[البقرة : 274] الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ
(الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراً وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون)
قوله تعالى الذين ينفقون أموإلهم بالليل والنهار الآية أخرج الطبراني وابن أبي حاتم عن يزيد بن عبد الله بن غريب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال نزلت هذه الآية الذين ينفقون أموإلهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم في أصحاب الخيل يزيد وأبوه مجهولان
واخرج عبد الرازق وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني بسند ضعيف عن ابن عباس قال نزلت هذه الآية في علي بن أبي طالب كانت معه أربعة دراهم فأنفق بالليل درهما وبالنهار درهما وسرا درهما وعلانية درهما
وأخرج ابن المنذر عن ابن المسيب قال الآية نزلت في عبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان في نفقتهما في جيش العسرة
قال أبو جعفر...
حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا معتمر، عن أيمن بن نابل قال، حدثني شيخ من غافق: أن أبا الدرداء كان ينظر إلى الخيل مربوطة بين البراذين والهجن. فيقول: أهل هذه -يعني الخيل- من الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراً وعلانية، فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
وقال آخرون: عنى بذلك قوماً أنفقوا في سبيل الله في غير إسراف ولا تقتير.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "الذين ينفقون أموالهم" إلى قوله: "ولا هم يحزنون"، هؤلاء أهل الجنة. ذكر لنا "أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: المكثرون هم الأسفلون. قالوا: يا نبي الله، إلا من؟ قال: المكثرون هم الأسفلون. قالوا: يا نبي الله، إلا من؟ قال: المكثرون هم الأسفلون. قالوا: يا نبي الله، إلا من؟ حتى خشوا أن تكون قد مضت فليس لها رد، حتى قال: إلا من قال بالمال هكذا وهكذا، عن يمينه وعن شماله، وهكذا بين يديه وهكذا خلفه، وقليل ما هم. قال: هؤلاء قوم أنفقوا في سبيل الله التي افترض وارتضى، في غير سرف ولا إملاق ولا تبذير ولا فساد".
وقد قيل إن هذه الآيات من قوله: "إن تبدوا الصدقات فنعما هي" إلى قوله: "ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون"، كان مما يعمل به قبل نزول ما في سورة براءة من تفصيل الزكوات، فلما نزلت براءة، قصروا عليها.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: "إن تبدوا الصدقات فنعما هي" إلى قوله: "ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون"، فكان هذا يعمل به قبل أن تنزل براءة، فلما نزلت براءة بفرائض الصدقات وتفصيلها، انتهت الصدقات إليها.
قوله تعالى : "الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون" .
فيه مسألة واحدة :
روي عن ابن عباس وأبي ذر وأبي أمامة وابي الدرداء وعبد الله بن بشر الغافقي و الأوزاعي أنها نزلت في علف الخيل المربوطة في سبيل الله . وذكر ابن سعد في الطبقات قال : أخبرت عن محمد بن شعيب بن شابور قال أنبأنا سعيد بن سنان عن يزيد بن عبد الله بن عريب عن ابيه عن جده عريب :
"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن قوله تعالى : "الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون" قال : هم أصحاب الخيل" . وبهذا الإسناد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"المنفق على الخيل كباسط يده بالصدقة لا يقبضها وأبوالها وأرواثها عند الله يوم القيامة كذكي المسك" . وروي عن ابن عباس أنه قال : نزلت في علي بن ابي طالب رضي الله عنه ، كانت معه أربعة دراهم فتصدق بدرهم ليلاً وبدرهم نهاراً وبدرهم سراً وبدرهم جهراً ، ذكره عبد الرزاق قال : أخبرنا عبد الوهاب بن مجاهد عن ابيه عن ابن عباس . ابن جريج : نزلت في رجل فعل ذلك ، ولم يسم علياً ولا غيره . وقال قتادة : هذه الآية نزلت في المنفقين من غير تبذير ولا تقتير . ومعنى "بالليل والنهار" في الليل والنهار ، ودخلت الفاء في قوله تعالى : فلهم لأن في الكلام معنى الجزاء . وقد تقدم . ولا يجوز زيد فمنطلق .
