[الإسراء : 87] إِلاَّ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا
87 - (إلا) لكن أبقيناه (رحمة من ربك إن فضله كان عليك كبيرا) عظيما حيث أنزله عليك وأعطاك المقام المحمود وغير ذلك من الفضائل
يقول عز وجل : " ولئن شئنا لنذهبن" يا محمد " بالذي أوحينا إليك " ولكنه لا يشاء ذلك ، رحمة من ربك وتفضلاً منه عليك " إن فضله كان عليك كبيرا" باصطفائه إياك لرسالته ، وإنزاله عليك كتابه ، وسائر نعمه عليك التي لا تحصى.
قوله تعالى : " إن فضله كان عليك كبيرا " إذا جعلك سيد ولد آدم ، وأعطاك المقام المحمود وهذا الكتاب العزيز ، وقال عبد الله بن مسعود : أول ما تفقدون من دينكم الأمانة ، وآخر ما تفقدون الصلاة ، وأن هذا القرآن كأنه قد نزع منكم ، تصبحون يوماً وما معكم منه شيء فقال رجل : كيف يكون ذلك يا أبا عبد الرحمن ! وقد ثبتناه في قلوبنا وأثبتناه في مصاحفنا ، نعلمه أبناءنا ويعلمه أبناؤنا أبناءهم إلى يوم القيامة ! قال : يسرى به في ليلة فيذهب بما في المصاحف وما في القلوب فتصبح الناس كالبهائم ثم قرأ عبد الله ( ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك ) ، أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة بمعناه قال : أخبرنا أبو الأحوص عن عبد العزيز بن رفيع عن شداد بن معقل قال : قال عبد الله ، يعني ابن مسعود : إن هذا القرآن الذبي بين أظهركم يوشك أن ينزع منكم قال : قلت كيف ينتزع منا وقد أثبته الله في قلوبنا وثبتناه في مصاحفنا ! قال : يسرى عليه في ليلة واحدة فينزع ما في القلوب ويذهب ما في المصاحف ويصبح الناس منه فقراء ، ثم قرأ ( ولئن شئنا لتذهبن بالذي أوحينا إليك ) وهذا إسناد صحيح ، وعن ابن عمر : لا تقوم الساعة حتى يرجع القرآن من حيث نزل ، له دوي كدوي النحل ، فيقول الله ما بالك ، فيقول : يا رب منك خرجت وإليك أعود ، أتلى فلا يعمل بي ، أتلى ولا يعمل بي .
قلت : قد جاء معنى هذا مرفوعاً من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص وحذيفة قال حذيفة : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يدرس الإسلام كما يدرس وشي الثوب حتى لا يدري ما صيام ولا صلاة ولا نسك ولا صدقة فيسرى على كتاب الله تعالى في ليلة فلا يبقى منه في الأرض آية وتبقى طوائف من الناس الشيخ الكبير والعجوز يقولون أدركنا آباءنا على هذا الكلمة لا إله إلا الله ، وهم لا يدرون ما صلاة ولا صيام ولا نسك ولا صدقة "، قاله له صلة : ما تغني عنهم إلا إله إلا الله ! وهم لا يدرون ما صلاة ولا صيام ولا نسك ولا صدقة ، فأعرض عنه حذيفة ، ثم رددها ثلاثاً ، كل ذلك يعرض عنه حذيفة ، ثم أقبل عليه حذيفة فقال : يا صلة ! تنجيهم من النار ، ثلاثاً ، خرجه ابن ماجة في السنن وقال عبد الله بن عمر : " خرج النبي صلى الله عليه وسلم هو معصوب الرأس من وجع فضحك ، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : أيها الناس ما هذه الكتب التي تكتبون أكتاب غير كتاب الله يوشك أن يغضب الله لكتابه فلا يدع ورقاً ولا قلباً إلا أخذ منه ، قالوا : يا رسول الله ، فكيف بالمؤمنين والمؤمنات يومئذ ؟ قال : من أراد الله به خيراً أبقى في قلبه لا إله إلا الله "، ذكره الثعلبي و الغزنوي وغيرهما في التفسير .
