[البقرة : 149] وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ
(ومن حيث خرجت) لسفر (فول وجهك شطر المسجد الحرام وإنه للحق من ربك وما الله بغافل عما تعملون) بالتاء والياء تقدم مثله ، وكرره لبيان تساوي حكم السفر وغيره
القول في تأويل قوله تعالى: "ولكل وجهة هو موليها" قال أبو جعفر: يعني بقوله تعالى ذكره: "ولكل"، ولكل أهل ملة، فحذف، أهل الملة واكتفى بدلالة الكلام عليه، كما: حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن
أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله عز وجل: "ولكل وجهة"، قال: لكل صاحب ملة. حدثنا المثنى قال، حدثنا إسحق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن قتادة:"ولكل وجهة هو موليها"، فلليهودي وجهة هو موليها، وللنصراني وجهة هو موليها، وهداكم الله عز وجل أنتم أيها الأمة للقبلة التي هي قبلة.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، قال، قلت لعطاء قوله: "ولكل وجهة هو موليها"، قال: لكل أهل دين، اليهود والنصارى، قال ابن جريج، قال مجاهد: لكل صاحب ملة. حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: "ولكل وجهة هو موليها"، قال: لليهود قبلة، وللنصارى قبلة، ولكم قبلة، يريد المسلمين.
حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: "ولكل وجهة هو موليها"، يعني بذلك أهل الأديان. يقول: لكل قبلة يرضونها، ووجه الله تبارك وتعالى اسمه حيث توجه المؤمنون. وذلك أن الله تعالى ذكره قال: "فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم" [البقرة: 115]. حدثني موسى بن هرون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "ولكل وجهة هو موليها"، يقول: لكل قوم قبلة قد ولوها. فتأويل أهل هذه المقالة في هذه الآية: ولكل أهل ملة قبلة هو مستقبلها، ومول وجهه إليها. وقال آخرون بما: حدثنا به الحسن بن يحيى قال، حدثنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة: "ولكل وجهة هو موليها"، قال: هي صلاتهم إلى بيت المقدس، وصلاتهم إلى الكعبة. وتأويل قائل هذه المقالة: ولكل ناحية وجهك إليها ربك يا محمد قبلة، الله عز وجل موليها عباده.
وأما الوجهة، فإنها مصدر مثل القعدة و المشية، من التوجه وتأويلها: متوجه، يتوجه إليه بوجهه في صلاته، كما:
حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "وجهة"، قبلة.
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهدمثله. حدثني المثنى قال، حدثنا إسحق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن قتادة:
"ولكل وجهة"، قال:، وجه. حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: وجهه، قبلة.حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير قال، قلت لمنصور: "ولكل وجهة هو موليها"، قال: نحن نقرؤها، ولكل جعلنا قبلة يرضونها.وأما قولة: "هو موليها"، فإنه يعني هو مول وجهه إليها ومستقبلها، كما:
حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "هو موليها"، قال: هو مستقبلها.حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهدمثله. ومعنى، التولية ههنا الإقبال، كما يقول القائل لغيره: انصرف إلي بمعنى: أقبل إلي. والانصراف المستعمل، إنما هو الانصراف عن الشيء، ثم يقال: انصرف إلى الشيء، بمعنى: أقبل إليه منصرفاً عني غيره. وكذلك يقال وليت عنه ، إذا أدبرت عنه. ثم يقال: وليت إليه، بمعنى أقبلت إليه مولياً عن غيره. والفعل- أعني التولية- في قوله: "هو موليها" للكل. وهو التي مع موليها، هو الكل ، وحدت للفظ الكل .فمعنى الكلام إذا: ولكل أهل ملة وجهة، الكل منهم مولوها وجوههم.وقد روي عن ابن عباس وغيره أنهم قرأوها: هو مولاها، بمعنى أنه موجه نحوها. ويكون الكل حينئذ غير مسمى فاعله، ولو سمي فاعله، لكان الكلام: ولكل ذي ملة وجهة، الله موليه إياها، بمعنى: موجهه إليها. وقد ذكر عن بعضهم أنه قرأ ذلك: "ولكل وجهة" بترك التنوين والإضافة وذلك لحن، ولا تجوز القراءة به. لأن ذلك- إذا قرىء كذلك- كان الخبر غير تائم وكان كلاماً لا معنى له. وذلك غير جائز أن يكون من الله جل ثناؤه. والصواب عندنا من القراءة في ذلك: "ولكل وجهة هو موليها"، بمعنى: ولكل وجهة وقبلة،
