهاه الله عنه من الأمور التي كان جائزاً ابتداء تحليله لاباحته، فحرمه على خلقه جل ثناؤه، أو على ترك ما أمر الله بفعله، مما كان جائزاً ابتداءً إباحة تركه، فاوجب فعله على خلقه. فإن الذي يهم بذلك من المؤمنين -إذا هو لم يصحح همه بما يهم به، ويحقق ما أخفته نفسه من ذلك بالتقدم عليه -لم يكن ماخوذاً به، كما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
من هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة، ومن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب عليه.
فهذا الذي وصفنا هو الذي يحاسب الله به مؤمني عباده، ثم لا يعاقبهم عليه. فأما من كان ما أخفته نفسه شكاً في الله وارتياباً في نبوة أنبيائه، فذلك هو الهالك المخلد في النار الذي أوعده جل ثناؤه العذاب الأليم بقوله: "ويعذب من يشاء".
قال أبو جعفر: فتأويل الآيةإذاً: "وإن تبدوا ما في أنفسكم"، أيها الناس، فتظهروه، "أو تخفوه"، فتنطوي عليه نفوسكم، "يحاسبكم به الله"، فيعرف مؤمنكم تفضله بعفوه عنه ومغفرته له فيغفره له، ويعذب منافقكم على الشك الذي انطوت عليه نفسه في وحدانية خالقه ونبوة أنبيائه.
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: والله عز وجل، على العفو عما أخفته نفس هذا المؤمن من الهمة بالخطيئة، وعلى عقاب الكافر على ما أخفته نفسه من الشك في توحيد الله عز وجل ونبوة أنبيائه، ومجازاة كل واحد منهما على ما كان منه، وعلى غير ذلك من الأمور، قادر.
قوله تعالى : ‌"لله ما في السماوات وما في الأرض" تقدم معناه .
قوله تعالى : "وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله" فيه مسألتان :
الأولى : اختلف الناس في معنى قوله تعالى : "وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله" على أقوال خمسة :
الأول : أنها منسوخة ، قاله ابن عباس وابن مسعود وعائشة وأبو هريرة و الشعبي و عطاء و محمد بن سيرين ومحمد بن كعب وموسى بن عبيدة وجماعة من الصحابة والتابعين ، وأنه بقي هذا التكليف حولاً حتى أنزل الله الفرج بقوله : "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها" . وهو قول ابن مسعود وعائشة و عطاء و محمد بن سيرين ومحمد بن كعب وغيرهم وفي صحيح مسلم عن ابن عباس قال :
لما نزلت "وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله" قال : دخل قلوبهم منها شيء لم يدخل قلوبهم من شيء ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "قولوا سمعنا وأطعنا وسلمنا" قال : فألقى الله الإيمان في قلوبهم فأنزل الله تعالى : لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا قال : : قد فعلت ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا قال : قد فعلت ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين قال : قد فعلت : في رواية فلما فعلوا ذلك نسخها الله ثم أنزل تعالى : "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها" . وسيأتي .
الثاني : قال ابن عباس و عكرمة والشعبي و مجاهد : إنها محكمة مخصوصة ، وهي في معنى الشهادة التي نهى عن كتمها ، ثم أعلم في هذه الآية أن الكاتم لها المخفي ما في نفسه محاسب .
الثالث : أن الآية فيما يطرأ على النفوس من الشك واليقين ، وقاله مجاهد أيضاً .
