[البقرة : 273] لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ
(للفقراء) خبر مبتدأ محذوف أي الصدقات (الذين أحصروا في سبيل الله) أي حبسوا أنفسهم على الجهاد ، نزلت في أهل الصفة وهم أربعمائة من المهاجرين أرصدوا لتعلم القرآن والخروج مع السرايا (لا يستطيعون ضربا) سفراً (في الأرض) للتجارة والمعاش لشغلهم عنه بالجهاد (يحسبهم الجاهل) بحالهم (أغنياء من التعفف) أي لتعففهم عن السؤال وتركه (تعرفهم) يا مخاطب (بسيماهم) علامتهم من التواضع وأثر الجهد (لا يسألون الناس) شيئاً فيلحفون (إلحافا) أي لا سؤال لهم أصلا فلا يقع منهم إلحاف وهو الإلحاح (وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم) فمجاز عليه
قال أبو جعفر: أما قوله: "للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله"، فبيان من الله عز وجل عن سبيل النفقة ووجهها. ومعنى الكلام: وما تنفقوا من خير، فلأنفسكم تنفقون للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله.
واللام التي في الفقراء مردودة على موضع اللام في "فلأنفسكم" كأنه قال: "وما تنفقوا من خير"- يعني به: وما تتصدقوا به من مال فللفقراء الذين أحصروا في سبيل الله. فلما اعترض في الكلام بقوله: "فلأنفسكم"، فأدخل الفاء التي هي جواب الجزاء فيه، تركت إعادتها في قوله : "للفقراء"، إذ كان الكلام مفهوماً معناه، كما:-
حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي قوله: "ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء وما تنفقوا من خير فلأنفسكم"، أما: "ليس عليك هداهم"، فيعني المشركين. وأما النفقة فبين أهلها فقال: "للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله".
وقيل: إن هؤلاء الفقراء الذين ذكرهم الله في هذه الآية، هم فقراء المهاجرين عامة، دون غيرهم من الفقراء.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: "للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله"، مهاجري قريش بالمدينة مع النبي صلى الله عليه وسلم، أمر بالصدقة عليهم.
حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه قوله: "للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله" الآية، قال: هم فقراء المهاجرين بالمدينة.
حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله"، قال: فقراء المهاجرين.
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: الذين جعلهم جهادهم عدؤهم يحصرون أنفسهم فيحبسونها عن التصرف، فلا يستطيعون تصرفاً.
وقد دللنا فيما مضى قبل على أن معنى الإحصار، تصيير الرجل المحصر بمرضه أو فاقته أو جهاده عدوه، وغير ذلك من علله، إلى حالة يحبس نفسه فيها عن التصرف في أسبابه، بما فيه الكفاية فيما مضى قبل.
وقد اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.
فقال بعضهم في ذلك بنحو الذي قلنا فيه.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: "الذين أحصروا في سبيل الله"، قال: حصروا أنفسهم في سبيل الله للغزو.
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: "للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله"، قال: كانت الأرض كلها كفراً، لا يستطيع أحد أن يخرج يبتغي من فضل الله، إذا خرج خرج في كفر، وقيل: كانت الأرض كلها حرباً على أهل هذا البلد، وكانوا لا يتوجهون جهة إلا لهم فيها عدو، فقال الله عز وجل: "للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله" الآية، كانوا ههنا في سبيل الله.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: الذين أحصرهم المشركون فمنعوهم التصرف.
ذكر من قال ذلك:
حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله"، حصرهم المشركون في المدينة.
قال أبو جعفر: ولو كان تأويل الآية على ما تأوله السدي، لكان الكلام: للفقراء الذين حصروا في سبيل الله، ولكنه "أحصروا"، فدل ذلك على أن خوفهم من العدو، الذي صير هؤلاء الفقراء إلى الحال التي حبسوا -وهم في سبيل الله- أنفسهم، لا أن العدو هم كانوا الحابسيهم.
وإنما يقال لمن حبسه العدو: حصره العدو، وإذا كان الرجل المحبس من خوف العدو، قيل: أحصره خوف العدو.
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: لا يستطيعون تقلباً في الأرض وسفراً في البلاد، ابتغاء المعاش وطلب المكاسب، فيستغنوا عن الصدقات، رهبة العدو وخوفاً على أنفسهم منهم، كما:-
حدثني الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة: "لا يستطيعون ضربا في الأرض"، حبسوا أنفسهم في سبيل الله للعدو، فلا يستطيعون تجارةً.
حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "لا يستطيعون ضربا في الأرض"، يعني التجارة.
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد قوله: "لا يستطيعون ضربا في الأرض"، كان أحدهم لا يستطيع أن يخرج يبتغي من فضل الله.
قال أبو جعفر: يعني بذلك: "يحسبهم الجاهل" بأمرهم وحالهم، "أغنياء" من تعففهم عن المسألة، وتركهم التعرض لما في أيدي الناس، صبراً منهم على البأساء والضراء، كما:-
حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "يحسبهم الجاهل أغنياء"، يقول: يحسبهم الجاهل بأمرهم أغنياء من التعفف.
ويعني بقوله: "من التعفف"، من ترك مسألة الناس.
وهو التفعل من العفة عن الشيء، والعفة عن الشيء، تركه، كما قال رؤبة:
فعف عن أسرارها بعد العسق
يعني: برئ وتجنب.
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: "تعرفهم" يا محمد، "بسيماهم"، يعني بعلامتهم وآثارهم، من قول الله عز وجل: "سيماهم في وجوههم من أثر السجود" [الفتح: 29]، هذه لغة قريش. ومن العرب من يقول: بسيمائهم فيمدها. وأما ثقيف وبعض أسد فإنهم يقولون: بسيميائهم، ومن ذلك قول الشاعر:
غلام رماه الله بالحسن يافعاً له سيمياء لا تشق على البصر
وقد اختلف أهل التأويل في السيما التي أخبر الله جل ثناؤه أنها لهؤلاء الفقراء الذين وصف صفتهم، وأنهم يعرفون بها.
فقال بعضهم: هو التخشع والتواضع.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: "تعرفهم بسيماهم"، قال: التخشع.
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
حدثني المثنى قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن ليث قال: كان مجاهد يقول: هو التخشع.
وقال آخرون: يعني بذلك: تعرفهم بسيما الفقر وجهد الحاجة في وجوههم.
ذكر من قال ذلك:
حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "تعرفهم بسيماهم"، بسيما الفقر عليهم.
حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: "تعرفهم بسيماهم"، يقول: تعرف في وجوههم الجهد من الحاجة.
وقال آخرون: معنى ذلك: تعرفهم برثاثة ثيابهم. وقالوا: الجوع خفي.
ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: "تعرفهم بسيماهم"، قال: السيما رثاثة ثيابهم. والجوع خفي على الناس، ولم تستطع الثياب التي يخرجون فيها [أن] تخفى على الناس.
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله عز وجل أخبر نبيه صلى الله عليه وسلم أنه يعرفهم بعلاماتهم وآثار الحاجة فيهم. وإنما كان النبي صلى الله عليه وسلم يدرك تلك العلامات والآثار منهم عند المشاهدة بالعيان، فيعرفهم وأصحابه بها، كما يدرك المريض فيعلم أنه مريض بالمعاينة. وقد يجوز أن تكون تلك السيما كانت تخشعاً منهم، وأن تكون كانت أثر الحاجة والضر، وأن تكون كانت رثاثة الثياب، وأن تكون كانت جميع ذلك. وإنما تدرك علامات الحاجة وآثار الضر في الإنسان ويعلم أنها من الحاجة والضر، بالمعاينة دون الوصف. وذلك أن المريض قد يصير به في بعض أحوال مرضه من المرض، نظير آثار المجهود من الفاقة والحاجة. وقد يلبس الغني ذو المال الكثير الثياب الرثة، فيتزيى بزي أهل الحاجة، فلا يكون في شيء من ذلك دلالة بالصفة على أن الموصوف به مختل ذو فاقة. وإنما يدرى ذلك عند المعاينة بسيماه كما وصف الله، نظير ما يعرف أنه مريض عند المعاينة، دون وصفه بصفته.
قال أبو جعفر: يقال: قد ألحف السائل في مسألته، إذا ألح، فهو يلحف فيها إلحافاً.
فإن قال قائل: أفكان هؤلاء القوم يسألون الناس غير إلحاف؟.
قيل: غير جائز أن يكون كانوا يسألون الناس شيئاً على وجه الصدقة إلحافاً أو غير إلحاف. وذلك أن الله عز وجل وصفهم بأنهم كانوا أهل تعفف، وأنهم إنما كانوا يعرفون بسيماهم. فلو كانت المسألة من شأنهم، لم تكن صفتهم التعفف، ولم يكن بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى علم معرفتهم بالأدلة والعلامة حاجة، وكانت المسألة الظاهرة تنبئ عن حالهم وأمرهم.
وفي الخبر الذي:-
حدثنا به بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن هلال بن حصن، عن أبي سعيد الخدري قال، أعوزنا مرة فقيل لي: لو أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته! فانطلقت إليه معنقاً، فكان أول ما واجهني به: من استعف أعفه الله، ومن استغنى أغناه الله، ومن سألنا لم ندخر عنه شيئاً نجده. قال: فرجعت إلى نفسي فقلت: ألا أستعف فيعفني الله! فرجعت، فما سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً بعد ذلك من أمر حاجة، حتى مالت علينا الدنيا فغرقتنا، إلا من عصم الله.
الدلالة الواضحة على أن التعفف معنى ينفي معنى المسألة من الشخص الواحد، وأن من كان موصوفاً بالتعفف، فغير موصوف بالمسألة إلحافاً أو غير إلحاف.
فإن قال قائل: فإن كان الأمر على ما وصفت، فما وجه قوله: "لا يسألون الناس إلحافا"، وهم لا يسألون الناس إلحافاً أو غير إلحاف.
قيل له: وجه ذلك: أن الله تعالى ذكره لما وصفهم بالتعفف، وعرف عباده أنهم ليسوا أهل مسألة بحال بقوله: "يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف"، وأنهم إنما يعرفون بالسيما- زاد عباده إبانة لأمرهم وحسن ثناء عليهم، بنفي الشره والضراعة التي تكون في الملحين من السؤال، عنهم.
وقد كان بعض القائلين يقول: ذلك نظير قول القائل: قلما رأيت مثل فلان! ولعله لم ير مثله أحداً ولا نظيراً.
وبنحو الذي قلنا في معنى الإلحاف قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "لا يسألون الناس إلحافا"، قال: لا يلحفون في المسألة.
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: "لا يسألون الناس إلحافا"، قال: هو الذي يلح في المسألة.
حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "لا يسألون الناس إلحافا"، ذكر لنا "أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: إن الله يحب الحليم الغني المتعفف، ويبغض الغني الفاحش البذيء السائل الملحف"، قال: وذكر لنا "أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: إن الله عز وجل كره لكم ثلاثاً: قيلاً وقالاً، وإضاعة المال، وكثرة السؤال". فإذا شئت رأيته في قيل وقال يومه أجمع وصدر ليلته. حتى يلقى جيفةً على فراشه، لا يجعل الله له من نهاره ولا ليلته نصيباً. وإذا شئت رأيته ذا مال [ينفقه] في شهوته ولذاته وملاعبه، ويعدله عن حق الله، فذلك إضاعة المال. وإذا شئت رأيته باسطاً ذراعيه يسأل الناس في كفيه، فإذا أعطي أفرط في مدحهم، وإن منع أفرط في ذمهم...
