[البقرة : 230] فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ
(فإن طلقها) الزوج بعد الثنتين (فلا تحل له من بعد) أي بعد الطلقة الثالثة (حتى تنكح) تتزوج (زوجا غيره) ويطأَها كما في الحديث رواه الشيخان (فإن طلقها) أي الزوج الثاني (فلا جناح عليهما) أي الزوجة والزوج الأول (أن يتراجعا) إلى النكاح بعد انقضاء العدة (إن ظنا أن يقيما حدود الله وتلك) المذكورات (حدود الله يبينها لقوم يعلمون) يتدبرون
قوله تعالى فإن طلقها الآية أخرج ابن المنذر عن مقاتل بن حبان قال نزلت هذه الآية في عائشة بنت عبد الرحمن بن عتيك كانت عند رفاعة بن وهب بن عتيك وهوابن عمها فطلقها طلاقا بائنا فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير القرظي فطلقها فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت إنه طلقني قبل أن يمسني أفأرجع إلى الأول قال لا حتى يمس
ونزل فيها فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره فيجامعها فإن طلقها بعد ما جامعها فلا جناح عليهما أن يتراجعا
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل فيما دل عليه هذا القول من الله تعالى ذكره. فقال بعضهم: دل على أنه إن طلق الرجل امرأته التطليقة الثالثة، بعد التطليقتين اللتين قال الله تعالى ذكره فيهما: "الطلاق مرتان" فإن امرأته تلك لا تحل له بعد التطليقة الثالثة، حتى تنكح زوجا غيره- يعني به: غير المطلق. ذكر من قال ذلك:حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قال: جعل الله الطلاق ثلاثا، فإذا طلقها واحدة فهو أحق بها ما لم تنقض العدة، وعدتها ثلاث حيض. فإن انقضت العدة قبل أن يكون راجعها، فقد بانت منه بواحدة، وصارت أحق بنفسها، وصار خاطبا من الخطاب. فكان الرجل إذا أراد طلاق أهله نظر حيضتها، حتى إذا طهرت طلقها تطليقة في قبل عدتها عند شاهدي عدل. فإن بدا له مراجعتها راجعها ما كانت في عدتها، وإن تركها حتى تنقضي عدتها، فقد بانت منه بواحدة. وإن بدا له طلاقها بعد الواحدة وهي في عدتها نظر حيضتها، حتى إذا طهرت طلقها تطليقة أخرى في قبل عدتها. فإن بدا له مراجعتها راجعها، فكانت عنده على واحدة. وإن بدا له طلاقها طلقها الثالثة عند طهرها، فهذه الثالثة التي قال الله تعالى ذكره: لا تحل له حتى تنكح زوجا.حدثنى المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن
أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: "فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره"، يقول: إن طلقها ثلاثا فلا تحل، حتى تنكح زوجا غيره.حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا جويبر، عن الضحاك قال: اذا طلق واحدة أو ثنتين، فله الرجعة ما لم تنقض العدة. قال: والثالثة قوله: "فإن طلقها"- يعني بالثالثة- فلارجعة له عليها حتى تنكح زوجا غيره.حدثنا يحيى بن أبي طالب قال، حدثنا يزيد قال، أخبرنا جويبر، عن الضحاك بنحوه.حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "فإن طلقها"- بعد التطليقتين- "فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره"، وهذه الثالثة. وقال آخرون: بل دل هذا القول على ما يلزم مسرح امرأته بإحسان بعد التطليقتين اللتين قال الله تعالى ذكره فيهما: "الطلاق مرتان". قالوا: وإنما بين الله تعالى ذكره بهذا القول عن حكم قوله: "أو تسريح بإحسان"، واعلم أنه إن سرح الرجل امرأته بعد التطليقتين، فلا تحل له المسرحة كذلك إلا بعد زوج. ذكر من قال ذلك:حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره"، قال: عاد إلى قوله: "فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان".حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله. قال أبو جعفر: والذي قاله مجاهد في ذلك عندنا أولى بالصواب، للذي ذكرنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخبر الذي رويناه عنه أنه قال- أو سئل فقيل: هذا قول الله تعالى ذكره: "الطلاق مرتان" فأين الثالثة؟ قال: "فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان". فأخبر صلى الله عليه وسلم أن الثالثة إنما هي قوله: "أو تسريح بإحسان". فإذ كان التسريح بالإحسان هو الثالثة، فمعلوم أن قوله: "فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره" من الدلالة على التطليقة الثالثة بمعزل، وأنه إنما هو بيان عن الذي يحل !لمسرح بالإحسان إن سرح زوجته بعد التطليقتين، والذي يحرم عليه منها، والحال التي يجوز له نكاحها فيها، واعلائم عباده أن بعد التسريح على ما وصفت، لا رجعة للرجل على امرأته. قال أبو جعفر: فإن قال قائل: فأي النكاحين عنى الله بقوله: "فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره"، النكاح الذي هو جماع، أم النكاح الذي هو عقد تزويج؟ قيل: كلاهما. وذلك أن المرأة إن نكحت رجلا نكاح تزويج، ثم لم يطأها في ذلك النكاح ناكحها، ولم يجامعها حتى يطلقها، لم تحل للأول. وكذلك إن وطئها واطىء بغير نكاح، لم تحل للأول بإجماع الأمة جميعا. فإذ كان ذلك كذلك، فمعلوم أن تأويل قوله: "فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره" نكاحا صحيحا، ثم يجامعها فيه، ثم يطلقها. فإن قال: فإن ذكر الجماع غير موجود في كتاب الله تعالى ذكره، فما الدلالة على أن معناه ما قلت؟. قيل: الدلالة على ذلك إجماع الأمة جميعا على أن ذلك معناه. وبعد، فإن الله تعالى ذكره قال:"فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره " فلو نكحت زوجا غيره بعقب الطلاق قبل انقضاء عدتها، كان لا شك أنها ناكحة نكاحا بغير المعنى الذي أباح الله تعالى ذكره لها ذلك به ، وإن لم يكن ذكر العدة مقرونا بقوله: "فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره "، لدلالته على أن ذلك كذلك بقوله: "والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء". وكذلك قولة: "فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره" وإن لم يكن مقرونا به ذكو الجماع والمباشرة والإفضاء، فقد دل على أن ذلك كذلك، بوحيه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبيانه ذلك على لسانه لعباده. ذكر الأخبار المروية بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. حدثني عبيد الله بن إسماعيل الهباري، وسفيان بن وكيع، وأبو هشام الرفاعي قالوا: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، " عن عائشة قالت: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل طلق امرأته فتزوجت رجلا غيره، فدخل بها ثم طلقها قبل أن يواقعها، أتحل لزوجها الأول؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تحل لزوجها الأول حتى يذوق الآخر عسيلتها وتذوق عسيلته".
حدثني المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه.حدثنا سفيان بن وكيع قال، حدثنا ابن عيينة، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قال: سمعتها تقول: "جاءت امرأة رفاعة القرظي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: كنت عند رفاعة فطلقني فبت طلاقي، فتزوجت عبد الرحمن بن الزبير، وإنما معه مثل هدبة الثوب! فقال لها: تريدين أن ترجعي إلى رفاعة! لا، حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك".
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني الليث قال، حدثني يونس، عن ابن
شهاب، عن عروة، عن عائشة نحوه.حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني الليث قال، حدثني عقيل، عن ابن شهاب قال، حدثني عروة بن الزبير: أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته: أن امرأة رفاعة القرظي جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، فذكر مثله.
حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة: "أن رفاعة القرظي طلق امرأته فبت طلاقها، فتزوجها بعد عبد الرحمن بن الزبير، فجاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا نبي الله- أنها كانت عند رفاعة، فطلقها آخر ثلاث تطليقات- فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير، وإنه والله ما معه يا رسول الله إلا مثل الهدبة فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال لها: لعلك تريدين أن ترجعي إلى رفاعة! لا، حتى تذوقي عسيلته وبذوق عسيلتك. قالت: وأبو بكر جالس عند النبي صلى الله عليه وسلم، وخالد بن سعيد بن العاص بباب الحرجة لم يؤذن له، فطفق خالد ينادي أبا بكر يقول: يا أبا بكر، ألا تزجر هذه عما تجهر به عند رسول الله صلى الله عليه وسلم".
حدثنا محمد بن زيد الأدمي قال، حدثنا يحيى بن سليم، عن عبيد الله، عن القاسم، عن عائشة، "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا، حتى يذوق من عسيلتها ما ذاق الأول ".
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا معتمر بن سليمان قال، سمعت عبيد الله قال، سمعت القاسم يحدث عن عائشة قال: قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا، حتى يذوق من عسيلتها ما ذاق صاحبه ".
حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا يحيى، عن عبيد الله قال، حدثنا القاسم، عن عائشة: "أن رجلا طلق امرأته ثلاثا، فتزوجت زوجا فطلقها قبل أن يمسها، فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتحل للأول؟ قال: لا، حتى يذوق عسيلتها كما ذاق الأول ".
حدثنا سفيان بن وكيع قال، حدثنا موسى بن عيسى الليثي، عن زائدة، عن علي بن زيد،
عن أم محمد، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا طلق الرجل امرأته ثلاثا، لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره، فيذوق كل واحد منهما عسيلة صاحبه".
