[الكهف : 65] فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا
65 - (فوجدا عبدا من عبادنا) هو الخضر (آتيناه رحمة من عندنا) نبوة في قول وولاية في آخر وعليه أكثر العلماء (وعلمناه من لدنا) من قبلنا (علما) مفعول ثان أي معلوما من المغيبات روى البخاري حديث أن موسى قام خطيبا في بني إسرائيل فسئل أي الناس أعلم فقال أنا فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه فأوحى الله إليه إن لي عبدا بمجمع البحرين هو أعلم منك قال موسى يا رب فكيف لي به قال تأخذ معك حوتا فتجعله في مكتل فحيثما فقدت الحوت فهو ثم فأخذ حوتا فجعله في مكتل ثم انطلق وانطلق معه فتاه يوشع بن نون حتى أتيا الصخرة ووضعا رأسيهما فناما واضطرب الحوت في المكتل فخرج منه فسقط في البحر فاتخذ سبيله في البحر سربا وأمسك الله عن الحوت جريه بالماء فصار عليه مثل الطاق فلما استيقظ نسي صاحبه أن يخبره بالحوت فانطلقا بقية يومهما وليلتهما حتى إذا كانا من الغداة قال موسى لفتاه آتنا غداءنا إلى قوله واتخذ سبيله في البحر عجبا قال وكان للحوت سربا ولموسى ولفتاه عجبا الخ
وقوله " فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا" يقول : وهبنا له رحمة من عندنا" وعلمناه من لدنا ،علما" يقول : وعلمناه من عندنا أيضا علما .
كما حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة " من لدنا علما": أي من عندنا علما .
وكان سبب سفر موسى وفتاه ، ولقائه هذا العالم الذي ذكره الله في هذا الموضع فيما ذكر، أن موسى سئل ، هل في الأرض أحد أعلم منك ؟ فقال : لا، أو حدثته نفسه بذلك ، فكره ذلك له ، فأراد الله تعريفه أن من عباده في الأرض من هو أعلم منه ، وأنه لم يكن له أن يحتم على ما لا علم له به ، ولكن كان ينبغي له أن يكل ذلك إلى عالمه . . وقال اخرون : بل كان سبب ذلك أنه سأل الله جل ثناؤه أن يدله على عالم يزداد من علمه إلى علم نفسه .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يعقوب ، عن هارون بن عنتره ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قال : سأل موسى ربه وقال : رب أي عبادك أحب إليك ؟ قال : الذي يذكرني ولا ينساني ، قال : فأي عبادك أقضى؟ قال : الذي يقضي بالحق ولا يتبع الهوى، قال : أي رب أي عبادك أعلم ؟ قال : الذي يبتغي علم الناس إلى علم نفسه ، عسى أن يصيب كلمة تهديه إلى هدى، أو ترده عن ردى، قال : رب فهل في الأرض أحد؟ قال : نعم ، قال : رب ، فمن هو؟ قال : الخضر، قال : وأين أطلبه ؟ قال : على الساحل عند الصخرة التي ينفلت عندها الحوت ، قال : فخرج موسى يطلبه ، حتى كان ما ذكر الله ، وانتهى إليه موسى عند الصخرة، فسلم كل واحد منهما على صاحبه ، فقال له موسى : إني أريد أن تستصحبني ، قال . إنك لن تطيق صحبتي ، قال : بلى، قال : فإن صحبتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا، فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة خرقها قال أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا امرا قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا " قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا * فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما فقتله قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا". إلى قوله" لاتخذت عليه أجرا" قال : فكان قول موسى في الجدار لنفسه ، ولطلب شيء من الدنيا، وكان قوله في السفينة وفي الغلام لله ، " قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا" فأخبره بما قال أما السفينة وأما الغلام وأما الجدار، قال : فسار به في البحر حتى انتهى إلى مجمع البحور، وليس في الأرض مكان أكثر ماء منه ، قال : وبعث ربك الخطاف فجعل يستقي منه بمنقاره ، فقيل لموسى كم ترى هذا الخطاف رزأ من هذا الماء؟ قال : ما أقل ما رزأ! قال : يا موسى فإن علمي وعلمك في علم الله كقدر ما استقى هذا الخطاف من هذا الماء. وكان موسى قد حدث نفسه أنه ليس أحد أعلم منه ، أو تكلم به ، فمن ثم أمرأن ياتي الخضر.
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن أبي إسحاق ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، :قال : خطب موسى بني إسرائيل ، فقال : ما أحد أعلم بالله ، وبامره مني ، فأوحى الله إليه أن ياتي هذا الرجل .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة أنه قيل له : إن آية لقيك إياه أن تنسى بعض متاعك ، فخرج هو وفتاه يوشع بن نون ، وتزودا حوتا مملوحا، حتى إذا كانا حيث شاء الله ، رد الله إلى الحوت روحه ، فسرب في البحر، فاتخذ الحوت طريقه سربا في البحر، فسرب فيه " فلما جاوزا قال لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا" . . . حتى بلغ " واتخذ سبيله في البحر عجبا" فكان موسى اتخذ سبيله في البحرعجبأ، فكان يعجب من سرب الحوت .
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن أبي إسحاق ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : لما اقتص موسى أثر الحوت انتهى إلى رجل راقد قد سجى عليه ثوبه فسلم عليه موسى فكشف الرجل عن وجهه الثوب ورد عليه السلام وقال : من أنت ؟ قال : موسى، قال : صاحب بني إسرائيل ؟ قال : نعم ، قال : أوما كان لك في بني إسرائيل شغل ؟ قال : بلى، ولكني أمرت أن آتيك وأصحبك ، قال : إنك لن تستطيع معي صبرا، كما قص الله ، " حتى" بلغ فلما " ركبا في السفينة خرقها" صاحب موسى " قال أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا" يقول : نكرا " قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا * فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما فقتله قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس" .
