[الكهف : 9] أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا
أم حسبت) أي ظننت (أن أصحاب الكهف) الغار في الجبل (والرقيم) اللوح المكتوب فيه أسماؤهم وأنسابهم وقد سئل صلى الله عليه وسلم عن قصتهم (كانوا) في قصتهم (من) جملة (آياتنا عجبا) خبر كان وما قبله حال أي كانوا عجبا دون باقي الآيات أو أعجبها ليس الأمر كذلك
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : أم حسبت يا محمد أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجباً، فإن ما خلقت من السموات والأرض ، وما فيهن من العجائب أعجب من أمر أصحاب الكهف ، وحجتي بكل ذلك ثابتة على هؤلاء المشركين من قومك ، وغيرهم من سائر عبادي .
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، تال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ؟ سورة الكهف . الآية حدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء ، جميعا، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد " أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجباً " قال محمد بن عمرو في حديثه ، قال : ليسوا عجباً بأعجب آياتنا . وقال الحارث في حديثه بقولهم : أعجب اياتنا : ليسوا أعجب آياتنا .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، قوله " أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجباً" كانوا يقولون هم عجب .
حدثنا بشر ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله " أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجباً " يقول : قد كان من آياتنا ما هوأعجب من ذلك .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق " أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجباً " . أي وما قدروا من قدر فيما صنعت من أمر الخلائق ، وما وضعت على العباد من حججي ما هوأعظم من ذلك .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : أم حسبت يا محمد أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجباً، فإن الذي آتيتك من العلم والحكمة أفضل منه .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثنى عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله " أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجباً " يقول : الذي آتيتك من العلم والسنة والكتاب أفضل من شأن أصحاب الكهف والرقيم .
وإنما قلنا : إن القول الأول أولى بتأويل الآية، لأن الله عز وجل أنزل قصة أصحاب الكهف على نبيه احتجاجاً بها على المشركين من قومه على ما ذكرنا في الرواية عن ابن عباس ، إذ سألوه عنها اختباراً منهم له بالجواب عنها صدقه ، فكان تقريعهم بتكذيبهم بما هو أوكد عليهم في الحجة مما سألوا عنهم ، وزعموا أنهم يؤمنون عند الإجابة عنه أشبه من الخبر عما أنعم الله على رسوله من النعم .
وأما الكهف ، فإنه كهف الجبل الذي أوى إليه القوم الذين قص الله شأنهم في هذه السورة .
وأما الرقيم ، فإن أهل التأويل اختلفوا في المعني به ، فقال بعضهم : هو اسم قرية، أو واد على اختلاف بينهم في ذلك .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن بشار ، قال : ثنا يحيى بن عبد الأعلى و عبد الرحمن ، قالا : ثنا سفيان ، عن الشيباني عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال يزعم كعب أن الرقيم : القرية .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس " أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم " قال : الرقيم : واد بين غسفان وأيلة دون فلسطين ، وهو قريب من أيلة .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن إدريس ، قال : سمعت أبي ، عن عطية ، قال : الرقيم : واد .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله " أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم " كنا نحدث أن الرقيم : الوادي الذي فيه أصحاب الكهف.
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوري ، عن سماك بن حرب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس في قوله " الرقيم " قال : يزعم كعب : أنها القرية .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله" الرقيم " قال : يقول بعضهم : الرقيم : كتاب تبانهم ويقول بعضهم : هو الوادي الذي فيه كهفهم .
حدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ ، قال : ثنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول : أما الكهف : فهو غار الوادي ، والرقيم : اسم الوادي . وقال آخرون : الرقيم : الكتاب .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا علي ، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله " أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم " يقول : الكتاب .