حدثني العباس بن أبي طالب قال، أخبرنا سعد بن حفص الطلحي قال، أخبرنا شيبان، عن يحيى، عن أبي الحارث الغفاري، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "حتى يذوق عسيلتها". حدثني عبيد بن ادم بن أبي إياس العسقلاني قاله، حدثني أبي قال، حدثنا شيبان قال، حدثنا يحيى بن أبي كثير، عن أبي الحارث الغفاري، عن أبي هريرة قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في المرأة يطلقها زوجها ثلاثا فتتزوج زوجا غيره، فيطلقها قبل أن يدخل بها، فيريد الأول أن يراجعها، قال: لا، حتى يذوق عسيلتها".
حدثني محمد بن إبراهيم الأنماطي قال، حدثنا هشام بن عبد الملك قال، حدثنا محمد بن دينار قال، حدثنا يحيى بن يزيد الهنائي، عن أنس بن مالك، "عن النبي صلى الله عليه وسلم في رجل طلق امرأته ثلاثا،فتروجها آخر فطلقها قبل أن يدخل بها: أترجع إلى زوجها الأول؟ قال: لا، حتى يذوق عسيلتها وتذوق عسيلته".
حدثني يعقوب بن إبراهيم ويعقوب بن ماهان قالا، حدثنا هشيم قال، أخبرنا يحيى بن أبي إسحاق، عن سليمان بن يسار، عن عبيد الله، "عن ابن عباس: أن الغميصاء- أو: الرميصاء- جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تشكو زوجها، وتزعم أنه لا يصل إليها، قال: فما كان إلا يسيرا حتى جاء زوجها فزعم أنها كاذبة، ولكنها تريد أن ترجع إلى زوجها الأول، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس لك، حتى يذوق عسيلتك رجل غيره ".
حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن علقمة بن مرثد، عن سالم بن رزين الأحمري، عن سالم بن عبد الله، عن سعيد بن المسيب، عن ابن عمر، "عن النبي صلى الله عليه وسلم في رجل يتزوج المرأة فيطلقها قبل أن يدخل بها البتة، فتتزوج زوجا آخر فيطلقها قبل أن يدخل بها: أترجع إلى الأول؟ قال: لا، حتى تذوق عسيلته ويذوق عسيلتها".
حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن علقمة بن مرثد، عن رزين الأحمري، عن ابن عمر، " عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه سئل عن الرجل يطلق امرأته ثلاثا، فيتزوجها رجل، فأغلق الباب فطلقها قبل أن يدخل بها: أترجع إلى زوجها الآخر؟ قال: لا، حتى يذوق عسيلتها".
حدثنا ابن بشار قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا سفيان، عن علقمة بن مرثد، عن سليمان بن رزين، " عن ابن عمر: أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب، عن رجل طلق امرأته فتزوجت بعده، ثم طلقها أو مات عنها: أيتزوجها الأول؟ قال: لا، حتى تذوق عسيلته".
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: "فإن طلقها"، فإن طلق المرأة- التي بانت من زوجها بآخر التطليقات الثلاث، بعدما نكحها مطلقها الثاني- زوجها الذي نكحها بعد بينونتها من الأول، "فلا جناح عليهما"، يقول تعالى ذكره: فلا حرج على المرأة التي طلقها هذا الثاني: من بعد بينونتها من الأول، وبعد نكاحه إياها- وعلى الزوج الأول الذي كانت حرمت عليه ببينونتها منه باخر التطليقات، أن يتراجعا بنكاح جديد، كما: حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن ابي طلحة، عن ابن عباس: "فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله" يقول: إذا تزوجت بعد الأول فدخل الآخر بها، فلا حرج على الأول أن يتزوجها إذا طلق الآخر أو مات عنها، فقد حلت له.حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا هشام قال، أخبرنا جويبر، عن الضحاك قال: إذا طلق واحدة أو ثنتين فله الرجعة، ما لم تنقض العدة. قال: والثالثة قوله: "فإن طلقها" يعني الثالثة، فلا رجعة له عليها حتى تنكح زوجا غيره فيدخل بها، "فإن طلقها"، هذا الأخير بعد ما يدخل بها، "فلا جناح عليهما أن يتراجعا"، يعني الأول، "إن ظنا أن يقيما حدود الله". قال أبو جعفر: وأما قوله: "إن ظنا أن يقيما حدود الله"، فإن معناه، إن رجوا مطمعا أن يقيما حدود الله. وإقامتهما حدود الله، العمل بها. وحدود الله ما أمرهما به وأوجب لكل واحد منهما على صاحبه، وألزم كل واحد منهما بسبب النكاح الذي يكون بينهما. وقد بينا معنى الحدود، ومعنى إقامة ذلك، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
وكان مجاهد يقول في تأويل قوله:"إن ظنا أن يقيما حدود الله"، ما:- حدثني به محمد بن عمرو قال،حدثنا أبوعاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: "إن ظنا أن يقيما حدود الله" إن ظنا أن نكاحهما على غير دلسة. حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.قال أبو جعفر: وقد وجه بعض أهل التأويل قوله: "إن ظنا" إلى أنه بمعنى: إن أيقنا. وذلك ما لا وجه له. لأن أحدا لا يعلم ما هو كائن إلا الله تعالى ذكره. فإذ كان ذلك كذلك، فما المعنى الذي به يوقن الرجل والمرأة أنهما إذا تراجعا أقاما حدود الله؟ ولكن معنى ذلك، كما قال تعالى ذكره: "إن ظنا"، بمعنى: طمعا بذلك ورجواه.وأن التي في قوله: "أن يقيما"، في موضع نصب بـ "ظنا". و "أن" التي في "أن يتراجعا"، جعلها بعض أهل العربية في موضع نصب بفقد الخافض، لأن معنى الكلام: فلا جناح عليهما في أن يتراجعا- فلما حذفت في التي كانت تخفضها نصبها، فكأنه قال: فلا جناح عليهما تراجعهما. وكان بعضهم يقول: موضعه خفض، وان لم يكن معها خافضها، وان كان محذوفا فمعروف موضعه. قال أبو جعفر: يعنى تعالى ذكره بقوله: "وتلك حدود الله"، هذه الأمور التي بينها لعباده في الطلاق والرجعة والفدية والعدة والإيلاء وغير ذلك، مما يبينه لهم في هذه الآيات، "حدود الله"- معالم فصول حلاله وحرامه، وطاعته ومعصيته، "يبينها"، يفضلها فيميز بينها، ويعرفهم أحكامها، لقوم يعلمونها إذا بينها الله لهم، فيعرفون أنها من عند الله فيصدقون بها، ويعملون بما أودعهم الله من علمه، دون الذين قد طبع الله على قلوبهم، وقضى عليهم أنهم لا يؤمنون بها، ولا يصدقون بأنها من عند الله، فهم يجهلون أنها من الله، وأنها تنزيل من حكيم حميد. ولذلك خص القوم الذين يعلمون بالبيان دون الذين يجهلون، إذ كان الذين يجهلون أنها من عنده، قد آيس نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم من تصديق كثير منهم بها، وإن كان بينها لهم من وجه الحجة عليهم، ولزوم العمل لهم بها. وإنما أخرجها من أن تكون بيانا لهم، من وجه تركهم الإقرار والتصديق به.
قوله تعالى : " فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره " فيه إحدى عشرة مسألة :
الأولى : احتج بعض مشايخ خراسان من الحنفية بهذه الآية على أن المختلعة يلحقها الطلاق ، قالوا : فشرع الله سبحانه صريح الطلاق بعد المفاداة بالطلاق ، لأن الفاء حرف تعقيب ، فيبعد أن يرجع إلى قوله : " الطلاق مرتان " لأن الذي تخلل من الكلام يمنع بناء قوله : " فإن طلقها" على قوله " الطلاق مرتان " بل الأقرب عوده على ما يليه كما في الاستثناء ولا يعود إلى ما تقدمه إلا بدلالة ، كما أن قوله تعالى : " وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن " [ النساء : 23 ] ، فصار مقصوراً على ما يليه غير عائد على ما تقدمه حتى لا يشترط الدخول في أمهات النساء .
وقد اختلف العلماء بعد الخلع في العدة ، فقالت طائفة : إذا خالع الرجل زوجته ثم طلقها وهي في العدة لحقها الطلاق ما دامت في العدة ، كذلك قال سعيد بن المسيب و شريح و طاوس و النخعي و الزهري و الحكم و حماد و الثوري وأصحاب الرأي ، وفيه قول ثان وهو أن الطلاق لا يلزمها ، وهو قول ابن عباس وابن الزبير و عكرمة و الحسن و جابر بن زيد و الشافعي وأحمد و أبي ثور ، وهو قول مالك إلا أن مالكاً قال : إن افتدت منه على أن يطلقها ثلاثاً متتابعاً نسقاً حين طلقها فذلك ثابت عليه ، وإن كان بين ذلك صمات فما أتبعه بعد الصمات فليس بشيء ، وإنما كان ذلك لأن نسق الكلام بعضه على بعض متصلاً يوجب له حكماً واحداً ، وكذلك إذا اتصل الاستثناء باليمين بالله أثر وثبت له حكم الاستثناء ، وإذا انفصل عنه لم يكن له تعلق بما تقدم من الكلام .
