[البقرة : 248] وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلآئِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ
(وقال لهم نبيهم) لما طلبوا منه آية على ملكه (إن آية مُلْكِه أن يأتيكم التابوت) الصندوق كان فيه صور الأنبياء أنزله الله على آدم واستمر إليهم فغلبهم العمالقة عليه وأخذوه وكانوا يستفتحون به على عدوهم ويقدمونه في القتال ويسكنون إليه كما قال تعالى (فيه سكينة) طمأنينة لقلوبكم (من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون) وهي نعلا موسى وعصاه وعمامة هارون وقفيز من المن الذي كان ينزل عليهم ورضاض من الألواح (تحمله الملائكة) حال من فاعل يأتيكم (إن في ذلك لآية لكم) على ملكه (إن كنتم مؤمنين) فحملته الملائكة بين السماء والأرض وهم ينظرون إليه حتى وضعته عند طالوت فأقروا بملكه وتسارعوا إلى الجهاد فاختار من شبابهم سبعين ألفا
قال أبو جعفر: وهذا الخبر من الله تعالى ذكره عن نبيه الذي أخبر عنه به، دليل على أن الملأ من بني إسرائيل الذي قيل لهم هذا القول، لم يقروا ببعثة الله طالوت عليهم ملكا إذ أخبرهم نبيهم بذلك، وعرفهم فضيلته التي فضله الله بها، ولكنهم سألوه الدلالة على صدق ما قال لهم من ذلك وأخبرهم به. فتأويل الكلام، إذ كان الأمر على ما وصفنا: "والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم"، فقالوا له: ما آية ذلك إن كنت من الصادقين؟، "قال لهم نبيهم إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت" . وهذه القصة، وإن كانت خبرا من الله تعالى ذكره عن الملإ من بني إسرائيل ونبيهم، وما كان من ابتدائهم نبيهم بما ابتدأوا به من مسألته أن يسأل الله لهم أن يبعث لهم ملكا يقاتلون معه في سبيله، ونبأ عما كان منهم من تكذيبهم نبيهم بعد علمهم بنبوته، ثم إخلافهم الموعد الذي وعدوا الله ووعدوا رسوله، من الجهاد في سبيل الله، بالتخفف عنه حين استنهضوا لحرب من استنهضوا لحربه، وفتح الله على القليل من الفئة، مع تخذيل الكثير منهم عن ملكهم وقعودهم عن الجهاد معه، فإنه تأديب لمن كان بين ظهراني مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذراريهم وأبنائهم يهود قريظة والنضير، وأنهم لن يعدوا في تكذيبهم صلى الله عليه وسلم فيما أمرهم به ونهاهم عنه، مع علمهم بصدقه، ومعرفتهم بحقيقة نبوته، بعد ما كانوا يستنصرون الله به على أعدائهم قبل رسالته، وقبل بعثة الله إياه إليهم وإلى غيرهم، أن يكونوا كأسلافهم وأوائلهم الذين كذبوا نبيهم شمويل بن بالي، مع علمهم بصدقه، ومعرفتهم بحقية نبوته، وامتناعهم من الجهاد مع طالوت لما ابتعثه الله ملكا عليهم، بعد مسألتهم نبيهم ابتعاث ملك يقاتلون معه عدوهم ويجاهدون معه في سبيل ربهم، ابتداء منهم بذلك نبيهم، وبعد مراجعة نبيهم شمويل إياهم في ذلك، وحض لأهل الإيمان بالله وبرسوله من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم على الجهاد في سبيله، وتحذير منه لهم أن يكونوا في التخلف عن نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم عند لقائه العدو، ومناهضته أهل الكفر بالله وبه، على مثل الذي كان عليه الملأ من بني إسرائيل في تخلفهم عن ملكهم طالوت إذ زحف لحرب عدو الله جالوت، وإيثارهم الدعة والخفض على مباشرة حر الجهاد والقتال في سبيل الله، وشحذ منه لهم على الإقدام على مناجزة أهل الكفر به الحرب، وترك تهيب قتالهم أن قل عددهم وكثر عدد أعدائهم واشتدت شوكتهم بقوله: " قال الذين يظنون أنهم ملاقوا الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين" [البقرة: 249]، وإعلام منه تعالى ذكره عباده المؤمنين به أن بيده النصر والظفر والخير والشر. وأما تأويل قوله: "قال لهم نبيهم"، فإنه يعني: للملإ من بني إسرائيل الذين قالوا لنبيهم: " ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله ".وقوله: "إن آية ملكه"، إن علامة ملك طالوت- التي سألتمونيها دلالة على صدقي في
قولي: إن الله بعثه عليكم ملكا، وإن كان من غير سبط المملكة- "أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم"، وهو التابوت الذي كانت بنو إسرائيل إذا لقوا عدوا لهم قدموه أمامهم، وزحفوا معه، فلا يقوم لهم معهم عدو، ولا يظهر عليهم أحد ناوأهم، حتى ضيعوا أمر الله، وكثر اختلافهم على أنبيائهم، فسلبهم الله إياه مرة بعد مرة، يرده إليهم في كل ذلك، حتى سلبهم آخرها مرة فلم يرده عليهم، ولن يرده إليهم آخر الأبد. ثم اختلف أهل التأويل في سبب مجيء التابوت الذي جعل الله مجيئه إلى بني إسرائيل آية لصدق نبيهم شمويل على قوله: "إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا" وهل كانت بنو إسرائيل سلبوه قبل ذلك فرده الله عليهم حين جعل مجيئه آية لملك طالوت، أو لم يكونوا سلبوه قبل ذلك، ولكن الله ابتدأهم به ابتداء؟.فقال بعضهم: بل كان ذلك عندهم من عهد موسى وهارون يتوارثونه، حتى سلبهم إياه ملوك من
أهل الكفر به، ثم رده الله عليهم آية لملك طالوت. وقال في سبب رده عليهم ما أنا ذاكره، وهو ما:-حدثني به المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم قال، حدثني عبد الصمد بن معقل: أنه سمع وهب بن منبه قال: كان لعيلي الذي ربى شمويل، ابنان شابان أحدثا في القربان شيئا لم يكن فيه. كان مسوط القربان الذي كانوا يسوطونه به كلابين، فما أخرجا كان للكاهن الذي يسوطه، فجعله ابناه كلاليب. وكانا إذا جاء النساء يصلين في القدس يتشبثان بهن. فبينا شمويل نائم قبل البيت الذي كان ينام فيه عيلي، إذ سمع صوتا يقول: أشمويل!! فوثب إلى عيلي فقال: لبيك! مالك! دعوتني؟ فقال: لا! ارجع فنم! فرجع فنام، ثم سمكل! صوتا آخر يقول: أشمويل!! فوثب إلى عيلي أيضا فقال: لبيك! مالك! دعوتني؟ فقال: لم أفعل، ارجع فنم، فإن سمعت شيئا فقل: لبيك مكانك، مرني فأفعل ! فرجع فنام، فسمع صوتا أيضا يقول: أشمويل!! فقال: لبيك! أنا هذا! مرني أفعل! قال: انطلق إلى عيلي فقل له: منعه حب الولد أن يزجر ابنيه أن يحدثا في قدسي وقرباني، وأن يعصياني، فلأنزعن منه الكهانة ومن ولده، ولأهلكنه وإياهما! فلما أصبح سأله عيلي فأخبره، ففزع لذلك فزعا شديدا. فسار إليهم عدو ممن حولهم، فأمر ابنيه أن يخرجا بالناس فيقاتلا ذلك العدو. فخرجا وأخرجا معهما التابوت الذي كان فيه اللوحان وعصا موسى لينصروا به. فلما تهيأوا للقتال هم وعدوهم، جعل عيلي يتوقع الخبر: ماذا صنعوا؟ فجاءه رجل يخبره وهو قاعد على كرسيه: إن ابنيك قد قتلا، وإن الناس قد انهزموا! قال: فما فعل التابوت؟ قال: ذهب به العدو! قال: فشهق ووقع على قفاه من كرسيه فمات وذهب الذين سبوا التابوت حتى وضعوه في بيت آلهتهم، ولهم صنم يعبدونه، فوضعوه تحت الصنم، والصنم من فوقه، فأصبح من الغد والصنم تحته وهو فوق الصنم. ثم أخذوه فوضعوه فوقه وسمروا قدميه في التابوت، فأصبح من الغد قد تقطعت يدا الصنم ورجلاه، وأصبح ملقى تحت التابوت. فقال بعضهم لبعض: قد علمتم أن إله بني إسرائيل لا يقوم له شيء، فأخرجوه من بيت آلهتكم! فأخرجوا التابوت فوضعوه في ناحية من قريتهم، فأخذ أهل تلك الناحية التي وضعوا فيها التابوت وجع في أعناقهم، فقالوا: ما هذا؟! فقالت لهم جارية كانت عندهم من سبي بني إسرائيل: لا تزالون ترون ما تكرهون ما كان هذا التابوت فيكم! فأخرجوه من قريتكم! قالوا: كذبت! قالت: إن اية ذلك أن تأتوا ببقرتين لهما أولاد لم يوضع عليهما نير قط، ثم تضعوا وراءهما العجل، ثم تضعوا التابوت على العجل وتسيروهما وتحبسوا أولادهما، فإنهما تنطلقان به مذعنتين، حتى إذا خرجتا من أرضكم ووقعتا في أرض بني إسرائيل كسرتا نيرهما، وأقبلتا إلى أولادهما. ففعلوا ذلك، فلما خرجتا من أرضهم ووقعتا في أدنى أرض بني إسرائيل، كسرتا نيرهما، وأقبلتا إلى أولادهما، ووضعتاه في خربة فيها حصاد من بني إسرائيل، ففزع إليه بنو إسرائيل وأقبلوا إليه، فجعل لا يدنو منه أحد إلا مات. فقال لهم نبيهم أشمويل: اعترضوا، فمن آنس من نفسه قوة فليدن منه. فعرضوا عليه الناس، فلم يقدر أحد يدنو منه إلا رجلان من بني إسرائيل، أذن لهما بأن يحملاه إلى بيت أمهما، وهي أرملة. فكان في بيت أمهما حتى ملك طالوت، فصلح أمر بني إسرائيل مع أشمويل.حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال، حدثني بعض أهل العلم، عن وهب بن منبه قال: قال شمويل لبني إسرائيل لما قالوا له: أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال؟ قال: إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم، وإن آية ملكه، وإن تمليكه من قبل الله، أن يأتيكم التابوت، فيرد عليكم الذي فيه من السكينة وبقية مما ترك آل موسى وال هارون، وهو الذي كنتم تهزمون به من لقيكم من العدو، وتظهرون به عليه. قالوا: فإن جاءنا التابوت فقد رضينا وسلمنا! وكان العدو الذين أصابوا التابوت أسفل من الجبل جبل إيليا فيما بينهم وبين مصر، وكانوا أصحاب أوثان، وكان فيهم جالوت. وكان جالوت رجلا قد أعطي بسطة في الجسم، وقوة في البطش، وشدة الحرب، مذكورا بذلك في الناس. وكان التابوت حين استبي قد جعل في قرية من قرى فلسطين يقال لها: أزدود، فكانوا قد جعلوا التابوت في كنيسة فيها أصنامهم. فلما كان من أمر النبي صلى الله عليه وسلم ما كان: من وعد بني إسرائيل أن التابوت سيأتيهم- جعلت أصنامهم تصبح في الكنيسة منكسة على رؤوسها، وبعث الله على أهل تلك القرية فأرا، تبيت الفأرة الرجل فيصبح ميتا، قد أكلت ما في جوفه من دبره. قالوا: تعلمون والله، لقد أصابكم بلاء ما أصاب أمة من الأمم مثله، وما نعلمه أصابنا إلأ مذ كان هذا التابوت بين أظهرنا!! مع أنكم قد رأيتم أصنامكم تصبح كل غداة منكسة، شيء لم يكن يصنع بها حتى كان هذا التابوت معها! فأخرجوه من بين أظهركم. فدعوا بعجلة فحملوا عليها التابوت، ثم علقوها بثورين، ثم ضربوا على جنوبهما، وخرجت الملائكة بالثورين تسوقهما، فلم يمر التابوت بشيء من الأرض إلا كان قدسا. فلم يرعهم إلا التابوت على عجلة يجرها الثوران، حتى وقف على بني إسرائيل، فكبروا وحمدوا الله، وجدوا في حربهم، واستوسقوا على طالوت. حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال: قال ابن عباس: لما قال لهم نبيهم: إن الله اصطفى طالوت عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم- أبوا أن يسلموا له الرياسة، حتى قال لهم: "إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم". فقال لهم: أرأيتم إن
جاءكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وال هارون تحمله الملائكة!!- وكان موسى حين ألقى الألواح تك!رت ورفع منها. فنزل فجمع ما بقي فجعله في ذلك التابوت- قال ابن جريج، أخبرني يعلى بن مسلم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: أنه لم يبق من الألواح إلا سدسها. قال: وكانت العمالقة قد سبت ذلك التابوت- والعمالقة فرقة من عاد كانوا بأريحا- فجاءت الملائكة بالتابوت تحمله بين السماء والأرض وهم ينظرون إلى التابوت، حتى وضعته عند طالوت. فلما رأوا ذلك قالوا: نعم! فسلموا له وملكوه. قال: وكانت الأنبياء إذا حضروا قتالا قدموا التابوت بين أيديهم. ويقولون: إن آدم نزل بذلك التابوت وبالركن. وبلغني أن التابوت وعصا موسى في بحيرة طبرية، وأنهما يخرجان قبل يوم القيامة. حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا عبد الصمد بن معقل: أنه سمع وهب بن منبه يقول: إن أرميا لما خرب بيت المقدس وحرقت الكتب، وقف في ناحية الجبل فقال: " أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه" [البقرة: 259]. ثم رد الله من رد من بني إسرائيل على رأس سبعين سنة من حين أماته، يعمرونها ثلاثين سنة تمام المئة. فلما ذهبت المئة، رد الله إليه روحه، وقد عمرت، فهي على حالتها الأولى. 00 (1) ... (2) فلما أراد أن يرد عليهم التابوت، أوحى الله إلى نبي من أنبيائهم: إما دانيال لاما غيره: إن كنتم تريدون أن يرفع عنكم المرض، فأخرجوا عنكنم هذا التابوت! قالوا: بآية ماذا؟ قال: باية أنكم تأتون ببقرتين صعبتين لم يعملا عملا قط، فإذا نظرتا إليه وضعتا أعناقهما-للنيرحتى يشد عليهما، ثم يشد التابوت على عجل، ثم يعلق على البقرتين، ثم يخليان فيسيران حيث يريد الله أن يبلغهما. ففعلوا ذلك، ووكل الله بهما أربعة من الملائكة يسوقونهما، فسارت البقرتان سيرا سريعا، حتى إذا بلغتا طرف القدس كسرتا نيرهما، وقطعتا حبالهما، وذهبتا. فنزل إليهما داود ومن معه، فلما رأى داود التابوت حجل إليه فرحا به- فقلنا لوهب: ما حجل إليه، قال: شبيه بالرقص- فقالت له امرأته: لقد خففت حتى كاد الناس يمقتونك لما صنعت! قال: أتبطئيني عن طاعة ربي إ! لا تكونين لي زوجة بعد هذا. ففارقها.