[البقرة : 101] وَلَمَّا جَاءهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ كِتَابَ اللّهِ وَرَاء ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ
(ولما جاءهم رسول من عند الله) محمد صلى الله عليه وسلم (مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله) أي التوراة (وراء ظهورهم) أي لم يعملوا بما فيها من الإيمان بالرسول وغيره (كأنهم لا يعلمون) ما فيها من أنه نبي حق أو أنها كتاب الله
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله:"ولما جاءهم"، أحبار اليهود وعلماءها من بني إسرائيل "رسول"، يعني بالرسول: محمدًا صلى الله عليه وسلم، كما:
حدثني موسى بن هرون قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي في قوله:"ولما جاءهم رسول"، قال: لما جاءهم محمد صلى الله عليه وسلم.
وأما قوله:"مصدق لما معهم"، فإنه يعني به أن محمدًا صلى الله عليه وسلم يصدق التوراة والتوراة تصدقه، في أنه لله نبي مبعوث إلى خلقه.
وأما تأويل قوله:"ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم"، فإنه للذي هو مع اليهود، وهو التوراة. فأخبر الله جل ثناؤه أن اليهود لما جاءهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الله بتصديق ما في أيديهم من التوراة، أن محمدًا صلى الله عليه وسلم نبي لله، "نبذ فريق"، يعني بذلك: أنهم جحدوه ورفضوه بعد أن كانوا به مقرين، حسدًا منهم له وبغيًا عليه. وقوله:"من الذين أوتوا الكتاب"، وهم علماء اليهود الذين أعطاهم الله العلم بالتوراة وما فيها. ويعني بقوله:"كتاب الله"، التوراة.
وقوله:"وراء ظهورهم"، جعلوه وراء ظهورهم. وهذا مثل، يقال لكل رافض أمرًا كان منه على بال:قد جعل فلان هذا الأمر منه بظهر، وجعله وراء ظهره ، يعني به: أعرض عنه وصد وانصرف، كما:
حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم"، قال: لما جاءهم محمد صلى الله عليه وسلم عارضوه بالتوراة فخاصموه بها، فاتفقت التوراة والقرآن، فنبذوا التوراة وأخذوا بكتاب آصف، وسحر هاروت وماروت. فذلك قول الله:"كأنهم لا يعلمون".
ومعنى قوله:"كأنهم لا يعلمون"، كأن هؤلاء الذين نبذوا كتاب الله من علماء اليهود فنقضوا عهد الله بتركهم العمل بما واثقوا الله على أنفسهم العمل بما فيه لا يعلمون ما في التوراة من الأمر باتباع محمد صلى الله عليه وسلم وتصديقه. وهذا من الله جل ثناؤه إخبار عنهم أنهم جحدوا الحق على علم منهم به ومعرفة، وأنهم عاندوا أمر الله فخالفوا على علم منهم بوجوبه عليهم، كما:
حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله:"نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب"، يقول: نقض فريق من الذين أوتوا الكتاب "كتاب الله وراء ظهورهم، كأنهم لا يعلمون": أي أن القوم كانوا يعلمون، ولكنهم أفسدوا علمهم، وجحدوا وكفروا وكتموا.
قوله تعالى "ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم" نعت لرسول ، ويجوز نصبه على الحال . "نبذ فريق" جواب لما . "من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله" نصب بـ نبذ ، والمراد التوارة ، لأن كفرهم بالنبي عليه السلام وتكذيبهم له نبذ لها . قال السدي : نبذوا التوارة وأخذوا بكتاب آصف ، وسحر هاروت وماروت . وقيل :يجوز أن يعني به القرآن . قال الشعبي : هو بين أيديهم يقرءونه ، ولكن نبذوا العمل به . وقال سفيان بن عيينة : ادرجوا في الحرير والديباج ، وحلوه بالذهب والفضة ، ولم يحلوا حلاله ولم يحرموا حرامه ، فذلك النبذ . وقد تقدم بيانه مستوفى . "كأنهم لا يعلمون" تشبيه بمن لا يعلم ، إذ فعلوا فعل الجاهل ، فيجيء من اللفظ أنهم كفروا على علم .
