[البقرة : 143] وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ
(وكذلك) كما هديناكم إليه (جعلناكم) يا أمة محمد (أمة وسطا) خياراً عدولاً (لتكونوا شهداء على الناس) يوم القيامة أن رسلهم بلغتهم (ويكون الرسول عليكم شهيدا) أنه بلغكم (وما جعلنا) صيرنا (القبلة) لك الآن الجهة (التي كنت عليها) أولا وهي الكعبة وكان صلى الله عليه وسلم يصلي إليها فلما هاجر أمر باستقبال بيت المقدس تألفا لليهود فصلى إليه ستة أو سبعة عشر شهرا ثم حول (إلا لنعلم) علم ظهور (من يتبع الرسول) فيصدقه (ممن ينقلب على عقبيه) أي يرجع إلى الكفر شكا في الدين وظنا أن النبي صلى الله عليه وسلم في حيرة من أمره وقد ارتد لذلك جماعة (وإن) مخففة من الثقيلة واسمها محذوف أي: وإنها (كانت) أي التولية إليها (لكبيرة) شاقة على الناس (إلا على الذين هدى الله) منهم (وما كان الله ليضيع إيمانكم) أي صلاتكم إلى بيت المقدس بل يثيبكم عليه لأن سبب نزولها السؤال عمن مات قبل التحويل (إن الله بالناس) المؤمنين (لرؤوف رحيم) في عدم إضاعة أعمالهم ، والرأفة شدة الرحمة وقدم الأبلغ للفاصلة
القول في تأويل قوله تعالى: "سيقول السفهاء من الناس" قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: "سيقول السفهاء"، سيقول الجهال "من الناس"، وهم اليهود وأهل النفاق.وإنما سماهم الله عز وجل سفهاء، لأنهم سفهوا الحق. فتجاهلت أحبار اليهود، وتعاظمت جهالهم وأهل الغباء منهم، عن اتباع محمد صلى الله عليه وسلم، إذ كان من العرب ولم يكن من بني إسرائيل، وتحير المنافقون فتبلدوا.
وبما قلنا في السفهاء- أنهم هم اليهود وأهل النفاق- قال أهل التأويل.ذكر من قال: هم اليهود:حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله عز وجل: "سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم"، قال: اليهود تقوله، حين قيك بيت المقدس حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله. حدثت عن أحمد بن يونس، عن زهير، عن أبي إسحق، عن البراء: "سيقول السفهاء من الناس"، قال: اليهود. حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع، عن إسرائيل، عن أبي إسحق، عن البراء: "سيقول السفهاء من الناس"، قال: اليهود. حدثني المثنى قال، حدثنا الحمانى قال، حدثنا شريك، عن أبي إسحق، عن البراء في قوله: "سيقول السفهاء من الناس"، قال: أهل الكتاب. حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قال: اليهود. وقال آخرون: "السفهاء"، المنافقون.ذكر من قال ذلك: حدثنا موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: نزلت: "سيقول السفهاء من الناس" في المنافقين.القول في تأويل قوله تعالى: "ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها" قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: "ما ولاهم": أي شيء صرفهم عن قبلتهم؟ وهو من قول القائل: ولاني فلان دبره إذا حول وجهه عنه واستدبره، فكذلك قوله: "ما ولاهم"؟ أي شيء حول وجوههم؟وأما قوله: "عن قبلتهم"، فإن قبلة كل شيء ما قابل وجهه. وإنما هي فعلة به خزلة الجلسة والقعدة، من قول القائل: قابلت فلانا، إذا صرت قبالته أقابله، فهو لي قبلة وأنا له قبلة، إذا قابل كل واحد منهما بوجهه وجه صاحبه.قال أبو جعفر: فتأويل الكلام إذاً- إذ كان ذلك معناه-: سيقول السفهاء من الناس لكم، أيها المؤمنون بالله ورسوله،- إذا حولتم وجوهكم عن قبلة اليهود التي كانت لكم قبلة، قبل أمري إياكم بتحويل وجوهكم عنها شطر المسجد الحرام-: أي شيء حول وجوه هؤلاء، فصرفها عن الموضع الذي كانوا يستقبلونه بوجوههم في صلاتهم؟فأعلم الله جل ثناؤه نبيه صلى الله عليه وسلم، ما اليهود والمنافقون قائلون من القول عند تحويل قبلته وقبلة أصحابه عن الشأم إلى المسجد الحرام، وعلمه ما ينبغي أن يكون من رده عليهم من الجواب، فقال له: إذا قالوا ذلك لك يا محمد، فقل لهم: "لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم"وكان سبب ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى نحو بيت المقدس مدة سنذكر مبلغها فيما بعد إن شاء الله تعالى، ثم أراد الله تعالى صرف قبلة نبيه صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الحرام. فأخبره عما اليهود قائلوه من القول عند صرفه وجهه ووجه أصحابه شطره، وما الذي ينبغي أن يكون من رده عليهم من الجواب. ذكر المدة التي صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه نحو بيت المقدس، وما كان سبب صلاته نحوه؟ وما الذي دعا اليهود والمنافقين إلى قيل ما قالوا عند تحويل الله قبلة المؤمنين عن بيت المقدس إلى الكعبة؟اختلف أهل العلم في المدة التي صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو بيت المقدس بعد الهجرة. فقال بعضهم بما: حدثنا أبو كريب قال، حدثنا يونس بن بكير- وحدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة- قالا جميعاً، حدثنا محمد بن إسحق قال، حدثني محمد بن أبي محمد قال، أخبرني سعيد بن جبير، أو عكرمة- شك محمد- عن ابن عباس قال: لما صرفت القبلة عن الشأم إلى الكعبة- وصرفت في رجب، على رأس سبعة عشر شهراً من مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة- أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رفاعة بن قيس، وقردم بن عمرو، وكعب بن الأشرف، ونافع بن أبي نافع هكذا قال ابن حميد، وقال أبو كريب: ورافع بن أبي رافع والحجاج بن عمرو- حليف كعب بن الأشرف- والربيع بن الربيع بن أبي الحقيق، وكنانة بن أبي الحقيق، فقالوا: يا محمد، ما ولاك عن قبلتك التي كنت عليها، وأنت تزعم أنك على ملة إبراهيم ودينه؟ ارجع إلى قبلتك التي كنت عليها نتبعك ونصدقك! وإنما يريدون فتنته عن دينه. فأنزل الله فيهم: "سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها" إلى قوله: "إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه". حدثنا أبو كريب قال، حدثنا أبو بكر بن عياش، قال البراء: "صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو بيت المقدس سبعة عشرشهراً، وكان يشتهي أن يصرف إلى الكعبة. قال: فبينا نحن نصلي ذات يوم، فمر بنا مار فقال: ألا هل علمتم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد صرف إلى الكعبة؟ قال: وقد صلينا ركعتين إلى ههنا، وصلينا ركعتين إلى ههنا" - قال أبو كريب: فقيل له: فيه أبو إسحق؟ فسكت. حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن آدم، عن أبي بكربن عياش، عن أبي إسحق، عن البراء قال: "صلينا بعد قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة سبعة عشرشهراً إلى بيت المقدس." حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا يحيى، عن سفيان قال، حدثنا أبو إسحق، عن البراء ابن عازب قال: "صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم نحو بيت المقدس ستة عشر شهراً، أو سبعة عشر شهرا"ً - شك سفيان- ثم صرفنا إلى الكعبة. حدثني المثنى قال، حدثنا النفيلي قال، حدثنا زهير قال، حدثنا أبو إسحق، عن البراء: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أول ما قدم المدينة، نزل على أجداده- أو أخواله- من الأنصار، وأنه صلى قبل بيت المقدس ستة عشر شهراً، وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت، وأنه صلى صلاة العصر ومعه قوم، فخرج رجل ممن صلى معه، فمر على أهل المسجد وهم ركوع فقال: أشهد لقد صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مكة. فداروا كما هم قبل البيت. وكان يعجبه أن يحول قبل البيت، وكان اليهود أعجبهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي قبل بيت المقدس وأهل الكتاب، فلما ولى وجهه قبل البيت أنكروا ذلك". حدثني عمران بن موسى قال، حدثنا عبد الوارث قال، حدثنا يحيى بن سعيد، عن ابن المسيب قال: "صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو بيت المقدس بعد أن قدم المدينة ستة عشر شهراً، ثم وجه نحو الكعبة قبل بدر بشهرين". وقال آخرون بما: حدثنا عمروبن علي قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عثمان بن سعد الكاتب قال،حدثنا أنس بن مالك قال: "صلى نبي الله صلى الله عليه وسلم نحو بيت المقدس تسعة أشهر أو عشرة أشهر". فبينما هو قائم يصلي الظهر بالمدينة، وقد صلى ركعتين نحو بيت المقدس، انصرف بوجهه إلى الكعبة، فقال السفهاء: "ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها".وقال آخرون بما: حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا أبو داود قال، حدثنا المسعودي، عن عمرو بن مرة، عن ابن أبي ليلى، عن معاذ بن جبل: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فصلى نحو بيت المقدس ثلاثة عشر شهراً. حدثنا أحمد بن المقدام العجلي قال، حدثنا المعتمربن سليمان قال، سمعت أبي قال، حدثنا قتادة، عن سعيد بن المسيب: أن الأنصار صلت القبلة الأولى، قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم بثلاث حجج، وأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى القبلة الأولى بعد قدومه المدينة ستة عشر شهراً، أو كما قال. وكلا الحديثين يحدث قتادة عن سعيد.ذكر السبب الذي كان من أجله يصلي رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو بيت المقدس، قبل أن يفرض عليه التوجه شطر الكعبة.اختلف أهل العلم في ذلك.فقال بعضهم: كان ذلك باختيار من النبي صلى الله عليه وسلم.ذكر من قال ذلك:حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح أبو تميلة قال، حدثنا الحسين بن واقد، عن عكرمة- وعن يزيد النحوي، عن عكرمة- والحسن البصري قالا: أول ما نسخ من القرآن القبلة. وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستقبل صخرة بيت المقدس، وهي قبلة اليهود. فاستقبلها النبي صلى الله عليه وسلم سبعة عشر شهراً ليؤمنوا به ويتبعوه، ويدعو بذلك الأميين من العرب. فقال الله عز وجل: "ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم".حدثني المثنى بن إبراهيم قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: "سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها"، يعنون بيت المقدس. قال الربيع، قال أبو العالية: إن نبي الله صلى الله عليه وسلم خير أن يوجه وجهه حيث شاء، فاختار بيت المقدس لكي يتألف أهل الكتاب، فكانت قبلته ستة عشر شهراً، وهو في ذلك يقلب وجهه في السماء، ثم وجهه الله إلى البيت الحرام. وقال آخرون: بل كان فعل ذلك- من النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه- بفرض الله عز ذكره عليهم.ذكر من قال ذلك:حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثنا معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قال: لما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وكان أكثر، أهلها اليهود، أمره الله أن يستقبل بيت المقدس. ففرحت اليهود. فاستقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعة عشر شهراً، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب قبلة إبراهيم عليه السلام، وكان يدعو وينظر إلى السماء. فأنزل الله عز وجل: "قد نرى تقلب وجهك في السماء" [البقرة: 144] الآية. فارتاب من ذلك اليهود وقالوا: "ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها"؟ فأنزل الله عز وجل: "قل لله المشرق والمغرب". حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أول ما صلى إلى الكعبة، ثم صرف إلى بيت المقدس. فصلت الأنصار نحو بيت المقدس قبل قدومه ثلاث حجج، وصلى بعد قدومه ستة عشر شهراً، ثم ولاه الله جل ثناؤه إلى الكعبة.ذكر السبب الذي من أجله قال من قال: "ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها"؟اختلف أهل التأويل في ذلك. فروي عن ابن عباس فيه قولان. أحدهما ما: حدثنا به ابن حميد قال، حدثنا سلمة قال، حدثنا ابن إسحق قال، حدثني محمد بن أبي محمد، عن عكرمة، أو عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: قال ذلك قوم من اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا له: ارجع إلى قبلتك التي كنت عليها نتبعك ونصدقك! يريدون فتنته عن دينه. والقول الآخر: ما ذكرت من حديث علي بن أبي طلحة عنه الذي مضى قبل. حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد، عن سعيد، عن قتادة قوله: "سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها"؟ قال: صلت الأنصار نحو بيت المقدس حولين قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، وصلى نبي الله صلى الله عليه وسلم بعد قدومه المدينة مهاجراً، نحو بيت المقدس، ستة عشر شهراً، ثم وجهه الله بعد ذلك إلى الكعبة البيت الحرام. فقال في ذلك قائلون من الناس: "ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها"؟ لقد اشتاق الرجل إلى مولده! فقال الله عز وجل: "قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ".وقيل: قائل هذه المقالة المنافقون. وإنما قالوا ذلك، استهزاء بالإسلام. ذكر من قال ذلك: حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: لما وجه النبي صلى الله عليه وسلم قبل المسجد الحرام، اختلف الناس فيها فكانوا أصنافاً. فقال المنافقون: ما بالهم كانوا على قبلة زماناً، ثم تركوها وتوجهوا إلى غيرها؟ فأنزل الله في المنافقين: "سيقول السفهاء من الناس" الآية كلها.القول في تأويل قوله تعالى: "قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم"قال أبو جعفر: يعني بذلك عز وجل: قل يا محمد- لهؤلاء الذين قالوا لك ولأصحابك: ما ولاكم عن قبلتكم من بيت المقدس، التي كنتم على التوجه إليها إلى التوجه إلى شطر المسجد الحرام؟-: لله ملك المشرق والمغرب، يعني بذلك: ملك ما بين قطري مشرق الشمس وقطري مغربها، وما بينهما من العالم، يهدي من يشاء من خلقه، فيسدده ويوفقه إلى الطريق القويم، وهو الصراط المستقيم- ويعني بذلك: إلى قبلة إبراهيم الذي جعله للناس إماما- ويخذل من يشاء منهم، فيضله عن سبيل الحق.وإنما عنى جل ثناؤه بقوله: "يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم" قل يا محمد: إن الله هدانا بالتوجه شطر المسجد الحرام لقبلة إبراهيم، وأضلكم- أيها اليهود والمنافقون وجماعة الشرك بالله- فخذلكم عما هدانا له من ذلك.
فيه أربع مسائل :
الأولى : قوله تعالى : "وكذلك جعلناكم أمة وسطا" المعنى : وكما ان الكعبة وسط الأرض كذلك جعلناكم أمة وسطاً ، أي جعلناكم دون الأنبياء وفوق الأمم . والوسط : العدل ، وأصل هذا أن أحمد الأشياء أوسطها . وروى الترمذي عن ابي سعيد بن الخدري .
"عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى : "وكذلك جعلناكم أمة وسطا" قال : عدلا " . قال : هذا حديث حسن صحيح . وفي التنزيل : "قال أوسطهم" أي أعدلهم وخيرهم . وقال زهير :
‌هم وسط يرضى الأنام بحكمهم إذا نزلت إحدى الليالي بمعظم‌
آخر :
أنتم أوسط حي علموا بصغير الأمر أو إحدى الكبر
وقال آخر :
لا تذهبن في الأمور فرطا لا تسألن إن سالت شططا
وكن من الناس جميعاً وسطا
ووسط الوادي : خير موضع فيه وأكثره كلأ وماء . ولما كان الوسط مجانباً للغلو والتقصير كان محموداً ، أي هذه الأمة لم تغل غلو النصارى في أنبيائهم ، ولا قصروا تقصير اليهود في أنبيائهم . وفي الحديث :
"خير الأمور أوسطها" . وفيه عن علي رضي الله عنه : عليكم بالنمط الأوسط ، فإليه ينزل العالي ، وإليه يرتفع النازل . وفلان من أوسط قومه ، وإنه لواسطه قومه ، ووسط قومه ، أي من خيارهم وأهل الحسب منهم . وقد وسط وساطة وسطة ، وليس من الوسط الذي بين شيئين في شيء . والوسط (بسكون السين) الظرف ، تقول : صليت وسط القوم . وجلست وسط الدار (بالتحريك) لأنه اسم . قال الجوهري :وكل موضع صلح فيه بين فهو وسط ، وإن لم يصلح فيه بين فهو وسط بالتحريك ، وربما يسكن وليس بالوجه .