قال أبو عبد الرحمن النسائي: أنبأنا محمد بن عبد السلام بن عبد الرحيم, أنبأنا الفريابي حدثنا سفيان عن الأعمش, عن جعفر بن إياس, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس, قال: كانوا يكرهون أن يرضخوا لأنسابهم من المشركين, فسألوا فرخص لهم, فنزلت هذه الاية " ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء وما تنفقوا من خير فلأنفسكم وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله وما تنفقوا من خير يوف إليكم وأنتم لا تظلمون ". وكذا رواه أبو حذيقة وابن المبارك وأبو أحمد الزبيدي وأبو داود الحضرمي عن سفيان, وهو الثوري به, وقال ابن أبي حاتم: أنبأنا أحمد بن القاسم بن عطية, حدثنا أحمد بن عبد الرحمن يعني الدشتكي, حدثني أبي عن أبيه, حدثنا أشعث بن إسحاق عن جعفر بن أبي المغيرة, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس, عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يأمر بأن لا يتصدق إلا على أهل الاسلام, حتى نزلت هذه الاية "ليس عليك هداهم" إلى آخرها, فأمر بالصدقة بعدها على كل من سألك من كل دين, وسيأتي عند قوله تعالى: "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم" الاية, حديث أسماء بنت الصديق في ذلك.
وقوله: "وما تنفقوا من خير فلأنفسكم" كقوله "من عمل صالحاً فلنفسه" ونظائرها في القرآن كثيرة.
وقوله "وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله" قال الحسن البصري: نفقة المؤمن لنفسه ولا ينفق المؤمن إذا أنفق إلا ابتغاء وجه الله, وقال عطاء الخراساني: يعني إذا عطيت لوجه الله فلا عليك ما كان عمله. وهذا معنى حسن وحاصله أن المتصدق إذا تصدق ابتغاء وجه الله, فقد وقع أجره على الله, ولا عليه في نفس الأمر لمن أصاب البر أو فاجر أو مستحق أو غيره, وهو مثاب على قصده, ومستند هذا تمام الاية " وما تنفقوا من خير يوف إليكم وأنتم لا تظلمون " والحديث المخرج في الصحيحين من طريق أبي الزناد, عن الأعرج, عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "قال رجل لأتصدقن الليلة بصدقة, فخرج بصدقته فوضعها في يد زانية, فأصبح الناس يتحدثون: تصدق على زانية, فقال: اللهم لك الحمد على زانية, لأتصدقن الليلة بصدقة فوضعها في يد غني, فأصبحوا يتحدثون: تصدق الليلة على غني, قال: اللهم لك الحمد على غني, لأتصدقن الليلة بصدقة, فخرج فوضعها في يد سارق فأصبحوا يتحدثون: تصدق الليلة على سارق, فقال: اللهم لك الحمد على زانية وعلى غني وعلى سارق, فأتي فقيل له: أما صدقتك فقد قبلت, وأما الزانية فلعلها أن تستعفف بها عن زنا, ولعل الغني يعتبر فينفق مما أعطاه الله, ولعل السارق أن يستعف بها عن سرقته".
وقوله "للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله" يعني المهاجرين الذين انقطعوا إلى الله وإلى رسوله وسكنوا المدينة, وليس لهم سبب يردون به على أنفسهم ما يغنيهم و "لا يستطيعون ضرباً في الأرض" يعني سفراً للتسبب في طلب المعاش والضرب في الأرض هو السفر, قال الله تعالى: "وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة" وقال تعالى: "علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله" الاية.
وقوله "يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف" أي الجاهل بأمرهم وحالهم يحسبهم أغنياء من تعففهم في لباسهم وحالهم ومقالهم, وفي هذا المعنى الحديث المتفق على صحته عن أبي هريرة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ليس المسكين بهذا الطواف الذي ترده التمرة والتمرتان, واللقمة واللقمتان, والأكلة والأكلتان, ولكن المسكين الذي لا يجد غنىً يغنيه ولا يفطن له فيتصدق عليه, ولا يسأل الناس شيئاً". رواه أحمد من حديث ابن مسعود أيضاً.