فيه عشر مسائل :
الأولى : قوله تعالى : "للفقراء" اللام متعلقة بقوله "وما تنفقوا من خير" وقيل : بمحذوف تقديره الإنفاق أو الصدقة للفقراء . قال السدي و مجاهد وغيرهما : المراد بهؤلاء الفقراء فقراء المهاجرين من قريش وغيرهم ، ثم تتناول الآية وكل من دخل تحت صفة الفقراء غابر الدهر . وإنما خص فقراء المهاجرين بالذكر لأنه لم يكن هناك سواهم وهم أهل الصفة وكانوا نحواً من أربعمائة رجل ، وذلك أنهم كانوا يقدمون فقراء على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما لهم أهل ولا مال فبنيت لهم صفة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقيل لهم : أهل الصفة . قال أبو ذر :
"كنت من أهل الصفة وكنا إذا أمسينا حضرنا باب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأمر كل رجل فينصرف برجل ويبقى من بقي من أهل الصفة عشرة أو أقل فيؤتى النبي صلى الله عليه وسلم بعشائه ونتعشى معه . فإذا فرغنا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ناموا في المسجد" . وخرج الترمذي عن البراء بن عازب :
"ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون" قال : نزلت فينا معشر الأنصار كنا أصحاب نخل ، قال : فكان الرجل يأتي من نخله على قدر كثرته وقلته ، وكان الرجل يأتي بالقنو والقنوين فيعلقه في المسجد ، وكان أهل الصفة ليس لهم طعام ، فكان أحدهم إذا جاع أتى القنو فيضربه بعصاه فيسقط من البسر والتمر فيأكل ، وكان ناس ممن لا يرغب في الخير يأتي بالقنو فيه الشيص والحشف ، وبالقنو قد انكسر فيعلقه في المسجد ، فأنزل الله تعالى : "يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه" . قال : ولو أن أحدكم أهدي إليه مثل ما أعطاه لم يأخذه إلا على إغماض وحياء . قال : فكنا بعد ذلك يأتي الرجل بصالح ما عنده . قال : هذا حديث حسن غريب صحيح . قال علماؤنا . وكانوا رضي الله عنهم في المسجد ضرورة ، وأكلوا من الصدقة ضرورة ، فلما فتح الله على المسلمين استغنوا عن تلك الحال وخرجوا ثم ملكوا وتأمروا . ثم بين الله سبحانه من أحوال أولئك الفقراء المهاجرين ما يوجب الحنو عليهم بقوله تعالى : "الذين أحصروا في سبيل الله" والمعنى حبسوا ومنعوا .وقالقتادة واين زيد : "أحصروا في سبيل الله" حبسوا أنفسهم عن التصرف في معايشهم خوف العدو ، ولهذا قال تعالى : "لا يستطيعون ضربا في الأرض" لكون البلاد كلها كفر مطبقاً . وهذا في صدر الإسلام ، فعلتهم تمنع من الإكتساب بالجهاد، وإنكار الكفارعليهم إسلامهم يمنع من التصرف في التجارة فبقوا فقراء . وقيل : معنى : "لا يستطيعون ضربا في الأرض" أي لما قد ألزموا أنفسهم من الجهاد . والأول أظهر . والله أعلم .
الثانية : "يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف" أي أنهم من الانقباض وترك المسألة والتوكل على الله بحيث يظنهم الجاهل بهم أغنياء . وفيه دليل على أن اسم الفقر يجوز أن يطلق على من له كسوة ذات قيمة ولا يمنع ذلك من إعطاء الزكاة إليه . وقدر أمر الله تعالى بإعطاء هؤلاء القوم ، وكانوا من المهاجرين الذين يقاتلون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مرضى ولا عميان . والتعفف تفعل ، وهو بناء مبالغة من عف عن الشيء إذا أمسك عنه وتنزه عن طلبه ، وبهذا المعنى فسر قتادة وغيره . وفتح السين وكسرها في يحسبهم لغتان . قال أبو علي :والفتح أقيس ، لأن العين من الماضي مكسورة فبابها أن تأتي في المضارع مفتوحة . والقراءة بالكسر حسنة ، لمجيء السمع به وإن كان شاذاً عن القياس . و من في قوله : "من التعفف" لابتداء الغاية . وقيل لبيان الجنس .
الثالثة : قوله تعالى : "تعرفهم بسيماهم" فيه دليل على أن للسيما أثراً في اعتبار من يظهر عليه ذلك ، حتى إذا رأينا ميتاً في دار الإسلام وعليه زنار وهو غير مختون لا يدفن في مقابر المسلمين ، وتقدم ذلك على حكم الدار في قول أكثر العلماء ، ومنه قوله تعالى : "ولتعرفنهم في لحن القول" . فدلت الآية على جواز صرف الصدقة إلى من له ثياب وكسوة وزي في التجمل . واتفق العلماء على ذلك ، وإن اختلفوا بعده في مقدار ما يأخذه إذا احتاج . فـ أبو حنيفة اعتبر مقدار ما تجب فيه الزكاة ، و الشافعي اعتبر قوت سنة ، و مالك اعتبر اربعين درهماً ، و الشافعي لا يصرف الزكاة إلى المكتسب .
والسيما ( مقصورة ) : العلامة ، وقد تمد فيقال السيماء . وقد اختلف العلماء في تعيينها هنا ، فقال مجاهد : هي الخشوع والتواضع . السدي : أثر الفاقة والحاجة في وجوههم وقلة النعمة . ابن زيد : رثاثة ثيابهم . وقال قوم وحكاه مكي :أثر السجود . ابن عطية : وهذا حسن ، وذلك لأنهم كانوا متفرغين متوكلين لا شغل لهم في الأغلب إلا الصلاة ، فكان أثر السجود عليهم .
قلت : وهذه السيما التي هي أثر السجود اشترك فيها جميع الصحابة رضوان الله عليهم بإخبار الله تعالى في آخر الفتح بقوله : "سيماهم في وجوههم من أثر السجود" فلا فرق بينهم وبين غيرهم ، فلم يبق إلا أن تكون السيماء أثر الخصاصة والحاجة ، أو يكون أثر السجود أكثر ، فكانوا يعرفون بصفرة الوجوه من قيام الليل وصوم النهار . والله أعلم . وأما الخشوع فذلك محله القلب ويشترك فيه الغني والفقير ، فلم يبق إلا ما اخترناه ، والموفق الإله .
الرابعة : قوله تعالى : "لا يسألون الناس إلحافا" مصدر في موضع الحال أي محلفين ، يقال : ألحف وأحفى ألح في المسألة سواء ، ويقال :
وليس للمحلف مثل الرد
واشتقاق الإلحاف من اللحاف ، سمي بذلك لاشتماله على وجوه الطلب في المسألة كاشتمال اللحاف من التغطية ، أي هذا السائل يعم الناس بسؤاله فيلحفهم ذلك ، ومنه قول ابن أحمر :
فظل يحفهن بقفقفيه ويلحفهن هفهافا ثخينا
يصف ذكر النعام يحضن بيضاً بجناحيه جناحه لها كاللحاف ، وهو رقيق مع ثخنه . وروى النسائي و مسلم عن ابي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
"ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان واللقمة واللقمتان إنما المسكين المتعفف اقرؤوا إن شئتم ، لا يسألون الناس إلحاف" .