الثانية : قوله تعالى: "لتكونوا" نصب بلام كي ، أي لأن تكونوا . "شهداء" خبر كان . "على الناس" أي في المحشر للأنبياء على أممهم ، كما ثبت في صحيح البخاري عن أبي سعيد الخدري قال " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يدعى نوح عليه السلام يوم القيامة فيقول لبيك وسعديك يا رب فيقول هل بلغت فيقول نعم فيقال لأمته هل بلغكم فيقولون ما أتانا من نذير فيقول من يشهد لك فيقول محمد وأمته فيشهدون أنه قد بلغ ويكون الرسول عليكم شهيداً" فذلك قوله عز وجل "وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا"... وذكر هذا الحديث مطولاً ابن مبارك بمعناه ، وفيه : " فتقول تلك الأمم كيف يشهد علينا من لم يدركنا فيقول لهم الرب سبحانه : كيف تشهدون على من لم تدركوا فيقولون ربنا بعثت إلينا رسولاً وانزلت إلينا عهدك وكتابك وقصصت علينا أنهم قد بلغوا فشهدنا بما عهدت إلينا فيقول الرب صدقوا " فذلك قوله عز وجل : "وكذلك جعلناكم أمة وسطا" ـ والوسط العدل ـ "لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا" . قال ابن أنعم : فبلغني أنه يشهد يؤمئذ أمة محمد عليه السلام ، إلامن كان في قلب حنة على أخيه . وقالت طائفة : معنى الآية يشهد بعضكم على بعض بعد الموت ، كما ثبت في صحيح مسلم عن أنس :
"عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال حين مرت به جنازة فأثني عليها خير فقال : وجبت وجبت وجبت. ثم مر عليه بأخرى فأثني عليها شر فقال : وجبت وجبت وجبت . فقال عمر :فدى لك أبي وأمي ‍، مر بجنازة فأثني عليها خير فقلت : وجبت وجبت وجبت . ومر بجنازة فأثني عليها شر فقلت : وجبت وجبت وجبت ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أثنيتم عليه خيراً وجبت له الجنة ومن أثنيتم عليه شراً وجبت له النار أنتم شهداء الله في الأرض أنتم شهداء الله في الأرض أنتم شهداء الله في الأرض" . أخرجه البخاري بمعناه . وفي بعض طرقه في غير الصحيحين وتلا : "لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا" . وروى أبان وليث عن شهر بن حوشب عن عبادة بن الصامت قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
"أعطيت أمتي ثلاثا لم تعط إلا الأنبياء : كان الله إذا بعث نبيا قال له ادعني استجب لك وقال لهذه الأمة ادعوني استجب لكم ، وكان الله إذا بعث النبي قال له ما جعل عليك في الدين من حرج وقال لهذه الأمة وما جعل عليكم في الدين من حرج ، وكان الله إذا بعث النبي جعله شهيدا على قومه وجعل هذه الأمة شهداء على الناس" . خرجه الترمذي الحكيم أبو عبد الله في نوادر الأصول .
الثالثة : قال علماؤنا : أنبأنا ربنا تبارك وتعالى في كتابه بما أنعم علينا من تفضليه لنا باسم العدالة وتوليه خطير الشهادة على جميع خلقه ، فجعلنا أولاً مكاناً وإن كنا آخراً زماناً ،كما قال عليه السلام :
"نحن الآخرون الأولون" وهذا دليل على أنه لا يشهد إلا العدول ، ولا ينفذ قول الغير على الغير إلا أن يكون عدلً . وسيأتي بيان العدالة وحكمها في آخر السورة إن شاء الله تعالى .
الرابعة : وفيه دليل على صحة الإجماع ووجوب الحكم به ، لأنهم إذا كانوا عدولاً شهدوا على الناس . فكل عصر شهيد على من بعده ، فقول الصحابة حجة وشاهد على التابعين ، وقول التابعين على من بعدهم . وإذ جعلت الأمة شهداء فقد وجب قبول قولهم . ولا معنى لقول من قال : أريد به جميع الأمة ، لأنه حينئذ لا يثبت مجمع عليه إلى قيام الساعة . وبيان هذا في كتب أصول الفقه .
قوله تعالى : "ويكون الرسول عليكم شهيدا" قيل: معناه بأعمالكم يوم القيامة . وقيل : عليكم بمعنى لكم ، أي يشهد لكم بالإيمان . وقيل : أي يشهد عليكم بالتبليغ لكم .
قوله تعالى : "وما جعلنا القبلة التي كنت عليها" قيل : المراد بالقبلة هنا القبلة الأولى ، لقوله : "كنت عليها" . وقيل : الثانية ، فتكون الكاف زائدة ، أي أنت الآن عليها ، كما تقدم ، وكما قال : "كنتم خير أمة أخرجت للناس" أي أنتم ، في قول بعضهم ، وسيأتي .
قوله تعالى : "إلا لنعلم من يتبع الرسول" قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه تعالى عنه : معنى لنعلم لنرى . والعرب تضع العلم مكان الرؤية ، والرؤية مكان العلم ، كقوله تعالى : "ألم تر كيف فعل ربك" بمعنى ألم تعلم . وقيل :المعنى إلا لتعلموا أننا نعلم ، فإن المنافقين كانوا في شك من علم الله تعالى بالأشياء قبل كونها . وقيل : المعنى لنميز أهل اليقين من أهل الشك ، حكاه ابن فورك ، وذكره الطبري عن ابن عباس . وقيل : المعنى إلا ليعلم النبي واتباعه ، وأخبر تعالى بذلك عن نفسه ، كما يقال :فعل الأمير كذا ، وإنما فعله اتباعه ، ذكره المهدوي وهو جيد . وقيل : معناه ليعلم محمد ، فأضاف علمه إلى نفسه تعالى تخصيصاً وتفضيلاً ، كما كنى عن نفسه سبحانه في قوله :
يا ابن آدم مرضت فلم تعدني الحديث . والأول أظهر ، وأن معناه علم المعاينة الذي يوجب الجزاء ، وهو سبحانه عالم الغيب والشهادة ، علم ما يكون قبل أن يكون ، تختلف الأحوال على المعلومات وعلمه لا يختلف بل يتعلق بالكل تعلقاً واحداً .
وهكذا كل ما ورد في الكتاب من هذا المعنى من قوله تعالى : "وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء" ، "ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين" وما أشبه . والآية جواب لقريش في قولهم : "ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها" وكانت قريش تألف الكعبة ،فأراد الله عز وجل أن يمتحنهم بغير ما ألفوه ليظهر من يتبع الرسول ممن لا يتبعه . وقرأ الزهري إلا ليعلم فـ من في موضع رفع على هذه القراءة ، لأنها اسم ما لم يسم فاعله . وعلى قراءة الجماعة في موضع نصب على المفعول . "يتبع الرسول" يعني فيما أمر به من استقبال الكعبة . "ممن ينقلب على عقبيه" يعني ممن يرتد عن دينه ، لأن القبلة لما حولت ارتد من المسلمين قوم ونافق قوم ، ولهذا قال : "وإن كانت لكبيرة" أي تحويلها ، قاله ابن عباس و مجاهد وقتادة و التقدير في العربية : وإن كانت التحويلة .
قوله تعالى : "وإن كانت لكبيرة" . ذهب الفرء إلى أن إن واللام بمعنى ما وإلا ، والبصريون يقولون : هي إن الثقيلة خففت . وقال الأخفش : أي وإن كانت القبلة أو التحويلة أو التولية لكبيرة . "إلا على الذين هدى الله" أي خلق الهدى الذي هو الإيمان في قلوبهم ، كما قال تعالى : "أولئك كتب في قلوبهم الإيمان" .