الثانية : المراد بقوله تعالى : " فإن طلقها " الطلقة الثالثة " فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره " وهذا مجمع عليه لا خلاف يه .
واختلفوا فيما يكفي من النكاح ، وما الذي يبيح التحليل ، فقال سعيد بن المسيب ومن وافقه ، مجرد العقد كاف وقال الحسن بن أبي الحسن : لا يكفي مجرد الوطء حتى يكون إنزال ، وذهب الجمهور والكافة من الفقهاء إلى أن الوطء كاف في ذلك وهو التقاء الختانين الذي يوجب الحد والغسل ، ويفسد الصوم والحج ويحصن الزوجين كمال الصداق ، قال ابن العربي : ما مرت بي في الفقه مسألة أعسر منها وذلك أن من أصول الفقه أن الحكم هل يتعلق بأوائل الأسماء أو أواخرها ؟ فإن قلنا إن الحكم يتعلق بأوائل الأسماء لزمنا أن نقول سعيد بن المسيب ، وإن قلنا إن الحكم يتعلق بأواخر الأسماء لزمنا أن نشترط الإنزال مع مغيب الحشفة في الإحلال ، لأنه آخر ذوق العسيلة على ما قاله الحسن قال ابن المنذر : ومعنى ذوق العسيلة هو الوطء ، وعلى هذا جماعة العلماء سعيد بن المسيب فقال : أما الناس فيقولون : لا تحل للأول حتى يجامعها الثاني ، وأنا أقول : إذا تزوجها تزوجاً صحيحاً لا يريد بذلك إحلالها فلا بأس أن يتزوجها الأول ، وهذا قول لا نعلم أحداً وافقه عليه إلا طائفة من الخوارج ، والسنة مستغنى بها عما سواها .
قلت : وقد قال بقول سعيد بن المسيب سعيد بن جبير ، ذكره النحاس في كتاب معاني القرآن له ، قال : وأهل العلم على أن النكاح هاهنا الجماع ، لأنه قال : " زوجا غيره " فقد تقدمت الزوجية فصار النكاح الجماع ، إلا سعيد بن جبير فإنه قال : النكاح هاهنا التزوج الصحيح إذا لم يرد إحلاها .
قلت : وأظنهما لم يبلغهما حديث العسيلة أو لم يصح عندهما فأخذا بظاهر القرآن وهو قوله تعالى : " حتى تنكح زوجا غيره " والله أعلم ، روى الأئمة واللفظ لـ الدارقطني عن عائشة قالت : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا طلق الرجل امرأته ثلاثاً لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره ويذوق كل واحد منهما عسيلة صاحبه "، قال بعض علماء الحنفية ، من عقد على مذهب سعيد بن المسيب فللقاضي أن يفسخه ، ولا يعتبر فيه خلافه لأنه خارج عن إجماع العلماء ، قال علماؤنا : ويفهم من قوله عليه السلام : " حتى يذوق كل واحد منهما عسيلة صاحبه " ، استواؤهما في إدراك لذة الجماع ، وهو حجة لأحد القولين عندنا في أنه لو وطئها نائمة أو مغمى عليها لم تحل لمطلقها ، لأنها لم تذق العسيلة إذا لم تدركها .
الثالثة : روى النسائي عن عبد الله قال : " لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الواشمة والمستوشمة والواصلة والمستوصلة وآكل الربا ومؤكله ومحلله والمحلل له " ، وروى الترمذي عن عبد الله بن مسعود قال : " لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المحلل والمحلل له " ، وقال : هذا حديث حسن صحيح ، وقد روي هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه ، والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، منهم عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعبد الله بن عمر وغيرهم ، وهو قول الفقهاء من التابعين ، وبه يقول سفيان الثوري و ابن المبارك و الشافعي و مالك و أحمد و إسحاق ، وسمعت الجارود يذكر عن وكيع أنه قال بهذا ، وقال : ينبغي أن يرمى بهذا الباب من قول أصحاب الرأي وقال سفيان : إذا تزوج الرجل المرأة ليحلها ثم بدا له أن يمسكها فلا تحل له حتى يتزوجها بنكاح جديد .
قال أبو عمر بن عبد البر : اختلف العلماء في نكاح المحلل ، فقال مالك : المحلل لا يقيم على نكاحه حتى يستقبل نكاحاً جديداً ، فإن أصابها فلها مهر مثلها ، ولا تحلها إصابته لزوجها الأول ، وسواء علما أو لم يعلما إذا تزوجها ليحلها ، ولا يقر على نكاحه ويفسخ ، وبه قال الثوري و الأوزاعي وفيه قول ثان روي عن الثوري في نكاح الحيار والمحلل أن النكاح جائز والشرط باطل ، وهو قول ابن أبي ليلى في ذلك وفي نكاح المتعة ، وروي عن الأوزاعي في نكاح المحلل : بئس ما صنع والنكاح جائز ، وقال أبو حنيفة و أبو يوسف و محمد : النكاح جائز إن دخل بها ،وله أن يمسكها إن شاء ، وقال أبو حنيفة مرة هو وأصحابه : لا تحل للأول إن تزوجها ليحلها ، ومرة قالوا : تحل له بهذا النكاح إذا جامعها وطلقها ، ولم يختلفوا في أن نكاح هذا الزوج صحيح ، وأن له أن يقيم عليه وفيه قول ثالث قال الشافعي : إذا قال أتزوجك لأحلك ثم لا نكاح بيننا بعد ذلك فهذا ضرب من نكاح المتعة ، وهو فاسد لا يقر عليه ويفسخ ، ولو وطئ على هذا لم يكن تحليلاً ، فإن تزوجها تزوجاً مطلقاً لم يشترط ولا اشتراط عليه التحليل فلـ الشافعي في ذلك قولان في كتابه القديم : أحدهما مثل قول مالك ، والآخر مثل قول أبو حنيفة ، ولم يختلف قوله في كتابه الجديد المصري أن النكاح صحيح إذا لم يشترط ، وهو قول داود .
قلت : وحكى الماوردي عن الشافعي أنه إن شرط التحليل قبل العقد صح النكاح وأحلها للأول ، وإن شرطاه في العقد بطل النكاح ولم يحلها للأول ، قال : وهو قول الشافعي : وقال الحسن و إبراهيم : إذا هم أحد الثلاثة بالتحليل فسد النكاح ، وهذا تشديد ، وقال سالم و القاسم : لا بأس أن يتزوجها ليحلها إذا لم يعلم الزوجان وهو مأجور ، وبه قال ربيعة بن سعيد ، وقاله داود بن علي إذا لم يظهر ذلك في أشتراطه في حين العقد .
الرابعة : مدار جواز التحليل عند علمائنا على الزوج الناكح ، وسواء شرط ذلك أو نواه ، ومتى كان شيء من ذلك فسد نكاحه ولم يقر عليه ولم يحلل وطؤه المرأة لزوجها ، وعلم الزوج المطلق وجهله في ذلك سواء ، وقد قيل : إنه ينبغي له إذا علم أن الناكح لها لذلك تزوجها أن يتنزه عن مراجعتها ، ولا يحلها عند مالك إلا نكاح رغبة لحاجته إليها ، ولا يقصد به التحليل ، ويكون وطؤه لها وطأ مباحاً ، لا تكون صائمة ولا محرمة ولا في حيضتها ، ويكون الزوج بالغاً مسلماً ، وقال الشافعي : إذا أصابها بنكاح صحيح وغيب الحشفة في فرجها فقد ذاقاً العسيلة ، وسواء في ذلك قوي النكاح وضعيفه ، وسواء أدخله بيده أم بيدها ، وكان من صبي أو مراهق أو مجبوب بقي له ما يغيبه كما يغيب غير الخصي ، وسواء أصابها الزوج محرمة أوصائمة ، وهذا كله على ما وصف الشافعي قول أبو حنيفة وأصحابه و الثوري و الأوزاعي و الحسن بن صالح وقوله بعض أصحاب مالك .
الخامسة : قال ابن حبيب : وإن تزوجها فإن أعجبته أمسكها ، وإلا كان قد احتسب في تحليلها الأجر لم يجز ، لما خالط نكاحه من نية التحليل ولا تحل بذلك للأول .
السادسة : وطء السيد لأمته التي قد بت زوجها طلاقها لا يحل ، إذ ليس بزوج ، روي عن علي بن أبي طالب ، وهو قول عبيدة و مسروق و الشعبي و إبراهيم و جابر بن زيد و سليمان بن يسار و حماد بن أبي سليمان و أبي الزناد ، وعليه جماعة فقهاء الأمصار ، ويروى عن عثمان وزيد بن ثابت والزبير خلاف ذلك ، وأنه يحلها إذا غشيها سيدها غشياناً لا يريد بذلك مخادعة ولا إحلالاً ، وترجع إلى زوجها بخطبة وصداق ، والقول الأول أصح ، لقوله تعالى : " حتى تنكح زوجا غيره " والسيد إنما تسلط بملك اليمين وهذا واضح .
السابعة : في موطأ مالك أنه بلغه أن سعيد بن المسيب و سليمان بن يسار سئلا عن رجل زوج عبداً له جارية له فطلقها العبد البتة ثم وهبها سيدها له هل تحل له بملك اليمين ؟ فقالا : لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره .
الثامنة : روي عن مالك أنه سأل ابن شهاب عن رجل كانت تحته أمة مملوكة فاشتراها وقد كان طلقها واحدة ، فقال : تحل له بملك يمينه ما لم يبت طلاقها ، فإن بت طلاقه افلا تحل له بملك يمينه حتى تنكح زوجاً غيره ، قال أبو عمر ، وعلى هذا جماعة العلماء وأئمة الفتوى ، مالك و الثوري و الأوزاعي و الشافعي و أبو حنيفة و أحمد و إسحاق و أبو ثور ، وكان ابن عباس و عطاء و طاوس و الحسن يقولون : إذا اشتراها الذي بت طلاقها حلت له بملك اليمين ، على عموم قوله عز وجل : " أو ما ملكت أيمانكم " [ النساء : 3 ] ، قال أبو عمر : وهذا خطأ من القول ، لأن قوله عز وجل : " أو ما ملكت أيمانكم " لا يبيح الأمهات ولا الأخوات ، فكذلك سائر المحرمات .
التاسعة : إذا طلق المسلم زوجته الذمية ثلاثاً فنكحها ذمي ودخل بها ثم طلقها ، فقالت طائفة : الذمي زوج لها ، ولها أن ترجع إلى الأول ، هكذا قال الحسن و الزهري و سفيان الثوري و الشافعي و أبو عبيد وأصحاب الرأي ، قال ابن المنذر : وكذلك نقول : لأن الله تعالى قال : " حتى تنكح زوجا غيره " والنصراني زوج وقال مالك و ربيعة : لا يحلها .
العاشرة : النكاح الفاسد لا يحل المطلقة ثلاثاً في قول الجمهور ، مالك و الثوري و الشافعي و الأوزاعي وأصحاب الرأي و أحمد و إسحاق و أبي عبيد ، كلهم يقولون : لا تحل للزوج الأول إلا بنكاح صحيح ، وكان الحكم يقول : هو زوج قال ابن المنذر : ليس بزوج ، لأن أحكام الأزواج في الظهار والإيلاء واللعان غير ثابتة بينهما ، وأجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم أن المرأة إذا قالت للزوج الأول : قد تزوجت ودخل علي زوجي وصدقها أنها تحل للأول ، قال الشافعي : الورع ألا يفعل إذا وقع في نفسه أنها كذبته .
الحادية عشرة : جاء عن عمر بن الخطاب في هذا الباب تغليظ شديد وهو قوله : لا أوتى بمحلل ولا محلل له إلا رجمتهما وقال ابن عمر : التحليل سفاح ، لا يزالان زانيين ولو أقاما عشرين سنة ، قال أبو عمر : لا يحتمل قول عمر إلا التغليظ ، لأنه قد صح عنه أنه وضع الحد عن الواطئ فرجاً حراماً قد جهل تحريمه وعذره بالجهالة ، فالتأويل أولى بذلك ، ولا خلاف أنه لا رجم عليه .
قوله تعالى : " فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون " فيه أربع مسائل :
الأولى : قوله تعالى : " فإن طلقها " يريد الزوج الثاني : " فلا جناح عليهما " أي المرأة والزوج الأول ، قاله ابن عباس ، ولا خلاف فيه قال ابن المنذر : أجمع أهل العلم على أن الحر إذا طلق زوجته ثلاثاً ثم انقضت عدتها ونكحت زوجاً آخر ودخل بها ثم فارفها وانقضت عدتها ثم نكحت زوجها الأول أنها تكون عنده على ثلاث تطليقات .
واختلفوا في الرجل يطلق امرأته تطليقة أو تطليقتين ثم تتزوج غيره ثم ترجع إلى زوجها الأول ، فقالت طائفة : تكون على ما بقي من طلاقها ، وكذلك قال الأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب ، وأبي بن كعب وعمران بن حصين وأبو هريرة ، ويروى عن زيد بن ثابت ومعاذ بن جبل وعبد الله بن عمرو بن العاص ، وبه قال عبيدة السلماني و سعيد بن المسيب و الحسن البصري و مالك و سفيان الثوري و ابن أبي ليلى و الشافعي و أحمد و إسحاق و أبو عبيدة و أبو ثور و محمد بن الحسن و ابن نصر ، وفيه قول ثان وهو أن النكاح جديد والطلاق جديد ، هذا قول ابن عمر وابن عباس ، وبه قال عطاء و النخعي و شريح و النعمان و يعقوب ، وذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا أبو معاوية و وكيع عن الأعمش عن إبراهيم قال : كان أصحاب عبد الله يقولون : أيهدم الزوج الثلاث ، ولا يهدم الواحدة والاثنتين ! قال : وحدثنا حفص عن حجاج عن طلحة عن إبراهيم أن أصحاب عبد الله كانوا يقولون : يهدم الزوج الواحد والاثنتين كما يهدم الثلاث ، إلا عبيدة فإنه قال : هي على ما بقي من طلاقها ، ذكره أبو عمر قال ابن المنذر : وبالقول الأول أقول : وفيه قول ثالث وهو : إن كان دخل بها الأخير فطلاق جديد ونكاح جديد ، وإن لم يكن دخل بها فعلى ما بقي ، هذا قول إبرهيم النخعي .
الثانية : قوله تعالى : " إن ظنا أن يقيما حدود الله " شرط ، قال طاوس : إن ظنا أن كل واحد منهما يحسن صاحبه ، وقيل : حدود الله فرائضه ، أي إذا علما أنه يكون بينهما الصلاح بالنكاح الثاني ، فمتى علم الزوج أنه يعجز عن نفقة زوجته أو صداقها أو شيء من حقوقها الواجبة عليه فلا يحل له أن يتزوجها حتى يبين لها ، أو يعلم من نفسه القدرة على أداء حقوقها ، وكذلك لو كانت به علة تمنعه من الاستمتاع كان عليه أن يبين ، كيلا يغر المرأة من نفسه ، وكذلك لا يجوز أن يغرها بنسب يدعيه ولا مال له ولا صناعة يذكرها وهو كاذب فيها ، وكذلك يجب على المرأة إذا علمت من نفسها العجز عن قيامها بحقوق الزوج ، أو كان بها علة تمنع الاستمتاع من جنون أو جذام أو برص أو داء في الفرج لم يجز لها أن تغره وعليها أن تبين له ما بها من ذلك ، كما يجب على بائع السلعة أن يبين ما بسلعته من العيوب ، ومتى وجد أحد الزوجين بصاحبة عيباً فله الرد ، فإن كان العيب بالرجل فلها الصداق إن كان دخل بها ، وإن لم يدخل بها فلها نصفه ، وإن كان العيب بالمرأة ردها الزوج وأخذ ما كان أعطاها من الصداق ، وقد " روي أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج امرأة من بني غفار ، فوجد بكشحها برصاً فردها وقال :دلستم علي " ،
واختلفت الرواية عن مالك في امرأة العنين إذا سلمت نفسها ثم فرق بينهما بالعنة ، فقال مرة : لها جميع الصداق ، وقال مرة : لها نصف الصداق ، وهذا ينبني على إختلاف قوله : بم تستحق الصداق بالتسليم أو الدخول ؟ قولان .
الثالثة : قال ابن خويزمنداد ، واختلف أصحابنا هل على الزوجة خدمة أو لا ؟ فقال بعض أصحابنا : ليس على الزوجة خدمة ؟ وذلك أن العقد يتناول الاستمتاع لا الخدمة ، ألا ترى أنه ليس بعقد إجارة ولا تملك رقبة ، وإنما هو عقد على الاستمتاع ، والمستحق بالعقد هو الاستمتاع دون غيره ، فلا تطالب بأكثر منه ، ألا ترى إلى قوله تعالى : " فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا " [ النساء : 34 ] ، وقال بعض أصحابنا : عليها خدمة مثلها ، فإن كانت شريفة المحل ليسار أبوة أو ترفه فعليها التدبير للمنزل وأمر الخادم وإن كانت متوسطة الحال فعليها أن تفرش ونحو ذلك ،وإن كانت دون ذلك فعليها أن تقم البيت وتطبخ وتغسل ، وإن كانت من نساء الكرد والديلم والجبل في بلدهن كلفت ما يكلفه نساؤهم ، وذلك أن الله تعالى قال : " ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف " وقد جرى عرف المسلمين في بلدانهم في قديم الأمر وحديثه بما ذكرنا ÷ ألا ترى أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يتكلفون الطحين والخبيز والطبيخ وفرش الفراش وتقريب الطعام وأشباه ذلك ، ولا نعلم امرأة امتنعت من ذلك ، ولا يسوغ لها الامتناع بل كانوا يضربون نساءهم إذا قصرن في ذلك ويأخذونهن بالخدمة ، فلولا أنها مستحقة لما طالبوهن ذلك .
الرابعة : قوله تعالى : " وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون " حدود الله : ما منع منه ، والحد مانع من الإجتراء على الفواحش ، وأحدت المرأة ، امتنعت من الزينة ، ورجل محدود ، ممنوع من الخير ، والبواب حداد أي مانع ، وقد تقدم هذا مستوفى وإنما قال : " لقوم يعلمون " لأن الجاهل إذا كثر له أمره ونهيه فإنه لا يحفظه ولا يتعاهده ، والعالم يحفظ ويتعاهد ، فلهذا المعنى خاطب العلماء ولم يخاطب الجهال .
