[مريم : 8] قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا
8 - (قال رب أنى) كيف (يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا) من عتا يبس إلى نهاية السن مائة وعشرين سنة وبلغت امرأته ثمانية وتسعين سنة وأصل عتي عتو وكسرت التاء تخفيفا وقلبت الواو الأولى ياء لمناسبة الكسرة والثانية ياء لتدغم فيها الياء
يقول تعالى ذكره : قال زكريا لما بشره الله بيحيى : "رب أنى يكون لي غلام"، ومن أي وجه يكون لي ذلك ، وامرأتي عاقر لا تحبل ، وقد ضعفت من الكبر عن مباضعة النساء أبأن تقويني على ما ضعفت عنه من ذلك ، وتجعل زوجتي ولوداً، فإنك القادر على ذلك وعلى ما تشاء، أم بأن أنكح زوجة غير زوجتي العاقر؟ يستثبت ربه الخبر، عن الوجه الذي يكون من قبله له الولد، الذي بشره الله به ، لا إنكاراً منه صلى الله عليه وسلم حقيقة كون ما وعده الله من الولد، وكيف يكون ذلك منه إنكاراً لأن يرزقه الولد الذي بشره به ، وهو المبتدىء مسألة ربه ذلك بقوله "فهب لي من لدنك وليا * يرثني ويرث من آل يعقوب" بعد قوله "إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا".
وقال السدي في ذلك ما :
حدثني موسى بن هارون ، قال : ثنا عمرو، قال : ثنا أسباط . عن السدي، قال : نادى جبرائيل زكريا "إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا" فلما سمع النداء، جاءه الشيطان فقال : يا زكريا إن الصوت الذي سمعت ليس من الله ، إنما هو من الشيطان يسخر بك ، ولو كان من الله أوحاه إليك كما يوحي إليك غيره من الأمر، فشك وقال : "أنى يكون لي غلام" يقول : من أين يكون "وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر".
وقوله "وقد بلغت من الكبر عتيا" يقول : وقد عتوت من الكبر فصرت نحل العظام يابسها، يقال منه للعود اليابس : عود عات وعاس ، وقد عتا يعتو عتياً وعتواً، وعسى يعسو عسياً وعسواً، وكل متناه إلى غايته في كبر أو فساد أو كفر، فهو عات وعاس.
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك :
حدثني يعقوب ، قال : ثنا هشيم ، قال : أخبرنا حصين ، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال : قد علمت السنة كلها، غير أني لا أدري أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر والعصر أم لا، ولا أدري كيف كان يقرأ هذا الحرف "وقد بلغت من الكبر عتيا" أو عسيا.
حدثني محمد بن سعد، قال : ثنى أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله "وقد بلغت من الكبر عتيا" قال : يعني بالعتي : الكبر.
حدثني محمد بن عمرو، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء، جميعاً عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد، قوله "عتيا" قال : نحول العظم.
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين، قال : ثني حجاج، عن ابن جريج ، عن مجاهد، مثله.
حدثنا الحسن بن يحيى، قال : أخبرنا عبد الرزاق، قال : أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله "من الكبر عتيا" قال : سناً، وكان ابن بضع وسبعين سنة.
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب، قال : قال ابن زيد، في قوله "وقد بلغت من الكبر عتيا" قال : العتي : الذي قد عتا عن الولد يخما يرى نفسه لا يولد له .
حدثت عن الحسين بن الفرج، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد بن سليمان، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله "وقد بلغت من الكبر عتيا" قال: هو الكبر.
قوله تعالى: " قال رب أنى يكون لي غلام " ليس على معنى الإنكار لما أخبر الله تعالى به، بل على سبيل التعجب من قدرة الله تعالى أن يخرج ولداً من امرأة عاقر وشيخ كبير. وقيل: غير هذا مما تقدم في ((آل عمران)) بيانه. " وقد بلغت من الكبر عتيا " يعني النهاية في الكبر واليبس والجفاف، ومثله العسي، قال الأصمعي : عسا الشيء يعس عسواً وعساء ممدود أي يبس وصلب، وقد عسا الشيخ يعسو عسيا ولى وكبر مثل عتا، يقال: عتا الشيخ يعتو عتياً وعتياً كبر وولى، وعتوت يا فلان تعتو عتواً وعتياً. والأصل عتو لأنه من ذوات الواو، فأبدلوا من الواو ياء، لأنها أختها وهي أخف منها، والآيات على الياءات، ومن قال: " عتيا " كره الضمة مع الكسرة والياء، وقال الشاعر:
إنما يعذر الوليد ولا يعـ ذر من كان في الزمان عتيا
وقرأ ابن عباس عسياً وهو كذلك في مصحف أبي. وقرأ يحيى بن وثاب وحمزة و الكسائي وحفص " عتيا " بكسر العين وكذلك جثيا و صليا حيث كن. وضم حفص بكياً خاصة، وكذلك الباقون في الجميع، وهما لغتان. وقيل: " عتيا " قسيا، يقال: ملك عات إذا كان قاسي القلب.
