[الكهف : 62] فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا
62 - (فلما جاوزا) ذلك المكان بالسير إلى وقت الغداء من ثاني يوم (قال) موسى (لفتاه آتنا غداءنا) هو ما يؤكل أول النهار (لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا) تعبا وحصوله بعد المجاوزة
يقول تعالى ذكره : " فلما جاوزا" موسى وفتاه مجمع البحرين ،" قال " موسى " لفتاه " يوشع " آتنا غداءنا" يقول : جئنا بغدائنا وأعطناه ، وقال : آتنا غداءنا، كما يقال : أتى الغداء وأتيته ، مثل ذهب وأذهبته ، " لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا" يقول : لقد لقينا من سفرنا هذا عناء وتعبا، وقال ذلك موسى، فيما ذكر، بعد ما جاوز الصخرة، حين ألقي عليه الجوع ليتذكر الحوت ، ويرجع إلى موضع مطلبه .
حتى إذا كان من الغد قال موسى لفتاه: " آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا " ولم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الذي أمر الله به، فقال له فتاه: " أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره ". وقيل: إن النسيان كان منهما لقوله تعالى: " نسيت " فنسب النسيان إليهما، وذلك أن بدو حمل الحوت كان من موسى لأنه الذي أمر به، فلما مضيا كان فتاه هو الحامل له حتى أويا إلى الصخرة نزلا، " فلما جاوزا " يعني الحوت هناك منسياً - أي متروكاً - فلما سأل موسى الغداء نسب الفتى النسيان إلى نفسه عند المخاطبة، وإنما ذكر الله نسيانهما عند بلوغ مجمع البحرين وهو الصخرة، فقد كان موسى شريكاً في النسيان، لأن النسيان التأخير، من ذلك قولهم في الدعاء: أنسأ الله في أجلك. فلما مضيا من الصخرة أخرا حوتهما عن حمله فلم يحمله واحد منهما، فجاز أن ينسب إليهما لأنهما مضيا وتركا الحوت.
قوله تعالى: " آتنا غداءنا " فيه مسألة واحدة، وهو اتخاذ الزاد في الأسفار، وهو رد على الصوفية الجهلة الأغمار، الذين يقتحمون المهامه والقفار، زعماً منهم أن ذلك هو التوكل على الله الواحد القهار، هذا موسى نبي الله وكليمه من أهل الأرض قد اتخذ الزاد مع معرفته بربه، وتوكله على رب العباد. وفي صحيح البخاري :
إن ناساً من أهل اليمن كانوا يحجون ولا يتزودون، ويقولون: نحن المتوكلون، فإذا قدموا سألوا الناس، فأنزل الله تعالى: " وتزودوا ". وقد مضى هذا في ((البقرة)). واختلف في زاد موسى ما كان، فقال ابن عباس: كان حوتاً مملوحاً في زنبيل، وكانا يصيبان منه غداء وعشاء، فلما انتهيا إلى الصخرة على ساحل الحر، وضع فتاه المكتل، فأصاب الحوت جري البحر فتحرك الحوت في المكتل، فقلب المكتل وانسرب الحوت، ونسي الفتى أن يذكر قصة الحوت لموسى. وقيل: إنما كان الحوت دليلاً على موضع الخضر لقوله في الحديث: " احمل معك حوتاً في مكتل فحيث فقدت الحوت فهو ثم "، على هذا فيكون تزودا شيئاً آخر غير الحوت، وهذا ذكره شيخنا الإمام أبو العباس واختاره. وقال ابن عطية: قال أبي رضي الله عنه: سمعت أبا الفضل الجوهري يقول في وعظه: مشى موسى إلى المناجاة فبقي أربعين يوماً لم يحتج إلى طعام، ولما مشى إلى بشر لحقه الجوع في بعض يوم. وقوله:" نصبا " أي تعباً، والنصب التعب والمشقة. وقيل: عنى به هنا الجوع، وفي هذا دليل على جواز الإخبار بما يجده الإنسان من الألم والأمراض، وأن ذلك لا يقدح في الرضا، ولا في التسليم للقضاء لكن إذا لم يصدر ذلك عن ضجر ولا سخط.