وقوله تعالى: "وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر" قال أبو جعفر الرازي, عن الربيع بن أنس عن قيس بن عباد عن ابن عباس قال: فإذا أتاهما الاتي يريد السحر نهياه أشد النهي وقالا له: إنما نحن فتنة فلا تكفر, وذلك أنهما علما الخير والشر والكفر والإيمان, فعرفا أن السحر من الكفر, قال: فإذا أبى عليهما أمراه يأتي مكان كذا وكذا, فإذا أتاه عاين الشيطان فعلمه, فإذا تعلمه خرج منه النور, فنظر إليه ساطعاً في السماء فيقول: يا حسرتاه, يا ويله ماذا صنع, وعن الحسن البصري أنه قال في تفسير هذه الاية: نعم انزل الملكان بالسحر ليعلما الناس البلاء الذي أراد الله أن يبتلي به الناس, فأخذ عليهما الميثاق أن لا يعلما أحداً حتى يقولا: إنما نحن فتنة فلا تكفروا, رواه ابن أبي حاتم, وقال قتادة: كان أخذ عليهما ان لا يعلما أحداً حتى يقولا: إنما نحن فتنة أي بلاء ابتلينا به فلا تكفر. وقال السدي: إذا أتاهما إنسان يريد السحر وعظاه وقالا له: لا تكفر إنما نحن فتنة, فإذا أبى قالا له: ائت هذا الرماد فبل عليه, فإذا بال عليه خرج منه نور فسطع حتى يدخل السماء وذلك الإيمان, وأقبل شيء أسود كهيئة الدخان حتى يدخل في مسامعه, وكل شيء, وذلك غضب الله, فإذا أخبرهما بذلك علماه السحر, فذلك قول الله تعالى: "وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر" الاية, وقال سنيد عن حجاج عن ابن جريج في هذه الاية: لا يجترىء على السحر إلا كافر, وأما الفتنة فهي المحنة والاختيار, ومنه قول الشاعر:
وقد فتن الناس في دينهم وخلى ابن عفان شراً طويلاً
وكذلك قوله تعالى إخباراً عن موسى عليه السلام حيث قال "إن هي إلا فتنتك" أي ابتلاؤك واختبارك وامتحانك "تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء" وقد استدل بعضهم بهذه الاية على تكفير من تعلم السحر, واستشهد له بالحديث الذي رواه الحافظ أبو بكر البزار, حدثنا محد بن المثنى, أخبرنا أبو معاوية عن الأعمش, عن إبراهيم عن همام عن عبد الله قال: "من أتى كاهناً أو ساحراً فصدقه بما يقول, فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم" وهذا إسناد صحيح وله شواهد أخر, وقوله تعالى: "فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه" أي فيتعلم الناس من هاروت وماروت من علم السحر وما يتصرفون به فيما يتصرفون من الأفاعيل المذمومة ما إنهم ليفرقون به بين الزوجين, مع ما بينهما من الخلطة والائتلاف, وهذا من صنيع الشياطين, كما رواه مسلم في صحيحه من حديث الأعمش عن أبي سفيان عن طلحة بن نافع عن جابر بن عبد الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الشيطان ليضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه في الناس, فأقربهم عنده منزلة أعظمهم عنده فتنة, ويجيء أحدهم فيقول: ما زلت بفلان حتى تركته وهو يقول كذا وكذا, فيقول إبليس: لا والله ما صنعت شيئاً! ويجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين أهله قال: فيقر به ويدنيه ويلتزمه ويقول: نعم أنت" وسبب التفريق بين الزوجين بالسحر ما يخيل إلى الرجل أو المرأة من الاخر من سوء منظر أو خلق أو نحو ذلك أو عقد أو بغضه أو نحو ذلك من الأسباب المقتضية للفرقة, والمرء عبارة عن الرجل وتأنيثه امرأة ويثنى كل منهما ولا يجمعان والله اعلم.
وقوله تعالى "وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله" قال سفيان الثوري: إلا بقضاء الله, وقال محمد بن إسحاق: إلا بتخلية الله بينه وبين ما أراد, وقال الحسن البصري "وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله" قال: نعم, من شاء الله سلطهم عليه, ومن لم يشأ الله لم يسلط ولا يستطيعون من أحد إلا بإذن الله, كما قال الله تعالى. وفي رواية عن الحسن أنه قال: لا يضر هذا السحر إلا من دخل فيه, وقوله تعالى: "ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم" أي يضرهم في دينهم وليس له نفع يوازي ضرره " ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق " أي ولقد علم اليهود الذين استبدلوا بالسحر عن متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم لمن فعل فعلهم, ذلك أنه ما له في الاخرة من خلاق, قال ابن عباس وكمجاهد والسدي: من نصيب, وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة: ما له في الاخرة من جهة عند الله, وقال عبد الرزاق, وقال الحسن: ليس له دين, وقال سعد عن قتادة " ما له في الآخرة من خلاق " قال: ولقد علم أهل الكتاب فيم عهد الله إليهم أن الساحر لا خلاق له في الاخرة, وقوله تعالى "ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون * ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير لو كانوا يعلمون" يقول تعالى: "ولبئس" البديل ما استبدلوا به من السحر عوضاً عن الإيمان ومتابعة الرسول لو كان لهم علم بما وعظوا به "ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير" أي ولو أنهم آمنوا بالله ورسله واتقوا المحارم لكان مثوبة الله على ذلك خيراً لهم مما استخاروا لأنفسهم ورضوا به كما قال تعالى: "وقال الذين أوتوا العلم: ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحاً ولا يلقاها إلا الصابرون".