وقال آخرون: بل التابوت، الذي جعله الله آية لملك طالوت، كان في البرية، وكان موسى صلى الله عليه وسلم خلفه عند فتاه يوشع، فحملته الملائكة حتى وضعته في دار طالوت. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة في قوله: "إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم"، الآية: كان موسى تركه عند فتاه يوشع بن نون وهو بالبرية، وأقبلت به الملاثكة تحمله حتى وضعته في دار طالوت فأصبح في داره.حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: "إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت" الآية، قال: كان موسى- فيما ذكر لنا- ترك التابوت عند فتاه يوشع بن نون وهو في البرية. فذكر لنا أن الملائكة حملته من البرية حتى وضعته في دار طالوت، فأصبح التابوت في داره.قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك بالصواب ما قاله ابن عباس ووهب بن منبه: من أن التابوت
كان عند عدو لبني إسرائيل كان سلبهموه. وذلك أن الله تعالى ذكره قال مخبرا عن نبيه في ذلك الزمان قوله لقومه بني إسرائيل: "إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت"، والألف واللام لا تدخلان في مثل هذا من الأسماء إلا في معروف عند المتخاطبين به. وقد عرفه المخبر والمخبر. فقد علم بذلك أن معنى الكلام: إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت الذي قد عرفتموه، الذي كنتم تستنصرون به، فيه سكينة من ربكم. ولو كان ذلك تابوتا من التوابيت غير معلوم عندهم قدره ومبلغ نفعه قبل ذلك، لقيل: إن آية ملكه أن، يأتيكم تابوت فيه سكينة من ربكم. فإن ظن ذو غفلة أنهم كانوا قد عرفوا ذلك التابوت وقدر نفعه وما فيه وهو عند موسى ويوشع، فإن
ذلك ما لا يخفى خطأه. وذلك أنه لم يبلغنا أن موسى لاقى عدوا قط بالتابوت ولا فتاه يوشع، بل الذي يعرف من أمر موسى وأمر فرعون ما قص الله من شأنهما، وكذلك أمره وأمر الجبارين. وأما فتاه يوشع، فإن الذين قالوا هذه المقالة، زعموا أن يوشع خلفه في التيه حتى رد عليهم حين ملك طالوت. فإن كان الأمر على ما وصفوه، فأفي الأحوال للتابوت الحال التي عرفوه فيها، فجاز أن يقال: إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت الذي قد عرفتموه وعرفتم أمره؟ وفي فساد هذا القول بالذي ذكرنا، أبين الدلالة على صحة القول الاخر، إذ لا قول في ذلك لأهل التأويل غيرهما.وكانت صفة التابوت فيما بلغنا، كما:- حدثنا محمد بن عسكر والحسن بن يحيى قالا، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا بكار بن عبد الله قال: سألنا وهب بن منبه عن تابوت موسى: ما كان؟ قال: كان نحوا من ثلاثة أذرع في ذراعين. قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: "فيه"، في التابوت، "سكينة من ربكم". واختلف أهل التأويل في معنى السكينة. فقال بعضهم: هي ريح هفافة لها وجه كوجه الإنسان.ذكر من قال ذلك: حدثنا عمران بن موسى قال، حدثنا عبد الوارث بن سعيد قال، حدثنا محمد بن جحادة، عن سلمة بن كهيل، عن أبي وائل، عن علي بن أبي طالب قال: السكينة، ريح هفافة لها وجه كوجه الإنسان. حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال، حدثنا سفيان- وحدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا سفيان- عن سلمة بن كهيل، عن أبي الأحوص، عن علي قال: السكينة لها وجه كوجه الإنسان، ثم هي ريح هفافة. حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم، عن العوام بن حوشب، عن سلمة بن كهيل، عن علي بن أبي طالب في قوله: "فيه سكينة من ربكم"، قال: ريح هفافة لها صورة. وقال يعقوب في حديثه: لها وجه. وقال ابن المثنى: كوجه الإنسان. حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن منصور، عن سلمة بن كهيل قال، قال على: السكينة لها وجه كوجه الإنسان، وهي ريح هفافة.حدثنا هناد بن السري قال، حدثنا أبو الأحوص، عن سماك بن حرب، عن خالد بن عرعرة قال، قال علي : السكينة ريح خجوج، ولها رأسان. حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن سماك قال: سمعت خالد بن عرعرة، يحدث عن علي، نحوه. حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا أبو داود قال، حدثنا شعبة وحماد بن سلمة وأبو الأحوص، كلهم، عن سماك، عن خالد بن عرعرة، عن علي، نحوه.وقال اخرون: لها رأس كرأس الهرة وجناحان. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمروقال، حدثنا أبو عاصم قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله تعالى: "فيه سكينة من ربكم"، قال: أقبلت السكينة والصرد، وجبريل مع إبراهيم من الشأم. قال ابن أبي نجيح، سمعت مجاهدا يقول: السكينة لها رأس كرأس الهرة وجناحان. حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد نحوه.حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي قال، حدثنا سفيان، عن ليث، عن مجاهد قال: السكينة لها جناحان وذنب.حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: لها جناحان وذنب مثل ذنب الهرة. وقال آخرون: بل هي رأس هرة ميتة. ذكر من قال ذلك:حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن وهب بن منبه، عن بعض أهل العلم من بني إسرائيل قال: السكينة رأس هرة ميتة، كانت إذا صرخت في التابوت بصراخ هر، أيقنوا بالنصر وجاءهم الفتح.وقال آخرون: إنما هي طست من ذهب من الجنة، كان يغسل فيه قلوب الأنبياء.ذكر من قال ذلك:حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عثمان بن سعيد قال، حدثنا الحكم بن ظهير، عن السدي،عن، أبي مالك، عن ابن عباس: "فيه سكينة من ربكم"، قال: طست من ذهب من الجنة، كان يغسل فيه قلوب الأنبياء.حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "فيه سكينة من ربكم"، السكينة طست من ذهب يغسل فيها قلوب الأنبياء، أعطاها الله موسى، وفيها وضع الألواح. وكانت الألواح، فيما بلغنا، من در وياقوت وزبرجد.وقال اخرون: السكينه ، روح من الله تتكلم.