قوله تعالى : "وما كان الله ليضيع إيمانكم" اتفق العلماء على أنها نزلت فيمن مات وهو يصلي إلى بيت المقدس ، كما ثبت في البخاري من حديث البراء بن عازب ، على ما تقدم . وخرج الترمذي " عن ابن عباس قال : لما وجه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة قالوا : يا رسول الله ، كيف بإخواننا الذين ماتوا وهم يصلون إلى بيت المقدس ؟ فأنزل الله تعالى : "وما كان الله ليضيع إيمانكم" الآية" ، قال :هذا حديث حسن صحيح . فسمى الصلاة إيماناً لاشتمالها على نية وقول وعمل . وقال مالك : إني لأذكر بهذه الآية قول المرجئة : إن الصلاة ليست من الإيمان .
وقال محمد بن إسحاق : "وما كان الله ليضيع إيمانكم" أي بالتوجه إلى القبلة وتصديقكم لنبيكم ، وعلى هذا معظم المسلمين والأصوليين . وروى ابن وهب وابن القاسم وابن عبد الحكم وأشهب عن مالك "وما كان الله ليضيع إيمانكم" . قال : صلاتكم .
قوله تعالى : "إن الله بالناس لرؤوف رحيم" الرأفة أشد من الرحمة . وقال أبو عمرو بن العلاء : الرأفة أكثر من الرحمة ، والمعنى متقارب . وقد أتينا على لغته وأشعاره ومعانيه في الكتاب الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى فلينظر هناك . وقرأ الكوفيون وأبو عمرو لرؤف على وزن فعل ، وهي لغة بني أسد ، ومنه قول الوليد بن عقبة :
‌وشر الطالبين فلا تكنه يقاتل عمه الرؤف الرحيم‌
وحكى النسائي أن لغة بني أسد لرأف ، على فعل . وقرأ أبو جعفر بن القعقاع لرؤف مثقلاً بغير همز ، وكذلك سهل كل همزة في كتاب الله تعالى ، ساكنة كانت أو متحركة .
قيل: المراد بالسفهاء ـ ههنا مشركوا العرب، قاله الزجاج، وقيل: أحبار يهود ، قاله مجاهد ، وقيل: المنافقون، قاله السدي، والاية عامة في هؤلاء كلهم، والله أعلم. قال البخاري: أخبرنا أبو نعيم، سمع زهيراً عن أبي إسحاق، عن البراء رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى إلى بيت المقدس ستة عشر شهراً، أو سبعة عشر شهراً، وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت، وأنه صلى أول صلاة صلاها صلاة العصر ، وصلى معه قوم فخرج رجل ممن كان يصلي معه، فمر على أهل المسجد وهم راكعون، قال: أشهد بالله لقد صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم قبل مكة، فداروا كما هم قبل البيت، وكان الذي مات على القبلة قبل أن تحول قبل البيت رجالاً قتلوا لم ندر ما نقول فيهم، فأنزل الله "وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرؤوف رحيم" انفرد به البخاري من هذا الوجه، ورواه مسلم من وجه آخر ، وقال محمد بن إسحاق: حدثني إسماعيل بن أبي خالد عن أبي إسحاق، عن البراء، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي نحو بيت المقدس، ويكثر النظر إلى السماء ينتظر أمر الله، فأنزل الله " قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام " فقال رجل من المسلمين: وددنا لو علمنا علم من مات منا قبل أن نصرف إلى القبلة، وكيف بصلاتنا نحو بيت المقدس، فأنزل الله "وما كان الله ليضيع إيمانكم" وقال السفهاء من الناس، وهم أهل الكتاب: ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها، فأنزل الله "سيقول السفهاء من الناس" إلى آخر الاية، وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة، حدثنا الحسن بن عطية، حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء ، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صلى نحو بيت المقدس ستة عشر شهراً، وكان يحب أن يوجه نحو الكعبة، فأنزل الله "قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام" قال: فوجه نحو الكعبة وقال السفهاء من الناس وهم اليهود "ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها" فأنزل الله "قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم"، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة أمره الله أن يستقبل بيت المقدس، ففرحت اليهود، فاستقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعة عشر شهراً وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب قبلة إبراهيم، فكان يدعو الله وينظر إلى السماء ، فأنزل الله عز وجل: "فولوا وجوهكم شطره" أي نحوه، فارتاب من ذلك اليهود وقالوا: ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها ؟ فأنزل الله "قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم" وقد جاء في هذا الباب أحاديث كثيرة، وحاصل الأمر أنه قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر باستقبال الصخرة من بيت المقدس، فكان بمكة يصلي بين الركنين، فتكون بين يديه الكعبة وهو مستقبل صخرة بيت المقدس، فلما هاجر إلى المدينة تعذر الجمع بينهما، فأمره الله بالتوجه إلى بيت المقدس، قال ابن عباس والجمهور ، ثم اختلف هؤلاء ، هل كان الأمر به بالقرآن أو بغيره على قولين ؟ وحكى القرطبي في تفسيره عن عكرمة وأبي العالية والحسن البصري: إن التوجه إلى بيت المقدس كان باجتهاده عليه السلام، والمقصود: إن التوجه إلى بيت المقدس بعد مقدمه صلى الله عليه وسلم المدينة، واستمر الأمر على ذلك بضعة عشر شهراً وكان يكثر الدعاء والابتهال أن يوجه إلى الكعبة التي هي قبلة إبراهيم عليه السلام، فأجيب إلى ذلك وأمر بالتوجه إلى البيت العتيق، فخطب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس فأعلمهم بذلك، وكان أول صلاة صلاها إليها صلاة العصر ، كما تقدم في الصحيحين رواية البراء، ووقع عند النسائي من رواية أبي سعيد بن المعلى أنها الظهر ، وقال: كنت أنا وصاحبي أول من صلى إلى الكعبة، وذكر غير واحد من المفسرين وغيرهم: أن تحويل القبلة نزل على رسول الله وقد صلى ركعتين من الظهر ، وذلك في مسجد بني سلمة، فسمي مسجد القبلتين، وفي حديث نويلة بنت مسلم: أنهم جاءهم الخبر بذلك وهم في صلاة الظهر ، قالت: فتحول الرجال مكان النساء والنساء مكان الرجال، ذكره الشيخ أبو عمر بن عبد البر النمري، وأما أهل قباء فلم يبلغهم الخبر إلى صلاة الفجر اليوم الثاني، كما جاء في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما، أنه قال: بينما الناس بقباء في صلاة الصبح، إذ جاءهم آت فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه الليلة قرآن وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة. وفي هذا دليل على أن الناسخ لا يلزم حكمه إلا بعد العلم به، وإن تقدم نزوله وإبلاغه، لأنهم لم يؤمروا بإعادة العصر والمغرب والعشاء ، والله أعلم. ولما وقع هذا، حصل لبعض الناس من أهل النفاق والريب والكفرة من اليهود ارتياب، وزيغ عن الهدى وتخبيط وشك، وقالوا "ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها" أي قالوا: ما لهؤلاء تارة يستقبلون كذا وتارة يستقبلون كذا ؟ فأنزل الله جوابهم في قوله "قل لله المشرق والمغرب" أي الحكم والتصرف والأمر كله لله "فأينما تولوا فثم وجه الله" و "ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله" أي الشأن كله في امتثال أوامر الله، فحيثما وجهنا توجهنا، فالطاعة في امتثال أمره ولو وجهنا في كل يوم مرات إلى جهات متعددة: فنحن عبيده وفي تصرفه، وخدامه حيثما وجهنا توجهنا، وهو تعالى له بعبده ورسوله محمد صلوات الله وسلامه عليه وأمته عناية عظيمة إذ هداهم إلى قبلة إبراهيم خليل الرحمن، وجعل توجههم إلى الكعبة المبنية على اسمه تعالى وحده لا شريك له أشرف بيوت الله في الأرض، إذ هي بناء إبراهيم الخليل عليه السلام ولهذا قال: "قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم".
وقد روى الإمام أحمد عن علي بن عاصم عن حصين بن عبد الرحمن، عن عمرو بن قيس، عن محمد بن الأشعث، عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعني في أهل الكتاب: "إنهم لا يحسدوننا على شيء كما يحسدوننا على يوم الجمعة التي هدانا الله لها وضلوا عنها، وعلى القبلة التي هدانا الله لها وضلوا عنها، وعلى قولنا خلف الإمام: آمين".
