[البقرة : 231] وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النَّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لَّتَعْتَدُواْ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلاَ تَتَّخِذُوَاْ آيَاتِ اللّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
(وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن) قاربن انقضاء عدتهن (فأمسكوهن) بأن تراجعوهن (بمعروف) من غير ضرر (أو سرحوهن بمعروف) اتركوهن حتى تنتهي عدتهن (ولا تمسكوهن) بالرجعة (ضراراً) مفعول لأجله (لتعتدوا) عليهن بالإلجاء إلى الافتداء والتطليق وتطويل الحبس (ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه) بتعريضها إلى عذاب الله (ولا تتخذوا آيات الله هزواً) مهزوءاً بها بمخالفتها (واذكروا نعمة الله عليكم) بالإسلام (وما أنزل عليكم من الكتاب) القرآن (والحكمة) ما فيه من الأحكام (يعظكم به) بأن تشكروها بالعمل به (واتقوا الله واعلموا أن الله بكل شيء عليم) ولا يخفى عليه شيء
قوله تعالى وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف الآية أخرج ابن جريرمن طريق العوفي عن ابن عباس قال كان الرجل يطلق امرأته ثم يراجعها قبل انقضاء عدتها ثم يطلقها يفعل ذلك يضارها ويعضلها فأنزل الله هذه الآية
وأخرج عن السدي قال نزلت في رجل من الأنصار يدعى ثابت بن يسار طلق امرأته حتى إذا انفضت عدتها إلا يومين أو ثلاثة راجعها ثم طلقها مضارة فأنزل الله ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا
قوله تعالى ولا تتخذوا آيات الله هزوا أخرج ابن أبي عمر في مسنده وابن مردويه عن أبي الدرداء قال كان الرجل يطلق ثم يقول لعبت ويعتق ثم يقول لعبت فأنزل الله ولا تتخذوا آيات الله هزوا
واخرج ابن المنذر عن عبادة بن الصامت نحوه وأخرج ابن مردويه نحوه عن ابن عباس وأخرج ابن جرير نحوه من مرسل الحسن
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: "وإذا طلقتم"، أيها الرجال نساءكم، "فبلغن أجلهن"، يعني: ميقاتهن الذي وقته لهن، من انقضاء الأقراء الثلاثة، إن كانت من أهل القرء، وانقضاء الأشهر، إن كانت من أهل الشهور، "فأمسكوهن"، يقول: فراجعوهن إن أردتم رجعتهن في الطلقة التي فيها رجعة : وذلك إما في التطليقة الواحدة أو التطليقتين، كما قال تعالى ذكره: "الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان".وأما قوله: "بمعروف"، فإنه عنى: بما أذن به من الرجعة، من الإشهاد على الرجعة قبل انقضاء العدة، دون الرجعة بالوطء والجماع. لأن ذلك إنما يجوز للرجل بعد الرجعة، وعلى الصحة مع ذلك والعشرة بما أمر الله به وبينه لكم أيها الناس، "أو سرحوهن بمعروف"، يقول: أو خلوهن يقضين تمام عدتهن وينقضي بقية أجلهن الذي أجلته لهن لعددهن، بمعروف. يقول: بإيفائهن تمام حقوقهن عليكم، على ما ألزمتكم لهن من مهر ومتعة ونفقة وغير ذلك من حقوقهن قبلكم، "ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا"، يقول: ولا تراجعوهن، إن راجعتموهن في عددهن، مضارة لهن، لتطولوا عليهن مدة انقضاء عددهن، أو لتأخذوا منهن بعض ما آتيتموهن بطلبهن الخلع منكم، لمضارتكم إياهن، بإمساككم إياهن، ومراجعتكموهن ضرارا واعتداء.