حدثنا أبوكريب ، قال : ثنا ابن إدريس ، قال : ثنا أبي ، عن ابن قيس ، عن سعيد بن جبير ، قال : الرقيم : لوح من حجارة كتبوا فيه قصص أصحاب الكهف ، ثم وضعوه على باب الكهف .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : الرقيم : كتاب ، ولذلك الكتاب خبر فلم يخبر الله عن ذلك الكتاب وعما فيه ، وقرأ " وما أدراك ما عليون * كتاب مرقوم * يشهده المقربون " "وما أدراك ما سجين * كتاب مرقوم "
وقال آخرون : بل هو اسم جبل أصحاب الكهف .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عباس : الرقيم : الجبل الذي فيه الكهف . قال أبو جعفر : وقد قيل إن اسم ذلك الجبل : بنجلوس .
حدثنا بذلك ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن عبد الله بن أبي نجيح ، عن مجاهد عن ابن عباس ، وقد قيل : ان اسمه بناجلوس .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : أخبرني وهب بن سليمان عن شعيب الجبئي أن اسم جبل الكهف : بناجلوس . واسم الكهف : حيزم ، والكلب : خمران . وقد روي عن ابن عباس في الرقيم ما :
حدثنا به الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا إسرائيل عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : كل القرآن أعلمه ، إلا حناناً ، والأؤاه ، والرقيم .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : أخبرني عمرو بن دينار ، أنه سمع عكرمة يقول : قال ابن عباس : ما أدري ما الرقيم ، أكتاب ، أم بنيان .
وأولى هذه الأقوال بالصواب في الرقيم أن يكون معنيا به : لوح ، أو حجر، أو شيء كتب فيه كتاب وقد قال أهل الأخبار: إن ذلك لوح كتب فيه أسماء أصحاب الكهف وخبرهم حين أووا إلى الكهف ، ثم قال بعضهم : رفع ذلك اللوح في خزانة الملك . وقال بعضهم : بل جعل على باب كهفهم . وقال بعضهم : بل كان ذلك محفوظاً عند بعض أهل بلدهم . وإنما الرقيم : فعيل ، أصله : مرقوم ، ثم صرف إلى فعيل ، كما قيل للمجروح : جريح ، وللمقتول : قتيل ، يقال منه : رقمت كذا وكذا : إذا كتبته ، ومنه قيل للرقم في الثوب رقم ، لأنه الخط الذي يعرف به ثمنه . ومن ذلك قيل للحية : أرقم ، لما فيه من الآثار، والعرب تقول : عليك بالرقمة، ودع الضفة : بمعنى عليك برقمة الوادي حيث الماء ، ودع الضفة الجانبة . والضفتان : جانبا الوادي . وأحسب أن الذي قال الرقيم : الوادي ، ذهب به إلى هذا ، أعني به إلى رقمة الوادي.
قوله تعالى : " أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا " مذهب سيبيه أن ( أم ) إذا جاءت دون أن يتقدمها ألف استفهام أنها بمعنى بل وألف الاستفهام . وهي المنقطيعة . وقيل : (أم ) عطف على معنى الستفهام في لعلك ، أو بمعنى ألف الاستفهام على الإنكار . قال الطبري :وهو تقرير للنبي صلى الله عليه وسلم على حسابه أن أصحاب الكهف كانوا عجباً ، بمعنى إنكار ذلك عليه ، أي لا يعظم ذلك بحسب ما عظمه عليك السائلون من الكفرة ، فإن سائر آيات الله أعظم من قصتهم وأشيع ، هذا قول ابن عباس و مجاهد و قتادة و ابن إسحاق . والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وذلك أن المشركين سألوه عن فتية فقدوا ، وعن ذي القرنين وعن الروح . وأبطأ الوحي على ماتقدم . فلما نزل قال الله تعالى لنبيه عليه السلام : أحسبت يا محمد أن أصحاب الكهف من خبرهم الكلبي : خلق السوموات والأرض أعجب من خبرهم . الضحاك : ما أطلعتك عليه من الغيب أعجب . الجنيد : شأنك في الإسراء أعجب . الماوردي : معنى الكلام النفي ، أي ما حسبت لولا إخبارنا أبو سهل : استفهام تقرير ، أي أحسبت ذلك فإنهم عجب . والكهف : النقب المتسع في الجبل ، وما لم يتسع فهو غر . وحكى النقاش عن أنس بن مالك أنه قال : الكهف الجبل ، وهذا غير شهير في اللغة .