وقد استدل بقوله "ولو أنهم آمنوا واتقوا" من ذهب إلى تكفير الساحر, كما هو رواية عن الإمام أحمد بن حنبل وطائفة من السلف, وقيل: بل لا يكفر, ولكن حده ضرب عنقه, لما رواه الشافعي وأحمد بن حنبل, قالا: أخبرنا سفيان, هو ابن عيينة عن عمرو بن دينار, أنه سمع بجالة بن عبدة يقول: كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن اقتلوا كل ساحر وساحرة, قال: فقتلنا ثلاث سواحر وقد أخرجه البخاري في صحيحه أيضاً, وهكذا صح أن حفصة أم المؤمنين سحرتها جارية لها, فأمرت بها, فقتلت, قال الإمام أحمد بن حنبل: صح عن ثلاثة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في قتل الساحر. وروى الترمذي من حديث اسماعيل بن مسلم عن الحسن عن جندب الأزدي أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حد الساحر ضربه بالسيف" ثم قال: لا نعرفه مرفوعاً إلا من هذا الوجه, وإسماعيل بن مسلم يضعف في الحديث, والصحيح عن الحسن عن جندب موقوفاً قلت. قد رواه الطبراني من وجه آخر عن الحسن عن جندب مرفوعاً. والله أعلم. وقد روي من طرق متعددة أن الوليد بن عقبة: كان عنده ساحر يلعب بين يديه فكان يضرب رأس الرجل ثم يصيح به فيرد إليه رأسه, فقال الناس: سبحان الله يحيي الموتى, ورآه رجل من صالحي المهاجرين , فلما كان الغد جاء مشتملاً على سيفه وذهب يلعب لعبه ذلك, فاخترط الرجل سيفه فضرب عنق الساحر, وقال: إن كان صادقاً فليحي نفسه, وتلا قوله تعالى: " أفتأتون السحر وأنتم تبصرون ", فغضب الوليد إذ لم يستأذنه في ذلك, فسجنه ثم أطلقه, والله أعلم. وقال الإمام أبو بكر الخلال: أخبرنا عبد الله بن أحمد بن حنبل, حدثني أبي أخبرنا يحيى بن سعيد, حدثني أبو إسحاق عن حارثة قال: كان عند بعض الأمراء رجل يلعب فجاء جندي مشتملاً على سيفه فقتله, قال: أراه كان ساحراً, وحمل الشافعي رحمه الله قصة عمر وحفصة على سحر يكون شركاً والله أعلم.
(فصل) حكى أبو عبد الله الرازي في تفسيره عن المعتزلة أنهم أنكروا وجود السحر, قال: وربما كفروا من اعتقد وجوده, قال: وأما أهل السنة فقد جوزوا أن يقدر الساحر أن يطير في الهواء ويقلب الإنسان حماراً, والحمار إنساناً إلا أنهم قالوا: إن الله يخلق الأشياء عندما يقول الساحر تلك الرقى والكلمات المعينة فأما أن يكون المؤثر في ذلك هو الفلك والنجوم, فلا, خلافاً للفلاسفة والمنجمين والصابئة, ثم استدل على وقوع السحر وأنه بخلق الله تعالى بقوله تعالى: "وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله" ومن الأخبار بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم سحر, وأن السحر عمل فيه وبقصة تلك المرأة مع عائشة رضي الله عنها وما ذكرت تلك المرأة من إتيانها بابل وتعلمها السحر قال: وبما يذكر في هذا الباب من الحكايات الكثير, ثم قال بعد هذا.
