[البقرة : 25] وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَـذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
وبشر) أخبر (الذين آمنوا) صدقوا بالله (وعملوا الصالحات) من الفروض والنوافل (أن) أي بأن (لهم جنات) حدائق ذات شجر ومساكن (تجري من تحتها) أي تحت أشجارها وقصورها (الأنهار) أي المياه فيها ، والنهر هو الموضع الذي يجري فيه الماء ينهره أي يحفره وإسناد الجري إليه مَجاز (كلما رزقوا منها) أطعموا من تلك الجنات (من ثمرة رزقاً قالوا هذا الذي) أي مثل ما (رزقنا من قبل) أي قبله في الجنة لتشابه ثمارها بقرينه (وأتوا به) أي جيئوا بالرزق (متشابهاً) يشبه بعضه بعضاً لوناً ويختلف طعماً (ولهم فيها أزواج) من الحور وغيرها (مطهَّرة) من الحيض وكل قذر (وهم فيها خالدون) ماكثون أبداً لا يفنون ولا يخرجون . ونزل ردَّاً لقول اليهود لمَّا ضرب الله المثل بالذباب في قوله: {وإن يسلبهم الذباب شيئا} والعنكبوت في قوله : {كمثل العنكبوت} ما أراد الله بذكر هذه الأشياء الخسيسة فأنزل الله :
قال أبو جعفر: أما قوله تعالى: "وبشر"، فإنه يعني: أخبرهم. والبشارة أصلها الخبر بما يسر به المخبر، إذا كان سابقاً به كل مخبر سواه.
وهذا أمر من الله تعالى نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم بإبلاغ بشارته خلقه الذين آمنوا به، وبمحمد صلى الله عليه وسلم وبما جاء به من عند ربه، وصدقوا إيمانهم ذلك وإقرارهم بأعمالهم الصالحة، فقال له: يا محمد، بشر من صدقك أنك رسولي وأن ما جئت به من الهدى والنور فمن عندي، وحقق تصديقه ذلك قولاً بأداء الصالح من الأعمال التى افترضتها عليه، وأوجبتها في كتابي على لسانك عليه أن له جنات تجري من تحتها الأنهار، خاصة، دون من كذب بك وأنكر ما جئته به من الهدى من عندي وعاندك، ودون من أظهر تصديقك، وأقر أن ما جئته به فمن عندي قولاً، وجحده اعتقادًا، ولم يحققه عملاً. فإن لأولئك النار التي وقودها الناس والحجارة، معدة عندي.
والجنات: جمع جنة، والجنة: البستان.
وإنما عنى جل ذكره بذكر الجنة: ما في الجنة من أشجارها وثمارها وغروسها، دون أرضها ولذلك قال عز ذكره: "تجري من تحتها الأنهار". لأنه معلوم أنه إنما أراد جل ثناؤه الخبر عن ماء أنهارها أنه جار تحت أشجارها وغروسها وثمارها، لا أنه جار تحت أرضها. لأن الماء إذا كان جاريًا تحت الأرض، فلا حظ فيها لعيون من فوقها إلا بكشف الساتر بينها وبينه. على أن الذي توصف به أنهار الجنة، أنها جارية في غير أخاديد.
كما حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا الأشجعي، عن سفيان، عن عمرو بن مرة، عن أبي عبيدة، عن مسروق، قال: نخل الجنة نضيد من أصلها إلى فرعها، وثمرها أمثال القلال، كلما نزعت ثمرة عادت مكانها أخرى، وماؤها يجري في غير أخدود.
حدثنا مجاهد بن موسى، قال: حدثنا يزيد، قال: أخبرنا مسعر بن كدام، عن عمرو بن مرة، عن أبي عبيدة، بنحوه.
وحدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا ابن مهدي، قال: حدثنا سفيان، قال: سمعت عمرو بن مرة يحدث، عن أبي عبيدة فذكر مثله قال: فقلت لأبى عبيدة: من حدثك؟ فغضب، وقال: مسروق.
فإذا كان الأمر كذلك، في أن أنهارها جارية في غير أخاديد، فلا شك أن الذي أريد بالجنات: أشجار الجنات وغروسها وثمارها دون أرضها، إذ كانت أنهارها تجري فوق أرضها وتحت غروسها وأشجارها، على ما ذكره مسروق. وذلك أولى بصفة الجنة من أن تكون أنهارها جارية تحت أرضها.
وإنما رغب الله جل ثناؤه بهذه الآية عباده في الإيمان، وحضهم على عبادته بما أخبرهم أنه أعده لأهل طاعته والإيمان به عنده، كما حذرهم في الآية التي قبلها بما أخبر من إعداده ما أعد لأهل الكفر به، الجاعلين معه الآلهة والأنداد من عقابه عن إشراك غيره معه، والتعرض لعقوبته بركوب معصيته وترك طاعته.
القول في تأويل قوله تعالى: " كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابها ".
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: "كلما رزقوا منها": من الجنات، والهاء راجعة على الجنات، وإنما المعني أشجارها، فكأنه قال: كلما رزقوا من أشجار البساتين التي أعدها الله للذين آمنوا وعملوا الصالحات في جناته من ثمرة من ثمارها رزقاً قالوا: هذا الذي رزقنا من قبل.
ثم اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: "هذا الذي رزقنا من قبل ".
فقال بعضهم: تأويل ذلك: هذا الذي رزقنا من قبل هذا في الدنيا.
ذكر من قال ذلك:حدثني موسى بن هرون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط، عن السدي في خبر ذكره، عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس وعن مرة، عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، قالوا: "هذا الذي رزقنا من قبل "، قال: إنهم أتوا بالثمرة في الجنة، فلما نظروا إليها قالوا: هذا الذي رزقنا من قبل في الدنيا.
حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد بن زريع، عن سعيد، عن قتادة: "قالوا هذا الذي رزقنا من قبل "، أي في الدنيا.
حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى بن ميمون، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "قالوا هذا الذي رزقنا من قبل "، يقولون: ما أشبهه به.
حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
حدثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: " قالوا هذا الذي رزقنا من قبل "، في الدنيا، قال: "وأتوا به متشابها"، يعرفونه.
قال أبو جعفر: وقال آخرون: بل تأويل ذلك: هذا الذي رزقنا من ثمار الجنة من قبل هذا، لشدة مشابهة بعض ذلك في اللون والطعم بعضاً. ومن علة قائلي هذا القول: أن ثمار الجنة كلما نزع منها شيء عاد مكانه آخر مثله.
كما حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا ابن مهدي، قال: حدثنا سفيان، قال: سمعت عمروبن مرة يحدث، عن أبي عبيدة، قال: نخل الجنة نضيد من أصلها إلى فرعها، وثمرها مثل القلال، كلما نزعت منها ثمرة عادت مكانها أخرى.
قالوا: فإنما اشتبهت عند أهل الجنة، لأن التي عادت، نظيرة التي نزعت فأكلت، في كل معانيها. قالوا: ولذلك قال الله جل ثناؤه: "وأتوا به متشابها"، لاشتباه جميعه في كل معانيه. وقال بعضهم: بل قالوا: "هذا الذي رزقنا من قبل "، لمشابهته الذي قبله في اللون، وإن خالفه في الطعم.
ذكر من قال ذلك:حدثنا القاسم بن الحسين، قال: حدثنا الحسين بن داود، قال: حدثنا شيخ من المصيصة، عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، قال: يؤتى أحدهم بالصحفة فيأكل منها، ثم يؤتى بأخرى فيقول: هذا الذي أتينا به من قبل. فيقول الملك: كل، فاللون واحد والطعم مختلف. وهذا التأويل مذهب من تأول الآية. غير أنه يدفع صحته ظاهر التلاوة. والذي يدل على صحته ظاهر الاية ويحقق صحته، قول القائلين: إن معنى ذلك: هذا الذي رزقنا من قبل في الدنيا. وذلك أن الله جل ثناؤه قال: "كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا"، فأخبر جل ثناؤه أن من قيل أهل الجنة كلما رزقوا من ثمر الجنة رزقا، أن يقولوا: "هذا الذي رزقنا من قبل ". ولم يخصص بأن ذلك من قيلهم في بعض ذلك دون بعض. فإذ كان قد أخبر جل ذكره عنهم أن ذلك من قيلهم في كل ما رزقوا من ثمرها، فلا شك أن ذلك من قيلهم في أول رزق رزقوه من ثمارها أتوا به بعد دخولهم الجنة واستقرارهم فيها، الذي لم يتقدمه عندهم من ثمارها ثمرة. فإذ كان لا شك أن ذلك من قيلهم في أوله، كما هو من قيلهم في أوسطه وما يتلوه فمعلوم أنه محال أن يكون من قيلهم لأول رزق رزقوه من ثمار الجنة: هذا الذي رزقنا من قبل هذا من ثمار الجنة وكيف يجوز أن يقولوا لأول رزق رزقوه من ثمارها ولما يتقدمه عندهم غيره: هذا هو الذي رزقناه من قبل؟ إلا أن ينسبهم ذو غية وضلال إلى قيل الكذب الذي قد طهرهم الله منه، أو يدفع دافع أن يكون ذلك من قيلهم لأول رزق رزقوه منها من ثمارها، فيدفع صحة ما أوجب الله صحته بقوله: "كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا" ، من غير نصب دلالة على أنه معني به حال من أحوالهم دون حال.
