[الكهف : 18] وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا
وتحسبهم) لو رأيتهم (أيقاظا) أي منتبهين لأن أعينهم منتفخة جمع يقظ بكسر القاف (وهم رقود) نيام جمع راقد (ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال) لئلا تأكل الأرض لحومهم (وكلبهم باسط ذراعيه) يديه (بالوصيد) بفناء الكهف وكانوا إذا انقلبوا انقلب هو مثلهم في النوم واليقظة (لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت) بالتشديد والتخفيف (منهم رعبا) بسكون العين وضمها منعهم الله بالرعب من دخول أحد عليهم
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : وتحسب يا محمد هؤلاء الفتية الذين قصصنا عليك قصتهم ، لو رأيتهم في حال ضربنا على آذانهم في كهفهم الذي أووا إليه أيقاظا . والأيقاظ : جمع يقظ ، ومنه قول ، ا لرا جز :
ووجدوا إخوتهم أيقاظا ولسيف غياظ لهم غياظا
وقوله " وهم رقود" يقول : وهم نيام . والرقود : جمع راقد، كالجلوس : جمع جالس ، والقعود : جمع قاعد. وقوله " ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال " يقول جل ثناؤه : ونقلب هؤلاء الفتية في رقدتهم مرة للجنب الأيمن ، ومرة للجنب الأيسر.
كما حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله " ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال " وهذا التقليب في رقدتهم الأولى . قال : وذكر لنا أن أبا عياض قال : لهم في كل عام تقليبتان
حدثت عن يزيد ، قال : أخبرنا سفيان بن حسين ، عن يعلى بن مسلم ،عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس " ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال" قال : لو أنهم لا يقلبون لأكلتهم الأرض . وقوله " وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد" اختلف أهل التاويل في الذي عنى الله بقوله " وكلبهم باسط ذراعيه " فقال بعضهم : هو كلب من كلابهم كان معهم . وقد ذكرنا كثيرا ممن قال ذلك فيما مضى . وقال بعضهم : كان إنسانا من الناس طباخا لهم تبعهم . وأما الوصيد، فإن أهل التاويل اختلفوا في تاويله ، فقال بعضهم : هو الفناء .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله " بالوصيد" يقول : بالفناء .
حدثنا محمد بن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن بن مهدي ، قال : ثنا محمد بن أبي الوضاح ، عن سالم الأفطس ، عن سعيد بن جبير " وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد" قال : با الفناء .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ؟ ؟وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد " بالوصيد" قال : بالفناء .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد " بالوصيد" قال : بالفناء.
قال ابن جريج : يمسك باب الكهف .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة " وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد" يقول : بفناء الكهف .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال ؟ أخبرنها معمر ، عن قتادة ، قوله " بالوصيد" قال : بفناء الكهف .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله " بالوصيد" قال : يعني بالفناء . وقال اخرون : الوصيد : الصعيد. ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله " وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد" يعني فناءهم ، ويقال : الوصيد : الصعيد.
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يعقوب ، عن هارون ، عن عنترة عن سعيد بن جبير ، في قوله : " وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد" قال : الوصيد : الصعيد .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا الحكم بن بشير ، عن عمرو ، في قوله " وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد" قال : الوصيد : الصعيد، التراب . وقال آخرون : الوصيد الباب . ذكر من قال ذلك :
حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة ، قال : ثنا أبو عاصم ، عن شبيب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس " وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد " قال : بالباب ، وقالوا بالفناء . وأولى الأقوال في ذلك بالصواب ، قول من قال : الوصيد : الباب ، أو فناء الباب حيث يغلق الباب ، وذلك أن الباب يوصد، لايصاده : إطباقه لاغلاقه من قول الله عز وجل " إنها عليهم مؤصدة" وفيه لغتان : الأصيد، وهي لغة أهال نجد، والوصيد: وهي لغة أهل تهامة، وذكر عن أبي عمرو بن العلاء ، قال : إنها لغة أهك اليمن ، وذلك نظير قولهم ورخت الكتاب وأرخته ، ووكدت الأمر وأكدته ، فمن قال الوصيد، قال : أوصدت الباب فانا أوصده ، وهو موصد، ومن قال الأصيد، قال : آصدت الباب فهو مؤصد، فكان معنى الكلام : وكلبهم باسط ذراعيه بفناء كهفهم عند الباب ، يحفظ عليهم بابه .
