[البقرة : 193] وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ
(وقاتلوهم حتى لا تكون) توجد (فتنة) شرك (ويكون الدين) العبادة (لله) وحده لا يعبد سواه (فإن انتهوا) عن الشرك فلا تعتدوا عليهم دل على هذا (فلا عدوان) اعتداء بقتل أو غيره (إلا على الظالمين) ومن انتهى فليس بظالم فلا عدوان عليه
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وقاتلوا المشركين الذين يقاتلونكم حتى لا تكون فتنة، يعني: حتى لا يكون شرك بالله، وحتى لا يعبد دونه أحد، وتضمحل عبادة الأوثان والآلهة والأنداد، وتكون العبادة والطاعة لله وحده دون غيره من الأصنام والأوثان، كما قال قتادة فيما: حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة"، قال: حتى لا يكون شرك. حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: "وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة"، قال: حتى لا يكون شرك. حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح،عن مجاهد: "وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة"، قال: الشرك، "ويكون الدين لله". حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.حدثني موسى بن هرون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة"، قال: أما الفتنة فالشرك. حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: "وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة"، يقول: قاتلوا حتى لا يكون شرك.
حدثت عن عمار بن الحسن قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: "وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة"، أي شرك.
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: "وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة"، قال: حتى لا يكون كفر، وقرأ "تقاتلونهم أو يسلمون" [الفتح: 16]. حدثني علي بن داود قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: "وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة"، يقول: شرك.وأما الدين الذي ذكره الله في هذا الموضع، فهو العبادة والطاعة لله في أمره ونهيه، ومن ذلك قول الأعشى:
هو دان الرباب، إذ كرهوا الديـ ـن، دراكا بغزوة وصيال
يعني بقوله: إذ كرهوا الدين ، إذ كرهوا الطاعة وأبوها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:حدثت عن عماربن الحسن قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: "ويكون الدين لله"، يقول: حتى لا يعبد إلا الله، وذلك لا إله إلا الله ، عليه قاتل النبي صلى الله عليه وسلم وإليه دعا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إني أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله".
حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: "ويكون الدين لله "،أن يقال: لا إله إلا الله ، ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "إن الله أمرني أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله "، ثم ذكر مثل حديث الربيع.قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: "فإن انتهوا"، فإن انتهى الذين يقاتلونكم من الكفار عن قتالكم، ودخلوا في ملتكم، وأقروا بما ألزمكم الله من فرائضه، وتركوا ما هم عليه من عبادة الأوثان، فدعوا الاعتداء عليهم وقتالهم وجهادهم، فإنه لا ينبغي أن يعتدى إلا على الظالمين- وهم المشركون بالله، والذين تركوا عبادته وعبدوا غير خالقهم. فإن قال قائل: وهل يجوز الاعتداء على الظالم فيقال: "فلا عدوان إلا على الظالمين"؟.قيل: إن المعنى في ذلك على غير الوجه الذي إليه ذهبت. وإنما ذلك على وجه المجازاة، لما كان من المشركين من الاعتداء. يقول: افعلوا بهم مثل الذي فعلوا بكم، كما يقال: إن تعاطيت مني ظلما تعاطيته منك ، والثاني ليس بظلم، كما قال عمروبن شأس الأسدي:
جزينا ذوي العدوان يالأمس قرضهم قصاصا، سواء حذوك النعل بالنعل
وإنما كان ذلك نظير قوله: "الله يستهزئ بهم" [البقرة: 15]، و "فيسخرون منهم سخر الله منهم" [التوبة: 79] وقد بينا وجه ذلك ونظائره فيما مضى قبل. وبالذي قلنا في ذلك من التأويل قال جماعة من أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال حدثنا سعيد، عن قتادة قوله:" فلا عدوان إلا على الظالمين"، والظالم الذي أبى أن يقول: لا إله إلا الله .