فقد تبين بما بينا أن معنى الاية: كلما رزق الذين آمنوا وعملوا الصالحات من ثمرة من ثمار الجنة في الجنة رزقاً قالوا: هذا الذي رزقنا من قبل هذا في الدنيا.
فإن سألنا سائل، فقال: وكيف قال القوم: هذا الذي رزقنا من قبل، والذي رزقوه من قبل قد عدم بأكلهم إياه؟ وكيف يجوز أن يقول أهل الجنة قولاً لا حقيقة له؟
قيل: إن الأمر على غير ما ذهبت إليه في ذلك. وإنما معناه: هذا من النوع الذي رزقناه من قبل هذا، من الثمار والرزق. كالرجل يقول لآخر: قد أعد لك فلان من الطعام كذا وكذا من ألوان الطبيخ والشواء والحلوى. فيقول المقول له ذاك: هذا طعامي في منزلي. يعني بذلك: أن النوع الذي ذكر له صاحبه أنه أعده له من الطعام هو طعامه، لا أن أعيان ما أخبره صاحبه أنه قد أعده له، هو طعامه. بل ذلك مما لا يجوز لسامع سمعه يقول ذلك، أن يتوهم أنه أراده أو قصده، لأن ذلك خلاف خرج كلام المتكلم. وإنما يوجه كلام كل متكلم إلى المعروف في الناس من مخارجه، دون المجهول من معانيه. فكذلك ذلك في قوله: "قالوا هذا الذي رزقنا من قبل "، إذ كان مما كانوا رزقوه من قبل قد فني وعدم. فمعلوم أنهم عنوا بذلك: هذا من النوع الذي رزقناه من قبل، ومن جنسه في السمات والألوان على ما قد بينا من القول في ذلك في كتابنا هذا.
القول في تأويل قوله: "وأتوا به متشابها".
قال أبو جعفر: والهاء في قوله: " وأتوا به متشابها" عائدة على الرزق، فتأويله: وأتوا بالذي رزقوا من ثمارها متشابها.
وقد اختلف أهل التأويل في تأويل المتشابه في ذلك: فقال بعضهم: تشابهه أن كله خيار لا رذل فيه.
ذكر من قال ذلك: حدثنا خلاد بن أسلم، قال: أخبرنا النضربن شميل، قال: أخبرنا أبو عامر، عن الحسن في قوله: متشابها قال: خيارًا كلها لا رذل فيها.
حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا ابن علية، عن أبي رجاء: قرأ الحسن آيات من البقرة، فأتى على هذه الآية: "وأتوا به متشابها"، قال: ألم تروا إلى ثمار الدنيا كيف ترذلون بعضه؟ وإن ذلك ليس فيه رذل.
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، قال: قال الحسن: "وأتوا به متشابها"، قال: يشبه بعضه بعضاً، ليس فيه من رذل.
حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، عن سعيد، عن قتادة: "وأتوا به متشابها"، أي خيارًا لا رذل فيه، وإن ثمار الدنيا ينقى منها وبرذل منها، وثمار الجنة خيار كله، لا يرذل منه شيء.
حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج. قال ثمر الدنيا منه ما يرذل، ومنه نقاوة، وثمر الجنة نقاوة كله، يشبه بعضه بعضاً في الطيب، ليس منه مرذول.
وقال بعضهم: تشابهه في اللون وهو مختلف في الطعم.
ذكر من قال ذلك: حدثني موسى، قال حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن السدي في خبر ذكره، عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس وعن مرة، عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: "وأتوا به متشابها"، في اللون والمرأى، وليس يشبه الطعم.
حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبوعاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "وأتوا به متشابها"، مثل الخيار.
حدثنا المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: وأتوا به متشابهًا لونه مختلفاً طعمه، مثل الخيار من القثاء.
حدثت عن عماربن الحسن، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بن أنس: "وأتوا به متشابها"، يشبه بعضه بعضاً ويختلف الطعم.
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: أنبأنا الثوري، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: متشابهًا، قال: مشتبهًا في اللون، ومختلفاً في الطعم.
حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: "وأتوا به متشابها"، مثل الخيار.
وقال بعضهم: تشابهه فى اللون والطعم.
ذكر من قال ذلك:حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي، عن سفيان، عن رجل، عن مجاهد، قوله: متشابهًا قال: اللون والطعم.
حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحق، قال: حدثنا عبد الرزاق، عن الثوري، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، ويحيى بن سعيد: متشابهًا قالا: في اللون والطعم.
وقال بعضهم: تشابهه، تشابه ثمر الجنة وثمر الدنيا في اللون، وإن اختلف طعومهما.
ذكر من قال ذلك:حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أنبأنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة:
"وأتوا به متشابها"، قال: يشبه ثمر الدنيا، غير أن ثمر الجنة أطيب.
حدثنا المثنى، قال: حدثنا إسحق، قال: قال حفص بن عمر، قال: حدثنا الحكم بن أبان، عن عكرمة في قوله: "وأتوا به متشابها"، قال: يشبه ثمر الدنيا، غير أن ثمر الجنة أطيب. وقال بعضهم: لا يشبه شيء مما في الجنة ما في الدنيا، إلا الأسماء.
ذكر من قال ذلك:حدثني أبو كريب، قالى: حدثنا الأشجعي ح وحدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا مؤمل، قالا جميًعا: حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي ظبيان، عن ابن عباس قال أبو كريب في حديثه عن الأشجعي: لا يشبه شيء مما في الجنة ما في الدنيا، إلا الأسماء. وقال ابن بشارفي حديثه عن مؤمل، قال: ليس في الدنيا مما في الجنة إلا الأسماء.
حدثنا عباس بن محمد، قال: حدثنا محمد بن عبيد، عن الأعمش، عن أبي ظبيان،عن ابن عباس، قال: ليس في الدنيا من الجنة شيء إلا الأسماء.
حدثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أنبأنا ابن وهب، قال: قال عبد الرحمن بن زيد،في قوله: "وأتوا به متشابها"، قال: يعرفون أسماءه كما كانوا في الدنيا، التفاح بالتفاح والرمان بالرمان، قالوا في الجنة: "هذا الذي رزقنا من قبل " في الدنيا، "وأتوا به متشابها"، يعرفونه، وليس هومثله في الطعم.
قال أبو جعفر: وأولى هذه التأويلات بتأويل الآية، تأويل من قال: وأتوا به متشابهًا في اللون والمنظر، والطعم مختلف. يعني بذلك اشتباه ثمر الجنة وثمر الدنيا في المنظر واللون، مختلفاً في الطعم والذوق، لما قدمنا من العلة في تأويل قوله: "كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل " وأن معناه: كلما رزقوا من الجنان من ثمرة من ثمارها رزقاً قالوا: هذا الذي رزقنا من قبل هذا في الدنياة فأخبر الله جل ثناؤه عنهم أنهم قالوا ذلك، ومن أجل أنهم أتوا بما أتوا به من ذلك في الجنة متشابهًا، يعني بذلك تشابه ما أتوا به في الجنة منه، والذي كانوا رزقوه في الدنيا، فى اللون والمرأى والمنظر، وإن اختلفا في الطعم والذوق، فتباينا، فلم يكن لشيء مما في الجنة من ذلك نظير في الدنيا.