الرابع : أنها محكمة عامة غير منسوخة ، والله محاسب خلقه على ما عملوا من عمل وعلى ما لم يعملوه مما ثبت في نفوسهم وأضمروه ونووه وأرادوه ، فيغفر للمؤمنين ويأخذ به أهل الكفر والنفاق ، ذكره الطبري عن قوم ، وأدخل عن ابن عباس ما يشبه هذا . روي عن عي بن ابي طلحة عن ابن عباس أنه قال : لم تنسخ ، ولكن إذا جمع الله الخلائق يقول : إني أخبركم بما أكننتم في أنفسكم فأما المؤمنين فيخبرهم ثم يغفر لهم ،وأما أهل الشك والريب فيخبرهم بما أخفوه من التكذيب ، فذلك قوله :"يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء" وهو قوله عز وجل : "ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم" من الشك والنفاق . وقال الضحاك : يعلمه الله يوم القيامة بما كان يسره ليعلم أنه لم يخف عليه . وفي الخبر :
إن الله تعالى يقول يوم القيامة هذا يوم تبلى فيه السرائر وتخرج الضمائر وأن كتابي لم يكتبوا إلا ما ظهر من أعمالكم وأنا المطلع على ما لم يطلعوا عليه ولم يخبروه ولا كتبوه فأنا أخبركم بذلك وأحاسبكم عليه فأغفر لمن أشاء وأعذب من أشاء فيغفر للمؤمنين ويعذب الكافرين ، وهذا أصح ما في الباب ، يدل عليه حديث النجوى على ما يأتي بيانه ، لا يقال فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم :
"إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم يتكلموا أو يعملوا به" . فإنا نقول : ذلك محمول على أحكام الدنيا ، مثل الطلاق والعتاق والبيع التي لا يلزمه حكمها ما لم يتكلم به ، والذي ذكر في الآية فيما يؤاخذ العبد به بينه وبين الله تعالى في الآخرة . وقال الحسن : الآية محكمة ليست بمنسوخة . قال الطبري : وقال آخرون نحو هذا المعنى الذي ذكر ابن عباس ، إلا أنهم قالوا : إن العذاب الذي يكون جزاء لما خطر في النفوس وصحبه الفكر إنما هو بمصائب الدنيا وآلامها وسائر مكارهها . ثم اسند عن عائشة نحو هذا المعنى ، وهو ( القول الخامس ) : ورجح الطبري أن الآية محكمة غير منسوخة : قال ابن عطية : وهذا هو الصواب ، وذلك أن قوله تعالى : "وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه" معناه مما هو في وسعكم وتحت كسبكم ، وذلك استصحاب المعتقد والفكر ، فلما كان اللفظ مما يمكن أن تدخل فيه الخواطر أشفق الصحابة والنبي صلى الله عليه وسلم ، فبين الله لهم ما اراد بالآية الأخرى ، وخصصها ونص على حكمه أنه لا يكلف نفساً إلا وسعها ، والخواطر ليست هي ولا دفعها في الوسع ،بل هي أمر غالب وليست مما يكتسب ، فكان في هذا البيان فرجهم وكشف كربهم ، وباقي الآية محكمة لا نسخ فيها : ومما يدفع أمر النسخ أن الآية خبر والأخبار لا يدخلها النسخ ، فإن ذهب ذاهب إلى تقدير النسخ فإنما يترتب له في الحكم الذي لحق الصحابة حين فزعوا من الآية ، وذلك أن قول النبي صلى الله عليه وسلم لهم :
"قولوا سمعنا وأطعنا" يجيء منه الأمر بأن يثبتوا على هذا ويلتزموه وينتظروا لطف الله في الغفران . فإذا قرر هذا الحكم فصحيح وقوع السنخ فيه ، وتشبه الآية حينئذ قوله تعالى : "إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين" فهذا لفظه الخبر ولكن معناه التزموا هذا واثبتوا عليه واصبروا بحسبه ، ثم نسخ بعد ذلك . وأجمع الناس فيما علمت على أن هذه الآية في الجهاد منسوخة بصبر المائة للمائتين . قال ابن عطية : وهذه الآية في البقرة أشبه شيء بها . وقيل ، في الكلام إضمار وتقييد ، تقديره يحاسبكم به الله إن شاء ، وعلى هذا فلا نسخ . وقال النحاس : ومن أحسن ما قيل في الآية وأشبه بالظاهر قول ابن عباس : إنها عامة ، ثم أدخل حديث ابن عمر في النجوى ، أخرجه البخاري و مسلم وغيرهما ، واللفظ لـ مسلم قال :
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "يدنى المؤمن يوم القيامة من ربه جل وعز حتى يضع عليه كنفه فيقرره بذنوبه فيقول هل تعرف فيقول أي رب أعرف قال فإني قد سترتها عليك في الدنيا وإني أغفرها لك اليوم فيعطى صحيفة حسناته وأما الكفار والمنافقون فينادى بهم على رؤوس الخلائق هؤلاء الذين كذبوا على الله" . وقد قيل : إنها نزلت في الدين يتولون الكافرين من المؤمنين ، أي وإن تعلنوا ما في أنفسكم أيها المؤمنون من ولاية الكفار أو تسروها يحاسبكم به الله ، قاله الواقدي ومقاتل . واستدلوا بقوله تعالى في آل عمران "قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه" ـ من ولاية الكفار ـ "يعلمه الله" يدل على ما قبله من قوله : "لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين" .
قلت : وهذا فيه بعد ، لأن سياق الآية لا يقتضيه ، وإنما ذلك بين في آل عمران والله أعلم . وقد قال سفيان بن عيينة : بلغني أن الأنبياء عليهم السلام كانوا يأتون قومهم بهذه الآية "لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله" .