(المسألة الخامسة) في أن العلم بالسحر ليس بقبيح ولا محظور ـ اتفق المحققون على ذلك لأن العلم لذاته شريف, وأيضاً لعموم قوله تعالى: " قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون " ولأن السحر لو لم يكن يعلم لما أمكن الفرق بينه وبين المعجزة والعلم بكون المعجز معجزاً واجب, وما يتوقف الواجب عليه فهو واجب فهذا يقتضي أن يكون تحصيل العلم بالسحر واجباً, وما يكون واجباً, فكيف يكون حراماً وقبيحاً ؟ هذا لفظه بحروفه في هذه المسألة, وهذا الكلام فيه نظر من وجوه أحدها قوله: العلم بالسحر ليس بقبيح عقلاً, فمخالفوه من المعتزلة يمنعون هذا, وإن عنى أنه ليس بقبيح شرعاً, ففي هذه الاية الكريمة تبشيع لتعلم السحر, وفي الصحيح "من أتى عرافاً أو كاهناً فقد كفر بما أنزل على محمد", وفي السنن "من عقد عقدة ونفث فيها فقد سحر" وقوله: ولا محظور, اتفق المحققون على ذلك, كيف لا يكون محظوراً مع ما ذكرناه من الاية والحديث واتفاق المحققين يقتضي أن يكون قد نص إلى هذه المسألة أئمة العلماء أوأكثرهم وأين نصوصهم على ذلك ؟ ثم إدخاله في علم السحر في عموم قوله تعالى: "قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون" فيه نظر, لأن هذه الاية إنما دلت على مدح العالمين العلم الشرعي ولم قلت إن هذا منه ثم ترقية إلى وجوب تعلمه إنه لا يحصل العلم بالمعجز إلا به ضعيف بل فاسد, لأن أعظم معجزات رسولنا عليه الصلاة والسلام هي القرآن العظيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد. ثم إن العلم بأنه معجزة لا يتوقف على علم السحر أصلاً, ثم من المعلوم بالضرورة أن الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين وعامتهم, كانوا يعلمون المعجز, ويفرقون بينه وبين غيره, ولم يكونوا يعلمون السحر ولا تعلموه ولا علموه, والله أعلم.
ثم ذكر أبو عبد الله الرازي, أن أنواع السحر ثمانية (الأول) سحر الكذابين والكشدانيين, الذين كانوا يعبدون الكواكب السبعة المتحيرة, وهي السيارة, وكانوا يعتقدون أنها مدبرة العالم, وأنها تأتي بالخير والشر, وهم الذين بعث الله إليهم إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم مبطلاً لمقالتهم ورداً لمذهبهم, وقد استقصى في (كتاب السر المكتوم, في مخاطبة الشمس والنجوم) المنسوب إليه, كما ذكرها القاضي ابن خلكان وغيره, ويقال أنه تاب منه, وقيل بل صنفه على وجه إظهار الفضيلة, لا على سبيل الاعتقاد, وهذا هو المظنون به إلا أنه ذكر فيه طريقهم في مخاطبة كل من هذه الكواكب السبعة وكيفية ما يفعلون وما يلبسونه وما يتمسكون به.
قال (والنوع الثاني) سحر أصحاب الأوهام والنفوس القوية, ثم استدل على أن الوهم له تأثير بأن الإنسان يمكنه أن يمشي على الجسر الموضوع على وجه الأرض, ولا يمكنه المشي عليه إذا كان ممدوداً على نهر أو نحوه, قال: وكما أجمعت الأطباء على نهي المرعوف عن النظر إلى الأشياء الحمر, والمصروع إلى الأشياء القوية اللمعان أو الدوران, وما ذلك إلا لأن النفوس خلقت مطيعة للأوهام. قال: وقد اتفق العقلاء على أن الإصابة بالعين حق ـ وله أن يستدل على ذلك بما ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "العين حق ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين" ـ قال فإذا: عرفت هذا فنقول النفس التي تفعل هذه الأفاعيل قد تكون قوية جداً فتستغني في هذه الأفاعيل عن الاستعانه بالالات والأدوات, وقد تكون ضعيفة فتحتاج إلى الاستعانة بهذه الالات, وتحقيقه أن النفس إذا كانت متعلية عن البدن شديدة الانجذاب إلى عالم السماوات صارت كأنها روح من الأوراح السماوية, فكانت قوية على التأثير في مواد هذا العالم, وإذا كانت ضعيفة شديدة التعلق بهذه الذات البدنية, فحينئذ لا يكون لها تأثير البتة إلا في هذا البدن, ثم أرشد إلى مداواة هذا الداء بتقليل الغذاء, والانقطاع عن الناس والرياء "قلت" وهذا الذي يشير إليه هو التصرف بالحال, وهو على قسمين, تارة تكون حالاً صحيحة شرعية يتصرف بها فيما أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم, ويترك ما نهى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم, فهذه الأحوال مواهب من الله تعالى وكرامات للصالحين من هذه الأمة ولا يسمى هذا سحراً في الشرع. وتارة تكون الحال فاسدة لا يمتثل صاحبها ما أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم, ولا يتصرف بها في ذلك, فهذه حال الأشقياء المخالفين للشريعة ولا يدل إعطاء الله إياهم هذه الأحوال على محبته لهم, كما أن الدجال له من الخوارق للعادات ما دلت عليه الأحاديث الكثيرة مع أنه مذموم شرعاً لعنه الله, وكذلك من شابهه من مخالفي الشريعة المحمدية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام, وبسط هذا يطول جداً وليس هذا موضعه.