ذكر من قال ذلك: حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا عبد الله قال، سألنا وهب بن منبه فقلنا له: السكينة؟ قال: روح من الله يتكلم، إذا اختلفوا في شيء تكلم فأخبرهم ببيان ما يريدون. حدثنا محمد بن عسكر قال، حدثنا عبد الرزاق قال، حدثنا بكاربن عبد الله: أنه سمع وهب بن منبه، فذكر نحوه.وقال آخرون: السكينة، ما تعرفون من الآيات فتسكنون إليه.ذكر من قال ذلك: حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال: سألت عطاء بن أبي رباح عن قوله: "فيه سكينة من ربكم"، الاية، قال: أما السكينة فما يعرفون مق الآيات، يسكنون إليها. وقال اخرون: السكينة، الرحمة.ذكر من قال ذلك: حدثت، عن عمار بن الحسن قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: "فيه سكينة من ربكم"، أي رحمة من ربكم. وقال آخرون: السكينة، هي الوقار.ذكر من قال ذلك:حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله:"فيه سكينة من ربكم"، أي وقار.قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال بالحق في معنى السكينة ما قاله عطاء بن أبي رباح: من الشيء تسكن إليه النفوس من الأيات التي يعرفونها. وذلك أن السكينة في كلام العرب الفعيلة، من قول القائل: سكن فلان إلى كذا وكذا، إذا اطمأن إليه وهدأت عنده نفسه، فهو يسكن سكونا وسكينا ، مثل قولك: عزم فلان على هذا الأمر عزما وعزيمة. وقضى الحاكم بين القوم قضاء وقضية، ومنه قول الشاعر:
لله قبر غالها ماذا يجن؟ لقد أجن سكينة ووقارا
وإذا كان معنى السكينة ما وصفت، فجائز أن يكون ذلك على ما قاله علي إن أبي طالب على ما روينا عنه، وجائز أن يكون ذلك على ما قاله مجاهد على ما حكينا عنه، وجائز أن يكون ما قاله وهب بن منبه وما قاله السدي، لأن كل ذلك آيات كافيات تسكن إليهن النفوس، وتثلج بهن الصدور. وإذا كان معنى السكينة ما وصفنا، فقد اتضح أن الآية التي كانت في التابوت، التي كانت النفوس تسكن إليها لمعرفتها بصحة أمرها، إنما هي مسماة بالفعل وهي غيره، لدلالة الكلام عليه.قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: "وبقية"، الشيء الباقي، من قول القائل: قد بقي من هذا الأمر بقية، وهي فعيلة منه، نظير السكينة من سكن .وقوله: "مما ترك آل موسى وآل هارون"، يعني به: من تركة آل موسى وآل هارون.واختلف أهل التأويل في البقية التي كانت بقيت من تركتهم.فقال بعضهم: كانت تلك البقية، عصا موسى بن هارون سى ورضاض الألواح.ذكر من قال ذلك:حدثنا حميد بن مسعدة قال، حدثنا بشر بن المفضل قال، حدثنا داود، عن عكرمة قال: أحسبه عن ابن عباس أنه قال في هذه الآية: " وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون "، قال: رضاض الألواح.حدثنا محمد بن عبد الله بن بزيع قال، حدثنا بشر قال، حدثنا داود، عن عكرمة، قال داود: وأحسبه عن ابن عباس، مثله. حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا أبو الوليد قال، حدثنا حماد، عن داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عباس في هذه الآية: "وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون"، قال: عصا موسى ورضاض الألواح.حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: "وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون"، قال: فكان في التابوت عصا موسى ورضاض الألواح، فيما ذكر لنا.حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: "وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون"، قال: البقية عصا موسى ورضاض الألواح.حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون"، أما البقية، فإنها عصا موسى ورضاضة الألواح.حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع:"وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون"، عصا موسى وأثور من التوراة.حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الوهاب الثقفي، عن خالد الحذاء،عن عكرمة في هذه الآية، " وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون "، قال: التوراة ورضاض الألواح والعصا. قال إسحاق، قال وكيع: ورضاضه كسره. حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية، عن خالد، عن عكرمة في قوله: "وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون"، قال: رضاض الألواح.وقال آخرون: بل تلك البقية عصا موسى وعصا هارون، وشيء من الألواح.
ذكر من قل ذلك:حدثنا أبو كريب قالى، حدثنا جابر بن نوح، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح:" أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون "، قال: كان فيه عصا موسى، وعصا هارون، ولوحان من التوراة، والمن.حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن إدريس قال، سمعت أبي، عن عطية بن سعد في قوله: "وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون"، قال: عصا موسى، وعصا هارون، وثياب موسى، وثياب ، هارون، ورضاض الألواح.وقال اخرون: بل هي العصا والنعلان.ذكر من قال ذلك:حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، سألت الثوري عن قوله: " وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون"
، قال: منهم من يقول: البقية قفيز من من ورضاض الألواح- ومنهم من يقول: العصا والنعلان.وقال آخرون: بل كان ذلك العصا وحدها.ذكر من قال ذلك: حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا بكار بن عبد الله قال، قلنا لوهب بن منبه: ما كان فيه؟- يعني في التابوت- قال: كان فيه عصا موسى والسكينة.