الخامسة : واختلف العلماء في معنى قوله : "لا يسألون الناس إلحافا" على قولين ، فقال قوم منهم الطبري و الزجاج : إن المعنى لا يسألون البتة ، وهذا على أنهم متعففون عن المسألة عفة تامة ، وعلى هذا جمهور المفسرين ، ويكون التعفف صفة ثابتة لهم ، أي لا يسألون الناس إلحاحاً ولا غير إلحاح . وقال قوم : إن المراد نفي الإلحاف أي . إنهم يسألون غير إلحاف وهذا هو السابق للفهم ، أي يسألون غير ملحفين . وفي هذا تنبيه على سوء حالة من يسأل الناس إلحافاً . روى الأئمة واللفظ لـ مسلم عن معاوية بن ابي سفيان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"لا تلحفوا في المسألة فوالله لا يسألني أحد منكم شيئاً فتخرج له مسألته مني شيئاً وأنا له كاره فيبارك له فيما أعطيته" . وفي الموطأ عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن رجل من بني أسد أنه قال :
"نزلت أنا وأهلي ببقيع الغرقد فقال لي أهلي : اذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاسأله لنا شيئاً نأكله ، وجعلوا يذكرون من حاجتهم ، فذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدت عنده رجلاً يسأله ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ، لا أجد ما أعطيك ، فتولى الرجل عنه وهو مغضب وهو يقول : لعمري إنك لتعطي من شئت ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنه يغضب علي إلا أجد ما أعطيه من سأل منكم وله أوقية أو عدلها فقد سأل إلحافا" . قال الأسدي : فقلت للقحة لنا خير من أوقية ـ قال مالك :والأوقية أربعون درهماً ـ قال : فرجعت ولم أسأله ، فقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك بشعير وزبيب فقسم لنا منه أغنانا الله . فقال ابن عبد البر : هكذا رواه مالك وتابعه هشام بن سعد وغيره ، وهو حديث صحيح ، وليس حكم الصحابي إذا لم يسم كحكم من دونه إذا لم يسم عند العلماء ، لارتفاع الجرحة عن جميعهم وثبوت العدالة لهم . وهذا حديث يدل على أن السؤال مكروه لمن له أوقية من فضة ، فمن سأل وله هذا الحد والعدد والقدر من الفضة أو ما يقوم مقامها ويكون عدلاً منها فهو ملحف ، وما علمت أحداً من أهل العلم إلا وهو يكره السؤال لمن له هذا المقدار من الفضة أو عدلها من الذهب على ظاهر هذا الحديث . وما جاءه من غير مسألة فجائز له أن يأكله إن كان من غير الزكاة ، وهذا مما لا أعلم فيه خلافاً ، فإن كان من الزكاة ففيه خلاف يأتي بيانه في آية الصدقات إن شاء الله تعالى .
السادسة : قال ابن عبد البر : من أحسن ما روي من أجوبة الفقهاء في معاني السؤال وكراهيته ومذهب أهل الورع فيه ما حكاه الأثرم عن أحمد بن حنبل وفد سئل عن المسألة متى تحل قال : إذا لم يكن عنده ما يغديه ويعشيه على حديث سهل بن الحنظلية . قيل لأبي عبد الله : فإن اضطر إلى المسألة ؟ قال : هي مباحة له إذا اضطر . قيل له : فإن تعفف ؟ قال : ذلك خير له . ثم قال : ما أظن أحداً يموت من الجوع ! الله يأتيه برزقه . ثم ذكر حديث أبي سعيد الخدري :
"من استعف أعفه الله" . وحديث أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال له :
"تعفف" ، قال أبو بكر : سمعته يسأل عن الرجل لا يجد شيئاً أيسأل الناس أم يأكل الميتة ؟ فقال: أيأكل الميتة وهو يجد من يسأله ، هذا شنيع . قال : وسمعته يسأله هل يسأل الرجل لغيره ؟ قال لا ، ولكن يعرض . كما :
"قال النبي صلى الله عليه وسلم حين جاءه قوم حفاة عراة مجتابي النمار فقال : تصدقوا" ولم يقل أعطوهم . قال أبو عمر : قد قال النبي صلى الله عليه وسلم :
"أشفعوا تؤجروا" . وفيه إطلاق السؤال لغيره . والله أعلم . وقال :
"ألا رجل يتصدق على هذا ؟" قال أبو بكر : قيل له ـ يعني أحمد بن جنبل ـ فالرجل يذكر الرجل فيقول : إنه محتاج ؟ فقال : هذا تعرض وليس به بأس ، إنما المسألة أن يقول أعطه . ثم قال : لا يعجبني أن يسأل المرء لنفسه فكيف لغيره ؟ والتعريض هنا أحب إلي .
قلت : قد روى أبو داود و النسائي وغيرهما :
"أن الفراسي قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم . اسأل يا رسول الله ؟ قال : لا وإن كنت سائلاً لا بد فأسأل الصالحين" . فأباح صلى الله عليه وسلم سؤال أهل الفضل والصلاح عند الحاجة إلى ذلك ، وإن أوقع حاجته بالله فهو أعلى . قال إبراهيم بن أدهم : سؤال الحاجات من الناس هي الحجاب بينك وبين الله تعالى ، فأنول حاجتك بمن يملك الضر والنفع ، وليكن مفزعك إلى الله تعالى يكفيك الله ما سواه وتعيش مسروراً .
السابعة :فإن جاءه شيء من غير سؤال فله أن يقبله ولا يرده ، إذ هو رزق رزقه الله . روى مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار :
"ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل إلى عمر بن الخطاب بعطاء فرده ، فقال له رسول الله : لم رددته ؟ فقال: يا رسول الله ، أليس أخبرتنا أن أحدنا خير له ألا يأخذ شيئاً ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنما ذاك عن المسألة فأما ما كان من غير مسألة فإنما هو رزق رزقكه الله" . فقال عمر بن الخطاب : والذي نفسي بيده لا أسأل أحداً شيئاً ولا يأتيني بشيء من غير مسألة أخذته . وهذا نص . وخرج مسلم في صحيحه و النسائي في سننه وغيرهما عن ابن عمر قال سمعت عمر يقول :
"كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطيني العطاء فأقول : أعطه أفقر إليه مني ، حتى أعطاني مرة مالاً فقلت : أعطه أفقر إليه مني ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : خذه وما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه وما لا فلا تتبعه نفسك" . زاد النسائي ـ بعد قوله : "خذه ـ فتموله أو تصدق به" . وروى مسلم من حديث عبد الله بن السعدي المالكي :
عن عمر فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إذا أعطيت شيئاً من غير أن تسأل فكل وتصدق" . وهذا صحيح لك حديث مالك مرسل . قال الأثرم : سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل يسأل عن قول النبي صلى الله عليه وسلم :
"ما أتاك من غير مسألة ولا إشراف" ، أي الإشراف أراد ؟ فقال : إن تستشرفه وتقول : لعله يبعث إلي بقلبك . قيل له : وإن لم يتعرض ، قال نعم إنما هو بالقلب . قيل له : هذا شديد ! قال : وإن كان شديداً فهو هكذا . قيل له :فإن كان الرجل لم يعودني أن يرسل إلي شيئاً إلا أنه قد عرض بقلبي فقلت : عسى أن يبعث إلي . قال : هذا إشراف ، فأما إذا جاءك من غير أن تحتسبه ولا خطر على قلبك فهذا الآن ليس فيه إشراف . قال أبو عمر : الإشراف في اللغو رفع الرأس إلى المطموع عنده والمطموع فيه ، وأن يهش الإنسان ويتعرض . وما قاله أحمد في تأويل الإشراف تضييق وتشديد وهو عندي بعيد ، لأن الله عز وجل تجاوز لهذه الأمة عما حدثت به أنفسها ما لم ينطق به لسان أو تعمله جاحة . وأما ما اعتقده القلب من المعاصي ما خلا الكفر فليس بشيء حتى يعمل به ، وخطرات النفس متجاوز عنها بإجماع .
