[البقرة : 204] وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ
(ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا) ولا يعجبك في الآخرة لمخالفته لاعتقاده (ويشهد الله على ما في قلبه) أنه موافق لقوله (وهو ألد الخصام) شديد الخصومة لك ولأتباعك لعداوته لك وهو الأخنس بن شريق كان منافقاً حلوَ الكلام للنبي صلى الله عليه وسلم يحلف أنه مؤمن ومحب له فيدنى مجلسَه فأكذبه الله في ذلك ومرَّ بزرعٍ وحُمُرٍ لبعض المسلمين فأحرقه وعقرها ليلاً كما قال تعالى:
قوله تعالى ومن الناس من يعجبك الآية أخرج ابن أبي حاتم من طريق سعيد أو عكرمة عن ابن عباس قال لما أصيبت السرية التي فيها عاصم ومرثد قال رجلان من المنافقين يا ويح هؤلاء المفتونين الذين هلكوا هكذا لا هم قعدوا في أهليهم ولا هم أدوا رسالة صاحبهم فأنزل الله ومن الناس من يعجبك قوله الآية
وأخرج ابن جرير عن السدي قال نزلت في الأخنس بن شريق أقبل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأظهر له الإسلام فأعجبه ذلك منه ثم خرج فمر بزرع لقوم من المسلمين وحمر فأحرق الزرع وعقر الحمر فأنزل الله الآية
قال أبو جعفر: وهذا نعت من الله تبارك وتعالى للمنافقين. يقول جل ثناؤه: ومن الناس من يعجبك يا محمد ظاهر قوله وعلانيته، ويستشهد الله على ما في قلبه، وهو ألد الخصام، جدل بالباطل. ثم اختلف أهل التأويل فيمن نزلت فيه هذه الآية. فقال بعضهم: نزلت في الأخنس بن شريق، قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فزعم أنه يريد الإسلام، وحلف أنه ما قدم إلا لذلك، ثم خرج فأفسد أموالا من أموال المسلمين. ذكر من قال ذلك:حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام" ، قال: نزلت في الأخنس بن شريق الثقفي- وهو حليف لبني زهرة- وأقبل إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة فأظهر له الإسلام، فأعجب النبى صلى الله عليه وسلم ذلك منه، وقال: إنما جئت أريد الإسلام، والله يعلم أني صادق وذلك قوله: "ويشهد الله على ما في قلبه"، ثم خرج من عند النبي-صلى الله عليه وسلم فمر بزرع لقوم من المسلمين وحمر، فأحرق الزرع وعقر الحمر، فأنزل الله عز وجل: "وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل". وأما "ألد الخصام" فأعوج الخصام، وفيه نزلت: "ويل لكل همزة لمزة" [الهمزة: 1]، ونزلت فيه: "ولا تطع كل حلاف مهين" إلى "عتل بعد ذلك زنيم" [القلم: 15- 13]. وقال اخرون: بل نزل ذلك في قوم من أهل النفاق، تكلموا في السرية التي أصيبت لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالرجيع. ذكر من قال ذلك: حدثنا أبو كريب قال، حدثنا يونس بن بكير، عن ابن إسحاق قال، حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت قال، حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة، عن ابن عباس قال: لما أصيبت هذه السرية أصحاب خبيب بالرجيع بين مكة والمدينة، فقال رجال من المنافقين: يا ويح هؤلاء المفتونين الذين هلكوا هكذا! لا هم قعدوا في بيوتهم، ولا هم أدوا رسالة صاحبهم! فأنزل الله عز وجل في ذلك من قول المنافقين، وما أصاب أولئك النفر من الشهادة والخير من الله: "ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا"، أي: ما يظهر بلسانه من الإسلام، "ويشهد الله على ما في قلبه"- أي: من النفاق- "وهو ألد الخصام" أي: ذو جدال إذا كلمك وراجعك، "وإذا تولى"- أي: خرج من عندك، "سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد "- أي: لا يحب عمله ولا يرضاه، "وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد * ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله"، الذين شروا أنفسهم لله بالجهاد في سبيل الله والقيام بحقه، حتى هلكوا على ذلك- يعني هذه السرية.حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة قال، حدثني محمد بن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت، عن عكرمة مولى ابن عباس- أو: عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس- قال: لما أصيبت السرية التي كان فيها عاصم ومرثد بالرجيع، قال رجال من المنافقين:- ثم ذكر نحو حديث أبي كريب.
