[البقرة : 111] وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ
(وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا) جمع هائد (أو نصارى) قال ذلك يهود المدينة ونصارى نجران لما تناظروا بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم أي قال اليهود لن يدخلها إلا اليهود وقال النصارى لن يدخلها إلا النصارى (تلك) القولة (أمانيهم) شهواتهم الباطلة (قل) لهم (هاتوا برهانكم) حججكم على ذلك (إن كنتم صادقين) فيه
قال أبو جعفر: قد دللنا فيما مضى على معنى إقامة الصلاة، وأنها أداؤها بحدودها وفروضها، وعلى تأويل الصلاة وما أصلها، وعلى معنى إيتاء الزكاة، وأنه إعطاؤها بطيب نفس على ما فرضت ووجبت، وعلى معنى الزكاة واختلاف المختلفين فيها، والشواهد الدالة على صحة القول الذي اخترنا في ذلك، بما أغنى عن إعادته في هذا الوضع.
وأما قوله: "وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله "، فإنه يعني جل ثناؤه بذلك:ومهما تعملوا من عمل صالح في أيام حياتكم، فتقدموه قبل وفاتكم ذخرًا لأنفسكم في معادكم، تجدوا ثوابه عند ربكم يوم القيامة، فيجازيكم به.
و الخير هو العمل الذي يرضاه الله. وإنما قال: "تجدوه "، والمعنى: تجدوا ثوابه، كما:حدثت عن عمار بن الحسن قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قوله:تجدوه، يعني: تجدوا ثوابه عند الله.
قال أبو جعفر: لاستغناء سامعي ذلك بدليل ظاهر على معنى المراد منه، كما قال عمر بن لجأ:
وسبحت المدينة، لا تلمها رأت قمرًا بسوقهم نهارا وإنما أراد: وسبح أهل المدينة.
وإنما أمرهم جل ثناؤه في هذا الموضع بما أمرهم به، من إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وتقديم الخيرات لأنفسهم، ليطهروا بذلك من الخطأ الذي سلف منهم في استنصاحهم اليهود، وركون من كان ركن منهم إليهم، وجفاء من كان جفا منهم في خطابه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: "راعنا"، إذ كانت إقامة الصلوات كفارة للذنوب، وإيتاء الزكاة تطهيرًا للنفوس والأبدان من أدناس الآثام، وفي تقديم الخيرات إدراك الفوز برضوان الله.
القول في تأويل قوله تعالى: "إن الله بما تعملون بصير".
قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله جل ثناؤه للذين خاطبهم بهذه الآيات من المؤمنين، أنهم مهما فعلوا من خير وشر سرًا وعلانية، فهو به بصير لا يخفى عليه منه شيء، فيجزيهم بالإحسان خيرًا، وبالإساءة مثلها.
وهذا الكلام، وإن كان خرج مخرج الخبر، فإن فيه وعدًا ووعيدًا وأمرًا وزجرًا. وذلك أنه أعلم القوم أنه بصير بجميع أعمالهم، ليجدوا في طاعته، إذ كان ذلك مذخورًا لهم عنده حتى يثيبهم عليه، كما قال: "وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله "، وليحذروا معصيته، إذ كان مطلعًا على راكبها، بعد تقدمه إليه فيها بالوعيد عليها، وما أوعد عليه ربنا جل ثناؤه فمنهي عنه، وما وعد عليه فمأمور به.
أما قوله: "بصير"، فإنه مبصر صرف إلى بصير، كما صرف مبدع إلى بديع ومؤلم إلى أليم .
قوله تعالى : "وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين" .