هذا تعجب من زكريا عليه السلام حين أجيب إلى ما سأل وبشر بالولد, ففرح فرحاً شديداً, وسأل عن كيفية ما يولد له والوجه الذي يأتيه منه الولد, مع أن امرأته كانت عاقراً لم تلد من أول عمرها مع كبرها, ومع أنه قد كبر وعتا, أي: عسا عظمه ونحل, ولم يبق فيه لقاح ولا جماع, والعرب تقول للعود إذا يبس: عتا يعتو عتياً وعتواً, وعسا يعسو عسواً وعسياً, وقال مجاهد : عتيا يعني نحول العظم, وقال ابن عباس وغيره: عتيا, يعني الكبر, والظاهر أنه أخص من الكبر.
وقال ابن جرير : حدثنا يعقوب , حدثنا هشيم , أخبرنا حصين عن عكرمة عن ابن عباس قال: لقد علمت السنة كلها غير أني لا أدري أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر والعصر أم لا, ولا أدري كيف كان يقرأ هذا الحرف "وقد بلغت من الكبر عتيا" أو عسيا, ورواه الإمام أحمد عن سريج بن النعمان وأبو داود عن زياد بن أيوب كلاهما عن هشيم به, "قال" أي الملك مجيباً لزكريا عما استعجب منه "كذلك قال ربك هو علي هين" أي إيجاد الولد منك ومن زوجتك هذه لا من غيرها, "هين" أي يسير سهل على الله, ثم ذكر له ما هو أعجب مما سأل عنه, فقال "وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئاً" كما قال تعالى: "هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً".
8- "قال رب أنى يكون لي غلام" أي كيف أو من أي لي غلام؟ وليس معنى هذا الاستفهام الإنكار، بل التعجب من قدرة الله وبديع صنعه، حيث يخرج ولداً من امرأة عاقر وشيخ كبير، وقد تقدم الكلام على مثل هذا في آل عمران "وقد بلغت من الكبر عتياً" يقال عتا الشيخ يعتو عتياً إذا انتهى سنه وكبر، وشيخ عات إذا صار إلى حال اليبس والجفاف، والأصل عتواً لأنه من ذوات الواو فأبدلوه ياء لكونها أخف، ومثل ما في الآية قول الشاعر:
إنما يعذر الوليد ولا يعـ ـذر من كان في الزمان عتيا
وقرأ يحيى بن وثاب وحمزة والكسائي وحفص والأعمش "عتياً" بكسر العين، وقرأ الباقون بضم العين وهما لغتان، ومحل جملة "وكانت امرأتي عاقرا" النصب على الحال من ضمير المتكلم، ومحل جملة "وقد بلغت من الكبر عتياً" النصب أيضاً على الحال، وكلا الجملتين لتأكيد الاستبعاد والتعجب المستفاد من قوله: "أنى يكون لي غلام" أي كيف يحصل بيننا ولد الآن، وقد كانت امرأتي عاقراً لم تلد في شبابها وشبابي وهي الآن عجوز، وأنا شيخ هرم؟
8 - " قال رب أنى " ، من أين ، " يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقراً " أي : وامرأتي عاقر . " وقد بلغت من الكبر عتياً" ، أي : يبساً ، قال قتادة : يريد نحول العظم ، يقال : عتا الشيخ يعتو عتياً وعسياً : إذا انتهى سنه وكبر ، وشيخ عات عاس : إذا صار إلى حالة اليبس والجفاف .
وقرأ حمزة و الكسائي : عتياً وبكياً وصلياً وجثياً بكسر أوائلهن ، والباقون برفعها ، وهما لغتان .
8ـ "قال رب أنى يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقراً وقد بلغت من الكبر عتياً" جساوة وقحولاً في المفاصل، وأصله عتو وكقعود فاستثقلوا توالي الضمتين والواوين فكسروا التاء فانقلبت الواو الأولى ياء، ثم قلبت الثانية وأدغمت وقرأ حمزة والكسائي و حفص "عتياً" بالكسر، وإنما استعجب الولد من شيخ فان وعجوز عاقر اعترافا بأن المؤثر فيه كمال قدرته وأن الوسائط عند التحقيق ملغاة ولذلك :
8. He said: My Lord! How can I have a son when my wife is barren and I have reached infirm old age?
8 - He said: O my Lord! how shall I have a son, when my wife is barren And I have grown quite decrepit From old age?