سبب قول موسى لفتاه وهو يوشع بن نون , هذا الكلام أنه ذكر له أن عبداً من عباد الله بمجمع البحرين عنده من العلم ما لم يحط به موسى, فأحب الرحيل إليه, وقال لفتاه ذلك "لا أبرح" أي لا أزال سائراً "حتى أبلغ مجمع البحرين" أي هذا المكان الذي فيه مجمع البحرين, قال الفرزدق:
فما برحوا حتى تهادت نساؤهم ببطحاء ذي قارعبات اللطائم
قال قتادة وغير واحد: هما بحر فارس مما يلي المشرق, وبحر الروم مما يلي المغرب, وقال محمد بن كعب القرظي : مجمع البحرين عند طنجة, يعني في أقصى بلاد المغرب, فالله أعلم. وقوله: "أو أمضي حقباً" أي ولو أني أسير حقباً من الزمان. قال ابن جرير رحمه الله: ذكر بعض أهل العلم بكلام العرب أن الحقب في لغة قيس سنة, ثم روي عن عبد الله بن عمرو أنه قال: الحقب ثمانون سنة. وقال مجاهد : سبعون خريفاً. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: "أو أمضي حقباً" قال: دهراً, وقال قتادة وابن زيد مثل ذلك.
وقوله: "فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما" وذلك أنه كان قد أمر بحمل حوت مملوح معه, وقيل له: متى فقدت الحوت, فهو ثمة, فسارا حتى بلغا مجمع البحرين, وهناك عين يقال لها عين الحياة, فناما هنالك, وأصاب الحوت من رشاش ذلك الماء, فاضطرب وكان في مكتل مع يوشع عليه السلام, وطفر من المكتل إلى البحر, فاستيقظ يوشع عليه السلام وسقط الحوت في البحر فجعل يسير في الماء والماء له مثل الطاق لا يلتئم بعده, ولهذا قال تعالى: " فاتخذ سبيله في البحر سربا " أي مثل السرب في الأرض. قال ابن جريج : قال ابن عباس : صار أثره كأنه حجر. وقال العوفي عن ابن عباس : جعل الحوت لا يمس شيئاً من البحر إلا يبس حتى يكون صخرة. وقال محمد بن إسحاق عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس , عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ذكر حديث ذلك: ما انجاب ماء منذ كان الناس غير مسير مكان الحوت الذي فيه, فانجاب كالكوة حتى رجع إليه موسى فرأى مسلكه, فقال: "ذلك ما كنا نبغ" وقال قتادة : سرب من البحر حتى أفضى إلى البر, ثم سلك فيه فجعل لا يسلك طريقاً فيه إلا صار ماء جامداً.
وقوله: "فلما جاوزا" أي المكان الذي نسيا الحوت فيه, ونسب النسيان إليهما وإن كان يوشع هو الذي نسيه, كقوله تعالى: "يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان" وإنما يخرج من المالح على أحد القولين, فلما ذهبا عن المكان الذي نسياه فيه بمرحلة "قال" موسى "لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا" أي الذي جاوزا فيه المكان "نصباً" يعني تعباً "قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره" قال قتادة : وقرأ ابن مسعود أن أذكر كه, ولهذا قال "واتخذ سبيله" أي طريقه " في البحر عجبا * قال ذلك ما كنا نبغ " أي هذا هو الذي نطلب "فارتدا" أي رجعا "على آثارهما" أي طريقهما "قصصاً" أي يقصان آثار مشيهما ويقفوان أثرهما "فوجدا عبداً من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علماً" وهذا هو الخضر عليه السلام, كما دلت عليه الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال البخاري : حدثنا الحميدي , حدثنا سفيان , حدثنا عمرو بن دينار , أخبرني سعيد بن جبير , قال: قلت لابن عباس : إن نوفاً البكالي يزعم أن موسى صاحب الخضر عليه السلام, ليس هو موسى صاحب بني إسرائيل. قال ابن عباس : كذب عدو الله, حدثنا أبي بن كعب رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن موسى قام خطيباً في بني إسرائيل فسئل: أي الناس أعلم ؟ قال: أنا, فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه, فأوحى الله إليه إن لي عبداً بمجمع البحرين هو أعلم منك. قال موسى: يا رب وكيف لي به ؟ قال: تأخذ معك حوتاً فتجعله بمكتل, فحيثما فقدت الحوت فهو ثم, فأخذ حوتاً فجعله بمكتل, ثم انطلق وانطلق معه فتاه يوشع بن نون عليه السلام, حتى إذا أتيا الصخرة وضعا رأسيهما فناما, واضطرب الحوت في المكتل, فخرج منه فسقط في البحر فاتخذ سبيله في البحر سربا, وأمسك الله عن الحوت جرية الماء, فصار عليه مثل الطاق, فلما استيقظ, نسي صاحبه أن يخبره بالحوت, فانطلقا بقية يومهما وليلتهما حتى إذا كان من الغد قال موسى لفتاه: "آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا" ولم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الذي أمره الله به, قال له فتاه: "أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا" قال: فكان الحوت سرباً, ولموسى وفتاه عجباً, فقال "ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصاً" قال: فرجعا يقصان أثرهما حتى انتهيا إلى الصخرة, فإذا رجل مسجى بثوب, فسلم عليه موسى فقال الخضر: وأنى بأرضك السلام. فقال: أنا موسى. فقال: موسى بني إسرائيل ؟ قال: نعم قال أتيتك لتعلمني مما علمت رشداً "قال إنك لن تستطيع معي صبراً" يا موسى إني على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه أنت وأنت على علم من علم الله علمكه الله لا أعلمه. فقال موسى "ستجدني إن شاء الله صابراً ولا أعصي لك أمراً" قال له الخضر: "فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكراً".
فانطلقا يمشيان على ساحل البحر فمرت سفينة, فكلموهم أن يحملوهم, فعرفوا الخضر فحملوهم بغير نول, فلما ركبا في السفينة لم يفجأ إلا والخضر قد قلع لوحاً من ألواح السفينة بالقدوم, فقال له موسى: قد حملونا بغير نول, فعمدت إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها ؟ لقد جئت شيئاً إمراً " قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا * قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا " قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله ـ فكانت الأولى من موسى نسياناً, قال: وجاء عصفور فوقع على حرف السفينة, فنقر في البحر نقرة أو نقرتين فقال له الخضر: ما علمي وعلمك في علم الله إلا مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر.
ثم خرجا من السفينة فبينما هما يمشيان على الساحل إذ أبصر الخضر غلاماً يلعب مع الغلمان, فأخذ الخضر رأسه فاقتلعه بيده فقتله, فقال له موسى " أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا * قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا " قال: وهذه أشد من الأولى, " قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا * فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض " أي مائلاً, فقال الخضر بيده "فأقامه" فقال موسى: قوم أتيناهم فلم يطعمونا ولم يضيفونا " لو شئت لاتخذت عليه أجرا * قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وددنا أن موسى كان صبر حتى يقص الله علينا من خبرهما" قال سعيد بن جبير : كان ابن عباس يقرأ " وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا " وكان يقرأ " وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين ".
ثم رواه البخاري عن قتيبة عن سفيان بن عيينة فذكر نحوه, وفيه: فخرج موسى ومعه فتاه يوشع بن نون ومعهما الحوت, حتى انتهيا إلى الصخرة, فنزلا عندها, قال: فوضع موسى رأسه فنام, قال سفيان : وفي حديث عن عمر قال: وفي أصل الصخرة عين يقال لها الحياة لا يصيب من مائها شيء إلا حيي فأصاب الحوت من ماء تلك العين, فتحرك وانسل من المكتل فدخل البحر, فلما استيقظ قال موسى لفتاه "آتنا غداءنا" قال: وساق الحديث, ووقع عصفور على حرف السفينة, فغمس منقاره في البحر, فقال الخضر لموسى: ما علمي وعلمك وعلم الخلائق في علم الله إلا مقدار ما غمس هذا العصفور منقاره وذكر تمامه بنحوه.