وقوله: "لتعتدوا"، يقول: لتظلموهن بمجاوزتكم في أمرهن حدودي التي بينتها لكم.وبمثل الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.ذكر من قال ذلك:حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن منصور، عن أبي الضحى، عن مسروق: "ولا تمسكوهن ضرارا"، قال: يطلقها، حتى إذا كادت تنقضي راجعها، ثم يطلقها، فيدعها حتى إذا كادت تنقضي عدتها راجعها، ولا يريد إمساكها: فذلك الذي يضار ويتخذ آيات الله هزوا.حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية، عن أبي رجاء قال: سئل الحسن عن قوله تعالى: "وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا"، قال: كان الرجل يطلق المرأة ثم يراجعها، ثم يطلقها ثم يراجعها، يضارها، فنهاهم الله عن ذلك.حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: "وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف"، قال: نهى الله عن الضرار، "ضرارا"، أن يطلق الرجل امرأته ثم يراجعها عند اخر يوم يبقى من الأجل، حتى يفي لها تسعة أشهر، ليضارها به. حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد بنحوه، إلا أنه قال: نهى عن الضرار، والضرار في الطلاق أن يطلق الرجل امرأته ثم يراجعها، وسائر الحديث مثل حديث محمد بن عمرو.حدثني محمد بن سعد قال، حدثنا أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: "وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا"، كان الرجل يطلق امرأته ثم يراجعها قبل انقضاء عدتها، ثم يطلقها. يفعل ذلك يضارها ويعضلها، فأنزل الله هذه الآية.حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله:"وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا"، قال: كان الرجل يطلق امرأته تطليقة واحدة، ثم يدعها، حتى اذا ما كاد تخلو عدتها راجعها، ثم يطلقها، حتى إذا ما كاد تخلو عدتها راجعها. ولا حاجة له فيها، إنما يريد أن يضارها بذلك. فنهى الله عن ذلك وتقدم فيه، وقال: "ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه".حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني الليث، عن يونس، عن ابن شهاب قال: قال الله تعالى ذكره: "وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا"، فإذا طلق الرجل المرأة وبلغت أجلها، فليراجعها بمعروف أو ليسرحها بإحسان، ولا يحل له أن يراجعها ضرارا، وليست له فيها رغبة، الا أن يضارها. حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة في قوله: "ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا"، قال: هو في الرجل يحلف بطلاق امرأته، فإذا بقي من عدتها شيء راجعها، يضارها بذلك ويطول عليها، فنهاهم الله عن ذلك.حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا إسماعيل بن أبي أويس، عن مالك بن أنس، عن ثور بن زيد الديلي: أن رجلا كان يطلق امرأته ثم يراجعها، ولا حاجة له بها ولا يريد إمساكها، كيما نطول عليها بذلك العدة ليضارها، فأنزل الله تعالى ذكره: "ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه"، يعظم ذلك.حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ الفضل بن خالد قال، حدثنا عبيد بن سليمان الباهلي قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: "ولا تمسكوهن ضرارا"، هو الرجل يطلق امرأته واحدة ثم يراجعها، ثم يطلقها ثم يراجعها، ثم يطلقها، ليضارها بذلك، لتختلع منه.حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه ولا تتخذوا آيات الله هزوا"، قال: نزلت في رجل من الأنصار يدعى ثابت بن يسار، طلق امرأته، حتى إذا انقضت عدتها الا يومين أو ثلاثة، راجعها، ثم طلقها، ففعل ذلك بها حتى مضت لها تسعة أشهر، مضارة يضارها، فأنزل الله تعالى ذكره: "ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا" حدثني العباس بن الوليد قال، أخبرني أبي قال، سمعت عبد العزيز يسأل عن طلاق الضرار فقال: يطلق ثم يراجع، ثم يطلق ثم يراجع، فهذا الضرار الذي قال الله: "ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا".حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا فضيل بن مرزوق، عن عطية:"ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا"، قال: الرجل يطلق امرأته تطليقة، ثم يتركها حتى تحيض ثلاث حيض، ثم يراجعها، ثم يطلقها تطليقة، ثم يمسك عنها حتى تحيض ثلاث حيض، ثم يراجعها، "لتعتدوا"، قال: لا يطاول عليهن.قال أبو جعفر: وأصل التسريح، من سرح القوم ، وهو ما أطلق من نعمهم للرعي. يقال للمواشي المرسلة للرعي: هذا سرح القوم ، يراد به مواشيهم المرسلة للرعي. ومنه قول الله تعالى ذكره: "والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون * ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون" [النحل: 5 6]، يعني بقوله: حين تسرحون ، حين ترسلونها للرعي. فقيل للمرأة إذا خلاها زوجها فأبانها منه: سرحها، تمثيلا لذلك ب تسريح المسرح ماشيته للرعي، وتشبيهاً به.قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: ومن يراجع امرأته، بعد طلاقه إياها في الطلاق الذي له فيه عليها الرجعة، ضرارا بها، ليعتدي حد الله في أمرها، "فقد ظلم نفسه"، يعني: فأكسبها بذلك إثما، وأوجب لها من الله عقوبة بذلك. وقد بينا معنى الظلم فيما مضى، وأنه وضع الشيء في غيرموضعه، وفعل ما ليس للفاعل فعله.قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره: ولا تتخذوا أعلام الله وفصوله بين حلاله وحرامه، وأمره ونهيه،في وحيه وتنزيله، استهزاء ولعبا، فإنه قد بين لكم في تنزيله وآي كتابه، ما لكم من الرجعة على نسائكم، في الطلاق الذي جعل لكم عليهن فيه الرجعة، وما ليس لكم منها، وما الوجه الجائز لكم منها، وما الذي لا يجوز، وما الطلاق الذي لكم عليهن فيه الرجعة، وما ليس لكم ذلك فيه، وكيف وجوه ذلك، رحمة منه بكم ونعمة منه عليكم، ليجعل بذلك لبعضكم، من مكروه، إن كان، فيه من صاحبه ما يؤذيه، المخرج والمخلص بالطلاق والفراق، وجعل ما جعل لكم عليهن من الرجعة سبيلا لكم إلى الوصول إلى ما نازعه إليه ودعاه إليه هواه، بعد فراقه إياهن منهن، لتدركوا بذلك قضاء أوطاركم منهن، إنعاما منه بذلك عليكم، لا لتتخذوا ما بينت لكم من ذلك في آي كتابي وتنزيلي- تفضلا مني ببيانه علمكم وإنعاما ورحمة مني بكم- لعبا وسخريا.وبمعنى: ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني عبد الله بن أحمد بن شبويه قال، حدثنا أبي قال، حدثنا أيوب بن سليمان قال، حدثنا أبو بكربن أبي أوشى، عن سليمان بن بلال، عن محمد بن أبي عتيق وموسى بن عقبة، عن ابن شهاب، عن سليمان بن أرقم: أن الحسن حدثهم: أن الناس كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، يطلق الرجل أو يعتق فيقال،: ما صنعت؟ فيقول: إنما كنت لاعبا! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من طلق لاعبا أو أعتق لاعبا فقد جاز عليه"، قال الحسن: وفيه نزلت: "ولا تتخذوا آيات الله هزوا".حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: "ولا تتخذوا آيات الله هزوا"، قال: كان الرجل يطلق امرأته فيقول: إنما طلقت لاعبا! ويتزوج أو يعتق أو يتصدق فيقول: إنما فعلت لاعبا! فنهوا عن ذلك، فقال تعالى ذكره: "ولا تتخذوا آيات الله هزوا".حدثنا أبو كريب قال، حدثنا إسحاق بن منصور، عن عبد السلام بن حرب، عن يزيد بن عبد الرحمن، عن أبي العلاء، عن حميد بن عبد الرحمن، عن أبي موسى: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غضب على الأشعريين- فأتاه أبو موسى فقال: يا رسول الله، غضبت على الأشعريين! فقال: يقول أحدكم: قد طلقت، قد راجعت ليس هذا طلاق المسلمين، طلقوا المرأة في قبل عدتها" .
حدثنا أبو زيد، عن ابن شبة قال، حدثنا أبو غسان النهدي قال، حدثنا عبد السلام بن حرب، عن يزيد أبي خالد- يعني الدالاني- عن أبي العلاء الأودي، عن حميد بن عبد الرحمن، عن أبي موسى الأشعري، " عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لم يقول أحدكم لامرأته: قد طلقتك، قد راجعتك ؟ ليس هذا بطلاق المسلمين، طلقوا المرأة في قبل طهرها " .
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: واذكروا نعمة الله عليكم بالإسلام الذي أنعم عليكم به فهداكم له، وسائر نعمه التي خصكم بها دون غيركم من سائر خلقه، فاشكروه على ذلك بطاعته فيما أمركم به ونهاكم عنه، واذكروا أيضا مع ذلك ما أنزل عليكم من كتابه، وذلك: القرآن الذي أنزله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، واذكروا ذلك فاعملوا به واحفظوا حدوده فيه، و "الحكمة"، يعني: وما أنزل عليكم من الحكمة، وهي السنن التي علمكموها رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنها لكم. وقد ذكرت اختلاف المختلفين في معنى "الحكمة" فيما مضى قبل في قوله: "ويعلمهم الكتاب والحكمة" [البقرة: 129]، فأغنى عن إعادته في هذا الموضع.قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: "يعظكم به"، يعظكم بالكتاب الذي أنزل عليكم، والهاء التي في قوله: "به"، عائدة على الكتاب. "واتقوا الله"، يقول: وخافوا الله، فيما أمركم به وفيما نهاكم عنه في كتابه الذي أنزله عليكم، وفيما أنزله فبينه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم لكم، أن تضيعوه وتتعدوا حدوده، فتستوجبوا ما لا قبل لكم به من أليم عقابه ونكال عذابه. وقوله: "واعلموا أن الله بكل شيء عليم"، يقول: واعلموا أيها الناس أن ربكم، الذي حد لكم هذه الحدود، وشرع لكم هذه الشرائع، وفرض عليكم هذه الفرائض، في كتابه وفي تنزيله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، بكل ما أنتبم عاملوه- من خي روشر، وحسن وسيىء، وطاعة ومعصية- عالم لا يخفى عليه من ظاهر ذلك وخفيه، وسره وجهره، شيء، وهو مجازيكم بالإحسان إحسانا وبالسيىء سيئا، إلا أن يعفو ويصفح، فلا تتعرضوا لعقابه وتظلموا أنفسكم.