وقوله تعالى: "فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره" أي أنه إذا طلق الرجل امرأته طلقة ثالثة بعد ما أرسل عليها الطلاق مرتين, فإنها تحرم عليه "حتى تنكح زوجاً غيره", أي حتى يطأها زوج آخر في نكاح صحيح, فلو وطئها واطئ في غير نكاح ولو في ملك اليمين, لم تحل للأول, لأنه ليس بزوج, وهكذا لو تزوجت ولكن لم يدخل بها الزوج لم تحل للأول, واشتهر بين كثير من الفقهاء عن سعيد بن المسيب رحمه الله أنه يقول: يحصل المقصود من تحليلها للأول بمجرد العقد على الثاني, وفي صحته عنه نظر , على أن الشيخ أبا عمر بن عبد البر قد حكاه عنه في الاستذكار , والله أعلم. وقد قال أبو جعفر بن جرير رحمه الله: حدثنا ابن بشار حدثنا محمد بن جعفر عن شعبة, عن علقمة بن مرثد, عن سالم بن رزين عن سالم بن عبد الله, عن سعيد بن المسيب, عن ابن عمر, عن النبي صلى الله عليه وسلم, في الرجل يتزوج المرأة فيطلقها قبل أن يدخل بها البتة, فيتزوجها زوج آخر , فيطلقها قبل أن يدخل بها, أترجع إلى الأول؟ قال "لا, حتى تذوق عسيلته ويذوق عسيلتها" هكذا وقع في رواية ابن جرير, وقد رواه الإمام أحمد فقال: حدثنا محمد بن جعفر, حدثنا شعبة عن علقمة بن مرثد , قال: سمعت سالم بن رزين يحدث عن سالم بن عبد الله يعني ابن عمر , عن سعيد بن المسيب, عن ابن عمر , عن النبي صلى الله عليه وسلم, في الرجل تكون له المرأة فيطلقها ثم يتزوجها رجل فيطلقها قبل أن يدخل بها, فترجع إلى زوجها الأول, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "حتى تذوق العسيلة" وهكذا رواه النسائي عن عمرو بن علي الفلاس وابن ماجه, عن محمد بن بشار بندار, كلاهما عن محمد بن جعفر غندر , عن شعبة به, كذلك فهذا من رواية سعيد بن المسيب عن ابن عمرو مرفوعاً على خلاف ما يحكى عنه, فبعيد أن يخالف ما رواه بغير مستند, والله أعلم. وقد روى أحمد أيضاً والنسائي وابن جرير هذا الحديث من طريق سفيان الثوري عن علقمة بن مرثد , عن رزين بن سليمان الأحمدي, عن ابن عمر, قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل يطلق امرأته ثلاثاً, فيتزوجها آخر , فيغلق الباب, ويرخي الستر, ثم يطلقها قبل أن يدخل بها, هل تحل للأول ؟ قال "لا, حتى تذوق العسيلة", وهذا لفظ أحمد, وفي رواية لأحمد سليمان بن رزين.
(حديث آخر) ـ قال الإمام أحمد: حدثنا عفان, حدثنا محمد بن دينار , حدثنا يحيى بن يزيد الهنائي عن أنس بن مالك, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن رجل كانت تحته امرأة فطلقها ثلاثاً, فتزوجت بعده رجلاً فطلقها قبل أن يدخل بها, أتحل لزوجها الأول ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا, حتى يكون الاخر قد ذاق من عسيلتها وذاقت من عسيلته". وهكذا رواه ابن جرير عن محمد بن إبراهيم الأنماطي عن هشام بن عبد الملك, حدثنا محمد بن دينار , فذكره (قلت) ومحمد بن دينار بن صندل أبو بكر الأزدي ثم الطاحي البصري ويقال له ابن أبي الفرات, اختلفوا فيه, فمنهم من ضعفه, ومنهم من قواه وقبله وحسن له, وذكر أبو داود أنه قبل موته, فالله أعلم,
(حديث آخر) ـ قال ابن جرير: حدثنا عبيد بن آدم بن أبي أياس العسقلاني, حدثنا أبي, حدثنا شيبان, حدثنا يحيى بن أبي كثير, عن أبي الحارث الغفاري عن أبي هريرة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم, في المرأة يطلقها زوجها ثلاثاً, فتتزوج غيره فيطلقها قبل أن يدخل بها, فيريد الأول أن يراجعها. قال "لا, حتى يذوق الاخر عسيلتها" ثم رواه من وجه آخر عن شيبان وهو ابن عبد الرحمن به ـ وأبو الحارث غير معروف ـ.
(حديث آخر) ـ قال ابن جرير: حدثنا يحيى عن عبيد الله, حدثنا القاسم عن عائشة: أن رجلاً طلق امرأته ثلاثاً, فتزوجت زوجاً, فطلقها قبل أن يمسها, فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتحل للأول ؟ فقال "لا, حتى يذوق من عسيلتها كما ذاق الأول" أخرجه البخاري ومسلم والنسائي من طرق عن عبد الله بن عمر العمري عن القاسم بن عبد الرحمن بن أبي بكر عن عمته عائشة به.
(طريق أخرى) ـ قال ابن جرير: حدثنا عبيد الله بن إسماعيل الهباري وسفيان بن وكيع وأبو هشام الرفاعي, قالوا: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش, عن إبراهيم, عن الأسود, عن عائشة قالت: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن رجل طلق امرأته, فتزوجت رجلاً غيره, فدخل بها ثم طلقها قبل أن يواقعها, أتحل لزوجها الأول ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تحل لزوجها الأول حتى يذوق الاخر عسيلتها وتذوق عسيلته", وكذا رواه أبو داود عن مسدد والنسائي عن أبي كريب, كلاهما عن أبي معاوية وهو محمد بن حازم الضرير به.
(طريق أخرى) ـ قال مسلم في صحيحه: حدثنا محمد بن العلاء الهمداني, حدثنا أبو أسامة عن هشام, عن أبيه, عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم, سئل عن المرأة يتزوجها الرجل فيطلقها, فتتزوج رجلاً فيطلقها قبل أن يدخل بها, أتحل لزوجها الأول ؟ قال "لا حتى يذوق عسيلتها", قال مسلم: وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة, حدثنا أبو فضيل, وحدثنا أبو كريب, حدثنا أبو معاوية جميعاً عن هشام بهذا الإسناد, وقد رواه البخاري من طريق أبي معاوية محمد بن حازم عن هشام به, وتفرد به مسلم من الوجهين الاخرين, وهكذا رواه ابن جرير من طريق عبد الله بن المبارك عن هشام بن عروة, عن أبيه, عن عائشة مرفوعاً بنحوه أو مثله ـ وهذا إسناد جيد ـ, وكذا ورواه ابن جرير أيضاً من طريق علي بن زيد بن جدعان عن امرأة أبيه أمينة أم محمد, عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله, وهذا السياق مختصر من الحديث الذي رواه البخاري, حدثنا عمرو بن علي, حدثنا يحيى عن هشام بن عروة, حدثني أبي عن عائشة مرفوعاً عن النبي صلى الله عليه وسلم, وحدثنا عثمان بن أبي شيبة, حدثنا عبدة عن هشام بن عروة عن أبيه, عن عائشة, أن رفاعة القرظي تزوج امرأة ثم طلقها, فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له إنه لا يأيتها وأنه ليس معه إلا مثل هدبة الثوب, فقال "لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك" تفرد به من هذا الوجه.
(طريق أخرى) ـ قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الأعلى عن معمر , عن الزهري, عن عروة, عن عائشة, قالت: دخلت امرأة رفاعة القرظي وأنا وأبو بكر عند النبي صلى الله عليه وسلم, فقالت: إن رفاعة طلقني البتة, وإن عبد الرحمن بن الزبير تزوجني, وإنما عنده مثل الهدبة, وأخذت هدبة من جلبابها, وخالد بن سعيد بن العاص بالباب لم يؤذن له, فقال: يا أبا بكر , ألا تنهى هذه عما تجهر به بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم, فما زاد رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التبسم, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "كأنك تريدين أن ترجعي إلى رفاعة, لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك", وهكذا رواه البخاري من حديث عبد الله بن المبارك ومسلم من حديث عبد الرزاق والنسائي من حديث يزيد بن زريع, ثلاثتهم عن معمر به, وفي حديث عبد الرزاق عند مسلم, أن رفاعة طلقها آخر ثلاث تطليقات, وقد رواه الجماعة إلا أبو داود من طريق سفيان بن عيينة والبخاري من طريق عقيل ومسلم من طريق يونس بن يزيد, وعنده آخر ثلاث تطليقات, والنسائي من طريق أيوب بن موسى, ورواه صالح بن أبي الأخضر , كلهم عن الزهري عن عروة عن عائشة به. وقال مالك, عن المسور بن رفاعة القرظي, عن الزبير بن عبد الرحمن بن الزبير: أن رفاعة بن سموأل طلق امرأته تميمة بنت وهب في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثاً, فنكحت عبد الرحمن بن الزبير فاعترض عنها فلم يستطع أن يمسها ففارقها, فأراد رفاعة بن سموأل أن ينكحها وهو زوجها الأول الذي كان طلقها فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنهاه عن تزوجها, وقال "لا تحل لك حتى تذوق العسيلة" هكذا رواه أصحاب الموطأ عن مالك, وفيه انقطاع وقد رواه إبراهيم بن طهمان وعبد الله بن وهب عن مالك, عن رفاعة, عن الزبير بن عبد الرحمن بن الزبير, عن أبيه فوصله.