قوله تعالى : "فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء" قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو و حمزة و الكسائي فيغفر ـ ويعذب بالجزم عطف على الجواب . وقرأ ابن عامر وعاصم بالرفع فيهما على القطع ، أي فهو يغفر ويعذب . وروي عن ابن عباس والأعرج وأبي العالية وعاصم الجحدري بالنصب فيهما على إضمار أن . وحقيقته أنه عطف على المعنى ، كما في قوله تعالى : "فيضاعفه له" . وقد تقدم . والعطف على اللفظ أجود للمشاكلة ، كما قال الشاعر :
‌ومتى مايع منك كلاما يتكلم فيجبك بعقل‌
قال النحاس : روي عن طلحة بن مصرف يحاسبكم به الله يغفر بغير فاء على البدل . ابن عطية : وبها قرأ الجعفي وخلاد . وروي أنها كذلك في مصحف ابن مسعود . قال ابن جني : هي على البدل من يحاسبكم
وهي تفسير المحاسبة ، وهذا كقول الشاعر :
‌رويدا بني شيبان بعض وعيدكم تلاقوا غدا خيلي على سفوان
تلاقوا جيادا لا تحيد عن الوغى إذا ما غدت في المأزق المتداني
فهذا على البدل . وكرر الشاعر الفعل ، لأن الفائدة فيما يليه من القول . قال النحاس : وأجود من الجزم لو كان بلا فاء الرفع ، يكون في موضع الحال ، كما قال الشاعر :
‌متى تأته تعشو إلى ضوء ناره تجد خير نار عندها خير موقد

يخبر تعالى أن له ملك السموات والأرض وما فيهن وما بينهن, وأنه المطلع على ما فيهن, لا تخفى عليه الظواهر ولا السرائر والضمائر وإن دقت وخفيت, وأخبر أنه سيحاسب عباده على ما فعلوه وما أخفوه في صدورهم, كما قال تعالى: " قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله ويعلم ما في السماوات وما في الأرض والله على كل شيء قدير " وقال "يعلم السر وأخفى" والايات في ذلك كثيرة جداً, وقد أخبر في هذه بمزيد على العلم وهو المحاسبة على ذلك, ولهذا لما نزلت هذه الاية اشتد ذلك على الصحابة رضي الله عنهم, وخافوا منها, ومن محاسبة الله لهم على جليل الأعمال وحقيرها, وهذا من شدة إيمانهم وإيقانهم. قال الإمام أحمد: حدثنا عفان, حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم, حدثني أبو عبد الرحمن يعني العلاء عن أبيه, عن أبي هريرة, قال: لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم "لله ما في السموات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء قدير" اشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم, ثم جثوا على الركب وقالوا: يا رسول الله كلفنا من الأعمال ما نطيق, الصلاة والصيام والجهاد والصدقة وقد أنزلت عليك هذه الاية, ولا نطيقها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم: سمعنا وعصينا ؟ بل قولوا: سمعنا وأطعنا, غفرانك ربنا وإليك المصير" فلما أقر بها القوم وذلت بها ألسنتهم, أنزل الله في أثرها " آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير " فلما فعلوا ذلك نسخها الله فأنزل الله: "لا يكلف الله نفساً إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا" إلى آخره. ورواه مسلم منفرداً به من حديث يزيد بن زريع, عن روح بن القاسم, عن العلاء, عن أبيه عن أبي هريرة, فذكر مثله ولفظه, فلما فعلوا ذلك نسخها الله, فأنزل الله " لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا " قال: نعم, "ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا" قال: نعم "ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به" قال: نعم "واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين" قال: نعم.
(حديث ابن عباس في ذلك) قال الإمام أحمد: حدثنا وكيع, حدثنا سفيان عن آدم بن سليمان, سمعت سعيد بن جبير, عن ابن عباس, قال: لما نزلت هذه الاية "وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله" قال دخل قلوبهم منها شيء لم يدخل قلوبهم من شيء, قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " قولوا سمعنا وأطعنا وسلمنا" فألقى الله الإيمان في قلوبهم, فأنزل الله "آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير" إلى قوله "فانصرنا على القوم الكافرين" وهكذا رواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شبية وأبي كريب وإسحاق بن إبراهيم, ثلاثتهم عن وكيع به, وزاد "ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا" قال: قد فعلت "ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا" قال: قد فعلت "ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به"قال: قد فعلت "واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين" قال: قد فعلت.
(طريق أخرى) عن ابن عباس. قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق, حدثنا معمر عن حميد الأعرج, عن مجاهد, قال: دخلت على ابن عباس, فقلت: يا أبا عباس, كنت عند ابن عمر فقرأ هذه الاية فبكى, قال: أية آية ؟ قلت "وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه" قال ابن عباس: إن هذه الاية حين أنزلت, غمت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم غماً شديداً وغاظتهم غيظاً شديداً, وقالوا: يا رسول الله هلكنا إن كنا نؤاخذ بما تكلمنا وبما نعمل, فأما قلوبنا فليست بأيدينا, فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قولوا سمعنا وأطعنا" فقالوا سمعنا وأطعنا, قال: فنسختها هذه الاية "آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله" إلى "لا يكلف الله نفساً إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت" فتجوز لهم عن حديث النفس وأخذوا بالأعمال.