فيه ست مسائل :
الأولى : قوله تعالى : " فبلغن أجلهن " معنى (( بلغن )) قاربن ، بإجماع من العلماء ، ولأن المعنى يضطر إلى ذلك ، لأنه بعد بلوغ الأجل لا خيار له في الإمساك ،وهو في الآية التي بعدها بمعنى التناهي ، لأن المعنى يقتضي ذلك ، فهو حقيقة في الثانية مجاز في الأولى .
الثانية : قوله تعالى : " فأمسكوهن بمعروف " الإمساك بالمعروف هو القيام بما يجب لها من حق على زوجها ، ولذلك قال جماعة من العلماء : إن من الإمساك بالمعروف إن الزوج إذا لم يجد ما ينفق على الزوجة أن يطلقها ، فإن لم يفعل خرج عن حد المعروف ، فيطلق عليه الحاكم من أجل الضرر اللاحق لها من بقائها عند من لا يقدر على نفقتها ، والجوع لا صبر عليه ، وبهذا قال مالك و الشافعي و أحمد و إسحاق و أبو ثور و أبو عبيد و يحيى القطان و عبد الرحمن بن مهدي وقاله من الصحابة عمر وعلي وأبو هريرة ، ومن التابعين سعيد بن المسيب وقال : إن ذلك سنة ، ورواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وقالت طائفة ، لا يفرق بينهما ، ويلزمها الصبر عليه ، وتتعلق النفقة بذمته بحكم الحاكم ، وهذا قول عطاء و الزهري ، وإليه ذهب الكوفيون و الثوري ، واحتجوا بقوله تعالى : " وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة " [ البقرة ك 280 ] ، وقال : " وأنكحوا الأيامى منكم " [ النور : 32 ] ، فندب تعالى إلى إنكاح الفقير ، فلا يجوز أن يكون الفقر سبباً للفرقة ، وهو مندوب معه إلى النكاح ، وأيضاً فإن النكاح بين الزوجين قد أنعقد بإجماع فلا يفرق بينهما إلا بإجماع مثله ، أو بسنة عن الرسول الله صلى الله عليه وسلم لا معارض لها ، والحجة للأول قوله صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري : " تقول المرأة إما أن تطعمني وإما أن تطلقني " ، فهذا نص في موضع الخلاف ، والفرقة بالإعسار عندنا طلقة رجعية خلافاً لـ الشافعي في قوله : إنها طلقة بائنة ، لأن هذه فرقة بعد البناء لم يستكمل بها عدد الطلاق ولا كانت لعوض ولا لضرر بالزوج فكانت رجعية ، أصله طلاق المولي .
الثالثة : قوله تعالى : " أو سرحوهن بمعروف " يعني فطلقوهن ، وقد تقدم : " ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا " روى مالك عن ثور بن زيد الديلي ، أن الرجل كان يطلق امرأته ثم يراجعها ولا حاجة له بها ولا يريد إمساكها كيما يطول بذلك العدة عليها وليضارها ، فأنزل الله تعالى : " ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه " ، يعظهم الله به ، وقال الزجاج : فقد ظلم نفسه ، يعني عرض نفسه للعذاب ، لأن إتيان ما نهى الله عنه تعرض لعذاب الله ، وهذا الخبر موافق للخبر الذي نزل بترك ما كان عليه أهل الجاهلية من الطلاق والارتجاع حسب ما تقدم بيانه عند قوله تعالى : " الطلاق مرتان " فأفادنا هذان الخبران أن نزول الآيتين المذكورتين كان في معنى واحد متقارب وذلك حبس الرجل المرأة ومراجعته لها قاصداً إلى الإضرار بها ، وهذا ظاهر .