قال (والنوع الثالث) من السحر, الاستعانة بالأرواح الأرضية وهم الجن خلافاً للفلاسفة والمعتزلة وهم على قسمين: مؤمنون, وكفار وهم الشياطين, وقال: واتصال النفوس الناطقة بها أسهل من اتصالها بالأرواح السماوية لما بينها من المناسبة والقرب, ثم إن أصحاب الصنعة وأرباب التجربة شاهدوا أن الاتصال بهذه الأرواح الأرضية يحصل بها أعمال سهلة قليلة من الرقي والدخن والتجريد, وهذا النوع هو المسمى بالعزائم وعمل التسخير.
قال (النوع الرابع) من السحر التخيلات والأخذ بالعيون والشعبذة, ومبناه على أن البصر قد يخطىء ويشتغل بالشيء المعين دون غيره ألا ترى ذا الشعبذة الحاذق يظهر عمل شيء يذهل أذهان الناظرين به ويأخذ عيونهم إليه حتى إذا استفرغهم الشغل بذلك الشيء بالتحديث ونحوه عمل شيئاً آخر عملاً بسرعة شديدة, وحينئذ يظهر لهم شيء آخر غير ما انتظروه فيتعجبون منه جداً ولو أنه سكت ولم يتكلم بما يصرف الخواطر إلى ضد ما يريد أن يعلمه, ولم تتحرك النفوس والأوهام إلى غير ما يريد إخراجه, لفطن الناظرون لكل ما يفعله (قال) وكلما كانت الأحوال تفيد حسن البصر نوعاً من أنواع الخلل أشد, كان العمل أحسن مثل أن يجلس المشعبذ في موضع مضيء جداً أو مظلم فلا تقف القوة الناظرة على أحوالها والحالة هذه.
(قلت) وقد قال بعض المفسرين: إن سحر السحرة بين يدي فرعون إنما كان من باب الشعبذة ولهذا قال تعالى: "فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاؤوا بسحر عظيم" وقال تعالى: "يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى" قالوا: ولم تكن تسعى في نفس الأمر, والله أعلم.
(النوع الخامس من السحر): الأعمال العجيبة التي تظهر من تركيب آلات مركبة على النسب الهندسية كفارس على فرس في يده بوق كلما مضت ساعة من النهار ضرب بالبوق من غير أن يمسه أحد ـ ومنها الصور التي تصورها الروم والهند حتى لا يفرق الناظر بينهما وبين الإنسان حتى يصورونها ضاحكة وباكية, إلى أن قال: فهذه الوجوه من لطيف أمور التخاييل, قال: وكان سحر سحرة فرعون من هذا القبيل (قلت) يعني ما قاله بعض المفسرين: إنهم عمدوا إلى تلك الحبال والعصي فحشوها زئبقاً فصارت تتلوى بسبب ما فيها من ذلك الزئبق فيخيل إلى الرائي أنها تسعى باختيارها قال الرازي: ومن هذا الباب تركيب صندوق الساعات, ويندرج في هذا الباب علم جر الأثقال بالالات الخفيفة قال: وهذا في الحقيقة لا ينبغي أن يعد من السحر لأن لها أسباباً معلومة يقينية من اطلع عليها قدر عليها. (قلت) ومن هذا القبيل حيل النصارى على عامتهم بما يرونهم إياه من الأنوار كقضية قمامة الكنيسة التي لهم ببلد القدس, وما يحتالون به من إدخال النار خفية إلى الكنيسة وإشعال ذلك القنديل بصنعة لطيفة تروج على العوام منهم. وأما الخواص فهم معترفون بذلك, ولكن يتأولون أنهم يجمعون شمل أصحابهم على دينهم فيرون ذلك سائغاً لهم. وفيهم شبهة على الجهلة الأغبياء من متعبدي الكرامية الذين يرون جواز وضع الأحاديث في الترغيب والترهيب فيدخلون في عداد من قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم: "من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار" وقوله: "حدثوا عني ولا تكذبوا علي فإنه من يكذب علي يلج النار" ثم ذكر ههنا حكاية عن بعض الرهبان وهو أنه سمع صوت طائر حزين الصوت ضعيف الحركة فإذا سمعته الطيور ترق له فتذهب فتلقي في وكره من ثمر الزيتون ليتبلغ به, فعمد هذا الراهب إلى صنعة طائر على شكله وتوصل إلى أن جعله أجوف فإذا دخلته الريح يسمع منه صوت كصوت الطائر وانقطع في صومعة ابتناها وزعم أنها على قبر بعض صالحيهم وعلق على ذلك الطائر في مكان منها فإذا كان زمان الزيتون فتح باباً من ناحيته فيدخل الريح إلى داخل هذه الصورة, فيسمع صوتها كل طائر في شكله أيضاً, فتأتي الطيور فتحمل من الزيتون شيئاً كثيراً, فلا ترى في النصارى إلا ذلك الزيتون في هذه الصومعة ولا يدرون ما سببه, ففتنهم بذلك وأوهم أن هذا من كرامات صاحب هذا القبر, عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة.
