[البقرة : 161] إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ
(إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار) حال (أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين) أي هم مستحقون ذلك في الدنيا والآخرة. والناس قيل: عام. وقيل: المؤمنون
القول في تأويل قوله تعالى: "إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين" قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: "إن الذين كفروا" إن الذين جحدوا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وكذبوا به- من اليهود والنصارى وسائر أهل الملل، والمشركين من عبدة الأوثان- "وماتوا وهم كفار"، يعني: وماتوا وهم على جحودهم ذلك وتكذيبهم محمداً صلى الله عليه وسلم ، "أولئك عليهم لعنة الله والملائكة"، يعني: فأولئك الذين كفروا وماتوا وهم كفار عليهم لعنة الله، يقول: أبعدهم الله وأسحقهم من رحمته، "والملائكة"، يعني: ولعنهم الملائكة والناس أجمعون. ولعنة الملائكة والناس إياهم قولهم: عليهم لعنة الله. وقد بينا معنى اللعنة فيما مضى قبل بما أغنى عن إعادته. فإن قال قائل: وكيف تكون على الذي يموت كافرا بمحمد صلى الله عليه وسلم [لعنة الناس أجمعين] من أصناف الأمم، وأكثرهم ممن لا يؤمن به ويصدقه؟ قيل: إن معنى ذلك على خلاف ما ذهب إليه. وقد اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك. فقال بعضهم: عنى الله بقوله: "والناس أجمعين"، أهل الإيمان به وبرسوله خاصة، دون سائر البشر. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "والناس أجمعين"، يعني ـ "الناس أجمعين": المؤمنين. حدثني المثنى قال، حدثنا إسحق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن قتادة: "والناس أجمعين"، يعني بـ "الناس أجمعين": المؤمنين. وقال آخرون: بل ذلك يوم القيامة، يوقف على رؤوس الأشهاد الكافر فيلعنه الناس كلهم. ذكر من قال ذلك:حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن قتادة، عن أبي العالية:إن الكافر يوقف يوم القيامة فيلعنه الله، ثم تلعنه الملائكة، ثم يلعنه الناس أجمعون. وقال آخرون: بل ذلك قول القائل كائنا من كان: لعن الله الظالم ، فيلحق ذلك كل كافر،لأنه من الظلمة. ذكر من قال ذلك: حدثني موسى بن هرون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط، عن السدي
قوله: "أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين"، فإنه لا يتلاعن اثنان مؤمنان ولا كافران فيقول أحدهما: لعن الله الظالم ، إلا وجبت تلك اللعنة على الكافر، لأنه ظالم، فكل أحد من الخلق يلعنه.قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال بالصواب عندنا قول من قال: عنى الله بذلك جميع الناس، بمعنى لعنهم إياهم بقولهم: لعن الله الظالم- أو الظالمين . فإن كل أحد من بني آدم لا يمتنع من قيل ذلك كائناً من كان، ومن أي أهل ملة كان، فيدخل بذلك في لعنته كل كافر كائناً من كان. وذلك بمعنى ما قاله أبو العالية. لأن الله تعالى ذكره أخبر عمن شهدهم يوم القيامة أنهم يلعنونهم فقال: "ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أولئك يعرضون على ربهم ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين" [هود:18].وأما ما قاله قتادة: من أنه عنى به بعض الناس، فقول ظاهر التنزيل بخلافه، ولا برهان على حقيقته من خبر ولا نظر. فإن كان ظن أن المعني به المؤمنون، من أجل أن الكفار لا يلعنون أنفسهم ولا أولياءهم، فإن الله تعالى ذكره قد أخبر أنهم يلعنونهم في الاخرة. ومعلوم منهم أنهم يلعنون الظلمة، وداخل في الظلمة كل كافر، بظلمه نفسه، وجحوده نعمة ربه، ومخالفته أمره.
قوله تعالى : "إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين" .
هذا وعيد شديد لمن كتم ما جاء به الرسل من الدلالات البينة على المقاصد الصحيحة, والهدى النافع للقلوب من بعد ما بينه الله تعالى لعباده من كتبه التي أنزلها على رسله, قال أبو العالية: نزلت في أهل الكتاب, كتموا صفة محمد صلى الله عليه وسلم, ثم أخبر أنهم يلعنهم كل شيء على صنيعهم ذلك, فكما أن العالم يستغفر له كل شيء حتى الحوت في الماء , والطير في الهواء , فهؤلاء بخلاف العلماء , فيلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون, وقد ورد في الحديث المسند من طرائق يشد بعضها بعضاً عن أبي هريرة وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال: "من سئل عن علم فكتمه, ألجم يوم القيامة بلجام من نار" والذي في الصحيح عن أبي هريرة أنه قال: لولا آية في كتاب الله, ما حدثت أحداً شيئاً "إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى" الاية, وقال ابن أبي حاتم: حدثنا الحسن بن عرفة حدثنا عمار بن محمد عن ليث بن أبي سليم عن المنهال بن عمرو , عن زاذان أبي عمرو , عن البراء بن عازب, قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة, فقال: "إن الكافر يضرب ضربة بين عينيه, يسمعها كل دابة غير الثقلين, فتلعنه كل دابة سمعت صوته, فذلك قول الله تعالى, "أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون" يعني دواب الأرض" ورواه ابن ماجة عن محمد بن الصباح, عن عامر بن محمد به, وقال