[الكهف : 8] وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا
وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا) فتاتا (جرزا) يابسا لا ينبت
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله " وإنا لجاعلون ما عليها صعيداً جرزاً " يقول : يهلك كل شيء عليها ويبيد .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ؟ وحدثني الحارث ، فال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد "صعيداً جرزاً " قال : بلقعاً .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ،عن مجاهد ، مثله .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله " وإنا لجاعلون ما عليها صعيداً جرزاً " والصعيد : الأرض التي ليس فيها شجر ولا نبات .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق " وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا " يعني : الأرض إن ما عليها لفان وبائد، وإن المرجع لإلى ، فلا تأس ، ولا يحزنك ما تسمع وترى فيها.
حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله " صعيدا جرزاً " قال : الجزر: الأرض التي ليس فيها شيء ، ألا ترى أنه يقول " أولم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز فنخرج به زرعاً " قال : والجرز: لا شيء فيها، لا نبات ولا منفعة . والصعيد : المستوي . وقرأ " لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً " قال : مستوية يقال : جرزت الأرض فهي مجروزة، وجرزها الجراد والنعم ، وأرضون أجراز: إذا كانت لا شيء فيها . ويقال للسنة المجدبة : جرز وسنون أجراز لجدوبها ويبسها وقلة أمطارها ، قال الراجز :
قد جرفتهن السنون الأجراز
يقال : أجرز القوم : إذا صارت أرضهم جرزاً ، وجرزواً هم أرضهم : إذا أكلوا نباتها كله .
قوله تعالى : " وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا "
تقدم بيانه . وقال أبو سهل : تراباً لا نبات به ، كأنه قطع نباته . والجرز : القطع ، ومنه سنة جرز . وقال الراجز :
قد جرفتهن السنون الأجراز
والأرض الجرز التي لا تبات فيها ولا شيء من عمارة وغيرها ، كأنه قطع وأزيل يعني يوم القيامة ، فإن الأرض تكون مستوية لا مستتر فيها . النحاس : والجرز في اللغة الأرض التي لا نبات بها . قال الكسائي : يقال جرزت الأرض تجرز ، وجرزها القوم يجرزونها إذا أكلوا كل ما جاء فيها من النبات والزرع فهي مجروزة وجرز .
يقول تعالى مسلياً لرسوله صلوات الله وسلامه عليه في حزنه على المشركين لتركهم الإيمان وبعدهم عنه كما قال تعالى: "فلا تذهب نفسك عليهم حسرات" وقال: "ولا تحزن عليهم" وقال: " لعلك باخع نفسك أن لا يكونوا مؤمنين " باخع أي مهلك نفسك بحزنك عليهم, ولهذا قال: "فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث" يعني القرآن "أسفاً" يقول: لا تهلك نفسك أسفاً. قال قتادة : قاتل نفسك غضباً وحزناً عليهم, وقال مجاهد : جزعاً, والمعنى متقارب, أي لا تأسف عليهم, بل أبلغهم رسالة الله, فمن اهتدى فلنفسه, ومن ضل فإنما يضل عليها, ولا تذهب نفسك عليهم حسرات, ثم أخبر تعالى أنه جعل الدنيا داراً فانية مزينة بزينة زائلة, وإنما جعلها دار اختبار لا دار قرار, فقال: "إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملاً" قال قتادة عن أبي نضرة عن أبي سعيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الدنيا حلوة خضرة, وإن الله مستخلفكم فيها فناظر ماذا تعملون, فاتقوا الدنيا, واتقوا النساء, فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء", ثم أخبر تعالى بزوالها وفنائها وفراغها وانقضائها وذهابها وخرابها, فقال تعالى: "وإنا لجاعلون ما عليها صعيداً جرزاً" أي وإنا لمصيروها بعد الزينة إلى الخراب والدمار, فنجعل كل شيء عليها هالكاً صعيداً جرزاً لا ينبت ولا ينتفع به.
كما قال العوفي عن ابن عباس في قوله تعالى: "وإنا لجاعلون ما عليها صعيداً جرزا" يقول: يهلك كل شيء عليها ويبيد. وقال مجاهد : صعيداً جرزاً بلقعاً, وقال قتادة : الصعيد الأرض التي ليس فيها شجر ولا نبات, وقال ابن زيد : الصعيد الأرض التي ليس فيها شيء, ألا ترى إلى قوله تعالى: "أولم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز فنخرج به زرعاً تأكل منه أنعامهم وأنفسهم أفلا يبصرون" وقال محمد بن إسحاق : "وإنا لجاعلون ما عليها صعيداً جرزاً" يعني الأرض وأن ما عليها لفان وبائد, وأن المرجع لإلى الله, فلا تأس ولا يحزنك ما تسمع وترى.