(قال الرازي: النوع السادس من السحر) الاستعانة بخواص الأدوية يعني في هذا الأطعمة والدهانات قال: واعلم أنه لا سبيل إلى إنكار الخواص فإن تأثير المغناطيس مشاهد. (قلت) يدخل في هذا القبيل كثير ممن يدعي الفقر ويتحيل على جهلة الناس بهذه الخواص مدعياً أنها أحوال له من مخالطة النيران ومسك الحيات إلى غير ذلك من المحالات.
قال (النوع السابع من السحر) التعليق للقلب, وهو أن يدعي الساحر أنه عرف الاسم الأعظم وأن الجن يطيعونه وينقادون له في أكثر الأمور فإذا اتفق أن يكون السامع لذلك ضعيف العقل قليل التمييز اعتقد أنه حق وتعلق قلبه بذلك وحصل في نفسه نوع من الرعب والمخافة فإذا ما حصل الخوف ضعفت القوى الحساسة فحينئذ يتمكن الساحر أن يفعل ما يشاء. (قلت) هذا النمط يقال له التنبلة وإنما يروج على ضعفاء العقول من بني آدم.وفي علم الفراسة ما يرشد إلى معرفة العقل من ناقصه فإذا كان المتنبل حاذقاً في علم الفراسة عرف من ينقاد له من الناس من غيره.
قال (النوع الثامن من السحر) السعي بالنميمة والتقريب من وجوه خفيفة لطيفة وذلك شائع في الناس (قلت) النميمة على قسمين تارة تكون على وجه التحريش بين الناس وتفريق قلوب المؤمنين فهذا حرام متفق عليه, فأما إن كانت على وجه الإصلاح بين الناس وائتلاف كلمة المسلمين كما جاء في الحديث "ليس بالكذاب من ينم خيراً" أو يكون على وجه التخذيل والتفريق بين جموع الكفرة, فهذا أمر مطلوب كما جاء في الحديث "الحرب خدعة", وكما فعل نعيم بن مسعود في تفريق كلمة الأحزاب وبني قريظة: جاء إلى هؤلاء فنمى إليهم عن هؤلاء كلاماً, ونقل من هؤلاء إلى أولئك شيئاً آخر, ثم لأم بين ذلك فتناكرت النفوس وافترقت, وإنما يحذو على مثل هذا الذكاء ذو البصيرة النافذة والله المستعان.
ثم قال الرازي: فهذه جملة الكلام في أقسام السحر وشرح أنواعه وأصنافه, (قلت) وإنما أدخل كثيراً من هذه الأنواع المذكورة في فن السحر للطافة مداركها لأن السحر في اللغة عبارة عما لطف وخفي بسببه, ولهذا جاء في الحديث "إن من البيان لسحراً", وسمي السحور لكونه يقع خفياً آخر الليل, والسحر: الرئة, وهي محل الغذاء وسميت بذلك لخفائها ولطف مجاريها إلى أجزاء البدن وغضونه, كما قال أبو جهل يوم بدر لعتبة: انتفخ سحره أي انتفخت رئته من الخوف. وقالت عائشة رضي الله عنها: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم بين سحري ونحري, وقال تعالى: "سحروا أعين الناس" أي أخفوا عنهم علمهم, والله أعلم.