(طريق أخرى) عنه. قال ابن جرير: حدثني يونس, أخبرنا ابن وهب, أخبرني يونس بن يزيد, عن ابن شهاب, عن سعيد بن مرجانة, سمعه يحدث: أنه بينما هو جالس مع عبد الله بن عمر تلا هذه الاية "لله ما في السموات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء" الاية, فقال: والله لئن واخذنا الله بهذا لنهلكن, ثم بكى ابن عمر حتى سمع نشيجه, قال ابن مرجانة: فقمت حتى أتيت ابن عباس, فذكرت له ما قال ابن عمر وما فعل حين تلاها, فقال ابن عباس: يغفر الله لأبي عبد الرحمن لعمري لقد وجد المسلمون منها حين أنزلت مثل ما وجد عبد الله بن عمر, فأنزل الله بعدها "لا يكلف الله نفساً إلا وسعها" إلى آخر السورة. قال ابن عباس: فكانت هذه الوسوسة مما لا طاقة للمسلمين بها, وصار الأمر إلى أن قضى الله عز وجل أن للنفس ما كسبت وعليها ما اكتسبت في القول والفعل.
(طريق أخرى) قال ابن جرير: حدثني المثنى, حدثنا إسحاق, حدثنا يزيد بن هارون, عن سفيان بن حسين, عن الزهري, عن سالم, أن أباه قرأ " وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله " فدمعت عيناه, فبلغ صنيعه ابن عباس فقال: يرحم الله أبا عبد الرحمن لقد صنع كما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزلت, فنسختها الاية التي بعدها "لا يكلف الله نفساً إلا وسعها" فهذه طرق صحيحة عن ابن عباس, وقد ثبت عن ابن عمر كما ثبت عن ابن عباس قال البخاري: حدثنا إسحاق, حدثنا روح, حدثنا شعبة عن خالد الحذاء, عن مروان الأصغر, عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحسبه ابن عمر "وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه" قال: نسختها الاية التي بعدها, وهكذا روي عن علي وابن مسعود وكعب الأحبار والشعبي والنخعي ومحمد بن كعب القرظي وعكرمة وسعيد بن جبير وقتادة, أنها منسوخة بالتي بعدها, وقد ثبت بما رواه الجماعة في كتبهم الستة من طريق قتادة, عن زرارة بن أبي أوفى عن أبي هريرة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله تجاوز لي عن أمتي ما حدثت به أنفسها مالم تكلم أو تعمل".
وفي الصحيحين من حديث سفيان بن عيينة, عن أبي الزناد, عن الأعرج, عن أبي هريرة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "قال الله: إذا هم عبدي بسيئة فلا تكتبوها عليه, فإن عملها فاكتبوها سيئة, وإذا هم بحسنة فلم يعملها فاكتبوها حسنة, فإن عملها فاكتبوها عشراً" لفظ مسلم وهو في إفراده من طريق إسماعيل بن جعفر, عن العلاء, عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال "قال الله: إذا هم عبدي بحسنة ولم يعملها كتبتها له حسنة, فإن عملها كتبتها له عشر حسنات, إلى سبعمائة ضعف, وإذا هم بسيئة فلم يعملها لم أكتبها عليه, فإن عملها كتبتها سيئة واحدة". وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن همام بن منبه, قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة عن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال "قال الله: إذا تحدث عبدي بأن يعمل حسنة فأنا أكتبها له حسنة ما لم يعمل, فإذا عملها فأنا أكتبها بعشر أمثالها, وإذا تحدث بأن يعمل سيئة فأنا أغفرها له ما لم يعملها, فإن عملها فأنا أكتبها له بمثلها". وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "قالت الملائكة: رب وذاك أن عبدك, يريد أن يعمل سيئة وهو أبصر به فقال: ارقبوه, فإن عملها فاكتبوها له بمثلها, وإن تركها فاكتبوها له حسنة, وإنما تركها من جراي". وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا أحسن أحد إسلامه, فإن له بكل حسنة يعملها تكتب له بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف, وكل سيئة تكتب بمثلها حتى يلقى الله عز وجل" تفرد به مسلم عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق بهذا السياق واللفظ , وبعضه في صحيح البخاري. وقال مسلم أيضاً: حدثنا أبو كريب, حدثنا خالد الأحمر, عن هشام, عن ابن سيرين, عن أبي هريرة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة, ومن هم بحسنة فعملها كتبت له عشراً إلى سبعمائة, ومن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب له, وإن عملها كتبت" تفرد به مسلم دون غيره من أصحاب الكتب. وقال مسلم أيضاً: حدثنا شيبان بن فروخ, حدثنا عبد الوارث عن الجعد أبي عثمان, حدثنا أبو رجاء العطاردي عن ابن عباس, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه تعالى, قال "إن الله كتب الحسنات والسيئات ثم بين ذلك, فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة, وإن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة, وإن هم بها فعملها كتبها الله عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة, وإن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة, وإن هم بها فعملها, كتبها الله عنده سيئة واحدة" ثم رواه مسلم عن يحيى بن يحيى, عن جعفر بن سليمان, عن الجعد أبي عثمان في هذا الإسناد بمعنى حديث عبد الرزاق,. زاد "ومحاها الله ولا يهلك على الله إلا هالك" وفي حديث سهيل عن أبيه, عن أبي هريرة, قال: جاء ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, فسألوه فقالوا: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به, قال وقد وجدتموه ؟ قالوا: نعم, قال "ذاك صريح الإيمان" لفظ مسلم, وهو عند مسلم أيضاً من طريق الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم به, وروى مسلم أيضاً من حديث مغيرة, عن إبراهيم, عن علقمة, عبد الله, قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوسوسة, قال "تلك صريح الإيمان".