(فصل) والمقصود من الزوج الثاني أن يكون راغباً في المرأة, قاصداً لدوام عشرتها, كما هو المشروع من التزويج, واشترط الإمام مالك مع ذلك, أن يطأها الثاني وطأً مباحاً, فلو وطئها وهي محرمة أو صائمة أو معتكفة أو حائض أو نفساء أو الزوج صائم أو محرم أو معتكف لم تحل للأول بهذا الوطء, وكذا لو كان الزوج الثاني ذمياً لم تحل للمسلم بنكاحه, لأن أنكحة الكفار باطلة عنده, واشترط الحسن البصري فيما حكاه عنه الشيخ أبو عمر بن عبد البر أن ينزل الزوج الثاني وكأنه تمسك بما فهمه من قوله عليه الصلاة والسلام "حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك" ويلزم على هذا أن تنزل المرأة أيضاً, وليس المراد بالعسيلة المني, لما رواه الإمام أحمد والنسائي عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ألا إن العسيلة الجماع" فأما إذا كان الثاني إنما قصده أن يحلها للأول, فهذا هو المحلل الذي وردت الأحاديث بذمه ولعنه ومتى صرح بمقصوده في العقد بطل النكاح عند جمهور الأئمة.
ذكر الأحاديث الواردة في ذلك
(الحديث الأول) عن ابن مسعود رضي الله عنه. قال الإمام أحمد: حدثنا الفضل بن دكين, حدثنا سفيان عن أبي قيس عن الهزيل عن عبد الله قال: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم: الواشمة والمستوشمة والواصلة والمستوصلة والمحلل والمحلل له وآكل الربا وموكله". ثم رواه أحمد والترمذي والنسائي من غير وجه عن سفيان وهو الثوري عن أبي قيس واسمه عبد الرحمن بن ثروان الأودي عن هزيل بن شرحبيل الأودي عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم به, ثم قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. قال: والعمل على هذا عند أهل العلم من الصحابة منهم عمر وعثمان وابن عمر , وهو قول الفقهاء من التابعين, ويروى ذلك عن علي وابن مسعود وابن عباس.
(طريق أخرى) عن ابن مسعود. قال الإمام أحمد: حدثنا زكريا بن عدي, حدثنا عبيد الله عن عبد الكريم عن أبي الواصل عن ابن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لعن الله المحلل والمحلل له".
(طريق أخرى) ـ روى الإمام أحمد والنسائي من حديث الأعمش عن عبد الله بن مرة عن الحارث الأعور عن عبد الله بن مسعود, قال: آكل الربا وموكله وشاهداه وكاتبه إذا علموا به, والواصلة والمستوصلة, ولاوي الصدقة والمعتدي فيها, والمرتد على عقبيه أعرابياً بعد هجرته, والمحلل والمحلل له, ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم يوم القيامة.
(الحديث الثاني) عن علي رضي الله عنه, قال الإمام أحمد, حدثنا عبد الرزاق أخبرنا سفيان عن جابر عن الشعبي عن الحارث عن علي قال: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه, والواشمة والمستوشمة للحسن, ومانع الصدقة, والمحلل والمحلل له, وكان ينهى عن النوح". وكذا رواه عن غندر عن شعبة عن جابر وهو ابن يزيد الجعفي عن الشعبي عن الحارث عن علي به, وكذا رواه من حديث إسماعيل بن أبي خالد وحصين بن عبد الرحمن ومجالد بن سعيد وابن عون, عن عامر الشعبي به, وقد رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث الشعبي به. ثم قال أحمد: أخبرنا محمد بن عبد الله, أخبرنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي, قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحب الربا وآكله وكاتبه وشاهده, والمحلل والمحلل له.
(الحديث الثالث) عن جابر رضي الله عنه. قال الترمذي: أخبرنا أبو سعيد الأشج, أخبرنا أشعث بن عبد الرحمن بن يزيد الأيامي, حدثنا مجالد عن الشعبي عن جابر بن عبد الله, وعن الحارث عن علي: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن المحلل والمحلل له", ثم قال: وليس إسناده بالقائم. ومجالد ضعفه غير واحد من أهل العلم منهم أحمد بن حنبل, قال: ورواه ابن نمير عن مجالد عن الشعبي عن جابر بن عبد الله عن علي, قال: وهذا وهم من ابن نمير, والحديث الأول أصح.
(الحديث الرابع) عن عقبة بن عامر رضي الله عنه. قال أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجه, حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح المصري, أخبرنا أبي, سمعت الليث بن سعد يقول: أبو المصعب مشرح وهو ابن هاعان, قال عقبة بن عامر, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ألا أخبركم بالتيس المستعار ؟ قالوا: بلى يا رسول صلى الله عليه وسلم, قال: هو المحلل, لعن الله المحلل والمحلل له" تفرد به ابن ماجه, كذا رواه إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني عن عثمان بن صالح عن الليث به, ثم قال: كانوا ينكرون على عثمان في هذا الحديث إنكاراً شديداً. (قلت) عثمان هذا أحد الثقات, روى عنه البخاري في صحيحه ثم قد تابعه غيره, فرواه جعفر الفريابي عن العباس المعروف بابن فريق, عن أبي صالح عبد الله بن صالح, عن الليث به فبرئ من عهدته, والله أعلم.
(الحديث الخامس) عن ابن عباس رضي الله عنهما. قال ابن ماجه: حدثنا محمد بن بشار, حدثنا أبو عامر عن زمعة بن صالح عن سلمة بن وهرام عن عكرمة "عن ابن عباس, قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المحلل والمحلل له".
(طريق أخرى) ـ قال الإمام الحافظ خطيب دمشق أبو إسحاق إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني السعدي: حدثنا ابن أبي مريم, حدثنا إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حنيفة عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نكاح المحلل, قال: "لا, إلا نكاح رغبة لا نكاح دلسة, ولا استهزاء بكتاب الله ثم يذوق عسيلتها" ويتقوى هذان الإسنادان بما رواه أبو بكر بن أبي شيبة عن حميد عن عبد الرحمن عن موسى بن أبي الفرات عن عمرو بن دينار عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه من هذا, فيتقوى كل من هذا المرسل والذي قبله بالاخر , والله أعلم.
(الحديث السادس) عن أبي هريرة رضي الله عنه. قال الإمام أحمد: حدثنا أبو عامر, حدثنا عبد الله هو ابن جعفر عن عثمان بن محمد المقبري عن أبي هريرة قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المحلل والمحلل له, وهكذا رواه أبو بكر بن أبي شيبة والجوزجاني البيهقي من طريق عبد الله بن جعفر القرشي وقد وثقه أحمد بن حنبل وعلي بن المديني ويحيى بن معين وغيرهم, وأخرج له مسلم في صحيحه عن عثمان بن محمد الأخنسي وثقه ابن معين عن سعيد المقبري وهو متفق عليه.
(الحديث السابع) عن ابن عمر رضي الله عنهما. قال الحاكم في مستدركه, حدثنا أبو العباس الأصم, حدثنا محمد بن إسحاق الصغاني, حدثنا سعيد بن أبي مريم حدثنا أبو يمان محمد بن مطرف المدني عن عمر بن نافع عن أبيه أنه قال: جاء رجل إلى ابن عمر فسأله عن رجل طلق امرأته ثلاثاً فتزوجها أخ له من غير مؤامرة منه ليحلها لأخيه, هل تحل للأول ؟ فقال: لا إلا نكاح رغبة كنا نعد هذا سفاحاً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم, ثم قال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه, وقد رواه الثوري عن عبد الله بن نافع عن أبيه عن ابن عمر به, وهذه الصيغة مشعرة بالرفع وهكذا روى أبو بكر بن أبي شيبة والجوزجاني وحرب الكرماني وأبو بكر الأثرم من حديث الأعمش عن المسيب بن رافع عن قبيصة بن جابر, عن عمر أنه قال: لا أوتى بمحلل ولا محلل له إلا رجمتهما, وروى البيهقي من حديث ابن لهيعة عن بكير بن الأشج عن سليمان بن يسار , أن عثمان بن عفان رفع إليه رجل تزوج امرأة ليحلها لزوجها ففرق بينهما وكذا روي عن علي وابن عباس وغير واحد من الصحابة رضي الله عنهم.
وقوله "فإن طلقها" أي الزوج الثاني بعد الدخول بها "فلا جناح عليهما أن يتراجعا" أي المرأة والزوج الأول "إن ظنا أن يقيما حدود الله" أي يتعاشرا بالمعروف. قال مجاهد إن ظنا أن نكاحهما على غير دلسة "وتلك حدود الله" أي شرائعه وأحكامه "يبينها" أي يوضحها "لقوم يعلمون".
وقد اختلف الأئمة رحمهم الله فيما إذا طلق الرجل امرأته طلقة أو طلقتين وتركها حتى انقضت عدتها, ثم تزوجت بآخر, فدخل بها ثم طلقها فانقضت عدتها, ثم تزوجها الأول, هل تعود إليه بما بقي من الثلاث, كما هو مذهب مالك والشافعي وأحمد بن حنبل, وهو قول طائفة من الصحابة رضي الله عنهم, أو يكون الزوج الثاني قد هدم ما قبله من الطلاق, فإذا عادت إلى الأول تعود بمجموع الثلاث, كما هو مذهب أبي حنيفة وأصحابه رحمهم الله, وحجتهم أن الزوج الثاني إذا هدم الثلاث فلأن يهدم ما دونها بطريق الأولى والأحرى, والله أعلم.
