[الإسراء : 78] أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا
78 - (أقم الصلاة لدلوك الشمس) أي من وقت زوالها (إلى غسق الليل) إقبال الظلمة أي الظهر والعصر والمغرب والعشاء (وقرآن الفجر) صلاة الصبح (إن قرآن الفجر كان مشهودا) تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم " أقم الصلاة" يا محمد " لدلوك الشمس" .
واختلف أهل التأويل في الوقت الذي عناه الله بدلوك الشمس ، فقال بعضهم : هو وقت غروبها، والصلاة التي أمر بإقامتها حينئذ : صلاة المغرب . ذكر من قال ذلك :
حدثني واصل بن عبد الأعلى الأسدي ، قال : ثنا ابن فضيل ، عن أبي إسحاق ، يعني الشيبانى ، عن عبد الرحمن بن الأسود ، عن أبيه ، أنه كان مع عبد الله بن مسعود، على سطح حين غربت
الشمس ، فقرأ " أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل" ، حتى فرغ من الآية، ثم قال : والذي نفسي بيده إن هذا لحين دلكت الشمس وأفطر الصائم ووقت الصلاة .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا ابن أبي عدي ،عن سعد ، عنقتادة ، عن عقبة بن عبد الغافر ، أن أبا عبيدة بن عبد الله كتب إليه أن عبد الله بن مسعود كان إذا غربت الشمس صلى المغرب ، ويفطر عندها إن كان صائما، ويقسم عليها يمينا ما يقسمه على شيء من الصلوات بالله الذي لا إله إلا هو، إن هذه الساعة لميقات هذه الصلاة، ويقرأ فيها تفسيرها من كتاب الله " أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل " .
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : ثنا ابن أبي عدي ، عن شعبة ، عن عاصم ، عن أبي وائل ، عن عبد الله قال : هذا دلوك الشمس ، وهذا غسق الليل ، وأشار إلى المشرق والمغرب .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، قال : قال ابن عباس : دلوك الشمس : غروبها، يقول : دلكت براح .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوري ، عن أبي إسحاق ، عن الأسود ، عن عبد الله ، أنه قال : حين غربت الشمس دلكت ، يعني براح مكانا .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوري ، عن منصور ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، قال : دلوكها : غروبها .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عنقتادة قال : قد ذكر لنا أن ابن مسعود كان يصليها إذا وجبت وعندها يفطرإذا كان جمائما، ثم يقسم عليها قسما لا يقسمه على شيء من الصلوات بالله إلذي لا إله إلا هو، إن هذه الساعة لميقات هذه الصلاة، ثم يقرأ ويصليها وتصديقها من كتاب الله " أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل "
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قالابن زيد ، في قوله " أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل " قال : كان أبي يقول : دلوكها: حين تريد الشمس تغرب إلى أن يغسق الليل ، قال : هي المغرب حين يغسق الليل ، وتدلك الشمس للغروب .
حدثي سعيد بن الربيع ، قال : ثنا سفيان بن عيينة ، سمع عمرو بن دينار أبا عبيدة بن عبدالله بن مسعود يقول : كان عبدالله بن مسعود يصلي المغرب حين يغرب حاجب الشمس ، ويحلف أنه الوقت الذي قال الله " أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل".
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، قال : قال عبد الله حين غربت الشمس : هذا والله الذي لا إله غيره وقت هذه الصلاة . وقال : دلوكها : غروبها . وقال آخرون : دلوك الشمس : ميلها للزوال ، والصلاة التي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإقامتها عند دلوكها : الظهر. ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن عمارة بن عمير ، عن عبد الرحمن بن يزيد ، عن عبد الله ، قال : دلوكها : ميلها، يعني الشمس .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا هشيم ، عن مغيرة ، عن الشعبي ، عن ابن عباس ، قال ، في قوله " أقم الصلاة لدلوك الشمس" قال : دلوكها : زوالها .
حدثني موسى بن عبد الرحمن ، قال : ثنا أبو أسامة ، عن عبد الحميد بن جعفر ، عن نافع ، عنابن عمر ، في قوله " أقم الصلاة لدلوك الشمس " قال : دلوكها : ميلها .
حدثناابن حميد ، قال : ثنا يحيى بن واضح ، قال : ثنا الحسين بن واقد ، عن سيار بن سلامة ، عن أبي برزة الأسلمي ، قوله " أقم الصلاة لدلوك الشمس " قال : إذا زالت .
حدثنا ابن حميد مرة أخرى، قال : ثنا أبو تميلة، قال : ثنا الحسين بن واقد ، قال : ثنا سيار بن سلامة الرياحي ، قال : أتيت أبا برزة فسأله والدي عن مواقيت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر إذا زالت الشمس ، ثم تلا : " أقم الصلاة لدلوك الشمس " .
حدثني الحسين بن علي الصدائي ، قال : ثنا أبي ، قال : ثنامبارك ، عن الحسن ، قال : قال الله عز وجل لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم " أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل " قال : الظهردلوكها، إذا زالت عن بطن السماء، وكان لها في الأرض فيء .
حدثنا يعقوب ، قال : ثنا هشيم ، قال : أخبرنا يونس ، عن الحسن ، في قوله " أقم الصلاة لدلوك الشمس " قال : دلوكها : زوالها .
حدثني يعقوب ، قال : ثنا هشيم ، عن جويبر ، عن الضحاك ، مثل ذلك . حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن يمان ، عن أشعث ، عن جعفر ، عن أبي جعفر في " أقم الصلاة لدلوك الشمس " قال : لزوال الشمس .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن الزهري ، عن ابن عباس : دلوك الشمس : زيغها بعد نصف النهار، يعني الظل .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : دلوك الشمس ، قال : حين تزيغ عن بطن السماء .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله " أقم الصلاة لدلوك الشمس " أي إذا زالت الشمس عن بطن السماء لصلاة الظهر.
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثناأبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث : قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد " لدلوك الشمس " قال : حين تزيغ.
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد قال : دلوك الشمس : حين تزيغ . وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال : عنى بقوله " أقم الصلاة لدلوك الشمس" : صلاة الظهر، وذلك أن الدلوك في كلام العرب : الميل ، يقال منه : دلك فلان إلى كذا : إذا مال إليه . ومنه الخبر الذي روي عن الحسن أن رجلا قال له : أيدالك الرجل امرأته ؟ يعني بذلك : أيميل بها إلى المماطلة بحقها . ومنه قول الراجز :
هذا مقام قدمي رباح غدوة حتى دلكت براح
ويروى : براح بفتح الباء، فمن روى ذلك براح بكسر الباء، فإنه يعني : أنه يضبع الناظر كفه على حاجبه من شعاعها، لينظر ما لقي من غيارها . وهذا تفسير أهل الغريب أبي عبيدة والأصمعي و أبي عمرو الشيباني وغيرهم. وقد ذكبرت في الخبر الذي روي عن عبد الله بن مسعود ، أنه قال حين غربت الشمس : دلكت براح ، يعني : براح مكانا، ولست أدري هذا التفسير، أعني قوله : براح مكانا من كلام من هوممن في الإسأد، أو من كلام عبد الله ، فإن يكن من كلام عبد الله ، فلا شك أنه كان أعلم بذلك من أهل الغريب الذين ذكرت قولهم ، وأن الصواب في ذلك قوله ، دون شولهم ، وإن لم يكن من كلام عبد الله ، فإن أهل العربية كانوا أعلم بذلك منه . ولما قال أهل الغريب في ذلك شاهد من قول العجاج ، وهو قوله :
والشمس قد كادت تكون دنفا أدفعها بالراح كي تزحلفا
فأخبر أنه يدفع شعاعها لينظر إلى مغيبها براحه . ومن روى ذلك بفتح الباء، فإنه جعله اسمأ للشمس وكسر الحاء لإخراجه إياه على تقدير قطام وحذام ورقاش ، فإذا كان معنى الدلوك في كلام العرب هو الميل ، فلا شك أن الشمس إذا زالت عن كبد السماء، فقد مالت للغروب ، وذلك وقت صلاة الظهر، وبذلك ورد الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإن كان في إسناد بعضه بعض النظر.