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس "وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله" فإنها لم تنسخ, ولكن الله إذا جمع الخلائق يوم القيامة يقول: إني أخبركم بما أخفيتم في أنفسكم مما لم يطلع عليه ملائكتي, فأما المؤمنون فيخبرهم ويغفر لهم ما حدثوا به أنفسهم, وهو قوله "يحاسبكم به الله" يقول: يخبركم, وأما أهل الشك والريب فيخبرهم بما أخفوا من التكذيب, وهو قوله "فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء" وهو قوله "ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم" أي من الشك والنفاق. وقد روى العوفي والضحاك عنه قريباً من هذا.
وروى ابن جرير عن مجاهد والضحاك نحوه, وعن الحسن البصري أنه قال: هي محكمة لم تنسخ, واختار ابن جرير ذلك واحتج على أنه لا يلزم من المحاسبة المعاقبة, وأنه تعالى قد يحاسب ويغفر, وقد يحاسب ويعاقب, بالحديث الذي رواه عند هذه الاية قائلاً: حدثنا ابن بشار , حدثنا ابن أبي عدي عن سعيد بن هشام (ح) وحدثني يعقوب بن إبراهيم, حدثنا ابن علية, حدثنا ابن هشام, قالا جميعاً في حديثهما عن قتادة عن صفوان بن محرز, قال: بينما نحن نطوف بالبيت مع عبد الله بن عمر وهو يطوف, إذ عرض له رجل فقال: يا ابن عمر, ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في النجوى, قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "يدنو المؤمن من ربه عز وجل حتى يضع عليه كنفه فيقرره بذنوبه فيقول له: هل تعرف كذا ؟ فيقول: رب أعرف, مرتين, حتى إذا بلغ به ما شاء الله أن يبلغ, قال: فإني قد سترتها عليك في الدنيا وإني أغفرها لك اليوم, قال: فيعطى صحيفة حسناته أو كتابه بيمينه, وأما الكفار والمنافقون فينادى بهم على رؤوس الأشهاد "هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين" " وهذا الحديث مخرج في الصحيحين وغيرهما من طرق متعددة عن قتادة به, وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا سليمان بن حرب, حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد, عن أبيه, قال: سألت عائشة عن هذه الاية "وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله" قالت: ما سألني عنها أحد منذ سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها, فقالت: هذه مبايعة الله العبد وما يصيبه من الحمى والنكبة, والبضاعة يضعها في يد كمه فيفقدها, فيفزع لها ثم يجدها في ضبنته حتى إن المؤمن ليخرج من ذنوبه كما يخرج التبر الأحمر , وكذا رواه الترمذي وابن جرير من طريق حماد بن سلمة به, وقال الترمذي: غريب لا نعرفه إلا من حديثه. (قلت) وشيخه علي بن جدعان ضعيف يغرب في رواياته, وهو يروي هذا الحديث عن امرأة أبيه أم محمد أمية بنت عبد الله, عن عائشة, وليس لها عنها في الكتب سواه.