الرابعة : قوله تعالى : " ولا تتخذوا آيات الله هزوا " معناه لا تأخذوا أحكام الله تعالى في طريق الهزو فإنه كلها ، فمن هزل فيها لزمته ، قال أبو الدرداء : كان الرجل يطلق في الجاهلية ويقول : إنما طلقت وأنا لاعب ، وكان يعتق وينكح ويقول : كنت لاعباً ، فنزلت هذه الآية ، فقال عليه السلام : " من طلق أو حرر أو نكح أو أنكح فزعن أنه لاعب فهو جد " ، رواه معمر قال : حدثنا عيسى بن يونس عن عمرو عن الحسن عن أبي الدرداء فذكره بمعناه ، وفي موطأ مالك أنه بلغه أن رجلاً قال لابن عباس : إني طلقت امرأتي مائة مرة فماذا ترى علي ؟ فقال ابن عباس : طلقت منك بثلاث وسبع وتسعون اتخذت بها آيات الله هزواً وخرج الدارقطني من حديث إسماعيل بن أبي أمية القرشي عن علي قال : " سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً طلق البتة فغضب وقال : تتخذون آيات الله هزواً أو دين الله هزواً ولعباً من طلق البتة ألزمناه ثلاثاً لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره " ، إسماعيل بن أبي أمية هذا كوفي ضعيف الحديث ، وروي عن عائشة : أن الرجل كان يطلق امرأته ثم يقول : والله لا أورثك ولا أدعك ، قالت : وكيف ذاك ؟ قال : إذا كدت نقضين عدتك راجعتك ، فنزلت " ولا تتخذوا آيات الله هزوا " ، قال علماؤنا والأقوال كلها داخلة في معنى الآية ، لأنه يقال لمن سخر من آيات الله : أتخذها هزواً ، ويقال ذلك لمن كفر بها ، ويقال ذلك لمن طرحها ولم يأخذ بها وعمل بغيرها ، فعلى هذا تدخل هذه الأقوال في الآية ، وآيات : دلائلة وأمره ونهيه .
الخامسة : ولا خلاف بين العلماء أن من طلق هازلاً أن الطلاق يلزمه ، واختلفوا في غيرها على ما يأتي بيانه في (( براءة )) إن شاء الله تعالى : وخرج أبو داود عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ثلاث جدهن جد وهزلهن جد : النكاح والطلاق والرجة " ، وروي عن علي بن أبي طالب وابن مسعود و أبي الدارداء كلهم قالوا : ثلاث لا لعب فيهن واللاعب فيهن جاد : النكاح والطلاق والعتاق ، وقيل : المعنى لا تتركوا أوامر الله فتكونوا مقصرين لاعبين ، ويدخل في هذه الآية الاستغفار من الذنب قولاً مع الإصرار فعلاً وكذا كل ما كان في هذا المعنى فأعلمه .
السادسة : قوله تعالى : " واذكروا نعمة الله عليكم " أي بالإسلام وبيان الأحكام والحكمة : هي السنة المبينة على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم مراد الله فيما لم ينص عليه في الكتاب : " يعظكم به " أي يخوفكم " واتقوا الله واعلموا أن الله بكل شيء عليم " ، تقدم .
هذا أمر من الله, عز وجل للرجال, إذا طلق أحدهم المرأة طلاقاً له عليها فيه رجعة, أن يحسن في أمرها إذا انقضت عدتها, ولم يبق منها إلا مقدار ما يمكنه فيه رجعتها, فإما أن يمسكها, أي يرتجعها, إلى عصمة نكاحه, بمعروف وهو أن يشهد على رجعتها, وينوي عشرتها بالمعروف, أو يسرحها, أي يتركها حتى تنقضي عدتها ويخرجها من منزله بالتي هي أحسن, من غير شقاق ولا مخاصمة ولا تقابح, قال الله تعالى: "ولا تمسكوهن ضراراً لتعتدوا", قال ابن عباس, ومجاهد ومسروق والحسن وقتادة والضحاك والربيع ومقاتل بن حيان وغير واحد: كان الرجل يطلق المرأة, فإذا قاربت انقضاء العدة راجعها, ضراراً لئلا تذهب إلى غيره, ثم يطلقها فتعتد, فإذا شارفت على انقضاء العدة طلق لتطول عليها العدة, فنهاهم الله عن ذلك, وتوعدهم عليه, فقال: "ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه" أي بمخالفته أمر الله تعالى.