ذلك الكل مول وجهه نحوها. لإجماع الحجة من القراء على قراءة ذلك كذلك، وتصويبها إياها، وشذوذ من خالف ذلك إلى غيره، وما جاء به النقل مستفيضاً فحجة، وما انفرد به من كان جائزاً عليه السهو والغلط، فغير جائز الاعتراض به على الحجة.القول في تأويل قوله تعالى: "فاستبقوا الخيرات"قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: "فاستبقوا"، فبادروا وسارعوا، من الاستباق، وهو
المبادرة والإسراع، كما: حدثني المثنى قال، حدثنا إسحق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن قتادة قوله: "فاستبقوا الخيرات"، يقول: فسارعوا في الخيرات. وإنما يعني بقوله: "فاستبقوا الخيرات"، أي: قد بينت لكم أيها المؤمنون الحق، وهديتكم للقبلة التي ضفت عنها اليهود والنصارى وسائر أهل الملل غيركم، فبادروا بالأعمال الصالحة، شكراً لربكم، وتزودوا في دنياكم لآخرتكم، فإني قد بينت لكم سبل النجاة، فلا عذر لكم في التفريط، وحافظوا على قبلتكم، فلا تضيعوها كما ضيعتها الأمم قبلكم، فتضلوا كما ضلت، كالذي:حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: "فاستبقوا الخيرات"، يقول: لا تغلبن على قبلتكم. حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: "فاستبقوا الخيرات"، قال: الأعمال الصالحة. القول في تأويل قوله تعالى:" أين ما تكونوا يأت بكم الله جميعا إن الله على كل شيء قدير" قال أبو جعفر: ومعنى قوله: "أين ما تكونوا يأت بكم الله جميعا"، في أي مكان وبقعة تهلكون فيه، يأت بكم الله جميعاً يوم القيامة، إن الله على كل شيء قدير، كما: حدثت عن عمار بن الحسن قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن قتادة: "أين ما تكونوا يأت بكم الله جميعا"، يقول: أينما تكونوا يأت بكم الله جميعاً يوم القيامة. حدثنا موسى قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "أين ما تكونوا يأت بكم الله جميعا"، يعني: يوم القيامة.
قال أبو جعفر: وإنما خص الله عز وجل المؤمنين بهذه الآية على طاعته، والتزود في الدنيا للاخرة، فقال جل ثناؤه لهم: فاستبقوا أيها المؤمنون إلى العمل بطاعة ربكم، ولزوم ما هداكم له من قبلة إبراهيم خليله وشرائع دينه، فإن الله تعالى ذكره يأتي بكم وبمن خالف قبلتكم ودينكم وشريعتكم جميعاً يوم القيامة، من حيث كنتم من بقاع الأرض، حتى يوفي المحسن منكم جزاءه بإحسانه، والمسيء عقابه بإساءته، أويتفضل فيصفح.وأما قوله: "إن الله على كل شيء قدير"، فإنه تعالى ذكره يعني: إن الله تعالى على جمعكم- بعد مماتكم- من قبوركم إليه، من حيث كنتم وكانت قبوركم، وعلى غير ذلك مما يشاء، قدير. فبادروا خروج أنفسكم بالصالحات من الأعمال قبل مماتكم، ليوم بعثكم وحشركم.
قوله تعالى : "ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وإنه للحق من ربك وما الله بغافل عما تعملون" .
هذا أمر ثالث من الله تعالى باستقبال المسجد الحرام من جيمع أقطار الأرض، قد اختلفوا في حكمة هذا التكرار ثلاث مرات، فقيل، تأكيد لأنه أول ناسخ وقع في الإسلام على ما نص فيه ابن عباس وغيره، وقيل: بل هو منزل على أحوال، فالأمر الأول لمن هو مشاهد الكعبة، والثاني لمن هو في مكة غائباً عنها، والثالث لمن هو في بقية البلدان، هكذا وجهه فخر الدين الرازي. وقال القرطبي: الأول لمن هو بمكة، والثاني لمن هو في بقية الأمصار ، والثالث لمن خرج في الأسفار، ورجح هذا الجواب القرطبي، وقيل: إنما ذكر ذلك لتعلقه بما قبله أو بعده من السياق، فقال: أولاً "قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها" إلى قوله "وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم وما الله بغافل عما يعملون" فذكر في هذا المقام إجابته إلى طلبته وأمره بالقبلة التي كان كان يود التوجه إليها ويرضاها، وقال في الأمر الثاني، "ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وإنه للحق من ربك وما الله بغافل