وقوله تعالى: "وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً" يقول تعالى: إنما حولناكم إلى قبلة إبراهيم عليه السلام، واخترناها لكم لنجعلكم خيار الأمم لتكونوا يوم القيامة شهداء على الأمم، لأن الجميع معترفون لكم بالفضل، والوسط ههنا الخيار ، والأجود كما يقال: قريش أوسط العرب نسباً وداراً، أي خيرها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وسطاً في قومه، أي أشرفهم نسباً، ومنه الصلاة الوسطى التي هي أفضل الصلوات وهي العصر ، كما ثبت في الصحاح وغيرها: ولما جعل الله هذه الأمة وسطاً، خصها بأكمل الشرائع وأقوم المناهج وأوضح المذاهب، كما قال تعالى: "هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيداً عليكم وتكونوا شهداء على الناس" وقال الإمام أحمد: حدثنا وكيع عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يدعى نوح يوم القيامة، فيقال له: هل بلغت ؟ فيقول: نعم، فيدعى قومه فيقال لهم: هل بلغكم فيقولون: ما أتانا من نذير وما أتانا من أحد، فيقال لنوح: من يشهد لك ؟ فيقول: محمد وأمته، قال فذلك قوله: "وكذلك جعلناكم أمة وسطاً" قال: والوسط العدل، فتدعون فتشهدون له بالبلاغ ثم أشهد عليكم" رواه البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجه من طرق عن الأعمش، وقال الإمام أحمد أيضاً: حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش عن أبي صالح، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يجيء النبي يوم القيامة ومعه الرجلان وأكثر من ذلك، فيدعى قومه، فيقال: هل بلغكم هذا ؟ فيقولون: لا فيقال له: هل بلغت قومك ؟ فيقول: نعم، فيقال: من يشهد لك ؟ فيقول: محمد وأمته، فيدعى محمد وأمته، فيقال لهم: هل بلغ هذا قومه ؟ فيقولون: نعم، فيقال: وما علمكم ؟ فيقولون: جاءنا نبينا فأخبرنا أن الرسل قد بلغوا "، فذلك قوله عز وجل "وكذلك جعلناكم أمة وسطاً" قال: عدلاً "لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً" وقال أحمد أيضاً: حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: "وكذلك جعلناكم أمة وسطاً" قال عدلاً. وروى الحافظ أبو بكر بن مردويه وابن أبي حاتم، من حديث عبد الواحد بن زياد عن أبي مالك الأشجعي عن المغيرة بن عتيبة بن نباس، حدثني مكاتب لنا عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أنا وأمتي يوم القيامة على كوم مشرفين على الخلائق، ما من الناس أحد إلا ود أنه منا وما من نبي كذبه قومه إلا ونحن نشهد أنه قد بلغ رسالة ربه عز وجل"، وروى الحاكم في مستدركه وابن مردويه أيضاً، واللفظ له من حديث مصعب بن ثابت عن محمد بن كعب القرظي عن جابر بن عبد الله قال: شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم جنازة في بني مسلمة وكنت إلى جانب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم: والله يا رسول الله لنعم المرء كان، لقد كان عفيفاً مسلماً وكان... وأثنوا عليه خيراً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنت بما تقول. فقال الرجل: الله يعلم بالسرائر ، فأما الذي بدا لنا منه فذاك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم وجبت وجبت، ثم شهد جنازة في بني حارثة وكنت إلى جانب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم: يا رسول الله بئس المرء كان إن كان لفظاً غليظاً فأثنوا عليه شراً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبعضهم: أنت بالذي تقول. فقال الرجل: الله أعلم بالسرائر ، فأما الذي بدا لنا منه فذاك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وجبت. قال مصعب بن ثابت: فقال لنا عند ذلك محمد بن كعب: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قرأ "وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً" ثم قال الحاكم: هذا صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الإمام أحمد: حدثنا يونس بن محمد حدثنا داود بن أبي الفرات عن عبد الله بن بريدة عن أبي الأسود أنه قال: أتيت المدينة فوافقتها وقد وقع بها مرض فهم يموتون موتاً ذريعاً، فجلست إلى عمر بن الخطاب فمرت به جنازة فأثني على صاحبها خيراً، فقال: وجبت وجبت، ثم مر بأخرى فأثني عليها شراً، فقال عمر: وجبت. فقال أبو الأسود: ما وجبت يا أمير المؤمنين قال، قلت كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أيما مسلم شهد له أربعة بخير أدخله الله الجنة" قال: فقلنا وثلاثة قال: فقال "وثلاثة" قال: فقلنا واثنان: قال "واثنان". ثم لم نسأله عن الواحد. وكذا رواه البخاري والترمذي والنسائي من حديث داود بن أبي الفرات به. وقال ابن مردويه حدثنا أحمد بن عثمان بن يحيى حدثنا أبو قلابة الرقاشي، حدثني أبو الوليد حدثنا نافع بن عمر حدثني أمية بن صفوان عن أبي بكر بن أبي زهير الثقفي عن أبيه قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنباوة يقول: يوشك أن تعلموا خياركم من شراركم قالوا: بم يا رسول الله ؟ قال: بالثناء الحسن والثناء السيء أنتم شهداء الله في الأرض"، ورواه ابن ماجة عن أبي بكر بن أبي شيبة عن يزيد بن هارون، ورواه الإمام أحمد عن يزيد بن هارون وعبد الملك بن عمر وشريح عن نافع عن ابن عمر به.
وقوله تعالى: "وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه، وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله" يقول تعالى: إنما شرعنا لك يا محمد التوجه أولاً إلى بيت المقدس، ثم صرفناك عنها إلى الكعبة ليظهر حال من يتبعك ويطيعك، ويستقبل معك حيثما توجهت ممن ينقلب على عقبه، أي مرتداً عن دينه وإن كانت لكبيرة، أي هذه الفعلة وهو صرف التوجه عن بيت المقدس إلى الكعبة، أي وإن كان هذا الأمر عظيماً في النفوس إلا على الذين هدى الله قلوبهم وأيقنوا بتصديق الرسول، وأن كل ما جاء به فهو الحق الذي لا مرية فيه، وأن الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد فله أن يكلف عباده بما شاء وينسخ ما يشاء، وله الحكمة التامة والحجة البالغة في جميع ذلك بخلاف الذين في قلوبهم مرض، فإنه كلما حدث أمر أحدث لهم شكاً كما يحصل للذين آمنوا إيقان وتصديق، كما قال الله تعالى: " وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون * وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم "، وقال تعالى: "وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خساراً" ولهذا كان من ثبت على تصديق الرسول صلى الله عليه وسلم واتباعه في ذلك وتوجه حيث أمره الله من غير شك ولا ريب من سادات الصحابة، وقد ذهب بعضهم إلى أن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار هم الذين صلوا إلى القبلتين. وقال البخاري في تفسير هذه الاية: حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن سفيان عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال: بينا الناس يصلون الصبح في مسجد قباء إذ جاء رجل فقال: قد أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم قرآن وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها، فتوجهوا إلى الكعبة. وقد رواه مسلم من وجه آخر عن ابن عمر ورواه الترمذي من حديث سفيان الثوري وعنده أنهم كانوا ركوعاً فاستداروا كما هم إلى الكعبة وهم ركوع، وكذا رواه مسلم من حديث حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس مثله، وهذا يدل على كمال طاعتهم لله ولرسوله وانقيادهم لأوامر الله عز وجل رضي الله عنهم أجمعين.