حدثنا أبوكريب ، قال : ثنا يحيى بن آدم ، قال : ثنا سفيان ، عن عمروبن دينار ، عن سعيد بن جبير ، قال : قلت لابن عباس : إن نوفا يزعم أن الخضر ليس بصاحب موسى، فقال : كذب عدو الله ! حدثنا أبي بن كعب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن موسى قام في بني إسرائيل خطيبا فقيل : أي الناس أعلم ؟ فقال : أنا، فعتب الله عليه حين لم يرد العلم إليه ، فقال : بلى عبد لي عند مجمع البحرين ، فقال : يا رب كيف به ؟ فقيل : تأخذ حوتا، فتجعله في مكتل . ثم قال لفتاه : إذا فقدت هذا الحوت فأخبرني ، فانطلقا يمشيان على ساحل البحر حتى أتيا صخرة، فرقد موسى، فاضطرب الحوت في المكتل ، فخرج فوقع في البحر، فأمسك الله عنه جرية الماء ، فصار مثل الطاق ، فصارت للحوت سربا وكان لهما عجبا، ثم انطلقا، فلما كان حين الغد، قال موسى لفتاه : آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا، قال : ولم يجد موسى النصب حتى جاوز حيث أمره الله قال : فقال : أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت ، وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره ، واتخذ سبيله في البحر عجبا، قال : فقال : ذلك ما كنا نبغ ، فارتدا على اثارهما قصصا، قال : يقصان آثارهما، قال : فأتيا الصخرة، فاذا رجل نائم مسجى بثوبه ، فسلم عليه موسى، فقال : وأنى بارضنا السلام ؟ فقال : أنا موسى، قال : موسى بني إسرائيل ؟ قال : نعم ، قال : يا موسى؟ إني على علم من علم الله ،علمنيه الله لاتعلمه ، وأنت على علم من علمه علمكه لا أعلمه . قال : فإني أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا، قال :فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا، فانطلقا يمشيان على الساحل ، فعرف الخضر، فحمل بغير نول ، فجاء عصفور، فوقع على حر فها فنقر، أو فنقد في الماء، فقال الخضر لموسى : ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلا مقدار ما نقرأو نقص هذا العصفور من البحر أبو جعفر الطبري يشك ، وهو في كتابه نقر قال : فبينما هو إذ لم يفجأه موسى إلأ وهو يتد وتدا أو ينزع تختا منها، فقال له موسى : حملنا بغير نول وتخرقها لتغرق أهلها؟ لقد جئت شيئا إمرا، قال : ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا، قال : لا تؤاخذني بما نسيت . قال : وكانت الأولى من موسى نسيانا قال : ثم خرجا فانطلقا يمشيان ، فأبصرا غلاما يلعب مع الغلمان ، فأخذ برأسه فقتله ،فقال له موسى : أقتلت نفسا زاكية بغير نفس ، لقد جئت شيئا نكرا، قال : ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا؟ قال : إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا. قال : فانطلقاحتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها، فلم يجدا أحدا يطعمهم ولا يسقيهم ، فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض ، فأقامه بيده قال : مسحه بيده فقال له موسى : لم يضيفونا ولم ينزلونا، لو شئت لاتخذت عليه أجرا . قال ؟ هذا فراق بيني وبينك . فقال رسول الله صلىالله عليه وسلم " لوددت أنه كان صبر حتى يقص علينا قصصهم ، ."
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، قال : ثنا ابن إسحاق ، عن الحسن بن عمارة ، عن الحكم بن عتيبة ، عن سعيد بن جبير ، قال : جلست فأسند ابن عباس وعنده نفر من أهل الكتاب ، فقال بعضهم : يا أبا العباس إن نوفا ابن امرأة كعب يزعم عن كعب ، أن موسى النبي الذي طلب العالم ، إنما هو موسى بن ميشا. قال سعيد ، قال ابن عباس : أنوف يقول هذا؟ قال سعيد : فقلت له نعم ، أنا سمعت نوفا يقول ذلك ، قال : أنت سمعته يا سعيد؟ قال : قلت : نعم ، قال : كذب نوف . ثم قال ابن عباس : حدثني أبي بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن موسى ، هو نبي بني إسرائيل سأل ربه فقال : أي رب إن كان في عبادك أحد هوأعلم مني فادللني عليه ، فقال له : نعم في عبادي من هوأعلم منك ، ثم نعت له مكانه ، وأذن له في لقيه ، فخرج موسى معه فتاه ومعه حوت مليح ، وقد قيل له : إذا حيي هذا الحوت في مكان فصاحبك هنالك وقد أدركت حاجتك ، فخرج موسى ومعه فتاه ، ومعه ذلك الحوت يحملانه ، فسار حتى جهده السير، وانتهى إلى الصخرة وإلى ذلك الماء، ماء الحياة، من شرب منه خلد، ولا يقاربه شيء ميت ألا حيي ، فلما نزلا، ومس الحوت الماء حيي ، فاتخذ سبيله في البحر سربا، فانطلقا ، فلما جاوزا منقلبه قال موسى : آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا، قال الفتى وذكر: أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا قال ابن عباس : فظهر موسى على الصخرة حين انتهيا إليها، فإذا رجل متلفف في كساء له ، فسلم موسى، فرد عليه العالم ، ثم قال له : وما جاء بك ؟ إن كان لك في قومك لشغل ؟ قال له موسى: جئتك لتعلمني مما علمت رشدا، " قال إنك لن تستطيع معي صبرا" ، وكان رجلا يعلم علم الغيب قد علم ذلك ، فقال موسى : بلى قال : " وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا" :أي إنما تعرف ظاهر ما ترى من العدل ، ولم تحط من علم الغيب بما أعلم " قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا" وإن رأيت ما يخالفني ، " قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء " وإن أنكرته " حتى أحدث لك منه ذكرا" ، فانطلقا يمشيان على ساحل البحر، يتعرضان الناس ، يلتمسان من يحملهما، حتى مرت لهما سفينة جديدة وثيقة لم يمر بهما من السفن شيء أحسن ولا أجمل ولا أوثق منها، فسألا أهلها أن يحملوهما، فحملوهما، فلما اطمأنا فيها، ولجت بهما مع أهلها، أخرج منقارا له ومطرقة، ثم عمد إلى ناحية منها فضرب فيها بالمنقار حتى خرقها، ثم أخذ لوحا فطبقه عليها، ثم جلس عليها يرقعها، قال له موسى ورأى أمرا فظع به " أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا * قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا" "قال