قوله تعالى: 230- "فإن طلقها" أي الطلقة الثالثة التي ذكرها سبحانه بقوله: "أو تسريح بإحسان" أي فإن وقع منه ذلك فقد حرمت عليه بالتثليث "فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره" أي حتى تتزوج بزوج آخر. وقد أخذ بظاهر الآية سعيد بن المسيب ومن وافقه قالوا: يكفي مجرد العقد لأنه المراد بقوله: "حتى تنكح زوجاً غيره" وذهب الجمهور من السلف والخلف إلى أنه لا بد مع العقد من الوطء لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من اعتبار ذلك وهو زيادة يتعين قبولها، ولعله لم يبلغ سعيد بن المسيب ومن تابعه، وفي الآية دليل على أنه لا بد من أن يكون ذلك نكاحاً شرعياً مقصوداً لذاته لا نكاحاً غير مقصود لذاته، بل حيلة للتحليل، وذريعة إلى ردها إلى الزوج الأول، فإن ذلك حرام للأدلة الواردة في ذمه وذم فاعله، وأنه التيس المستعار الذي لعنه الشارع ولعن من اتخذه لذلك. قوله: "فإن طلقها" أي الزوج الثاني "فلا جناح عليهما" أي الزوج الأول والمرأة "أن يتراجعا" أي يرجع كل واحد منهما لصاحبه. قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن الحر إذا طلق زوجته ثلاثاً ثم انقضت عدتها ونكحت زوجاً ودخل بها ثم فارقها وانقضت عدتها ثم نكحها الزوج الأول أنها تكون عنده على ثلاث تطليقات. قوله: "إن ظنا أن يقيما حدود الله" أي حقوق الزوجية الواجبة لكل منهما على الآخر. وأما إذا لم يحصل ظن ذلك بأن يعلما أو أحدهما عدم الإقامة لحدود الله، أو ترددا أو أحدهما ولم يحصل لهما الظن، فلا يجوز الدخول في هذا النكاح لأنه مظنة للمعصية لله والوقوع فيما حرمه على الزوجين. وقوله: "وتلك حدود الله" إشارة إلى الأحكام المذكورة كما سلف، وخص الذين يعلمون مع عموم الدعوة للعالم وغيره، ووجوب التبليغ لكل فرد، لأنهم المنتفعون بالبيان المذكور.
وقد أخرج مالك والشافعي وعبد بن حميد والترمذي وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن هشام بن عروة عن أبيه قال: كان الرجل إذا طلق امرأته ثم ارتجعها قبل أن تنقضي عدتها كان ذلك له وإن طلقها ألف مرة، فعمد رجل إلى امرأته فطلقها حتى وإذا ما دنا وقت انقضاء عدتها أرجعها، ثم طلقها، ثم قال: والله لا آويك إلى ولا تحلين أبداً، فأنزل الله: "الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان" فاستقبل الناس الطلاق جديداً من يومئذ من كان منهم طلق ومن لم يطلق. وأخرج نحوه الترمذي وابن مردويه والحاكم وصححه عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة. وأخرج البخاري عنها: أنها أتتها امرأة فسألتها عن شيء من الطلاق، قالت: فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت: "الطلاق مرتان". وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وأحمد وعبد بن حميد وأبو داود في ناسخه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي عن أبي رزن الأسدي قال: "قال رجل: يا رسول الله أرأيت قول الله الطلاق مرتان، فأين الثالثة؟ قال: التسريح بإحسان الثالثة". وأخرج نحوه ابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس مرفوعاً. وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد أنه قال: قال الله للثالثة: "فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان". وأخرج ابن أبي حاتم عن يزيد بن أبي حبيب قال: التسريح في كتاب الله الطلاق. وأخرج البيهقي من طريق السدي عن ابن عباس وابن مسعود وناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: "الطلاق مرتان" قالوا: وهو الميقات الذي تكون فيه الرجعة، فإذا طلق واحدة أو اثنتين، فإما أن يمسك ويراجع بمعروف، وإما أن يسكت عنها حتى تنقضي عدتها فتكون أحق بنفسها. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: كان الرجل يأكل من مال امرأته الذي نحلها وغيره لا يرى أن عليه جناحاً، فأنزل الله: "ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً" فلم يصح لهم بعد هذه الآية أخذ شيء من أموالهن إلا بحقها، ثم قال: " إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله فإن خفتم أن لا يقيما حدود الله " وقال: "فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً فكلوه هنيئاً مريئاً". وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: " إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله " قال: إلا أن يكون النشوز وسوء الخلق من قبلها، فتدعوك إلى أن تفتدي منك فلا جناح عليك فيما افتدت به. وأخرج مالك والشافعي وأحمد وأبو داود والنسائي والبيهقي من طريق عمرة بنت عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة "عن حبيبة بنت سهل الأنصاري أنها كانت تحب ثابت بن قيس، وأن رسول الله خرج إلى الصبح فوجدها عند بابه في الغلس فقال: من هذه؟ قالت: أنا حبيبة بنت سهل، فقال: ما شأنك؟ قالت: لا أنا ولا بأنت، فلما جاء ثابت بن قيس قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذه حبيبة بنت سهل، فذكرت ما شاء الله أن تذكر، فقالت حبيبة: يا رسول الله كل ما أعطاني عنده، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذ منها، فأخذ منها وجلست في أهلها". وأخرج ابن جرير عن ابن جريج قال: نزلت هذه الآية في ثابت بن قيس وفي حبيبة، وكانت اشتكته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، "فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تردين عليه حديقته؟ قالت: نعم، فدعاه فذكر ذلك له، فقال: ويطيب لي ذلك، قال: نعم، قال ثابت: قد فعلت، فنزلت "ولا يحل لكم أن تأخذوا" الآية". وأخرج عبد الرزاق وأبو داود وابن جرير والبيهقي من طريق عمرة عن عائشة نحوه. وأخرج البخاري والنسائي وابن ماجه وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس "أن جميلة بنت عبد الله بن سلول امرأة ثابت بن قيس بن شماس أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله ثابت بن قيس ما أعتب عليه في خلق ولا دين، ولكن لا أطيقه بغضاً وأكره الكفر في الإسلام، قال: أتردين عليه حديقته؟ قالت: نعم، قال: أقبل الحديقة وطلقها تطليقة". ولفظ ابن ماجه "فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأخذ منها حديقته ولا يزداد". وأخرج البيهقي من طريق عطاء قال: "أتت امرأة النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: إني أبغض زوجي وأحب فراقه، قال: أتريدين عليه حديقته التي أصدقك؟ قالت: نعم وزيادة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم أما الزيادة من مالك فلا". وأخرج البيهقي عن أبي الزبير أن ثابت بن قيس ذكر القصة، وفيه "أما الزيادة فلا". وأخرج ابن مردويه بإسناد جيد عن ابن عباس، وفيه "أنه أمر النبي صلى الله عليه وسلم ثابتاً أن يأخذ ما ساق ولا يزداد". وأخرج البيهقي عن أبي سعيد وذكر القصة، وفيها "فردت عليه حديقته وزادت". وأخرج ابن جرير عن عمر أنه قال في بعض المختلعات: اخلعها ولو من قرطها. وفي لفظ أخرجه عبد الرزاق عنه أنه قال للزوج: "خذ ولو عقاصها". قال البخاري: أجاز عثمان الخلع دون عقاصها. وأخرج عبد بن حميد والبيهقي عن عطاء أن النبي صلى الله عليه وسلم كره أن يأخذ من المختلعة أكثر مما أعطاها. وقد ورد في ذم المختلعات أحاديث منها عن ثوبان عند أحمد وأبي داود والترمذي وحسنه وابن ماجه وابن جرير والحاكم وصححه والبيهقي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة وقال: المختلعات هن المنافقات". ومنها عن ابن عباس عند ابن ماجه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تسأل المرأة زوجها الطلاق في غير كنهه فتجد ريح الجنة، وإن ريحها ليوجد مسيرة أربعين عاماً". ومنها عن أبي هريرة عند أحمد والنسائي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المختلعات والمنتزعات هن المنافقات" ومنها عن عقبة عند ابن جرير مرفوعاً مثل حديث أبي هريرة.
