[البقرة : 116] وَقَالُواْ اتَّخَذَ اللّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَل لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ
(وقالوا) بواو وبدونها اليهود والنصارى ومن زعم أن الملائكة بنات الله (اتخذ الله ولداً) قال تعالى (سبحانه) تنزيها له عنه (بل له ما في السماوات والأرض) ملكاً وخلقاً وعبيداً والملكية تنافي الولادة وعبر بما تغليباً لما لا يعقل (كل له قانتون) مطيعون كل بما يراد منه وفيه تغليب العاقل
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: "ولله المشرق والمغرب "، لله ملكهما وتدبيرهما، كما يقال: لفلان هذه الدار. يعني بها: أنها له، ملكاً. فذلك قوله: "ولله المشرق والمغرب "، يعني أنهما له، ملكاً وخلقاً.
و "المشرق " هو موضع شروق الشمس، وهو موضع طلوعها، كما يقال لموضع طلوعها منه: مطلع ، بكسر اللام، وكما بينا في معنى المساجد آنفاً.
فإن قال قائل: أو ما كان لله إلا مشرق واحد ومغرب واحد، حتى قيل: "ولله المشرق والمغرب "؟
قيل: إن معنى ذلك غير الذي ذهبت إليه. وإنما معنى ذلك: ولله المشرق الذي تشرق منه الشمس كل يوم، والمغرب الذي تغرب فيه كل يوم. فتأويله، إذ كان ذلك معناه: ولله ما بين قطري المشرق وما بين قطري المغرب، إذ كان شروق الشمس كل يوم من موضع منه لا تعود لشروقها منه إلى الحول الذي بعده، وكذلك غروبها كل يوم.
فإن قال: أو ليس وإن كان تأويل ذلك ما ذكرت، فلله كل ما دونه؟ الخلق خلقه!.
قيل: بلى!.
فإن قال: فكيف خص المشارق والمغارب بالخبر عنها أنها له في هذا الموضع، دون سائر الأشياء غيرها؟.
قيل: قد اختلف أهل التأويل في السبب الذي من أجله خص الله ذكر ذلك بما خصه به في هذا الموضع. ونحن مبينو الذي هو أولى بتأويل الآية، بعد ذكرنا أقوالهم في ذلك. فقال بعضهم: خص الله جل ثناؤه ذلك بالخبر، من أجل أن اليهود كانت توجه في صلاتها وجوهها قبل ببيت المقدس، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك مدة، ثم حولوا إلى الكعبة. فاستنكرت اليهود ذلك من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: ما ولأهم عن قبلتهم التي كانوا عليها؟ فقال الله تبارك وتعالى لهم: المشارق والمغارب كلها لي، أصرف وجوه عبادي كيف أشاء منها، فحيثما تولوا فثم وجه الله. ذكر من قال ذلك:حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي، عن ابن عباس قال: كان أول ما نسخ من القرآن، القبلة. وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة، وكان أكثر أهلها اليهود، أمره الله عز وجل أن يستقبل بيت المقدس. ففرحت اليهود. فاستقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعة عشر شهرًا، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب قبلة إبراهيم عليه السلام، فكان يدعو وينظر إلى السماء، فأنزل الله تبارك وتعالى: "قد نرى تقلب وجهك في السماء" إلى قوله "فولوا وجوهكم شطره" (البقرة: 144)، فارتاب من ذلك اليهود وقالوا: "ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها" ( البقرة: 142) فأنزل الله عز وجل: "قل لله المشرق والمغرب "، وقال:" أينما تولوا فثم وجه الله" (البقرة: 142).
حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط ، عن السدي نحوه.
وقال آخرون: بل أنزل الله هذه الآية قبل أن يفرض على نبيه صلى الله عليه وسلم وعلى المؤمنين به، التوجه شطر المسجد الحرام، وإنما أنزلها عليه معلمًا نبيه عليه الصلاة والسلام بذلك وأصحابه أن لهم التوجه بوجوههم للصلاة حيث شاؤوا من نواحي المشرق والمغرب، لأنهم لا يوجهون وجوههم وجهًا من ذلك وناحية، إلا كان جل ثناؤه في ذلك الوجه وتلك الناحية، لأن له المشارق والمغارب، وأنه لا يخلو منه مكان، كما قال جل وعز: "ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا" (المجادلة: 7)، قالوا: ثم نسخ ذلك بالفرض الذي فرض عليهم، في التوجه شطر المسجد الحرام. ذكر من قال ذلك:حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: قوله جل وعز: "ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله "، ثم نسخ ذلك بعد ذلك، فقال الله: " ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام" (البقرة: 149، 150).