حدثني المثنى قال، حدثنا إسحق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: "فلا عدوان إلا على الظالمين" ، قال: هم المشركون.حدثني المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا عثمان بن غياث قال، سمعت عكرمة في هذه الآية: "فلا عدوان إلا على الظالمين"، قال: هم من أبى أن يقول: لا إله إلا الله . وقال آخرون معنى قوله: "فلا عدوان إلا على الظالمين"، فلا تقاتل إلا من قاتل.ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين"، يقول: لا تقاتلوا إلا من قاتلكم. حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله. حدثني موسى بن هرون قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: "فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين"، فإن الله لا يحب العدوان على الظالمين ولا على غيرهم، ولكن يقول: اعتدوا عليهم بمثل ما اعتدوا عليكم. قال أبو جعفر: فكات بعض أهل العربية من أهل البصرة يقول في قوله: "فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين"، لا يجوز أن يقول: "فإن انتهوا" إلا وقد علم أنهم لا ينتهون إلا بعضهم، فكأنه قال: فإن انتهى بعضهم، فلا عدوان الا على الظالمين منهم. فأضمر، كما قال: "فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي" [البقرة: 196]، يريد: فعليه ما استيسر من الهدى، وكما يقول: إلى من تقصد أقصد، يعني: إليه. وكان بعضهم ينكر الإضمار في ذلك، ويتأوله: فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم لمن انتهى، ولا عدوان إلا على الظالمين الذين لا ينتهون.
قوله تعالى :"وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين" .
فيه مسألتان :
الأولى : قوله تعالى : "وقاتلوهم" أمر بالقتال لكل مشرك في كل موضع ، على من رآها ناسخة . ومن رآها غير ناسخة قال : المعنى قاتلوا هؤلاء الذين قال الله فيهم : "فإن قاتلوكم" والأول أظهر ، وهو أمر بقتال مطلق لا بشرط أن يبدأ الكفار . دليل ذلك قوله تعالى :"ويكون الدين لله" ، وقال عليه السلام :
"أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله" . فدلت الآية والحديث على أن سبب القتال هو الكفر ، لأنه قال : "حتى لا تكون فتنة" أي كفر ،فجعل الغاية عدم الكفر ، وهذا ظاهر . قال ابن عباس و قتادة و الربيع و السدي وغيرهم :الفتنة هناك الشرك وما تابعه من أذى المؤمنين . وأصل الفتنة : الاختبار والامتحان ، مأخوذ من فتنت الفضة إذا أدخلتها في النار لتميز رديئها من جيدها . وسيأتي بيان محاملها إن شاء الله تعالى .
الثانية : قوله تعالى : "فإن انتهوا" أي عن الكفر ، إما بالإسلام كما تقدم في الآية قبل ، أو بأداء الجزية في حق أهل الكتاب ، على ما يأتي بيانه في براءة وإلا قوتلوا وهم الظالمون لا عدوان إلا عليهم . وسمي ما يصنع بالظالمين عدواناً من حيث هو جزاء عدوان ، إذ الظلم يتضمن العدوان ، فسمي جزاء العدوان عدواناً ، كقوله : "وجزاء سيئة سيئة مثلها" . والظالمون هم على أحد التأويلين :من بدأ بقتال ، وعلى التأويل الآخر : من بقي على كفر وفتنة .
قال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس, عن أبي العالية في قوله تعالى: "وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم" قال: هذه أول آية نزلت في القتال بالمدينة, فلما نزلت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقاتل من قاتله, ويكف عمن كف عنه, حتى نزلت سورة براءة, وكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم, حتى قال: هذه منسوخة بقوله: "فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم" وفي هذا نظر , لأن قوله "الذين يقاتلونكم" إنما هو تهييج وإغراء بالأعداء الذين همتهم قتال الإسلام وأهله, أي كما يقاتلونكم فاقتلوهم أنتم, كما قال: "وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة" ولهذا قال في الاية: "واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم" أي لتكون همتكم منبعثة على قتالهم, كما همتهم منبعثة على قتالكم, وعلى إخراجهم من بلادهم التي أخرجوكم منها قصاصاً.