وقال البخاري أيضاً: حدثنا إبراهيم بن موسى , حدثنا هشام بن يوسف أن ابن جريج أخبرهم قال: أخبرني يعلى بن مسلم وعمرو بن دينار عن سعيد بن جبير , يزيد أحدهما على صاحبه, وغيرهما قد سمعته يحدث عن سعيد بن جبير قال: إنا لعند ابن عباس في بيته, إذ قال سلوني, فقلت: أي أبا عباس جعلني الله فداك, بالكوفة رجل قاص يقال له نوف يزعم أنه ليس بموسى بني إسرائيل, أما عمرو فقال لي قال: كذب عدو الله وأما يعلى فقال لي قال ابن عباس : حدثني أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "موسى رسول الله ذكر الناس يوماً حتى إذا فاضت العيون ورقت القلوب ولى, فأدركه رجل فقال: أي رسول الله هل في الأرض أعلم منك ؟ قال: لا, فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إلى الله, قيل: بلى, قال أي رب, وأين ؟ قال: بمجمع البحرين, قال: أي رب اجعل لي علماً أعلم ذلك به. قال لي عمرو : قال حيث يفارقك الحوت " , وقال لي يعلى : خذ حوتاً ميتاً حيث ينفخ فيه الروح, فأخذ حوتاً فجعله في مكتل فقال لفتاه: لا أكلفك إلا أن تخبرني بحيث يفارقك الحوت, قال: ما كلفت كبيراً, فذلك قوله: "وإذ قال موسى لفتاه" يوشع بن نون ليست عند سعيد بن جبير , قال: فبينما هو في ظل صخرة في مكان ثريان إذ يضرب الحوت وموسى نائم, فقال فتاه, لا أوقظه, حتى إذا استيقظ نسي أن يخبره, ويضرب الحوت حتى دخل في البحر فأمسك الله عنه جرية الماء حتى كأن أثره في حجر, قال: فقال لي عمرو : هكذا كأن أثره في حجر, وحلق بين إبهاميه واللتين تليهما, قال: "لقد لقينا من سفرنا هذا نصباً" قال: وقد قطع الله عنك النصب, ليست هذه عند سعيد بن جبير , أخبره فرجعا فوجدا خضراً قال: قال عثمان بن أبي سليمان : على طنفسة خضراء على كبد البحر, قال سعيد بن جبير : مسجى بثوب قد جعل طرفه تحت رجليه وطرفه عند رأسه, فسلم عليه موسى فكشف عن وجهه, وقال: هل بأرضي من سلام ؟ من أنت ؟ قال: أنا موسى, قال: موسى بني إسرائيل ؟ قال: نعم, قال: فما شأنك ؟ قال: جئتك لتعلمني مما علمت رشداً, قال: أما يكفيك أن التوراة بيديك وأن الوحي يأتيك يا موسى, إن لي علماً لا ينبغي لك أن تعلمه, وإن لك علماً لا ينبغي لي أن أعلمه, فأخذ طائر بمنقاره من البحر فقال: والله ما علمي وعلمك في جنب علم الله إلا كما أخذ هذا الطائر بمنقاره من البحر, حتى إذا ركبا في السفينة وجدا معابر صغاراً تحمل أهل هذا الساحل إلى هذا الساحل الاخر, عرفوه فقالوا: عبد الله الصالح, قال: فقلنا لسعيد بن جبير خضر, قال: نعم لا نحمله بأجر, فخرقها ووتد فيها وتداً, قال موسى "أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئاً إمراً" قال مجاهد : منكراً, "قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبراً" كانت الأولى نسياناً, والثانية شرطاً, والثالثة عمداً, " قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا * فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما فقتله ", قال يعلى : قال سعيد : وجد غلماناً يلعبون, فأخذ غلاماً كافراً ظريفاً فأضجعه ثم ذبحه بالسكين, فقال أقتلت نفساً زكية لم تعمل الحنث ؟ و ابن عباس قرأها زكية مسلمة كقولك غلاماً زكياً, فانطلقا فوجدا جداراً يريد أن ينقض فأقامه, قال سعيد : بيده هكذا ودفع بيده فاستقام, قال: لو شئت لاتخذت عليه أجراً, قال يعلى : حسبت أن سعيداً قال: فمسحه بيده فاستقام, قال: لو شئت لاتخذت عليه أجراً, قال سعيد : أجراً نأكله, وكان وراءهم ملك, وكان أمامهم, قرأها ابن عباس : أمامهم ملك يزعمون, عن غير سعيد , أنه هدد بن بدد, والغلام المقتول اسمه يزعمون جيسور ملك يأخذ كل سفينة غصباً, فأردت إذا هي مرت به أن يدعها بعيبها, فإذا جاوزوا أصلحوها فانتفعوا بها, منهم من يقول سدوها بقارورة, ومنهم من يقول بالقار, كان أبواه مؤمنين, وكان هو كافراً, فخشينا أن يرهقهما طغياناً وكفراً أن يحملهما حبه على أن يتابعاه على دينه, فأردنا أن يبدلهما ربهما خيراً منه زكاة, كقوله: "أقتلت نفساً زكية", وقوله: "وأقرب رحماً" هما به أرحم منهما بالأول الذي قتل خضر, وزعم غير سعيد بن جبير أنهما أبدلا جارية, وأما داود بن أبي عاصم فقال عن غير واحد: إنها جارية.