حدثنا أبوكريب ، قال : ثنا خالد بن مخلد ، قال : ثني محمد بن جعفر ، قال : ثني يحيى بن سعيد ، قال : ثني أبو بكر بن خمرو بن حزم الأنصاري ، عن أبي مسعود عقبة بن عمرو ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أتاني جبرئيل عليه إلسلام لدلوك الشمس حين زالت فصلى بي الظهر .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا أبوتميلة ، قال : ثنا الحسين بن واقد ، قال : ثني سيار بن سلامة الرياحي ، قال : قال أبو برزة : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر إذا زالت الشمس ، ثم تلا " أقم الصلاة لدلوك الشمس" .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا الحكم بن بشير ، قال : ثنا عمرو بن قيس ، عن سيار بن أبي ليلى ، عن رجل ، عن جابربن عبد الله ، قال : دعوت نبي الله صلى الله عليه وسلم ومن شاء من أصحابه ، فطعموا عندي ، ثم خرجوا حين زالت الشمس ، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فقال : اخرخ يا أبا بكر قد دلكت الشمس .
حدثني محمد بن عثمان الرازي ، قال : ثنا سهل بن بكار ، قال : ثنا أبو عوانة ، عن الأسود بن قيس ، عن نبيح العنزي ، عن جابر بن عبد الله ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، نحوحديث ابن حميد . فإذا كان صحيحا ما قلنا بالذي به استشهدنا، فبين إذن أن معنى قوله جل ثناؤه " أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل " أن صلاة الظهر والعصر بحدودهما مما أوجب الله عليك فيهما لأنهما الصلاتان اللتان فرضهما الله على نبيه من وقت دلوك الشمس إلى غسق الليل ، وغسق الليل : هو إقباله ودنوه بظلامه ، كما قال الشاعر: آب هذا الليل إذ غسقا وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل على اختلاف منهم في الصلاة التي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإقامتها عنده ، فقال بعضهم : الصلاة التي أمر بإقامتها عنده صلاة المغرب . ذ كر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله " أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل " قال : غسق الليل : بدو الليل .
حدثني يعقوب ، قال : ثنا ابن علية ، عن أبي رجاء ، قال : سمعت عكرمة سئل عن هذه الآية : " أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل " قال : بدو الليل .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : غسق الليل ، غروب الشمس.
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد مثله .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة " غسق الليل " : صلاة المغرب .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة " إلى غسق الليل " بدو الليل لصلاة المغرب . وقد ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : لا تزال طائفة من أمتي على الفطرة ما صلوا صلاة المغرب قبل أن تبدو النجوم .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله " إلى غسق الليل " يعني ظلام الليل
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : كان أبي يقول "غسق الليل " : ظلمة الليل . وقال اخرون : هي صلاة العصر. ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبوكريب ، قال : ثنا ابن يمان ، عن أشعث ، عن جعفر ، عن أبي جعفر " إلى غسق الليل " قال : صلاة العصر. وأولى القولين في ذلك بالصواب ، قول من قال : الصلاة التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإقامتها عند غسق الليل ، هي صلاة المغرب دون غيرها، لأن غسق الليل قو ما وصفنا من إقبال الليل وظلامه ، وذلك لايكون إلا بعد مغيب الشمس . فأما صلاة العصر، فإنها مما تقام بين ابتداء دلوك الشمس إلى غسق الليل ، لا عند غسق الليل . وأما قوله إوقرآن الفجرلأ فإن معناه وأقم قرآن الفجر: أي ما تقرأ به صلاة الفجر من القرآن ، والقران معطوف على الصلاة في قوله " أقم الصلاة لدلوك الشمس " . وكان بعض نحويي البصرة يقول : نصب قوله " وقرآن الفجر" على الإغراء، كأنه قال : وعليك قرآن الفجر " إن قرآن الفجر كان مشهودا" يقول : إن ما تقرأ به في صلاة الفجر من القران كان مشهودا، يشهده فيما ذكر ملائكة الليل وملائكة النهار. وبا أرزي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل ، وجاءت الاثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . ذكر من قال ذلك :
حدثني عبيد بن أسباط بن محمد القرشي ، قال : ثني أبي ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن ابن مسعود عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الآية " وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا" قال : " تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار".
حدثنا محمد بن سهل ، قال : ثنا آدم ، قال : ثنا ليث بن سعد وحدثنا محمد بن سهل بن عسكر ، قأل : ثنا ابن أبي مريم ، قال : ثنا الليث بن سعد عن زيادة بن محمد ، عن محمد بن كعب القرظي ، عن فضالة بن عبيد، عن أبي الدرداء ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله يفتح الذكر في ثلاث ساعات يبقين من الليل : في الساعة الأولى منهن ينظر في الكتاب الذي لا ينظر فيه أحد غيره في محو ما يشاء ويثبت ، ثم ينزل في الساعة الثانية إلى جنة عدن ، وهي داره التي لم ترها عين ، ولا تخطر على قلب بشر، وهي مسكنه ، ولا يسكن معه من بني ادم غير ثلاثه : النبيين والصديقين والشهداء، ثم يقول : طوبى لمن دخلك ، ثم ينزل في الساعة الثالثة إلى السماء الدنيا بروحه وملائكته فتنتفض ، فيقول قومي بعوني ، ثم يطلع إلى عباده ، فيقول : من يستغفرني أغفر له ، من يسألني أعطه ، من يدعوني فأستجيب له ! حتى يطلع الفجر، فذلك حين يقول " وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا" قال موسى في حديثه : شهده الله وملائكة الليل وملائكة النهار. وقال ابن عسكر في حديثه : فيشهده الله وملائكة الليل وملائكة النهار .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا ابن أبي عدي ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن عقبة بن عبد الغافر ، قال : قال أبو عبيدة بن عبد الله : كان عبد الله يحدث أن صلاة الفجر عندها يجتمع الحرسان من ملائكة الله ويقرأ هذه الاية " وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا" .
حدثنا بشر، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة " وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا" وقرآن الفجر: صلاة الصبح ، كنا نحدث أن عندها يجتمع الحرسان من ملائكة الله : حرس الليل وحرس النهار .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة " وقرآن الفجر" صلاة الفجر. وأما قوله " كان مشهودا" فإنه يقول : ملائكة اللياى وملائكة النهار يشهدون تلك الصلاة .
حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن عمرو بن مرة ، عن ابي عبيدة ، عن عبد الله أنه قال في هذه الاية " وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا" قال : تنزل ملائكة النهار وتصعد ملائكة الليل .
حدثني أبو السائب ، قال : ثنا ابن فضيل ، عن ضرار بن عبد الله بن أبي الهذيل ، عن أبي عبيدة ، في قوله " وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا" قال : يشهده حرس الليل وحرس النهار من الملائكة في صلاة الفجر.
حدثنا أبو السائب ، قال : ثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، في قوله " وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا" قال : كانوا يقولون تجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر فتشهدفيهاجميعا،ثم يصعدهؤلاءويقيم هؤلاء.