وقوله تعالى: "ولا تتخذوا آيات الله هزواً" قال ابن جرير عند هذه الاية: أخبرنا أبو كريب, أخبرنا إسحاق بن منصور عن عبد السلام بن حرب, عن يزيد بن عبد الرحمن, عن أبي العلاء الأودي, عن حميد بن الرحمن, عن أبي موسى, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غضب على الأشعريين, فأتاه أبو موسى قال: يا رسول الله, أغضبت على الأشعريين ؟ فقال: "يقول أحدكم قد طلقت, قد راجعت, ليس هذا طلاق المسلمين, طلقوا المرأة في قبل عدتها" ثم رواه من وجه آخر عن أبي خالد الدلال وهو يزيد بن عبد الرحمن, وفيه كلام. وقال مسروق: هو الذي يطلق في غير كنهه, ويضار امرأته بطلاقها وارتجاعها لتطول عليها العدة, وقال الحسن وقتادة وعطاء الخراساني والربيع ومقاتل بن حيان: هو الرجل يطلق ويقول: كنت لاعباً, أو يعتق أو ينكح ويقول: كنت لاعباً, فأنزل الله "ولا تتخذوا آيات الله هزواً" فألزم الله بذلك, وقال ابن مردويه: حدثنا إبراهيم بن محمد, حدثنا أبو أحمد الصيرفي, حدثني جعفر بن محمد السمسار , عن إسماعيل بن يحيى عن سفيان, عن ليث, عن مجاهد, عن ابن عباس, قال: طلق رجل امرأته وهو يلعب لا يريد الطلاق, فأنزل الله "ولا تتخذوا آيات الله هزواً" فألزمه رسول الله صلى الله عليه وسلم الطلاق. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا عصام بن رواد, حدثنا آدم, حدثنا المبارك بن فضالة عن الحسن هو البصري, قال: كان الرجل يطلق ويقول: كنت لاعباً ويعتق ويقول: كنت لاعباً, وينكح ويقول: كنت لاعباً, فأنزل الله "ولا تتخذوا آيات الله هزواً", وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من طلق أو أعتق أو نكح أو أنكح, جاداً أو لاعباً, فقد جاز عليه" وكذا رواه ابن جرير, من طريق الزهري, عن سليمان بن أرقم, عن الحسن مثله, وهذا مرسل, وقد رواه ابن مردويه, عن طريق عمرو ابن عبيد, عن الحسن, عن أبي الدرداء موقوفاً عليه. وقال أيضاً: حدثنا أحمد بن الحسن بن أيوب, حدثنا يعقوب بن أبي يعقوب, حدثنا يحيى بن عبد الحميد, حدثنا أبو معاوية عن إسماعيل بن سلمة عن الحسن عن عبادة بن الصامت في قول الله تعالى: "ولا تتخذوا آيات الله هزواً". قال: كان الرجل على عهد النبي صلى الله عليه وسلم يقول للرجل: زوجتك ابنتي ثم يقول: كنت لاعباً, ويقول: قد أعتقت, ويقول: كنت لاعباً, فأنزل الله "ولا تتخذوا آيات الله هزواً", قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث من قالهن لاعباً أو غير لاعب, فهن جائزات عليه: الطلاق والعتاق والنكاح" والمشهور في هذا الحديث الذي رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه من طريق عبد الرحمن بن حبيب بن أدرك عن عطاء عن ابن ماهك عن أبي هريرة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث جدهن جد, وهزلهن جد: النكاح والطلاق والرجعة" وقال الترمذي: حسن غريب.
وقوله "واذكروا نعمة الله عليكم", أي في إرساله الرسول بالهدى والبينات إليكم "وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة", أي السنة "يعظكم به" أي يأمركم وينهاكم ويتوعدكم على ارتكاب المحارم, "واتقوا الله", أي فيما تأتون وفيما تذرون, "واعلموا أن الله بكل شيء عليم" أي فلا يخفى عليه شيء من أموركم السرية والجهرية وسيجازيكم على ذلك.