الثامنة : الإلحاح في المسألة والإلحاف فيها مع الغنى عنها حرام لا يحل . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"من سأل الناس أموالهم تكثرا فإنما يسأل جمراً فليستقل أو ليستكثر" رواه أبو هريرة خرجه مسلم . وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
"لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله وليس في وجهه مزعة لحم" رواه مسلم أيضاً .
التاسعة : السائل إذا كان محتاجاً فلا بأس أن يكرر المسألة ثلاثاً إعذاراً وإنذاراً والأفضل تركه . فإن كان المسؤول يعلم بذلك وهو قادر على ما سأله وجب عليه الإعطاء ، وإن كان جاهلاً به فيعطيه مخافة ان يكون صادقاً في سؤاله فلا يفلح في رده .
العاشرة : فإن كان محتاجاً إلى ما يقيم به سنة كالتجمل بثوب يلبسه في العيد والجمعة فذكر ابن العربي ، سمعت بجامع الخليفة ببغداد رجلا يقول : هذا أخوكم يحضر الجمعة معكم وليس عنده ثياب يقيم بها سنة الجمعة . فلما كان في الجمعة الأخرى رأيت عليه ثياباً أخر ، فقيل لي : كساه إياها أبو الطاهر البرسني أخذ الثناء .
قال أبو عبد الرحمن النسائي: أنبأنا محمد بن عبد السلام بن عبد الرحيم, أنبأنا الفريابي حدثنا سفيان عن الأعمش, عن جعفر بن إياس, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس, قال: كانوا يكرهون أن يرضخوا لأنسابهم من المشركين, فسألوا فرخص لهم, فنزلت هذه الاية " ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء وما تنفقوا من خير فلأنفسكم وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله وما تنفقوا من خير يوف إليكم وأنتم لا تظلمون ". وكذا رواه أبو حذيقة وابن المبارك وأبو أحمد الزبيدي وأبو داود الحضرمي عن سفيان, وهو الثوري به, وقال ابن أبي حاتم: أنبأنا أحمد بن القاسم بن عطية, حدثنا أحمد بن عبد الرحمن يعني الدشتكي, حدثني أبي عن أبيه, حدثنا أشعث بن إسحاق عن جعفر بن أبي المغيرة, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس, عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يأمر بأن لا يتصدق إلا على أهل الاسلام, حتى نزلت هذه الاية "ليس عليك هداهم" إلى آخرها, فأمر بالصدقة بعدها على كل من سألك من كل دين, وسيأتي عند قوله تعالى: "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم" الاية, حديث أسماء بنت الصديق في ذلك.
وقوله: "وما تنفقوا من خير فلأنفسكم" كقوله "من عمل صالحاً فلنفسه" ونظائرها في القرآن كثيرة.
وقوله "وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله" قال الحسن البصري: نفقة المؤمن لنفسه ولا ينفق المؤمن إذا أنفق إلا ابتغاء وجه الله, وقال عطاء الخراساني: يعني إذا عطيت لوجه الله فلا عليك ما كان عمله. وهذا معنى حسن وحاصله أن المتصدق إذا تصدق ابتغاء وجه الله, فقد وقع أجره على الله, ولا عليه في نفس الأمر لمن أصاب البر أو فاجر أو مستحق أو غيره, وهو مثاب على قصده, ومستند هذا تمام الاية " وما تنفقوا من خير يوف إليكم وأنتم لا تظلمون " والحديث المخرج في الصحيحين من طريق أبي الزناد, عن الأعرج, عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "قال رجل لأتصدقن الليلة بصدقة, فخرج بصدقته فوضعها في يد زانية, فأصبح الناس يتحدثون: تصدق على زانية, فقال: اللهم لك الحمد على زانية, لأتصدقن الليلة بصدقة فوضعها في يد غني, فأصبحوا يتحدثون: تصدق الليلة على غني, قال: اللهم لك الحمد على غني, لأتصدقن الليلة بصدقة, فخرج فوضعها في يد سارق فأصبحوا يتحدثون: تصدق الليلة على سارق, فقال: اللهم لك الحمد على زانية وعلى غني وعلى سارق, فأتي فقيل له: أما صدقتك فقد قبلت, وأما الزانية فلعلها أن تستعفف بها عن زنا, ولعل الغني يعتبر فينفق مما أعطاه الله, ولعل السارق أن يستعف بها عن سرقته".
وقوله "للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله" يعني المهاجرين الذين انقطعوا إلى الله وإلى رسوله وسكنوا المدينة, وليس لهم سبب يردون به على أنفسهم ما يغنيهم و "لا يستطيعون ضرباً في الأرض" يعني سفراً للتسبب في طلب المعاش والضرب في الأرض هو السفر, قال الله تعالى: "وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة" وقال تعالى: "علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله" الاية.
وقوله "يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف" أي الجاهل بأمرهم وحالهم يحسبهم أغنياء من تعففهم في لباسهم وحالهم ومقالهم, وفي هذا المعنى الحديث المتفق على صحته عن أبي هريرة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ليس المسكين بهذا الطواف الذي ترده التمرة والتمرتان, واللقمة واللقمتان, والأكلة والأكلتان, ولكن المسكين الذي لا يجد غنىً يغنيه ولا يفطن له فيتصدق عليه, ولا يسأل الناس شيئاً". رواه أحمد من حديث ابن مسعود أيضاً.