وقوله: "ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين" أي قاتلوا في سبيل الله, ولا تعتدوا في ذلك ويدخل في ذلك ارتكاب المناهي, كما قاله الحسن البصري: من المثلة والغلول وقتل النساء والصبيان والشيوخ, الذين لا رأي لهم ولا قتال فيهم, والرهبان وأصحاب الصوامع, وتحريق الأشجار , وقتل الحيوان لغير مصلحة, كما قال ذلك ابن عباس وعمر بن عبد العزيز ومقاتل بن حيان وغيرهم, ولهذا جاء في صحيح مسلم, عن بريدة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "اغزوا في سبيل الله وقاتلوا من كفر بالله, اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا الوليد ولا أصحاب الصوامع" رواه الإمام أحمد وعن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث جيوشه قال "اخرجوا باسم الله قاتلوا في سبيل الله من كفر بالله لا تعتدوا ولا تغلوا ولا تمثلوا ولا تقتلوا الولدان ولا أصحاب الصوامع" رواه الإمام أحمد, ولأبي داود عن أنس مرفوعاً نحوه, وفي الصحيحين عن ابن عمر قال: وجدت امرأة في بعض مغازي النبي صلى الله عليه وسلم مقتولة, فأنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل النساء والصبيان. وقال الإمام أحمد: حدثنا مصعب بن سلام, حدثنا الأحلج عن قيس بن أبي مسلم, عن ربعي بن حراش, قال: سمعت حذيفة يقول: ضرب لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أمثالاً واحداً وثلاثة وخمسة وسبعة وتسعة, وأحد عشر , فضرب لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم منها مثلاً وترك سائرها, قال "إن قوماً كانوا أهل ضعف ومسكنة قاتلهم أهل تجبر وعداوة, فأظهر الله أهل الضعف عليهم, فعمدوا إلى عدوهم فاستعملوهم وسلطوهم, فأسخطوا الله عليهم إلى يوم القيامة" هذا حديث حسن الإسناد, ومعناه أن هؤلاء الضعفاء لما قدروا على الأقوياء فاعتدوا عليهم فاستعملوهم فيما لا يليق بهم, أسخطوا الله عليهم بسبب هذا الاعتداء, والأحاديث والاثار في هذا كثيرة جداً. ولما كان الجهاد فيه إزهاق النفوس وقتل الرجال, نبه تعالى على أن ماهم مشتملون عليه من الكفر بالله والشرك به والصد عن سبيله, أبلغ وأشد وأعظم وأطم من القتل, ولهذا قال: "والفتنة أشد من القتل" قال أبو مالك: أي ما أنتم مقيمون عليه أكبر من القتل. ولهذا قال: "والفتنة أشد من القتل", يقول الشرك أشد من القتل, وقوله: "ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام" كما جاء في الصحيحين "إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة, ولم يحل إلا ساعة من نهار وإنها ساعتي هذه, حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة, لا يعضد شجره ولا يختلي خلاه, فإن أحد ترخص بقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقولوا إن الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم", يعني بذلك صلوات الله وسلامه عليه قتاله أهله يوم فتح مكة, فإنه فتحها عنوة وقتلت رجال منهم عند الخندمة, وقيل صلحاً لقوله "من أغلق بابه فهو آمن, ومن دخل المسجد فهو آمن, ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن" وقوله: "حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين" يقول تعالى: ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام إلا أن يبدؤوكم بالقتال فيه, فلكم حينئذ قتالهم وقتلهم دفعاً للصائل, كما بايع النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه يوم الحديبية تحت الشجرة على القتال, لما تألبت عليه بطون قريش ومن والاهم من أحياء ثقيف والأحابيش عامئذ, ثم كف الله القتال بينهم فقال "وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم" وقال " ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطئوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم ليدخل الله في رحمته من يشاء لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما " وقوله: "فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم" أي فإن تركوا القتال في الحرم وأنابوا إلى الإسلام والتوبة, فإن الله يغفر ذنوبهم ولو كانوا قد قتلوا المسلمين في حرم الله فإنه تعالى لا يتعاظمه ذنب أن يغفره لمن تاب منه إليه, ثم أمر الله بقتال الكفار "حتى لا تكون فتنة", أي شرك قاله ابن عباس وأبو العالية ومجاهد والحسن وقتادة والربيع ومقاتل بن حيان والسدي وزيد بن أسلم "ويكون الدين لله" أي يكون دين الله هو الظاهر العالي على سائر الأديان, كما ثبت في الصحيحين عن أبي موسى الأشعري قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل رياء, أي ذلك في سبيل الله ؟ فقال: "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله" وفي الصحيحين "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله, فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله".