قوله: 284- "لله ما في السموات وما في الأرض" قد تقدم تفسيره. قوله: " وإن تبدوا ما في أنفسكم " إلى آخر الآية، ظاهره أن الله يحاسب العباد على ما أضمرته أنفسهم أو أظهرته من الأمور التي يحاسب عليها، فيغفر لمن يشاء منهم ما يغفره منها، ويعذب من يشاء منهم بما أسر أو أظهر منها، هذا معنى الآية على مقتضى اللغة العربية. وقد اختلف أهل العلم في هذه الآية على أقوال: الأول أنها وإن كانت عامة، فهي مخصوصة بكتمان الشهادة، وأن الكاتم للشهادة يحاسب على كتمه سواء أظهر للناس أنه كاتم للشهادة أو لم يظهر. وقد روي هذا عن ابن عباس وعكرمة والشعبي ومجاهد، وهو مردود بما في الآية من عموم اللفظ، ولا يصلح ما تقدم قبل هذه الآية من النهي عن كتم الشهادة أن تكون مختصة به. والقول الثاني: أن ما في الآية مختص بما يطرأ على النفوس من الأمور التي هي بين الشك واليقين، قاله مجاهد، وهو أيضاً تخصيص بلا مخصص. والقول الثالث: أنها محكمة عامة، ولكن العذاب على ما في النفس يختص بالكفار والمنافقين. حكاه الطبري عن قوم، وهو أيضاً تخصيص بلا مخصص، فإن قوله: "يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء" لا يختص ببعض معين إلا بدليل. والقول الرابع: أن هذه الآية منسوخة، قاله ابن مسعود وعائشة وأبو هريرة والشعبي وعطاء ومحمد بن سيرين ومحمد بن كعب وموسى بن عبيدة، وهو مروي عن ابن عباس وجماعة من الصحابة والتابعين، وهذا هو الحق لما سيأتي من التصريح بنسخها، ولما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله غفر لهذه الأمة ما حدثت به أنفسها". قوله: "يحاسبكم به الله" قدم الجار والمجرور على الفاعل لإظهار العناية به، وقدم الإبداء على الإخفاء، لأن الأصل في الأمور التي يحاسب عليها هو الأعمال البادية، وأما تقديم الإخفاء في قوله سبحانه: "قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله" فلكون العلم يتعلق بالأعمال الخافية والبادية على السوية، وقدم المغفرة على التعذيب لكون رحمته سبقت غضبه، وجملة قوله: "فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء" مستأنفة: أي فهو يغفر وهي متضمنة لتفصيل ما أجمل في قوله: "يحاسبكم به الله" وهذا على قراءة ابن عامر وعاصم. وأما على قراءة ابن كثير ونافع وأبي عمرو وحمزة والكسائي بجزم الراء والباء، فالفاء عاطفة لما بعدها على المجزوم قبلها، وهو جواب الشرط: أعني قوله: "يحاسبكم به الله". وقرأ ابن عباس والأعرج وأبو العالية وعاصم الجحدري بنصب الراء والباء في قوله: "فيغفر" "ويعذب" على إضمار أن عطفاً على المعنى. وقرأ طلحة بن مصرف يغفر بغير فاء على البدل، وبه قرأ الجعفي وخلاد.
وقد أخرج أحمد ومسلم وأبو داود في ناسخه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال: "لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لله ما في السموات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم" الآية، اشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جثوا على الركب، فقالوا: يا رسول الله كلفنا من الأعمال ما نطيق الصلاة والصيام والجهاد والصدقة، وقد أنزل الله عليك هذه الآية ولا نطيقها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم: سمعنا وعصينا، بل قولوا: " سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير " فلما اقترأها القوم وذلك بها ألسنتهم أنزل الله في أثرها "آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه" الآية، فلما فعلوا ذلك نسخها الله فأنزل " لا تكلف نفس إلا وسعها " إلى آخرها". وأخرج أحمد ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن جرير وابن المنذر والحاكم والبيهقي عن ابن عباس مرفوعاً نحوه، وزاد فأنزل الله "ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا" قال: قد فعلت "ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به" قال: قد فعلت "واعف عنا واغفر لنا وارحمنا" الآية، قال: قد فعلت. وقد رويت هذه القصة عن ابن عباس من طرق. وأخرج البخاري والبيهقي عن مروان الأصفر عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحسبه ابن عمر "إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه" قال: نسختها الآية التي بعدها. وأخرج عبد بن حميد والترمذي عن علي نحوه. وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير والطبراني عن ابن مسعود نحوه. وأخرج ابن جرير عن عائشة نحوه أيضاً.