قال عبد الرزاق : أخبرنا معمر عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس قال: خطب موسى عليه السلام بني إسرائيل فقال: ما أحد أعلم بالله وبأمره مني, فأمر أن يلقى هذا الرجل فذكر نحو ما تقدم بزيادة ونقصان, والله أعلم. وقال محمد بن إسحاق عن الحسن بن عمارة , عن الحكم بن عتيبة عن سعيد بن جبير قال: جلست عند ابن عباس وعنده نفر من أهل الكتاب, فقال بعضهم: يا أبا العباس إن نوفاً ابن امرأة كعب يزعم عن كعب أن موسى النبي الذي طلب العالم إنما هو موسى بن ميشا, قال سعيد : فقال ابن عباس : أنوف يقول هذا يا سعيد ؟ فقلت له: نعم أنا سمعت نوفاً يقول ذلك, قال: أنت سمعته يا سعيد ؟ قال: نعم, قال: كذب نوف.
ثم قال ابن عباس : حدثني أبي بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن موسى بني إسرائيل سأل ربه, فقال: أي رب إن كان في عبادك أحد هو أعلم مني فدلني عليه, فقال له: نعم في عبادي من هو أعلم منك, ثم نعت له مكانه وأذن له في لقيه, فخرج موسى ومعه فتاه ومعه حوت مليح, قد قيل له: إذا حيي هذا الحوت في مكان, فصاحبك هنالك وقد أدركت حاجتك, فخرج موسى ومعه فتاه ومعه ذلك الحوت يحملانه, فسار حتى جهده السير وانتهى إلى الصخرة وإلى ذلك الماء, وذلك الماء ماء الحياة, من شرب منه خلد ولا يقارنه شيء ميت إلا حيي, فلما نزلا ومس الحوت الماء حيي, فاتخذ سبيله في البحر سربا, فانطلقا فلما جاوزا النقلة قال موسى لفتاه: آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا, قال الفتى وذكر: أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة, فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره, واتخذ سبيله في البحر عجبا, قال ابن عباس فظهر موسى على الصخرة حتى إذا انتهيا إليها, فإذا رجل متلفف في كساء له, فسلم موسى عليه فرد عليه السلام, ثم قال له: ما جاء بك إن كان لك في قومك لشغل ؟ قال له موسى: جئتك لتعلمني مما علمت رشداً. قال: إنك لن تستطيع معي صبرا, وكان رجلاً يعلم علم الغيب, قد علم ذلك, فقال موسى: بلى. قال: "وكيف تصبر على ما لم تحط به خبراً" أي إنما تعرف ظاهر ما ترى من العدل, ولم تحط من علم الغيب بما أعلم "قال ستجدني إن شاء الله صابراً ولا أعصي لك أمراً" وإن رأيت ما يخالفني, قال: "فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء" وإن أنكرته "حتى أحدث لك منه ذكرا" فانطلقا يمشيان على ساحل البحر يتعرضان الناس يلتمسان من يحملهما, حتى مرت بهما سفينة جديدة وثيقة لم يمر بهما من السفن شيء أحسن, ولا أجمل ولا أوثق منها, فسأل أهلها أن يحملوهما فحملوهما, فلما أطمأنا فيها ولجت بهما مع أهلها, أخرج منقاراً له ومطرقة, ثم عمد إلى ناحية فضرب فيها بالمنقار حتى خرقها, ثم أخذ لوحاً فطبقه عليها, ثم جلس عليها يرقعها, فقال له موسى ورأى أمراً أفظع به "أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئاً إمراً * قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا * قال لا تؤاخذني بما نسيت" أي بما تركت من عهدك "ولا ترهقني من أمري عسراً" ثم خرجا من السفينة, فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية, فإذا