وقوله: "وما كان الله ليضيع إيمانكم" أي صلاتكم إلى بيت المقدس قبل ذلك ما كان يضيع ثوابها عند الله، وفي الصحيح من حديث أبي إسحاق السبيعي عن البراء قال: مات قوم كانوا يصلون نحو بيت المقدس، فقال الناس: ما حالهم في ذلك ؟ فأنزل الله تعالى: "وما كان الله ليضيع إيمانكم" ورواه الترمذي عن ابن عباس وصححه، وقال ابن إسحاق: حدثني محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس "وما كان الله ليضيع إيمانكم" أي بالقبلة الأولى وتصديقكم نبيكم واتباعه إلى القبلة الأخرى، أي ليعطيكم أجرهما جميعاً "إن الله بالناس لرؤوف رحيم" وقال الحسن البصري "وما كان الله ليضيع إيمانكم" أي ما كان الله ليضيع محمداً صلى الله عليه وسلم وانصرافكم معه حيث انصرف، "إن الله بالناس لرؤوف رحيم" وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى امرأة من السبي قد فرق بينها وبين ولدها فجعلت كلما وجدت صبياً من السبي أخذته فألصقته بصدرها وهي تدور على ولدها، فلما وجدته ضمته إليها وألقمته ثديها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أترون هذه طارحة ولدها في النار وهي تقدر على أن لا تطرحه" ؟ قالوا: لا يا رسول الله. قال: "فوالله لله أرحم بعباده من هذه بولدها".
وقوله: 143- "وكذلك جعلناكم" أي مثل ذلك الجعل جعلناكم، قيل معناه: وكما أن الكعبة وسط الأرض كذلك جعلناكم أمة وسطاً. والوسط الخيار أو العدل، والآية محتملة للأمرين، ومما يحتملهما قول زهير:
هم وسط ترضى الأنام بحكمهم إذا نزلت إحدى الليالي بمعظم
ومثله قول الآخر:
أنتم أوسط حي علموا بصغير الأمر أو إحدى الكبر
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم تفسير الوسط هنا بالعدل كما سيأتي، فوجب الرجوع إلى ذلك ومنه قول الراجز:
لا تذهبن في الأمـــور مفرطا
لا تسـألن إن سـألت شططا
وكن من الناس جميعاً وسطا
ولما كان الوسط مجانياً للغلو والتقصير كان محموداً: أي هذه الأمة لم تغل غلو النصارى في عيسى ولا قصروا تقصير اليهود في أنبيائهم، ويقال فلان أوسط قومه وواسطتهم: أي خيارهم. وقوله: "لتكونوا شهداء على الناس" أي يوم القيامة تشهدون للأنبياء على أممهم قد بلغوهم ما أمرهم الله بتبليغه إليهم، ويكون الرسول شهيداً على أمته بأنهم قد فعلوا ما أمر بتبليغه إليهم، ومثله قوله تعالى: "فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً"، قيل: إن قوله: "عليكم" يعني لكم: أي يشهد لهم بالإيمان، وقيل معناه: يشهد عليكم بالتبليغ لكم. قال في الكشاف: لما كان الشهيد كالرقيب والمهيمن على المشهود له جيء بكلمة الاستعلاء، ومنه قوله تعالى: "والله على كل شيء شهيد". "كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد" انتهى. وقالت طائفة: معنى الآية يشهد بعضكم على بعض بعد الموت، وقيل: المراد لتكونوا شهداء على الناس في الدنيا فيما لا يصح إلا بشهادة العدول. وسيأتي من المرفوع ما يبين معنى الآية إن شاء الله، وإنما أخر لفظ على في شهادة الأمة على الناس، وقدمها في شهادة الرسول عليهم، لأن الغرض كما قال صاحب الكشاف في الأول: إثبات شهادتهم على الأمم، وفي الآخر اختصاصهم بكون الرسول شهيداً عليهم. وقوله: "وما جعلنا القبلة التي كنت عليها" قيل: المراد بهذه القبلة هي بيت المقدس: أي ما جعلناها إلا لنعلم المتبع والمنقلب، ويؤيد هذا قوله: "كنت عليها" إذا كان نزول هذه الآية بعد صرف القبلة الكعبة، وقيل: المراد الكعبة: أي ما جعلنا القبلة التي أنت عليها الآن بعد أن كانت إلى بيت المقدس إلا لذلك الغرض، ويكون "كنت" بمعنى الحال، وقيل: المراد بذلك القبلة التي كان عليها قبل استقبال بيت المقدس فإنه كان يستقبل في مكة الكعبة، ثم لما هاجر توجه إلى بيت المقدس تألفاً لليهود ثم صرف إلى الكعبة. وقوله: "إلا لنعلم" قيل: المراد بالعلم هنا الرؤية، وقيل: المراد إلا لتعلموا أنا نعلم بأن المنافقين كانوا في شك، وقيل: ليعلم النبي، وقيل: المراد لنعلم ذلك موجوداً حاصلاً، وهكذا ما ورد معللاً بعلم الله سبحانه لا بد أن يؤول بمثل هذا كقوله: "وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء". وقوله: "وإن كانت لكبيرة" أي ما كانت إلا كبيرة، كما قاله الفراء في أن وإن أنهما بمعنى ما وإلا. وقال البصريون: هي الثقيلة خففت، والضمير في كانت راجع إلى ما يدل عليه قوله: "وما جعلنا القبلة التي كنت عليها" من التحويلة أو التولية أو الجعلة أو الردة، ذكر معنى ذلك الأخفش ولا مانع من أن يرجع الضمير إلى القبلة المذكورة: أي وإن كانت القبلة المتصفة بأنك كنت عليها لكبيرة إلا على الذين هداهم الله للإيمان، فانشرحت صدورهم لتصديقك، وقبلت ما جئت به عقولهم، وهذا الاستثناء مفرغ لأن ما قبله في قوة النفي: أي لأنها لا تخف ولا تسهل إلا على الذين هدى الله. وقوله: "ما كان الله ليضيع إيمانكم" قال القرطبي: اتفق العلماء على أنها نزلت فيمن مات وهو يصلي إلى بيت المقدس، ثم قال: فسمى الصلاة إيماناً لاجتماعها على نية وقول وعمل، وقيل: المراد ثبات المؤمنين على الإيمان عند تحويل القبلة، وعدم ارتيابهم كما ارتاب غيرهم. والأول يتعين القول به، والمصير إليه لما سيأتي من تفسيره صلى الله عليه وسلم للآية بذلك. والرؤوف كثير الرأفة، وهي أشد من الرحمة. قال أبو عمرو بن العلاء: الرأفة أكبر من الرحمة والمعنى متقارب. وقرأ أبو جعفر بن يزيد بن القعقاع لروف بغير همز، وهي لغة بني أسد، ومنه قول الوليد بن عتبة:
وشر الغالبين فلا تكنه يقاتل عمه الروف الرحيم
وقد أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن البراء "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أول ما نزل المدينة نزل على أخواله من الأنصار، وأنه صلى إلى بيت المقدس ستة عشر أو سبعة عشر شهراً، وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت، وأن أول صلاة صلاها العصر، وصلى معه قوم، فخرج رجل ممن كان صلى معه فمر على أهل المسجد وهم راكعون فقال: أشهد بالله لقد صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم قبل الكعبة، فداروا كما هم قبل البيت وكانت اليهود قد أعجبهم إذ كان يصلي قبل بيت المقدس وأهل الكتاب فلما ولى وجهه قبل البيت أنكروا ذلك وكان الذي مات على القبلة قبل أن تحول قبل البيت رجال، وقتلوا فلم ندر ما يقول فيهم، فأنزل الله: " وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرؤوف رحيم " " وله طرق أخر وألفاظ متقاربة. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس قال: إن أول ما نسخ في القرآن القبلة. وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود في ناسخه والبيهقي في سننه عن ابن عباس "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بمكة نحو بيت المقدس والكعبة بين يديه، وبعد ما تحول إلى المدينة ستة عشر شهراً، ثم صرفه الله إلى الكعبة". وفي الباب أحاديث كثيرة بمضمون ما تقدم، وكذلك وردت أحاديث في الوقت الذي نزل فيه استقبال القبلة، وفي كيفية استدارة المصلين لما بلغهم ذلك، وقد كانوا في الصلاة فلا نطول بذكرها. وأخرج سعيد بن منصور وأحمد والنسائي والترمذي وصححه والحاكم وصححه وابن جرير وابن أبي حاتم وابن حبان والإسماعيلي في صحيحه والحاكم وصححه عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: "وكذلك جعلناكم أمة وسطاً" قال: عدلاً. وأخرج ابن جرير عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس مثله. وأخرج أحمد والبخاري والترمذي والنسائي وغيرهم عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يدعى نوح يوم القيامة، فيقال له: هل بلغت؟ فيقول: نعم، فيدعى قومه فيقال لهم: هل بلغكم؟ فيقولون: ما أتانا من نذير، وما أتانا من أحد، فيقال لنوح: من يشهد لك؟ فيقول: محمد وأمته" فذلك قوله: "وكذلك جعلناكم أمة وسطاً" قال: والوسط العدل، فتدعون فتشهدون له بالبلاغ وأشهد عليكم. وأخرج سعيد بن منصور وأحمد والنسائي وابن ماجه عن أبي سعيد نحوه. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أنا وأمتي يوم القيامة على كوم مشرفين على الخلائق، ما من الناس أحد إلا ود أنه منا، وما من نبي كذبه قومه إلا ونحن نشهد أنه بلغ رسالة ربه". وأخرج ابن جرير عن أبي سعيد في قوله: "وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس" بأن الرسل قد بلغوا "ويكون الرسول عليكم شهيداً" بما عملتم، وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أنس قال:" مروا بجنازة فأثني عليها خيراً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وجبت وجبت وجبت، ومروا بجنازة فأثني عليها شراً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وجبت وجبت وجبت فسأله عمر فقال: من أثنيتم عليه خيراً وجبت له الجنة، ومن أثنيتم عليه شراً وجبت له النار، أنتم شهداء الله في الأرض، أنتم شهداء الله في الأرض، أنتم شهداء الله في الأرض" زاد الحكيم الترمذي " ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وكذلك جعلناكم أمة وسطاً" الآية" وفي الباب أحاديث منها عن جابر مرفوعاً عند ابن المنذر والحاكم وصححه، ومنها عن عمر مرفوعاً عند ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري والترمذي والنسائي، ومنها عن أبي زهير الثقفي مرفوعاً عند أحمد وابن ماجه والطبراني والدارقطني في الإفراد والحاكم في المستدرك والبيهقي في السنن، ومنها عن أبي هريرة مرفوعاً عند ابن جرير وابن أبي حاتم، ومنها عن سلمة بن الأكوع مرفوعاً عند ابن أبي شيبة وابن جرير والطبراني. وأخرج ابن جرير عن عطاء في قوله تعالى: "وما جعلنا القبلة التي كنت عليها" قال: يعني بيت المقدس "إلا لنعلم" قال: نبتليهم لنعلم من يسلم لأمره. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله: "إلا لنعلم" قال: لنميز أهل اليقين من أهل الشك "وإن كانت لكبيرة" يعني تحويلها على أهل الشرك والريب. وأخرج ابن جرير عن ابن جريج قال: بلغني أن ناساً ممن أسلم رجعوا فقالوا: مرة ها هنا ومرة ها هنا. وأخرج أحمد وعبد بن حميد والترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن حبان والطبراني والحاكم وصححه عن ابن عباس قال:" لما وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى القبلة، قالوا: يا رسول الله فكيف بالذين ماتوا وهم يصلون إلى بيت المقدس فأنزل الله: "وما كان الله ليضيع إيمانكم"". وقد تقدم حديث البراء. وفي الباب أحاديث كثيرة، وآثار عن السلف.
143. " وكذلك جعلناكم أمة وسطاً " نزلت في رؤساء اليهود، قالوا لمعاذ ابن جبل: ما رتك محمد قبلتتنا إلا حسداً، وإن قبلتنا قبلة الأنبياء، ولقد علم محمد أنا عدل بين الناس، فقال معاذ: إنا على حق وعدل فأنزل الله تعالى: " وكذلك " أي وهكذا، وقيل: الكاف للتشبيه أي كما اخترنا إبراهيم وذريته واصطفيناهم " وكذلك جعلناكم أمة وسطا " مردودة على قوله: " ولقد اصطفيناه في الدنيا " (130-البقرة) أي عدلا خياراً قال الله تعالى: " قال أوسطهم " (28-القلم) أي خيرهم وأعدلهم وخير الأشياء أوسطها، وقال الكلبي يعني أهل دين وسط بين الغلو والتقصير لأنهما مذمومان في الدين.
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أبو معشر إبراهيم بن محمد بن الحسين الوراق أنا أبو عبد الله محمد بن زكريا بن يحيى أنا أبو الصلت أنا حماد بن زيد عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً بعد العصر فما ترك شيئاً إلى يوم القيامة إلا ذكره في مقامه ذلك حتى إذا كانت الشمس على رؤوس النخل وأطراف الحيطان، قال (( أما أنه لم يبق من الدنيا فيما مضى منها إلا بقي من يومكم هذا، ألا وإن هذه الأمة توفي سبعين أمة هي آخرها وأخيرها وأكرمها على الله تعالى ".
قوله تعالىك " لتكونوا شهداء على الناس " يوم القيامة أن الرسل قد بلغتهم، قال ابن جريج : قلت لعطاء ما معنى قوله تعالى لتكونوا شهداء على الناس؟ قال: أمة محمد صلى الله عليه وسلم شهداء على من يترك الحق من الناس أجمعين " ويكون الرسول " محمد صلى الله عليه وسلم " عليكم شهيداً " معدلاً مزكياً لكم، وذلك أن الله تعالى يجمع الأولين والآخرين في صعيد واحد، ثم يقول لكفار الأمم الماضية: " ألم يأتكم نذير " (8-الملك) فينكرون ويقولون ما جاءنا من بشير وى نذير، فيسأل الله تعالى الأنباء عليهم السلام عن ذلك فيقولون: كذبوا قد بلغناهم فيسألهم البينة - وهو أعلم بهم - إقامة للحجة، فيؤتى بأمة محمد صلى الله عليه وسلم فيشهدون لهم أنهم قد بلغوا، فتقول الأمم الماضية: من أين علموا وإنما أتوا بعدنا؟ فيسأل هذه الأمة فيقولون أرسلت إلينا رسولاً، وأنزلت عليه كتاباً، أخبرتنا فيه تبليغ الرسل وأنت صادق فيما أخبرت، ثم يؤتى بمحمد صلى الله عليه وسلم فيسأل عن حال أمته فيزكيهم ويشهد بصدقهم. أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي أخبرنا محمد بن يوسف أخبرنا محمد بن إسماعيل أخبرنا إسحاق بن منصور أخبرنا أبو أسامة قال الأعمش أخبرنا أبو صالح عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يجاء بنوح يوم القيامة فيقال له: هل بلغت؟ فيقول: نعم يارب، فيسأل أمته هل بلغكم؟ فيقولون: ما جاءنا من نذير، فيقال: من شهودك فيقول محمد وأمته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيجاء بكم فتشهدون ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم" وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً" ".
قوله تعالى: " وما جعلنا القبلة التي كنت عليها " أي تحويلها يعني بيت المقدس، فيكون من باب حذف المضافن ويحتمل أن يكون المفعول الثاني للجعل محذوفاً، على تقدير وما جعلنا القبلة التي كنت عليها منسوخة، وقيل معناه التي أنت عليها، وهي الكعبة كقوله تعالى " كنتم خير أمة " أي أنتم.