وقوله "تعرفهم بسيماهم" أي بما يظهر لذوي الألباب من صفاتهم, كما قال تعالى: "سيماهم في وجوههم" وقال "ولتعرفنهم في لحن القول" وفي الحديث الذي في السنن "اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله" ثم قرأ " إن في ذلك لآيات للمتوسمين ".
وقوله: " لا يسألون الناس إلحافا " أي لا يلحون في المسألة ويكلفون الناس ما لا يحتاجون إليه, فإن سأل وله ما يغنيه عن المسألة, فقد ألحق في المسألة, قال البخاري: حدثنا ابن أبي مريم, حدثنا محمد بن جعفر, حدثنا شريك بن أبي نمر أن عطاء بن يسار وعبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري, قالا: سمعنا أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان, ولا اللقمة واللقمتان, إنما المسكين الذي يتعفف", اقرؤا إن شئتم يعني قوله "لا يسألون الناس إلحافاً" وقد رواه مسلم من حديث إسماعيل بن جعفر المديني, عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر, عن عطاء بن يسار وحده, عن أبي هريرة به, وقال أبو عبد الرحمن النسائي: أخبرنا علي بن حجر, حدثنا إسماعيل, أخبرنا شريك وهو ابن أبي نمر عن عطاء بن يسار, عن أبي هريرة به, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان, واللقمة واللقمتان, إنما المسكين المتعفف, اقرؤوا إن شئتم "لا يسألون الناس إلحافًا" " وروى البخاري من حديث شعبة, عن محمد بن أبي زياد, عن أبي هريرة, عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه, وقال ابن أبي حاتم: أخبرنا يونس بن عبد الأعلى, أخبرنا ابن وهب, أخبرني ابن أبي ذئب, عن أبي الوليد, عن أبي هريرة, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "ليس المسكين بالطواف عليكم فتطعمونه لقمة لقمة, إنما المسكين المتعفف الذي لا يسأل الناس إلحافاً" وقال ابن جرير: حدثني معتمر عن الحسن بن مالك, عن صالح بن سويد, عن أبي هريرة, قال: ليس المسكين بالطواف الذي ترده الأكلة والأكلتان, ولكن المسكين المتعفف في بيته لا يسأل الناس شيئاً تصيبه الحاجة, اقرؤوا إن شئتم "لا يسألون الناس إلحافاً" وقال الإمام أحمد أيضاً: حدثنا أبو بكر الحنفي, حدثنا عبد الحميد بن جعفر عن أبيه, عن رجل من مزينة أنه قالت له أمه: ألا تنطلق فتسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يسأله الناس ؟ فانطلقت أسأله فوجدته قائماً يخطب, وهو يقول "ومن استعف أعفه الله, ومن استغنى أغناه الله, ومن يسأل الناس وله عدل خمس أواق, فقد سأل الناس إلحافاً" فقلت بيني وبين نفسي: لناقة لهي خير من خمس أواق, ولغلامه ناقة أخرى فهي خير من خمس أواق, فرجعت ولم أسأل, وقال الإمام أحمد: حدثنا قتيبة, حدثنا عبد الرحمن بن أبي الرجال عن عمارة بن غزية, عن عبد الرحمن بن أبي سعيد, عن أبيه, قال: سرحتني أمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أسأله, فأتيته فقعدت, قال: فاستقبلني فقال "من استغنى أغناه الله, ومن استعف أعفه الله, ومن استكف كفاه الله, ومن سأل وله قيمة أوقية فقد ألحف, قال: فقلت ناقتي الياقوتة خير من أوقية, فرجعت فلم أسأله", وهكذا رواه أبو داود والنسائي عن قتيبة, زاد أبو داود وهشام بن عمار كلاهما عن عبد الرحمن بن أبي الرجال بإسناده نحوه, وقال ابن أبي حاتم, حدثنا أبي, حدثنا أبو الجماهر, حدثنا عبد الرحمن بن أبي الرجال, عن عمارة بن غزية, عن عبد الرحمن بن أبي سعيد, قال: قال أبو سعيد الخدري, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من سأل وله قيمة أوقية فهو ملحف". والأوقية أربعون درهماً, وقال أحمد: حدثنا وكيع, حدثنا سفيان عن زيد بن أسلم, عن عطاء بن يسار, عن رجل من بني أسد, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن سأل أوقية أو عدلها فقد سأل إلحافاً, وقال الإمام أحمد أيضاً: حدثنا وكيع, حدثنا سفيان عن حكيم بن جبير, عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد, عن أبيه, عن عبد الله بن مسعود, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من سأل وله ما يغنيه, جاءت مسألته يوم القيامة خدوشاً أو كدوحاً في وجهه" قالوا: يا رسول الله وما غناه ؟ قال "خمسون درهماً أو حسابها من الذهب". وقد رواه أهل السنن الأربعة من حديث حكيم بن جبير الأسدي الكوفي, وقد تركه شعبة بن الحجاج, وضعفه غير واحد من الأئمة من جراء هذا الحديث, وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني: حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي, حدثنا أبو حسين عبد الله بن أحمد بن يونس, حدثني أبي, حدثنا أبو بكر بن عياش عن هشام بن حسان, عن محمد بن سيرين, قال: بلغ الحارث رجلاً كان بالشام من قريش, أن أبا ذر كان به عوز فبعث إليه ثلاثمائة دينار, فقال: ما وجد عبد الله رجلاً أهون عليه مني, سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "من سأل وله أربعون فقد ألحف" ولال أبي ذر أربعون درهماً وأربعون شاة وماهنان, قال أبو بكر بن عياش, يعني خادمين, وقال ابن مردويه: حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم, أخبرنا إبراهيم بن محمد, أنبأنا عبد الجبار, أخبرنا سفيان عن داود بن سابور, عن عمرو بن شعيب, عن أبيه, عن جده, عن النبي صلى الله عليه وسلم, قال "من سأل وله أربعون درهماً فهو ملحف وهو مثل سف الملة" يعني الرمل, ورواه النسائي عن أحمد بن سليمان, عن أحمد بن آدم, عن سفيان وهو ابن عيينة بإسناده نحوه قوله "وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم" أي لا يخفى عليه شيء منه وسيجزي عليه أوفر الجزاء وأتمه يوم القيامة أحوج ما يكون إليه.