حدثي محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس " وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا" يعني صلاة الصبح .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد " وقرآن الفجر" قال : صلاة الصبح .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد " وقرآن الفجر" صلاة الصبح " إن قرآن الفجر كان مشهودا" قال : تجتمع في صلاة الفجر ملائكة الليل وملائكة النهار .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعتالضحاك يقول في قوله " وقرآن الفجر" يعني صلاة الغداة .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ،قال ابن زيد " وقرآن الفجر" قال : صلاة الفجر" إن قرآن الفجر كان مشهودا" قال : مشهودا من الملائكة فيما يذكرون . قال : وكان علي بن أبي طالب ، وأبي بن كعب يقولان : الصلاة الوسطى التي حض الله عليها: صلاة الصبح . قال : وذلك أن صلاة الظهر وصلاة العصر: صلاتا النهار، والمغرب والعشاء : صلاتا الليل ، وهي بينها، وهي صلاة نوم ، ما نعلم صلاة يغفل عنهامثلها.
حدثني يعقوب ، قال : ثنا ابن علية ، عن الجريري ، عن أبي الورد بن ثمامة ، عن أبي محمد الحضرمي ، قال : ثنا كعب في هذا المسجد، قال : والذي نفس كعب بيده ، إن هذه الآية" وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا" إنها لصلاة الفجر إنها لمشهودة .
حدثني الحسن بن علي بن عباس ، قال : ثنا بشر بن شعيب ، قال : أخبرني أبي ، عن الزهري ، قال : ثني سعيد بن المسيب ، و أبو سلمة بن عبدالرحمن ، أن أبا هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " تجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر" ، ثم يقول أبو هريرة : اقرءوا إن شئتم " وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا" .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد ، في قوله " وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا " قال : صلاة الفجر تجتمع فيها ملائكة الليل ؟ملائكة النهار.
فيه سبع مسائل:
الأولى: قوله تعالى: "أقم الصلاة لدلوك الشمس" لما ذكر مكايد المشركين أمر نبيه عليه السلام بالصبر والمحافظة على الصلاة، وفيها طلب النصر على الأعداء. ومثله "ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون * فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين" (الحجر: 97-98). وتقدم القول في معنى إقامة الصلاة في أول سورة البقرة. وهذه الآية بإجماع من المفسرين إشارة إلى الصلوات المفروضة. واختلف العلماء في الدلوك على قولين:
أحدهما: أنه زوال الشمس عن عبد السماء، قاله عمر وابنه وأبو هريرة وابن عباس وطائفة سواهم من علماء التابعين وغيرهم. الثاني- أن الدلوك هو الغروب، قاله علي وابن مسعود وأبي بن كعب، وروي عن ابن عباس. قال الماوردي: من جعل الدلوك اسما لغروبها فلأن الإنسان يدلك عينيه براحته لتبينها حالة المغيب، ومن جعله اسما لزوالها فلأنه يدلك عينيه لشدة شعاعها. وقال أبو عبيد: دلوكها غروبها. ودلكت براح يعني الشمس، أي غابت. وأنشد قطرب:
هذا مقام قدمي رباح ذبب حتى دلكت براح
براح (بفتح الباء) على وزن حزام وقطام ورقاس اسم من أسماء الشمس. ورواه الفراء (بكسر الباء) وهو جمع راحة وهي الكف، أي غابت وهو ينظر إليها وقد جعل كفه على حاجبه. ومنه قول العجاج:
والشمس قد كادت تكون دنفا أدفعها بالراح كي تزحلفا
قال ابن الأعرابي: الزحلوفة مكان منحدر أملس، لأنهم يتزحلفون فيه. قال:والزحلفة كالدحرجة والدفع، يقال: زحلفته فتزحلف. ويقال: دلكت الشمس إذا غابت. قال ذو الرمة:
مصابيح ليست باللواتي تقودها نجوم ولا بالآفلات الدوالك
قال ابن عطية: الدلوك هو الميل- في اللغة العربية- فأول الدلوك هو الزوال وآخره هو الغروب. ومن وقت الزوال إلى الغروب يسمى دلوكا، لأنها في حالة ميل. فذكر الله تعالى الصلوات التي تكون في حالة الدلوك وعنده، فيدخل في ذلك الظهر والعصر والمغرب، ويصح أن تكون المغرب داخلة في غسق الليل. وقد ذهب قوم إلى أن صلاة الظهر يتمادى وقتها من الزوال إلى الغروب، لأن الله سبحانه علق وجوبها على الدلوك، وهذا دلوك كله، قاله الأوزاعي وأبو حنيفة في تفضيل. وأشار إليه مالك والشافعي في حالة الضرورة.
الثانية: قوله تعالى: "إلى غسق الليل" روى مالك عن ابن عباس قال: دلوك الشمس ميلها، وغسق الليل اجتماع الليل وظلمته. وقال أبو عبيدة: الغسق سواد الليل. قال ابن قيس الرقيات:
إن هذا الليل قد غسقا واشتكيت الهم والأرقا
وقد قيل: غسق الليل مغيب الشفق. وقيل: إقبال ظلمته. قال زهير:
ظلت تجود يداها وهي لاهية حتى إذا جنح الإظلام والغسق
يقال: غسق الليل غسوقا. والغسق اسم بفتح السين. وأصل الكلمة من السيلان، يقال: غسقت العين إذا سالت، تغسق. وغسق الجرح غسقانا، أي سال منه ماء أصفر. وأغسق المؤذن، أي أخر المغرب إلى غسق الليل. وحكى الفراء: غسق الليل وأغسق، وظلم وأظلم، ودجا وأدجى، وغبس وأغبس، وغبش وأغبش. وكان الربيع بن خثيم يقول لمؤذنه في يوم غيم: أغسق أغسق. يقول: أخر المغرب حتى يغسق الليل، وهو إظلامه.
الثالثة: اختلف العلماء في آخر وقت المغرب، فقيل: وقتها وقت واحد لا وقت لها إلا حين تحجب الشمس، وذلك بين في إمامة جبريل، فإنه صلاها باليومين لوقت واحد وذلك غروب الشمس، وهو الظاهر من مذهب مالك عند أصحابه. وهو أحد قولي الشافعي في المشهور عنه أيضاً، وبه قال الثوري. وقال مالك في الموطأ: فإذا غاب الشفق فقد خرجت من وقت المغرب ودخل وقت العشاء. وبهذا قال أبو حنيفة وأصحابه والحسن بن حي وإسحاق وأبو ثور وداود، لأن وقت الغروب إلى الشفق غسق كله. ولحديث أبي موسى، وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم بالسائل المغرب في اليوم الثاني فأخر حتى كان عند سقوط الشفق، خرجه مسلم. قالوا: وهذا أولى من أخبار إمامة جبريل، لأنه متأخر بالمدينة وإمامة جبريل بمكة، والمتأخر أولى من فعله وأمره، لأنه ناسخ لما قبله. وزعم ابن العربي أن هذا القول هو المشهور من مذهب مالك، وقوله في موطئه الذي أقرأه طول عمره وأملاه في حياته.
والنكتة في هذا أن الأحكام المتعلقة بالأسماء هل تتعلق بأوائلها أو بآخرها أو يرتبط الحكم بجميعها؟ والأقوى في النظر أن يرتبط الحكم بأوائلها لئلا يكون ذكرها لغواً فإذا ارتبط بأوائلها جرى بعد ذلك النظر في تعلقه بالكل إلى الآخر.