لا تؤاخذني بما نسيت " : أي ما تركت من عهدك " ولا ترهقني من أمري عسرا" ثم خرجا من السفينة، فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية فإذا غلمان يلعبون خلفها، فيهم غلام ليس في الغلمان أظرف منه ، ولا أثرى ولا أوضأ منه ، فأخذه بيده ، وأخذ حجرا، قال : فضرب به رأسه حتى دمغه فقتله ، قال : فرأى موسى أمرا فظيعا لا صبر عليه ، صبي صغير لاذنب له " قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس " أي صغيرة بغيرنفس " لقد جئت شيئا نكرا" "قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا" "قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا" : أي قد أعذرت في شأني " فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض " فهدمه ، ثم قعد يبنيه ، فضجر موسى مما رآه يصنع من التكليف لما ليس عليه صبر، فقال " لو شئت لاتخذت عليه أجرا" :أي قد استطعمناهم فلم يطعمونا، وضفناهم فلم يضيفونا،ثم ا قعدت في غير صنيعة، ولو شئت لأعطيت عليه أجرا في عمله " قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا * أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا" وفي قراءة أبي بن كعب : كل سفينة صالحة وإنما عبتها لأرده عنها، فسلمت حين رأى العيب الذي صنعت بها . " وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا * فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما * وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك وما فعلته عن أمري " أي ما فعلته عن نفسي " ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا" فكان ابن عباس يقول : ما كان الكنزإلا علما.
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ،قال : ثني ابن إسحاق ، عن الحسن بن عمارة ، عن أبيه ، عن عكرمة قال : قيل لابن عباس : لم نسمع لفتى موسى بذكر من حديث ، وقد كان معه . فقال ابن عباس فيما يذكر من حديث الفتى قال : شرب الفتى من الماء فخلد، فأخذه العالم فطابق به سفينة، ثم أرسله في البحر، فإنها لتموج به إلى يوم القيامة، وذلك أنه لم يكن له أن يشرب منه فشرب .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قان : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله " وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقبا " قال : لما ظهر موسى وقومه على مصر أنزل قومه مصر، فلما استقرت بهم الدار أنزل الله عليه أن " ذكرهم بأيام الله " فخطب قومه ، فذكر ما اتاهم الله من الخير والنعمة ، وذكرهم إذ أنجاهم الله من آل فرعون ، وذكرهم هلاك عدوهم ، وما استخلفهم الله في الأرض ، وقال : كلم الله نبيكم تكليما، واصطفاني لنفسه ، وأنزل علي محبة منه ، وآتاكم الله من كل ما سألتموه ، فنبيكم أفضل أهل الأرض ، وأنتم تقرءون التوراة، فلم يترك نعمة أنعمها الله عليهم إلا ذكرها، وعرفها إياهم ، فقال له رجل من بني إسرائيل : هم كذلك يا نبي الله ، قد عرفنا الذي تقول ، فهل على الأرض أحد أعلم منك يا نبي الله؟ قال : لا، فبعث الله جبرئيل إلى موسى عليهما السلام ، فقال : إن الله يقول : وما يدريك أين أضع علمي ؟ بلى إن على شط البحر رجلا أعلم منك ، فقال ابن عباس : هو الخضر، فسال موسى ربه أن يريه إياه ، فاوحى الله إليه أن ائت البحر، فإنك تجد على شط البحر حوتأ فخذه فادفعه إلى فتاك ، ثم الزم شط البحر، فإذا نسيت الحوت وهلك منك ، فثم تجد العبد الصالح الذي تطلب . فلما طال سفرموسى نبي الله ونصب فيه ، سأل فتاه عن الحوت ، فقال له فتاه وهو غلامه " أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره " قال الفتى : لقد رأيت الحوت حين اتخذ سبيله في البحر سربا. فاعجب ذلك موسى فرجع حت أتى الصخرة، فوجدالحوت يضرب في البحر، ويتبعه موسى، وجعل موسى يقدم عصاه يفرج بها
0عن الماء يتبع الحوت ، وجعل الحوت لا يمس شيئا من البحر إلا يبس حتى يكون صخرة، فجعل نبي الله يعجب من ذلك حتى انتهى به الحوت إلى جزيرة من جزائر البحر، فلقى الخضر بها فسلم عليه ، فقال الخضر: وعليك السلام ، وأنى يكون هذا السلام بهذه الأرض ، ومن أنت ؟ قال : أنا موسى ، فقال له الخضر أصاحب بني إسرائيل ؟ قال : نعم فرحب به ، وقال : ما جاء بك ؟ قال : جئتك على أن تعلمني مما علمت رشدا " قال إنك لن تستطيع معي صبرا" قال : لا تطيق ذلك ، قال موسى : " ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا" قال : فانطلق به وقال له : لا تسألني عن شيء أصنعه حتى أبين لك شأنه ، فذلك قوله" حتى أحدث لك منه ذكرا" فركبا في السفينة يريدان البر، فقام الخضر فخرق السفينة، فقال له موسى " أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا" .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ،عن قتادة ، قوله " فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما" ذكر أن نبي صلى الله عليه وسلم لما قطع البحر وأنجاه الله من ال فرعون ، جمع بني إسرائيل ، فخطبهم فقال : أنتم خير أهل الأرض وأعلمه ، قد أهلك الله عدوكم ، وأقطعكم البحر، وأنزل عليكم التوراة، قال : فقيل له : إن ههنا رجلا هو أعلم منك . فال : فانطلق هو وفتاه يوشع بن نون يطلبانه ، وتزودا سمكة مملوحة في مكتل لهما، وقيل لهما: إذا نسيتما ما معكما لقيتما رجلا عالما يقال له الخضر. فلما أتيا ذلك المكان ، رد الله إلى الحوت روحه ، فسرب له من الجسر حتى أفض إلى البحر، ثم سلك فجعل لا يسلك فيه طريقا إلا صار ماء جامدا . قال : ومض موسى وفتاه ، يقول الله عز وجل " فلما جاوزا قال لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا * قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت" . ثم تلا إلى قوله " وعلمناه من لدنا علما" فلقيا رجلا عالما يقال له الخضر، فذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : إنما سمي الخضر خضرا لأنه قعد على فروة بيضاء، فاهتزت به خضراء .