وقال آخرون: بل عنى بذلك جميع المنافقين، وعنى بقوله: "ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه"، اختلاف سريرته وعلانيته. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن أبي معشر قال، أخبرني أبي أبو معشر نجيح قال، سمعت سعيدا المقبري يذاكر محمد بن كعب، فقال سعيد: إن في بعض الكتب أن لله عبادا ألسنتهم أحلى من العسل، وقلوبهم أمر من الصبر، لبسوا للناس مسوك الضأن من اللين، يجترون الدنيا بالدين، قال الله تبارك وتعالى: أعلي يجترئون، وبي يغترون!! وعزتي لأبعثن عليهم فتنة تترك الحليم منهم حيران فقال محمد بن كعب: هذا في كتاب الله جل ثناؤه. فقال سعيد: وأين هو من كتاب الله؟ قال: قول الله عز وجل: "ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام * وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد". فقال سعيد: قد عرفت فيمن أنزلت هذه الآية؟ فقال محمد بن كعب: إن الآية تنزل في الرجل، ثم تكون عامة بعد. حدثني يونس بن عبد الأعلى قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني الليث بن سعد، عن خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن القرظي، عن نوف- وكان يقرأ الكتب- قال: إني لأجد صفة ناس من هذه الأمه في كتاب الله المنزل: قوم يجتالون الدنيا بالدين، ألسنتهم أحلى من العسل، وقلوبهم أمر من الصبر، يلبسون للناس لباس مسوك الضأن، وقلوبهم قلوب الذئاب، فعلي يجترئون! وبي يغترون! حلفت بنفسي لأبعثن عليهم فتنة تترك الحليم فيهم حيران . قال القرظي: تدبرتها في القرآن، فإذا هم المنافقون، فوجدتها: "ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام"، "ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به " [الحج: 11].وحدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة قوله:"ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه"، قال: هو المنافق.حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "ومن الناس من يعجبك قوله"، قال: علانيته في الدنيا، ويشهد الله في الخصومة، إنما يريد الحق.حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قوله: "ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام"، قال: هذا عبد كان حسن القول سيىء العمل، يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيحسن له القول، "وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها". وحدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قلت لعطاء: "ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه"، قال: يقول قولا في قلبه غيره، والله يعلم ذلك. وفي قوله: "ويشهد الله على ما في قلبه" وجهان من القراءة: فقرأته عامة القرأة: ويشهد الله على ما في قلبه، بمعنى أن المنافق الذي يعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله، يستشهد الله على ما في قلبه أن قوله موافق اعتقاده، وأنه مؤمن بالله ورسوله وهو كاذب، كما:-حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: "ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا" إلى "والله لا يحب الفساد"، "كان رجل يأتى إلى النبيصلى الله عليه وسلم فيقول: أي رسول الله! أشهد أنك جئت بالحق والصدق من عند الله! قال: حتى يعجب النبي صلى الله عليه وسلم بقوله، ثم يقول: أما والله، يا رسول الله، إن الله ليعلم ما في قلبي مثل ما نطق به لساني!" فذلك قوله: "ويشهد الله على ما في قلبه "، قال: هؤلاء المنافقون، وقرأ قول الله تبارك وتعالى: "إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله" حتى بلغ "إن المنافقين لكاذبون" [المنافقون: 1]، بما يشهدون أنك رسول الله. وقال السدي: "ويشهد الله على ما في قلبه"، يقول: الله يعلم أني صادق أني أريد الإسلام.حدثني بذلك موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو بن حماد، عن أسباط. وقال مجاهد: ويشهد الله في الخصومة أنما يريد الحق.