وقد اختلف أهل العلم في عدة المختلعة، والراجح أنها تعتد بحيضة لما أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه والنسائي والحاكم وصححه عن ابن عباس "أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر امرأة ثابت بن قيس أن تعتد بحيضة". ولما أخرجه الترمذي عن الربيع بنت معوذ بن عفراء "أنها اختلعت على عهد رسول الله، فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تعتد بحيضة، أو أمرت أن تعتد بحيضة". قال الترمذي: الصحيح أنها أمرت أن تعتد بحيضة. وأخرج النسائي وابن ماجه عنها أنها قالت: اختلعت من زوجي، فجئت عثمان فسألته ماذا علي من العدة؟ فقال: لا عدة عليك إلا أن يكون حديث عهد بك فتمكثين حتى تحيضي حيضة، قالت: إنما أتبع في ذلك قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في مريم المغالية، وكانت تحب ثابت بن قيس فاختلعت منه. وأخرج النسائي عن الربيع بنت معوذ "أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر امرأة ثابت بن قيس أن تتربص حيضة واحدة فتلحق بأهلها" ولم يرد ما يعارض هذا من المرفوع، بل ورد عن جماعة من الصحابة والتابعين أن عدة المختلعة كعدة الطلاق، وبه قال الجمهور. قال الترمذي: وهو قول أكثر أهل العلم من الصحابة وغيرهم، واستدلوا على ذلك بأن المختلعة من جملة المطلقات، فهي داخلة تحت عموم القرآن. والحق ما ذكرناه، لأن ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم يخصص عموم القرآن. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس في قوله: "فإن طلقها فلا تحل له" يقول: فإن طلقها ثلاثاً فلا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره. وأخرج ابن المنذر عن علي نحوه. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة نحوه. وأخرج الشافعي وعبد الرزاق وابن أبي شيبة وأحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه والبيهقي عن عائشة قالت: "جاءت امرأة رفاعة القرظي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إني كنت عند رفاعة فطلقني فبت طلاقي، فتزوجني عبد الرحمن بن الزبير وما معه إلا مثل هدبة الثوب، فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك". وقد روي نحو هذا عنها من طرق. وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وأحمد والنسائي وابن ماجه وابن جرير والبيهقي عن عمر مرفوعاً نحوه. وأخرج أحمد وابن جرير والبيهقي عن أنس مرفوعاً نحوه أيضاً. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن أبي هريرة مرفوعاً نحوه، ولم يسم هؤلاء الثلاثة الصحابة صاحبة القصة. وأخرج أحمد والنسائي عن ابن عباس "أن العميصاء أو الرميصاء أتت النبي صلى الله عليه وسلم" وفي آخره "فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ليس ذلك لك حتى يذوق عسيلتك رجل غيره". وقد ثبت لعن المحلل في أحاديث منها عن ابن مسعود عند أحمد والترمذي وصححه والنسائي والبيهقي في سننه قال: "لعن النبي صلى الله عليه وسلم المحلل والمحلل له" ومنها عن علي عند أحمد وأبي داود والترمذي وابن ماجه والبيهقي مرفوعاً مثل حديث ابن مسعود، ومنها عن جابر مرفوعاً عند الترمذي مثله، ومنها عن ابن عباس مرفوعاً عند ابن ماجه مثله، ومنها عن عقبة بن عامر عند ابن ماجه والحاكم وصححه والبيهقي مرفوعاً مثله، ومنها عن أبي هريرة مرفوعاً عند أحمد وابن أبي شيبة والبيهقي مثله. وفي الباب أحاديث في ذم التحليل وفاعله. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس في قوله: "فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا" يقول: إذا تزوجت بعد الأول فدخل بها الآخر فلا حرج على الأول أن يتزوجها إذا طلقها الآخر أو مات عنها فقد حلت له. وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل في قوله: "أن يقيما حدود الله" قال: أمر الله وطاعته.
230. قوله تعالى: " فإن طلقها " يعني الطلقة الثالثة " فلا تحل له من بعد " أي من بعد الطلقة الثالثة " حتى تنكح زوجاً غيره " أي: غير المطلق فيجامعهما، والنكاح يتناول الوطء والعقد جميعاً، نزلت في تميمة وقيل عائشة بنت عبد الرحمن بن عتيك القرظي كانت ابن عمها رفاعة بن وهب بن عتيك القرظي فطلقها ثلاثاً.
أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال أنا أبو العباس الأصم أنا الربيع أنا الشافعي أخبرنا سفيان عن الزهري عن عروة عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنه سمعها تقول: "جاءت امرأة رفاعة القرظي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إني كنت عند عند رفاعة فطلقني فبث طلاقي، وتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير وإنما معه مثل هدبة الثوب، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة قالت نعم قال: لا، حتى يذوق عسيلتك وتذوقي عسيلته ".
وروي أنها لبثت ما شاء الله ثم رجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إن زوجي قد مسني فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم كذبت بقولك الأول فلن نصدقك في الآخر. فلبثت حتى قبض النبي صلى الله عليه وسلم فأتت أبا بكر رضي الله عنه فقال: يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أرجع زوجي الأول فإن زوجي الآخر مسني وطلقني فقال لها أبو بكر: قد شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أتيته وقال لك ما قال فلا ترجعي إليه، فلما قبض أبو بكر رضي الله عنه، أتت عمر رضي الله عنه وقالت له: مثل ذلك فقال لها عمر رضي الله عنه وقالت له: مثل ذلك فقال لها عمر رضي الله عنه: لئن رجعت له لأرجمنك )).
قوله تعالى: " فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا " يعني فإن طلقها الزوج الثاني بعد ما جامعها " فلا جناح عليهما " يعني على المرأة وعلى الزوج الأول " أن يتراجعا " يعني بنكاح جديد " إن ظنا " أي علما وقيل رجوا، لأن أحداً لا يعلم ما هو كائن إلا الله عز وجل " أن يقيما حدود الله " أي يكون بينهما الصلاح وحسن الصحبة، وقال مجاهد : معناه إن علما أن نكاحهما على غير الدلسة، وأراد بالدلسة التحليل، وهو مذهب سفيان الثوري و الأوزاعي و مالك و أحمد و إسحاق ، قالوا: إذا تزوجت المطلقة ثلاثاً زوجاً آخر ليحللها للزوج الأول: فإن النكاح فاسد، وذهب جماعة إلى أنه إن لم يشرط في النكاح مع الثاني أنه يفارقها فالنكاح صحيح ويحصل به التحليل ولها صداق مثلها، غير أنه يكره إذا كان في عزمها ذلك.
أخبرنا أبو الفرج المظفر بن اسماعيل التميمي أخبرنا أبو القاسم حمزة بن يوسف السهمي أنا أبو أحمد عبد الله بن عدي الحافظ أنا الحسن بن الفرج أخبرنا عمرو بن خالد الحراني عن عبيد الله بن عبد الكريم هو الجزري عن أبي واصل عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ((لعن المحلل والمحلل له )) وقال نافع أتى رجل ابن عمر فقال له: إن رجلاً طلق امرأته ثلاثاً، فانطلق أخ له من غيره مؤامرة فتزوجها ليحلها للأول فقال: لا، إلا نكاح رغبة، كنا نعد سفاحاً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، " لعن الله المحلل والمحلل له " " وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون " يعني يعلمون ما أمرهم الله تعالى به.
230-" فإن طلقها " فإن تعقيبه للخلع بعد ذكر الطلقتين يقتضي أن يكون طلقة رابعة لو كان الخلع طلاقاً . والأظهر أنه طلاق لأنه فرقة باختيار الزوج فهو كالطلاق بالعوض ، وقوله فإن طلقها متعلق بقوله : " الطلاق مرتان " أو تفسير لقوله : " أو تسريح بإحسان " اعترض بينهما ذكر الخلع دلالة على أن الطلاق يقع مجاناً تارة وبعوض أخرى ، والمعنى فإن طلقها بعد الثنتين . " فلا تحل له من بعد " من بعد ذلك الطلاق . " حتى تنكح زوجاً غيره " حتى تتزوج غيره ، والنكاح يستند إلى كل منهما كالتزوج ، وتعلق بظاهره من اقتصر على العقد كابن المسيب واتفق الجمهور على أنه لا بد من الإصابة لما روي : "أن امرأة رفاعة قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إن رفاعة طلقني فبت طلاقي ، وإن عبد الرحمن بن الزبير تزوجني وإن ما معه مثل هدبة الثوب . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة ؟ قالت : نعم ، قال ، لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك " . فالآية مطلقة قيدتها السنة ، ويحتمل أن يفسر النكاح بالإصابة ، ويكون العقد مستفاداً من لفظ الزوج . والحكمة في هذا الحكم الردع عن التسرع إلى الطلاق والعود إلى المطلقة ثلاثاً والرغبة فيها ، والنكاح بشرط التحليل فاسد عند الأكثر . وجوزه أبو حنيفة مع الكراهة ، وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المحلل والمحلل له . " فإن طلقها " الزوج الثاني " فلا جناح عليهما أن يتراجعا " أن يرجع كل من المرأة والزوج الأول إلى الآخر بالزواج ، " إن ظنا أن يقيما حدود الله " إن كان في ظنهما أنهما يقيمان ما حدده الله وشرعه من حقوق الزوجية ، وتفسير الظن بالعلم ههنا غير سديد لأن عواقب الأمور غيب تظن ولا تعلم ، ولأنه لا يقال علمت أن يقوم زيد لأن أن الناصبة للتوقع وهو ينافي العلم . " وتلك حدود الله " أي الأحكام المذكورة . " يبينها لقوم يعلمون " يفهمون ويعلمون بمقتضى العلم .
230. And if he hath divorced her (the third time), then she is not lawful unto him thereafter until she hath wedded another husband. Then if he (the other husband) divorce her it is no sin for both of them that they come together again if they consider that they are able to observe the limits of Allah. These are the limits of Allah. He manifesteth them for people who have knowledge.
230 - So if a husband divorces his wife (irrevocably), he cannot, after that, remarry her until after she has married another husband and he has divorced her. in that case there is no blame on either of them if they reunite, provided they feel that they can keep the limits ordained by God. such are the limits ordained by God which he makes plain to those who understand.