حدثني العبالس بن الوليد ، قال : ثنا أبي ، قال : ثنا الأوزاعي ، قال : ثنا الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، عن ابن عباس أنه تمارى هو و الحربن قيس بن حصن الفزاري في صاحب موسى، فقال ابن عباس : هو خضر، فمر بهما أبي بن كعب ، فدعاه ابن عباس فقال : إني تماريت أنا وصاحبي هذا في صاحب موسى الذي سأل السبيل إلى لقيه ، فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر شانه ؟ قال : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قول : بينا موسى في ملأ من بني إسرائيل إذ جاءه رجل فقال تعلم مكان أحد أعلم منك ؟ قال موسى : لا، فأوحى الله إلى موسى : بلى عبدنا خضر، فسأل موسى السبيل إلى لقيه ، فجعل الله له الحوت آية، وقيل له : اذا فقدت الحوت فارجع ، فانك ستلقاه . فكان موسى يتبع أثر الحوت في البحر، فقال فتى موسى لموسى : أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة، فإني نسيت الحوت ، قال موسى : ذلك ما كنا نبغ ، فارتدا على اثارهما قصصا، فوجدا عبدنا خضرا، وكان من شأنهما ما قص الثه في كتابه .
حدثني محمد بن مرزوق ، قال : ثنا الحجاج بن المنهان ، قال : ثنا عبد الله بن عمر النميري ، عن يونس بن يزيد ، قال : سمعت الزهري يحدث ، قاك : أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، عن ابن عباس ، أنه تمارى هو و الحر بن قيس بن حصن الفزاري في صاحب موسى. ثم ذكرنحوحديث العباس ، عن أبي بن كعب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم
قوله تعالى: " فوجدا عبدا من عبادنا " العبد هو الخضر عليه السلام في قول الجمهور، وبمقتضى الأحاديث الثابتة. وخالف من لا يعتد بقوله، فقال: ليس صاحب موسى الخضر بل هو عالم آخر. وحكى أيضاً هذا القول القشيري ، قال: وقال قوم هو عبد صالح، والصحيح أنه كان الخضر، بذلك ورد الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقال مجاهد : سمي الخضر لأنه كان إذا صلى اخضر ما حوله. وروى الترمذي عن أبي هرية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" إنما سمي الخضر لأنه جلس على فروة بيضاء فإذا هي تهتز تحته خضراء " هذا حديث صحيح غريب. الفروة هنا وجه الأرض، قاله الخطابي وغيره. والخضر نبي عند الجمهور. وقيل: هو عبد صالح غير نبي، والآية تشهد بنبوته، لأن بواطن أفعاله لا تكون إلا بوحي. وأيضاً فإن الإنسان لا يتعلم ولا يتبع إلا من فوقه، وليس يجوز أن يكون فوق النبي من ليس بنبي. وقيل: كان ملكاً أمر الله موسى أن يأخذ عنه مما حمله من علم الباطن. والأول الصحيح، والله أعلم.
قوله تعالى: " آتيناه رحمة من عندنا " الرحمة في هذه الآية النبوة. وقيل: النعمة. " وعلمناه من لدنا علما " أي علم الغيب. ابن عطية : كان علم الخضر علم معرفة بواطن قد أوحيت إليه، لا تعطى ظواهر الأحكام أفعاله بحسبها، وكان علم موسى علم الأحكام والفتيا بظاهر أقوال الناس وأفعالهم.
سبب قول موسى لفتاه وهو يوشع بن نون , هذا الكلام أنه ذكر له أن عبداً من عباد الله بمجمع البحرين عنده من العلم ما لم يحط به موسى, فأحب الرحيل إليه, وقال لفتاه ذلك "لا أبرح" أي لا أزال سائراً "حتى أبلغ مجمع البحرين" أي هذا المكان الذي فيه مجمع البحرين, قال الفرزدق:
فما برحوا حتى تهادت نساؤهم ببطحاء ذي قارعبات اللطائم
قال قتادة وغير واحد: هما بحر فارس مما يلي المشرق, وبحر الروم مما يلي المغرب, وقال محمد بن كعب القرظي : مجمع البحرين عند طنجة, يعني في أقصى بلاد المغرب, فالله أعلم. وقوله: "أو أمضي حقباً" أي ولو أني أسير حقباً من الزمان. قال ابن جرير رحمه الله: ذكر بعض أهل العلم بكلام العرب أن الحقب في لغة قيس سنة, ثم روي عن عبد الله بن عمرو أنه قال: الحقب ثمانون سنة. وقال مجاهد : سبعون خريفاً. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: "أو أمضي حقباً" قال: دهراً, وقال قتادة وابن زيد مثل ذلك.