حدثني بذلك محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عنه.وقرأ ذلك آخرون: ويشهد الله على ما في قلبه، بمعنى: والله يشهد على الذي في قلبه من النفاق، وأنه مضمر في قلبه غير الذي يبديه بلسانه، وعلى كذبه في قلبه. وهي قراءة ابن محيصن. وعلى ذلك المعنى تأوله ابن عباس، وقد ذكرنا الرواية عنه بذلك فيما مضى في حديث أبي كريب، عن يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق، الذي ذكرناه آنفا. والذي نختار في ذلك من قول القرأة، قراءة من قرأ: ويشهد الله على ما في قلبه، بمعنى: يستشهد الله على ما في قلبه، لإجماع الحجة من القرأة عليه. قال أبو جعفر: الألد من الرجال: الشديد الخصومة، يقال: في فعلت منه: قد لددت يا هذا، ولم تكن ألذ، فأنت تلد لددا ولدادة. فأما إذا غلب من خاصمه فإنما يقال فيه: لددت يا فلان فلانا فأنت تلده لدا، ومنه قول الشاعر:
ثم أردي بهم من تردي تلد أقران الخصوم اللد
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك. فقال بعضهم: تأويله: أنه ذو جدال. ذكر من قال ذلك:حدثنا أبو كريب قال، حدثنا يونس بن بكير، عن ابن إسحاق قال، حدثني محمد بن أبي محمد قال، حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة، عن ابن عباس: "وهو ألد الخصام"، أي: ذو جدال، إذا كلمك وراجعك. حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "وهو ألد الخصام"، يقول: شديد القسوة في معصية الله، جدل بالباطل، وإذا شئت رأيته عالم اللسان جاهل العمل، يتكلم بالحكمة، ويعمل بالخطيئة. حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: "وهو ألد الخصام"، قال: جدل بالباطل. وقال آخرون: معنى ذلك: أنه غير مستقيم الخصومة، ولكنه معوجها. ذكر من قال ذلك:حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح،عن مجاهد: "وهو ألد الخصام"، قال: ظالم لا يستقيم.حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا حجاج، عن ابن جريج قال، أخبرني عبد الله بن كثير، عن مجاهد قال: الألد الخصام، الذي لا يستقيم على خصومة.حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"ألد الخصام"، أعوج الخصام.قال أبو جعفر: وكلا هذين القولين متقارب المعنى. لأن الاعوجاج في الخضومة من الجدال واللدد.
وقال آخرون: معنى ذلك: وهو كاذب في قوله. ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا وكيع، عن بعض أصحابه، عن الحسن. قال: الألد الخصام، الكاذب القول.
وهذا القول يحتمل أن يكون معناه معنى القولين الأولين، إن كان أراد به قائله أنه يخاصم بالباطل من القول والكذب منه، جدلا واعوجاجا عن الحق. وأما "الخصام" فهو مصدر من قول القائل: خاصمت فلاناً خصاما ومخاصمة. وهذا خبر من الله تبارك وتعالى عن المنافق الذي أخبر نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم أنه يعجبه إذا تكلم قيله ومنطقه، وشششهد الله على أنه محق فى قيله ذلك، لشدة خصومته وجداله بالباطل والزور من القول.