وقد دللنا على فساد قول من زعم أن معنى قوله: "قالوا هذا الذي رزقنا من قبل "، إنما هوقول من أهل الجنة في تشبيههم بعض ثمر الجنة ببعض. وتلك الدلالة على فساد ذلك القول، هي الدلالة على فساد قول من خالف قولنا في تأويل قوله: "وأتوا به متشابها"، لأن الله جل ثناؤه إنما أخبر عن المعنى الذي من أجله قال القوم: "هذا الذي رزقنا من قبل "، بقوله: "وأتوا به متشابها".
ويسأل من أنكر ذلك، فزعم أنه غير جائز أن يكون شيء مما في الجنة نظيرًا لشيء مما في الدنيا بوجه من الوجوه، فيقال له: أيجوز أن يكون أسماء ما في الجنة من ثمارها وأطعمتها وأشربتها نظائرأسماء ما في الدنيا منها؟
فإن أنكر ذلك خالف نص كتاب الله، لأن الله جل ثناؤه إنما عرف عباده في الدنيا ما هو عنده في الجنة بالأسماء التي يسمى بها ما في الدنيا من ذلك.
وإن قال: ذلك جائز، بل هو كذلك.
قيل: فما أنكرت أن يكون ألوان ما فيها من ذلك، نظير ألوان ما في الدنيا منه، بمعنى البياض والحمرة والصفرة وسائر صنوف الألوان، وإن تباينت فتفاضلت بفضل حسن المرآة والمنظر، فكان لما في الجنة من ذلك من البهاء والجمال وحسن المرآة والمنظر، خلاف الذي لما في الدنيا منه، كما كان جائزًا في الأسماء مع اختلاف المسميات بالفضل في أجسامها؟ ثم يعكس عليه القول في ذلك، فلن يقول في أحدهما شيئًا إلا ألزم في الاخر مثله.
وكان أبو موسى الأشعري يقول في ذلك بما:حدثني به ابن بشار، قال: حدثنا ابن أبي عدي، وعبد الوهاب، ومحمد بن جعفر، عن عوف، عن قسامة، عن الأشعري، قال: إن الله لما أخرج آدم من الجنة زوده من ثمار الجنة، وعلمه صنعة كل شيء، فثماركم هذه من ثمار الجنة، غير أن هذه تغير وتلك لا تغير.
وقد زعم بعض أهل العربية أن معنى قوله: "وأتوا به متشابها"، أنه متشابه في الفضل، أي كل واحد منه له من الفضل في نحوه، مثل الذي للآخر في نحوه.
قال أبو جعفر: وليس هذا قولاً نستجيز التشاغل بالدلالة على فساده، لخروجه عن قول جميع علماء أهل التأويل. وحسب قول بخروجه عن قول جميع أهل العلم دلالة على خطئه.
القول في تأويل قوله: "ولهم فيها أزواج مطهرة".
قال أبو جعفر: والهاء والميم اللتان في لهم عائدتان على الذين آمنوا وعملوا الصالحات، والهاء والألف اللتان في فيها عائدتان على الجنات. وتأويل ذلك: وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات فيها أزواج مطهرة.
والأزواج جمع زوج، وهي امرأة الرجل. يقال: فلانة زوج فلان وزوجته.
وأما قوله: "مطهرة" فإن تأويله أنهن طهرن من كل أذى وقذى وريبة، مما يكون في نساء أهل الدنيا، من الحيض والنفاس والغائط والبول والمخاط والبصاق والمني، وما أشبه ذلك من الأذى والأدناس والريب والمكاره.
كما حدثنا به موسى بن هرون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط، عن السدي في خبر ذكره، عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس وعن مرة، عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: أما أزواج مطهرة، فإنهن لا يحضن ولا يحدثن ولا يتنخمن .
حدثني المثنى بن إبراهيم، قال: حدثنا عبدالله بن صالح، قال: حدثنا معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، قوله: "أزواج مطهرة". يقول: مطهرة من القذر والأذى.
حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا يحيى القطان، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح،عن مجاهد: "ولهم فيها أزواج مطهرة" قال: لا يبلن ولا يتغوطن ولا يمذين.
حدثنا أحمد بن إسحق الأهوازي، قال: حدثنا أبو أحمد الزبيري، قال: حدثنا سفيان،عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، نحوه إلا أنه زاد فيه: ولا يمنين ولا يحضن.
حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله تعالى ذكره: "ولهم فيها أزواج مطهرة" قال: مطهرة من الحيض والغائط والبول والنخام والبزاق والمني والولد.
حدثني المثنى بن إبراهيم، قال: حدثنا سويد بن نصر، قال: حدثنا ابن المبارك، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: لا يبلن ولا يتغوطن ولا يحضن ولا يلدن ولا يمنين ولا يبزقن.
حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، نحوحديث محمد بن عمرو، عن أبي عاصم.
حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد بن زريع، عن سعيد، عن قتادة: "ولهم فيها أزواج مطهرة"، إي والله من الإثم والأذى.
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: "ولهم فيها أزواج مطهرة"، قال: طهرهن الله من كل بول وغائط وقذر، ومن كل مأثم.
حدثت عن عمار بن الحسن، قال: حدثني ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن قتادة، قال مطهرة من الحيض والحبل والأذى.
حدثت عن عماربن الحسن، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن ليث، عن مجاهد، قال: المطهره من الحيض والحبل.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، عن عبد الرحمن بن زيد: "ولهم فيها أزواج مطهرة" قال: المطهرة التي لا تحيض. قال: وأزواج الدنيا ليست بمطهرة، ألا تراهن يدمين ويتركن الصلاة والصيام؟ قال ابن زيد: وكذلك خلقت حواء حتى عصت، فلما عصت قال الله: إني خلقتك مطهرة وسأدميك كما أدميت هذه الشجرة.
حدثت عن عمار، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، عن الحسن في قوله: "ولهم فيها أزواج مطهرة"، قال يقول: مطهرة من الحيض.
حدثنا عمرو بن علي، قال: حدثنا خالد بن يزيد، قال: حدثنا أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن الحسن في قوله: "ولهم فيها أزواج مطهرة"، قال: من الحيض.
حدثنا عمرو، قال: حدثنا أبو معاوية، قال: حدثنا ابن جريج، عن عطاء، قوله: "ولهم فيها أزواج مطهرة"، قال: من الولد والحيض والغائط والبول، وذكر أشياء من هذا النحو. القول في تأويل قوله: "وهم فيها خالدون ".
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: والذين آمنوا وعملوا الصالحات في الجنات خالدون.
والهاء والميم من قوله وهم ،عائدة على الذين آمنوا وعملوا الصالحات . والهاء والألف في فيهاعلى الجنات. وخلودهم فيها دوام بقائهم فيها على ما أعطاهم الله فيها من الحبرة والنعيم المقيم.
قوله تعالى : "وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابها ولهم فيها أزواج مطهرة وهم فيها خالدون" .
الأولى : لما ذكر الله عز وجل جزاء الكافرين ذكر جزاء المؤمنين أيضاً . والتبشير الإخبار بما يظهر أثره على البشرة ـ وهي ظاهر الجلد ـ لتغيرها بأول خبر يرد عليك ، ثم الغالب أن يستعمل في السرور مقيداً بالخير المبشر به ، وغير مقيد أيضاً . ولا يستعمل في الغم والشر إلا مقيداً منصوصاً على الشر المبشر به ، قال الله تعالى : "فبشرهم بعذاب أليم" . ويقال : بشرته وبشرته ـ مخفف ومشدد ـ بشارة ( بكسر الباء ) فأبشر واستبشر . وبشر يبشر إذا فرح . ووجه بشير إذا كان حسناً بين البشارة ( بفتح الباء ) . والبشر ى : ما يعطاه المبشر . وتباشير الشيء : أوله .
الثانية : أجمع العلماء على أن المكلف إذا قال : من بشرني من عبيدي بكذا فهو حر ، فبشره واحد من عبيده فأكثر فإن أولهم يكون حراً دون الثاني . واختلفوا إذا قال : من أخبرني من عبيدي بكذا فهو حر فهل يكون الثاني مثل الأول ، فقال أصحاب الشافعي : نعم ، لأن كل واحد منهم مخبر . وقال علماؤنا : لا ، لأن المكلف إنما قصد خبراً يكون بشارة ، وذلك يختص بالأول ، وهذا معلوم عرفاً فوجب صرف القول إليه . وفرق محمد بن الحسن بين قوله : أخبرني ، أو حدثني ، فقال : إذا قال الرجل أي غلام لي أخبرني بكذا ، أو أعلمني بكذا وكذا فهو حر ـ ولا نية له ـ فأخبره غلام له بذلك بكتاب أو كلام أو رسول فإن الغلام يعتق ، لأن هذا خبر . وإن أخبره بعد ذلك غلام له عتق ، لأنه قال : أي غلام أخبرني فهو حر . ولو أخبروه كلهم عتقوا وإن كان عنى ـ حين حلف ـ بالخبر كلام مشافهة لم يعتق واحد منهم إلا أن يخبره بكلام مشافهة بذلك الخبر . قال وإذا قال أي غلام لي حدثني ، فهذا على المشافهة ، لا يعتق واحد منهم .