وقوله "تعرفهم بسيماهم" أي بما يظهر لذوي الألباب من صفاتهم, كما قال تعالى: "سيماهم في وجوههم" وقال "ولتعرفنهم في لحن القول" وفي الحديث الذي في السنن "اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله" ثم قرأ " إن في ذلك لآيات للمتوسمين ".
وقوله: " لا يسألون الناس إلحافا " أي لا يلحون في المسألة ويكلفون الناس ما لا يحتاجون إليه, فإن سأل وله ما يغنيه عن المسألة, فقد ألحق في المسألة, قال البخاري: حدثنا ابن أبي مريم, حدثنا محمد بن جعفر, حدثنا شريك بن أبي نمر أن عطاء بن يسار وعبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري, قالا: سمعنا أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان, ولا اللقمة واللقمتان, إنما المسكين الذي يتعفف", اقرؤا إن شئتم يعني قوله "لا يسألون الناس إلحافاً" وقد رواه مسلم من حديث إسماعيل بن جعفر المديني, عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر, عن عطاء بن يسار وحده, عن أبي هريرة به, وقال أبو عبد الرحمن النسائي: أخبرنا علي بن حجر, حدثنا إسماعيل, أخبرنا شريك وهو ابن أبي نمر عن عطاء بن يسار, عن أبي هريرة به, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان, واللقمة واللقمتان, إنما المسكين المتعفف, اقرؤوا إن شئتم "لا يسألون الناس إلحافًا" " وروى البخاري من حديث شعبة, عن محمد بن أبي زياد, عن أبي هريرة, عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه, وقال ابن أبي حاتم: أخبرنا يونس بن عبد الأعلى, أخبرنا ابن وهب, أخبرني ابن أبي ذئب, عن أبي الوليد, عن أبي هريرة, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "ليس المسكين بالطواف عليكم فتطعمونه لقمة لقمة, إنما المسكين المتعفف الذي لا يسأل الناس إلحافاً" وقال ابن جرير: حدثني معتمر عن الحسن بن مالك, عن صالح بن سويد, عن أبي هريرة, قال: ليس المسكين بالطواف الذي ترده الأكلة والأكلتان, ولكن المسكين المتعفف في بيته لا يسأل الناس شيئاً تصيبه الحاجة, اقرؤوا إن شئتم "لا يسألون الناس إلحافاً" وقال الإمام أحمد أيضاً: حدثنا أبو بكر الحنفي, حدثنا عبد الحميد بن جعفر عن أبيه, عن رجل من مزينة أنه قالت له أمه: ألا تنطلق فتسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يسأله الناس ؟ فانطلقت أسأله فوجدته قائماً يخطب, وهو يقول "ومن استعف أعفه الله, ومن استغنى أغناه الله, ومن يسأل الناس وله عدل خمس أواق, فقد سأل الناس إلحافاً" فقلت بيني وبين نفسي: لناقة لهي خير من خمس أواق, ولغلامه ناقة أخرى فهي خير من خمس أواق, فرجعت ولم أسأل, وقال الإمام أحمد: حدثنا قتيبة, حدثنا عبد الرحمن بن أبي الرجال عن عمارة بن غزية, عن عبد الرحمن بن أبي سعيد, عن أبيه, قال: سرحتني أمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أسأله, فأتيته فقعدت, قال: فاستقبلني فقال "من استغنى أغناه الله, ومن استعف أعفه الله, ومن استكف كفاه الله, ومن سأل وله قيمة أوقية فقد ألحف, قال: فقلت ناقتي الياقوتة خير من أوقية, فرجعت فلم أسأله", وهكذا رواه أبو داود والنسائي عن قتيبة, زاد أبو داود وهشام بن عمار كلاهما عن عبد الرحمن بن أبي الرجال بإسناده نحوه, وقال ابن أبي حاتم, حدثنا أبي, حدثنا أبو الجماهر, حدثنا عبد الرحمن بن أبي الرجال, عن عمارة بن غزية, عن عبد الرحمن بن أبي سعيد, قال: قال أبو سعيد الخدري, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من سأل وله قيمة أوقية فهو ملحف". والأوقية أربعون درهماً, وقال أحمد: حدثنا وكيع, حدثنا سفيان عن زيد بن أسلم, عن عطاء بن يسار, عن رجل من بني أسد, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن سأل أوقية أو عدلها فقد سأل إلحافاً, وقال الإمام أحمد أيضاً: حدثنا وكيع, حدثنا سفيان عن حكيم بن جبير, عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد, عن أبيه, عن عبد الله بن مسعود, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من سأل وله ما يغنيه, جاءت مسألته يوم القيامة خدوشاً أو كدوحاً في وجهه" قالوا: يا رسول الله وما غناه ؟ قال "خمسون درهماً أو حسابها من الذهب". وقد رواه أهل السنن الأربعة من حديث حكيم بن جبير الأسدي الكوفي, وقد تركه شعبة بن الحجاج, وضعفه غير واحد من الأئمة من جراء هذا الحديث, وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني: حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي, حدثنا أبو حسين عبد الله بن أحمد بن يونس, حدثني أبي, حدثنا أبو بكر بن عياش عن هشام بن حسان, عن محمد بن سيرين, قال: بلغ الحارث رجلاً كان بالشام من قريش, أن أبا ذر كان به عوز فبعث إليه ثلاثمائة دينار, فقال: ما وجد عبد الله رجلاً أهون عليه مني, سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "من سأل وله أربعون فقد ألحف" ولال أبي ذر أربعون درهماً وأربعون شاة وماهنان, قال أبو بكر بن عياش, يعني خادمين, وقال ابن مردويه: حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم, أخبرنا إبراهيم بن محمد, أنبأنا عبد الجبار, أخبرنا سفيان عن داود بن سابور, عن عمرو بن شعيب, عن أبيه, عن جده, عن النبي صلى الله عليه وسلم, قال "من سأل وله أربعون درهماً فهو ملحف وهو مثل سف الملة" يعني الرمل, ورواه النسائي عن أحمد بن سليمان, عن أحمد بن آدم, عن سفيان وهو ابن عيينة بإسناده نحوه قوله "وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم" أي لا يخفى عليه شيء منه وسيجزي عليه أوفر الجزاء وأتمه يوم القيامة أحوج ما يكون إليه.
وقوله "الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراً وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون" هذا مدح منه تعالى للمنفقين في سبيله وابتغاء مرضاته في جميع الأوقات من ليل ونهار, والأحوال من سر وجهر, حتى أن النفقة على الأهل تدخل في ذلك أيضاً, كما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لسعد بن أبي وقاص حين عاده مريضاً عام الفتح, وفي رواية عام حجة الوداع "وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا ازددت بها درجة ورفعة حتى ما تجعل في في أمرأتك". وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر وبهز, قال: حدثنا شعبة عن عدي بن ثابت, قال: سمعت عبد الله بن يزيد الأنصاري يحدث عن أبي مسعود رضي الله عنهما, عن النبي صلى الله عليه وسلم, أنه قال "إن المسلم إذا أنفق على أهله نفقة يحتسبها كانت له صدقة", أخرجاه من حديث شعبة به, وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة, حدثنا سليمان بن عبد الرحمن, حدثنا محمد بن شعيب, قال: سمعت سعيد بن يسار عن يزيد بن عبد الله بن عريب المليكي, عن أبيه, عن جده, عن النبي صلى الله عليه وسلم, قال: نزلت هذه الاية " الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم " في أصحاب الخيل. وقال حبش الصنعاني عن ابن شهاب, عن ابن عباس في هذه الاية, قال: هم الذين يعلفون الخيل في سبيل الله, رواه ابن أبي حاتم ثم قال: وكذا روي عن أبي أمامة وسعيد بن المسيب ومكحول, وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج, أخبرنا يحيى بن يمان عن عبد الوهاب بن مجاهد, عن ابن جبير, عن أبيه, قال: كان لعلي أربعة دراهم, فأنفق درهماً ليلاً ودرهماً نهاراً ودرهماً سراً ودرهماً علانية, فنزلت "الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراً وعلانية", وكذا رواه ابن جرير من طريق عبد الوهاب بن مجاهد, وهو ضعيف, ولكن رواه ابن مردويه من وجه آخر عن ابن عباس, أنها نزلت في علي بن أبي طالب, وقوله "فلهم أجرهم عند ربهم" أي يوم القيامة على ما فعلوا من الإنفاق في الطاعات "ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون" تقدم تفسيره.