وقوله " لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا" يقول : لو اطلعت عليهم في رقدتهم التي رقدوها في كهفهم ، لأدبرت عنهم هاربا منهم فارا " ولملئت منهم رعبا" يقول : ولملئت نفسك من اطلاعك عليهم فزعا، لما كان الله ألبسهم من الهيبة، كي لا يصل إليهم واصل ، ولا تلمسهم يد لامس حتى يبلغ الكتاب فيهم أجله ، وتوقظهم من رقدتهم قدرته وسلطانه في الوقت الذي أراد أن يجعلهم عبرة لمن شاء من خلقه ، وآية لمن أراد الاحتجاج بهم عليه من عباده ، ليعلموا أن وعد الله حق ، وأن الساعة آتية لا ريب فيها.
واختلفت القراء في قراءة قوله " ولملئت منهم رعبا" فقرأته عامة قراء المدينة بتشديد اللام من قوله " ولملئت " بمعنى أنه كان يمتلىء مرة بعد مرة . وقرأ ذلك عامة قراء العراق " ولملئت " بالتخفيف ، بمعنى : لملئت مرة، وهما عندنا قراءتان مستفيضتان في القراءة، متقاربتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب.
قوله تعالى : " وهم رقود " كقولهم : وهم قوم ركوع وسجود وقعود ، فوصف الجمع بالمصدر . " ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال " قال ابن عباس : لئلا تأكل الأرض لحومهم . وقال أبو هريرة :أن لهم في كل عام تقليبتان . وقيل : في كل سنة مرة .وقال مجاهد : في كل سبع سنين مرة . وقالت فرقة : إنما قلبوا في التسع الأواخر ، وأما في الثلثمائة فلا . وظاهر كلام المفسرين أن التقلب كان من فعل الله ، ويجوز أن يكون من ملك بأمر الله ، فيضاف إلى الله تعالى .
قوله تعالى : " وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد " فيه أربع مسائل :
الأولى : قوله تعالى : " وكلبهم " قال عمرو بن دينار : إن مما أخذ على العقرب ألا تضر أحداً قال في ليله : صلى الله على نوح . وإن مما أخذ على الكلب ألا يضر من حمل عليه [ إذا قال ] : وكلهم باسط ذراعيه بالوصيد . أكثر المفسرين على أنه كلب حقيقة ، وكان لصيد أحدهم أو لزرعه أو غنمه ، على ما قال مقاتل . واختلف في لونه اختلافاً كثيراً ، ذكره الثعلبي . وتحصيله . أي لون ذكرت أصبت ، حتى قيل لون الحجر وقيل لون السماء . واختلف أيضاً في اسمه ، فعن علي : ريان .ابن عباس : قطمير. الأوزاعي : مشير . عبد الله بن سلام : بسيط . كعب : صهيباً . عندنا اليوم جائز في شرعنا . قال ابن عباس : هربوا ليلاً ، وكانوا سبعة فمروا براع معه كلب فاتبعهم على دينهم . وقال كعب : مروا بكلب فنبح لهم فطردوه فعاد فطروه مراراً ، فقام الكلب على رجليه ورفع يديه إلى السماء كهيئة الداعي ، فنطق فقال : لا تخافوا مني ! أنا أحب أبحاء الله تعالى فناموا حتى أحرسكم .