وقوله: "فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما" وذلك أنه كان قد أمر بحمل حوت مملوح معه, وقيل له: متى فقدت الحوت, فهو ثمة, فسارا حتى بلغا مجمع البحرين, وهناك عين يقال لها عين الحياة, فناما هنالك, وأصاب الحوت من رشاش ذلك الماء, فاضطرب وكان في مكتل مع يوشع عليه السلام, وطفر من المكتل إلى البحر, فاستيقظ يوشع عليه السلام وسقط الحوت في البحر فجعل يسير في الماء والماء له مثل الطاق لا يلتئم بعده, ولهذا قال تعالى: " فاتخذ سبيله في البحر سربا " أي مثل السرب في الأرض. قال ابن جريج : قال ابن عباس : صار أثره كأنه حجر. وقال العوفي عن ابن عباس : جعل الحوت لا يمس شيئاً من البحر إلا يبس حتى يكون صخرة. وقال محمد بن إسحاق عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس , عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ذكر حديث ذلك: ما انجاب ماء منذ كان الناس غير مسير مكان الحوت الذي فيه, فانجاب كالكوة حتى رجع إليه موسى فرأى مسلكه, فقال: "ذلك ما كنا نبغ" وقال قتادة : سرب من البحر حتى أفضى إلى البر, ثم سلك فيه فجعل لا يسلك طريقاً فيه إلا صار ماء جامداً.
وقوله: "فلما جاوزا" أي المكان الذي نسيا الحوت فيه, ونسب النسيان إليهما وإن كان يوشع هو الذي نسيه, كقوله تعالى: "يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان" وإنما يخرج من المالح على أحد القولين, فلما ذهبا عن المكان الذي نسياه فيه بمرحلة "قال" موسى "لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا" أي الذي جاوزا فيه المكان "نصباً" يعني تعباً "قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره" قال قتادة : وقرأ ابن مسعود أن أذكر كه, ولهذا قال "واتخذ سبيله" أي طريقه " في البحر عجبا * قال ذلك ما كنا نبغ " أي هذا هو الذي نطلب "فارتدا" أي رجعا "على آثارهما" أي طريقهما "قصصاً" أي يقصان آثار مشيهما ويقفوان أثرهما "فوجدا عبداً من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علماً" وهذا هو الخضر عليه السلام, كما دلت عليه الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال البخاري : حدثنا الحميدي , حدثنا سفيان , حدثنا عمرو بن دينار , أخبرني سعيد بن جبير , قال: قلت لابن عباس : إن نوفاً البكالي يزعم أن موسى صاحب الخضر عليه السلام, ليس هو موسى صاحب بني إسرائيل. قال ابن عباس : كذب عدو الله, حدثنا أبي بن كعب رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن موسى قام خطيباً في بني إسرائيل فسئل: أي الناس أعلم ؟ قال: أنا, فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه, فأوحى الله إليه إن لي عبداً بمجمع البحرين هو أعلم منك. قال موسى: يا رب وكيف لي به ؟ قال: تأخذ معك حوتاً فتجعله بمكتل, فحيثما فقدت الحوت فهو ثم, فأخذ حوتاً فجعله بمكتل, ثم انطلق وانطلق معه فتاه يوشع بن نون عليه السلام, حتى إذا أتيا الصخرة وضعا رأسيهما فناما, واضطرب الحوت في المكتل, فخرج منه فسقط في البحر فاتخذ سبيله في البحر سربا, وأمسك الله عن الحوت جرية الماء, فصار عليه مثل الطاق, فلما استيقظ, نسي صاحبه أن يخبره بالحوت, فانطلقا بقية يومهما وليلتهما حتى إذا كان من الغد قال موسى لفتاه: "آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا" ولم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الذي أمره الله به, قال له فتاه: "أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا" قال: فكان الحوت سرباً, ولموسى وفتاه عجباً, فقال "ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصاً" قال: فرجعا يقصان أثرهما حتى انتهيا إلى الصخرة, فإذا رجل مسجى بثوب, فسلم عليه موسى فقال الخضر: وأنى بأرضك السلام. فقال: أنا موسى. فقال: موسى بني إسرائيل ؟ قال: نعم قال أتيتك لتعلمني مما علمت رشداً "قال إنك لن تستطيع معي صبراً" يا موسى إني على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه أنت وأنت على علم من علم الله علمكه الله لا أعلمه. فقال موسى "ستجدني إن شاء الله صابراً ولا أعصي لك أمراً" قال له الخضر: "فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكراً".
فانطلقا يمشيان على ساحل البحر فمرت سفينة, فكلموهم أن يحملوهم, فعرفوا الخضر فحملوهم بغير نول, فلما ركبا في السفينة لم يفجأ إلا والخضر قد قلع لوحاً من ألواح السفينة بالقدوم, فقال له موسى: قد حملونا بغير نول, فعمدت إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها ؟ لقد جئت شيئاً إمراً " قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا * قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا " قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله ـ فكانت الأولى من موسى نسياناً, قال: وجاء عصفور فوقع على حرف السفينة, فنقر في البحر نقرة أو نقرتين فقال له الخضر: ما علمي وعلمك في علم الله إلا مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر.
ثم خرجا من السفينة فبينما هما يمشيان على الساحل إذ أبصر الخضر غلاماً يلعب مع الغلمان, فأخذ الخضر رأسه فاقتلعه بيده فقتله, فقال له موسى " أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا * قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا " قال: وهذه أشد من الأولى, " قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا * فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض " أي مائلاً, فقال الخضر بيده "فأقامه" فقال موسى: قوم أتيناهم فلم يطعمونا ولم يضيفونا " لو شئت لاتخذت عليه أجرا * قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وددنا أن موسى كان صبر حتى يقص الله علينا من خبرهما" قال سعيد بن جبير : كان ابن عباس يقرأ " وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا " وكان يقرأ " وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين ".