وقال آخرون: بل كان ذلك، رضاض الألواح وما تكسر منها.ذكر من قال ذلك:حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج، قال ابن عباس في قوله: " وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون "، قال: كان موسى حين ألقى الألواح تكسرت ورفع منها، فجعل الباقي في ذلك التابوت.حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، سألت عطاء بن أبي رباح عن قوله: " وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون "، قال: العلم والتوراة.وقال آخرون: بل ذلك، الجهاد في سبيل الله.ذكر من قال ذلك:حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، أخبرنا عبيد الله بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: "وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون" يعني ب البقية، القتال في سبيل الله، وبذلك قاتلوا مع طالوت، وبذلك أمروا.قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبر عن التابوت الذي جعله آية لصدق قول نبيه صلى الله عليه وسلم، الذي قال لأمته: "إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا". إن فيه سكينة منه وبقية من تركة آل موسى وآل هارون. وجائز أن تكون تلك البقية: العصا، وكسر الألواح، والتوراة، أو بعضها، والنعلين، والثياب، والجهاد في سبيل الله، وجائز أن يكون بعض ذلك. وذلك أمر لا يدرك علمه من جهة الاستخراج ولا اللغة، ولا يدرك علم ذلك إلا بخبريوجب عنه العلم. ولا خبرعند أهل الإسلام في ذلك للضفة التي وصفنا. وإذ كان كذلك، فغير جائز فيه تصويب قول وتضعيف آخر غيره، إذ كان جائزا فيه ما قلنا من القول.قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في صفة حمل الملائكة ذلك التابوت.فقال بعضهم: معنى ذلك: تحمله بين السماء والأرض، حتى تضعه بين أظهرهم.ذكر من قال ذلك:حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال ابن عباس: جاءت الملائكة بالتابوت تحمله بين السماء والأرض وهم ينظرون إليه، حتى وضعته عند طالوت.حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: لما قال لهم، يعني النبي، لبني إسرائيل: "والله يؤتي ملكه من يشاء". قالوا: فمن لنا بأن الله هو اتاه هذا؟ ما هو إلا لهواك فيه! قال: إن كنتم قد كذبتموني واتهمتموني، فإن آية ملكه: "أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم"، الآية. قال: فنزلت الملائكة بالتابوت نهارا ينظرون إليه عيانا، حتى وضعوه بين أظهرهم، فأقروا غير راضين، وخرجوا ساخطين، وقرأ حتى بلغ "والله مع الصابرين" حدثني موسى قال: حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: لما قال لهم نبيهم ما قال لهم: أن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم ، قالوا: فإن كنت صادقا فأتنا باية أن هذا ملك! قال: " إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة ". وأصبح التابوت وما فيه في دار طالوت، فآمنوا بنبوة شمعون، وسلموا ملك طالوت.حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: "تحمله الملائكة"، قال: تحمله حتى تضعه في بيت طالوت.وقال اخرون: معنى ذلك: تسوق الملائكة الدواب التي تحمله. ذكر من قال ذلك:حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا الثوري، عن بعض أشياخه قال :تحمله الملائكة على عجلة على بقرة. حدثنا الحسن قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا عبد الصمد بن معقل: أنه سمع وهب بن منبه يقول: وكل بالبقرتين اللتين سارتا بالتابوت أربعة من الملائكة يسوقونهما، فسارت البقرتان بهما سيرا سريعا، حتى إذا بلغتا طرف القدس ذهبتا.قال أبو جعفر: وأولى، القولين في ذلك بالصواب قول من قال: حملت التابوت الملائكة حتى وضعته لها في دار طالوت قائما بين أظهر بني إسرائيل. وذلك أن الله تعالى ذكره قال: "تحمله الملائكة"، ولم يقل: تأتي به الملائكة. وما جرته البقر على عجل، وإن كانت الملائكة هي سائقتها، غير حاملته. لأن الحمل المعروف، هو مباشرة الحامل بنفسه حمل ما حمل، فأما ما حمله على ، وإن كان جائزا في، اللغة أن يقال حمله بمعنى: معونته الحامل، وبأن حمله كان عن سببه، فليس سبيله سبيل ما باشر حمله بنفسه، في تعارف الناس إياه بينهم. وتوجيه تأويل القرآن إلى الأشهر من اللغات، أولى من توجيهه إلى الأنكر، ما وجد إلى ذلك سبيل.
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذاك: أن نبيه شمويل قال لبني إسرائيل: إن في مجيئكم التابوت فيه سكينة من، ربكم وبقية مما ترك آل موسى وال هارون حاملته الملائكة، "لآية لكم"، يعني: لعلامة لكم ودلالة، أيها الناس، على صدقي فيما أخبرتكم: أن الله بعث لكم طالوت ملكا، أن كنتم قد كذبتموني فيما أخبرتكم به من تمليك الله إياه عليكم، واتهمتموني في خبري إياكم بذلك، "إن كنتم مؤمنين"، يعني بذلك: إن كنتم مصدقي عند مجيء الآية التي سألتمونيها على صدقي فيما أخبرتكم به أمر طالوت وملكه.وإنما قلنا ذلك معناه، لأن القوم قد كانوا كفروا بالله في تكذيبهم نبيهم وردهم عليه قوله: "إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا"، بقولهم: "أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه"، وفي مسألتهم إياه الآية على صدقه. فإذ كان ذلك منهم كفرا، فغير جائز أن يقال لهم وهم كفار: لكم في مجيء التابوت آية إن كنتم من أهل الإيمان بالله ورسوله. وليسوا من أهل الإيمان بالله ولا برسوله. ولكن الأمر في ذلك على ما وصفنا من معناه، لأنهم سألوا الآية على صدق خبره إياهم ليقروا بصدقه، فقال لهم: فى مجيء التابوت- على ما وصفه لهم- آية لكم إن كنتم عند مجيئه كذلك مصدقي بما قلت لكم وأخبرتكم به.
قوله تعالى " وقال لهم نبيهم إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت " أي إتيان التابوت ، والتابوت كان من شأنه فيما ذكر أنه أنزله الله على آدم عليه السلام ، فكان عنده إلى أن وصل إلى يعقوب عليه السلام ، فكان في بني إسرائيل يغلبون به من قاتلهم حتى عصوا فغلبوا على التابوت غلبهم عليه العمالقة : جالوت وأصحابه في قول السدي : وسلبوا التابوت منهم .