الثاني : ورد في الصحيح عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من اقتنى كلباً إلا كلب صيد أو ماشية نقص من أجره كل يوم قيراطان " وروى الصحيح أيضاً عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من اتخذ كلباً إلا كلب ماشية أو صيد أو زرع انتقص من أجره كل يوم قيراط " قال الزهري : وذكر لابن عمر قال أبي هريرة فقال : يرحم الله أبا هريرة !كان صاحب زرع . فقد دلت السنة الثابتة على اقتناء الكلب للصيد والزرع والماشية . وجعل النقص في أجر من اقتناها على غير ذلك من المنفعة ، إما لترويع الكلب المسلمين وتشويشه عليهم بنباحه ، أو لمنع دخول الملائكة البيت ، أو ليجاسته ، على ما يراه الشافعي ، أو لا قتحام النهي عن اتخاذ ما لا منفعة فيه ، والله أعتلم . وقال في إحدى الروايتين ( قيراطان) وفي الأخرى ( قيراط ) . وذلك يحتمل أن يكون في نوعين من الكلاب أحدهما أشد أذى من الآخر ، وكالأسود الذي أمر عليه السلام بقتله ، ولم يدخله في الاستثناء حين نهى عن قتلها كما هو منصوص في حديث جابر ، أخرجه الصحيح وقال (عليكم بالأسود البهيم ذي النقتين فإنه شيطان ) ويحتمل أن يكون ذلك لاختلاف المواضع ، فيكون ممسكه بالمدينة مثلاً أو بمكة ينقص قيراطان ويغيرها قيراط وأما المباح اتخاذه فلا ينقص ، كالفرس والهرة . والله أعلم .
الثالثة : وكلب الماشية المباح اتخاذه عند مالك هو الذي يسرح معها ، لا الذي حفظها في الدار من السراق . وكل الزرع هو الذي يحفظها من الوحوش بالليل أو بالنهار لا من السراق . وقد أجاز غير مالك اتخاذها لسراق الماشية والزرع . وقد تقدم في ( المائدة ) من أحكام الكلاب ما فيه كفاية ، والحمد لله .
الرابعة : قال ابن عطية : وحدثني أبي رضي الله عنه قال سمعت أبا الفضل الجوهري في جامع مصر يقول على منبر وعظه سنة تسع وستين وأربعمائة : إن من أحب أهل الخير نال من بركتهم ، كلب أحب أهل فضل وصحبهم فذكره الله في محكم تنزيله . قلت : إذا كان بعض الكلاب قد نال هذه الدرجة العليا بصحبته ومخالطته الصلحاء والأولياء حتى أخبر الله تعالى بذلك في كتابه جل وعلا فما ظنك بالمؤمنين الموحديث المخالطين المحبين للنبي صلى الله عليه وسلم وآله خير آل . روى الصحيح "عن أنس بن مالك قال : بينا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خارحان من المسجد فلقينا رجل عن سدة المسجد فقال : يا رسول الله ، متى الساعة ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما أعددت لها قال : فكأن الرجل استكان ، ثم قال : يا رسول الله ت، ما أعددت لها كثير صلاة ولا صيام ولا صدقة ، ولكني أحب الله ورسوله . قال : ( فأنت مع من أحببت ) في رواية قال أنس بن مالك : فما فرحنا بعد الإسلام فرحاً أشد من قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( فأنت مع من أحببت ) قال أنس : فأنا أحب الله ورسوله وأبا بكر وعمر ، فأرجوا أن أكون معهم وإن لم أعمل بأعمالهم .