وبمجموع ما تقدم يظهر لك ضعف ما أخرجه سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في هذه الآية أنه قال: نزلت في كتمان الشهادة فإنها لو كانت كذلك لم يشتد الأمر على الصحابة. وعلى كل حال فبعد هذه الأحاديث المصرحة بالنسخ والناسخ لم يبق مجال لمخالفتها، ومما يؤيد ذلك ما ثبت في الصحيحين والسنن الأربع من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله تجاوز لي عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل به". وأخرج ابن جرير عن عائشة قالت: كل عبد هم بسوء ومعصية وحدث نفسه به حاسبه الله في الدنيا يخاف ويحزن ويشتد همه لا يناله من ذلك شيء كما هم بالسوء ولم يعمل منه بشيء. وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير عنها نحوه، والأحاديث المتقدمة المصرحة بالنسخ تدفعه. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: إن الله يقول يوم القيامة: إن كتابي لم يكتبوا من أعمالكم إلا ما ظهر منها، فأما ما أسررتم في أنفسكم فأنا أحاسبكم به اليوم فأغفر لمن شئت وأعذب من شئت، وهو مدفوع بما تقدم.
284. " لله ما في السموات وما في الأرض " ملكاً [وأهلها له عبيد وهو مالكهم] " وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء قدير " اختلف العلماء في هذه الآية، فقال قوم: هي خاصة ثم اختلفوا في وجه [خصوصها] فقال بعضهم: هي متصلة بالآية الأولى نزلت في كتمان الشهادة أو تخفوا الكتمان يحاسبكم به الله وهو قول الشعبي و عكرمة ، وقال بعضهم: نزلت فيمن يتولى الكافرين دون المؤمنين، يعني وإن تعلنوا ما في أنفسكم من ولاية الكفار أو تسروا يحاسبكم به الله، وهو قول مقاتل كما ذكر في سورة آل عمران " لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين " إلى أن قال " قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله " (29-آل عمران).
وذهب الأكثرون إلى أن الآية عامة ثم اختلفوا فيها فقال قوم: هي منسوخة بالآية التي بعدها.
والدليل عليه ما أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر ، أخبرنا عبد الغافر بن محمد ، أخبرنا محمد بن عيسى الجلودي ، حدثنا إبراهيم بن سفيان ، أنا مسلم بن الحجاج، حدثني محمد بن المنهال الضرير وأمية بن بسطام العيشي واللفظ له قالا: أخبرنا يزيد بن زريع أنا روح وهو ابن القاسم عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "لما أنزل الله على رسوله الله صلى الله عليه وسلم " لله ما في السموات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله " الآية قال: اشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم بركوا على الركب فقالوا: أي رسول الله صلى الله عليه وسلم كلفنا من الأعمال ما نطيق: الصلاة والصيام والجهاد والصدقة، وقد أنزلت عليك هذه الآية ولا نطيقها قال رسول الله صلى الله عليه وسلمك أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم: سمعنا وعصينا بل قولوا " سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير " فلما قرأها القوم وذلت بها ألسنتهم أنزل الله في أثرها " آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير " فلما فعلوا ذلك نسخها الله تعالى:" لا يكلف الله نفساً إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا " قال نعم " ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا " قال نعم " ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به " قال نعم " واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين " قال نعم"
وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما بمعناه، وقال في كل ذلك: قد فعلت، بدل قوله نعم، وهذا قول ابن مسعود وابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم وإليه ذهب محمد بن سيرين و محمد بن كعب و قتادة و الكلبي .
اخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي ، أخبرنا أبو محمد عبد ا لله بن يوسف الأصفهاني ، أخبرنا أبو بكر أحمد بن إسحاق الفقيه ، أخبرنا يعقوب بن يوسف القزويني ، أخبرنا القاسم بن الحكم العرني ، أخبرنا مسعر بن كدام عن قتادة عن زرارة بن أوفى عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبسي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله عز وجل تجاوز عن أمتي ما وسوست به أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل به ".
وقال بعضهم الآية غير منسوخة لأن النسخ لا يرد على الأخبار إنما يرد على الأمر والنهي وقوله " يحاسبكم به الله " خبر لايرد عليه النسخ، ثم اختلفوا في تأويلها فقال قوم: قد أثبت الله تعالى للقلب كسباً فقال " بما كسبت قلوبكم " (225-البقرة) فليس لله عبد أسر عملاً أو أعلنه من حركة من جوارحه أو همسة في قلبع إلا يخبره الله به ويحاسبه عليه ثم يغفر ما يشاء ويعذب بما يشاء، وهذا معنى قول الحسن يدل عليه قوله تعالى " إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا " (36-الإسراء) وقال الآخرون: معنى الآية أن الله عز وجل يحاسب خلقه بجميع ما أبدوا من أعمالهم أو أخفوه ويعقبهم عليه، غير أن معاقبته على ما أخفوه ويعاقبهم عليه، غير أن معاقبته على ما أخفوه مما لم يعلموه بما يحدث لهم في الدنيا من النوائب والمصائب والأأمور التي يحزنون عليها وهذا قول عائشة رضي الله عنها قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية فقال: " يا عائشة هذه معاتبة الله العبد بما يصيبه من الحمى والنكبة حتى الشوكة والبضاعة يضعها في كمه فيفقدها فيروع لها حتى يخرج من ذنوبه كما يخرج التبر الأحمر من الكير ".