حدثنا الحسن قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: "فأينما تولوا فثم وجه الله"، قال: هي القبلة، ثم نسختها القبلة إلى المسجد الحرام.
حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج بن المنهال قال، حدثنا همام قال، حدثنا يحيى قال، سمعت قتادة في قول الله: "فأينما تولوا فثم وجه الله "، قال: كانوا يصلون نحو بيت المقدس ورسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة قبل الهجرة، وبعد ما هاجررسول الله صلى الله عليه وسلم صلى نحو بيت المقدس ستة عشر شهرًا، ثم وجه بعد ذلك نحو الكعبة البيت الحرام. فنسخها الله في آية أخرى: "فلنولينك قبلة ترضاها" إلى "وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره" (البقرة: 144)، قال: فنسخت هذه الآية ما كان قبلها من أمر القبلة.
حدثنا يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، سمعته يعني زيد يقول: قال عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم: "فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم "، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هؤلاء قوم يهود يستقبلون بيتاً من بيوت الله، لو أنا استقبلناه! فاستقبله النبي صلى الله عليه وسلم ستة عشر شهرًا، فبلغه أن يهود تقول: والله ما درى محمد وأصحابه أين قبلتهم حتى هديناهم! فكره ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، ورفع وجهه إلى السماء، فقال الله عز وجل: "قد نرى تقلب وجهك في السماء" الآية (البقرة: 144).
وقال آخرون: نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وسلم، إذناً من الله عز وجل له أن يصلى التطوع حيث توجه وجهه من شرق أو غرب، في مسيره في سفره، وفي حال المسايفة، وفي شدة الخوف والتقاء الزحوف في الفرائض. وأعلمه أنه حيث وجه وجهه فهو هنالك، بقوله: "ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله ". ذكر من قال ذلك:حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن إدريس قال، حدثنا عبد الملك، عن سعيد بن جبير، عن ابن عمر: أنه كان يصلي حيث توجهت به راحلته، ويذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك، ويتأول هذه الآية: "أينما تولوا فثم وجه الله ".
حدثني أبو السائب قال، حدثنا ابن فضيل، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن سعيد بن جبير، عن ابن عمر أنه قال: إنما نزلت هذه الآية "أينما تولوا فثم وجه الله ": أن تصلي حيثما توجهت بك راحلتك في السفر تطوعاً، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رجع من مكة يصلي على راحلته تطوعاً؟ يومىء برأسه نحو المدينة.
وقال آخرون بل نزلت هذه الآية في قوم عميت عليهم القبلة فلم يعرفوا شطرها، فصفوا على أنحاء مختلفة، فقال الله عز وجل لهم: لي المشارق والمغارب فأنى وليتم وجوهكم فهنالك وجهي، وهو قبلتكم معلمهم بذلك أن صلاتهم ماضية. ذكر من قال ذلك:حدثنا أحمد قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا أبو الربيع السمان، عن عاصم بن عبيد الله، عن عبد الله بن عامربن ربيعة، عن أبيه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة سوداء مظلمة، فنزلنا منزلاً. فجعل الرجل يأخذ الأحجار فيعمل مسجدًا يصلي فيه. فلما أصبحنا إذا نحن قد صلينا على غير القبلة. فقلنا: يا رسول الله، لقد صلينا ليلتنا هذه لغير القبلة! فأنزل الله عز وجل: "ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم ".
حدثني المثنى قال، حدثني الحجاج قال، حدثنا حماد قال، قلت للنخعي: إني كنت استيقظت أو قال: أيقظت، شك الطبري فكان في السماء سحاب، فصليت في القبلة. قال: مضت صلاتك، يقول الله عز وجل: "فأينما تولوا فثم وجه الله ".
حدثنا سفيان بن وكيع قال، حدثنا أبي، عن أشعث السمان، عن عاصم بن عبيد الله، عن عبد الله بن عامربن ربيعة، عن أبيه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة مظلمة في سفر، فلم ندر أين القبلة، فصفينا، فصفى كل واحد منا على حياله، ثم أصبحنا فذكرنا للنبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله عز وجل: "فأينما تولوا فثم وجه الله ".