وقال أبو عبد الله القرطبي: وعندنا أن السحر حق وله حقيقة يخلق الله عنده ما يشاء خلافاً للمعتزلة وأبي إسحاق الإسفرايني من الشافعية حيث قالوا: إنه تمويه وتخييل قال ومن السحر ما يكون بخفة اليد كالشعوذة, والشعوذي البريد لخفة سيره, قال ابن فارس: وليست هذه الكلمة من كلام أهل البادية, قال القرطبي: ومنه ما يكون كلاماً يحفظ ورقى من أسماء الله تعالى وقد يكون من عهود الشياطين ويكون أدوية وأدخنة وغير ذلك, قال: وقوله عليه السلام: "إن من البيان لسحراً" يحتمل أن يكون مدحاً كما تقول طائفة, ويحتمل أن يكون ذماً للبلاغة قال: وهذا أصح, قال لأنها تصوب الباطل حتى توهم السامع أنه حق كما قال عليه الصلاة والسلام: "فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له" الحديث.
(فصل) وقد ذكر الوزير أبو المظفر يحيى بن محمد ابن هبيرة رحمه الله في كتابه(الإشراف على مذاهب الأشراف) باباً في السحر فقال: أجمعوا على أن السحر له حقيقة إلا أبا حنيفة فإنه قال: لا حقيقة له عنده واختلفوا فيمن يتعلم السحر ويستعمله, فقال أبو حنيفة ومالك وأحمد يكفر بذلك. ومن أصحاب أبي حنيفة من قال إن تعلمه ليتقيه أو ليجتنبه فلا يكفر ومن تعلمه معتقداً جوازه أو أنه ينفعه كفر, وكذا من اعتقد أن الشياطين تفعل له ما يشاء فهو كافر. وقال الشافعي رحمه الله: إذا تعلم السحر قلنا له صف لنا سحرك فإن وصف ما يوجب الكفر مثل ما اعتقده أهل بابل من التقرب إلى الكواكب السبعة وأنها تفعل ما يلتمس منها فهو كافر, وإن كان لايوجب الكفر فإن اعتقد إباحته فهو كافر, قال ابن هبيرة: وهل يقتل بمجرد فعله واستعماله ؟ فقال مالك وأحمد نعم, وقال الشافعي وأبو حنيفة: لا فأما إن قتل بسحره إنساناً فإنه يقتل عند مالك والشافعي وأحمد. وقال أبو حنيفة: يقتل حتى يتكرر منه ذلك أو يقر بذلك في حق شخص معين, وإذا قتل فإنه يقتل حداً عندهم إلا الشافعي فإنه قال: يقتل والحالة هذه قصاصاً قال: وهل إذا تاب الساحر تقبل توبته ؟ فقال مالك وأبو حنيفة وأحمد في المشهور عنهم: لا تقبل, وقال الشافعي وأحمد في الرواية الأخرى تقبل, وأما ساحر أهل الكتاب فعند أبي حنيفة أنه يقتل كما يقتل الساحر المسلم, وقال مالك وأحمد والشافعي: لايقتل يعني لقصة لبيد بن الأعصم واختلفوا في المسلمة الساحرة فعند أبي حنيفة أنها لا تقتل ولكن تحبس, وقال الثلاثة حكمها حكم الرجل, والله أعلم. وقال أبو بكر الخلال: أخبرنا أبو بكر المروزي قال: قرأ على أبي عبد الله ـ يعني أحمد بن حنبل ـ عمر ابن هارون أخبرنا يونس عن الزهري: قال يقتل ساحر المسلمين ولا يقتل ساحر المشركين لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم سحرته امرأة من اليهود فلم يقتلها. وقد نقل القرطبي عن مالك رحمه الله, أنه قال في الذمي يقتل إن قتل سحره, وحكى ابن خويز منداد عن مالك روايتين في الذمي إذا سحر: إحداهما أنه يستتاب فإن أسلم وإلا قتل, والثانية أنه يقتل وإن أسلم, وأما الساحر المسلم فإن تضمن سحره كفراً كفر عند الأئمة الأربعة وغيرهم لقوله تعالى: "وما يعلمان من أحد حتى يقولا: إنما نحن فتنة فلا تكفر". لكن قال مالك إذا ظهر عليه لم تقبل توبته لأنه كالزنديق فإن تاب قبل أن يظهر عليه وجاءنا تائباً قبلناه, فإن قتل سحره قتل قال الشافعي: فإن قال لم أتعمد القتل فهو مخطىء تجب عليه الدية.
