[الكهف : 104] الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا
104 - (الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا) بطل عملهم (وهم يحسبون) يظنون (أنهم يحسنون صنعا) عملا يجازون عليه
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن منصور ، عن هلال بن يساف ، عن مصعب بن سعد ، قال : قلت لأبي " وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا" أهم الحرورية؟ قال : هم أصحاب الصوامع .
حدثنا فضالة بن الفضل ، قال : قال بزيع : سال رجل الضحاك عن هذه الآية " قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا" قال : هم القسيسون والرهبان .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوري ، عن منصور ، عن هلال بن يساف ،عن مصعب بن سعد ،قال : قال سعد : هم أصحاب الصوامع .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن منصور ، عن ابن سعد ، قال : قلت لسعد : يا أبت " هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا" أهم الحرورية؟ فقال : لا ، ولكنهم أصحاب الصوامع ، ولكن الحرورية قوم زاغوا ، فأزاغ الله قلوبهم . وقال اخرون : بل هم جميع أهل الكتابين .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن عمروبن مرة ، عن مصعب بن سعد ، قال : سألت أبي عن هذه الآية " قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا * الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا" أهم الحرورية؟ قال : لا، هم أهل الكتاب ، اليهود والنصارى . أما اليهود فكذبوا بمحمد . وأما النصارى فكفروا بالجنة وقالوا : ليس فيها طعام ولا شراب ، ولكن الحرورية " الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون " فكان سعد يسميهم الفاسقين .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن إبراهيم بن أبي حرة ، عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص ، عن أبيه ، في قوله " قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا" قال : هم اليهود والنصارى .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن أبي حرب بن أبي الأسود عن زاذان ، عن علي بن أبى طالب ، أنه سئل عن قوله " قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا" قال هم كفرة أهل الكتاب ، كأن أوائلهم على حق ، فأشركوا بربهم ، وابتدعوا في دينهم ، الذين يجتهدون في الباطل ، ويحسبون أنهم على حق ، ويجتهدون في الضلالة، ويحسبون أنهم على هدى، فضل سعيهم في الحياة الدنيا، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، ثم رفع صوته ، فقال : وما أهل النار منهم ببعيد . وقال اخرون : بل هم الخوارج .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمدبن بشار ، قال : ثنا يحيى ، عن سفيان بن سلمة ، عن سلمة بن كهيل ، عن أبي الطفيل ، قال : سأل عبد الله بن الكواء عليا عن قوله" قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا" قال : أنتم يا أهل حروراء .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : ثنا يحيى بن أيوب ، عن أبي صخر ، عن أبي معاوية البجلي ، عن أبي الصهباء البكري ، عن علي بن أبي طالب ، أن ابن الكواء سأله ، عن قول الله عز وجل " هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا" فقال علي : أنت وأصحابك .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوري ، عن سلمة بن كهيل ، عن أبي الطفيل ، قال : قام ابن الكواء إلى علي ، فقال : من الأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا؟ قال : ويلك أهل حروراء منهم .