يبين تعالى اغترار اليهود والنصارى بما هم فيه، حيث ادعت كل طائفة من اليهود والنصارى، أنه لن يدخل الجنة إلا من كان على ملتها، كما أخبر الله عنهم في سورة المائدة، أنهم قالوا: "نحن أبناء الله وأحباؤه" فأكذبهم الله تعالى بما أخبرهم أنه معذبهم بذنوبهم، ولو كانوا كما ادعوا، لما كان الأمر كذلك، وكما تقدم من دعواهم، أنه لن تمسهم النار إلا أياماً معدودة، ثم ينتقلون إلى الجنة، ورد عليهم تعالى في ذلك، وهكذا قال لهم في هذه الدعوى التي ادعوها بلا دليل ولا حجة ولا بينة، فقال: "تلك أمانيهم"، وقال أبو العالية: أماني تمنوها على الله بغير حق وكذا قال قتادة والربيع بن أنس ثم قال تعالى "قل" أي يا محمد "هاتوا برهانكم" قال أبو العالية ومجاهد والسدي والربيع بن أنس: حجتكم، وقال قتادة بينتكم على ذلك: "إن كنتم صادقين"، أي فيما تدعونه، ثم قال تعالى: "بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن"، أي من أخلص العمل لله وحده لا شريك له، كما قال تعالى: "فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن" الاية، وقال أبو العالية والربيع "بلى من أسلم وجهه لله" يقول: من أخلص لله وقال سعيد بن جبير: "بلى من أسلم" أخلص "وجهه"، قال دينه "وهو محسن" أي اتبع فيه الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن للعمل المتقبل شرطين: أحدهما أن يكون صواباً خالصاً لله وحده، والاخر أن يكون صواباً موافقاً للشريعة، فمتى كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يتقبل، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد"، رواه مسلم من حديث عائشة عنه عليه الصلاة والسلام، فعمل الرهبان ومن شابههم، وإن فرض أنهم مخلصون فيه لله، فإنه لا يتقبل منهم، حتى يكون ذلك متابعاً للرسول صلى الله عليه وسلم، المبعوث إليهم وإلى الناس كافة، وفيهم وأمثالهم قال الله تعالى: "وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثوراً" وقال تعالى: "والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً"، وقال تعالى: " وجوه يومئذ خاشعة * عاملة ناصبة * تصلى نارا حامية * تسقى من عين آنية "، وروي عن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه، أنه تأولها في الرهبان كما سيأتي، وأما إن كان العمل موافقاً للشريعة، في الصورة الظاهرة، ولكن لم يخلص عامله القصد لله، فهو أيضاً مردود على فاعله، وهذا حال المرائين والمنافقين، كما قال تعالى: " إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراؤون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا "، وقال تعالى: " فويل للمصلين * الذين هم عن صلاتهم ساهون * الذين هم يراؤون * ويمنعون الماعون " ولهذا قال تعالى: " فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا " وقال في هذه الاية الكريمة: "بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن"، وقوله: " فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون "، ضمن لهم تعالى على ذلك تحصيل الأجور ، وآمنهم مما يخافونه من المحذور، "فلا خوف عليهم" فيما يستقبلونه، "ولا هم يحزنون" على ما مضى مما يتركونه، كما قال سعيد بن جبير ، "فلا خوف عليهم" يعني في الاخرة، "ولا هم يحزنون" يعني لا يحزنون للموت.
وقوله تعالى: "وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء وهم يتلون الكتاب"، بين به تعالى تناقضهم وتباغضهم وتعاديهم وتعاندهم، كما قال محمد بن إسحاق: حدثني محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس، قال: لما قدم أهل نجران من النصارى، على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أتتهم أحبار يهود فتنازعوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رافع بن حريملة: ما أنتم على شيء، وكفر بعيسى وبالإنجيل، وقال رجل من أهل نجران من النصارى لليهود: ما أنتم على شيء ، وجحد نبوة موسى وكفر بالتوراة، فأنزل الله في ذلك من قولهما: "وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء وهم يتلون الكتاب"، قال: إن كلاً يتلو في كتابه تصديق من كفر به، أن يكفر اليهود بعيسى وعندهم التوراة، فيها ما أخذ الله عليهم على لسان موسى بالتصديق بعيسى وفي الإنجيل ما جاء به عيسى بتصديق موسى، وما جاء من التوراة من عند الله وكل يكفر بما في يد صاحبه، وقال مجاهد في تفسير هذه الاية: قد كانت أوائل اليهود والنصارى على شيء ، ولكنهم ابتدعوا وتفرقوا، "وقالت النصارى ليست اليهود على شيء" قال: بلى، قد كانت أوائل اليهود على شيء ، ولكنهم ابتدعوا وتفرقوا، وعنه رواية أخرى كقول أبي العالية والربيع بن أنس في تفسير هذه الاية: "وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء" هؤلاء أهل الكتاب الذين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا القول يقتضي، أن كلاً من الطائفتين صدقت فيما رمت به الطائفة الأخرى، ولكن ظاهر سياق الاية يقتضي ذمهم فيما قالوه، مع علمهم بخلاف ذلك، ولهذا قال تعالى: "وهم يتلون الكتاب"، أي وهم يعلمون شريعة التوراة والإنجيل، كل منهما قد كانت مشروعة في وقت، ولكنهم تجاحدوا فيما بينهم عناداً وكفراً ومقابلة للفاسد، كما تقدم عن ابن عباس ومجاهد وقتادة في الرواية الأولى عنه في تفسيرها، والله أعلم، وقوله: "كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم"، بين بهذا جهل اليهود والنصارى فيما تقابلوا من القول وهذا من باب الإيماء والإشارة. وقد اختلف فيمن عنى بقوله تعالى "الذين لا يعلمون" فقال الربيع بن أنس وقتادة "كذلك قال الذين لا يعلمون" قالا: وقالت النصارى مثل قول اليهود وقيلهم، وقال ابن جريج: قلت لعطاء من هؤلاء الذين لا يعلمون ؟ قال أمم كانت قبل اليهود والنصارى وقبل التوراة والإنجيل وقال السدي كذلك "قال الذين لا يعلمون"، فهم العرب، قالوا ليس محمد على شيء، واختار أبو جعفر بن جرير أنها عامة تصلح للجميع، وليس ثم دليل قاطع يعين واحداً من هذه الأقوال، والحمل على الجميع أولى، والله أعلم وقوله تعالى: "فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون"، أي أنه تعالى يجمع بينهم يوم المعاد ، ويفصل بينهم بقضائه العدل، الذي لا يجور فيه ولا يظلم مثقال ذرة، وهذه الاية كقوله تعالى في سورة الحج: "إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شيء شهيد"، وكما قال تعالى: "قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم".
