[مريم : 3] إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيًّا
3 - (إذ) متعلق برحمة (نادى ربه نداء) مشتملا على دعاء (خفيا) سرا جوف الليل لأنه أسرع للإجابة
وقوله "إذ نادى ربه نداء خفيا"، يقول حين دعا ربه ، وسأله بنداء خفي ، يعني : وهو مستسر بدعائه ومسألته إياه ما سأل كراهته منه للرياء .
كما حدثنا بشر، قال : ثنا يزيد، قال : ثنا سعيد، عن قتادة، قوله "إذ نادى ربه نداء خفيا" أي سراً، وإن الله يعلم القلب النقي ، ويسمع الصوت الخفي .
حدثنا القاسم ، قال ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قوله "إذ نادى ربه نداء خفيا" قال : لا يريد رياء.
الثالثة: قوله تعالى: " إذ نادى ربه نداء خفيا " مثل قوله: " ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين " [الأعراف: 55] وقد تقدم. والنداء الدعاء والرغبة، أي ناجى ربه بذلك في محرابه. دليله قوله: " فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب " [آل عمران: 39] فبين أنه استجاب له في صلاته، كما نادى في الصلاة. واختلف في إخفائه هذا النداء، فقيل: أخفاه من قومه لئلا يلام على مسألة الولد عند كبر السن، ولأنه أمر دنيوي، فإن أجيب فيه نال بغيته، وإن لم يجب لم يعرف بذلك أحد. وقيل: مخلصاً فيه لم يطلع عليه إلا الله تعالى. وقيل: لما كانت الأعمال الخفية أفضل وأبعد من الرياء أخفاه. وقيل: " خفيا " سراً من قومه في جوف الليل، والكل محتمل والأول أظهر، والله أعلم. وقد تقدم أن المستحب من الدعاء الإخفاء في سورة ((الأعراف)) وهذه الآية نص في ذلك، لأنه سبحانه أثنى بذلك على زكريا. وروى إسماعيل قال: حدثنا مسدد قال: حدثنا يحيى بن سعيد عن أسامة بن زيد عن محمد بن عبد الرحمن وهو ابن أبي كبشة عن سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" إن خير الذكر الخفي وخير الرزق ما يكفي " وهذا عام. قال يونس بن عبيد: كان الحسن يرى أن يدعوا الإمام في القنوت ويؤمن من خلفه من غير رفع صوت، وتلا يونس " إذ نادى ربه نداء خفيا ". قال ابن العربي: وقد أسر مالك القنوت وجهر به الشافعي ، والجهر به أفضل، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو به جهراً.
أما الكلام على الحروف المقطعة فقد تقدم في أول سورة البقرة, وقوله " ذكر رحمة ربك " أي هذا ذكر رحمة الله بعبده زكريا, وقرأ يحيى بن يعمر " ذكر رحمة ربك عبده زكريا " وزكريا يمد ويقصر, قراءتان مشهورتان وكان نبياً عظيماً من أنبياء بني إسرائيل, وفي صحيح البخاري أنه كان نجاراً يأكل من عمل يده في النجارة. وقوله "إذ نادى ربه نداء خفياً" قال بعض المفسرين: إنما أخفى دعاءه لئلا ينسب في طلب الولد إلى الرعونة لكبره, حكاه الماوردي وقال آخرون: إنما أخفاه لأنه أحب إلى الله, كما قال قتادة في هذه الاية "إذ نادى ربه نداء خفياً" إن الله يعلم القلب التقي, ويسمع الصوت الخفي, وقال بعض السلف: قام من الليل عليه السلام وقد نام أصحابه, فجعل يهتف بربه يقول خفية: يا رب, يا رب, يا رب, فقال الله له: لبيك لبيك لبيك "قال رب إني وهن العظم مني" أي ضعفت وخارت القوى "واشتعل الرأس شيباً", أي اضطرم المشيب في السواد, كما قال ابن دريد في مقصورته:
أما ترى رأسي حاكى لونه طرة صبح تحت أذيال الدجى
واشتعل المبيض في مسودة مثل اشتعال النار في جمر الغضا
والمراد من هذا الإخبار عن الضعف والكبر ودلائله الظاهرة والباطنة. وقوله "ولم أكن بدعائك رب شقيا" أي ولم أعهد منك إلا الإجابة في الدعاء, ولم تردني قط فيما سألتك وقوله "وإني خفت الموالي من ورائي" قرأ الأكثرون بنصب الياء من الموالي على أنه مفعول, وعن الكسائي أنه سكن الياء, كما قال الشاعر:
كأن أيديهن في القاع القرق أيدي جوار يتعاطين الورق
وقال الاخر:
فتى لو يباري الشمس ألقت قناعها أو القمر الساري لألقى المقالدا
ومنه قول أبي تمام حبيب بن أوس الطائي:
تغاير الشعر منه إذ سهرت له حتى ظننت قوافيه ستقتتل
وقال مجاهد وقتادة والسدي : أراد بالموالي العصبة. وقال أبو صالح : الكلالة . وروي عن أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه كان يقرؤها "وإني خفت الموالي من ورائي" بتشديد الفاء بمعنى قلت عصباتي من بعدي, وعلى القراءة الأولى وجه خوفه أنه خشي أن يتصرفوا من بعده في الناس تصرفاً سيئاً, فسأل الله ولداً يكون نبياً من بعده ليسوسهم بنبوته ما يوحي إليه, فأجيب في ذلك لا أنه خشي من وراثتهم له ماله, فإن النبي أعظم منزلة وأجل قدراً من أن يشفق على ماله إلى ما هذا حده, وأن يأنف من وراثة عصباته له ويسأل أن يكون له ولد ليحوز ميراثه دونهم هذا وجه.