وقوله: "فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين" يقول تعالى فإن انتهوا عما هم فيه من الشرك وقتال المؤمنين فكفوا عنهم, فإن من قاتلهم بعد ذلك فهو ظالم ولا عدوان إلا على الظالمين, وهذا معنى قول مجاهد أن لا يقاتل إلا من قاتل أو يكون تقديره فإن انتهوا تخلصوا من الظلم وهو الشرك, فلا عدوان عليهم بعد ذلك, والمراد بالعدوان ههنا المعاقبة والمقاتلة كقوله: "فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم" وقوله: "وجزاء سيئة سيئة مثلها" "وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به" ولهذا قال عكرمة وقتادة: الظالم الذي أبى أن يقول لا إله إلا الله, وقال البخاري: قوله: "وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة" الاية, حدثنا محمد بن بشار , حدثنا عبد الوهاب حدثنا عبيد الله عن نافع, عن ابن عمر قال: أتاه رجلان في فتنة ابن الزبير فقالا: إن الناس ضيعوا وأنت ابن عمر وصاحب النبي صلى الله عليه وسلم فما يمنعك أن تخرج ؟ فقال يمنعني أن الله حرم دم أخي, قالا: ألم يقل الله "وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة" ؟ فقال: قاتلنا حتى لم تكن فتنة وكان الدين لله, وأنتم تريدون أن تقاتلوا حتى تكون فتنة, وحتى يكون الدين لغير الله, وزاد عثمان بن صالح عن ابن وهب, أخبرني فلان وحيوة بن شريح عن بكر بن عمر المغافري, أن بكير بن عبد الله حدثه عن نافع, أن رجلاً أتى ابن عمر فقال: يا أبا عبد الرحمن ما حملك على أن تحج عاماً وتقيم عاماً وتترك الجهاد في سبيل الله عز وجل, وقد علمت ما رغب الله فيه ؟ فقال: يا ابن أخي بني الإسلام على خمس: الإيمان بالله ورسوله والصلوات الخمس وصيام رمضان وأداء الزكاة وحج البيت. قالوا: يا أبا عبد الرحمن, ألا تسمع ما ذكر الله في كتابه, " وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله " "وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة" قال فعلنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان الإسلام قليلاً, فكان الرجل يفتن في دينه إما قتلوه أو عذبوه, حتى كثر الإسلام فلم تكن فتنة, قال فما قولك في علي وعثمان ؟ قال: أما عثمان فكان الله عفا عنه, وأما أنتم فكرهتم أن يعفو عنه, وأما علي فابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وختنه, فأشار بيده, فقال: هذا بيته حيث ترون.
قوله: 193- "وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة" فيه الأمر بمقاتلة المشركين إلى غاية هي أن لا تكون فتنة وأن يكون الدين لله، وهو الدخول في الإسلام، والخروج عن سائر الأديان المخالفة له، فمن دخل في الإسلام وأقلع عن الشرك لم يحل قتاله، قيل: المراد بالفتنة هنا الشرك، والظاهر أنها الفتنة في الدين على عمومها كما سلف. قوله: "فلا عدوان إلا على الظالمين" أي لا تعتدوا إلا على من ظلم وهو من لم ينته عن الفتنة، ولم يدخل في الإسلام، وإنما سمي جزاء الظالمين عدواناً مشاكلة كقوله تعالى: "وجزاء سيئة سيئة مثلها". وقوله: "فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه".