قلت : وهذا الذي تمسك به أنس يشمل من المسلمين كل ذي نفس ، فكذلك تعلقت أطماعنا بذلك وإن كنا مقصرين ، ورجونا رحمة الرحمن وإن كنا غير مستأهلين ، كلب أحب قوماً فذكره الله معهم ! فكيف بنا وعندنا عقد الإيمان وكلمة الإسلام ، وحب النبي صلى الله عليه وسلم " ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا " [ الإسلاء : 70] .وقالت فرقة : لم يكن كلباً حقيقة ، وإنما كان أحدهم ، وكان قد قعد عند باب الغار طليعة لهم ، كما سمي النجم التابع للجوزاء كلباً ، لأنه منها كالكلب من الإنسان ، ويقال له : كلب الجبار : قال ابن عطية : فسمي باسم الحيوان الملازم لذلك الموضع أما إن هذا القول يضعفه ذكر بسط الذراعبن فإنها في العرف من صفة الكلب حقيقة ، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم : ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب " وقد حكى أبو عمر بن المطرز في كتاب اليواقيت أنه قرئ ( وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد ) فيحتمل أن يريد بالكالب هذا الرجل على ما روى ، إذ بسط الذراعين واللصوق بالأرض مع رفع الوجه للتطلع هي هيئة الريبة المستخفي بنفسسه . ويحتمل أن يريد بالكالب الكلب . وقرأ جعفر بن محمد الصادق ( وكلبهم ) يعني صاحب الكلب .
قوله تعالى : " باسط ذراعيه " أعمل اسم الفاعل وهو بمعنى المضء ، لأنها حكاية حال ولم يقصد الإخبار عن فعل الكلب . والذراع من طرف المرفق إلى ضرف الأصبع الوسطى . ثم قيل : بسط ذراعيه لطول المدة . وقيل :نام الكلب ، وكان ذلك من الآيات . وقيل : نام مفتوح العين . والوصيد : الفناء ، قاله ابن عباس و مجاهد و ابن جبير ، وأي فناء الكهف ،والجمع وصائد ووصد . وقيل الباب . وقاله ابن عباس أيضاً . وأنشد :
بأرض فضاء لا يسد وصيدها علي ومعروفي بها غير منكر
وقد تقدم . وقال عطاء : عتبة الباب ، والباب الموصد هو المغلق . وقد أوصدت الباب وآصدته أي أغلقته . والوصيد : النبات المتقارب الأصول ، فهو مشترك ، والله أعلم .
قوله تعالى : " لو اطلعت عليهم " قرأ الجمهور بكسر الواو . و الأعشى و يحيى بن وثاب بضمها . " لوليت منهم فرارا" أي لو أشرفت عليهم لهربت منه . " ولملئت منهم رعبا " أي لما حفهم الله تعالى من الرعب واكتنفهم من الهيبة . وقيل : لوحشة مكانهم ، وكأنهم آواهم الله إلى هذا المكان الوحش في الظاهر لبنفر الناسس عنهم . وقيل : كان الناس محجوبين عنهم بالرعب ، لا يجسر أحد منهم على الدنو إليهم . وقيل : الفرار منهم لطول شعورهم وأظفارهم ، ذكره المهدوي و النحاس و الزجاج و القشيري . وهذا بعيد ، لأنهم لما استيقظوا قال بعضهم لبعض : لبثنا يوما أو بعض يوم . ودل هذا على أن شعورهم وأظفارهم كانت بحالها ، إلا أن يقال : إنما قالوا ذلك قبل أن ينظروا إلى أظافرهم وشعورهم . قال ابن عطية : والصحيح في أمرهم أن الله عز وجل حفظ لهم الحالة التي ناموا عليها لتكون لهم ولغيرهم فيهم آية ، فلم يبل لهم ثوب ولم يتغير صفة ، ولم ينكر الناهض إلى المدينة إلا معالم الأرض والبناء ، ولو كانت في نفسه حالة ينكرها لكانت عليه أهم . وقرأ نافع و ابن كثير وابن عباس وأهل مكة والمدينة ( لملئت منهم ) بتشديد اللام على تضعيف أشهر في اللغة . وقد جاء التثقيل في قول المخبل السعدي :
وإذ فتك النعمان بالناس محرماً فملئ من كعب بن عوف سلاسله
وقرأ الجمهور ( رعباً) بإسكان العين . وقرأ بضمها أبو جعفر .قال أبو حاتم : ههما لغتان . و(فرار ) نصب على الحال و(رعباً ) مفعو ثان أو تمييز .