وقوله "الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراً وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون" هذا مدح منه تعالى للمنفقين في سبيله وابتغاء مرضاته في جميع الأوقات من ليل ونهار, والأحوال من سر وجهر, حتى أن النفقة على الأهل تدخل في ذلك أيضاً, كما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لسعد بن أبي وقاص حين عاده مريضاً عام الفتح, وفي رواية عام حجة الوداع "وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا ازددت بها درجة ورفعة حتى ما تجعل في في أمرأتك". وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر وبهز, قال: حدثنا شعبة عن عدي بن ثابت, قال: سمعت عبد الله بن يزيد الأنصاري يحدث عن أبي مسعود رضي الله عنهما, عن النبي صلى الله عليه وسلم, أنه قال "إن المسلم إذا أنفق على أهله نفقة يحتسبها كانت له صدقة", أخرجاه من حديث شعبة به, وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة, حدثنا سليمان بن عبد الرحمن, حدثنا محمد بن شعيب, قال: سمعت سعيد بن يسار عن يزيد بن عبد الله بن عريب المليكي, عن أبيه, عن جده, عن النبي صلى الله عليه وسلم, قال: نزلت هذه الاية " الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم " في أصحاب الخيل. وقال حبش الصنعاني عن ابن شهاب, عن ابن عباس في هذه الاية, قال: هم الذين يعلفون الخيل في سبيل الله, رواه ابن أبي حاتم ثم قال: وكذا روي عن أبي أمامة وسعيد بن المسيب ومكحول, وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج, أخبرنا يحيى بن يمان عن عبد الوهاب بن مجاهد, عن ابن جبير, عن أبيه, قال: كان لعلي أربعة دراهم, فأنفق درهماً ليلاً ودرهماً نهاراً ودرهماً سراً ودرهماً علانية, فنزلت "الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراً وعلانية", وكذا رواه ابن جرير من طريق عبد الوهاب بن مجاهد, وهو ضعيف, ولكن رواه ابن مردويه من وجه آخر عن ابن عباس, أنها نزلت في علي بن أبي طالب, وقوله "فلهم أجرهم عند ربهم" أي يوم القيامة على ما فعلوا من الإنفاق في الطاعات "ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون" تقدم تفسيره.
قوله: 273- "للفقراء" متعلق بقوله: "وما تنفقوا من خير" أو بمحذوف: أي اجعلوا ذلك للفقراء أو خبر مبتدأ محذوف: أي إنفاقكم للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله بالغزو أو الجهاد، وقيل: امتنعوا عن التكسب لما فيه من الضعف " لا يستطيعون ضربا في الأرض " للتكسب بالتجارة والزراعة، ونحو ذلك بسبب ضعفهم، قيل: هم فقراء الصفة، وقيل: كل من يتصف بالفقر وما ذكر معه. ثم ذكر سبحانه من أحوال أولئك الفقراء ما يوجب الحنو عليهم والشفقة بهم، وهم كونهم متعففين عن المسألة من أحوال أولئك الفقراء ما يوجب الحنو عليهم والشفقة بهم، وهو كونهم متعففين عن المسألة وإظهار المسكنة بحيث يظنهم الجاهل بهم أغنياء. والتعفف تفعل وهو بناء مبالغة من عف عن الشيء: إذا أمسك عنه وتنزه عن طلبه وفي يحبسهم لغتان: فتح السين، وكسرها. قال أبو علي الفارسي: والفتح أقيس، لأن العين من الماضي مكسورة، فبابها أن تأتي في المضارع مفتوحة. فالقراءة بالكسر على هذا حسنة وإن كانت شاذة. ومن في قوله: من التعفف لابتداء الغاية، وقيل: لبيان الجنس. قوله: "تعرفهم بسيماهم" أي برثاثة ثيابهم وضعف أبدانهم وكل ما يشعر بالفقر والحاجة. والخطاب إما لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو لكل من يصلح للمخاطبة، والسيما مقصورة: العلامة، وقد تمد. والإلحاف: الإلحاح في المسألة، وهو مشتق من اللحاف، سمي بذلك لاشتماله على وجوه الطلب في المسألة كاشتمال اللحاف على التغطية. ومعنى قوله: "لا يسألون الناس إلحافاً" أنهم لا يسألونهم ألبتة، لا سؤال إلحاح، ولا سؤال غير إلحاح. وبه قال الطبري والزجاج، وإليه ذهب جمهور المفسرين، ووجه أن التعفف صفة ثابتة لهم لا تفارقهم، ومجرد السؤال ينافيها، وقيل: المراد أنهم إذا سألوا سألوا بتلطف ولا يلحفون في سؤالهم، وهذا وإن كان هو الظاهر من توجه النفي إلى القيد دون المقيد، لكن صفة التعفف تنافيه، وأيضاً كون الجاهل بهم يحسبهم أغنياء لا يكون إلا مع عدم السؤال ألبتة.
273. قوله تعالى :" للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله " اختلفوا في موضع هذه اللام : قيل هي مرودة على موضع اللام من قوله (( فلأنفسكم )) كأنه قال : وما تنفقوا من خير فللفقراء ، وانما تنفقون لآنفسكم ، وقيل : معناه الصدقات التى سبق ذكرها ، وقيل خبره محذوف تقديره : للفقراء الذين صفتهم كذا حق واجب ، وهم فقراء المهاجرين ، كانو نحواً من أربعمائه رجل ، لم يكن لهم مساكن بالمدينة ولاعشائر ، وكانو في المسجد يتعلمون القرءنويرضخون النوى بالنهار ، وكانو يخرجون في كل سرية يبعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم أصحاب الصفة فحث الله تعالى عليهم الناس فكان من عنده فضل أتاهم به أذا أمسى . " الذين أحصروا في سبيل الله " فيه أقاويل ، قال قتادة _وهو أولاها _ حسبوا أنفسهم على الجهاد في سبيل الله " لا يستطيعون ضربا في الأرض " لايتفرغون للتجارة وطلب المعا ش وهم أهل الصفة الذين ذكرناهم ، وقيل : حسبوا أنفسهم على طاعة الله وقيل : معناه حسبهم الفقر والعدم عن الجهاد في سبيل الله ، وقال سعيد بن جبير قوم أصابتهم جراحات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجهاد في سبيل الله فصاروا زمني ، أحصرهم المرض والزمانة عن الضرب في سبيل الله للجهاد وقال ابن زيد : معناه : من كثرة ما جاهدوا صارت الأرض كلها حرباً عليهم فلا يستطيعون ضرباً في الأرض من كثرة أعدائهم ، " يحسبهم " قرأ أبو جعفر وابن عاصم وحمزة : يحسبهم وبابه بفتح السين وقرأ الآخرون بالكسر .