عطاء بن أبي رباح: كل دابة والجن والإنس, وقال مجاهد: إذا أجدبت الأرض, قال البهائم: هذا من أجل عصاة بني آدم, لعن الله عصاة بني آدم, وقال أبو العالية والربيع بن أنس وقتادة "ويلعنهم اللاعنون" يعني تلعنهم الملائكة والمؤمنون, وقد جاء في الحديث أن العالم يستغفر له كل شيء, حتى الحيتان في البحر , وجاء في هذه الاية أن كاتم العلم يلعنه الله والملائكة والناس أجمعون واللاعنون أيضاً, وهم كل فصيح وأعجمي, إما بلسان المقال, أو الحال, أن لو كان له عقل ويوم القيامة والله أعلم. ثم استثنى الله تعالى من هؤلاء من تاب إليه, فقال: "إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا" أي رجعوا عما كانوا فيه وأصلحوا أعمالهم وبينوا للناس ما كانوا يكتمونه "فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم" وفي هذا دلالة على أن الداعية إلى كفر , أو بدعة إذا تاب إلى الله تاب الله عليه: وقد ورد أن الأمم السابقة لم تكن التوبة تقبل من مثل هؤلاء منهم ولكن هذا من شريعة نبي التوبة ونبي الرحمة صلوات الله وسلامه عليه, ثم أخبر تعالى عمن كفر به واستمر به الحال إلى مماته بأن " عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين * خالدين فيها " أي في اللعنة التابعة لهم إلى يوم القيامة ثم المصاحبة فهم في نار جهنم التي "لا يخفف عنهم العذاب" فيها أي لا ينقص عما هم فيه "ولا هم ينظرون" أي لا يغير عنهم ساعة واحدة ولا يفتر بل هو متواصل دائم فنعوذ بالله من ذلك. قال أبو العالية وقتادة إن الكافر يوقف يوم القيامة فيلعنه الله ثم تلعنه الملائكة, ثم يلعنه الناس أجمعون.
(فصل) لا خلاف في جواز لعن الكفار , وقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه ومن بعده من الأئمة, يلعنون الكفرة في القنوت وغيره, فأما الكافر المعين, فقد ذهب جماعة من العلماء إلى أنه لا يلعن لأنا لا ندري بما يختم الله له, واستدل بعضهم بالاية "إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين" وقالت طائفة أخرى: بل يجوز لعن الكافر المعين, واختاره الفقيه أبو بكر بن العربي المالكي ولكنه احتج بحديث فيه ضعف, واستدل غيره بقوله عليه السلام في قصة الذي كان يؤتى به سكران فيحده, فقال رجل لعنه الله: ما أكثر ما يؤتى به, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله" فدل على أن من لا يحب الله ورسوله يلعن, والله أعلم.
قوله: 161- "وماتوا وهم كفار" هذه الجملة حالية، وقد استدل بذلك على أنه لا يجوز لعن كافر معين، لأن حاله عند الوفاة لا يعلم، ولا ينافي ذلك ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من لعنه لقوم من الكفار بأعيانعم، لأنه يعلم بالوحي ما لا نعلم، وقيل: يجوز لعنه عملاً بظاهر الحال كما يجوز قتاله. قوله: "أولئك عليهم لعنة الله" إلخ، استدل به على جواز لعن الكفار على العموم. قال القرطبي: ولا خلاف في ذلك. قال: وليس لعن الكافر بطريق الزجر له عن الكفر، بل هو جزاء على الكفر وإظهار قبح كفره سواء كان الكافر عاقلاً أو مجنوناً. وقال قوم من السلف: لا فائدة في لعن ما جن أو مات منهم لا بطريق الجزاء ولا بطريق الزجر. قال: ويدل على هذا القول أن الآية دالة على الإخبار عن الله والملائكة والناس بلعنهم لا على الأمر به. قال ابن العربي: إن لعن العاصي المعين لا يجوز باتفاق، لما روي: "أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بشارب خمر مراراً، فقال بعض من حضر: لعنه الله ما أكثر ما يشربه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تكونوا عوناً للشيطان على أخيكم" والحديث في الصحيحين. وقوله: "والناس أجمعين" قيل: هذا يوم القيامة، وأما في الدنيا ففي الناس المسلم والكافر، ومن يعلم بالمعاصي ومعصيته ومن لا يعلم، فلا يتأتى اللعن له من جميع الناس، وقيل: في الدنيا، والمراد أنه يلعنه غالب الناس أو كل من علم بمعصيته منهم.
161. " إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة " أي لعنة الملائكة " والناس أجمعين " قال أبو العالية : هذا يوم القيامة يوقف الكافر فيلعنه الله ثم تلعنه الملائكة ثم يلعنه الناس فإن قيل فقد قال " والناس أجمعين " والملعون هو من جملة الناس فكيف يلعن نفسه؟ قيل يلعن نفسه في القيامة قال الله تعالى: " ويلعن بعضكم بعضاً " (25-العنكبوت) وقيل إنهم يلعنون الظالمين والكافرين ومن يلعن الظالمين والكافرين وهو منهم فقد لعن نفسه
161-" إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار " أي ومن لم يتب من الكاتمين حتى مات " أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين " استقر عليهم اللعن من الله ،ومن يعتد بلعنه من خلقه . وقيل ، الأول لعنهم أحياء ، وهذا لعنهم أمواتاً . وقرئ و الملائكة والناس أجمعون عطفاً على محل اسم الله لأنه فاعل في المعنى ، كقولك أعجبني ضرب زيد وعمرو ، أو فاعلاً لفعل مقدر نحو وتلعنهم الملائكة .
161. Lo! those who disbelieve, and die while they are disbelievers; on them is the curse of Allah and of angels and of men combined.
161 - Those who reject faith, and die rejecting, on them is God's curse, and the curse of angels, and of mankind;