ذكر بعض أهل العلم أنهم لما ضرب الله على آذانهم بالنوم, لم تنطبق لئلا يسرع إليها البلى, فإذا بقيت ظاهرة للهواء كان أبقى لها, ولهذا قال تعالى: "وتحسبهم أيقاظاً وهم رقود" وقد ذكر عن الذئب أنه ينام فيطبق عيناً ويفتح عيناً, ثم يفتح هذه ويطبق هذه وهو راقد, كما قال الشاعر:
ينام بإحدى مقلتيه ويتقي بأخرى الرزايا فهو يقظان نائم
وقوله تعالى: " ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال " قال بعض السلف: يقلبون في العام مرتين. قال ابن عباس : لولم يقلبوا لأكلتهم الأرض. قوله "وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد" قال ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وقتادة : الوصيد الفناء, وقال ابن عباس : بالباب. وقيل: بالصعيد وهو التراب, والصحيح أنه بالفناء وهو الباب, ومنه قوله تعالى: "إنها عليهم مؤصدة" أي مطبقة مغلقة, ويقال: وصيد وأصيد, ربض كلبهم على الباب كما جرت به عادة الكلاب, قال ابن جريج : يحرس عليهم الباب, وهذا من سجيته وطبيعته حيث يربض ببابهم كأنه يحرسهم, وكان جلوسه خارج الباب, لأن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه كلب, كما ورد في الصحيح ولا صورة ولا جنب ولا كافر, كما ورد به الحديث الحسن, وشملت كلبهم بركتهم فأصابه ما أصابهم من النوم على تلك الحال, وهذا فائدة صحبة الأخبار, فإنه صار لهذا الكلب ذكر وخبر وشأن. وقد قيل: إنه كان كلب صيد لأحدهم, وهو الأشبه, وقيل: كلب طباخ الملك, وقد كان وافقهم على الدين وصحبه كلبه, فالله أعلم.
وقد روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة همام بن الوليد الدمشقي : حدثنا صدقة بن عمر الغساني , حدثنا عباد المنقري , سمعت الحسن البصري يقول: كان اسم كبش إبراهيم عليه الصلاة والسلام جرير, واسم هدهد سليمان عليه السلام عنقز, واسم كلب أصحاب الكهف قطمير, واسم عجل بني إسرائيل الذي عبدوه بهموت, وهبط آدم عليه السلام بالهند, وحواء بجدة, وإبليس بدست بيسان, والحية بأصفهان, وقد تقدم عن شعيب الجبائي أنه سماه حمران, واختلفوا في لونه على أقوال لا حاصل لها ولا طائل تحتها ولا دليل عليها ولا حاجة إليها, بل هي مما ينهى عنه, فإن مستندها رجم بالغيب.
وقوله تعالى: "لو اطلعت عليهم لوليت منهم فراراً ولملئت منهم رعباً" أي أنه تعالى ألقى عليهم المهابة بحيث لا يقع نظر أحد عليهم إلا هابهم لما ألبسوا من المهابة والذعر, لئلا يدنو منهم أحد ولا تمسهم يد لامس, حتى يبلغ الكتاب أجله, وتنقضي رقدتهم التي شاء تبارك وتعالى فيهم, لما له في ذلك من الحكمة والحجة البالغة والرحمة الواسعة.
