[الكهف : 85] فَأَتْبَعَ سَبَبًا
85 - (فأتبع سببا) سلك طريقا نحو الغرب
وقوله " فأتبع سببا" اختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء المدينة والبصرة فاتبع بوصل الألف ، وتشديد التاء، بمعنى : سلك وسار، من قول القائل : اتبعت أثر فلان : إذا قفوته ، وسرت وراءه .
وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة " فأتبع " بهمز الألف ، وتخفيف التاء، بمعنى لحق .
وأولى القراءتين في ذلك بالصواب : قراءة من قرأه فاتبع بوصل الألف ، وتشديد التاء، لأن ذلك خبر من الله تعالى ذكره عن مسير ذى القرنين في الأرض التي مكن له فيها، لا عن لحاقه السبب ، وبذلك جاء تأويل أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس فاتبع سببا يعني بالسبب : المنزل .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله " سببا" قال : منزلا وطريقا ما بين المشرق والمغرب .
حدثني القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، نحوه .
حدثني محمد بن عمارة الأسدي ، قال : ثنا عبيد الله بن موسى ، قال : أخبرنا إسرائيل ، عن أبي يحيى ، عن مجاهد فاتبع سببا، قال : طريقا في الأرض .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة "فأتبع سبباً " : اتبع منازل الأرض ومعالمها .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله " فأتبع سببا " قال : هذه الان سبب الطرق كما قال فرعون " يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب * أسباب السموات " قال : طرق السماوات .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله " فأتبع سببا " قال : منازل الأرض.
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول ، في قوله " فأتبع سببا " قال : المنازل .
" فأتبع سببا " قرأ ابن عامر ( فاتبع سببا ) بوصلها، أي اتبع سبباً من الأسباب التي أوتيها. قال الأخفش: تبعته وأتبعته بمعنى، مثل ردفته وأردفته، ومنه قوله تعالى: " إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب " ومنه الإتباع في الكلام مثل حسن بسن وقبيح شقيح. قال النحاس: واختار أبو عبيد قراءة أهل الكوفة قال: لأنها من السير، وحكى هو والأصمعي أنه يقال: تبعه واتبعه إذا سار ولم يلحقه، وأتبعه إذا لحقه، قال أبو عبيد: ومثله " فأتبعوهم مشرقين " قال النحاس : وهذا التفريق وإن كان الأصمعي قد حكاه لا يقبل إلا بعلة أو دليل. وقوله عز وجل: " فأتبعوهم مشرقين " ليس في الحديث أنهم لحقوهم، وإنما الحديث: لما خرج موسى عليه السلام وأصحابه من البحر وحصل فرعون وأصحابه انطبق عليهم البحر. والحق في هذا أن تبع واتبع وأتبع لغات بمعنى واحد، وهي بمعنى السير، فقد يجوز أن يكون معه لحاق وألا يكون.
قال ابن عباس "فأتبع سبباً" يعني بالسبب المنزل, وقال مجاهد "فأتبع سبباً" منزلاً وطريقاً ما بين المشرق والمغرب, وفي رواية عن مجاهد "سبباً" قال: طريقاً في الأرض وقال قتادة : أي اتبع منازل الأرض ومعالمها, وقال الضحاك "فأتبع سبباً" أي المنازل, وقال سعيد بن جبير في قوله: "فأتبع سبباً" قال: علماً, وهكذا قال عكرمة وعبيد بن يعلى والسدي , وقال مطر : معالم وآثار كانت قبل ذلك.
وقوله: "حتى إذا بلغ مغرب الشمس" أي فسلك طريقاً حتى وصل إلى أقصى ما يسلك فيه من الأرض من ناحية المغرب وهو مغرب الأرض, وأما الوصول إلى مغرب الشمس من السماء فمتعذر, وما يذكره أصحاب القصص والأخبار من أنه سار في الأرض مدة, والشمس تغرب من ورائه, فشيء لا حقيقة له, وأكثر ذلك من خرافات أهل الكتاب واختلاف زنادقتهم وكذبهم, وقوله: "وجدها تغرب في عين حمئة" أي رأى الشمس في منظره تغرب في البحر المحيط, وهذا شأن كل من انتهى إلى ساحله يراها كأنها تغرب فيه وهي لا تفارق الفلك الرابع الذي هي مثبتة فيه لا تفارقه, والحمئة مشتقة على إحدى القراءتين من الحمأة وهو الطين, كما قال تعالى: "إني خالق بشراً من صلصال من حمإ مسنون" أي طين أملس, وقد تقدم بيانه.