وقال آخرون: بل نزلت هذه الآية في سبب النجاشي، لأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تنازعوا في أمره، من أجل أنه مات قبل أن يصلي إلى القبلة، فقال الله عز وجل: المشارق والمغارب كلها لي، فمن وجه وجهه نحو شيء منها يريدني به ويبتغي به طاعتي، وجدني هنالك. يعني بذلك أن النجاشي وإن لم يكن صلى إلى القبلة، فإنه قد كان يوجه إلى بعض وجوه المشارق والمغارب وجهه، يبتغي بذلك رضا الله عز وجل في صلاته. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن بشار قال، حدثنا هشام بن معاذ قال، حدثني أبي، عن قتادة: " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن أخاكم النجاشي قد مات فصلوا عليه قالوا: نصلي على رجل ليس بمسلم! قال فنزلت: "وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله" " ( آل عمران: 199)، قال قتادة: فقالوا: إنه كان لا يصلي إلى القبلة! فأنزل الله عز وجل: "ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله ".
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك: أن الله تعالى ذكره إنما خص الخبر عن المشرق والمغرب في هذه الآية بأنهما له ملكاً وإن كان لا شيء إلا وهو له ملك إعلامًا منه عباده المؤمنين أن له ملكهما وملك مابينهما من الخلق، وأن على جميعهم، إذ كان له ملكهم، طاعته فيما أمرهم ونهاهم، وفيما فرض عليهم من الفرائض، والتوجه نحو الوجه الذي وجهوا إليه، إذ كان من حكم المماليك طاعة مالكهم. فأخرج الخبر عن "المشرق والمغرب " والمراد به: من بينهما من الخلق، على النحو الذي قد بينت، من الإكتفاء بالخبر عن سبب الشيء، من ذكره والخبر عنه، كما قيل: "وأشربوا في قلوبهم العجل" ( البقرة: 93)، وما أشبه ذلك.
ومعنى الآية إذاً: ولله ملك الخلق الذي بين المشرق والمغرب، يتعبدهم بما شاء، ويحكم فيهم ما يريد، عليهم طاعته، فولوا وجوهكم أيها المؤمنون نحو وجهي، فإنكم أينما تولوا وجوهكم فهنالك وجهي.
فأما القول في هذه الآية ناسخة أم منسوخة، أم لا هي ناسخة ولا منسوخة؟ فالصواب فيه من القول أن يقال: إنها جاءت مجيء العموم، والمراد الخاص. وذلك أن قوله: "فأينما تولوا فثم وجه الله " محتمل: أينما تولوا في حال سيركم في أسفاركم في صلاتكم التطوع، وفي حال مسايفتكم
عدوكم في تطوعكم ومكتوبتكم فثم وجه الله، كما قال ابن عمر والنخعي، ومن قال ذلك ممن ذكرنا عنه آنفاً.
ومحتمل: فأينما تولوا من أرض الله فتكونوا بها فثم قبلة الله التي توجهون وجوهكم إليها، لأن الكعبة ممكن لكم التوجه إليها منها، كما قال: أبو كريب قال، حدثنا وكيع ، عن أبي سنان، عن الضحاك، والنضر بن عربي، عن مجاهد في قول الله عز وجل: "فأينما تولوا فثم وجه الله "، قال: قبلة الله، فأينما كنت من شرق أو غرب فاستقبلها.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا حجاج ،عن ابن جريج، قال أخبرني إبراهيم، عن ابن أبي بكر، عن مجاهد قال: حيثما كنتم فلكم قبلة تستقبلونها. قال: الكعبة. ومحتمل: فأينما تولوا وجوهكم في دعائكم فهنالك وجهي، أستجيب لكم دعاءكم، كما:حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج، قال: مجاهد: لما نزلت " ادعوني أستجب لكم" (غافر: 65)، قالوا: إلى أين؟ فنزلت: "فأينما تولوا فثم وجه الله ".
فإذ كان قوله عز وجل: "فأينما تولوا فثم وجه الله "، محتملاً ما ذكرنا من الأوجه، لم يكن لأحد أن يزعم أنها ناسخة أو منسوخة، إلا بحجة يجب التسليم لها.
لأن الناسخ لا يكون إلا بمنسوخ، ولم تقم حجة يجب التسليم لها بأن قوله: "فأينما تولوا فثم وجه الله " معني به: فأينما توجهوا وجوهكم في صلاتكم فثم قبلتكم؟ ولا أنها نزلت بعد صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه نحو بيت المقدس، أمرًا من الله عز وجل لهم بها أن يتوجهوا نحو الكعبة، فيجوز أن يقال: هي ناسخة الصلاة نحو بيت المقدس، إذ كان من أهل العلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأئمة التابعين من ينكر أن تكون نزلت في ذلك المعنى، ولا خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثابت بأنها نزلت فيه، وكان الاختلاف في أمرها موجودًا على ما وصفت.