غلمان يلعبون خلفها, فيهم غلام ليس في الغلمان أظرف منه, ولا أثرى ولا أوضأ منه فأخذه بيده وأخذ حجراً فضرب به رأسه حتى دمغه فقتله, قال: فرأى موسى أمراً فظيعاً لا صبر عليه, صبي صغير قتله لا ذنب له, قال: "أقتلت نفساً زكية" أي صغيرة "بغير نفس لقد جئت شيئاً نكراً * قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبراً * قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا" أي قد أعذرت في شأني "فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جداراً يريد أن ينقض" فهدمه ثم قعد يبنيه, فضجر موسى مما يراه يصنع من التكليف وما ليس له عليه صبر فأقامه, قال: "لو شئت لاتخذت عليه أجراً" أي قد استطعمناهم فلم يطعمونا وضفناهم فلم يضيفونا, ثم قعدت تعمل من غير صنيعة, ولو شئت لأعطيت عليه أجراً في عمله, قال: " هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا * أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا " وفي قراءة ابن كعب " كل سفينة غصبا " وإنما عبتها لأرده عنها, فسلمت منه حين رأى العيب الذي صنعت بها, " وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا * فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما ". "وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك وما فعلته عن أمري" أي ما فعلته عن نفسي "ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا" فكان ابن عباس يقول: ما كان الكنز إلا علماً, وقال عوفي عن ابن عباس قالا: لما ظهر موسى وقومه على مصر أنزل قومه مصر, فلما استقرت بهم الدار أنزل الله أن ذكرهم بأيام الله, فخطب قومه فذكر ما آتاهم الله من الخير والنعمة, وذكرهم إذ نجاهم الله من آل فرعون, وذكرهم هلاك عدوهم وما استخلفهم الله في الأرض, وقال: كلم الله نبيكم تكليماً واصطفاني لنفسه, وأنزل علي محبة منه, وآتاكم الله من كل ما سألتموه, فنبيكم أفضل أهل الأرض وأنتم تقرؤون التوراة, فلم يترك نعمة أنعم الله عليهم إلا وعرفهم إياها, فقال له رجل من بني إسرائيل: هم كذلك يا نبي الله قد عرفنا الذي تقول: فهل على الأرض أحد أعلم منك يا نبي الله ؟ قال: لا. فبعث الله جبرائيل إلى موسى عليه السلام فقال: إن الله يقول: وما يدريك أين أضع علمي, بلى إن لي على شط البحر رجلاً هو أعلم منك. قال ابن عباس : هو الخضر, فسأل موسى ربه أن يريه إياه, فأوحى إليه أن ائت البحر, فإنك تجد على شط البحر حوتاً, فخذه فادفعه إلى فتاك ثم الزم شاطىء البحر, فإذا نسيت الحوت وهلك منك, فثم تجد العبد الصالح الذي تطلب. فلما طال سفر موسى نبي الله ونصب فيه سأل فتاه عن الحوت, فقال له فتاه وهو غلامه " أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره " لك, قال الفتى: لقد رأيت الحوت حين اتخذ سبيله في البحر سرباً فأعجب من ذلك, فرجع موسى حتى أتى الصخرة, فوجد الحوت, فجعل الحوت يضرب في البحر ويتبعه موسى, وجعل موسى يقدم عصاه يفرج بها عنه الماء يتبع الحوت, وجعل الحوت لا يمس شيئاً من البحر إلا يبس عنه الماء حتى يكون صخرة, فجعل نبي الله يعجب من ذلك حتى انتهى به الحوت إلى جزيرة من جزائر البحر فلقي الخضر بها, فسلم عليه فقال الخضر: وعليك السلام, وأنى يكون السلام بهذه الأرض, ومن أنت ؟ قال: أنا موسى, قال الخضر: صاحب بني إسرائيل ؟ قال: نعم, فرحب به وقال: ما جاء بك ؟ قال جئتك " على أن تعلمن مما علمت رشدا * قال إنك لن تستطيع معي صبرا " يقول: لا تطيق ذلك, قال: "ستجدني إن شاء الله صابراً ولا أعصي لك أمراً" قال: فانطلق به, وقال له: لا تسألني عن شيء أصنعه حتى أبين شأنه, فذلك قوله: "حتى أحدث لك منه ذكراً".