(الثاني) أنه لم يذكر أنه كان ذا مال بل كان نجاراً يأكل من كسب يديه, ومثل هذا لا يجمع مالاً ولا سيما الأنبياء, فإنهم كانوا أزهد شيء في الدنيا.
(الثالث) أنه قد ثبت في الصحيحين من غير وجه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "لا نورث, ما تركنا فهو صدقة" وفي رواية عند الترمذي بإسناد صحيح "نحن معشر الأنبياء لا نورث", وعلى هذا فتعين حمل قوله " فهب لي من لدنك وليا * يرثني " على ميراث النبوة, ولهذا قال "ويرث من آل يعقوب" كقوله "وورث سليمان داود" أي في النبوة إذ لو كان في المال لما خصه من بين إخوته بذلك, ولما كان في الإخبار بذلك كبير فائدة, إذ من المعلوم المستقر في جميع الشرائع والملل أن الولد يرث أباه, فلولا أنها وراثة خاصة لما أخبر بها, وكل هذا يقرره ويثبته ما صح في الحديث "نحن معاشر الأنبياء لا نورث, ما تركنا فهو صدقة".
قال مجاهد في قوله "يرثني ويرث من آل يعقوب " كان وراثته علماً, وكان زكريا من ذرية يعقوب, وقال هشيم : أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد عن أبي صالح في قوله "يرثني ويرث من آل يعقوب" قال: يكون نبياً كما كانت آباؤه أنبياء, وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة , عن الحسن يرث نبوته وعلمه, وقال السدي : يرث نبوتي ونبوة آل يعقوب. وعن مالك عن زيد بن أسلم "ويرث من آل يعقوب" قال نبوتهم. وقال جابر بن نوح ويزيد بن هارون كلاهما عن إسماعيل بن أبي خالد , عن أبي صالح في قوله "يرثني ويرث من آل يعقوب" قال: يرث مالي ويرث من آل يعقوب النبوة, وهذا اختيار ابن جرير في تفسيره.
وقال عبد الرزاق : أخبرنا معمر عن قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "يرحم الله زكريا وما كان عليه من وراثة ماله, ويرحم الله لوطاً إن كان ليأوي إلى ركن شديد " . وقال ابن جرير : حدثنا أبو كريب , حدثنا جابر بن نوح عن مبارك هو ابن فضالة , عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "رحم الله أخي زكريا ما كان عليه من وراثة ماله حين قال: هب لي من لدنك ولياً يرثني ويرث من آل يعقوب" وهذه مرسلات لا تعارض الصحاح, والله أعلم. وقوله "واجعله رب رضيا" أي مرضياً عندك وعند خلقك, تحبه وتحببه إلى خلقك في دينه وخلقه.
3- "إذ نادى ربه نداءً خفياً" العامل في الظرف رحمة، وقيل ذكر، وقيل هو بدل اشتمال من زكرياء، واختلف في وجه كون ندائه هذا خفياً، فقيل لأنه أبعد عن الرياء، وقيل أخفاه، لئلا يلام على طلبه للولد في غير وقته، ولكونه من أمور الدنيا، وقيل أخفاه مخافة من قومه، وقيل كان ذلك منه لكونه قد صار ضعيفاً هرماً لا يقدر على الجهر.
3 - " إذ نادى " ، دعا ، " ربه ، " في محرابه " نداءً خفياً " ، دعا سراً من قومه في جوف الليل .
3- "إذ نادى ربه نداءً خفياً " لأن الإخفاء والجهر عند الله سيان ، والإخفاء أشد إخباتاً وأكثر إخلاصاً أو لئلا يلام على طلب الولد في إبان الكبر ، أو لئلا يطلع عليه مواليه الذين خافهم، أو لأن ضعف الهرم أخفى صوته. واختلف في سنه حينئذ فقيل ستون ، وقيل سبعون، وقيل خمس وسبعون، وقيل خمس وثمانون، وقيل تسع وتسعون.
3. When he cried unto his Lord a cry in secret,
3 - Behold! he cried to his Lord in secret,