البلوغ إلى الشيء: معناه الحقيقي الوصول إليه، ولا يستعمل البلوغ بمعنى المقاربة إلا مجازاً لعلاقة مع قرينة كما هنا، فإنه لا يصح إرادة المعنى الحقيقي، لأن المرأة إذاً قد بلغت آخر جزء مع قرينة كما هنا، فإنه لا يصح إرادة المعنى الحقيقي، لأن المرأة إذاً قد بلغت آخر جزء من العدة وجاوزته إلى الجزء الذي هو الأجل للإنقضاء فقد خرجت من العدة، ولم يبق للزوج عليها سبيل. قال القرطبي في تفسيره: إن معنى: 231- "بلغن" هنا قاربن بإجماع العلماء. قال: ولأن المعنى يضطر إلى ذلك، لأنه بعد بلوغ الأجل لا خيار له في الإمساك، والإمساك بمعروف: هو القيام بحقوق الزوجية: أي إذا طلقتم النساء فقاربن آخر العدة فلا تضاروهن بالمراجعة من غير قصد لاستمرار الزوجية واستدامتها، بل اختاروا أحد أمرين: إما الإمساك بمعروف من غير قصد لضرار أو التسريح بإحسان: أي تركها حتى تنقضي عدتها من غير مراجعة ضرار، ولا تمسكوهن ضراراً كما كانت تفعل الجاهلية من طلاق المرأة حتى يقرب انقضاء عدتها، ثم مراجعتها لا عن حاجاة ولا لمحبة، ولكن لقصد تطويل العدة وتوسيعها مدة الانتظار "ضراراً" لقصد الاعتداء منكم عليهن والظلم لهن ‌"ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه" لأنه عرضها لعقاب الله وسخطه. قال الزجاج: يعني عرض نفسه للعذاب، لأن إتيان ما نهى الله عنه تعرض لعذاب الله "ولا تتخذوا آيات الله هزواً" أي لا تتخذوا أحكام الله على طريقة الهزؤ، فإنها جد كلها، فمن هزل فيها فقد لزمته- نهاهم سبحانه أن يفعلوا كما كانت الجاهلية تفعل، فإنه كان يطلق الرجل منهم أو يعتق أو يتزوج ويقول كنت لاعباً. قال القرطبي: ولا خلاف بين العلماء أن من طلق هازلاً أن الطلاق يلزمه. قوله: " واذكروا نعمة الله عليكم " أي النعمة التي صرتم فيها بالإسلام وشرائعه بعد أن كنتم في جاهلية جهلاء، وظلمات بعضها فوق بعض والكتاب: هو القرآن. والحكمة قال المفسرون: هي السنة التي سنها لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم "يعظكم به" أي يخوفكم بما أنزل عليكم، وأفراد الكتاب والحكمة بالذكر مع دخولهما في النعمة دخولاً أولياً، تنبيهاً على خطرهما وعظم شأنهما.
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: كان الرجل يطلق امرأته ثم يراجعها قبل انقضاء عدتها ثم يطلقها، فيفعل بها ذلك يضارها ويعطلها، فأنزل الله "وإذا طلقتم النساء" الآية. وأخرج نحوه مالك وابن جرير وابن المنذر عن ثور بن يزيد. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير والبيهقي عن الحسن في قوله: "ولا تمسكوهن ضراراً لتعتدوا" قالك هو الرجل يطلق امرأته فإذا أرادت أن تنقضي عدتها أشهج على رجعتها، يريد أن يطول عليها. وأخرج ابن ماجه وابن جرير والبيهقي عن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما بال أقوام يلعبون بحدود الله يقول: قد طلقتك، قد راجعتك، قد طلقتك، قد راجعتك، ليس هذا طلاق المسلمين، طلقوا المرأة في قبل عدتها". وقد أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن عبادة بن الصامت قال: " كان الرجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول للرجل: زوجتك ابنتي، ثم يقول: كنت لاعباً، ويقول: قد أعتقت، ويقول: كنت لاعباً، فأنزل الله سبحانه: "ولا تتخذوا آيات الله هزواً" فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاث من قالهن لاعباً أو غير لاعب فهن جائزات عليه: الطلاق، والنكاح، والعتاق". وأخرج ابن مردويه عن أبي
الدرداء قال:" كان الرجل يطلق ثم يقول: لعبت ويعتق ثم يقول: لعبت فأنزل الله: "ولا تتخذوا آيات الله هزواً" فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من طلق أو أعتق فقال: لعبت فليس قوله بشيء يقع عليه فيلزمه". وأخرج ابن مردويه أيضاً عن ابن عباس قال: طلق رجل امرأته وهو يلعب لا يريد الطلاق، فأنزل الله ولا تتخذوا آيات الله هزواً فألزمه رسول الله صلى الله عليه وسلم الطلاق. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن مرفوعاً نحو حديث عبادة. وأخرج أبو داود والترمذي وحسنه وابن ماجه والحاكم وصححه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث جدهن جد وهزلهن جد: النكاح، والطلاق، والرجعة".
231. قوله تعالى: " وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن " الآية، نزلت في رجل من الأنصار يدعى ثابت بن يسار طلق امرأته حتى إذا قرب انقضاء عدتها راجعها ثم طلقها، يقصد بذلك مضارتها.
قوله تعالى: " فبلغن أجلهن " أي أشرفن على أن يبن بانقضاء العدة، ولم يرد حقيقة انقضاء العدة، لأن العدة إذا انقضت لم يكن للزوج امساكها، فالبلوغ هاهنا بلوغ مقاربة، وفي قوله تعالى بعد هذا " فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن " حقيقة انقضاء العدة، والبلوغ يتناول المعنيين، يقال: بلغ المدينة إذا قرب منها وإذا دخلها " فأمسكوهن " أي راجعوهن " بمعروف " قيل المراجعة بالمعروف أن يشهد على رجعتها وأن يراجعها بالقول لا بالوطء.