قوله تعالى : " ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام "
فيه ثلاث مسائل :
الأولى : قوله تعالى : " ومن الناس من يعجبك قوله " لما ذكر الذي قصرت همتهم على الدنيا ، في قوله : " فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا " والمؤمنين الذي سألوا خير الدارين ذكر المنافقين ، لأنهم أظهروا الإيمان وأسروا الكفر قال السدي وغيره من المفسرين : نزلت في الأخنس بن شريق ، واسمه أبي ، والأخنس لقب لقب به ، لأنه خنس يوم بدر بثلثمائة رجل من حلفائه من بني زهرة عن القتال مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما يأتي في (( آل عمران )) بيانه ، وكان رجلاً حلو القول والمنظر ، فجاء بعد ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأظهر الإسلام وقال : الله يعلم أني صادق ، ثم هرب بعد ذلك ، فمر بزرع لقوم من المسلمين وبحمر فأحرق الزرع وعقر الحمر ، قال المهدوي : وفيه نزلت " ولا تطع كل حلاف مهين * هماز مشاء بنميم " [ ن : 10، 11 ] و " ويل لكل همزة لمزة " [ الهمزة : 1 ] ، قال ابن عطية : ما ثبت قط أن الأخنس أسلم ، وقال ابن عباس : نزلت في قوم من المنافقين تكلموا في الذين قتلوا في غزوة الرجيع : عاصم بن ثابت ، وخبيب ، وغيرهم ، وقالوا : ريح هؤلاء القوم ، لا هم قعدوا في بيوتهم ، ولا هم أدوا رسالة صاحبهم ، فنزلت هذه الآية في صفات المنافقين ، ثم ذكر المستشهدين في غزوة الرجيع في قوله : " ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله " [ البقرة : 207 ] ، وقال قتادة و مجاهد وجماعة من العلماء : نزلت في كل مبطن كفراً أو نفاقاً أو كذباً أو إضراراً ،وهو يظهر بلسانه خلاف ذلك ، فهي عامة ، وهي تشبه ما ورد في الترمذي أن في بعض كتب الله تعالى : " إن من عابد الله قوماً ألسنتهم أحلى من العسل وقلوبهم أمر من الصبر ، يلبسون للناس جلود الضأن من اللين ، يشترون الدنيا بالدين ، يقول الله تعالى : أبي يغترون ، وعلي يجترئون ، فبي حلفت لأتيحن لهم فتنة تدع الحليم منهم حيوان " ، ومعنى " ويشهد الله " أي يقول : الله يعلم أني أقول حقاً ، وقرأ ابن محيصن (( ويشهد الله على ما في قلبه )) بفت الياء والهاء في (( يشهد )) (( الله )) بالرفع ، والمعنى بعجبك قوله : والله يعلم منه خلاف ما قال : دليله قوله : " والله يشهد إن المنافقين لكاذبون " [ المنافقون : 1 ] ، وقراءة ابن عباس (( والله يشهد على ما في قلبه )) ، وقراءة الجماعة أبلغ في الذم ، لأنه قوى على نفسه التزام الكلام الحسن ، ثم ظهر من باطنه خلافه ، وقرأ أبي وابن مسعود (( ويستشهد الله على ما في قلبه )) وهي حجة لقراءة الجماعة .
الثانية : قال علماؤنا : وفي هذه الآية دليل وتنبيه على الإحتياط فيما يتعلق بأمور الدين والدنيا ، واستبراء أحوال الشهود والقضاة ، وأن الحاكم لا يعمل على ظاهر أحوال الناس وما يبدوا من إيمانهم وصلاحهم حتى يبحث عن باطنهم ، لأن الله تعالى بين أحوال الناس ، وأن منهم من يظهر قولاً جميلاً وهو ينوي قبيحاً .
فإن قيل : هذا يعارضه قوله عليه السلام : " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله " ، الحديث ، وقوله : " فأقضي له على نحو ما أسمع " فالجواب أن هذا كان في صدر الإسلام ، حيث كان إسلامهم سلامتهم ، وأما وقد عم الفساد فلا ، قاله ابن العربي .
قلت : والصحيح أن الظاهر يعمل عليه حتى يبين خلافه ، لقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه في صحيح البخاري : أيها الناس إن الوحي قد انقطع ، وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم ، فمن أظهر لنا خيراً أمناه وقربناه ، وليس لنا من سريرته شيء ، الله يحاسبه في سريرته ، ومن أظهر لنا سوءاً لم نؤمنه ولم نصدقه ، وإن قال إن سريرته حسنة .