واختلف اناس في الرقيم ، فقال ابن عباس : كل شيء في القرآن أعلمه إلا أربعة : غسلين وحنان والأواه والرقيم . سئل مرة عن الرقيم فقال :زعم كعب أنما قرية خرجوا منها . وقال مجاهد : الرقيم واد . وقال السدي : الرقيم الصخرة التي كانت على الكهف . وقال ابن زيد : الرقيم كتاب غم الله علينا أمره ، ولم يشرح لنا قصته . وقالت فرقة : الرقيم كتا في لوح من نحاس . وقال ابن عباس : في لوح من رصاص كتب فيه القوم الكفار الذين فر الفتية منهم قصتهم وجعلوها تاريخاً لهم ، ذكروا وقت فقدهم ، وكم كانوا ، وبين من كانوا .و كذا قال الفراء قال : الرقيم لوح من رصاص كتب فيه أسماؤهم وأنسابهم ودينهم وممن هربوا . قال بان عطية : ويظهر من هذه الروايات أنهم كانوا قوماً مؤرخين للحوادث ، وذلك من نبل المملكة ، وهو أمر مفيد . وهذه الأقوال مأخوذة من الرقم ، ونمه كتاب مرقوم . ومنه الأرقم لتخطيطه . ومنه رقمة الوادي ، أي مكان جري الماء وانعطافه وما روي عن ابن عباس ليس بمتناقض ، لأن القول الأول إنما سمعه من كعب . والقول الثاني يجوز أن يكون عرف الرقيم بعده ، وروى عنه سعيد بن جبير قال : ذكر ابن عباس أصحاب الكهف فقال : إن الفتية فقدوا فطلبهم أهلوهم فلم يجدوهم فرفع ذلك إلى الملك فقال ليكون لهم نبأ ، وأخضر لوحاً من رصاص فكتب فيه أسماءهم وجعله في حزانته . فذلك اللوح هو الرقيم وقيل : إن مؤمنين كانا في بيت الملك فكتبا شأن الفتية وأسماءهم وأنسابهم في لوح من رصاص ثم جعلاه في تابوت من نحاس وجعلاه في البنيان ، فالله أعلم . وعن بان عباس ايضاً : الرقيم كتاب مرقوم كان عندهم فيه الشرع الذي تمسكوا به من دبن عيس عليه السلام . وقال النقاش عن قتادة : الرقيم دراهمهم . وقال أنس بن مالك و الشعبي : الرقيم كلبهم . وقال عكرمة ك الرقيم الدواة . وقيل : الرقيم اللوح من الذهب تحت الجدار الذي أقامه الخضر . وقيل : الرقيم أصحاب الغار الذي انطبق عليهم ، فذكر كل واحد منهم أصلح عمله .