قلت : وهذا أدل دليل على أن العصيان سبب الخذلان ، وهذا بين ، قال النحاس : والآية في التابوت على ما روي أنه كان يسمع فيه أنين ، فإذا سمعوا ذلك ساروا لحربهم ، وإذا هذأ الأنين لم يسيروا ولم يسر التابوت ، وقيل : كانوا يضعونه في مأزق الحرب فلا تزال تغلب حتى عصوا فغلبوا وأخذ منهم التابوت وذلك أمرهم ، فلما رأوا آية الاصطلام وذهاب الذكر ، أنف بعضهم وتكلموا في أمرهم حتى اجتمع ملؤهم أن قالوا لنبي الوقت : ابعث لنا ملكاً ، فلما قال لهم : ملككم طالوت راجعوه فيه كما أخبر الله عنهم ، فلما قطعهم بالحجة سألوه البينة على ذلك في قول الطبري ، فلما سألوا نبيهم البينة على ما قال ، دعا ربه فنزل بالقول الذين أخذوا التابوت داء بسببه على خلاف في ذلك قيل : وضعوه في كنيسه لهم فيها أصنام فكانت الأصنام تصبح منكوسة وقيل وضعوه في بيت أصنامهم تحت الصنم الكبير فأصبحوا وهو فوق الصنم ، فأخذوه وشدوه إلى رجليه فأصبحوا وقد قطعت يدا الصنم ورجلاه وألقيت تحت التابوت ، فأخذوه وجعلوه في قرية قوم فأصاب أولئك القوم أوجاع في أعناقهم ، وقيل : جعلوه في مخراة قوم فكانوا يصيبهم الباسور ، فلما عظم بلاؤهم كيفما كان قالوا : ما هذا إلا لهذا التابوت ! فلنرده إلى بني إسرائيل فوضعوه على عجلة بين ثورين وأرسلوهما في الأرض نحو بلاد بني إسرائيل ، وبعث الله ملائكة تسوق البقرتين حتى دخلتا على بني إسرائيل ، وهم في أمر طالوت فأيقنوا بالنصر ، وهذا هو حمل الملائكة للتابوت في هذه الرواية ، وروي أن الملائكة جاءت به تحمله وكان يوشع بن نون قد جعله في البرية ، فروي أنهم رأوا التابوت في الهواء حتى نزل بينهم ، قاله الربيع بن خيثم وقال وهب بن منبه : كان قدر التابوت نحواً من ثلاثة أذرع في ذراعين ، الكلبي : وكان من عود شمسار الذي يتخذ منه الأمشاط ، وقرأ زيد بن ثابت (( التابوه )) وهي لغته ، والناس على قراءته بالتاء وقد تقدم ، وروي عنه (( التيبوت )) ذكره النحاس ، وقرأ حميد بن قيس (( يحمله )) بالياء .
قوله تعالى : " فيه سكينة من ربكم وبقية " اختلف الناس في السكينة والبقية ، فالسكينة فعلية مأخوذة من السكون والوقار والطمأنينة ، فقوله : (( فيه سكينة )) أي هو سبب سكون قلوبكم فيما اختلفتم فيه من أمر طالوت ، ونظيره " فأنزل الله سكينته عليه " [ التوبة : 40 ] ، أي أنزل عليه ما سكن به قلبه ، وقيل : أراد أن التابوت كان سبب سكون قلوبهم ، فأينما كانوا سكنوا إليه ولم يفروا من التابوت إذا كان معهم في الحرب ، وقال وهب بن منبه : السكينة روح من الله تتكلم ، فكانوا إذا اختلفوا في أمر نطقت ببيان ما يريدون ، وإذا صاحت في الحرب كان الظفر لهم ، وقال علي بن أبي طالب : هي ريح هفاقة لها وجه كوجه الإنسان ، وروي عنه أنه قال : هي ريح خجوج لها رأسان وقال مجاهد : حيوان كالهر له جناحان وذنب ولعينيه شعاع ، فإذا نظر إلى الجيش انهزم ، وقال ابن عباس : طست من ذهب من الجنة ، كان يغسل فيه قلوب الأنبياء ، وقاله السدي ، قال ابن عطية : والصحيح أن التابوت كانت فيه أشياء فاضلة من بقايا الأنبياء وآثارهم ، فكانت النفوس تسكن إلى ذلك وتأنس به وتقوى .
قلت : وفي صحيح مسلم " عن البراء قال : كان رجل يقرأ سورة (( الكهف )) وعنده فرس مربوط بشطنين فتغشته سحابة فجعلت تدور وتدنوا وجعل فرسه ينفر منها ، فلما أصبح أتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال : تلك السكينة تنزلت للقرآن " ، وفي حديث أبي سعيد الخدري : " أن أسيد بن الحضير بينما هو ليلة يقرأ في مربده الحديث ، وفيه : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تلك الملائكة كانت تستمع لك ولو قرأت لأصبحت يراها الناس ما تستتر منهم " خرجه البخاري و مسلم ، فأخبر صلى الله عليه وسلم عن نزول السكينة مرة ، ومرة عن نزول الملائكة ، فدل على أن السكينة كانت في تلك الظلة ، وأنها تنزل أبداً مع الملائكة ، وفي هذا حجة لمن قال إن السكينة روح أو شيء له روح ، لأنه لا يصح استماع القرآن إلا لمن يعقل ، والله أعلم .
قوله تعالى : " وبقية" اختلف في البقية على أقوال ، فقيل : عصا موسى وعصا هارون ورضاض الألواح ، لأنها انكسرت حين ألقاها موسى ، قاله ابن عباس ، زاد عكرمة : التوراة وقال أبو صالح : البقية : عصا موسى وثيابه وثياب هارون ولوحان من التوراة ، وقال عطية بن سعد : هي عصا موسى وعصا هارون وثيابهما ورضاض الألواح ، وقال الثوري : من الناس من يقول البقية قفيزاً من في طست من ذهب وعصا موسى وعمامة هارون ورضاض الألواح ومنهم من يقول : العصا والنعلان ومعنى هذا ما روي من أن موسى لما جاء قومه بالألواح فوجدهم قد عبدوا العجل ، ألقى الألواح غضباً فتكسرت ، فنزع منها ما كان صحيحاً وأخذ رضاض ما تكسر فجعله في التابوت ، وقال الضحاك : البقية : الجهاد وقتال الأعداء ، قال ابن عطية : أي الأمر بذلك في التابوت ، إما أنه مكتوب فيه ، وإما أن نفس الإتيان به هو كالأمر بذلك ، وأسند الترك إلى آل موسى وآل هارون من حيث كان الأمر مندرجاً من قوم إلى قوم وكلهم آل موسى وآل هارون ، وآل الرجل قرابته ، وقد تقدم .
يقول لهم نبيهم: إن علامة بركة ملك طالوت عليكم, أن يرد الله عليكم التابوت الذي كان أخذ منكم "فيه سكينة من ربكم" قيل معناه وقار وجلالة. قال عبد الرزاق عن معمر, عن قتادة "فيه سكينة" أي وقار: وقال الربيع: رحمة, وكذا روي عن العوفي, عن ابن عباس. وقال ابن جريج: سألت عطاء عن قوله "فيه سكينة من ربكم" ؟ قال: ما تعرفون من آيات الله فتسكنون إليه, وكذا قال الحسن البصري. وقيل: السكينة طست من ذهب, كانت تغسل فيه قلوب الأنبياء, أعطاها الله موسى عليه السلام, فوضع فيها الألواح, ورواه السدي عن أبي مالك عن ابن عباس, وقال سفيان الثوري, عن سلمة بن كهيل, عن أبي الأحوص, عن علي, قال: السكينة لها وجه كوجه الإنسان, ثم هي روح هفافة. وقال ابن جرير, حدثني المثنى, حدثنا أبو داود, حدثنا شعبة وحماد بن سلمة وأبو الأحوص, كلهم عن سماك عن خالد بن عرعرة, عن علي, قال: السكينة ريح خجوج, ولها رأسان. وقال مجاهد: لها جناحان وذنب. وقال محمد بن إسحاق, عن وهب بن منبه: السكينة رأس هرة ميتة إذا صرخت في التابوت بصراخ هر , أيقنوا بالنصر, وجاءهم الفتح. وقال عبد الرزاق: أخبرنا بكار بن عبد الله, أنه سمع وهب بن منبه يقول: السكينة روح من الله تتكلم, إذا اختلفوا في شيء تكلم, فتخبرهم ببيان ما يريدون.