الثالثة : قوله تعالى : " وهو ألد الخصام " الألد : الشديد الخصومة ، وهو رجل ألد ، وامرأة لداء ، وهم أهل لدة ، وقد لددت - بكسر الدال - تلد- بالفتح - لدداً ، أي صرت ألد ، ولدته - بفتح الدال - ألده - بضمها - إذا جادلته فغلبته ، والألد مشتق من اللديدين ، وهما صفحتا العتق ، أي في أي جانب أخذ من الخصومة غلب ، قال الشاعر :
وألد ذي حنق علي كأنما تغلي عداوة صدره في مرجل
وقال آخر :
إن تحت التراب عزماً وحزماً وخصيماً ألد ذا مغلاق
و(( الخصام )) في الآية مصدر خاصم ، قاله الخليل ، وقيل : جمع خصم قاله الزجاج ، ككلب وكلاب ، وصعب وصعاب ، وضخم وضخام ، والمعنى أشد المخاصمين خصومة ، أي هو ذو جدال ، إذا كلمك وراجعك رأيت لكلامه طلاوة وباطنة باطل ، وهذا يدل على أن الجدال لا يجوز إلا بما ظاهرة وباطنة سواء ، وفي صحيح مسلم عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم " .
قال السدي: نزلت في الأخنس بن شريق الثقفي, جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, وأظهر الإسلام وفي باطنه خلاف ذلك, وعن ابن عباس, أنها نزلت في نفر من المنافقين تكلموا في خبيب وأصحابه الذين قتلوا بالرجيع وعابوهم, فأنزل الله في ذم المنافقين ومدح خبيب وأصحابه " ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله " وقيل: بل ذلك عام في المنافقين كلهم وفي المؤمنين كلهم, وهذا قول قتادة ومجاهد والربيع بن أنس وغير واحد, وهو الصحيح, وقال ابن جرير: حدثني يونس, أخبرنا ابن وهب, أخبرني الليث بن سعد عن خالد بن أبي هلال, عن القرظي, عن نوف وهو البكالي وكان ممن يقرأ الكتب, قال: إني لأجد صفة ناس من هذه الأمة في كتاب الله المنزل: قوم يحتالون على الدنيا بالدين, ألسنتهم أحلى من العسل, وقلوبهم أمر من الصبر , يلبسون للناس مسوك الضأن, وقلوبهم قلوب الذئاب, يقول الله تعالى: فعلي يجترئون وبي يغترون, حلفت بنفسي لأبعثن عليهم فتنة تترك الحليم فيها حيران, قال القرظي: تدبرتها في القرآن فإذا هم المنافقون فوجدتها "ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه" الاية, وحدثني محمد بن أبي معشر: أخبرني أبو معشر نجيح, قال: سمعت سعيداً المقبري يذاكر محمد بن كعب القرظي, فقال سعيد: إن في بعض الكتب: إن عباداً ألسنتهم أحلى من العسل, وقلوبهم أمر من الصبر, لبسوا للناس مسوك الضأن من اللين, يجترون الدنيا بالدين, قال الله تعالى, علي تجترئون وبي تغترون ؟ وعزتي لأبعثن عليهم فتنة تترك الحليم منهم حيران, فقال محمد بن كعب هذا في كتاب الله, فقال سعيد: وأين هو من كتاب الله ؟ قال: قول الله "ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا" الاية, فقال سعيد: قد عرفت فيمن أنزلت هذه الاية ؟ فقال محمد بن كعب, إن الاية تنزل في الرجل ثم تكون عامة بعد, وهذا الذي قاله القرظي, حسن صحيح, وأما قوله "ويشهد الله على ما في قلبه" فقرأه ابن محيصن "ويشهد الله" بفتح الياء وضم الجلالة "على ما في قلبه" ومعناها أن هذا وإن أظهر لكم الحيل لكن الله يعلم من قلبه القبيح كقوله تعالى: "إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون" وقراءة الجمهور بضم الياء ونصب الجلالة, "يشهد الله على ما في قلبه" ومعناه أنه يظهر للناس الإسلام ويبارز الله بما في قلبه من الكفر والنفاق كقوله تعالى: "يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله" الاية, هذا معنى ما رواه ابن إسحاق عن محمد بن أبي محمد, عن عكرمة, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس, وقيل: معناه أنه إذا أظهر للناس الإسلام حلف وأشهد الله لهم أن الذي في قلبه موافق للسانه, وهذا المعنى صحيح, وقاله عبد الرحمن بن زيد بن أسلم, واختاره ابن جرير وعزاه إلى ابن عباس وحكاه عن مجاهد, والله أعلم.