ثم رواه البخاري عن قتيبة عن سفيان بن عيينة فذكر نحوه, وفيه: فخرج موسى ومعه فتاه يوشع بن نون ومعهما الحوت, حتى انتهيا إلى الصخرة, فنزلا عندها, قال: فوضع موسى رأسه فنام, قال سفيان : وفي حديث عن عمر قال: وفي أصل الصخرة عين يقال لها الحياة لا يصيب من مائها شيء إلا حيي فأصاب الحوت من ماء تلك العين, فتحرك وانسل من المكتل فدخل البحر, فلما استيقظ قال موسى لفتاه "آتنا غداءنا" قال: وساق الحديث, ووقع عصفور على حرف السفينة, فغمس منقاره في البحر, فقال الخضر لموسى: ما علمي وعلمك وعلم الخلائق في علم الله إلا مقدار ما غمس هذا العصفور منقاره وذكر تمامه بنحوه.
وقال البخاري أيضاً: حدثنا إبراهيم بن موسى , حدثنا هشام بن يوسف أن ابن جريج أخبرهم قال: أخبرني يعلى بن مسلم وعمرو بن دينار عن سعيد بن جبير , يزيد أحدهما على صاحبه, وغيرهما قد سمعته يحدث عن سعيد بن جبير قال: إنا لعند ابن عباس في بيته, إذ قال سلوني, فقلت: أي أبا عباس جعلني الله فداك, بالكوفة رجل قاص يقال له نوف يزعم أنه ليس بموسى بني إسرائيل, أما عمرو فقال لي قال: كذب عدو الله وأما يعلى فقال لي قال ابن عباس : حدثني أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "موسى رسول الله ذكر الناس يوماً حتى إذا فاضت العيون ورقت القلوب ولى, فأدركه رجل فقال: أي رسول الله هل في الأرض أعلم منك ؟ قال: لا, فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إلى الله, قيل: بلى, قال أي رب, وأين ؟ قال: بمجمع البحرين, قال: أي رب اجعل لي علماً أعلم ذلك به. قال لي عمرو : قال حيث يفارقك الحوت " , وقال لي يعلى : خذ حوتاً ميتاً حيث ينفخ فيه الروح, فأخذ حوتاً فجعله في مكتل فقال لفتاه: لا أكلفك إلا أن تخبرني بحيث يفارقك الحوت, قال: ما كلفت كبيراً, فذلك قوله: "وإذ قال موسى لفتاه" يوشع بن نون ليست عند سعيد بن جبير , قال: فبينما هو في ظل صخرة في مكان ثريان إذ يضرب الحوت وموسى نائم, فقال فتاه, لا أوقظه, حتى إذا استيقظ نسي أن يخبره, ويضرب الحوت حتى دخل في البحر فأمسك الله عنه جرية الماء حتى كأن أثره في حجر, قال: فقال لي عمرو : هكذا كأن أثره في حجر, وحلق بين إبهاميه واللتين تليهما, قال: "لقد لقينا من سفرنا هذا نصباً" قال: وقد قطع الله عنك النصب, ليست هذه عند سعيد بن جبير , أخبره فرجعا فوجدا خضراً قال: قال عثمان بن أبي سليمان : على طنفسة خضراء على كبد البحر, قال سعيد بن جبير : مسجى بثوب قد جعل طرفه تحت رجليه وطرفه عند رأسه, فسلم عليه موسى فكشف عن وجهه, وقال: هل بأرضي من سلام ؟ من أنت ؟ قال: أنا موسى, قال: موسى بني إسرائيل ؟ قال: نعم, قال: فما شأنك ؟ قال: جئتك لتعلمني مما علمت رشداً, قال: أما يكفيك أن التوراة بيديك وأن الوحي يأتيك يا موسى, إن لي علماً لا ينبغي لك أن تعلمه, وإن لك علماً لا ينبغي لي أن أعلمه, فأخذ طائر بمنقاره من البحر فقال: والله ما علمي وعلمك في جنب علم الله إلا كما أخذ هذا الطائر بمنقاره من البحر, حتى إذا ركبا في السفينة وجدا معابر صغاراً تحمل أهل هذا الساحل إلى هذا الساحل الاخر, عرفوه فقالوا: عبد الله الصالح, قال: فقلنا لسعيد بن جبير خضر, قال: نعم لا نحمله بأجر, فخرقها ووتد فيها وتداً, قال موسى "أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئاً إمراً" قال مجاهد : منكراً, "قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبراً" كانت الأولى نسياناً, والثانية شرطاً, والثالثة عمداً, " قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا * فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما فقتله ", قال يعلى : قال سعيد : وجد غلماناً يلعبون, فأخذ غلاماً كافراً ظريفاً فأضجعه ثم ذبحه بالسكين, فقال أقتلت نفساً زكية لم تعمل الحنث ؟ و ابن عباس قرأها زكية مسلمة كقولك غلاماً زكياً, فانطلقا فوجدا جداراً يريد أن ينقض فأقامه, قال سعيد : بيده هكذا ودفع بيده فاستقام, قال: لو شئت لاتخذت عليه أجراً, قال يعلى : حسبت أن سعيداً قال: فمسحه بيده فاستقام, قال: لو شئت لاتخذت عليه أجراً, قال سعيد : أجراً نأكله, وكان وراءهم ملك, وكان أمامهم, قرأها ابن عباس : أمامهم ملك يزعمون, عن غير سعيد , أنه هدد بن بدد, والغلام المقتول اسمه يزعمون جيسور ملك يأخذ كل سفينة غصباً, فأردت إذا هي مرت به أن يدعها بعيبها, فإذا جاوزوا أصلحوها فانتفعوا بها, منهم من يقول سدوها بقارورة, ومنهم من يقول بالقار, كان أبواه مؤمنين, وكان هو كافراً, فخشينا أن يرهقهما طغياناً وكفراً أن يحملهما حبه على أن يتابعاه على دينه, فأردنا أن يبدلهما ربهما خيراً منه زكاة, كقوله: "أقتلت نفساً زكية", وقوله: "وأقرب رحماً" هما به أرحم منهما بالأول الذي قتل خضر, وزعم غير سعيد بن جبير أنهما أبدلا جارية, وأما داود بن أبي عاصم فقال عن غير واحد: إنها جارية.