قلت: القول بالتوسعة أرجح. وقد خرج الإمام الحافظ أبو محمد عبد الغني بن سعيد من حديث الأجلح بن عبد الله الكندي عن أبي الزبير عن جابر قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة قريباً من غروب الشمس فلم يصل المغرب حتى أتى سرف، وذلك تسعة أميال. وأما القول بالنسخ فليس بالبين وإن كان التاريخ معلوماً، فإن الجمع ممكن. قال علماؤنا: تحمل أحاديث جبريل على الأفضلية في وقت المغرب، ولذلك اتفقت الأمة فيها على تعجيلها والمبادرة إليها في حين غروب الشمس. قال ابن خويز منداد: ولا نعلم أحداً من المسلمين تأخر بإقامة المغرب في مسجد جماعة عن وقت غروب الشمس. وأحاديث التوسعة تبين وقت الجواز، فيرتفع التعارض ويصح الجمع، وهو أولى من الترجيح باتفاق الأصوليين، لا، فيه إعمال كل واحد من الدليلين، والقول بالنسخ أو الترجيح فيه إسقاط أحدهما. والله أعلم.
الرابعة: قوله تعالى: "وقرآن الفجر" انتصب قرآن من وجهين: أحدهما أن يكون معطوفاً على الصلاة، المعنى: وأقم قرآن الفجر أي صلاة الصبح، قاله الفراء. وقال أهل البصرة. انتصب على الإغراء، أي فعليك بقرآن الفجر، قاله الزجاج. وعبر عنها بالقرآن خاصة دون غيرها من الصلوات، لأن القرآن هو أعظمها، إذ قراءتها طويلة مجهور بها حسبما هو مشهور مسطور، عن الزجاج أيضاً.
قلت: وقد استقر عمل المدينة على استحباب إطالة القراءة في الصبح قدرا لا يضر بمن خلفه- يقرأ فيها بطوال المفصل، ويليها في ذلك الظهر والجمعة- وتخفيف القراءة في المغرب وتوسطها في العصر والعشاء. وقد قيل في العصر: إنها تخفف كالمغرب. وأما ما ورد في صحيح مسلم وغيره من الإطالة فيما استقر فيه التقصير، أو من التقصير فيما استقرت فيه الإطالة، كقراءته في الفجر المعوذتين- كما رواه النسائي- وكقراءة الأعراف والمرسلات والطور في المغرب، فمتروك بالعمل. ولإنكاره على معاذ التطويل حين أم قومه في العشاء فافتتح سورة البقرة. خرجه الصحيح. وبأمره الأئمة بالتخفيف فقال:
"أيها الناس إن منكم منفرين فأيكم أم الناس فليخفف فإن فيهم الصغير والكبير والمريض والسقيم والضعيف وذا الحاجة". وقال: "فإذا صلى أحدكم وحده فليطول ما شاء". كله مسطور في صحيح الحديث.
الخامسة: قوله تعالى: "وقرآن الفجر" دليل على أن لا صلاة إلا بقراءة، لأنه سمى الصلاة قرآناً. وقد اختلف العلماء في القراءة في الصلاة فذهب جمهورهم إلى وجوب قراءة أم القرآن للإمام والفذ في كل ركعة. وهو مشهور قول مالك. وعنه أيضاً أنها واجبة في جل الصلاة. وهو قول إسحاق. وعنه أيضاً تجب في ركعة واحدة، قاله المغيرة وسحنون. وعنه أن القراءة لا تجب في شيء من الصلاة. وهو أشد الروايات عنه. وحكي عن مالك أيضاً أنها تجب في نصف الصلاة، وإليه ذهب الأوزاعي. وعن الأوزاعي أيضاً وأيوب أنها تجب على الإمام والفذ والمأموم على كل حال. وهو أحد قولي الشافعي. وقد مضى في (الفاتحة) مستوفى.
السادسة: قوله تعالى: "كان مشهودا" روى الترمذي عن أبي هريرة "عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: "وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا" قال:
تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار" وهذا حديث حسن صحيح. ورواه علي بن مسهر عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة وأبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم. وروى البخاري عن أبي هريرة "عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
فضل صلاة الجميع على صلاة الواحد خمس وعشرون درجة وتجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الصبح". يقول أبو هريرة: اقرءوا إن شئتم وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا. ولهذا المعنى يبكر بهذه الصلاة، فمن لم يبكر لم تشهد صلاته إلا إحدى الفئتين من الملائكة. ولهذا المعنى أيضاً قال مالك والشافعي: التغليس بالصبح أفضل. وقال أبو حنيفة: الأفضل الجمع بين التغليس والإسفار، فإن فاته ذلك فالإسفار أولى من التغليس. وهذا مخالف لما كان عليه السلام يفعله من المداومة على التغليس، وأيضاً فإن فيه تفويت شهود ملائكة الليل. والله أعلم.
السابعة: استدل بعض العلماء بقوله صلى الله عليه وسلم: "تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار" على أن صلاة الصبح ليست من صلاة الليل ولا من صلاة النهار.
قلت: وعلى هذا فلا تكون صلاة العصر أيضاً لا من صلاة الليل ولا من صلاة النهار، فإن في الصحيح "عن النبي الفصيح عليه السلام فيما رواه أبو هريرة:
يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار فيجتمعون في صلاة العصر وصلاة الفجر" الحديث. ومعلوم أن صلاة العصر من النهار فكذلك تكون صلاة الفجر من الليل وليس كذلك، وإنما هي من النهار كالعصر بدليل الصيام والإيمان، وهذا واضح.
يقول تبارك وتعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم آمراً له بإقامة الصلوات المكتوبات في أوقاتها "أقم الصلاة لدلوك الشمس" قيل لغروبها, قاله ابن مسعود ومجاهد وابن زيد . وقال هشيم عن مغيرة , عن الشعبي عن ابن عباس : دلوكها زوالها, ورواه نافع عن ابن عمر , ورواه مالك في تفسيره عن الزهري عن ابن عمر , وقاله أبو برزة الأسلمي وهو رواية أيضاً عن ابن مسعود ومجاهد , وبه قال الحسن والضحاك وأبو جعفر الباقر وقتادة , واختاره ابن جرير , ومما استشهد عليه ما رواه عن ابن حميد عن الحكم بن بشير : حدثنا عمرو بن قيس عن ابن أبي ليلى عن رجل عن جابر بن عبد الله قال: " دعوت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن شاء من أصحابه فطعموا عندي ثم خرجوا حين زالت الشمس, فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فقال: اخرج يا أبا بكر, فهذا حين دلكت الشمس" ثم رواه عن سهل بن بكار عن أبي عوانة عن الأسود بن قيس , عن نبيح العنزي عن جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوه, فعلى هذا تكون هذه الاية دخل فيها أوقات الصلوات الخمس فمن قوله: "لدلوك الشمس إلى غسق الليل" وهو ظلامه, وقيل غروب الشمس, أخذ منه الظهر والعصر والمغرب والعشاء.
وقوله: "وقرآن الفجر" يعني صلاة الفجر, وقد بينت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تواتراً من أفعاله وأقواله بتفاصيل هذه الأوقات على ما عليه أهل الإسلام اليوم مما تلقوه خلفاً من سلف وقرناً بعد قرن, كما هو مقرر في مواضعه, ولله الحمد. "إن قرآن الفجر كان مشهوداً" قال الأعمش عن إبراهيم عن ابن مسعود , وعن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنهما, عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الاية "وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهوداً" قال: تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار. وقال البخاري : حدثنا عبد الله بن محمد , حدثنا عبد الرزاق , أخبرنا معمر عن الزهري عن أبي سلمة , وسعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فضل صلاة الجميع على صلاة الواحد خمس وعشرون درجة, وتجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر" يقول أبو هريرة : اقرؤوا إن شئتم "وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهوداً".