(مسألة) وهل يسئل الساحر حلاً لسحره فأجاز سعيد بن المسيب فيما نقله عنه البخاري, وقال عامر الشعبي: لا بأس بالنشرة وكره ذلك الحسن البصري, وفي الصحيح عن عائشة أنها قالت: يارسول الله هلا تنشرت, فقال: "أما الله فقد شفاني وخشيت أن أفتح على الناس شراً" وحكى القرطبي عن وهب: أنه قال يؤخذ سبع ورقات من سدر فتدق بين حجرين ثم تضرب بالماء ويقرأ عليها آية الكرسي ويشرب منها المسحور ثلاث حسوات ثم يغتسل بباقيه فإنه يذهب ما به, وهو جيد للرجل الذي يؤخذ عن امرأته (قلت) أنفع ما يستعمل لإذهاب السحر ما أنزل الله على رسوله في ذهاب ذلك وهما المعوذتان, وفي الحديث "لم يتعوذ المتعوذ بمثلهما" وكذلك قراءة آية الكرسي فإنها مطردة للشياطين
وقوله: 101- "وراء ظهورهم" أي خلف ظهورهم، وهو مثل يضرب لمن يستخف بالشيء فلا يعمل به تقول العرب: اجعل هذا خلف ظهرك ودبرك أذنك وتحت قدمك: أي اتركه وأعرض عنه، ومنه ما أنشده الفراء:
تميم بن زيد لا تكونن حاجتي بظهر فلا يعيى علي جوابها
وقوله: "كتاب الله" أي التوراة لأنهم لما كفروا بالنبي صلى الله عليه وسلم وبما أنزل عليه بعد أن أخذ الله عليهم في التوراة والإيمان به وتصديقه واتباعه وبين لهم صفته، كان ذلك منهم نبذاً للتوراة ونقضاً لها ورفضاً لما فيها، ويجوز أن يراد بالكتاب هنا القرآن: أي لما جاءهم رسول الله من عند الله مصدق لما معهم من التوراة نبذوا كتاب الله الذي جاء به هذا الرسول، وهذا أظهر من الوجه الأول. وقوله: "كأنهم لا يعلمون" تشبيه لهم بمن لا يعلم شيئاً مع كونهم يعلمون علماً يقيناً من التوراة بما يجب عليهم من الإيمان بهذا النبي، ولكنهم لما لم يعلموا بالعلم بل عملوا عمل من لا يعلم من نبذ كتاب الله وراء ظهورهم كانوا بمنزلة من لا يعلم.
101. " ولما جاءهم رسول من عند الله " يعني محمداً " مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم " يعني التوراة وقيل: التوراة وقيل: القرآن " كأنهم لا يعلمون " قال الشعبي : كانوا يقرؤون التوراة ولا يعلمون بها، وقال سفيان بن عينية : أدرجوها في الحرير والديباج وحلوها بالذهب والفضة ولم يعملوا بها فذلك نبذهم لها.
101-" ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم " كعيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام . " نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله " يعني التوراة ، لأن كفرهم بالرسول المصدق لها كفر بها فيما يصدقه ، ونبذ لما فيها من وجوب الإيمان بالرسل المؤيدين بالآيات . وقيل ما مع الرسول صلى الله عليه وسلم هو القرآن .
" وراء ظهورهم " مثل لإعراضهم عنه رأساً ، بالإعراض عما يرمي به وراء الظهر لعدم الالتفات إليه . " كأنهم لا يعلمون " أنه كتاب الله ، يعني أن علمهم به رصين ولكن يتجاهلون عناداً . واعلم أنه تعالى دل بالآيتين على أن جيل اليهود أربع فرق : فرقة آمنوا بالتوراة وقاموا بحقوقها كمؤمني أهل الكتاب وهم الأقلون المدلول عليهم بقوله : " بل أكثرهم لا يؤمنون " . وفرقة جاهروا بنبذ عهودها وتخطي حدودها تمرادً وفسوقاً ، وهم المعنيون بقوله : " نبذه فريق منهم " . وفرقة لم يجاهروا بنبذها ولكن نبذوا لجهلهم بها وهم الأكثرون . وفرقة تمسكوا بها ظاهراً ونبذوها خفية عالمين بالحال ، بغياً وعناداً وهم المتجاهلون .
101. And when there cometh unto them a messenger from Allah, confirming that which they possess, a party of those who have received the Scripture fling the Scripture of Allah behind their backs as if they knew not,
101 - And when there came to them an apostle from God, confirming what was with them, a party of the people of the book threw away the book of God behind their backs, as if (it had been something) they did not know!