وقوله: 274- "بالليل والنهار" يفيد زيادة رغبتهم في الإنفاق وشدة حرصهم عليه حتى أنهم لا يتركون ذلك ليلاً ولا نهاراً، ويفعلونه سراً وجهراً عند أن تنزل بهم حاجة المحتاجين، ويظهر لديهم فاقة المفتاقين في جميع الأزمنة على جميع الأحوال. ودخول الفاء في خبر الموصول أعني قوله: "فلهم أجرهم" للدلالة على سببية ما قبلها لما بعدها، وقيل: هي للعطف والخبر للموصول محذوف: أي ومنهم الذين ينفقون.
وقد أخرج عبد بن حميد والنسائي والبزار وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في سننه والضياء في المختارة عن ابن عباس، قال: كانوا يكرهون أن يرضخوا لأنسابهم من المشركين فنزلت هذه الآية: "ليس عليك هداهم" إلى قوله: "وأنتم لا تظلمون" فرخص لهم. وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه والضياء عنه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمرنا أن لا تتصدق إلا على أهل الإسلام حتى نزلت هذه الآية، فأمر بالصدقة بعدها على كل من سألك من كل دين. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن سعيد بن جبير نحوه. وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن الحنفية نحوه. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: كان أناس من الأنصار لهم نسب وقرابة من قريظة والنضير، وكان يتقون أن لا يتصدقوا عليهم ويريدونهم أن يسلموا، فنزلت "ليس عليك هداهم" الآية. وأخرج ابن المنذر عن عمرو الهلالي قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم أنتصدق على فقراء أهل الكتاب؟ فأنزل الله "ليس عليك هداهم" الآية. وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء الخراساني قال في قوله: "وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله" قال: إذا أعطيت لوجه الله فلا عليك ما كان عمله. وأخرج ابن المنذر من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله: "للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله" قال: هم أصحاب الصفة. وأخرج ابن سعد عن محمد بن كعب القرظي نحوه. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال: هم مهاجرو قريش بالمدينة مع النبي صلى الله عليه وسلم أمروا بالصدقة عليهم. وأخرج ابن جرير عن الربيع في قوله: "الذين أحصروا في سبيل الله" قال: حصروا أنفسهم في سبيل الله للغزو فلا يستطيعون تجارة. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال: هم قوم أصابتهم الجراحات في سبيل الله فصاروا زمنى، فجعل لهم في أموال المسلمين حقاً. وأخرج ابن أبي حاتم عن رجاء بن حيوة في قوله: "لا يستطيعون ضرباً في الأرض" قال: لا يستطيعون تجارة. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي نحوه. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله: "يحسبهم الجاهل أغنياء" قال: دل الله المؤمنين عليهم وجعل نفقاتهم لهم، وأمرهم أن يضعوا نفقاتهم فيهم ورضي عنهم. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: "تعرفهم بسيماهم" قال: التجشع. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الربيع أن معناه تعرف في وجوههم الجهد من الحاجة. وأخرج ابن جرير عن ابن زيد "تعرفهم بسيماهم" قال: رثاثة ثيابهم، وثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان، واللقمة واللقمتان، إنما المسكين الذي يتعفف، وأقرأوا إن شئتم: لا يسألون الناس إلحافاً" وقد ورد في تحريم المسألة أحاديث كثيرة إلا لذي سلطان أو في أمر لا يجد منه بداً. وأخرج ابن سعد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن عدي والطبراني وأبو الشيخ عن يزيد بن عبد الله بن غريب المليكي عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أنزلت هذه الآية "الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار" في أصحاب الخيل". وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن عساكر عن أبي أمامة الباهلي نحوه قال: فيمن لا يربطها خيلاء ولا رياء ولا سمعة. وأخرج ابن جرير عن أبي الدرداء نحوه. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن حنش الصنعاني أنه سمع ابن عباس يقول في هذه الآية: هم الذين يعلفون الخيل في سبيل الله. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن عساكر من طريق عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه عن ابن عباس في هذه الآية، قال: نزلت في علي بن أبي طالب كانت له أربعة دراهم فأنفق بالليل درهماً، وبالنهار درهماً، ودرهماً سراً، ودرهماً علانيةً. وعبد الوهاب ضعيف ولكن قد رواه ابن مردويه من وجه آخر عن ابن عباس. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في هذه الآية قال: هؤلاء قوم أنفقوا في سبيل الله الذي افترض عليهم في غير سرف ولا إملاق ولا تبذير ولا فساد. وأخرج ابن المنذر عن سعيد بن المسيب قال: نزلت في عبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان في نفقتهم في جيش العسرة.
274. " الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراً وعلانية " روي عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: نزلت هذه الآية في علي بن أبي طالب رضي الله عنه كانت عنده أربعة دراهم لا يملك غيرها فتصدق بدرهم ليلاً وبدرهم نهاراً وبدرهم سراً وبدرهم علانية.وعن الضحاك عن عباس رضي الله عنهم قال لما نزلت " للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله " بعث عبد الرحمن بن عوف بدنانير كثيرة إلى أصحاب الصفة وبعث على بن أبي طالب رضي الله عنه في جوف الليل بوسق من تمر فأنزل الله تعالى فيهما " الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار " الآية عنى بالنهار علانية : صدقة عبد الرحمن بن عوف ، وبالليل سراً : صدقة على رضي الله عنه وقال أبو الدرداء و مكحول و الأوزاعي : نزلت في الذين يرتبطون الخيل للجهاد فإنها تعلف ليلاً ونهاراً سراً وعلانية . أخبرنا عبد الواحد المليحي بن أحمد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي أخبرنا محمد بن يوسف ، أخبرنا محمد بن إسماعيل أخبرنا ابن المبارك أخبرنا طلحة بن أبي سعيد قال : أخبرنا محمد بن إسماعيل ، أخبرنا علي بن حفص ، أخبرنا ابن المبارك ،أخبرنا طلحة بن أبي سعيد قال : سمعت سعيداً المقبري يحدث أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من احتبس فرساً في سبيل الله إيماناً بالله وتصديقاً بوعده فإن شبعه وريه وروثه وبوله في ميزانه يوم القيامة" قوله تعالى : " فلهم أجرهم عند ربهم " قال الأخفش : جعل الخبر بالفاء، لأن (( الذين )) بمعنى (( من )) وجواب من بالفاء بالجزاء، أو معنى الآية: من أنفق كذا فله أجره عند ربه " ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ".
274-" الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراً وعلانيةً " أي يعمون الأوقات والأحوال بالخير . نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه ، تصديق بأربعين ألف دينار عشرة بالليل وعشرة بالنهار ، وعشرة بالسر وعشرة بالعلانية . وقيل في أمير المؤمنين علي رضي الله تعالى عنه : لم يملك إلا أربعة دراهم فتصدق بدرهم ليلاً ودرهم نهاراً ، ودرهم سراً ودرهم علانية . وقيل : في ربط الخيل في سبيل الله والإنفاق عليها . " فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون " خبر الذين ينفقون ، والفاء للسببية . وقيل للعطف والخبر محذوف أي ومنهم الذين ولذلك جوز الوقف على وعلانية .
274. Those who spend their wealth by night and day, by stealth and openly, verily their reward is with their Lord, and there shall no fear come upon them neither shall they grieve.
274 - Those who (in charity) spend of their goods by night and by day, in secret and in public, have their reward with their Lord: on them shall be no fear, nor shall they grieve.