وقال الإمام أحمد : حدثنا أسباط , حدثنا الأعمش عن إبراهيم عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم, وحدثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة , عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: "وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهوداً" قال: "تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار". ورواه الترمذي والنسائي وابن ماجه , ثلاثتهم عن عبيد بن أسباط بن محمد عن أبيه به, وقال الترمذي : حسن صحيح وفي لفظ في الصحيحين من طريق مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة , عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار, ويجتمعون في صلاة الصبح وفي صلاة العصر, فيعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم ربهم وهو أعلم بكم كيف تركتم عبادي ؟ فيقولون: أتيناهم وهم يصلون, وتركناهم وهم يصلون" وقال عبد الله بن مسعود يجتمع الحرسان في صلاة الفجر, فيصعد هؤلاء ويقيم هؤلاء, وكذا قال إبراهيم النخعي ومجاهد وقتادة وغير واحد في تفسير هذه الاية.
وأما الحديث الذي رواه ابن جرير ههنا من حديث الليث بن سعد عن زيادة عن محمد بن كعب القرظي عن فضالة بن عبيد , عن أبي الدرداء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر حديث النزول, وأنه تعالى يقول: من يستغفرني أغفر له, من يسألني أعطيه, من يدعني فأستجيب له حتى يطلع الفجر, فلذلك يقول: "وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهوداً" فيشهده الله وملائكة الليل وملائكة النهار, فإنه تفرد به زيادة, وله بهذا حديث في سنن أبي داود .
وقوله تعالى: "ومن الليل فتهجد به نافلة لك" أمر له بقيام الليل بعد المكتوبة, كما ورد في صحيح مسلم عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن سئل أي الصلاة أفضل بعد المكتوبة ؟ قال "صلاة الليل", ولهذا أمر تعالى رسوله بعد المكتوبات بقيام الليل, فإن التهجد ما كان بعد النوم. قاله علقمة والأسود وإبراهيم النخعي وغير واحد, وهو المعروف في لغة العرب, وكذلك ثبتت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يتهجد بعد نومه, عن ابن عباس وعائشة وغير واحد من الصحابة رضي الله عنهم, كما هو مبسوط في موضعه, ولله الحمد والمنة.
وقال الحسن البصري : هو ما كان بعد العشاء ويحمل على ما كان بعد النوم, واختلف في معنى قوله تعالى: "نافلة لك" فقيل معناه أنك مخصوص بوجوب ذلك وحدك, فجعلوا قيام الليل واجباً في حقه دون الأمة, رواه العوفي عن ابن عباس , وهو أحد قولي العلماء, وأحد قولي الشافعي رحمه الله, واختاره ابن جرير , وقيل: إنما جعل قيام الليل في حقه نافلة على الخصوص, لأنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وغيره من أمته إنما يكفر عنه صلواته النوافل الذنوب التي عليه. قاله مجاهد : وهو في المسند عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه.
وقوله: "عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً" أي افعل هذا الذي أمرتك به لنقيمك يوم القيامة مقاماً محموداً, يحمدك في الخلائق كلهم وخالقهم تبارك وتعالى. قال ابن جرير : قال أكثر أهل التأويل: ذلك هو المقام الذي يقومه محمد صلى الله عليه وسلم يوم القيامة للشفاعة للناس ليريحهم ربهم من عظيم ما هم فيه من شدة ذلك اليوم.
(ذكر من قال ذلك)
حدثنا ابن بشار حدثنا عبد الرحمن حدثنا سفيان عن أبي إسحاق , عن صلة بن زفر , عن حذيفة قال: يجمع الناس في صعيد واحد يسمعهم الداعي وينفذهم البصر, حفاة عراة كما خلقوا, قياماً لا تكلم نفس إلا بإذنه, ينادي: يا محمد, فيقول: "لبيك وسعديك, والخير في يديك والشر ليس إليك, والمهدي من هديت, وعبدك بين يديك, ومنك وإليك لا منجى ولا ملجأ منك إلا إليك, تباركت وتعاليت سبحانك رب البيت" فهذا المقام المحمود الذي ذكره الله عز وجل. ثم رواه عن بندار , عن غندر عن شعبة , عن أبي إسحاق به, وكذا رواه عبد الرزاق عن معمر والثوري , عن أبي إسحاق به, وقال ابن عباس : هذا المقام المحمود مقام الشفاعة, وكذا قال ابن أبي نجيح عن مجاهد ,وقاله الحسن البصري .
وقال قتادة : هو أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة وأول شافع, وكان أهل العلم يرون أنه المقام المحمود الذي قال الله تعالى: "عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً" قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم تشريفات يوم القيامة لا يشركه فيها أحد, وتشريفات لا يساويه فيها أحد, فهو أول من تنشق عنه الأرض ويبعث راكباً إلى المحشر, وله اللواء الذي آدم فمن دونه تحت لوائه, وله الحوض الذي ليس في الموقف أكثر وارداً منه, وله الشفاعة العظمى عند الله ليأتي لفصل القضاء بين الخلائق, وذلك بعد ما تسأل الناس آدم ثم نوحاً ثم إبراهيم ثم موسى ثم عيسى, فكل يقول: لست لها, حتى يأتوا إلى محمد صلى الله عليه وسلم فيقول "أنا لها أنا لها" كما سنذكر ذلك مفصلاً في هذا الموضع إن شاء الله تعالى. ومن ذلك أنه يشفع في أقوام قد أمر بهم إلى النار فيردون عنها, وهو أول الأنبياء يقضي بين أمته, وأولهم إجازة على الصراط بأمته, وهو أول شفيع في الجنة كما ثبت في صحيح مسلم .
وفي حديث الصور أن المؤمنين كلهم لا يدخلون الجنة إلا بشفاعته, وهو أول داخل إليها, وأمته قبل الأمم كلهم, ويشفع في رفع درجات أقوام لا تبلغها أعمالهم وهو صاحب الوسيلة التي هي أعلى منزلة في الجنة لا تليق إلا له, وإذا أذن الله تعالى في الشفاعة للعصاة, شفع الملائكة والنبيون والمؤمنون فيشفع هو في خلائق لا يعلم عدتهم إلا الله تعالى, ولا يشفع أحد مثله ولا يساويه في ذلك, وقد بسطت ذلك مستقصى في آخر كتاب السيرة في باب الخصائص, ولله الحمد والمنة, ولنذكر الان الأحاديث الواردة في المقام المحمود وبالله المستعان. قال البخاري : حدثنا إسماعيل بن أبان , حدثنا أبو الأحوص عن آدم بن علي , سمعت ابن عمر قال: " إن الناس يصيرون يوم القيامة جثاء كل أمة تتبع نبيها يقولون: يا فلان اشفع يا فلان اشفع, حتى تنتهي الشفاعة إلى محمد صلى الله عليه وسلم فذلك يوم يبعثه الله مقاماً محموداً " . ورواه حمزة بن عبد الله عن أبيه , عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال ابن جرير : حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم , حدثنا شعيب بن الليث , حدثنا الليث عن عبيد الله بن أبي جعفر , أنه قال: سمعت حمزة بن عبد الله بن عمر يقول: سمعت عبد الله بن عمر يقول: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الشمس لتدنو حتى يبلغ العرق نصف الأذن, فبينما هم كذلك استغاثوا بآدم فيقول: لست بصاحب ذلك, ثم بموسى فيقول كذلك, ثم بمحمد صلى الله عليه وسلم فيشفع بين الخلق فيمشي حتى يأخذ بحلقة باب الجنة, فيومئذ يبعثه الله مقاماً محموداً ". وهكذا رواه البخاري في الزكاة عن يحيى بن بكير وعلقمة عن عبد الله بن صالح , كلاهما عن الليث بن سعد به, وزاد. فيومئذ يبعثه الله مقاماً محموداً, يحمده أهل الجمع كلهم. قال البخاري : حدثنا علي بن عياش , حدثنا شعيب بن أبي حمزة عن محمد بن المنكدر , عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة, آت محمداً الوسيلة والفضيلة, وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته, حلت له شفاعتي يوم القيامة" انفرد به دون مسلم .