قال عبد الرزاق : أخبرنا معمر عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس قال: خطب موسى عليه السلام بني إسرائيل فقال: ما أحد أعلم بالله وبأمره مني, فأمر أن يلقى هذا الرجل فذكر نحو ما تقدم بزيادة ونقصان, والله أعلم. وقال محمد بن إسحاق عن الحسن بن عمارة , عن الحكم بن عتيبة عن سعيد بن جبير قال: جلست عند ابن عباس وعنده نفر من أهل الكتاب, فقال بعضهم: يا أبا العباس إن نوفاً ابن امرأة كعب يزعم عن كعب أن موسى النبي الذي طلب العالم إنما هو موسى بن ميشا, قال سعيد : فقال ابن عباس : أنوف يقول هذا يا سعيد ؟ فقلت له: نعم أنا سمعت نوفاً يقول ذلك, قال: أنت سمعته يا سعيد ؟ قال: نعم, قال: كذب نوف.
ثم قال ابن عباس : حدثني أبي بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن موسى بني إسرائيل سأل ربه, فقال: أي رب إن كان في عبادك أحد هو أعلم مني فدلني عليه, فقال له: نعم في عبادي من هو أعلم منك, ثم نعت له مكانه وأذن له في لقيه, فخرج موسى ومعه فتاه ومعه حوت مليح, قد قيل له: إذا حيي هذا الحوت في مكان, فصاحبك هنالك وقد أدركت حاجتك, فخرج موسى ومعه فتاه ومعه ذلك الحوت يحملانه, فسار حتى جهده السير وانتهى إلى الصخرة وإلى ذلك الماء, وذلك الماء ماء الحياة, من شرب منه خلد ولا يقارنه شيء ميت إلا حيي, فلما نزلا ومس الحوت الماء حيي, فاتخذ سبيله في البحر سربا, فانطلقا فلما جاوزا النقلة قال موسى لفتاه: آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا, قال الفتى وذكر: أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة, فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره, واتخذ سبيله في البحر عجبا, قال ابن عباس فظهر موسى على الصخرة حتى إذا انتهيا إليها, فإذا رجل متلفف في كساء له, فسلم موسى عليه فرد عليه السلام, ثم قال له: ما جاء بك إن كان لك في قومك لشغل ؟ قال له موسى: جئتك لتعلمني مما علمت رشداً. قال: إنك لن تستطيع معي صبرا, وكان رجلاً يعلم علم الغيب, قد علم ذلك, فقال موسى: بلى. قال: "وكيف تصبر على ما لم تحط به خبراً" أي إنما تعرف ظاهر ما ترى من العدل, ولم تحط من علم الغيب بما أعلم "قال ستجدني إن شاء الله صابراً ولا أعصي لك أمراً" وإن رأيت ما يخالفني, قال: "فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء" وإن أنكرته "حتى أحدث لك منه ذكرا" فانطلقا يمشيان على ساحل البحر يتعرضان الناس يلتمسان من يحملهما, حتى مرت بهما سفينة جديدة وثيقة لم يمر بهما من السفن شيء أحسن, ولا أجمل ولا أوثق منها, فسأل أهلها أن يحملوهما فحملوهما, فلما أطمأنا فيها ولجت بهما مع أهلها, أخرج منقاراً له ومطرقة, ثم عمد إلى ناحية فضرب فيها بالمنقار حتى خرقها, ثم أخذ لوحاً فطبقه عليها, ثم جلس عليها يرقعها, فقال له موسى ورأى أمراً أفظع به "أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئاً إمراً * قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا * قال لا تؤاخذني بما نسيت" أي بما تركت من عهدك "ولا ترهقني من أمري عسراً" ثم خرجا من السفينة, فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية, فإذا غلمان يلعبون خلفها, فيهم غلام ليس في الغلمان أظرف منه, ولا أثرى ولا أوضأ منه فأخذه بيده وأخذ حجراً فضرب به رأسه حتى دمغه فقتله, قال: فرأى موسى أمراً فظيعاً لا صبر عليه, صبي صغير قتله لا ذنب له, قال: "أقتلت نفساً زكية" أي صغيرة "بغير نفس لقد جئت شيئاً نكراً * قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبراً * قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا" أي قد أعذرت في شأني "فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جداراً يريد أن ينقض" فهدمه ثم قعد يبنيه, فضجر موسى مما يراه يصنع من التكليف وما ليس له عليه صبر فأقامه, قال: "لو شئت لاتخذت عليه أجراً" أي قد استطعمناهم فلم يطعمونا وضفناهم فلم يضيفونا, ثم قعدت تعمل من غير صنيعة, ولو شئت لأعطيت عليه أجراً في عمله, قال: " هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا * أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا " وفي قراءة ابن كعب " كل سفينة غصبا " وإنما عبتها لأرده عنها, فسلمت منه حين رأى العيب الذي صنعت بها, " وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا * فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما ". "وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك وما فعلته عن أمري" أي ما فعلته عن نفسي "ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا" فكان