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أخبرنا أبو منصور السمعاني أخبرنا أبو جعفر الرياني، أخبرنا حميد بن زنجويه ، أخبرنا عبد الله بن صالح ، حدثني الليث، حدثني يزيد بن أبي حبيب عن سعيد بن سنان عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد الله بعبده الشر بعبده أمسك عليه بذنبه حتى يوافيه به يوم القيامه ".
وقال بعضهم " وإن تبدوا ما في أنفسكم " يعني ما في قلوبكم مما عزمتم عليه " أو تخفوه يحاسبكم به الله " ولا تبدوه وأنتم عازمون عليه يحاسبكم به الله فأما ما حدثت به أنفسكم مما لم تعزموا عليه فإن ذلك مما لا يكلف الله نفساً إلا وسعها ولا يؤاخذكم به، دليله قوله تعالى " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم " (225-البقرة).
وقال عبد الله بن المبارك : قلت لسفيان: أيؤاخذ العبد بالهمة قال: إذا كان عزماً أخذ بها، وقيل معنى المحاسبة الإخبار والتعريف، ومعنى الآية: وإن تبدوا ما في أنفسكم فتعملوا به أو تخفوه مما أضمرتم ونويتم يحاسبكم به الله ويجزيكم به ويعرفكم إياه، ثم يغفر للمؤمنين إظهاراً لفضله، ويعذب الكافرين إظهاراً لعدله، وهذا معنى قول الضحاك ، ويروى ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما، يدل عليه أنه قال: يحاسبكم به الله ولم يقل يؤاخذكم به، والمحاسبة غير المؤاخذة والدليل عليه ما أخبرنا أبو طاهر محمد بن علي الزراد ، أخبرنا أبو القاسم علي بن أحمد الخزاعي ، أنا أبو سعيد الهيثم بن كليب ، أنا عيسى بن أحمد العسقلاني ، أنا يزيد بن هارون ، أنا همام بن يحيى عن قتادة عن صفوان بن محرز قال: كنت آخذاً بيد عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما فأتاه رجل فقال: كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في النجوى؟ فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن الله تعالى يدني المؤمن يوم القيامة حتى يضع عليه كنفه يستره من الناس فيقول: أي عبدي أتعرف ذنب كذا وكذا؟ فيقول: نعم أي رب ثم يقول أي عبدي تعرف ذنب كذا وكذا؟ فيقول: نعم أي رب، حتى إذا قرره بذنوبه ورأى في نفسه أنه قد هلك، قال فإني سترتها عليك في الدنيا وقد غفرتها لك اليوم، ثم يعطى كتاب حسناته، وأما الكافر والمنافقون فيقول الأشهاد: هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين " (18-هود).
قوله تعالى: " فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء " رفع الراء والياء أبو جعفر وابن عامر وعاصم ويعقوب وجزمهما الآخرون، فالرفع على الابتداء والجزم على النسق، وروى طاووس عن ابن عباس رضي الله عنهما، فيغفر لمن يشاء الذنب العظيم ويعذب من يشاء على الذنب الصغير، " لا يسأل عما يفعل وهم يسألون " " والله على كل شيء قدير " (230-الأنبياء).

284-" لله ما في السموات وما في الأرض " خلقاً وملكاً . " وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه " يعني ما فيها من السوء والعزم عليه لترتب المغفرة والعذاب عليه . " يحاسبكم به الله " يوم القيامة . وهو حجة على من أنكر الحساب كالمعتزلة والروافض . " فيغفر لمن يشاء " مغفرته . " ويعذب من يشاء " تعذيبه ، وهو صريح في نفي وجوب التعذيب . وقد رفعهما ابن عامر و عاصم و يعقوب على الاستئناف ، وجزمهما الباقون عطفاً على جواب الشرط ، ومن جزم بغير فاء جعلهما بدلاً منه يدل البعض من الكل أو الاشتمال كقوله :
متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا تجد حطباً جزلاً وناراً تأججا
وإدغام الراء في اللام لحن إذ الراء لا تدغم إلا في مثلها . " والله على كل شيء قدير " فيقدر على الإحياء والمحاسبة .
284. Unto Allah (belongeth) whatsoever is in the heavens and whatsoever is in the earth; and whether ye make known what is in your minds or hide it, Allah will bring you to account for it. He will forgive whom He will and He will punish whom He will. Allah is Able to do all things.
284 - To God belongeth all that is in the heavens and on earth. whether ye show what is in your minds or conceal it, God calleth you to account for it. he forgiveth whom he pleaseth, and punisheth whom he pleaseth. for God hath power over all things.