الثالثة : قوله تعالى : "وعملوا الصالحات" رد على من يقول : إن الإيمان بمجرده يقتضي الطاعات ، لأنه لو كان ذلك ما أعادها ، فالجنة تنال بالإيمان والعمل الصالح . وقيل : الجنة تنال بالإيمان ، والدرجات تستحق بالأعمال الصالحات . والله أعلم .
"أن لهم" في موضع نصب بـ بشر ، والمعنى وبشر الذين آمنوا بأن لهم ، أو لأن لهم ، فلما سقط الخافض عمل الفعل . وقال الكسائي وجماعة من البصريين : أن في موضع خفض بإضمار الباء .
"جنات" في موضع نصب اسم أن ، وأن وما عملت فيه في موضع المفعول الثاني . والجنات : البساتين ، وإنما سميت جنات لأنها تجن من فيها أي تستره بشجرها ، ومنه : المجن والجنين والجنة .
"تجري" في موضع النعت لجنات ، وهو مرفوع ، لأنه فعل مستقبل فحذفت الضمة من الياء لثقلها معها .
"من تحتها" أي من تحت أشجارها ، ولم يجر لها ذكر ، لأن الجنات دالة عليها .
"الأنهار" أي ماء الأنهار ، فنسب الجري إلى الأنهار توسعاً ، وإنما يجري الماء وحده فحذف اختصاراً ، كما قال تعالى : "واسأل القرية" أي أهلها . وقال الشاعر :
نبئت أن النار بعدك أوقدت واستب بعدك يا كليب المجلس
أراد : أهل المجلس ، فحذف . والنهر : مأخذو من أنهرت ، أي وسعت ، ومنه قول قيس بن الخطيم :
ملكت بها كفي فأنهرت فقتها يرى قائماً من دونها ما وراءها
أي وسعتها ، يصف طعنة .ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم :
"ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوه" . معناه : ما وسع الذبح حتى يجري الدم كالنهر . وجمع النهر : نهر وأنهار . ونهره نهر : كثير الماء ، قال أبو ذؤيب :
أقامت به فابتنت خيمة على قصب وفرات نهر
وروي : أن أنهار الجنة ليست في أخاديد ، إنما تجري على سطح الجنة منضبطة بالقدرة حيث شاء أهلها . والوقف على الأنهار حسن وليس بتام ، لأن قوله : "كلما رزقوا منها من ثمرة" من وصف الجنات .
"رزقا" مصدره ، وقد تقدم القول في الرزق . ومعنى "من قبل" يعني في الدنيا ، وفيه وجهان : أحدهما ـ أنهم قالوا هذا الذي وعدنا به في الدنيا . والثاني ـ هذا الذي روقنا في الدنيا ، لأن لونها يشبه لون ثمار الدنيا ، فإذا أكلوا وجدوا طعمه غير ذلك . وقيل : من قبل يعني في الجنة لأنهم يرزقون ثم يرزقون ، فإذا أتوا بطعام وثمار في أول النهار فأكلوا منها ، ثم أتوا منها في آخر النهار قالوا : هذا الذي رزقنا من قبل ، يعني أطعمنا في أول النهار ، لأن لونه يشبه ذلك ، فإذا أكلوا منها وجدوا لها طعماً غير طعم الأول .
"وأتوا" فعلوا من أتيت . وقرأه الجماعة بضم الهمزة والتاء . وقرأ هارون الأعور وأتوا بفتح الهمزة والتاء . فالضمير في القراءة الأولى لأهل الجنة ، وفي الثانية للخدام .
"به متشابها" حال من الضمير في به ، أي يشبه بعضه بعضاً في المنظر ويختلف في الطعم . قاله ابن عباس و مجاهد و الحسن وغيرهم . وقال عكرمة : يشبه ثمر الدنيا ويباينه في جل الصفات . ابن عباس : هذا على وجه التعجب ، وليس في الدنيا شيء مما في الجنة سوى الأسماء ، فكأنهم تعجبوا لما رأوه من حسن الثمرة وعظم خلقها . وقال قتادة : خياراً لا رذل فيه ، كقوله تعالى : "كتاباً متشابهاً" وليس كثمار الدنيا التي لا تتشابه ، لأن فيها خياراً وغير خيار .
"ولهم فيها أزواج" ابتداء وخبر . وأزواج : جمع زوج . والمرأة : زوج الرجل . والرجل زوج المرأة . قال الأصمعي : ولا تكاد العرب تقول زوجة . وحكى الفراء أنه يقال : زوجة ، وأنشد الفرزدق :
وإن الذي يسعى ليفسد زوجتي كساع إلى أسد الشرى يستبيلها
وقال عمار بن ياسر في شأن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها : والله إني لأعلم أنها زوجته في الدنيا والآخرة ، ولكن الله ابتلاكم . ذكره البخاري ، واختاره الكسائي .
"مطهرة" نعت للأزواج . ومطهرة في اللغة أجمع من طاهره وأبلغ ، ومعنى هذه الطهارة من الحيض والبصاق وسائر أقذار الآدميات . ذكر عبد الرزاق قال أخبرني الثوري عن ابن ابي نجيح عن مجاهد : مطهرة قال : لا يبلن ولا يتغوطن ولا يلدن ولا يحضن ولا يمنين ولا يبصقن . وقد أتينا على هذا كله في وصف أهل الجنة وصفة الجنة ونعيمها من كتاب التذكرة . والحمد لله .
"وهم فيها خالدون" هم مبتداً . خالدون خبره ، والظرف ملغى . ويجوز في غير القرآن نصب خالدين على الحال . والخلود : البقاء ، ومنه جنة الخلد . وقد تستعمل مجازاً فيما يطول ، ومنه قولهم في الدعاء : خلد الله ملكه ، أي طوله . قال زهير :
ألا لا أرى على الحوادث باقيا ولا خالداً إلا الجبال الرواسيا
وأما الذي في الآية فهو أبدي حقيقة .
لما ذكر تعالى ما أعده لأعدائه من الأشقياء الكافرين به وبرسله من العذاب والنكال، عطف يذكر حال أوليائه من السعداء المؤمنين به وبرسله الذين صدقوا إيمانهم بأعمالهم الصالحة، وهذا معنى تسمية القرآن مثاني على أصح أقوال العلماء كما سنبسطه في موضعه، وهو أن يذكر الإيمان ويتبع بذكر الكفر أو عكسه أو حال السعداء ثم الأشقياء أو عكسه، وحاصله ذكر الشيء ومقابله. وأما ذكر الشيء ونظيره فذاك التشابه كما سنوضحه إن شاء الله فلهذا قال تعالى: " وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار " فوصفها بأنها تجري من تحتها الأنهار أي من تحت أشجارها وغرفها، وقد جاء في الحديث : أن أنهارها تجري في غير أخدود، وجاء في الكوثر أن حافتيه قباب اللؤلؤ المجوف، ولا منافاة بينها فطينها المسك الأذفر ، وحصباؤها اللؤلؤ والجوهر، نسأل الله من فضله إنه هو البر الرحيم. وقال ابن أبي حاتم: قرأ على الربيع بن سليمان، حدثنا أسد بن موسى، حدثنا أبو ثوبان عن عطاء بن قرة، عن عبد الله بن ضمرة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنهار الجنة تفجر تحت تلال أو من تحت جبال المسك" وقال أيضاً حدثنا أبو سعيد حدثنا وكيع عن الأعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق، قال: قال عبد الله: أنهار الجنة تفجر من جبل المسك.