(حديث أبي بن كعب )
قال الإمام أحمد : حدثنا أبو عامر الأزدي , حدثنا زهير بن محمد عن عبد الله بن محمد بن عقيل , عن الطفيل بن أبي كعب , عن أبيه , عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا كان يوم القيامة, كنت إمام الأنبياء وخطيبهم وصاحب شفاعتهم غير فخر", وأخرجه الترمذي من حديث أبي عامر عبد الملك بن عمرو العقدي , وقال: حسن صحيح, و ابن ماجه من حديث عبد الله بن محمد بن عقيل به, وقد قدمنا في حديث أبي بن كعب في قراءة القرآن على سبعة أحرف, قال صلى الله عليه وسلم في آخره: "فقلت اللهم اغفر لأمتي, اللهم اغفر لأمتي, وأخرت الثالثة ليوم يرغب إلي فيه الخلق حتى إبراهيم عليه السلام".
(حديث أنس بن مالك )
قال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن سعيد , حدثنا سعيد بن أبي عروبة , حدثنا قتادة عن أنس , عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يجتمع المؤمنون يوم القيامة فيلهمون ذلك, فيقولون لو استشفعنا إلى ربنا فأراحنا من مكاننا هذا, فيأتون آدم فيقولون: يا آدم أنت أبو البشر خلقك الله بيده, وأسجد لك ملائكته, وعلمك أسماء كل شيء, فاشفع لنا إلى ربك حتى يريحنا من مكاننا هذا, فيقول لهم آدم: لست هناكم ويذكر ذنبه الذي أصاب فيستحيي ربه عز وجل من ذلك, ويقول: ولكن ائتوا نوحاً فإنه أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض, فيأتون نوحاً فيقول: لست هناكم ويذكر خطيئة سؤاله ربه ما ليس له به علم, فيستحيي ربه من ذلك, ويقول: ولكن ائتوا إبراهيم خليل الرحمن, فيأتونه فيقول: لست هناكم, لكن ائتوا موسى عبداً كلمه الله وأعطاه التوارة, فيأتون موسى فيقول: لست هناكم, ويذكر لهم النفس التي قتل بغير نفس, فيستحيي ربه من ذلك, ويقول: ولكن ائتوا عيسى عبد الله ورسوله وكلمته وروحه, فيأتون عيسى فيقول: لست هناكم, ولكن ائتوا محمداً عبداً غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر, فيأتوني ـ قال الحسن هذا الحرف ـ فأقوم فأمشي بين سماطين من المؤمنين ـ قال أنس ـ حتى أستأذن على ربي, فإذا رأيت ربي وقعت له ـ أو خررت ـ ساجداً لربي فيدعني ما شاء الله أن يدعني ـ قال ـ ثم يقال: ارفع محمد, قل يسمع, واشفع تشفع, وسل تعطه, فأرفع رأسي فأحمده بتحميد يعلمنيه ثم أشفع فيحد لي حداً فأدخلهم الجنة, قال: ثم أعود إليه ثانية فإذا رأيت ربي وقعت له أو خررت ساجداً لربي فيدعني ما شاء الله أن يدعني ثم يقال ارفع محمد قل يسمع وسل تعطه واشفع تشفع فأرفع رأسي فأحمده بتحميد يعلمنيه ثم أشفع فيحد لي حداً فأدخلهم الجنة, قال: ثم أعود الثالثة فإذا رأيت ربي وقعت ـ أو خررت ـ ساجداً لربي فيدعني ما شاء الله أن يدعني, ثم يقال: ارفع محمد, قل يسمع, وسل تعطه, واشفع تشفع, فأرفع رأسي فأحمده بتحميد يعلمنيه, ثم أشفع فيحد لي حداً فأدخلهم الجنة, ثم أعود الرابعة فأقول: يا رب ما بقي إلا من حبسه القرآن", فحدثنا أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فيخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة, ثم يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن برة, ثم يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن ذرة", أخرجاه من حديث سعيد به, وهكذا رواه الإمام أحمد عن عفان , بن حماد بن سلمة , عن ثابت , عن أنس بطوله.
وقال الإمام أحمد : حدثنا يونس بن محمد , حدثنا حرب بن ميمون أبو الخطاب الأنصاري عن النضر بن أنس , عن أنس قال: حدثني نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: "إني لقائم أنتظر أمتي تعبر الصراط, إذ جاءني عيسى عليه السلام فقال: هذه الأنبياء قد جاءتك يا محمد يسألون ـ أو قال: يجتمعون إليك ـ ويدعون الله أن يفرق بين جميع الأمم إلى حيث يشاء الله لغم ما هم فيه, فالخلق ملجمون بالعرق, فأما المؤمن فهو عليه كالزكمة, وأما الكافر فيغشاه الموت, فقال: انتظر حتى أرجع إليك, فذهب نبي الله صلى الله عليه وسلم فقام تحت العرش فلقي ما لم يلق ملك مصطفى ولا نبي مرسل, فأوحى الله عز وجل إلى جبريل أن اذهب إلى محمد, وقل له ارفع رأسك سل تعط واشفع تشفع, فشفعت في أمتي أن أخرج من كل تسعة وتسعين إنساناً واحداً, فما زلت أتردد إلى ربي عز وجل, فلا أقوم منه مقاماً إلا شفعت حتى أعطاني الله عز وجل, من ذلك أن قال: يا محمد أدخل من أمتك من خلق الله عز وجل من شهد أن لا إله إلا الله يوماً واحداً مخلصاً ومات على ذلك".
(حديث بريدة رضي الله عنه)
قال الإمام أحمد بن حنبل : حدثنا الأسود بن عامر , أخبرنا أبو إسرائيل عن الحارث بن حصيرة , عن ابن بريدة , عن أبيه أنه دخل على معاوية , فإذا رجل يتكلم, فقال بريدة : يا معاوية تأذن لي في الكلام ؟ فقال: نعم, وهو يرى أنه يتكلم بمثل ما قال الاخر, فقال بريدة : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إني لأرجو أن أشفع يوم القيامة عدد ما على الأرض من شجرة ومدرة, قال: فترجوها أنت يا معاوية ولا يرجوها علي رضي الله عنه".