ولا هي إذ لم تكن ناسخة لما وصفنا قامت حجتها بأنها منسوخة، إذ كانت محتملة ما وصفنا: بأن تكون جاءت بعموم، ومعناها: في حال دون حال إن كان عني بها التوجه في الصلاة وفي كل حال، إن كان عني بها الدعاء وغير ذلك من المعاني التي ذكرنا.
وقد دللنا في كتابنا كتاب البيان عن أصول الأحكام على أن لا ناسخ من آي القرآن وأخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ما نفى حكمًا ثابتاً، وألزم العباد فرضه، غير محتمل بظاهره وباطنه غير ذلك. فأما إذا ما احتمل غير ذلك من أن يكون بمعنى الأستثناء، أو الخصوص والعموم، أو المجمل، أو المفسر فمن الناسخ والمنسوخ بمعزل. بما أغنى عن تكريره في هذا الموضع، ولا منسوخ إلا المنفي الذي قد كان ثبت حكمه وفرضه.
ولم يصح واحد من هذين المعنيين لقوله: "فأينما تولوا فثم وجه الله "، بحجة يجب التسليم لها، فيقال فيه: هو ناسخ أو منسوخ.
وأما قوله: "فأينما"، فإن معناه: حيثما.
وأما قوله: "تولوا"، فإن الذي هو أولى بتأويله أن يكون: تولون نحوه وإليه، كما يقول القائل: أوليته وجهي ووليته إليه ، بمعنى قابلته وواجهته. وإنما قلنا ذلك أولى بتأويل الآية، لإجماع الحجة على أن ذلك تأويله، وشذوذ من تأوله بمعنى: تولون عنه فتستدبرونه، فالذي تتوجهون إليه وجه الله، يمعنى قبلة الله.
وأما قوله: "فثم "، فإنه بمعنى: هنالك.
واختلف في تأويل قوله: "فثم وجه الله ". فقال بعضهم: تأويل ذلك: فثم قبلة الله، يعني بذلك وجهه الذي وجههم إليه. ذكر من قال ذلك:حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع، عن النضر بن عربي، عن مجاهد: "فثم وجه الله"، قال: قبلة الله.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، أخبرني إبراهيم، عن مجاهد قال: حيثما كنتم فلكم قبلة تستقبلونها.
وقالا آخرون: معنى قول الله عز وجل: "فثم وجه الله "، فثم الله تبارك وتعالى.
وقال آخرون: معنى قوله: "فثم وجه الله"، فثم تدركون بالتوجه إليه رضا الله الذي له الوجه الكريم.
وقال آخرون: عنى بـ الوجه ذا الوجه. وقال قائلو هذه المقالة: وجه الله صفة له.
فإن قال قائل: وما هذه الآية من التي قبلها؟.
قيل: هي لها مواصلة. وإنما معنى ذلك: ومن أظلم من النصارى الذين منعوا عباد الله مساجده أن يذكر فيها اسمه، وسعوا في خرابها، ولله المشرق والمغرب، فأينما توجهوا وجوهكم فاذكروه، فإن وجهه هنالك، يسعكم فضله وأرضه وبلاده، ويعلم ما تعملون، ولا يمنعكم تخريب من خرب مسجد بيت المقدس، ومنعهم من منعوا من ذكر الله فيه أن تذكروا الله حيث كنتم من أرض الله، تبتغون به وجهه.
القول في تأويل قوله: " إن الله واسع عليم ".
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: "واسع "، يسع خلقه كلهم بالكفاية والإفضال والجود والتدبير.
وأما قوله: "عليم " فإنه يعني: أنه عليم بأفعالهم، لا يغيب عنه منها شيء ولا يعزب عن علمه، بل هوبجميعها عليم.
القول في تأويل قوله تعالى: "وقالوا اتخذ الله ولدا سبحانه بل له ما في السماوات والأرض ".
قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: "وقالوا اتخذ الله ولدا"، الذين منعوا مساجد الله أن يذكر فيها اسمه. و ‌"قالوا": معطوف على قوله: "وسعى في خرابها".