وقوله تعالى: "كلما رزقوا منها من ثمرة رزقاً قالوا هذا الذي رزقنا من قبل" قال السدي في تفسيره عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وعن ناس من الصحابة قالوا هذا الذي رزقنا من قبل، قال إنهم أتوا بالثمرة في الجنة فلما نظروا إليها قالوا هذا الذي رزقنا من قبل في الدنيا، وهكذا قال قتادة وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ونصرة بن جرير، وقال عكرمة "قالوا هذا الذي رزقنا من قبل" قال معناه مثل الذي كان بالأمس، وكذا قال الربيع بن أنس. وقال مجاهد يقولون ما أشبهه به قال ابن جرير : وقال آخرون: بل تأويل هذا الذي رزقنا من قبل ثمار الجنة من قبل هذا لشدة مشابهة بعضه بعضاً لقوله تعالى: "وأتوا به متشابهاً" قال سنيد بن داود حدثنا شيخ من أهل المصيصة عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير قال يؤتى أحدهم بالصفحة من الشيء فيأكل منها ثم يؤتى بأخرى فيقول هذا الذي أتينا به من قبل، فتقول الملائكة كل فاللون واحد والطعم مختلف. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا سعيد بن سليمان، حدثنا عامر بن يساف عن يحيى بن أبي كثير ، قال عشب الجنة الزعفران وكثبانها المسك، ويطوف عليهم الولدان بالفواكه فيأكلونها، ثم يؤتون بمثلها، فيقول لهم أهل الجنة: هذا الذي أتيتمونا آنفاً به، فتقول لهم الوالدان: كلوا فاللون واحد والطعم مختلف، وهو قول الله تعالى: "وأتوا به متشابهاً" وقال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية "وأتوا به متشابهاً" قال: يشبه بعضه بعضاً، ويختلف في الطعم، قال ابن أبي حاتم: وروي عن مجاهد والربيع بن أنس والسدي نحو ذلك وقال ابن جرير بإسناده عن السدي في تفسيره عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة، عن ابن مسعود وعن ناس من الصحابة في قوله تعالى: "وأتوا به متشابهاً" يعني في اللون والمرأى وليس يشتبه في الطعم، وهذا اختيار ابن جرير، وقال عكرمة "وأتوا به متشابهاً" قال يشبه ثمر الدنيا غير أن ثمر الجنة أطيب، وقال سفيان الثوري عن الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس لا يشبه شيئاً مما في الجنة ما في الدنيا إلا في الأسماء ، وفي رواية: ليس في الدنيا مما في الجنة إلا الأسماء ، ورواه ابن جرير من رواية الثوري وابن أبي حاتم من حديث أبي معاوية كلاهما عن الأعمش به، وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله تعالى: "وأتوا به متشابهاً" قال يعرفون أسماءه كما كانوا في الدنيا التفاح بالتفاح والرمان بالرمان، قالوا في الجنة هذا الذي رزقنا من قبل في الدنيا وأتوا به متشابهاً يعرفونه وليس هو مثله في الطعم.
وقوله تعالى: "ولهم فيها أزواج مطهرة" قال ابن أبي طلحة عن ابن عباس: مطهرة من القذر والأذى، وقال مجاهد، من الحيض والغائط والبول والنخام والبزاق والمني والولد، وقال قتادة مطهرة من الأذى والمأثم، وفي رواية عنه لا حيض ولا كلف، وروي عن عطاء والحسن والضحاك وأبي صالح وعطية والسدي نحو ذلك. وقال ابن جرير حدثني يونس بن عبد الأعلى. أنبأنا ابن وهب عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، قال: المطهرة التي لا تحيض، قال وكذلك خلقت حواء عليها السلام، فلما عصت قال الله تعالى: إني خلقتك مطهرة وسأدميك كما أدميت هذه الشجرة ـ وهذا غريب، وقال الحافظ أبو بكر بن مردويه: حدثنا إبراهيم بن محمد حدثني جعفر بن محمد بن حرب وأحمد بن محمد الجوري قالا: حدثنا محمد بن عبيد الكندي، حدثنا عبد الرزاق بن عمر البزيعي، حدثنا عبد الله بن المبارك عن شعبة عن قتادة عن أبي نضرة عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: "ولهم فيها أزواج مطهرة" قال من الحيض والغائط والنخاعة والبزاق. هذا حديث غريب ـ وقد رواه الحاكم في مستدركه عن محمد بن يعقوب بن الحسن بن علي بن عفان عن محمد بن عبيد به، وقال صحيح على شرط الشيخين، وهذا الذي ادعاه فيه نظر ، فإن عبد الرزاق بن عمر البزيعي هذا قال فيه أبو حاتم بن حبان البستي: لا يجوز الاحتجاج به (قلت) والأظهر أن هذا من كلام قتادة كما تقدم ، والله أعلم.
وقوله تعالى: "وهم فيها خالدون" هذا هو تمام السعادة فإنهم مع هذا النعيم في مقام أمين من الموت والانقطاع فلا آخر له ولا انقضاء بل في نعيم سرمدي أبدي على الدوام، والله المسؤول أن يحشرنا في زمرتهم، إنه جواد كريم بر رحيم.
لما ذكر تعالى جزاء الكافرين عقبة بجزاء المؤمنين ليجمع بين الترغيب والترهيب والوعد والوعيد كما هي عادته سبحانه في كتابه العزيز، لما في ذلك من تنشيط عباده المؤمنين لطاعاته، وتثبيط عباده الكافرين عن معاصيه. والتبشير: الإخبار بما يظهر أثره على البشرة، وهي الجلدة الظاهرة، من البشر والسرور. قال القرطبي: أجمع العلماء على أن المكلف إذا قال: من بشرني من عبيدي فهو حر فبشره واحد من عبيده فأكثر فإن أولهم يكون حراً دون الثاني واختلفوا إذا قال: من أخبرني من عبيدي بكذا فهو حر، فقال أصحاب الشافعي: يعم لأن كل واحد منهم مخبر، وقال علماؤنا: لا، لأن المكلف إنما قصد خبراً يكون بشارة، وذلك مختص بالأول انتهى. والحق أنه إن أراد مدلول الخبر عتقوا جميعاً، وإن أراد الخبر المقيد بكونه بشارة عتق الأول، فالخلاف لفظي. والمأمور بالتبشير قيل: هو النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: هو كل أحد كما في قوله صلى الله عليه وسلم: "بشر المشائين" وهذه الجمل وإن كانت مصدرة بالإنشاء فلا يقدح ذلك في عطفها على ما قبلها، لأن المراد عطف جملة وصف ثواب المطيعين على جملة وصف عقاب العاصين من دون نظر إلى ما اشتمل عليه الوصفان من الأفراد المتخالفة خبراً وإنشاءً. وقيل: إن قوله: 25- "وبشر" معطوف على قوله: "فاتقوا النار"، وليس هذا بجيد. "الصالحات" الأعمال المستقيمة. والمراد هنا: الأعمال المطلوبة منهم المفترضة عليهم- وفيه رد على من يقول إن الإيمان بمجرده يكفي، فالجنة تنال بالإيمان والعمل الصالح. والجنات: البساتين، وإنما سميت جنات لأنها تجن ما فيها: أي تستره بشجرها، وهو اسم لدار الثواب كلها وهي مشتملة على جنات كثيرة. والأنهار جمع نهر، وهو المجرى الواسع فوق الجدول ودون البحر، والمراد: الماء الذي يجري فيها، وأسند الجري إليها مجازاً، والجاري حقيقة هو الماء كما في قوله تعالى: "واسأل القرية" أي أهلها وكما قال الشاعر:
ونبئت أن النار بعدك أوقدت واستب بعدك يا كليب المجلس
والضمير في قوله: "من تحتها" عائد إلى الجنات لاشتمالها على الأشجار: أي من تحت أشجارها. وقوله: " كلما رزقوا " وصف آخر للجنات، أو هو جملة مستأنفة كأن سائلاً قال: كيف ثمارها. و"من ثمرة" في معنى من أي ثمرة: أي نوع من أنواع الثمرات. والمراد بقوله: "هذا الذي رزقنا من قبل" أنه شبيهه ونظيره، لا أنه هو، لأن ذات الحاضر لا تكون عين ذات الغائب لاختلافهما، وذلك أن اللون يشبه اللون وإن كان الحجم والطعم والرائحة والماوية متخالفة. والضمير في بد عائد إلى الرزق، وقيل: المراد أنهم أتوا بما يرزقونه في الجنة متشابهاً فما يأتيهم في أول النهار يشابه الذي يأتيهم في آخره، فيقولون هذا الذي رزقنا من قبل، فإذا أكلوا وجدوا له طعماً غير طعم الأول. و"متشابهاً" منصوب على الحال. والمراد بتطهير الأزواج أنه لا يصيبهن ما يصيب النساء من قذر الحيض والنفاس وسائر الأدناس التي لا يمتنع تعلقها بنساء الدنيا. والخلود: البقاء الدائم الذي لا ينقطع، وقد يستعمل مجازاً فيما يطول، والمراد هنا الأول. وقد أخرج ابن ماجه وابن أبي الدنيا في صفة الجنة والبزار وابن أبي حاتم وابن حبان والبيهقي وابن مردويه عن أسامة بن زيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا هل مشمر للجنة فإن الجنة لا خطر لها، هي ورب الكعبة نور يتلألأ، وريحانة تهتز، وقصر مشيد، ونهر مطرد، وثمرة نضيجة، وزوجة حسناء جميلة، وحلل كثيرة، ومقام في أبد في دار سليمة، وفاكهة خضراء" الحديث. والأحاديث في وصف الجنة كثيرة جداً ثابتة في الصحيحين وغيرهما. وأخرج ابن أبي حاتم وابن حبان والطبراني والحاكم وابن مردويه والبيهقي في البعث عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنهار الجنة تفجر من تحت جبال مسك". وأخرج ابن أبي شيبة وأبو حاتم وأبو الشيخ وابن حبان والبيهقي في البعث وصححه عن ابن مسعود نحوه موقوفاً. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك في قوله: "تجري من تحتها الأنهار" قال: يعني المساكن تجري أسفلها أنهارها. وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود وناس من الصحابة في قوله: " كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا " قال: أتوا بالثمرة في الجنة فنظروا إليها "قالوا هذا الذي رزقنا من قبل" في الدنيا "وأتوا به متشابهاً" في اللون والمرأى وليس يشبه الطعم. وأخرج عبد بن حميد عن علي بن زيد وقتادة نحوه. وأخرج مسدد في مسنده وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: ليس في الدنيا مما في الجنة شيء إلا الأسماء. وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة قال: قولهم: "من قبل" معناه: هذا مثل الذي كان بالأمس. وأخرج ابن جرير عن يحيى بن أبي كثير نحوه. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد قال: "متشابهاً" في اللون مختلفاً في الطعم. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الحسن في قوله: "متشابهاً" قال: خيار كله يشبه بعضه بعضاً لا رذل فيه، ألم تروا إلى ثمار الدنيا كيف ترذلون بعضه. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة مثله. وأخرج الحاكم وصححه وابن مردويه عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: "ولهم فيها أزواج مطهرة" قال: من الحيض والغائط والبزاق والنخامة. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: من القذر والأذى. وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود قال: لا يحضن ولا يحدثن ولا يتنخمن. وقد روي نحو هذا عن جماعة من التابعين وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في صفات أهل الجنة في الصحيحين وغيرهما من طريق جماعة من الصحابة أن أهل الجنة لا يبصقون ولا يتمخطون ولا يتغوطون. وثبت أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة في الصحيحين وغيرهما من صفات نساء أهل الجنة ما لا يتسع المقام لبسطه، فلينظر في دواوين الإسلام وغيرها. وأخرج ابن جرير وابن إسحاق وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "وهم فيها خالدون" أي خالدون أبداً، يخبرهم أن الثواب بالخير والشر مقيم على أهله أبداً لا انقطاع له. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله: "وهم فيها خالدون" يعني لا يموتون. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار، ثم يقوم مؤذن بينهم، يا أهل النار لا موت ويا أهل الجنة لا موت، كل هو خالد فيما هو فيه". وأخرج البخاري من حديث أبي هريرة نحوه. وأخرج الطبراني والحاكم وصححه من حديث معاذ نحوه. وأخرج الطبراني وابن مردويه وأبو نعيم من حديث ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو قيل لأهل النار إنكم ماكثون في النار عدد كل حصاة في الدنيا لفرحوا بها ولو قيل لأهل الجنة إنكم ماكثون عدد كل حصاة لحزنوا، ولكن جعل لهم الأبد".
25. " وبشر الذين آمنوا " أي أخبر والبشارة كل خبر صدق تتغير به بشرة الوجه، ويستعمل في الخير والشر، وفي الخير أغلب " وعملوا الصالحات " أي الفعلات الصالحات يعني المؤمنين الذين من أهل الطاعات قال عثمان بن عفان رضي الله عنه " وعملوا الصالحات " أي أخلصوا الأعمال كما قال " فليعمل عملاً صالحاً " (110-الكهف) أي خالياً عن الرياء. قال معاذ: العمل الصالح الذي فيه أربعة أشياء: العلم، والنية، والصبر، والاخلاص. " أن لهم جنات " جمع الجنة، والجنة البستان الذي فيه أشجار مثمرة، سميت بها لاجتنابها وتسترها بالأشجار. وقال الفراء : الجنة ما فيه النخيل، والفردوس ما فيه الكرم.
" تجري من تحتها " أي من تحت أشجارها ومساكنها " الأنهار " أي المياه في الأنهار لأن النهر لا يجري وقيل (من تحتها) أي بأمرهم لقوله تعالى حكاية عن فرعون " وهذه الأنهار تجري من تحتي " (51-الزخرف) أي بأمري والأنهار جمع نهر سمي به لسعته وضيائه. ومنه النهار. وفي الحديث (( أنهار الجنة في غير أخدود )) " كلما " متى ما " رزقوا " أطعموا " منها " أي من الجنة من ثمرة أي ثمرة و " من " صلة " رزقاً " طعاماً " قالوا هذا الذي رزقنا من قبل " وقبل رفع على الغاية. قال الله تعالى: " لله الأمر من قبل ومن بعد " (4-الروم) قيل: من قبل في الدنيا وقيل: الثمار في الجنة متشابهة في اللون، مختلفة في الطعم، فإذا رزقوا ثمرة بعد أخرى ظنوا أنها الأولى " وأتوا به " بالرزق " متشابهاً " قال ابن عباس و مجاهد و الربيع : متشابهاً في الأوان، مختلفاً في الطعوم. وقال الحسن و قتادة : متشابهاً. أي يشبه بعضها بعضاً في الجودة، أي كلها خيار لا رذالة فيها. وقال محمد بن كعب : يشبه ثمر الدنيا غير أنها أطيب. وقيل متشابهاً في الاسم مختلفاً في الطعم. قال: ابن عباس رضي الله عنهما: ليس في الدنيا مما في الجنة إلا الأسامي.
أنا أحمد بن عبد الله الصالحي أنا أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي أنا أبو عبد الله محمد ابن عبد الله الصفار أنا أحمد بن محمد بن عيسى البرتي أنا محمد بن كثير أنا سفيان الثوري عن الأعمش عن ابي سفيان عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أهل الجنة يأكلون ويشربون ولا يبولون ولا يتغوطون ولا يتمخطون ولا يبزقون، يلهمون الحمد والتسبيح، كما تلهمون النفس، طعامهم الجشاء، ورشحهم المسك ".
قوله تعالى: " ولهم فيها " في الجنان " أزواج " نساء وجواري يعني من الحور العين " مطهرة " من الغائط، والبول، والحيض، والنفاس، والبصاق، والمخاط والمني، والولد، وكل قذر. قال إبراهيم النخعي : في الجنة جماع ما شئت ولا ولد. وقال الحسن هن عجائزكم الغمص العمش طهرن من قذرات الدنيا. وقيل: مطهرة عن مساوئ الأخلاق " وهم فيها خالدون " دائمون لا يموتون فيها ولا يخرجون منها.
أنا أبو عمرو عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أبو حامد أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف الفربري ، أنا محمد بن إسماعيل البخاري أنا قتيبة بن سعيد ، أنا جرير عن عمارة عن أبي زرعة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر، ثم الذين يلونهم على أشد كوكب دري في السماء إضاءة لا يبولون ولا يتغوطون، ولا يتفلون ولا يتمخطون، أمشاطهم الذهب، ورشحهم المسك ومجامرهم الألوة وأزواجهم الحور العين، على خلق رجل واحد، على صورة أبيهم آدم ستون ذراعاً في السماء ".
أنا عبد الواحد المليحي أنا عبد الرحمن بن أبي شريح أنا أبو القاسم البغوي أنا علي بن الجعد أنا فضيل هو ابن مرزوق عن عطية عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أول زمرة تدخل الجنة يوم القيامة صورة وجوههم مثل صورة القمر ليلة البدر، والزمرة الثانية على لون أحسن الكواكب في السماء لكل رجل منهم زوجتان، على كل زوجة سبعون حلة، يرى مخ سوقهن دون لحومها ودمائها وحللها ".