ثم حكى سبحانه طرفاً آخر من غرائب أحوالهم فقال: 18- "وتحسبهم أيقاظاً" جمع يقظ بكسر القاف وفتحها "وهم رقود" أي نيام، وهو جمع راقد كقعود في قاعد. قيل وسبب هذا الحسبان أن عيونهم كانت مفتحة وهم نيام. وقال الزجاج: لكثرة تقلبهم "ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال" أي نقلبهم في رقدتهم إلى الجهتين لئلا تأكل الأرض أجسادهم "وكلبهم باسط ذراعيه" حكاية حال ماضية، لأن اسم الفاعل لا يعمل إذا كان بمعنى المضي كما تقرر في علم النحو. قال أكثر المفسرين: هربوا من ملكهم ليلاً، فمروا براع معه كلب فتبعهم. والوصيد. قال أبو عبيد وأبو عبيدة هو فناء الباب، وكذا قال المفسرون، وقيل العتبة، ورد بأن الكهف لا يكون له عتبة ولا باب، وإنما أراد أن الكلب موضع العتبة من البيت "لو اطلعت عليهم لوليت منهم فراراً" قال الزجاج: فراراً منصوب على المصدرية بمعنى التولية، والفرار: الهرب "ولملئت" قرئ بتشديد اللام وتخفيفها "منهم رعباً" قرئ بسكون العين وضمها أي خوفاً يملأ الصدر، وانتصاب رعباً على التمييز، أو على أنه مفعول ثان، سبب الرعب الهيبة التي ألبسهم الله إياها، وقيل طول أظفارهم وشعورهم وعظم أجرامهم ووحشة مكانهم، ويدفعه قوله تعالى: "لبثنا يوماً أو بعض يوم" فإن ذلك يدل على أنهم لم ينكروا من حالهم شيئاً، ولا وجدوا من أظفارهم وشعورهم ما يدل على طول المدة.
18 - قوله تعالى : " وتحسبهم أيقاظاً " أي : منتبهين جمع يقظ ، ويقظ ، " وهم رقود " ، نيام ، جمع راقد مثل قاعد وقعود ، وإنما اشتبه حالهم لأنهم كانوا مفتحي الأعين يتنفسون ولا يتكلمون .
" ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال " ، مرة للجنب الأيمن ومرة للجنب الأيسر . قال ابن عباس : كانوا يقلبون في السنة مرة من جانب إلى جانب لئلا تأكل الأرض لحومهم . وقيل كان يوم عاشوراء يوم تقلبهم . وقال أبو هريرة : كان لهم في كل سنة تقلبان .
" وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد " ، أكثر أهل التفسير على أنه كان من جنس الكلاب .
وروي عن ابن جريج : أنه كان أسداً وسمي الأسد كلباً ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم دعا على عتبة بن أبي لهب فقال " اللهم سلط عليه كلباً من كلابك " فافترسه أسد .
والأول أصح .
قال ابن عباس : كان كلباً أغر . ويروى عنه : فوق القلطي ودون الكردي ، [ والقلطي : كلب صيني ] .
وقال مقاتل كان أصفر. وقال القرظي : كان شدة صفرته تضرب إلى الحمرة . وقال الكلبي : لونه كالخلنج . وقيل : لون الحجر .
قال ابن عباس : كان اسمه قطمير . عن علي : اسمه ريان . وقال الأوزاعي : بتور . وقال السدي : تور . وقال كعب صهيلة .
قال خالد بن معدان : ليس في الجنة شيء من الدواب سوى كلب أصحاب الكهف وحمار بلعام .
قوله " بالوصيد " قال مجاهد و الضحاك : ( والوصيد ) : فناء الكهف . وقال عطاء : ( الوصيد ) عبتة الباب . قوال السدي : ( الوصيد ) الباب ، وهو رواية عكرمة عن ابن عباس .
فإن قيل : لم يكن للكهف باب ولا عتبة ؟
قيل : معناه موضع الباب والعتبة ، كان الكلب قد بسط ذراعيه وجعل وجهه عليهم .
قال السدي : كان أصحاب الكهف إذا انقلبوا انقلب الكلب معهم ، وإذا انقلبوا إلى اليمين كسر الكلب أذنه اليمنى ورقد عليها ، وإذا انقلبوا إلى الشمال كسر أذنه اليسرى ورقد عليها .