قلت : وفي هذا خبر معروف أخرجه الصحيحان ، وإليه نحا البخاري . وقال قوم : أخبر الله عن أصحاب الكهف ، ولم يخبر عن أصحاب الرقيم بشيء . وقال الضحاك : الرقيم بلدة بالروم فيها غار فيه أحد وعشرون نفساً كأنهم نيام على هيئة أصحاب الكهف ، فعلى هذا هم فتية آخرون جرى لهم ما جرة لأصحاب الكهف . الله أعلم . وقيل : الرقيم واد دون فلسطين فيه الكهف ، مأخوذ من رقمة الوادي وهي موضع الماء ، يقال : عليك بالرقمة ودع الضفة ، ذكره الغزنوي . قال ابن عطية : وابالشام على ما سمعت به من ناس كثير كهف فيه موتى ، يزعم مجاوروه أنهم أصحاب الكهف وعليهم مسجد وبناء يسمى الرقيم ومعهم كلب رمة . وبالأندلس في جهة غرناطة بقرب قرية تسمى لوشة كهف فيه موتى ومعهم كلب رمة ، وأكثرهم قد تجرد لحمه وبعضهم متماسك ، وقد مضت القرون السالفة ولم نجد من علم شأنهم أثارة . ويزعم أنهم أصحاب الكهف ، دخلت إليهم ورأيتهم سنة أربع وخمسمائة وهم بهذه الحالة ، وعليهم مسجد ، وقريب منهم بناء رومي يسمى الرقيم ، كأنه قصر مخلق قد بقي بعض جدرانه ، وهو في فلاة من الأرض خربة ، وبأعلى غرناطة مما يلي القبلة آثار مدينة قديمة رومية يقال لها مدينة دقيوس ، وجدنا في آثارها غرائب من قبور ونحوها .
قلت : ما ذكر من رؤيته لهم بالأندلس فإنما هم غيرهم ، لأن الله تعالى يقول في حق أصحاب الكهف : " لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا" [ الكهف : 18] وقال ابن عباس لمعاوية لما أراد رؤيتهم : قد منع الله من هو خير منك عن ذلك وسيأتي في آخر القصة . وقال مجاهد في قوله : " كانوا من آياتنا عجبا" قال : هم عجب . كذا روى ابن جريج عنه ، يذهب إلى أنه ليس بإنكار على النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون عنده .
أنهم عجب . وروى أن [ أبي ] نجيح عنه قال : يقول ليس بأعجب آياتنا .
هذا إخبار من الله تعالى عن قصة أصحاب الكهف على سبيل الإجمال والاختصار, ثم بسطها بعد ذلك فقال: "أم حسبت" يعني يا محمد "أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجباً" أي ليس أمرهم عجيباً في قدرتنا وسلطاننا فإن خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار وتسخير الشمس والقمر والكواكب وغير ذلك من الايات العظيمة الدالة على قدرة الله تعالى, وأنه على ما يشاء قادر ولا يعجزه شيء أعجب من أخبار أصحاب الكهف, كما قال ابن جريج عن مجاهد "أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجباً" يقول: قد كان من آياتنا ما هو أعجب من ذلك.
وقال العوفي عن ابن عباس "أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجباً" يقول: الذي آتيتك من العلم والسنة والكتاب أفضل من شأن أصحاب الكهف والرقيم, وقال محمد بن إسحاق : ما أظهرت من حججي على العباد أعجب من شأن أصحاب الكهف والرقيم, وأما الكهف فهو الغار في الجبل, وهو الذي لجأ إليه هؤلاء الفتية المذكورون, وأما الرقيم فقال العوفي عن ابن عباس : هو واد قريب من أيلة, وكذا قال عطية العوفي وقتادة . وقال الضحاك : أما الكهف فهو غار في الوادي, والرقيم اسم الوادي, وقال مجاهد : الرقيم كان بنيانهم, ويقول بعضهم: هو الوادي الذي فيه كهفهم.
وقال عبد الرزاق : أخبرنا الثوري عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس في قوله الرقيم: كان يزعم كعب أنها القرية, وقال ابن جريج عن ابن عباس : الرقيم الجبل الذي فيه الكهف, وقال ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس قال: اسم ذلك الجبل بنجلوس, وقال ابن جريج : أخبرني وهب بن سليمان عن شعيب الجبائي أن اسم جبل الكهف بنجلوس, واسم الكهف حيزم, والكلب حمران. وقال عبد الرزاق : أنبأنا إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال: القرآن أعلمه إلا حناناً والأواه والرقيم. وقال ابن جريج : أخبرني عمرو بن دينار أنه سمع عكرمة يقول: قال ابن عباس : ما أدري ما الرقيم ؟ كتاب أم بنيان. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : الرقيم الكتاب. وقال سعيد بن جبير : الرقيم لوح من حجارة كتبوا فيه قصص أصحاب الكهف, ثم وضعوه على باب الكهف.