وقال ابن جرير : حدثني يونس , أخبرنا ابن وهب , أنبأنا نافع بن أبي نعيم , سمعت عبد الرحمن الأعرج يقول: كان ابن عباس يقول في عين حمئة ثم فسرها ذات حمئة, قال نافع : وسئل عنها كعب الأحبار , فقال: أنتم أعلم بالقرآن مني, ولكني أجدها في الكتاب تغيب في طينة سوداء, وكذا روى غير واحد عن ابن عباس , وبه قال مجاهد وغير واحد. وقال أبو داود الطيالسي : حدثنا محمد بن دينار عن سعد بن أوس عن مصدع , عن ابن عباس عن أبي بن كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرأه حمئة. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : وجدها تغرب في عين حامية, يعني حارة, وكذا قال الحسن البصري . وقال ابن جرير : والصواب أنهما قراءتان مشهورتان وأيهما قرأ القارىء فهو مصيب, قلت: ولا منافاة بين معنييهما إذ قد تكون حارة لمجاورتها وهج الشمس عند غروبها وملاقاتها الشعاع بلا حائل, وحمئة في ماء وطين أسود, كما قال كعب الأحبار وغيره.
وقال ابن جرير حدثنا محمد بن المثنى حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا العوام حدثني مولى لعبد الله بن عمرو عن عبد الله قال نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الشمس حين غابت فقال: "في نار الله الحامية لولا ما يزعها من أمر الله لأحرقت ما على الأرض" قلت ورواه الإمام أحمد عن يزيد بن هارون وفي صحة رفع هذا الحديث نظر ولعله من كلام عبد الله بن عمرو من زاملتيه اللتين وجدهما يوم اليرموك والله أعلم, وقال ابن أبي حاتم حدثنا حجاج بن حمزة حدثنا محمد يعني ابن بشر حدثنا عمرو بن ميمون أنبأنا ابن حاضر أن ابن عباس ذكر له أن معاوية بن أبي سفيان قرأ الاية التي في سورة الكهف " تغرب في عين حمئة " قال ابن عباس لمعاوية ما نقرؤها إلا حمئة, فسأل معاوية عبد الله بن عمرو كيف تقرؤها ؟ فقال: عبد الله كما قرأتها, قال ابن عباس فقلت لمعاوية في بيتي نزل القرآن, فأرسل إلى كعب فقال له أين تجد الشمس تغرب في التوراة ؟ فقال له كعب سل أهل العربية فإنهم أعلم بها, وأما أنا فإني أجد الشمس تغرب في التوراة في ماء وطين وأشار بيده إلى المغرب قال ابن حاضر : لو أني عندك أفدتك بكلام تزداد فيه بصيرة في حمئة, قال ابن عباس : وإذاً ما هو ؟ قلت: فيما يؤثر من قول تبع فيما ذكر به ذا القرنين في تخلقه بالعلم واتباعه إياه:
بلغ المشارق والمغارب يبتغي أسباب أمر من حكيم مرشد
فرأى مغيب الشمس عند غروبها في عين ذي خلب وثأط حرمد
فقال ابن عباس : ما الخلب ؟ قلت: الطين بكلامهم, قال: فما الثأط ؟ قلت: الحمأة, قال: فما الحرمد ؟ قلت: الأسود, قال: فدعا ابن عباس رجلاً أو غلاماً فقال: اكتب ما يقول هذا الرجل وقال سعيد بن جبير بينا ابن عباس يقرأ سورة الكهف فقرأ "وجدها تغرب في عين حمئة" قال: كعب والذي نفس كعب بيده ما سمعت أحداً يقرؤها كما أنزلت في التوراة غير ابن عباس فإنا نجدها في التوراة تغرب في مدرة سوداء, وقال أبو يعلى الموصلي : حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل حدثنا هشام بن يوسف قال في تفسير ابن جريج "ووجد عندها قوماً" قال مدينة لها اثنا عشر ألف باب لولا أصوات أهلها