وقوله "وهو ألد الخصام" الالد في اللغة الأعوج "وتنذر به قوماً لداً" أي عوجاً, وهكذا المنافق في حال خصومته, يكذب ويزور عن الحق ولا يستقيم معه, بل يفتري ويفجر, كما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال "آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب, وإذا عاهد غدر, وإذا خاصم فجر". وقال البخاري: حدثنا قبيصة, حدثنا سفيان عن ابن جريج, عن ابن مليكة عن عائشة ترفعه, قال "إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم" قال: وقال عبد الله بن يزيد: حدثنا سفيان, حدثنا ابن جريج عن ابن مليكة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم, قال "إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم" وهكذا رواه عبد الرزاق عن معمر في قوله "وهو ألد الخصام" عن ابن جريج, عن ابن أبي مليكة, عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم, قال "إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم".
وقوله "وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد" أي هو أعوج المقال سيء الفعال, فذلك قوله وهذا فعله, كلامه كذب, واعتقاده فاسد, وأفعاله قبيحة, والسعي ـ ههنا ـ هو القصد, كما قال إخباراً عن فرعون " ثم أدبر يسعى * فحشر فنادى * فقال أنا ربكم الأعلى * فأخذه الله نكال الآخرة والأولى * إن في ذلك لعبرة لمن يخشى " وقال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله" أي اقصدوا واعمدوا ناوين بذلك صلاة الجمعة, فإن السعي الحسي إلى الصلاة منهي عنه بالسنة النبوية "إذا أتيتم الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون, وأتوها وعليكم السكينة والوقار" فهذا المنافق ليس له همة إلا الفساد في الأرض وإهلاك الحرث, وهو محل نماء الزروع والثمار والنسل, وهو نتاج الحيوانات الذين لا قوام للناس إلا بهما وقال مجاهد: إذا سعي في الأرض إفساداً, منع الله القطر فهلك الحرث والنسل "والله لا يحب الفساد" أي لا يحب من هذه صفته, ولا من يصدر منه ذلك.