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : الرقيم الكتاب, ثم قرأ: كتاب مرقوم. وهذا هو الظاهر من الاية, وهو اختيار ابن جرير , قال: الرقيم فعيل بمعنى مرقوم, كما يقال للمقتول قتيل, وللمجروح جريح, والله أعلم. وقوله: " إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا " يخبر تعالى عن أولئك الفتية الذين فروا بدينهم من قومهم لئلا يفتنوهم عنه فهربوا منهم فلجأوا إلى غار في جبل ليختفوا عن قومهم, فقالوا حين دخلوا سائلين من الله تعالى رحمته ولطفه بهم "ربنا آتنا من لدنك رحمة" أي هب لنا من عندك رحمة ترحمنا بها وتسترنا عن قومنا " وهيئ لنا من أمرنا رشدا " أي وقدر لنا من أمرنا هذا رشداً أي اجعل عاقبتنا رشداً, كما جاء في الحديث "وما قضيت لنا من قضاء فاجعل عاقبته رشداً" وفي المسند من حديث بسر بن أرطاة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو "اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها, وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الاخرة".
وقوله: "فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عدداً" أي ألقينا عليهم النوم حين دخلوا إلى الكهف فناموا سنين كثيرة, "ثم بعثناهم" أي من رقدتهم تلك, وخرج أحدهم بدراهم معه ليشتري لهم بها طعاماً يأكلونه كما سيأتي بيانه وتفصيله, ولهذا قال: "ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين" أي المختلفين فيهم "أحصى لما لبثوا أمداً" قيل: عدداً, وقيل: غاية, فإن الأمد الغاية, كقوله:
سبق الجواد إذا استولى على الأمد
قوله: 9- "أم حسبت" أم هي المنقطعة المقدرة ببل والهمزة عند الجمهور، وببل وحدها عند بعضهم والتقدير: بل أحسبت، أو بل حسبت، ومعناها الانتقال من حديث إلى حديث آخر، لا لإبطال الأول والإضراب عنه كما هو معنى بل في الأصل. والمعنى: أن القوم لما تعجبوا من قصة أصحاب الكهف وسألوا عنها الرسول على سبيل الامتحان، قال سبحانه: بل أظننت يا محمد أنهم كانوا عجباً من آياتنا فقط؟ لا تحسب ذلك فإن آياتنا كلها عجب، فإن من كان قادراً على جعل ما على الأرض زينة لها للابتلاء، ثم جعل ما عليها صعيداً جرزاً كأن لم تغن بالأمس، لا تستبعد قدرته وحفظه ورحمته بالنسبة إلى طائفة مخصوصة، وإن كانت قصتهم خارقة للعادة، فإن آيات الله سبحانه كذلك وفوق ذلك. و "عجباً" منتصبة على أنه خبر كان: أي ذات عجب، أو موصوفة بالعجب مبالغة، ومن آياتنا في محل نصب على الحال.
9 - قوله تعالى : " أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجباً " ، يعني أظننت يا محمد أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجباً ، أي : هم عجب من آياتنا .
وقيل : معناه إنهم ليسوا بأعجب من آياتنا ، فإن ما خلقت من السموات والأرض وما فيهن من العجائب أعجب منهم .
و ( الكهف ): هو الغار في الجبل . واختلفوا في ( الرقيم ) : قال سعيد بن جبير : هو لوح كتب فيه أسماء أصحاب الكهف وقصصهم - وهذا أظهر الأقاويل - ثم وضعوه على باب الكهف ، وكان اللوح من رصاص ، وقيل : من حجارة ، فعلى هذا يكون الرقيم بمعنى مرقوم ، أي : المكتوب ، والرقم : الكتابة .