" أو سرحوهن بمعروف " أي اتركوهن حتى تنقضي عدتهن فيكن أملك بأنفسهن " ولا تمسكوهن ضراراً لتعتدوا " أي لا تقصدوا بالرجعة المضارة بتطويل الحبس " ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه " أي أضر بنفسه بمخالفة أمر الله تعالى " ولا تتخذوا آيات الله هزواً " قال الكلبي يعني قوله تعالى: (( فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان )) وكل من خالف أمر الشرع فهو متخذ آيات الله هزواً، قال أبو الدرداء هو أن الرجل كان يطلق امرأته ثم يقول: كنت لاعباً، ويعتق ويقول: مثل ذلك [وينكح ويقول مثل ذلك].
أخبرنا أ بو عبد الله محمد بن الفضل الخرقي أنا أبو الحسن الطيسفوني أخبرنا عبد الله بن عمرو الجوهري أخبرنا أحمد بن علي الكشميهني أخبرنا على بن حجر أخبرنا اسماعيل بن جعفر عن أبي حبيب ابن أردك عن عطاء بن أبي رباح عن ابن ماهك عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ثلاث جدهن جد، وهزلهن جد: الطلاق والنكاح والرجعة ".
" واذكروا نعمة الله عليكم " بالإيمان " وما أنزل عليكم من الكتاب " يعني: القرآن " والحكمة " يعني: السنة، وقيل: مواعظ القرآن " يعظكم به واتقوا الله واعلموا أن الله بكل شيء عليم "
231-" وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن " أي آخر عدتهن ، والأجل يطلق للمدة ولمنتهاها فيقال لعمر الإنسان وللموت الذي به ينتهي قال :
كل حيً مستكمل مدة العمر وموت إذا انتهى أجلـــه
والبلوغ هو الوصول إلى الشيء ، وقد يقال للدنو منه على الاتساع ،وهو المراد في الآية ليصح أو يرتب عليه . " فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف " إذ لا إمساك بعد انقضاء الأجل ، والمعنى فراجعوهن من غير ضرار ، أو خلوهن حتى تنقضي عدتهن من غير تطويل ، وهو إعادة للحكم في بعض صورة للاهتمام به . " ولا تمسكوهن ضراراً " ولا تراجعوهن إرادة الإضرار بهن ،كأن المطلق يترك المعتدة حتى تشارف الأجل ثم يراجعها لتطول العدة عليها ، فنهي عنه بعد الأمر بضده مبالغة . ونصب ضراراً على العلة أو الحال بمعنى مضارين . " لتعتدوا " لتظلموهن بالتطويل أو الإلجاء إلى الإفتداء ، واللام متعلقة بضراراً إذ المراد تقييده . " ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه " بتعريضها للعقاب . " ولا تتخذوا آيات الله هزواً " بالإعراض عنها والتهاون في العمل بما فيها من قولهم لمن لم يجد في الأمر إنما أنت هازئ ، كأنه نهي عن الهزؤ وأراد به الأمر بضده . وقيل ، ( كان الرجل يتزوج ويطلق ويعتق ويقول : كنت ألعب ). وعنه عليه الصلاة والسلام : " ثلاث جدهن جد وهزلهن جد ، الطلاق والنكاح والعتاق " " واذكروا نعمة الله عليكم " التي من جملتها الهداية ، وبعثة محمد صلى الله عليه وسلم بالشكر والقيام بحقوقها . " وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة " القرآن والسنة أفردهما بالذكر إظهاراً لشرفهما . " يعظكم به " بما أنزل عليكم . " واتقوا الله واعلموا أن الله بكل شيء عليم " تأكيد وتهديد .
231. When ye have divorced women, and they have reached their term, then retain them in kindness or release them in kindness. Retain them not to their hurt so that ye transgress (the limits). He who doeth that hath wronged his soul. Make not the revelations of Allah a laughing stock (by your behavior), but remember Allah's grace upon you and that which He hath revealed unto you of the Scripture and of wisdom, whereby He doth exhort you. Observe your duty to Allah and know that Allah is Aware of all things.
231 - When ye divorce women and they fulfil the term of their (Iddat), either take them back on equitable terms or set them free on equitable terms; but don't take then back to injure them, (or) to take undue advantage; if any one does that he wrongs his own soul. do not treat God's signs as a jest, but solemnly rehearse God's favours on you, and the fact that he sent down to you the book and wisdom, for your instruction. and fear God, and know that God is well acquainted with all things.