" إلا لنعلم من يتبع الرسول " فإن قيل ما معنى قوله: (( إلا لنعلم )) وهو عالم بالأشياء كلها قبل يتعلق بما يوجد معناه ليعلم العلم الذي يستحق العامل عليه الثواب والعقاب، وقيل: إلا لنعلم أي: لنرى ونميز من يتبع الرسول في القبلة " ممن ينقلب على عقبيه " فيرتد وفي الحديث إن القبلة لما حولت ارتد قوم من المسلمين إلى اليهودية، وقالوا: رجع محمد إلى دين آبائه، وقال أهل المعاني: معناه إلا لعلمنا من يتبع الرسول ممن على عقبيه كأنه سبق في علمه أن تحويل القبلة سبب لهداية قوم وضلالة قوم، وقد يأتي لفظ الاستقبال بمعنى الماضي كما قال الله تعالى " فلم تقتلون أنبياء الله " (91-البقرة) أي فلم قتلتموهم " وإن كانت " أي قد كانت أي تولية الكعبة وقيل: الكناية راجعة إلى القبلة، وقيل: إلى الكعبة قال الزجاج : وإن كانت التحويلة " لكبيرة " ثقيلة شديدة " إلا على الذين هدى الله " أي هداهم الله، قال سيبويه : (( وإن )) تأكيد يشبه اليمين ولذلك دخلت اللام في جوابها " وما كان الله ليضيع إيمانكم " وذلك أن حيي بن أخطب وأصحابه من اليهود قالوا للمسلمين: أخبرونا عن صلاتكم نحو بيت المقدس، إن كانت هدى فقد تحولتم عنها وإن كانت ضلالة فقد دنتم الله بها، ومن مات منكم عليها فقد مات على الضلالة، فقال المسلمون إنما الهدى ما أمر الله به، والضلالة مانهى الله عنه.
قالوا: فما شهادتكم على من مات منكم على قبلتنا؟ وكان قد مات قبل أن تحول القبلة من المسلمين أسعد بن زرارة من بني النجار، والبراء بن معرور من بني سلمة، وكانوا من النقباء ورجال آخرون فانطلق عشائرهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا: يا رسول الله قد صرفك الله إلى قبلة إبراهيم فكيف بإخواننا الذين ماتوا وهم يصلون إلى بيت المقدس؟ فأنزل الله تعالى " وما كان الله ليضيع إيمانكم " يعني صلاتكم إلى بيت المقدس " إن الله بالناس لرؤوف رحيم " قرأ أهل الحجاز و ابن عامر و حفص لرؤوف مشبع على وزن فعول، لأن أكثر اسماء الله تعالى على فعول وفعيل، والشكور والرحيم والكريم وغيرها، و أبو جعفر يلين الهمزة وقرأ الآخرون بالاختلاس على وزن فعل قال جرير :
ترى للمسلمين عليك حقاً كفعل الواحد الرؤف الرحيم
والرأفة أشد الرحمة.
143-" وكذلك " إشارة إلى مفهوم الآية المتقدمة ، أي كما جعلناكم مهديين إلى الصراط المستقيم ، أو جعلنا قبلتكم أفضل القبل . " جعلناكم أمةً وسطاً " أي خياراً ، أو عدولاً مزكين بالعلم والعمل . وهو في الأصل اسم للمكان الذي تستوي إليه المساحة من الجوانب ، ثم استعير للخصال المحمودة لوقوعها بين طرفي إفراط وتفريط ، كالجود بين الإسراف والبخل ، والشجاعة بين التهور والجبن ، ثم أطلق على المتصف بها ، مستوياً فيه الواحد والجمع ، والمذكر والمؤنث كسائر الأسماء التي وصف بها ، واستدل به على أن الإجماع حجة إذ لو كان فيما اتفقوا عليه باطل لانثلمت به عدالتهم " لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً " علة للجعل ، أي لتعلموا بالتأمل فيما نصب لكم من الحجج ، وأنزل عليكم من الكتاب أنه تعالى ما بخل على أحد وما ظلم ، بل أوضح السبل وأرسل الرسل ، فبلغوا ونصحوا . ولكن الذين كفروا حملهم الشقاء على اتباع الشهوات ، والإعراض عن الآيات ،فتشهدون بذلك على معاصريكم وعلى الذين من قبلكم ، أو بعدكم . روي "أن الأمم يوم القيامة يجحدون تبليغ الأنبياء ، فيطالبهم الله ببينة التبليغ ـ وهو أعلم بهم ـ إقامة للحجة على المنكرين ، فيؤتى بأمة محمد صلى الله عليه وسلم فيشهدون ، فتقول الأمم من أين عرفتم ؟ فيقولون : علمنا ذلك بإخبار الله تعالى في كتابه الناطق على لسان نبيه الصادق ، فيؤتى بمحمد صلى الله عليه وسلم فيسأل عن حال أمته ، فيشهد بعدالتهم" وهذه الشهادة وإن كانت لهم لكن لما كان الرسول عليه السلام كالرقيب المهيمن على أمته عدى بعلى ، وقدمت الصلة للدلالة على اختصاصهم يكون الرسول شهيداً عليهم . " وما جعلنا القبلة التي كنت عليها " أي الجهة التي كنت عليها ، وهي الكعبة فإنه عليه الصلاة والسلام كان يصلي إليها بمكة ،ثم لما هاجر أمر بالصلاة إلى الصخرة تألفاً لليهود . أو الصخرة لقول ابن عباس رضي الله عنهما ( كانت قبلته بمكة بيت المقدس إلا أنه كان يجعل الكعبة بينه وبينها فالمخبر به على الأول الجعل الناسخ ، وعلى الثاني المنسوخ . والمعنى أن أصل أمرك أن تستقبل الكعبة ، وما جعلنا قبلتك بيت المقدس .
" إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه " ألا لنمتحن به الناس ونعلم من يتبعك في الصلاة إليها ، ممن يرتد عن دينك إلفاً لقبلة آبائه . أو لنعلم الآن من يتبع الرسول ممن لا يتبعه ، وما كان لعارض يزول بزواله . وعلى الأول معناه : ما رددناك إلى التي كنت عليها ، إلا لنعلم الثابت على الإسلام ممن ينكص على عقبيه لقلقه وضعف إيمانه . فإن قيل : كيف يكون علمه تعالى غاية الجمل وهو لم يزل عالماً . قلت : هذا وأشباهه باعتبار التعلق الحالي الذي هو مناط الجزاء ، والمعنى ليتعلق علمنا به موجوداً . وقيل : ليعلم رسوله والمؤمنون لكنه أسنده إلى نفسه لأنهم خواصه ، أو لتميز الثابت من المتزلزل كقوله تعالى : " ليميز الله الخبيث من الطيب " فوضع العلم موضع التمييز المسبب عنه ، ويشهد له قراءة ليعلم على البناء للمفعول ، والعلم إما بمعنى المعرفة ، أو معلق لما في من من معنى الاستفهام ، أو مفعوله الثاني ممن ينقلب ، أي لنعلم من يتبع الرسول متميزاً ممن ينقلب .
" وإن كانت لكبيرةً " إن هي المخففة من الثقيلة ، واللام هي الفاصلة . وقال الكوفيون هي النافية واللام بمعنى إلا . والضمير لما دل عليه قوله تعالى : " وما جعلنا القبلة التي كنت عليها " من الجعلة ، أو الردة ، أو التولية ، أو التحويلة ، أو القبلة . وقرئ لكبيرة بالرفع فتكون كان زائدة " إلا على الذين هدى الله " إلى حكمة الأحكام الثابتين على الإيمان والاتباع " وما كان الله ليضيع إيمانكم " أي ثباتكم على الإيمان . وقيل : إيمانكم بالقبلة المنسوخة ، أو صلاتكم إليها لما روي : " أنه عليه السلام لما وجه إلى الكعبة قالوا : كيف بمن مات يا رسول الله قبل التحويل من إخواننا فنزلت " " إن الله بالناس لرؤوف رحيم " فلا يضيع أجورهم ولا يدع صلاحهم ، ولعله قدم الرؤوف وهو أبلغ محافظة على الفواصل وقرأ الحرميان و ابن عامر و حفص لرؤوف بالمد ، والباقون بالقصر .
143. Thus We have appointed you a middle nation, that ye may be witnesses against mankind. and that the messenger may be a witness against you. And We appointed the qiblah which ye formerly observed only that We might know him who followeth the messenger, from him who turneth on his heels. In truth it was a hard (test) save for those whom Allah guided. But it was not Allah's purpose that your faith should be in vain, for Allah is full of pity, Merciful toward mankind.
143 - Thus have we made of you an Ummat justly balanced, that ye might be witnesses over the nations, and the apostle a witness over yourselves; and we appointed the Qibla to which thou wast used, only to test those who followed the apostle from those who would turn on their heels (from the faith). indeed it was (a change) momentous, except to those guided by God. and never would God make your faith of no effect. for God is to all people most surely full of kindness, most merciful.