وحكي عن ابن عباس أنه اسم للوادي الذي فيه أصحاب الكهف ، وعلى هذا هو من رقمة الوادي ، وهو جانبه .
وقال كعب الأحبار : هو اسم للقرية التي خرج منها أصحاب الكهف .
وقيل : اسم للجبل الذي فيه الكهف . ثم ذكر الله قصة أصحاب الكهف فقال :
9."أم حسبت "بل أحسبت." أن أصحاب الكهف والرقيم "في إبقاء حياتهم مدة مديدة."كانوا من آياتنا عجباً"وقصتهم بالإضافة إلى خلق ما على الأرض من الأجناس والأنواع الفائتة للحصر على طبائع متباعدة وهيئات متخالفة تعجب الناظرين من مادة واحدة ، ثم ردها إليها ليس بعجيب مع أنه من آيات الله كالنزر الحقير .و"الكهف"الغار الواسع في الجبل . و"الرقيم "اسم الجبل أو الوادي الذي فيه كهفهم ، أو اسم قريتهم أن كلبهم . قال أمية بن أبي الصلت :
وليس بها إلا الرقيم مجاوراً وصيدهمو والقوم في الكهف هجد
أو لوح رصاصي أو حجري رقمت فيه أسماؤهم وجعل على باب الكهف . وقيل أصحاب الرقيم قوم آخرون كانوا ثلاثة خرجوا يرتادون لأهلهم ، فأخذتهم السماء فأووا إلى الكهف فانحطت صخرة وسدت بابه .فقال أحدهم اذكروا أيكم عمل حسنة لعل الله يرحمنا ببركته، فقال أحدهم : استعملت أجراء ذات يوم فجاء رجل وسط النهار وعمل في بقيته مثل عملهم فأعطينه مثل أجرهم ، فغضب أحدهم وترك أجره فوضعته في جانب البيت ، ثم مر بي بقر فاشتيرت به فصيلة فبلغت ما شاء الله، فرجع إلى بعد حين شيخاً ضعيفاً لا أعرفه وقال : إنه لي عندك حقاً وذكره لي حتى عرفته فدفعتها إليه جميعاً ، اللهم إن كنت فعلت ذلك لوجهك فافرج عنا ، فانصدع الجبل حتى رأوا الضوء .وقال آخر : كان في فضل وأصابت الناس شدة ، فجاءتني امرأة فطلبت مني معروفاً فقلت : والله ما هو دون نفسك فأبت وعادت ثم رجعت ثلاثاً، ثم ذكرت لزوجها فقال أجيبي له وأغيثي عيالك ، فأتت وسلمت إلي نفسها فلما تكشفتها وهممت بها ارتعدت فقلت : مالك قالت أخاف الله ، فقلت لها : خفته في الشدة ولم أخفه في الرخاء فتركتها وأعطيتها ملتمسها ، اللهم إن كنت فعلته لوجهك فافرج عنا ، فانصدع حتى تعارفوا . وقال الثالث كان لي أبوان هرمان وكانت لي غنم وكنت أطعمهما وأسقيهما ثم أرجع إلى غنمي فحبسني ذات يوم غيث فلم أبرح حتى أمسيت ، فأتيت أهلي وأخذت محلبي فحلبت فيه ومضيت إليهما ،فوجدتهما نائمين فشق علي أن أوقظهما ، فتوقعت جالساً و محلبي على يدي حتى أيقظهما الصبح فسقيتهما. اللهم إن كنت فعلته لوجهك فافرج عنا .ففرج الله عنهم فخرجوا وقد رفع ذلك نعمان بن بشير.
9. Or deemest thou that the People of the Cave and the Inscription are a wonder among Our portents?
9 - Or dost thou reflect that the companions of the cave and of the inscription were wonders among our signs?