وتأويل الآية: ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها، وقالوا اتخذ الله ولدًا، وهم النصارى الذين زعموا أن عيسى ابن الله، فقال الله جل ثناؤه مكذبًا قيلهم ما قالوا من ذلك، ومنتفيًا مما نحلوه وأضافوا إليه بكذبهم وفريتهم: "سبحانه "، يعني بها: تنزيهًا وتبريئاً من أن يكون له ولد، وعلوًا وارتفاعًا عن ذلك. وقد دللنا فيما مضى على معنى قول القائل: سبحان الله ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
ثم أخبر جل ثناؤه أن له ما في السموات والأرض ملكاً وخلقاً. ومعنى ذلك: وكيف يكون المسيح لله ولدًا، وهو لا يخلو: إما أن يكون في بعض هذه الأماكن، إما في السموات، وإما في الأرض، ولله ملك ما فيهما، ولو كان المسيح ابنا كما زعمتم، لم يكن كسائر ما في السموات والأرض من خلقه وعبيده، في ظهور آيات الصنعة فيه.
قوله تعالى : "وقالوا اتخذ الله ولدا سبحانه بل له ما في السماوات والأرض كل له قانتون" .
فيه خمس مسائل :
الأولى : قوله تعالى : "وقالوا اتخذ الله ولدا" هذا إخبار عن النصارى في قولهم المسيح ابن الله . وقيل عن اليهود في قولهم : غزير ابن الله . وقيل عن كفرة العرب في قولهم : الملائكة بنات الله . وقد جاء مثل هذه الأخبار عن الجهلة الكفار في مريم و الأنبياء .
الثانية : قوله : "سبحانه بل له" الآية . خرج البخاري " عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : قال الله تعالى كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك وشتمني ولم يكن له ذلك فأما تكذيبه إياي فزعم أني لا أقدر أن أعيده كما كان وأما شتمه إياي فقوله لي ولد فسبحاني أن اتخذ صاحبة أو ولدا" .
الثالثة : سبحان منصوب على المصدر ، ومعناه التبرئة والتنزيه والمحاشاة ، من قولهم : اتخذ الله ولداً ، بل هو الله تعالى واحد في ذاته ، أحد في صفاته ، لم يلد فيحتاج إلى صاحبة ، "أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة وخلق كل شيء" ولم يلد فيكون مسبوقاً ، جل وتعالى عما يقول الظالمون والجاحدون علواً كبيراً ! "بل له ما في السماوات والأرض" ما رفع بالابتداء والخبر في المجرور ، أي كل ذلك له ملك بالإيجاد والاختراع . والقائل بأنه اتخذ ولداً داخل في جملة السموات والأرض . وقد تقدم أن معنى سبحان الله :براءة الله من السوء .
الرابعة : لا يكون الولد إلا من جنس الوالد ، فكيف يكون للحق سبحانه أن يتخذ ولداً من مخلوقاته وهو لا يشبهه شيء ، وقد قال : "إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا" كما قال هنا : "بل له ما في السماوات والأرض" فالولدية تقتضي الجنسية والحدوث ، والقدم يقتضي الوحدانية والثبوت ، فهو سبحانه القديم الأزلي الواحد الأحد ، الفرد الصمد ، الذي لم يلد ولم يلد ولم يكن له كفوا أحد . ثم إن البنوة تنافي الرق والعبودية ـ على ما يأتي بيانه في سورة مريم إن شاء الله تعالى ـ فكيف يكون ولد عبداً ! هذا محال ، وما أدى إلى المحال محال .
الخامسة : قوله تعالى : "كل له قانتون" ابتداء وخبر ، والتقدير لهم ، ثم حذف الهاء والميم . قانتون أي مطيعون وخاضعون ، فالمخلوقات كلها تقنت لله ، أي تخضع وتطيع . والجمادات قنوتهم في ظهور الصنعة عليهم وفيهم . فالقنوت الطاعة ، والقنوت السكوت ، ومنه قول زيد بن أرقم : كنا نتكلم في الصلاة ، يكلم الرجل صاحبه إلى جنبه حتى نزلت : "وقوموا لله قانتين" فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام . والقنوت : الصلاة ، قال الشاعر :
قانتا لله يتلو كتبه وعلى عمد من الناس اعتزل
وقال السدي وغيره في قوله : "كل له قانتون" أي يوم القيامة . الحسن : كل قائم بالشهادة أنه عبد . والقنوت في اللغة أصله القيام ، ومنه الحديث :
"افضل الصلاة طول القنوت" قاله الزجاج . فالخلق قانتون ، أي قائمون بالعبودية إما إقراراً وإما إن يكونوا على خلاف ذلك ، فأثر الصنعة بين عليهم . وقيل : اصله الطاعة ، ومنه قوله تعالى : "والقانتين والقانتات" . وسيأتي لهذا مزيد بيان عند قوله تعالى : "وقوموا لله قانتين" .