ابن عباس يقول: ما كان الكنز إلا علماً, وقال عوفي عن ابن عباس قالا: لما ظهر موسى وقومه على مصر أنزل قومه مصر, فلما استقرت بهم الدار أنزل الله أن ذكرهم بأيام الله, فخطب قومه فذكر ما آتاهم الله من الخير والنعمة, وذكرهم إذ نجاهم الله من آل فرعون, وذكرهم هلاك عدوهم وما استخلفهم الله في الأرض, وقال: كلم الله نبيكم تكليماً واصطفاني لنفسه, وأنزل علي محبة منه, وآتاكم الله من كل ما سألتموه, فنبيكم أفضل أهل الأرض وأنتم تقرؤون التوراة, فلم يترك نعمة أنعم الله عليهم إلا وعرفهم إياها, فقال له رجل من بني إسرائيل: هم كذلك يا نبي الله قد عرفنا الذي تقول: فهل على الأرض أحد أعلم منك يا نبي الله ؟ قال: لا. فبعث الله جبرائيل إلى موسى عليه السلام فقال: إن الله يقول: وما يدريك أين أضع علمي, بلى إن لي على شط البحر رجلاً هو أعلم منك. قال ابن عباس : هو الخضر, فسأل موسى ربه أن يريه إياه, فأوحى إليه أن ائت البحر, فإنك تجد على شط البحر حوتاً, فخذه فادفعه إلى فتاك ثم الزم شاطىء البحر, فإذا نسيت الحوت وهلك منك, فثم تجد العبد الصالح الذي تطلب. فلما طال سفر موسى نبي الله ونصب فيه سأل فتاه عن الحوت, فقال له فتاه وهو غلامه " أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره " لك, قال الفتى: لقد رأيت الحوت حين اتخذ سبيله في البحر سرباً فأعجب من ذلك, فرجع موسى حتى أتى الصخرة, فوجد الحوت, فجعل الحوت يضرب في البحر ويتبعه موسى, وجعل موسى يقدم عصاه يفرج بها عنه الماء يتبع الحوت, وجعل الحوت لا يمس شيئاً من البحر إلا يبس عنه الماء حتى يكون صخرة, فجعل نبي الله يعجب من ذلك حتى انتهى به الحوت إلى جزيرة من جزائر البحر فلقي الخضر بها, فسلم عليه فقال الخضر: وعليك السلام, وأنى يكون السلام بهذه الأرض, ومن أنت ؟ قال: أنا موسى, قال الخضر: صاحب بني إسرائيل ؟ قال: نعم, فرحب به وقال: ما جاء بك ؟ قال جئتك " على أن تعلمن مما علمت رشدا * قال إنك لن تستطيع معي صبرا " يقول: لا تطيق ذلك, قال: "ستجدني إن شاء الله صابراً ولا أعصي لك أمراً" قال: فانطلق به, وقال له: لا تسألني عن شيء أصنعه حتى أبين شأنه, فذلك قوله: "حتى أحدث لك منه ذكراً".
وقال الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن عباس أنه تمارى هو والحر بن قيس بن حصن الفزاري في صاحب موسى فقال ابن عباس : هو الخضر, فمر بهما أبي بن كعب فدعاه ابن عباس فقال: إني تماريت أنا وصاحبي هذا في صاحب موسى الذي سأل السبيل إلى لقيه, فهل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر شأنه ؟ قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "بينا موسى في ملأ من بني إسرائيل إذ جاءه رجل, فقال: تعلم مكان رجل أعلم منك ؟ قال: لا, فأوحى الله إلى موسى, بلى عبدنا خضر, فسأل موسى السبيل إلى لقيه, فجعل الله له الحوت آية, وقيل له: إذا فقدت الحوت فارجع فإنك ستلقاه, فكان موسى يتبع أثر الحوت في البحر, فقال فتى موسى لموسى: أرأيت إذ أويناإلى الصخرة, فإني نسيت الحوت, قال موسى "ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا" فوجدا عبدنا خضر, فكان من شأنهما ما قص الله في كتابه.
65- "فوجدا عبداً من عبادنا" هو الخضر في قول جمهور المفسرين، وعلى ذلك دلت الأحاديث الصحيحة، وخالف في ذلك من لا يعتد بقوله، فقال ليس هو الخضر بل عالم آخر، قيل سمي الخضر لأنه كان إذا صلى اخضر ما حوله، قيل واسمه بليا بن ملكان، ثم وصفه الله سبحانه فقال: "آتيناه رحمة من عندنا" قيل الرحمة هي النبوة، وقيل النعمة التي أنعم الله بها عليه "وعلمناه من لدنا علماً" وهو ما علمه الله سبحانه من علم الغيب الذي استأثر به، وفي قوله من لدنا تفخيم لشأن ذلك العلم، والرحلة في ذلك ما يدل على أنه لا ينبغي لأحد أن يترك طلب العلم وإن كان قد بلغ نهايته، وأن يتواضع لمن هو أعلم منه.
65 - " فوجدا عبداً من عبادنا آتيناه رحمة " ، أي نعمة ، " من عندنا وعلمناه من لدنا علماً " ، أي علم الباطن إلهاماً ، ولم يكن الخضر نبياً عند أكثر أهل العلم .
65."فوجدا عبداً من عبادنا"الجمهور على أنه الخضر عليه السلام واسمه بليا بن ملكان .وقيل اليسع . وقيل إلياس."آتيناه رحمةً من عندنا"هي الوحي والنبوة . "وعلمناه من لدنا علماً"مما يختص بنا ولا يعلم إلا بتوفيقنا وهو علم الغيوب.
65. Then found they one of Our slaves, unto whom We had given mercy from Us, and had taught him knowledge from Our presence.
65 - So they found one of our servants, on whom we had bestowed mercy from ourselves and whom we had taught knowledge from our own