وقوله "وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم" أي إذا وعظ هذا الفاجر في مقاله وفعاله, وقيل له اتق الله وانزع عن قولك وفعلك وارجع إلى الحق, امتنع وأبى وأخذته الحمية والغضب بالإثم, أي بسبب ما اشتمل عليه من الاثام, وهذه الاية شبيهة بقوله تعالى: " وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم آياتنا قل أفأنبئكم بشر من ذلكم النار وعدها الله الذين كفروا وبئس المصير " ولهذا قال في هذه الاية "فحسبه جهنم ولبئس المهاد" أي هي كافيته عقوبة في ذلك وقوله "ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله" لما أخبر عن المنافقين بصفاتهم الذميمة, ذكر صفات المؤمنين الحميدة فقال "ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله" قال ابن عباس وأنس وسعيد بن المسيب وأبو عثمان النهدي وعكرمة وجماعة: نزلت في صهيب بن سنان الرومي وذلك أنه لما أسلم بمكة وأراد الهجرة, منعه الناس أن يهاجر بماله, وإن أحب أن يتجرد منه ويهاجر فعل, فتخلص منهم وأعطاهم ماله, فأنزل الله فيه هذه الاية, فتلقاه عمر بن الخطاب وجماعة إلى طرف الحرة وقالوا له: ربح البيع فقال: وأنتم فلا أخسر الله تجارتكم وما ذاك ؟ فأخبره أن الله أنزل فيه هذه الاية, ويروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له "ربح البيع صهيب" قال ابن مردويه: حدثنا محمد بن إبراهيم, حدثنا محمد بن عبد الله بن رستة, حدثنا سليمان بن داود, حدثنا جعفر بن سليمان الضبي, حدثنا عوف عن أبي عثمان النهدي عن صهيب, قال: لما أردت الهجرة من مكة إلى النبي صلى الله عليه وسلم قالت لي قريش يا صهيب قدمت إلينا, ولا مال لك وتخرج أنت ومالك والله لا يكون ذلك أبداً, فقلت لهم: أرأيتم إن دفعت إليكم مالي تخلون عني ؟ قالوا: نعم, فدفعت إليهم مالي, فخلوا عني, فخرجت حتى قدمت المدينة, فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال "ربح صهيب ربح صهيب" مرتين, وقال حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن سعيد بن المسيب, قال: أقبل صهيب مهاجراً نحو النبي صلى الله عليه وسلم فاتبعه نفر من قريش, فنزل عن راحلته وأنثل ما في كنانته, ثم قال: يا معشر قريش قد علمتم أني من أرماكم رجلاً, وأنتم والله لا تصلون إلي حتى أرمي بكل سهم في كنانتي, ثم أضرب بسيفي ما بقي في يدي منه شيء, ثم افعلوا ما شئتم وإن شئتم دللتكم على مالي وقنيتي بمكة وخليتم سبيلي, قالوا: نعم, فلما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم قال "ربح البيع" قال ونزلت "ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رؤوف بالعباد" وأما الأكثرون فحملوا ذلك على أنها نزلت في كل مجاهد في سبيل الله كما قال تعالى: " إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم " ولما حمل هشام بن عامر بين الصفين أنكر عليه بعض الناس, فرد عليهم عمر بن الخطاب وأبو هريرة وغيرهما, وتلوا هذه الاية "ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رؤوف بالعباد".
لما ذكر سبحانه طائفتي المسلمين بقوله: "فمن الناس من يقول" عقب ذلك بذكر طائفة المنافقين، وهم الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر. وسبب النزول الأخنس بن شريق كما يأتي بيانه. قال ابن عطية: ما ثبت قط أن الأخنس أسلم- وقيل إنها نزلت في قوم من المنافقين، وقيل: إنها نزلت في كل من أضمر كفراً أو نفاقاً أو كذباً، وأظهر بلسانه خلافه. ومعنى قوله: 204- "يعجبك" واضح. ومعنى قوله: "ويشهد الله على ما في قلبه" أنه يحلف على ذلك فيقول: يشهد الله على ما في قلبي من محبتك أو من الإسلام، أو يقول: الله يعلم أني أقول حقاً، وأني صادق في قولي لك. وقرأ ابن محيصن: "ويشهد الله" بفتح حرف المضارعة ورفع الاسم الشريف على أنه فاعل، والمعنى: ويعلم الله منه خلاف ما قال: ومثله قوله تعالى: "والله يشهد إن المنافقين لكاذبون" وقراءة الجماعة أبلغ في الذم. وقرأ ابن عباس " ويشهد الله على ما في قلبه " وقرأ أبي وابن مسعود " ويشهد الله على ما في قلبه ". وقوله: "في الحياة الدنيا" متعلق بالقول، أو بيعجبك، فعلى الأول القول صادر في الحياة، وعلى الثاني الإعجاب صادر فيها. والألد: الشديد الخصومة. يقال: رجل ألد، وامرأة لداء، ولددته ألده: إذا جادلته فغلبته، ومنه قول الشاعر:
وألد ذي جنف على كأنما تغلي عداوة صدره في مرجل
والخصام مصدر خاصم، قاله الخليل، وقيل: جمع خصم، قاله الزجاج: ككلب وكلاب، وصعب وصعاب وضخم وضخام. والمعنى: أنه أشد المخاصمين خصومة، لكثرة جداله وقوة مراجعته، وإضافة الألد إلى الخصام بمعنى في: أي ألد الخصام، أو جعل الخصام ألد على المبالغة.