وقال الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن عباس أنه تمارى هو والحر بن قيس بن حصن الفزاري في صاحب موسى فقال ابن عباس : هو الخضر, فمر بهما أبي بن كعب فدعاه ابن عباس فقال: إني تماريت أنا وصاحبي هذا في صاحب موسى الذي سأل السبيل إلى لقيه, فهل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر شأنه ؟ قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "بينا موسى في ملأ من بني إسرائيل إذ جاءه رجل, فقال: تعلم مكان رجل أعلم منك ؟ قال: لا, فأوحى الله إلى موسى, بلى عبدنا خضر, فسأل موسى السبيل إلى لقيه, فجعل الله له الحوت آية, وقيل له: إذا فقدت الحوت فارجع فإنك ستلقاه, فكان موسى يتبع أثر الحوت في البحر, فقال فتى موسى لموسى: أرأيت إذ أويناإلى الصخرة, فإني نسيت الحوت, قال موسى "ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا" فوجدا عبدنا خضر, فكان من شأنهما ما قص الله في كتابه.
ولهذا قال سبحانه: 62- "فلما جاوزا" أي مجمع البحرين الذي جعل موعداً للملاقاة "قال لفتاه آتنا غداءنا" وهو ما يؤكل بالغداة، وأراد موسى أن يأتيه بالحوت الذي حملاه معهما "لقد لقينا من سفرنا هذا نصباً" أي تعباً وإعياءً، قال المفسرون: الإشارة بقوله "سفرنا هذا" إلى السفر الكائن منهما بعد مجاوزة المكان المذكور، فإنهما لم يجدا النصب إلا في ذلك دون ما قبله.
62 - قوله تعالى : " فلما جاوزا " ، يعني ذلك الموضع وهو مجمع البحرين ، " قال " ، موسى، " لفتاه آتنا غداءنا " ، أي طعامنا ، والغداء ما يعد للأكل غدوة ، والعشاء ما يعد للأكل عشية ، " لقد لقينا من سفرنا هذا نصباً " ، أي : تعباً وشدة ، وذلك أنه ألقى على موسى الجوع بعد مجاوزة الصخرة ، ليتذكر الحوت ويرجع إلى مطلبه .
62."فلما جاوزاً "مجمع البحرين."قال لفتاه آتنا غداءنا"ما نتغدى به ."لقد لقينا من سفرنا هذا نصباً"قيل لم ينصب حتى جاوز المرعد فلما جاوزه وسار الليلة والغد إلى الظهر ألقي عليه الجوع والنصب.وقيل لم يعي موسى في سفر غيره ويؤيده التقييد باسم الإشارة .
62. And when they had gone further, he said unto his servant: Bring us our breakfast. Verily we have found fatigue in this our journey.
62 - When they had passed on (some distance), Moses said to his attendant: bring us our early meal; truly we have suffered much fatigue at this (stage of) our journey.