عما تعملون" فذكر أنه الحق من الله وارتقاءه المقام الأول، حيث كان موافقاً لرضا الرسول صلى الله عليه وسلم فبين أنه الحق أيضاً من الله يحبه ويرتضيه، وذكر في الأمر الثالث حكمة قطع حجة المخالف من اليهود الذين كانوا يتحججون باستقبال الرسول إلى قبلتهم وقد كانوا يعلمون بما في كتبهم أنه سيصرف إلى قبلة إبراهيم عليه السلام إلى الكعبة، وكذلك مشركو العرب انقطعت حجتهم لما صرف الرسول صلى الله عليه وسلم عن قبلة اليهود إلى قبلة إبراهيم التي هي أشرف، وقد كانوا يعظمون الكعبة وأعجبهم استقبال الرسول إليها، وقيل غير ذلك من الأجوبة عن حكمة التكرار ، وقد بسطها الرازي وغيره، والله أعلم. وقوله، "لئلا يكون للناس عليكم حجة" أي: أهل الكتاب فإنهم يعلمون من صفة هذه الأمة التوجه إلى الكعبة، فإذا فقدوا ذلك من صفتها ربما احتجوا بها على المسلمين، ولئلا يحتجوا بموافقة المسلمين إياهم في التوجه إلى بيت المقدس، وهذا أظهر ، قال أبو العالية: "لئلا يكون للناس عليكم حجة" يعني به أهل الكتاب حين قالوا: صرف محمد إلى الكعبة. وقالوا: اشتاق الرجل إلى بيت أبيه ودين قومه وكان حجتهم على النبي صلى الله عليه وسلم انصرافه إلى البيت الحرام، أن قالوا، سيرجع إلى ديننا كما رجع إلى قبلتنا، قال ابن أبي حاتم: وروي عن مجاهد وعطاء والضحاك والربيع بن أنس وقتادة والسدي نحو هذا، وقال هؤلاء في قوله "إلا الذين ظلموا منهم" يعني مشركي قريش. ووجه بعضهم حجة الظلمة وهي داحضة، أن قالوا: إن هذا الرجل يزعم أنه على دين إبراهيم، فلم يرجع عنه والجواب أن الله تعالى اختار له التوجه إلى بيت المقدس، أولا لما له تعالى في ذلك من الحكمة، فأطاع ربه تعالى في ذلك ثم صرفه إلى قبلة إبراهيم وهي الكعبة، فامتثل أمر الله في ذلك أيضاً، فهو صلوات الله وسلامه عليه مطيع لله في جميع أحواله لا يخرج عن أمر الله طرفة عين وأمته تبع له، وقوله، "فلا تخشوهم واخشوني" أي لا تخشوا شبه الظلمة المتعنتين وأفردوا الخشية لي، فإنه تعالى هو أهل أن يخشى منه، وقوله: "ولأتم نعمتي عليكم" عطف على "لئلا يكون للناس عليكم حجة"، أي، لأتم نعمتي عليكم فيما شرعت لكم من استقبال الكعبة، لتكمل لكم الشريعة من جميع وجوهها "ولعلكم تهتدون" أي إلى ما ضلت عنه الأمم هديناكم إليه وخصصناكم به، ولهذا كانت هذه الأمة أشرف الأمم وأفضلها.
وقوله: 149- "ومن حيث خرجت" كرر سبحانه هذا لتأكيد الأمر باستقبال الكعبة، وللاهتمام به، لأن موقع التحويل كان معتنى به في نفوسهم، وقيل: وجه التكرير أن النسخ من مظان الفتنة ومواطن الشبهة، فإذا سمعوه مرة بعد أخرى ثبتوا واندفع ما يختلج في صدورهم، وقيل: إنه كرر هذا الحكم لتعدد علله، فإنه سبحانه ذكر للتحويل ثلاث علل: الأولى ابتغاء مرضاته، والثانية جري العادة الإلهية أن يولي كل أهل ملة وصاحب دعوة جهة يستقل بها والثالثة دفع حجج المخالفين فقرن بكل علة معلولها، وقيل أراد بالأول: ول وجهك شطر الكعبة إذا صليت تلقاءها، ثم قال: وحيثما كنتم معاشر المسلمين في سائر المساجد بالمدينة وغيرها فولوا وجوهكم شطره، ثم قال: "ومن حيث خرجت" يعني وجوب الاستقبال في الأسفار فكان هذا أمر بالتوجه إلى الكعبة في جميع المواطن من نواحي الأرض.
149. قوله تعالى " ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وإنه للحق من ربك وما الله بغافل عما تعملون " قرأ أبو عامر بالياء والباقون بالتاء.
149-" ومن حيث خرجت " ومن أي مكان خرجت للسفر " فول وجهك شطر المسجد الحرام " إذا صليت " وإنه " وإن هذا الأمر " للحق من ربك وما الله بغافل عما تعملون " وقرأ أبو عمرو بالياء والباقون بالتاء . 7
149. And whencesoever thou comest forth (for prayer, O Muhammad) turn thy face toward the Inviolable Place of Worship. Lo! it is the Truth from thy Lord Allah is not unaware of what ye do.
149 - From whencesoever thou startest forth, turn thy face in the direction of the sacred mosque; that is indeed the truth from thy Lord. and God is not unmindful of what ye do.