لسمع الناس وجوب الشمس حين تجب, وقوله: "ووجد عندها قوماً" أي أمة من الأمم ذكروا أنها كانت أمة عظيمة من بني آدم وقوله: "قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسناً" معنى هذا أن الله تعالى مكنه منهم وحكمه فيهم وأظفره بهم وخيره إن شاء قتل وسبى وإن شاء من أوفدى فعرف عدله وإيمانه فيما أبداه عدله وبيانه في قوله: " أما من ظلم " أي استمر على كفره وشركه بربه "فسوف نعذبه" قال قتادة بالقتل وقال السدي كان يحمي لهم بقر النحاس ويضعهم فيها حتى يذوبوا وقال وهب بن منبه كان يسلط الظلمة فتدخل أجوافهم وبيوتهم وتغشاهم من جميع جهاتهم والله أعلم, وقوله: "ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذاباً نكراً" أي شديداً بليغاً وجيعاً أليماً وفي هذا إثبات المعاد والجزاء. وقوله: "وأما من آمن" أي اتبعنا على ما ندعوه إليه من عبادة الله وحده لا شريك له "فله جزاء الحسنى" أي في الدار الاخرة عند الله عز وجل "وسنقول له من أمرنا يسراً" قال مجاهد معروفاً.
85- "فأتبع سبباً" من تلك الأسباب. قال المفسرون: والمعنى طريقاً تؤديه إلى مغرب الشمس. قال الزجاج: فأتبع سبباً من الأسباب التي أوتي، وذلك أنه أوتي من كل شيء سبباً فأتبع من تلك الأسباب التي أوتي سبباً في المسير إلى المغرب، وقيل أتبع من كل شيء علماً يتسبب به إلى ما يريد، وقيل بلاغاً إلى حيث أراد، وقيل من كل شيء يحتاج إليه الخلق، وقيل من كل شيء تستعين به الملوك من فتح المدائن وقهر الأعداء. وأصل السبب الحبل فاستعين لكل ما يتوصل به إلى شيء. قرأ ابن عامر وأهل الكوفة وعاصم وحمزة والكسائي "فأتبع" بقطع الهمزة، وقرأ أهل المدينة وأهل مكة وأبو عمرو بوصلها. قال الأخفش: تبعته وأتبعته بمعنى، مثل ردفته وأردفته، ومنه قوله: "فأتبعه شهاب ثاقب" قال النحاس: واختار أبو عبيدة قراءة أهل الكوفة، قال لأنها من السير. وحكى هو والأصمعي أنه يقال: تبعته وأتبعته إذا سار ولم يلحقه، وأتبعه إذا لحقه. قال أبو عبيدة: ومثله "فأتبعوهم مشرقين". قال النحاس: وهذا من الفرق وإن كان الأصمعي قد حكاه فلا يقبل إلا بعلم أو دليل، وقوله عز وجل: " فأتبعوهم مشرقين " ليس في الحديث أنهم لحقوهم، وإنما الحديث لما خرج موسى وأصحابه من البحر وحصل فرعون وأصحابه في البحر انطبق عليهم البحر. والحق في هذا أن تبع واتبع وأتبع لغات بمعنى واحد، وهو بمعنى السير.
85 - " فأتبع سبباً " ، أي : سلك وسار ، قرأ أهل الحجاز ، والبصرة : ( فاتبع ) و ( ثم اتبع ) موصولاً مشدداً ، وقرأ الآخرون بقطع الألف وجزم التاء ، وقيل : معناهما واحد .
والصحيح : الفرق بينهما ، فمن قطع الألف وجزم التاء ، وقيل : معناهما واحد .
والصحيح : الفرق بينهما ، فمن قطع الألف فمعناه : أدرك الحق ، ومن قرأ بالتشديد فمعناه : سار ، يقال : ما زلت أتبعه حتى أتبعته ، أي : ما زلت أسير خلفه حتى لحقته .
وقوله : ( سبباً ) أي : طريقاً . وقال ابن عباس : منزلاً .
85." فأتبع سببا "أي فأراد بلوغ المغرب فاتبع سبباً يوصله إليه ، وقرأ الكوفيون و ابن عامر بقطع الألف مخففة التاء .
85. And he followed a road
85 - One (such) way he followed,