اشتملت هذه الاية الكريمة والتي تليها على الرد على النصارى عليهم لعائن الله وكذا من أشبههم من اليهود ومن مشركي العرب ممن جعل الملائكة بنات الله فأكذب الله جميعهم في دعواهم وقولهم إن لله ولداً، فقال تعالى: "سبحانه" أي تعالى وتقدس وتنزه عن ذلك علواً كبيراً "بل له ما في السموات والأرض" أي ليس الأمر كما افتروا وإنما له ملك السموات والأرض ومن فيهن وهو المتصرف فيهم وهو خالقهم ورازقهم ومقدرهم ومسخرهم ومسيرهم ومصرفهم كما يشاء والجميع عبيد له وملك له فكيف يكون له ولد منهم والولد إنما يكون متولداً من شيئين متناسبين وهو تبارك وتعالى ليس له نظير ولا مشارك في عظمته وكبريائه ولا صاحبة له فكيف يكون له ولد ؟ كما قال تعالى: "بديع السموات والأرض أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة وخلق كل شيء وهو بكل شيء عليم" وقال تعالى: " وقالوا اتخذ الرحمن ولدا * لقد جئتم شيئا إدا * تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا * أن دعوا للرحمن ولدا * وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا * إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا * لقد أحصاهم وعدهم عدا * وكلهم آتيه يوم القيامة فردا " وقال تعالى: "قل هو الله أحد * الله الصمد * لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كفواً أحد". فقرر تعالى في هذه الايات الكريمة أنه السيد العظيم الذي لا نظير له ولا شبيه له وأن جميع الأشياء غيره مخلوقة له مربوبة فكيف يكون له منها ولد ؟ ولهذا قال البخاري في تفسير هذه الاية من البقرة: حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب عن عبد الله بن أبي الحسين، حدثنا نافع بن جبير هو ابن مطعم عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قال الله تعالى كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك وشتمني ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبه إياي فيزعم أني لا أقدر أن أعيده كما كان، وأما شتمه إياي فقوله أن لي ولداً فسبحاني أن أتخذ صاحبة أو ولداً" انفرد به البخاري من هذا الوجه وقال ابن مردويه حدثنا أحمد بن كامل أخبرنا محمد بن إسماعيل الترمذي، أخبرنا محمد بن إسحاق بن محمد الفروي أخبرنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ويقول الله تعالى كذبني ابن آدم وما ينبغي له أن يكذبني وشتمني وما ينبغي له أن يشتمني، فأما تكذيبه إياي فقوله: لن يعيدني كما بدأني. وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته ، وأما شتمه إياي فقوله: اتخذ الله ولداً. وأنا الله الأحد الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد" وفي الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله، إنهم يجعلون له ولداً وهو يرزقهم ويعافيهم" وقوله: "كل له قانتون" قال ابن أبي حاتم: أخبرنا أبو سعيد الأشج، أخبرنا أسباط عن مطرف عن عطية عن ابن عباس قال: "قانتين" مصلين، وقال عكرمة وأبو مالك: "كل له قانتون" مقرون له بالعبودية، وقال سعيد بن جبير: "كل له قانتون"، يقول الإخلاص، وقال الربيع بن أنس: يقول: "كل له قانتون" أي: قائم يوم القيامة، وقال السدي: "كل له قانتون" أي: مطيعون يوم القيامة، وقال خصيف عن مجاهد: "كل له قانتون" قال: مطيعون، قال كن إنساناً فكان، وقال: كن حماراً فكان، وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد: كل له قانتون مطيعون، قال: طاعة الكافر في سجود ظله وهو كاره، وهذا القول عن مجاهد وهو اختيار ابن جرير يجمع الأقوال كلها وهو أن القنوت والطاعة والاستكانة إلى الله وهو شرعي وقدري كما قال الله تعالى: " ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال " وقد ورد حديث فيه بيان القنوت في القرآن ما هو المراد به، كما قال ابن أبي حاتم: أخبرنا يوسف ابن عبد الأعلى، حدثنا ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث أن دراجا أبا السمح حدثه عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كل حرف من القرآن يذكر فيه القنوت فهو الطاعة"، وكذا رواه الإمام أحمد: عن حسن بن موسى عن ابن لهيعة عن دراج بإسناده مثله، ولكن في هذا الإسناد ضعف لا يعتمد عليه، ورفع هذا الحديث منكر ، وقد يكن من كلام الصحابي أو من دونه، والله أعلم.