يذكر تعالى نعمته وفضله العظيم على عبده ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم فيما أوحاه إليه من القرآن المجيد الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه, تنزيل من حكيم حميد. قال ابن مسعود رضي الله عنه: يطرق الناس ريح حمراء, يعني في آخر الزمان من قبل الشام, فلا يبقى في مصحف رجل ولا في قلبه آية, ثم قرآ ابن مسعود "ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك" الاية, ثم نبه تعالى على شرف هذا القرآن العظيم فأخبر أنه لو اجتمعت الإنس والجن كلهم واتفقوا على أن يأتوا بمثل ما أنزل على رسوله لما أطاقوا ذلك ولما استطاعوه, ولو تعاونوا وتساعدوا وتظافروا فإن هذا أمر لا يستطاع, وكيف يشبه كلام المخلوقين كلام الخالق الذي لا نظير له ولا مثال له ولا عديل له, وقد روى محمد بن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن سعيد بن جبير أو عكرمة , عن ابن عباس أن هذه الاية نزلت في نفر من اليهود جاؤوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا له: إنا نأتيك بمثل ما جئتنا به, فأنزل الله هذه الاية, وفي هذا نظر, لأن هذه السورة مكية وسياقها كله مع قريش, واليهود إنما اجتمعوا به في المدينة, فالله أعلم. وقوله "ولقد صرفنا للناس" الاية, أي بينا لهم الحجج والبراهين القاطعة, ووضحنا لهم الحق وشرحناه وبسطناه, ومع هذا فأبى أكثر الناس إلا كفوراً أي جحوداً للحق ورداً للصواب.
والاستثناء بقوله: 87- "إلا رحمة من ربك" إن كان متصلاً فمعناه إلا أن يرحمك ربك فلا نذهب به، وإن كان منقطعاً فمعناه لكن لا يشأ ذلك رحمة من ربك، أو لكن رحمة من ربك تركته غير مذهوب به "إن فضله كان عليك كبيراً" حيث جعلك رسولاً وأنزل عليك الكتاب وصيرك سيد ولد آدم، وأعطاك المقام المحمود وغير ذلك مما أنعم به عليه.
87 - " إلا رحمةً من ربك " ، هذا استثناء منقطع معناه : لكن لا نشاء ذلك رحمة من ربك .
" إن فضله كان عليك كبيراً " ، فإن قيل : كيف يذهب القرآن وهو كلام الله عز وجل ؟
قيل : المراد منه : محوه من المصاحف وإذهاب ما في الصدور .
وقال عبد الله بن مسعود : اقرؤوا القرآن قبل أن يرفع ، فإنه لا تقوم الساعة حتى يرفع . قيل : هذه المصاحف ترفع، فكيف بما في صدور الناس ؟ قال يسري عليه ليلاً فيرفع ما في صدورهم ، فيصبحون لا يحفظون شيئاً ولا يجدون في المصاحف شيئاً ، ثم يفيضون في الشعر .
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : لا تقوم الساعة حتى يرجع القرآن من حيث نزل ، له دوي حول العرش كدوي النحل ، فيقول الرب مالك وهو أعلم ؟ فيقول : يا رب أتلى ولا يعمل بي .
87."إلا رحمةً من ربك "فإنها إن نالتك فلعها تسترده عليك، ويجوز أن يكون استثناء منقطعاً معنى ولكن رحمة من ربك تركته غير مذهوب به ، فيكون امتناناً بإبقائه بعد المنة في تنزيله."إن فضله كان عليك كبيراً" كإرساله وإنزال الكتاب عليه وإبقائه في حفظه.
87. (It is naught) save mercy from thy Lord. Lo! His kindness unto thee was ever great.
87 - Except for mercy from thy Lord: for his bounty is thee (indeed) great.