أنا أبو عبد الله محمد بن الفضل الخرقي المروزي أنا أبو الحسن علي بن عبد الله الطيسفوني ، أنا عبد الرحمن بن أبي شريح أنا عبد الله بن عمر الجوهري أنا أحمد بن علي الكشميهني أنا علي بن حجر أنا اسماعيل بن جعفر بن أبي كثير المدني عن حميد الطويل عن أنس بن مالك قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: " لو أن امرأة من نساء أهل الجنة اطلعت على الأرض لأضاءت ما بينهما ولملئت ما بينهما ريحاً، ولتاجها على رأسها خير من الدنيا وما فيها ". أنا أبو الحسن علي بن يوسف الجويني أنا أبو محمد محمد بن شريك الشافعي أنا عبد الله بن محمد بن مسلم أنا أبو بكر الجوربذي أنا أحمد بن الفرج الحمصي أنا عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار أنا محمد بن المهاجر عن الضحاك المعافري عن سليمان بن موسى حدثني كريب أنه سمع أسامة بن زيد يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ألا هل من مشمر للجنة، وإن الجنة لا خطر لها وهي ورب الكعبة نور يتلألأ وريحانة تهتز، وقصر مشيد ونهر مطرد، وثمرة نضيجة وزوجة حسناء جميلة وحلل كثيرة ومقام أبد في دار / سليمة وفاكهة خضرة، وحبرة، ونعمة في محلة عالية بهية قالوا: نعم يا رسول الله نحن المشمرون لها فقال: قولوا إن شاء الله قال القوم: إن شاء الله."
وروي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أهل الجنة جرد مرد كحل لا يفنى شبابهم، ولا تبلى ثيابهم ".
أنا أبو بكر محمد بن عبد الصمد الترابي أنا الحاكم أبو الفضل الحدادي أنا أبو يزيد محمد بن يحيى ابن خالد أنا إسحاق الحنظلي أنا أبو معاوية أنا عبد الرحمن بن إسحاق عن النعمان بن سعيد عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن في الجنة لسوقاً ليس فيه بيع ولا شراء إلا الصور من الرجال والنساء، فإذا اشتهى الرجل صورة دخل فيها، إن فيها لمجتمع الحور العين ينادين، بصوت لم يسمع الخلائق مثله: نحن الخالدات فلا نبيد أبداً، ونحن الناعمات فلا نبأس أبداً، ونحن الراضيات فلا نسخط أبداً، فطوبى لمن كان لنا وكنا له ونحن له " ورواه أبو عيسى عن هناد و أحمد بن منيع عن أبي نعاوية مرفوعاً وقال: هذا حديث غريب.
أنا أسماعيل بن عبد القاهر الجرجاني أنا عبد الغافر بن محمد الفارسي أنا محمد بن عيسى الجلودي أنا إبراهيم بن محمد بن سفيان أنا مسلم بن الحجاج أنا أبو عثمان سعيد بن عبد الجبارالبصري أنا حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن في الجنة لسوقاً يأتونها كل جمعة فتهب ريح الشمال فتحثو في وجوههم وثيابهم فيزدادون حسناً وجمالاً، فيرجعون إلى أهليهم وقد ازدادوا حسناً وجمالاً فيقول لهم أهلهم والله لقد ازددتم بعدنا حسناً وجمالاً فيقولون وأنتم والله لقد زدتم بعدنا حسناً وجمالاً ".

25-" وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات " عطف على الجملة السابقة ، والمقصود عطف حال من آمن بالقرآن العظيم ووصف ثوابه ، على حال من كفر به ، وكيفية عقابه على ما جرت به العادة الإلهية من أن يشفع الترغيب بالترهيب ، تنشيطاً لاكتساب ما ينجي ، وتثبيطاً عن اقتراف ما يردي ، لا عطف الفعل نفسه حتى يجب أن يطلب له ما يشاكله من أمر أو نهي فيعطف عليه أو على فاتقوا ، لأنهم إذا لم يأتوا بما يعارضه بعد التحدي ظهر إعجازه ، وإذا ظهر ذلك فمن كفر به استوجب العقاب ، ومن آمن به استحق الثواب ، وذلك يستدعي أن يخوف هؤلاء ويبشر هؤلاء ، وإنما الرسول صلى الله عليه وسلم ، أو عالم كل عصر ، أو كل أحد يقدر على البشارة بأن يبشرهم . ولم يخاطبهم بالبشارة كما خاطب الكفرة ، تفخيماً لشأنهم وإيذاناً بأنهم أحقاء بأن يبشروا ويهنأوا بما أعد لهم .
وقرئ " وبشر " على البناء للمفعول عطفاً على أعدت فيكون استئنافاً . والبشارة : الخبر السار فإنه يظهر أثر السرور في البشرة ، ولذلك قال الفقهاء البشارة : هي الخبر الأول ، حتى لو قال الرجل لعبيده : من بشرني بقدوم ولدي فهو حر ، فأخبروه فرادى عتق أولهم ، ولو قال : من أخبرني ، عتقوا جميعاً ، وأما قوله تعالى : " فبشرهم بعذاب أليم " فعلى التهكم أو على طريقة قوله : تحية بينهم ضرب وجيع .
و " الصالحات " جمع صالحة وهي من الصفات الغالبة التي تجري مجرى الأسماء كالحسنة ، قال الحطيئة :
كيف الهجاء وما تنفك صالحة من آل لأم بظهر الغيب تأتيني
وهي من الأعمال ما سوغه الشرع وحسنه ، وتأنيثها على تأويل الخصلة ، أو الخلة ، واللام فيها للجنس ، وعطف العمل على الإيمان مرتباً للحكم عليهما إشعاراً بأن السبب في استحقاق هذه البشارة مجموع الأمرين والجمع بين الوصفين ، فإن الإيمان الذي هو عبارة عن التحقيق والتصديق أس ، والعمل الصالح كالبناء عليه ، ولا غناء بأس لا بناء عليه ، ولذلك قلما ذكر منفردين . وفيه دليل على أنها خارجة عن مسمى الإيمان ، إذ الأصل أن الشئ لا يعطف على نفسه ولا على ما هو داخل فيه .
" أن لهم " منصوب بنزع الخافض وإفضاء الفعل إليه ، أو مجرور بإضماره مثل : الله لأفعلن . والجنة : المرة من الجن وهو مصدر جنة إذا ستره ، ومدار التركيب على الستر ، سمي بها الشجر المظلل لالتفاف أغصانه للمبالغة كأنه يستر ما تحته سترة واحدة قال زهير :
كأن عيني في غربي مقتلة من النواضح تسقي جنةً سحقا
أي نخلاً طوالاً ، ثم البستان ، لما فيه من الأشجار المتكاثفة المظللة ، ثم دار الثواب لما فيها من الجنان ، وقيل : سميت بذلك لأنه ستر في الدنيا ما أعد فيها للبشر من أفنان النعم كما قال سبحانه وتعالى : " فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين " وجمعها وتنكيرها لأن الجنان على ما ذكره ابن عباس رضي الله عنهما سبع : جنة الفردوس ، وجنة عدن ، وجنة النعيم ، ودار الخلد ، وجنة المأوى ، ودار السلام ،وعليون ، وفي كل واحدة منها مراتب ودرجات متفاوتة على حسب تفاوت الأعمال والعمال . اللام في " لهم " تدل على استحقاقهم إياها ، لأجل ما ترتب عليه من الإيمان والعمل الصالح ، لا لذاته فأنه لا يكافئ النعم السابقة ، فضلاً عن أن يقتضي ثواباً وجزاء فيما يستقبل بل بجعل الشارع ، ومقتضى وعده تعالى لا على الإطلاق ، بل بشرط أن يستمر عليه حتى يموت وهو مؤمن لقوله تعالى : " ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم " وقوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم " لئن أشركت ليحبطن عملك " وأشباه ذلك ، ولعله سبحانه وتعالى لم يقيد ههنا استغناء بها .