"الجاهل " بحالهم " أغنياء من التعفف " أي من السؤال وقناعتهم يظن من لايعرف حالهم أنهم أغنياء والتعفف التفعل من العفة وهي الترك يقال :عف عن الشىء إذا تكلف في الأمساك.
" تعرفهم بسيماهم " السيماء والسيمياء والسمنة : العلامة التي يعرف بها الشىء واختلفوا في معناها هاهنا فقال مجاهد هو التخشع والتواضع وقال السدي : أثر الجهد من الحاجة والفقر ، وقال الضحاك : صفرة ألوانهم من الجوع والضر وقيل رثاثة ثيابهم ، " لا يسألون الناس إلحافا " قال عطاء : إذا كان عندهم غداء لايسألون عشاء لايسألون غداء ، وقيل : لايسألون الناس إلحافاً أصلاً لأنه قال : من التعفف ، والتعفف ترك السؤال ، ولأنه قال تعرفهم بسيماهم ، ولو كانت المسألة من شأنهم لما كانت إلى معرفتهم بالعلامة من حاجة ، فمعنى الآية ليس لهم سؤال فيقع فيه إلحاف ، والألحاف : الإلحاح واللجاج .
أخبرنا أبو القاسم عبد الكريم بن هوزان القشيري ، أخبرنا أبو سعيد محمد بن أبراهيم بن الإسماعيلي ، أخبرنا محمد بن يعقوب أخبرنا محمد بن عبدالله بن عبد الحكم أخبرنا أنس بن عياض عن هشام بن عروة عن أبيه عن الزبير قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" لأن يأخذ أحدكم حبله فيذهب فيأتي بحزمة حطب غلى ظهره فيكف الله بها وجهه خير له من أن يسأل الناس أشياءهم أعطوه أو منعوه" أخبرنا أبو الحسن السرخسي أخبرنا زاهر بن أحمد أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي أخبرنا أبو مصعب عن مالك عن أبي الزناد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" ليس المسكين بهذا الطواف الذي يطوف على الناس ، ترده اللقمه واللقمتان والتمر والتمرتان. قالوا : فمن المسكين يا رسول الله ؟ قال الذي لا يجد غنى فيغنيه، ولا يفطن له فيتصدق عليه، ولايقوم فيسأل الناس " .
وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :" من سأل وله أوقية أو عدلها فقد سأل إلحافأً " . أخبرنا أبو سعيد عبد الله بن أحمد الطاهري أخبرنا جدي ابو سهل عبد الصمد بن عبد الرحمن البزاز ، أخبرنا محمد بن زكريا بن عدافر ، أخبرنا إسحاق بن أبرهيم بن عباد الدبري ، أخبرنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر عن هارون بن رياب ، عن كنانة العدوي قبيصة بن مخارق قال : "إني تحملت بحمالة في قومي فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسوا الله إني تحملت بحمالة في قومي وأتيتك لتعينني فيها قال :بل نتحملها عنك يا قبيصة ونؤديها إليهم من الصدقة ثم قال : يا قبيصة إن المسألة حرمت إلا في إحدى ثلاث : في رجل أصابته جائحة فاجتاحت ماله فيسأل حتى يصيب قواماً من عيشه ثم يمسك ، وفي رجل أصابته حاجة حتى يشهد له ثلاثة نفر من ذوي الحجى من قومه وأن المسألة قد حلت له فيسأل حتى يصيب القوام من العيش ثم يمسك، وفي رجل تحمل بحمالة فيسأل حتى إذا بلغ أمسك ، وما كان غير ذلك فأنه سحت يأكله صاحبه سحتاً". أخبرنا أبوعثمان سعيد بن إسماعيل الضبي ، أخبرنا أبو عبد الجبار بن محمد الجراحي أخبرنا أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي ، أخبرنا أبو عيسى محمد بنى عيسى الترمذي ، أخبرنا قتيبة ، أخبرنا شريك عن حكيم بن جبير عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد عن أبيه عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم " من سأل الناس وله ما يغنيه جاء يوم القيامة ومسألته في وجهه خموش أوخدوش أو كدوح قيل يا رسول الله وما يغنيه؟ قال خمسون درهماً أو قيمتها من الذهب ".
قوله تعالى: " وما تنفقوا من خير " من مال " فإن الله به عليم " وعليه مجاز

273-" للفقراء " متعلق بمحذوف أي عمدوا للفقراء ، أو اجعلوا ما تنفقونه للفقراء ، أو صدقاتكم للفقراء . " الذين أحصروا في سبيل الله " أحصرهم الجهاد . " لا يستطيعون " لاشتغالهم به . " ضرباً في الأرض " ذهاباً فيها للكسب . وقيل هم أهل الصفة كانوا نحواً من أربعمائة من فقراء المهاجرين يسكنون صفة المسجد يستغرقون أوقاتهم بالتعلم والعبادة ، وكانوا يخرجون في كل سرية بعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم . " يحسبهم الجاهل " بحالهم ، وقرأ ابن عامر و عاصم و حمزة بفتح السين . " أغنياء من التعفف " من أجل تعففهم عن السؤال ، " تعرفهم بسيماهم " من الضعف ورثاثة الحال ، والخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم ، أو لكل أحد . " لا يسألون الناس إلحافاً " إلحاحاً ،وهو أن يلازم المسؤول حتى يعطيه ، من قولهم لحفي من فضل لحافه ، أي أعطاني من فضل ما عنده ، والمعنى أنهم لا يسألون وإن سألوا عن ضرورة لم يلحوا . وقيل : هو نفي للأمرين كقوله :
على لا حب لا يهتدي بمناره
فنصبه على المصدر فإنه كنوع من السؤال ، أو على الحال . " ما تنفقوا من خير فإن الله به عليم " ترغيب في الإنفاق وخصوصاً على هؤلاء .
273. (Alms are) for the poor who are straitened for the cause of Allah, who cannot travel in the land (for trade). The unthinking man accounteth them wealthy because of their restraint. Thou shalt know them by their mark: They do not beg of men with importunity. And whatsoever good thing ye spend, lo! Allah knoweth it.
273 - (charity is) for those in need who, in God's cause are restricted (from travel), and cannot move about in the land, seeking (for trade or work): the ignorant man thinks, because of their modesty, that they are free from want. thou shalt. know them by their (unfailing) mark: they beg not importunately from all and sundry. and whatever of good ye give, be assured God knoweth it well.