" لو اطلعت عليهم " ، يا محمد ، " لوليت منهم فراراً " ، لما ألبسهما لله من الهيبة حتى لا يصل إليهم أحد ، حتى يبلغ الكتاب أجله فيوقظهم الله تعالى من رقدتهم، " ولملئت منهم رعباً " ، خوفاً ، قرأ أهل الحجاز بتشديد اللام والآخرون بتخفيفها .
واختلفوا في أن الرعب كان لماذا : قيل من وحشة المكان .
وقال الكلبي : لأن أعينهم كانت مفتحة ، كالمستيقظ الذي يريد أن يتكلم ، وهو نيام .
وقيل : لكثرة شعورهم ، وطول أظفارهم ، ولتقلبهم من غير حس ولا إشعار .
وقيل : إن الله تعالى منعهم بالرعب لئلا يراهم أحد .
وروي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : غزونا مع معاوية نحو الروم فمررنا بالكهف الذي فيه أصحاب الكهف ، فقال معاوية : لو كشف لنا عن هؤلاء فنظرنا إليهم . فقال ابن عباس رضي الله عنهم : لقد منع ذلك من هو خير منك ، فقال : ( لو اطلعت عليهم لوليت منهم فراراً ) فبعث معاوية ناساً فقال : اذهبوا فانظروا ، فلما دخلوا الكهف بعث الله عليهم ريحاً فأخرجتهم .

18."وتحسبهم أيقاظاً"لانفتاح عيونهم أو لكثرة تقلبهم."وهم رقود"نيام . "و نقلبهم"في رقدتهم."ذات اليمين وذات الشمال "كيلا تأكل الأرض ما يليها من أبدانهم على طول الزمان. وقرئ و يقلبهم بالياء والضمير الله تعالى، و تقلبهم على المصدر منصوباً بفعل يدل عليه تحسبهم أي وترى تقلبهم. "وكلبهم"هو كلب مروا به فتبعهم فطردوه فأنطقه الله تعالى فقال: أنا أحب أحباء الله فناموا وأنا أحرسكم . أو كلب راع مروا به فتبعهم وتبعه الكلب ، ويؤيده قراءة من قرأ : وكالبهم أي وصاحب كلبهم. "باسط ذراعيه"حكاية حال ماضية ولذلك أعمل اسم الفاعل."بالوصيد"بفناء الكهف ، وقيل الصيد الباب، وقيل العتبة."لو اطلعت عليهم "فنظرت إليهم ، وقرئ لو اطلعت بضم الواو."لوليت منهم فراراً"لهربت منهم ، و"فراراً"يحتمل المصدر لأنه نوع من التولية والعلة والحال."ولملئت منهم رعباً"خوفاً يملأ صدرك بما ألبسهم الله من الهيبة أو لعظم أجرامهم وانفتاح عيونهم . وقيل لوحشة مكانهم . وعن معاوية رضي الله عنه أنه غزا الروم فمر بالكهف فقال: لو كشفت لنا عن هؤلاء فنظرنا إليهم ، فقال اله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: ليس لك ذلك قد منع الله تعالى منه من هو خير منك فقال "لو اطلعت عليهم لوليت منهم فراراً"فلم يسمع وبعث ناساً فلما دخلوا جاءت ريح فأحرقتهم .وقرأ الحجازيان لملئت بالتشديد للمبالغة وابن عامر و الكسائي و يعقوب "رعباً"بالتثقيل.
18. And thou wouldst have deemed them waking thou they were asleep, and we caused them to turn over to the right and the left, and their dog stretching out his paws on the threshold. If thou hadst observed them closely thou hadst assuredly turned away from them in flight, and hadst been filled with awe of them.
18 - Thou wouldst have deemed them awake, whilst they were asleep, and we turned them on their right and on their left sides: their dog stretching forth his two fore legs on the threshold: if thou hadst come up on to them, thou wouldst have certainly turned back from them in flight, and wouldst certainly have been filled with terror of them.