قوله: 111- "هوداً" قال الفراء: يجوز أن يكون هوداً بمعنى يهودياً، وأن يكون جمع هائد. وقال الأخفش: إن الضمير المفرد في كان هو باعتبار لفظ من، والجمع في قوله: هوداً باعتبار معنى من، قيل: في هذا الكلام حذف، وأصله: وقالت اليهود لن يدخل الجنة إلا من كان يهودياً، وقالت النصارى: لن يدخل الجنة إلا من كان نصرانياً. هكذا قال كثير من المفسرين، وسبقهم إلى ذلك بعض السلف. وظاهر النظم القرآني أن طائفتي اليهود والنصارى وقع منهم هذا القول وأنهم يختصون بذلك دون غيرهم، ووجه القول بأن في الكلام حذفاً ما هو معلوم من أن كل طائفة من هاتين الطائفتين تضلل الأخرى ولتنفي عنها أنها على شيء من الدين فضلاً عن دخول الجنة كما في هذا الموضع، فإنه قد حكى الله عن اليهود أنها قالت: ليست النصارى على شيء، وقالت: النصارى ليست اليهود على شيء والأماني قد تقدم تفسيرها، والإشارة بقوله تلك إلى ما تقدم لهم من الأماني التي آخرها أنه لا يدخل الجنة غيرهم. وقيل: إن الإشارة إلى هذه الأمنية الآخرة، والتقدير أمثال تلك الأمنية أمانيهم على حذف المضاف ليطابق أمانيهم، قوله: "هاتوا" أصله هاتيوا حذفت الضمة لثقلها ثم حذفت الياء لالتقاء الساكنين، ويقال للمفرد المذكر هات وللمؤنث هاتي، وهو صوت بمعنى أحضر. والبرهان: الدليل الذي يحصل عنده اليقين. قال ابن جرير: طلب الدليل هنا يقتضي إثبات النظر ويرد على من ينفيه. وقوله: "إن كنتم صادقين" أي في تلك الأماني المجردة والدعاوى الباطلة.
111 - قوله " وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً " أي يهودياً ، قال الفراء : حذف الياء الزائدة ورجع إلى الفعل من اليهودية ، وقال الأخفش : الهود : جمع هائد ، مثل عائد وعود ، وحائل وحول ، " أو نصارى " وذلك أن اليهود قالوا : لن يدخل الجنة إلا من كان يهودياً ولا دين إلا دين اليهودية ، وقالت النصارى لن يدخل الجنة إلا من كان نصرانياً ولا دين إلا دين النصرانية .
وقيل : نزلت في وفد نجران وكانوا نصارى اجتمعوا في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم مع اليهود فكذب بعضهم ، قال الله تعالى : " تلك أمانيهم " أي شهواتهم الباطلة التي تمنوها على الله بغير الحق " قل " يامحمد " هاتوا " أصله آتوا " برهانكم " حجتكم على ما زعمتم " إن كنتم صادقين "
111-" وقالوا " عطف على " ود " ، والضمير لأهل الكتاب من اليهود والنصارى . " لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى " لف بين قولي الفريقين كما في قوله تعالى : " وقالوا كونوا هوداً أو نصارى " ثقة بفهم السامع ، وهود جمع هائد كعوذ وعائذ ، وتوحيد الاسم المضمر في كان ، وجمع الخبر لاعتبار اللفظ والمعنى . " تلك أمانيهم " إشارة إلى الأماني المذكورة ، وهي أن لا ينزل على المؤمنين خير من ربهم ، وأن أمثال تلك الأمنية أمانيهم , والجملة اعتراض والأمنية أفعولة من التمني كالأضحوكة والأعجوبة . " قل هاتوا برهانكم " على اختصاصكم بدخول الجنة . " إن كنتم صادقين " في دعواكم فإن كل قول لا دليل عليه غير ثابت .
111. And they say: None entereth Paradise unless he be a Jew or a Christian. These are their own desires. Say: Bring your proof (of what ye state) if ye are truthful.
111 - And they say: none shall enter paradise unless he be a Jew or a Christian. those are their (vain) desires. say: produce your proof if ye are truthful.