وقوله تعالى: "بديع السموات والأرض" أي: خالقهما على غير مثال سبق، قال مجاهد والسدي: وهو مقتضى اللغة، ومنه يقال للشيء المحدث بدعة، كما جاء في صحيح مسلم: فإن كل محدثة بدعة، والبدعة على قسمين: تارة تكون بدعة شرعية، كقوله: "فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة"، وتارة تكون بدعة لغوية، كقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب عن جمعه إياهم على صلاة التراويح واستمرارهم: نعمت البدعة هذه، وقال ابن جرير: "بديع السموات والأرض" مبدعهما، وإنما هو مفعل فصرف إلى فعيل، كما صرف المؤلم إلى الأليم، والمسمع إلى السميع، ومعنى المبدع المنشىء والمحدث، ما لا يسبقه إلى إنشاء مثله وإحداثه أحد، قال: ولذلك سمي المبتدع في الدين، مبتدعاً لإحداثه فيه، ما لم يسبق إليه غيره، وكذلك كل محدث قولاً أو فعلاً، لم يتقدم فيه متقدم، فإن العرب تسميه مبتدعاً، ومن ذلك قول أعشى بن ثعلبة في مدح هوذة بن علي الحنفي:
يدعي إلى قول سادات الرجال إذا أبدوا له الحزم أو ما شاءه ابتدعا
أي يحدث ما شاء، قال ابن جرير: فمعنى الكلام سبحان الله أن يكون له ولد، وهو مالك ما في السموات والأرض تشهد له جميعها بدلالتها عليه بالوحدانية، وتقر له بالطاعة، وهو بارئها وخالقها وموجدها، من غير أصل ولا مثال احتذاها عليه، وهذا إعلام من الله لعباده، أن ممن يشهد له بذلك المسيح، الذي أضافوا إلى الله بنوته، وإخبار منه لهم، أن الذي ابتدع السموات والأرض من غير أصل، وعلى غير مثال، هو الذي ابتدع المسيح عيسى، من غير والد بقدرته، وهذا من ابن جرير رحمه الله كلام جيد وعبارة صحيحة. وقوله تعالى: "وإذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون" يبين بذلك تعالى كمال قدرته وعظيم سلطانه، وأنه إذا قدر أمراً وأراد كونه، فإنما يقول له كن، أي: مرة واحدة فيكون، أي: فيوجد، على وفق ما أراد كما قال تعالى: "إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون"، وقال تعالى: "إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون"، وقال تعالى: " وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر " وقال الشاعر:
إذا ما أراد أمراً فإنما يقول له كن قوله فيكون
ونبه بذلك أيضاً، على أن خلق عيسى بكلمة كن فكان كما أمره الله، قال الله تعالى: "إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون".
قوله: 116- "وقالوا" هم اليهود والنصارى- وقيل اليهود: أي قالوا: "عزير ابن الله" وقيل النصارى: أي قالوا: "المسيح ابن الله" وقيل: هم كفار العرب: أي قالوا: الملائكة بنات الله. وقوله: "سبحانه" قد تقدم تفسيره، والمراد هنا تبرؤ الله تعالى عما نسبوه إليه من اتخاذ الولد. وقوله: "بل له ما في السموات والأرض" رد على القائلين بأنه اتخذ ولداً: أي بل هو مالك لما في السموات والأرض، وهؤلاء القائلون داخلون تحت ملكه، والولد من جنسهم لا من جنسه، ولا يكون الولد إلا من جنس الوالد. والقانت: المطيع الخاضع: أي كل من في السموات والأرض مطيعون له خاضعون لعظمته خاشعون لجلاله، والقنوت في أصل اللغة القيام. قال الزجاج: فالخلق قانتون أي قائمون بالعبودية إما إقراراً وإما أن يكونوا على خلاف ذلك، فأثر الصنعة بين عليهم، وقيل: أصله الطاعة، ومنه "والقانتين والقانتات" وقيل: السكون، ومنه قوله: "وقوموا لله قانتين" ولهذا قال زيد بن أرقم: كنا نتكلم في الصلاة حتى نزلت "وقوموا لله قانتين" فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام، وقيل القنوت: الصلاة، ومنه قول الشاعر:
‌قانتاً لله يتلو كتبه وعلى عمد من الناس اعتزل
والأولى أن القنوت لفظ مشترك بين معان كثيرة، قيل: هي ثلاثة عشر معنى، وهي مبينة. وقد نظمها بعض أهل العلم كما أوضحت ذلك في شرحي على المنتقى.