ـ وقوله "وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون" قال ابن جرير: أخبرنا ابن مثنى, حدثنا أبو الوليد, حدثنا حماد عن داود بن أبي هند, عن عكرمة, عن ابن عباس, في هذه الاية " وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون " قال: عصاه, ورضاض الألواح, وكذا قال قتادة والسدي والربيع بن أنس وعكرمة, وزاد: والتوراة. قال أبو صالح "وبقية مما ترك آل موسى" يعني عصا موسى, وعصا هارون, ولوحين من التوراة, والمن. وقال عطية بن سعد: عصا موسى, وعصا هارون, وثياب موسى, وثياب هارون, ورضاض الألواح. وقال عبد الرزاق: سألت الثوري عن قوله "وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون", فقال: منهم من يقول: قفيز من من, ورضاض الألواح, ومنهم من يقول: العصا والنعلان.
ـ وقوله "تحمله الملائكة" قال ابن جريح: قال ابن عباس: جاءت الملائكة تحمل التابوت بين السماء والأرض حتى وضعته بين يدي طالوت والناس ينظرون, قال السدي: أصبح التابوت في دار طالوت, فآمنوا بنبوة شمعون, وأطاعوا طالوت. وقال عبد الرزاق، عن الثوري, عن بعض أشياخه, جاءت به الملائكة تسوقه على عجلة على بقرة, وقيل: على بقرتين. وذكر غيره: أن التابوت كان بأريحا, وكان المشركون لما أخذوه وضعوه في بيت آلهتهم تحت صنمهم الكبير فأصبح التابوت على رأس الصنم فأنزلوه فوضعوه تحته, فأصبح كذلك, فسمروه تحته, فأصبح الصنم مكسور القوائم, ملقى بعيداً, فعلموا أن هذا أمر من الله لا قبل لهم به, فأخرجوا التابوت من بلدهم, فوضعوه في بعض القرى, فأصاب أهلها داء في رقابهم, فأمرتهم جارية من سبي بني إسرائيل أن يردوه إلى بني إسرائيل حتى يخلصوا من هذا الداء , فحملوه على بقرتين فسارتا به, لا يقربه أحد إلا مات, حتى اقتربتا من بلد بني إسرائيل, فكسرتا النيرين ورجعتا, وجاء بنو إسرائيل فأخذوه, فقيل: إنه تسلمه داود عليه السلام, وإنه لما قام إليهما خجل من فرحه بذلك, وقيل: شابان منهم, فالله أعلم وقيل: كان التابوت بقرية من قرى فلسطين يقال لها أزدرد.
وقوله " إن في ذلك لآية لكم " أي على صدقي فيما جئتكم به من النبوة, وفيما أمرتكم به من طاعة طالوت "إن كنتم مؤمنين" أي بالله واليوم الاخر.
248- والتابوت فعلوت من التوب وهو الرجوع لأنهم يرجعون إليه: أي علامة ملكه إتيان التابوت الذي أخذ منهم: أي رجوعه إليكم وهو صندوق التوراة. والسكينة فعيلة مأخوذة من السكون والوقار والطمأنينة: أي فيه سبب سكون قلوبكم فيما اختلفتم فيه من أمر طالوت. قال ابن عطية: الصحيح أن التابوت كانت فيه أشياء فاضلة من بقايا الأنبياء وآثارهم، فكانت النفوس تسكن إلى ذلك وتأنس به وتتقوى. وقد اختلف في السكينة على أقوال سيأتي بيان بعضها، وكذلك اختلف في البقية، فقيل: هي عصا موسى ورضاض الألواح، وقيل غير ذلك. قيل: والمراد بآل موسى وهارون هما أنفسهما: أي مما ترك هارون وموسى، ولفظ آل مقحمة لتفخيم شأنهما، وقيل: المراد الأنبياء من بني يعقوب لأنهما من ذرية يعقوب، فسائر قرابته ومن تناسل منه آل لهما.
248. فذلك قوله تعالى: " وقال لهم نبيهم إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت ". وكانت قصة التابوت أن الله تعالى أنزل تابوتاً على آدم فيه صورة الأنبياء عليهم السلام، وكان من عود الشمشاذ نحواً من ثلاثة أذرع في ذراعين، فكان عند آدم إلى أن مات ثم بعد ذلك عند شيث ثم توارثها أولاد آدم إلى أن بلغ إبراهيم، ثم كان عند إسماعيل لأنه كان أكبر ولده ثم عند يعقوب ثم كان في بني إسرائيل إلى أن وصل إلى موسى فكان موسى يضع فيه التوراة ومتاعاً من متاعه، فكان عنده إلى أن مات موسى عليه السلام، ثم تداولته أنبياء بني إسرائيل إلى وقت إشمويل وكان فيه ذكر الله تعالى: " فيه سكينة من ربكم " اختلفوا في السكينة ما هي قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ريح هجوج هفافة لها رأسان ووجه كوجه الإنسان، وعن مجاهد : شيء يشبه الهرة له رأس كرأس الهرة وذنب كذنب الهرة وله جناحان، وقيل له عينان لهما شعاع وجناحان من زمرد وزبرجد فكانوا إذا سمعوا صوته تيقنوا بالنصر وكانوا إذا خرجوا وضعوا التابوت قدامهم فإذا سار ساروا وإذا وقف وقفوا.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: هي طست من ذهب من الجنة كان يغسل فيه قلوب الأنبياء، وعن وهب بن منبه قال: هي روح من الله يتكلم إذا اختلفوا في شيء تخبرهم ببيان ما يريدون، وقال عطاء بن أبي رباح : هي ما يعرفون من الآيات فيسكنون إليها، وقال قتادة و الكلبي : السكينة فعيلة من السكون أي طمأنينة من ربكم ففي أي مكان كان التابوت اطمأنوا إليه وسكنوا " وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون " يعني موسى وهرون أنفسهما كان فيه لوحان من التوراة ورضاض الألواح التي تكسرت وكان فيه عصا موسى ونعلاه وعمامة هرون وعصاه وقفيز من المن الذي كان ينزل على بني إسرائيل، فكان التابوت عند بني إسرائيل وكانوا إذا اختلفوا في شيء تكلم وحكم بينهم وإذا حضروا القتال قدموه بين أيديهم فيستفتحون به على عدوهم فلما عصوا وفسدوا سلط الله عليهم العمالقة فغلبوهم على التابوت.