حدثنا إبن بشار ، قال : ثنا محمد بن خالد بن عثمة ، قال : ثنا موسى بن يعقوب بن عبد الله ، قال : ثني أبو الحويرث ، عن نافع بن جبيربن مطعم ، قال : قال ابن الكواء لعلي بن أبي طالب : ما الأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا؟ قال : أنت وأصحابك . والصواب من القول في ذلك عندنا، أن يقال : إن الله عز وجل عنى بقوله " هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا" كل عامل عملا يحسبه فيه مصيبا، وأنه لله بفعله ذلك مطيع مرض ، وهو بفعله ذلك لله مسخط ، وعن طريق أهل الإيمان به جائر كالرهابنة والشمامسة وأمثالهم من أهل الاجتهاد في ضلالتهم وهم مع ذلك من فعلهم واجتهادهم بالله كفرة، من أهل أي دين كانوا . وقد اختلف أهل العربية في وجه نصب قوله " أعمالا" ، فكان بعض نحويي البصرة يقول : نصب ذلك لأنه لما أدخل الألف واللام والنون في الأخسرين لم يوصل إلى الإضافة، وكانت الأعمال من الأخسرين فلذلك نصب ، وقال غيره : هذا باب الأفعل والفعلى ، مثل الأفضل والفضلى ، والأخسر والخسرى، ولا تدخل فيه الواو، ولا يكون فيه مفسر، لأنه قد انفصل بمن هو كقوله الأفضل والفضلى ، وإذا جاء معه مفسر كان للأول والآخر، وقال : ألا ترى أنك تقول : مررت برجل حسن وجها، فيكون الحسن للرجل والوجه ، وكذلك كبير عقلا، وما أشبهه قال : وإنما جاز في الأخسرين ، لأنه رده إلى الأفعل والأفعلة . قال : وسمعت العرب تقول : الأولات دخولا، والاخرات خروجا، فصار للأول والثاني كسائر الباب قال : وعلى هذا يقاس. وقوله " الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا" يقول : هم الذين لم يكن عملهم الذي عملوه في حياتهم الدنيا على هدى واستقامة، بل كان على جور وضلالة، وذلك أنهم عملوا بغير ما أمرهم الله به بل على كفر منهم به ، " وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا" يقول : وهم يظنون أنهم بفعلهم ذلك لله مطيعون ، وفيما ندب عباده إليه مجتهدون ، وهذا من أدل الدلائل على خطا قول من زعم أنه لا يكفر بالله أحد إلا من حيث يقصد إلى الكفر بعد اسم بوحدانيته ، وذلك أن الله تعالى ذكره أخبر عن هؤلاء الذين وصف صفتهم في هذه الآية، أن سعيهم الذين سعوا في الدنيا ذهب ضلالا، وقد كانوا يحسبون أنهم محسنون في صنعهم ذلك ، وأخبر عنهم أنهم هم الذين كفروا بايات ربهم ، ولو كان القول كما قال الذين زعموا أنه لا يكفر بالله أحد إلا من حيث يعلم ، لوجب أن يكون هؤلاء القوم في عملهم الذي أخبر الله عنهم أنهم كانوا يحسبون فيه أنهم يحسنون صنعه ، كانوا مثابين مأجورين عليها، ولكن القول بخلاف ما قالوا ، فأخبر جل ثناؤه عنهم أنهم بالله كفرة، وأن أعمالهم حابطة . وعنى بقوله " أنهم يحسنون صنعا" عملا ، والصنع والصنعة والصنيع واحد، يقال : فرس صنيع بمعنى مصنوع.
وهم " الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا " في عبادة من سواي. قال ابن عباس: يريد كفار أهل مكة. وقال علي: هم الخوارج أهل حروراء. وقال مرة: هم الرهبان أصحاب الصوامع. وروي أن ابن الكواء سأله عن الأخسرين أعمالاً فقال له: أنت وأصحابك. قال ابن عطية : ويضعف هذا كله قوله تعالى بعد ذلك: " أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم " وليس من هذه الطوائف من يكفر بالله ولقائه والبعث والنشور، وإنما هذه صفة مشركي مكة عبدة الأوثان، وعلي وسعد رضي الله عنهما ذكرا أقواماً أخذوا بحظهم من هذه الآية.و " أعمالا " نصب على التمييز. و " حبطت " قراءة الجمهور بكسر الباء. وقرأ ابن عباس " حبطت " بفتحها.
قال البخاري : حدثنا محمد بن بشار , حدثنا محمد بن جعفر , حدثنا شعبة عن عمرو عن مصعب قال: سألت أبي يعني سعد بن أبي وقاص عن قول الله: "قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً" أهم الحرورية ؟ قال: لا هم اليهود والنصارى, أما اليهود فكذبوا محمداً صلى الله عليه وسلم, وأما النصارى فكفروا بالجنة وقالو: لا طعام فيها ولا شراب, والحرورية الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه, فكان سعد رضي الله عنه يسميهم الفاسقين, وقال علي بن أبي طالب والضحاك وغير واحد: هم الحرورية, ومعنى هذا عن علي رضي الله عنه أن هذه الاية الكريمة تشمل الحرورية كما تشمل اليهود والنصارى وغيرهم, لا أنها نزلت في هؤلاء على الخصوص ولا هؤلاء, بل هي أعم من هذا, فإن هذه الاية مكية قبل خطاب اليهود والنصارى وقبل وجود الخوارج بالكلية, وإنما هي عامة في كل من عبد الله على غير طريقة مرضية يحسب أنه مصيب فيها, وأن عمله مقبول وهو مخطىء وعمله مردود, كما قال تعالى: " وجوه يومئذ خاشعة * عاملة ناصبة * تصلى نارا حامية " وقال تعالى: "وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثوراً" وقال تعالى: "والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً" وقال تعالى في هذه الاية الكريمة: "قل هل ننبئكم" أي نخبركم "بالأخسرين أعمالاً" ثم فسرهم, فقال "الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا" أي عملوا أعمالاً باطلة على غير شريعة مشروعة مرضية مقبولة "وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا" أي يعتقدون أنهم على شيء وأنهم مقبولون محبوبون.