204. قوله تعالى: " ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا " قال الكلبي و مقاتل و عطاء : نزلت في الأخنس بن شريق الثقفي حليف بني زهرة واسمه أبي وسمي الأخنس لأنه خنس يوم بدر بثلاثمائة رجل من بني زهرة عن قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وكان رجلاً حلو الكلام، حلو المنظر، وكان يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيجالسه ويظهر الإسلام، ويقول إني لأحبك، ويحلف بالله على ذلك، وكان منافقاً، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدني مجلسه فنزل قوله تعالى " ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا " أي تستحسنه ويعظم في قلبك، ويقال في الاستحسان أعجبني كذا وفي الكراهية والإنكار عجبت من كذا " ويشهد الله على ما في قلبه " يعني قول المنافق: والله إني بك مؤمن ولك محب " وهو ألد الخصام " أي شديد الخصومة، يقال لددت يا هذا وأنت تلد لداً ولدادة، فإذا أردت أنه غلب على خصمه قلت: لده يلده لداً، يقال: رجل ألد وامرأة لداء وقوم لد، قال الله تعالى: " وتنذر به قوماً لداً " (97-مريم). قال الزجاج : اشتقاقه من لديدي العنق وهما صفحتاه، وتأويله: أنه في وجه أخذ من يمين أو شمال في أبواب الخصومة غلب، والخصام مصدر خاصمه خصاماً ومخاصمة قاله أبو عبيدة. وقال الزجاج : هو جمع خصم يقال: خصم وخصام وخصوم مثل بحر وبحار وبحور قال الحسن : ألد الخصام أي كاذب القول، قال قتادة : شديد القسوة في المعصية، جدل بالباطل يتكلم بالحكمة ويعمل بالخطيئة.
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي أخبرنا محمد بن يوسف أخبرنا محمد بن إسماعيل أخبرنا أبو عاصم عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن أبغض الرجال إلى الله تعالى الألد الخصم "
204-" ومن الناس من يعجبك قوله " يروقك ويعظم في نفسك ، والتعجب : حيرة تعرض للإنسان لجهله بسبب المتعجب منه . " في الحياة الدنيا " متعلق بالقول ، أي ما يقوله في أمور الدنيا وأسباب المعاش ، أو في معنى الدنيا فإنها مراد من إدعاء المحبة وإظهار الإيمان ، أو يعجبك أي يعجبك قوله في الدنيا حلاوة وفصاحة ولا يعجبك في الآخرة لما يعتريه من الدهشة والحبسة ، أو لأنه لا يؤذن له في الكلام . " ويشهد الله على ما في قلبه " يحلف ويستشهد الله على أن ما في قلبه موافق لكلامه . " وهو ألد الخصام " شديد العداوة والجدال للمسلمين ، والخصام المخاصمة ويجوز أن يكون جمع خصم كصعب وصعاب بمعنى أشد الخصوم خصومة . قيل نزلت في الأخنس بن شريق الثقفي وكان حسن المنظر حلو المنطق يوالي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويدعي الإسلام . قيل في المنافقين كلهم .
204. And of mankind there is he whose conversation on the life of this world pleaseth thee (Muhammad), and he calleth Allah to witness as to that which is in his heart; yet he is the most rigid of opponents.
204 - There is the type of man whose speech about this world's life may dazzle thee, and he calls God to witness about what is in his heart; yet is he the most contentious of enemies.