" تجري من تحتها الأنهار " أي من تحت أشجارها ، كما تراها جارية تحت الأشجار النابتة على شواطئها . وعن مسروق أنهار تجري في غير أخدود : واللام في " الأنهار " للجنس ، كما في قولك لفلان : بستان في الماء الجاري ، أو للعهد ، والمعهود : هي الأنهار المذكورة في قوله تعالى : " فيها أنهار من ماء غير آسن " . والنهر بالفتح والسكون : المجرى الواسع فوق الجدول ودون البحر ، كالنيل والفرات ، والتركيب للسعة ، والمراد بها ماؤها على الإضمار ، أو المجاز ، أو المجاري أنفسهم . وإسناد الجري إليها مجاز كما في قوله تعالى : " وأخرجت الأرض أثقالها " .
" كلما رزقوا منها من ثمرة رزقاً قالوا هذا الذي رزقنا " صفة ثانية لجنات ، أو خبر مبتدأ محذوف ، أو جملة مستأنفة . كأنه لما قيل : إن لهم جنات ، وقع في خلد السامع أثمارها مثل ثمار الدنيا ، أو أجناس أخر فأزيح بذلك ، و " كلما " نصب على الظرف ، و " رزقاً " مفعول به ، ومن الأولى والثانية للابتداء واقعتان موقع الحال ، وأصل الكلام ومعناه : كل حين رزقوا مرزقاً مبتدأ من الجنات مبتدأ من ثمرة ، قيد الرزق بكونه مبتدأ من الجنات ، وابتداؤه منها بابتدائه من ثمرة فصاحب الحال الأولى رزقاً وصاحب الحال الثانية ضميره المستكن في الحال ، ويحتمل أن يكون من ثمره ، بياناً تقدم كما في قولك : رأيت منك أسدا ، وهذا إشارة إلى نوع ما رزقوا كقولك مشيراً إلى نهر جار : هذا الماء لا ينقطع ، فأنك لا تعني بع العين المشاهدة منه ، بل النوع المعلوم المستمر بتعاقب جريانه وإن كانت الإشارة إلى عينه ، فالمعنى هذا مثل رزقنا ولكن لما استحكم الشبه بينهما جعل ذاته كقولك : أبو يوسف أبو حنيفة .
" من قبل " أي : من قبل هذا في الدنيا ، جعل ثمر الجنة من جنس ثمر الدنيا لتميل النفس إليه أول ما يرى ، فإنه الطباع مائلة إلى المألوف متفرة عن غيره ، ويتبين لها مزيته وكنه النعمة فيه ، إذ لو كان جنساً لم يعهد ظن أنه لا يكون إلا كذلك ، أو في الجنة لأن طعامها متشابه في الصورة ، كما حكى ابن كثير عن الحسن رضي الله عنهما : ( أن أحدهم يؤتى بالصحفة فيأكل منها ، ثم يؤتى بأخرى فيراها مثل الأولى فيقول ذلك ، فيقول الملك : كل فاللون واحد والطعم مختلف ) . أو كما روي أنه عليه الصلاة والسلام قال : " والذي نفس محمد بيده ، إن الرجل من أهل الجنة ليتناول الثمرة ليأكلها فما هي بواصلة إلى فيه ، حتى يبدل الله تعالى مكانها مثلها " . فلعلهم إذ رأوها على الهيئة الأولى قالوا ذلك ، والأول أظهر لمحافظته على عموم " كلما " فإنه يدل على ترديدهم هذا القول كل مرة رزقوا ، والداعي لهم إلى ذلك فرط استغرابهم وتبجحهم بما وجدوا من التفاوت العظيم في اللذة والتشابه بالبليغ في الصورة .
" وأتوا به متشابهاً " اعتراض يقرر ذلك ، والضمير على الأول راجع إلى ما رزقوا في الدارين فإنه مدلول عليه بقوله عز من قائل " هذا الذي رزقنا من قبل " ونظيره قوله عز وجل : " إن يكن غنياً أو فقيراً فالله أولى بهما " أي بجنسي الغني والفقير ، وعلى الثاني إلى الرزق . فإن قيل : التشابه هو التماثل في الصفة ، وهو مفقود بين ثمرات الدنيا والآخرة كما قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : ليس في الجنة من أطعمة إلا الأسماء .قلت : التشابه بينهما حاصل في الصورة التي هي مناط الاسم دون المقدار والطعم ، وهو كاف في إطلاق التشابه . هذا : وإن للآية الكريمة محملاً آخر ، وهو أن اللذة بحسب تفاوتها ، فيحتمل أن يكون المراد من " هذا الذي رزقنا " أنه ثوابه ، ومن تشابههما تماثلهما في الشرف والمزية وعلو الطبقة ، فيكون هذا في الوعد نظير قوله : " ذوقوا ما كنتم تعملون " في الوعيد .
" ولهم فيها أزواج مطهرة " مما يستقذر من النساء ويذم من أحوالهن ، كالحيض والدرن ودنس الطبع وسوء الخلق ، فإن التطهير يستعمل في الأجسام والأخلاق والأفعال . وقرئ : مطهرات وهما لغتان فصيحتان يقال النساء فعلت وفعلن ، وهن فاعلة وفواعل ، قال :
وإذا العذارى بالدخان تقنعت واستعجلت نصب القدور فملت
فالجمع على اللفظ ، والافراد على تأويل الجماعة ، ومطهرة بتشديد الطاء وكسر الهاء بمعنى متطهرة ، ومطهرة أبلغ من طاهرة ومطهرة للإشعار بأن مطهراً طهرهن وليس هو إلا الله عز وجل . والزوج يقال للذكر والأنثى ، وهو في الأصل لما له قرين من جنسه كزوج الخف ، فإن قيل : فائدة المطعوم هو التغذي ودفع ضرر الجوع ، وفائدة المنكوح التوالد وحفظ النوع ، وهي مستغنى عنها في الجنة . قلت : مطاعم الجنة ومناكحها وسائر بأسمائها على سبيل الاستعارة والتمثيل ، ولا تشاركها في تمام حقيقتها حتى تستلزم جميع ما يلزمها وتفيد عين فائدتها .
" وهم فيها خالدون " دائمون . والخلد والخلود في الأصل الثبات المديد دام أم لم يدم ، ولذلك قيل للأثافي والأحجار خوالد ، وللجزء الذي يبقى من الإنسان على حاله ما دام حياً خلد، ولو كان وضعه للدوام كان التقييد بالتأبيد في قوله تعالى : " خالدين فيها أبداً " لغوا واستعماله حيث لا دوام ، كقولهم وقف مخلد ، يوجب اشتراكاً ،أو مجازاً . والأصل ينفيهما بخلاف ما لو وضع للأعم منه فاستعمل فيه بذلك الاعتبار ، كإطلاق الجسم على الإنسان مثل قوله تعالى : " وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد " لكن المراد به ههنا الدوام عند الجمهور لما يشهد له من الآيات والسنن .
فإن قيل : الأبدان مركبة من أجزاء متضادة الكيفية ، معرضة للاستحالات المؤدية إلى الانفكاك والانحلال فكيف يعقل خلودها في الجنان . قلت : إنه تعالى يعيدها بحيث لا يعتورها الاستحالة بأن يجعل أجزاءها مثلاً متقاومة في الكيفية ، متساوية في القوة لا يقوي شئ منها على إحالة الآخر ، متعانقة متلازمة لا ينفك بعضها عن بعض كما يشاهد في بعض المعادن .
هذا وإن قياس ذلك العالم وأحواله على ما نجده ونشاهده من نقص العقل وضعف البصيرة . واعلم أنه لما كان معظم اللذات الحسية مقصوراً على : المساكن والمطاعم ، والمناكح ،على ما دل عليه الاستقراء كان ملاك ذلك كله الدوام والثبات ، فإن كل نعمة جليلة إذا قارنها خوف الزوال كانت منغصة غير صافية من شوائب الألم ، بشر المؤمنين بها ومثل ما أعد لهم في الآخرة بأبهى ما يستلذ به منها ، وأزال عنهم الفوات بوعد الخلود ليدل على كمالهم في التنعم والسرور .
25. And give glad tidings (O Muhammad) unto those who believe and do good works; that theirs are Gardens underneath which rivers flow; as often as they are regaled with food of the fruit thereof, they say: This is what was given us aforetime; and it is given to them in resemblance. There for them are pure companions; there for ever they abide.
25 - But give glad tidings to those who believe and work righteousness, that their portion gardens, Beneath which rivers flow Every time they are fed with fruits therefrom, they say: why, this is what we were fed with before, for they are given things in similitude; and they have therein companions pure (and holy); and they abide therein (for ever).