(حديث ابن مسعود ) ـ قال الإمام أحمد : حدثنا عارم بن الفضل , حدثنا سعيد بن الفضل , حدثنا سعيد بن زيد , حدثنا علي بن الحكم البناني عن عثمان , عن إبراهيم , عن علقمة والأسود , عن ابن مسعود قال: " جاء ابنا مليكة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالا: إن أمنا تكرم الزوج وتعطف على الولد, قال: وذكرا الضيف غير أنها كانت وأدت في الجاهلية, فقال أمكما في النار قال: فأدبرا والسوء يرى في وجوههما, فأمر بهما فردا فرجعا والسرور يرى في وجوههما رجاء أن يكون قد حدث شيء, فقال أمي مع أمكما فقال رجل من المنافقين: وما يغني هذا عن أمه شيئاً ونحن نطأ عقبيه. فقال رجل من الأنصار: ولم أر رجلاً قط أكثر سؤالاً منه يا رسول الله, هل وعدك ربك فيها أو فيهما ؟ قال: فظن أنه من شيء قد سمعه, فقال: ما سألته ربي وما أطمعني فيه, وإني لأقوم المقام المحمود يوم القيامة" فقال الأنصاري : يا رسول الله وما ذاك المقام المحمود ؟ قال: ذاك إذا جيء بكم حفاة عراة غرلاً, فيكون أول من يكسى إبراهيم عليه السلام, فيقول: اكسوا خليلي فيؤتى بريطتين بيضاوين فيلبسهما, ثم يقعده مستقبل العرش, ثم أوتى بكسوتي فألبسها فأقوم عن يمينه مقاماً لا يقومه أحد, فيغبطني فيه الأولون والأخرون" قال: ويفتح لهم من الكوثر إلى الحوض, فقال المنافق: إنه ما جرى ماء قط إلا على حال أو رضراض, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حاله المسك, ورضراضه اللؤلؤ" فقال المنافق: لم أسمع كاليوم, فإنه قلما جرى ماء على حال أو رضراض إلا كان له نبت ؟ فقال الأنصاري, يا رسول الله هل له نبت ؟ فقال: نعم قضبان الذهب قال المنافق لم أسمع كاليوم, فإنه قلما ينبت قضيب إلا أورق وإلا ان له ثمر, وقال الأنصاري : يا رسول الله هل له ثمرة ؟ قال: نعم ألوان الجوهر, وماؤه أشد بياضاً من اللبن وأحلى من العسل, من شرب منه شربة لا يظمأ بعده, ومن حرمه لم يرو بعده". وقال أبو داود الطيالسي : حدثنا يحيى بن سلمة بن كهيل , عن أبيه عن أبي الزعراء , عن عبد الله قال: ثم يأذن الله عز وجل في الشفاعة فيقوم روح القدس جبريل, ثم يقوم إبراهيم خليل الله ثم يقوم عيسى أو موسى, قال أبو الزعراء : لا أدري أيهما, قال: ثم يقوم نبيكم صلى الله عليه وسلم رابعاً فيشفع لا يشفع أحد بعده أكثر مما شفع, وهو المقام المحمود الذي قال الله عز وجل: "عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً".
(حديث كعب بن مالك رضي الله عنه)
قال الإمام أحمد : حدثنا يزيد بن عبد ربه , حدثنا محمد بن حرب , حدثنا الزبيدي عن الزهري عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك , عن كعب بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يبعث الناس يوم القيامة فأكون أنا وأمتي على تل, ويكسوني ربي عز وجل حلة خضراء, ثم يؤذن لي فأقول ما شاء الله أن أقول, فذلك المقام المحمود".
(حديث أبي الدرداء رضي الله عنه)
قال الإمام أحمد : حدثنا حسن , حدثنا ابن لهيعة , حدثنا يزيد بن أبي حبيب عن عبد الرحمن بن جبير , عن أبي الدرداء , قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا أول من يؤذن له بالسجود يوم القيامة, وأنا أول من يؤذن له أن يرفع رأسه, فأنظر إلى ما بين يدي فأعرف أمتي من بين الأمم, ومن خلفي مثل ذلك, وعن يميني مثل ذلك, وعن شمالي مثل ذلك فقال رجل: يا رسول الله كيف تعرف أمتك من بين الأمم فيما بين نوح إلى أمتك ؟ قال: هم غر محجلون من أثر الوضوء, ليس أحد كذلك غيرهم, وأعرفهم أنهم يؤتون كتبهم بأيمانهم, وأعرفهم تسعى من بين أيديهم ذريتهم " .
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه)
قال الإمام أحمد رحمه الله: حدثنا يحيى بن سعيد , حدثنا أبو حيان , حدثنا أبو زرعة بن عمرو بن جرير عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:" أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بلحم, فرفع إليه الذراع وكانت تعجبه فنهش منها نهشة, ثم قال: أنا سيد الناس يوم القيامة, وهل تدرون مم ذاك ؟ يجمع الله الأولين والاخرين في صعيد واحد, يسمعهم الداعي, وينفذهم البصر, وتدنو الشمس فيبلغ من الغم والكرب ما لا يطيقون, ولا يحتملون فيقول بعض الناس لبعض: ألا ترون ما أنتم فيه مما قد بلغكم, ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم ؟ فيقول بعض الناس لبعض: عليكم بآدم, فيأتون آدم عليه السلام فيقولون يا آدم أنت أبو البشر خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه, وأمر الملائكة فسجدوا لك, فاشفع لنا إلى ربك ألا ترى ما نحن فيه, ألا ترى ما قد بلغنا ؟ فيقول آدم: إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله, وإنه قد نهاني عن الشجرة فعصيت, نفسي نفسي نفسي, اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى نوح, فيأتون نوحاً فيقولون: يا نوح أنت أول الرسل إلى أهل الأرض, وقد سماك الله عبداً شكوراً, اشفع لنا إلى ربك ألا ترى ما نحن فيه, ألا ترى ما قد بلغنا ؟ فيقول نوح: إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله, ولن يغضب بعده مثله قط, وإنه قد كانت لي دعوة دعوتها على قومي نفسي نفسي نفسي, اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى إبراهيم, فيأتون إبراهيم فيقولون: يا إبراهيم أنت نبي الله وخليله من أهل الأرض, اشفع لنا إلى ربك, ألا ترى ما نحن فيه, ألا ترى ما قد بلغنا ؟ فيقول: إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله, ولن يغضب بعده مثله, فذكر كذباته, نفسي نفسي نفسي, اذهبوا إلى غيري, اذهبوا إلى موسى, فيأتون موسى عليه السلام فيقولون: يا موسى أنت رسول الله اصطفاك الله برسالاته وبكلامه على الناس, اشفع لنا إلى ربك, ألا ترى ما نحن فيه, ألا ترى ما قد بلغنا ؟ فيقول لهم موسى, إن ربي قد غضب غضباً لم يغضب قبله مثله, ولن يغضب بعده مثله, وإني قد قتلت نفساً لم أومر بقتلها, نفسي نفسي نفسي, اذهبوا إلى غيري, اذهبوا إلى عيسى, فيأتون عيسى فيقولون: يا عيسى أنت رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه, وكلمت الناس في المهد صبياً, فاشفع لنا إلى ربك, ألا ترى ما نحن فيه, ألا ترى ما قد بلغنا ؟ فيقول لهم عيسى: إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله, ولن يغضب بعده مثله, ولم يذكر ذنباً, نفسي نفسي نفسي, اذهبوا إلى غيري, اذهبوا إلى محمد صلى الله عليه وسلم, فيأتون محمداً صلى الله عليه وسلم فيقولون: يا محمد أنت رسول الله وخاتم الأنبياء, وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر, فاشفع لنا إلى ربك, ألا ترى ما نحن فيه, ألا ترى ما قد بلغنا ؟ فأقوم فآتي تحت العرش, فأقع ساجداً لربي عز وجل, ثم يفتح الله علي ويلهمني من محامده وحسن الثناء عليه مالم يفتحه على أحد قبلي, فيقال: يا محمد ارفع رأسك وسل تعطه, واشفع تشفع, فأرفع رأسي فأقول: أمتي يا رب, أمتي يا رب, فيقال: يا محمد أدخل من أمتك من لا حساب عليه من الباب الأيمن من أبواب الجنة, وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب, ثم قال: والذي نفس محمد بيده إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة كما بين مكة وهجر, أو كما بين مكة وبصرى " , أخرجاه في الصحيحين.