وكان السبب في ذلك أنه كان لعيلى العالم الذي ربى إشمويل عليه السلام ابنان شابان وكان عيلى حبرهم وصاحب قربانهم فأحدث ابناه في القربان شيئاً لم يكن فيه وذلك أنه كان لعيلى منوط القربان الذي كانوا ينوطونه به كلابين، فما أخرجا كان للكاهن الذي ينوطه، فجعل ابناه كلاليب وكان النساء يصلين في بيت المقدس فيتشبثان بهن فأوحى الله تعالى بهن فأوحى الله تعالى إلى إشمويل عليه السلام انطلق إلى عيلى فقل له منعك حب الولد من أن تزجر ابنيك عن أن يحدثا في قرباني وقدسي وأن يععصياني فلأنزعن الكهانة منك ومن ولدك ولأهلكنك وإياهم، فأخبر إشمويل عيلى بذلك ففزع فزعاً شديداً فسار إليهم عدو ممن حولهم فأمر ابنيه أن يخرجا فيقاتلا ذلك العدو فخرجا وأخرجا معهما التابوت فلما تهيؤوا للقتال جعل عيلى يتوقع الخبر ماذا صنعوا فجاءه رجل وهو قاعد على كرسيه وأخبره أن الناس قد انهزموا وأن ابنيك قد قتلا، قال فما فعل التابوت؟ قال ذهب به العدو، فشهق ووقع على قفاه من كرسيه ومات فمرج أمر بني إسرائيل وتفرقوا إلى أن بعث الله طالوت ملكاً فسألوه البينة فقال لهم نبيهم: إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت.
وكانت قصة التابوت، أن الذين سبوا التابوت أتوا به قرية من قرى فلسطين يقال لها ازدود وجعلوه في بيت صنم لهم، ووضعوه تحت الصنم الأعظم، فأصبحوا من الغد والصنم تحته فأخذوه ووضعوه فوقه وسمروا قدمي الصنم على التابوت فأصبحوا وقد قطعت يد الصنم ورجلاه وأصبح ملقى تحت التابوت وأصبحت أصنامهم منكسة فأخرجوه من بيت الصنم ووضعوه في ناحية من مدينتهم فأخذ أهل تلك الناحية وجع في أعناقهم حتى هلك أكثرهم فقال بعضهم لبعض: أليس قد علمتم أن إله بني اسرائيل لا يقوم له شيء، فأخرجوه إلى قرية كذا فبعث الله على أهل تلك القرية فأراً فكانت الفأرة تبيت مع الرجل فيصبح ميتاً قد أكلت ما في جوفه فأخرجوه إلى الصحراء فدفنوه في مخرأة لهم فكان كل من يبرز هناك أخذه الباسور والقولنج فتحيروا، فقالت لهم امرأة كانت عندهم من سبي بني إسرائيل من أولاد الأنبياء لا تزالون ترون ما تكرهون ما دام هذا التابوت فيكم فأخرجوه عنكم، فأتوا بعجلة بإشارة تلك المرأة وحملوا عليها التابوت ثم علقوها على ثورين وضربوا جنوبهما فأقبل الثوران يسيران ووكل الله تعالى بهما أربعة من الملائكة يسوقونهما فأقبلا حتى وقفا على أرض بني إسرائيل فكسرا نيريهما حبالهما ووضعا التابوت في أرض فيها حصاد بني إسرائيل ورجعا إلى أرضهما فلم يرع بني إسرائيل إلا بالتابوت فكبروا وحمدوا الله فذلك قوله تعالى " تحمله الملائكة " أي تسوقه، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: جاءت الملائكة بالتابوت تحمله بين السماء والأرض وهم ينظرون إليه هحتى وضعته عند طالوت، وقال الحسن : كان التابوت مع الملائكة في السماء فلما ولي طالوت الملك حملته الملائكة ووضعته بينهم، وقال قتادة بل كان التابوت في التيه خلفه موسى عند يوشع بن نون فبقي هناك فحملته الملائكة حتى وضعته في دار طالوت فأقروا بملكه " إن في ذلك لآية " لعبرة " لكم إن كنتم مؤمنين " قال ابن عباس رضي الله عنهما: إن التابوت وعصا موسى في بحيرة طبرية وأنهنما يخرجان قبل يوم القيامة.
248-" وقال لهم نبيهم " لما طلبوا منه حجة على أنه سبحانه وتعالى اصطفى طالوت وملكه عليهم . " إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت " الصندوق فعلوت من التوب ، وهو الرجوع فإنه لا يزال يرجع إلى ما يخرج منه ،وليس بفاعول لقلة نحو سلس وقلق ،ومن قرأه بالهاء فلعله أبدله منه كما أبدل من تاء التأنيث لاشتراكهما في الهمس والزيادة ،ويريد به صندوق التوراة وكان من خشب الشمشاد مموهاً بالذهب نحواً من ثلاثة أذرع في ذراعين . " فيه سكينة من ربكم " الضمير للإتيان أي في إتيانه سكون لكم وطمأنينة ،أو للتابوت أي مودع فيه ما تسكنون إليه وهو التوراة . وكان موسى عليه الصلاة والسلام إذا قاتل قدمه فتسكن نفوس بني إسرائيل ولايفرون . وقيل صورة كانت فيه من زبرجد أو ياقوت لها رأس وذنب كرأس الهرة وذنبها وجناحان فتئن فيزف التابوت نحو العدو وهم يتبعونه فإذا استقر ثبتوا وسكنوا ونزل النصر . وقيل صورة الأنبياء من آدم إلى محمد عليهم الصلاة والسلام . وقيل التابوت هو القلب والسكينة ما فيه من العلم والإخلاص وإتيانه مصير قلبه مقراً للعلم والوقار بعد أن لم يكن . " وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون " رضاض الألواح وعصا موسى وثيابه وعمامة هارون ، وآلهما أبناؤهما أو أنفسهما . والآل مقحم لتفخيم شأنهم ،أو أنبياء بني إسرائيل لأنهم أبناء عمهما . " تحمله الملائكة " قيل رفعه الله بعد موسى فنزلت به الملائكة وهم ينظرون إليه وقيل كان بعده مع أنبيائهم يستفتحون به حتى أفسدوا فغلبهم الكفار عليه ، وكان في أرض جالوت إلى أن ملك الله طالوت فأصابهم بلاء حتى هلكت خمس مدائن فتشاءموا بالتابوت فوضعوه على ثورين فساقتهما الملائكة إلى طالوت . " إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين " يحتمل أن يكون من تمام كلام النبي عليه الصلاة والسلام وأن يكون ابتداء خطاب من الله سبحانه وتعالى .
248. And their Prophet said unto them: Lo! the token of his kingdom is that there shall come unto you the ark wherein is peace of reassurance from your Lord, and a remnant of that which the house of Moses and the house of Aaron left behind, the angels bearing it. Lo! herein shall be a token for you if (in truth) ye are believers.
248 - And (further) their prophet said to them: a sign of his authority is that there shall come to you the ark of the covenant, with (an assurance) therein of security from your Lord, and the relics left by the family of Moses and the family of Aaron, carried by angels. in this is a symbol for you if ye indeed have faith.