وقوله "أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه" أي جحدوا آيات الله في الدنيا وبراهينه التي أقام على وحدانيته وصدق رسله, وكذبوا بالدار الاخرة "فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً" أي لا نثقل موازينهم لأنها خالية عن الخير. قال البخاري : حدثنا محمد بن عبد الله , حدثنا سعيد بن أبي مريم , أخبرنا المغيرة , حدثني أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة ـ وقال ـ اقرءوا إن شئتم "فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً"". وعن يحيى بن بكير عن مغيرة بن عبد الرحمن , عن أبي الزناد مثله, هكذا ذكره عن يحيى بن بكير معلقاً, وقد رواه مسلم عن أبي بكر محمد بن إسحاق عن يحيى بن بكير به.
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا أبو الوليد , حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد , عن صالح مولى التوأمة , عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يؤتى بالرجل الأكول الشروب العظيم, فيوزن بحبة فلا يزنها" قال وقرأ "فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً" وكذا رواه ابن جرير عن أبي كريب عن أبي الصلت عن أبي الزناد , عن صالح مولى التوأمة عن أبي هريرة مرفوعاً, فذكره بلفظ البخاري سواء. وقال أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار : حدثنا العباس بن محمد , حدثنا عون بن عمارة , حدثنا هشيم بن حسان عن واصل عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: " كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم, فأقبل رجل من قريش يخطر في حلة له, فلما قام على النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا بريدة هذا ممن لا يقيم الله له يوم القيامة وزناً" ثم قال: تفرد به واصل مولى أبي عنبسة , وعون بن عمارة وليس بالحافظ ولم يتابع عليه.
وقد قال ابن جرير حدثنا محمد بن بشار , حدثنا عبد الرحمن , حدثنا سفيان عن الأعمش عن شمر عن أبي يحيى , عن كعب قال: يؤتى يوم القيامة برجل عظيم طويل, فلا يزن عند الله جناح بعوضة, اقرءوا "فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً". وقوله: "ذلك جزاؤهم جهنم بما كفروا" أي إنما جازيناهم بهذا الجزاء بسبب كفرهم واتخاذهم آيات الله ورسله هزواً, استهزءوا بهم وكذبوهم أشد التكذيب.
ومحل الموصول وهو 104- "الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا" الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف، كأنه قيل من هم؟ فقيل هم الذين ضل سعيهم، والمراد بضلال السعي بطلانه وضياعه، ويجوز أن يكون في محل نصب على الذم. ويكون الجواب "أولئك الذين كفروا بآيات ربهم" ويجوز أن يكون في محل جر على أنه نعت للأخسرين أو بدل منه، ويكون الجواب أيضاً هو أولئك وما بعده، وأول هذه الوجوه هو أولاها، وجملة "وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً" في محل نصب على الحال من فاعل ضل: أي والحال أنهم يظنون أنهم محسنون في ذلك منتفعون بآثاره.
104 - " الذين " حبسوا أنفسهم في الصوامع . وقال علي بن أبي طالب : هم أهل حروراء . " ضل سعيهم " ، بطل عملهم واجتهادهم ، " في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً " ، أي عملاً .
104."الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا"ضاع وبطل لكفرهم وعجبهم كالرهابنة فإنهم خسروا دنياهم وأخراهم ، ومحله الرفع على الخبر المحذوف فإنه جواب السؤال أو الجر على البدل أو النصب على الذم . "وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً"بعجبهم واعتقادهم أنهم على الحق.
104. Those whose effort goeth astray in the life of the world, and yet they reckon that they do good work.
104 - Those whose efforts have been wasted in this life, while they thought that they were acquiring good by their works?