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله: "وقاتلوا في سبيل الله" الآية أنها أول آية نزلت في القتال بالمدينة، فما نزلت كان رسول الله يقاتل من قاتله، ويكف عمن كف عنه، حتى نزلت سورة براءة. وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد في هذه الآية قال: إن أصحاب محمد أمروا بقتال الكفار. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "ولا تعتدوا" يقول: لا تقتلوا النساء والصبيان والشيخ الكبير ولا من ألقى السلم وكف يده، فإن فعلتم فقد اعتديتم. وأخرج ابن أبي شيبة عن عمر بن عبد العزيز أنه قال: إن هذه الآية في النساء والذرية، وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله: "والفتنة أشد من القتل" يقول: الشرك أشد من القتل. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في الآية قال: ارتداد المؤمن إلى الوثن أشد عليه من أن يقتل محقاً. وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود في ناسخه وابن جرير عن قتادة في قوله: "ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه" قال: حتى يبدأوا بالقتال، ثم نسخ بعد ذلك فقال: "وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة". وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وأبو داود في ناسخه عن قتادة أن قوله: "ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام" وقوله: "يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير" فكان كذلك حتى نسخ هاتين الآيتين جميعاً في براءة قوله: "فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم"، "وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة". وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله: "فإن انتهوا" قال: فإن تابوا. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل من طرق عن ابن عباس في قوله: "وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة" يقول: شرك بالله "ويكون الدين" ويخلص التوحيد لله. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في الآية، قال: الشرك. وقوله: "فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين" قال: لا تقاتلوا إلا من قاتلكم. وأخرج ابن جرير عن الربيع في قوله: "ويكون الدين لله" يقول: حتى لا تعبدوا إلا الله. وأخرج أيضاً عن عكرمة في قوله: "فلا عدوان إلا على الظالمين" قال: هم من أبي أن يقول لا إله إلا الله. وأخرج عبد بن حميد ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة نحوه.
193. " وقاتلوهم " يعني المشركين " حتى لا تكون فتنة " أي شرك يعني قاتلوهم حتى يسلموا فلا يقبل من الوثني إلا الإسلام فإن أبى قتل " ويكون الدين " أي الطاعة والعبادة (لله) وحده فلا يعبد شيء دونه.
قال نافع : جاء رجل إلى ابن عمر في فتنة ابن الزبير فقال ما يمنعك أن تخرج؟ قال: يمنعني أن الله تعالى قد حرم دم أخي، قال: ألا تسمع ما ذكره الله عز وجل " وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا " (9-الحجرات) قال يا ابن أخي: لأن أعير بهذه الآية ولا أقاتل أحب إلي من أن أعير بالآية التي يقول الله عز وجل فيها " ومن يقتل مؤمناً متعمداً " (93-النساء) قال ألم يقل الله " وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة " قال قد فعلنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ كان الإسلام قليلاً وكان الرجل يفتن في دينه إما يقتلونه أو يعذبونه حتى كثر الإسلام فلم تكن فتنة وكان الدين كله لله، وأنتم تريدون أن تقاتلوا حتى تكون فتنة ويكون الدين لغير الله، وعن سعيد بن جبير قال: قال رجل لابن عمر: كيف ترى في قتال الفتنة؟ فقال: هل تدري ما الفتنة؟ كان محمد صلى الله عليه وسلم يقاتل المشركين وكان الدخول عليهم فتنة وليس بقتالكم على الملك ( فإن انتهوا ) عن الكفر وأسلموا " فلا عدوان " فلا سبيل ( إلا على الظالمين ) قال ابن عباس: يدل عليه قوله تعالى " أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي " (28-القصص) وقال أهل المعاني: العدوان الظلم، أي فإن أسلموا فلا نهب ولا أسر ولا قتل " إلا على الظالمين " الذين بقوا على الشرك وما يفعل بأهل الشرك من هذه الأشياء لا يكون ظلماً، وسماه عدواناً على طريق المجازاة والمقابلة، كما قال ( فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه ) وكقوله تعالى " وجزاء سيئة سيئة مثلها " (40-الشورى) وسمي الكافر ظالماً لأنه يضع العبادة في غير موضعها.
193-" وقاتلوهم حتى لا تكون فتنةً " شرك " ويكون الدين لله " خالصاً له ليس للشيطان فيه نصيب . " فإن انتهوا " عن الشرك . " فلا عدوان إلا على الظالمين " أي فلا تعتدوا على المنتهين إذ لا يحسن أن يظلم إلا من ظلم ، فوضع العلة موضع الحكم . وسمي جزاء الظلم باسمه للمشاكلة كقوله : " فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم " . أو أنكم إن تعرضتم للمنتهين صرتم ظالمين وينعكس الأمر عليكم ، والفاء الأولى للتعقيب والثانية للجزاء .
193. And fight them until persecution is no more, and religion is for Allah. But if they desist, then let there be no hostility except against wrongdoers.
193 - And fight them on until there is no more tumult or oppression, and there prevail justice and faith in God; but if they cease, let there be no hostility except to those who practise oppression.