ثم أعلم سبحانه أنه مبيد لذلك كله ومفنيه فقال: 8- "وإنا لجاعلون ما عليها صعيداً جرزاً" أي لجاعلون ما عليها من هذه الزينة عند تناهي عمر الدنيا صعيداً تراباً. قال أبو عبيدة: الصعيد المستوي من الأرض. وقال الزجاج: هو الطريق الذي لا نبات فيه. قال الفراء: الجرز الأرض التي لا نبات فيها، ومن قولهم: امرأة جرزاً إذا كانت أكولاً، وسيفاً جرزاً إذا كان مستأصلاً، وجرز الجراد والشاة والإبل الأرض إذا أكلت ما عليها. قال ذو الرمة:
طوى النحز والاجراز ما في بطونها
ومعنى النظم لا تحزن يا محمد مما وقع من هؤلاء من التكذيب فإنا قد جعلنا ما على الأرض زينة لاختبار أعمالهم، وإنا لمذهبون ذلك عند انقضاء عمر الدنيا فمجازوهم إن خيراً فخير، وإن شراً فشر.
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: "الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب" الآية قال: أنزل الكتاب عدلاً قيماً "ولم يجعل له عوجاً" ملتبساً. وأخرج ابن المنذر عن الضحاك "قيماً" قال: مستقيماً. وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة "من لدنه" أي من عنده. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي "حسناً" يعني الجنة "وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولداً" قال: هم اليهود والنصارى وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: اجتمع عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأبو جهل والنضر بن الحارث وأمية بن خلف والعاص بن وائل والأسود بن عبد المطلب وأبو البحتري في نفر من قريش، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كبر عليه ما يرى من خلاف قومه إياه، وإنكارهم ما جاء به من النصيحة، فأحزنه حزناً شديداً، فأنزل الله سبحانه: "فلعلك باخع نفسك". وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه "باخع نفسك" يقول: قاتل نفسك. وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد مثله. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي مثله. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد "أسفاً" قال: جزعاً. وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة "أسفاً" قال: حزناً. وأخرج ابن المنذر وابن مردويه من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله: "إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها" قال: الرجال. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير من قوله مثله. وأخرج أبو نصر السجزي في الإبانة من طريق مجاهد عن ابن عباس في الآية قال: العلماء زينة الأرض. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال: هم الرجال العباد العمل لله بالطاعة. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم في التاريخ وابن مردويه عن ابن عمر قال:" تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية "لنبلوهم أيهم أحسن عملاً" فقلت: ما معنى ذلك يا رسول الله؟ قال: ليبلوكم أيكم أحسن عقلاً وأورع عن محارم الله وأسرعكم في طاعة الله". وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال: ليختبرهم "أيهم أحسن عملاً" قال: أيهم أتم عقلاً. وأخرج عن الحسن "أيهم أحسن عملاً" قال: أشدهم للدنيا تركاً، وأخرج أيضاً عن الثوري قال: أزهدهم في الدنيا. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: "وإنا لجاعلون ما عليها صعيداً جرزاً" قال: يهلك كل شيء ويبيد. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة قال: الصعيد التراب والجبال التي ليس فيها زرع. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال: يعني بالجرز الخراب.
8 - " وإنا لجاعلون ما عليها صعيداً جرزاً " ، فالصعيد وجه الأرض . وقيل : هو التراب ، ( جرزاً ) يابساً أملس لا ينبت شيئاً . يقال : جرزت الأرض إذا أكل نباتها .
8."وإنا لجاعلون ما عليها صعيداً جرزاً "تزهيد فيه ، والجرز الأرض التي قطع نباتها. مأخوذ من الجرز وهو القطع ، والمعنى إنا لنعيد ما عليها من الزينة تراباً مستوياً بالأرض ونجعله كصعيد أملس لا نبات فيه .
8. And lo! We shall make all that is therein a barren mound.
8 - Verily what is on earth we shall make but as dust and dry soil (without growth or herbage).