116. قوله تعالى: " وقالوا اتخذ الله ولداً " قرأ ابن عامر قالوا اتخذ الله بغير واو، وقرأ الآخرون بالواو [وقالوا اتخذ الله ولداً] نزلت في يهود المدينة حيث قالوا: " عزير ابن الله " وفي نصارى نجران حيث قالوا: " المسيح ابن الله "، وفي مشركي العرب حيث قالوا: الملائكة بنات الله " سبحانه " نزه وعظم نفسه.
أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن اسماعيل أنا أبو اليمان أنما شعيب عن عبد الرحمن بن أبي حسن عن نافع بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " قال الله تعالى كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك وشتمني ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبه إياي فزعم أني لا أقدر أن أعيده كما كان، وأما شتمه إياي فقوله لي ولد، فسبحاني أن أتخذ صاحبة أو ولداً ".
قوله تعالى " بل له ما في السموات والأرض " عبيداً وملكاً " كل له قانتون " قال مجاهد و عطاء و السدي : مطيعون وقال عكرمة و مقاتل : مقرون له بالعبودية، وقال ابن كيسان : قائمون بالشهادة، وأصل القنوت القيام قال النبي صلى الله عليه وسلم: " أفضل الصلاة طول القنوت "، واختلفوا في حكم الآية فذهب جماعة إلى أن حكم الآية خاص، وقال مقاتل : هو راجع 'لى عزير والمسيح والملائكة، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: هو راجع إلى أهل طاعته دون سائر الناس، وذهب جماعة إلى أن حكم الآية عام في جميع الخلق لأن ((كل)) تقتضي الإحاطة بالشيء بحيث لا يشذ منه شيء، ثم سلكوا في الكفار طريقين: فقال مجاهد : يسجد ظلالهم لله على كره منهم قال الله تعالى: " وظلالهم بالغدو والآصال " (15-الرعد) وقال السدي : هذا يوم القيامة دليله [" وعنت الوجوه للحي القيوم " (111-طه) وقيل (قانتون) مذللون مسخرون لما خلقوا له].
116-" وقالوا اتخذ الله ولداً " نزلت لما قال اليهود : " عزير ابن الله " ، والنصارى : " المسيح ابن الله " ، ومشركوا العرب : الملائكة بنات الله ، وعطفه على قالت اليهود ، أو منع ، أو مفهوم قوله تعالى ومن أظلم . وقرأ ابن عامر بغير واو " سبحانه " تنزيه له عن ذلك ، فإنه يقتضي التشبيه والحاجة وسرعة الفناء ، ألا ترى أن الأجرام الفلكية ـ مع إمكانها وفنائها ـ لما كانت باقية ما دام العالم ، لم تتخذ ما يكون لها كالولد اتخاذ الحيوان والبنات ، اختياراً أو طبعاً . " بل له ما في السموات والأرض " رد لما قالوه ، واستدلال على فساده ، والمعنى أنه تعالى خالق ما في السموات والأرض ، الذي من جملته الملائكة و عزير والمسيح " كل له قانتون " منقادون لا يمتنعون عن مشيئته وتكوينه ، وكل ما كان بهذه الصفة لم يجانس مكونه الواجب لذاته : فلا يكون له ولد ، لأن من حق الولد أن يجانس والده ، وإنما جاء بما الذي لغير أولي العلم ، وقال قانتون على تغليب أولي العلم تحقيراً لشأنهم ،وتنوين كل عوض عن المضاف إليه ، أي كل ما فيهما . ويجوز أن يراد كل من جعلوه ولداً له مطيعاً مقرون بالعبودية ، فيكون إلزاماً بعد إقامة الحجة ، والآية مشعرة على فساد ما قالوه من ثلاثة أوجه ، واحتج بها الفقهاء على أن من ملك ولده عتق عليه ، لأنه تعالى نفى الولد بإثبات الملك ، وذلك يقتضي تنافيهما .
116. And they say: Allah hath taken unto Himself a Son. Be He glorified! Nay, but whatsoever is in the heaven and the earth, His. All are subservient unto Him.
116 - They say: God hath begotten a son: glory be to him. nay, to him belongs all that is in the heavens and on earth: everything renders worship to him.