وقال مسلم رحمه الله: حدثنا الحكم بن موسى , حدثنا عقل بن زياد عن الأوزاعي , حدثني أبو عمار , حدثني عبد الله بن فروخ , حدثني أبو هريرة قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا سيد ولد آدم يوم القيامة, وأول من ينشق عنه القبر يوم القيامة, وأول شافع وأول مشفع". وقال ابن جرير : حدثنا أبو كريب , حدثنا وكيع عن داود بن يزيد الزعافري عن أبيه , عن أبي هريرة قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً" سئل عنها فقال: هي الشفاعة" رواه الإمام أحمد عن وكيع ومحمد بن عبيد عن داود عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: "عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً" قال "هو المقام الذي أشفع لأمتي فيه".
وقال عبد الرزاق : أخبرنا معمر عن الزهري , عن علي بن الحسين قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم القيامة مد الله الأرض مد الأديم حتى لا يكون لبشر من الناس إلا موضع قدميه ـ قال النبي صلى الله عليه وسلم ـ فأكون أول من يدعى, وجبريل عن يمين الرحمن تبارك وتعالى والله ما رآه قبلها, فأقول: أي رب إن هذا أخبرني أنك أرسلته إلي, فيقول الله عز وجل, صدق, ثم أشفع فأقول: يا رب عبادك عبدوك في أطراف الأرض, قال: فهو المقام المحمود" وهذا حديث مرسل.
لما ذكر سبحانه الإلهيات والمعاد والجزاء أردفها بذكر أشرف الطاعات، وهي الصلاة، فقال: 78- "أقم الصلاة لدلوك الشمس". وقد أجمع المفسرون على أن هذه الآية بها الصلوات المفروضة.
وقد اختلف العلماء في الدلوك المذكور في هذه الآية على قولين: أحدهما أنه زوال الشمس عن كبد السماء قال عمر وابنه وأبو هريرة وأبو برزة وابن عباس والحسن والشعبي وعطاء ومجاهد وقتادة والضحاك وأبو جعفر الباقر، واختاره ابن جرير. والقول الثاني: أنه غروب الشمس قاله علي وابن مسعود وأبي بن كعب، وروي عن ابن عباس. قال الفراء: دلوك الشمس: من لدن زوالها إلى غروبها. قال الأزهري: ومعنى الدلوك في كلام العرب الزوال، ولذلك قيل للشمس إذا زالت نصف النهار دالكة، وقيل لها إذا أفلت دالكة، لأنها في الحالتين زائلة. قال: والقول عندي أنه زوالها نصف النهار لتكون الآية جامعة للصلوات الخمس، والمعنى: أقم الصلاة من وقت دلوك الشمس "إلى غسق الليل" فيدخل فيها الظهر والعصر وصلاتا غسق الليل، وهما العشاءان، ثم قال "وقرآن الفجر" هذه خمس صلوات. وقال أبو عبيد: دلوكها غروبها، ودلكت براح: يعني الشمس: أي غابت، وأنشد قطرب على هذا قول الشاعر:
هذا مقام قدمي رباح دبت حتى دلكت براح
اسم من أسماء الشمس على وزن حذام وقطام، ومن ذلك قول ذي الرمة:
مصابيح ليست باللواتي تقودها نجوم ولا بالآفلات الدوالك
أي الغوارب، وغسق الليل اجتماع الظلمة. قال الفراء والزجاج: يقال غسق الليل وأغسق: إذا أقبل بظلامه قال أبو عبيد: الغسق سواد الليل. قال قيس بن الرقيات:
إن هذا الليل قد غسقا واستكنت الهم والأرقا
وقيل غسق الليل: مغيب الشفق، ومنه قول زهير:
ظلت تجود يداها وهي لاهية حتى إذا جعجع الإظلام والغسق
وأصل الكلمة من السيلان يقال: غسقت إذا سالت. وحكى الفراء غسق الليل وأغسق، وظلم وأظلم، ودجى وأدجى وغبش وأغبش، وقد استدل بهذه الغاية أعني قوله: "إلى غسق الليل" من قال إن صلاة الظهر يتمادى وقتها من الزوال إلى الغروب، روي ذلك عن الأوزاعي وأبي حنيفة وجوزه مالك والشافعي في حال الضرورة، وقد وردت الأحاديث الصحيحة المتواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تعيين أوقات الصلوات، فيجب حمل مجمل هذه الآية على ما بينته السنة فلا نطيل بذكر ذلك. قوله: "وقرآن الفجر" انتصاب قرآن لكونه معطوفاً على الصلاة: أي وأقم قرآن الفجر، قاله الفراء. وقال الزجاج والبصريون: انتصابه على الإغراء: أي فعليك قرآن الفجر. قال المفسرون: المراد بقرآن الفجر صلاة الصبح. قال الزجاج: وفي هذه فائدة عظيمة تدل على أن الصلاة لا تكون إلا بقراءة حتى سميت الصلاة قرآناً، وقد دلت الأحاديث الصحيحة على أنه لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب، وفي بعض الأحاديث الخارجة من مخرج حسن وقرآن معها، وورد ما يدل على وجوب الفاتحة في كل ركعة، وقد حررته في مؤلفاتي تحريراً مجوداً، ثم علل سبحانه ذلك بقوله: "إن قرآن الفجر كان مشهوداً" أي تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار كما ورد ذلك في الحديث الصحيح، وبذلك قال جمهور المفسرين.
78 - قوله : " أقم الصلاة لدلوك الشمس " ، اختلفوا في الدلوك : روي عن عبد الله بن مسعود أنه قال : الدلوك هو الغروب . وهو قول إبراهيم النخعي ، و مقاتل بن حيان ، و الضحاك ، و السدي .
وقال ابن عباس : وابن عمر ، وجابر : هو زوال الشمس ، وهو قول عطاء ، و قتادة ، و مجاهد ، و الحسن ، و أكثر التابعين .
ومعنى اللفظ يجمعهما لأن أصل الدلوك الميل ،والشمس تميل إذا زالت وإذا غربت .
والحمل على الزوال أولى القولين لكثرة القائلين به ،ولأنا إذا حملناه عليه كانت الآية جامعة لمواقيت الصلاة كلها، ( فدلوك الشمس ) : يتناول صلاة الظهر والعصر ، و ( إلى غسق الليل ) : يتناول المغرب والعشاء ،و ( قرآن الفجر ) : هو صلاة الصبح .
قوله عز وجل : " إلى غسق الليل " ، أي : ظهور ظلمته ، وقال ابن عباس : بدو الليل . وقال قتادة : وقت صلاة المغرب . وقال مجاهد : غروب الشمس .
" وقرآن الفجر " ، يعني : صلاة الفجر ، سمى صلاة الفجر قرآناً لأنها لا تجوز إلا بقرآن ، وانتصاب القرآن من وجهين ، أحدهما: أنه عطف على الصلاة ، أي : وأقم قرآن الفجر ، قاله الفراء ،وقال أهل البصرة : على الإغراء أي وعليك قرآن الفجر .
" إن قرآن الفجر كان مشهوداً " ، أي : يشهده ملائكة الليل وملائكة النهار .
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا أبو اليمان ، أنبأنا شعيب عن الزهري ، أخبرني سعيد بن المسيب و أبو سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " تفضل صلاة الجميع على صلاة أحدكم وحده بخمس وعشرين جزءاً ، وتجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر " ثم يقول أبو هريرة : اقرؤوا إن شئتم :" إن قرآن الفجر كان مشهوداً " .
78."أقم الصلاة لدلوك الشمس"لزوالها ويدل عليه قوله عليه الصلاة والسلام "أتاني جبريل لدلوك الشمس حين زالت فصلى بي الظهر".وقيل لغروبها وأصل التركيب للانتقال ومنه الدلك فإن الدلك لا تستقر يده، وكذا كل ما تركب من الدال واللام : كدلج ودلح ودلع ودلف ودله. وقيل الدلوك من الدلك لأن الناظر إليها يدلك عينيه ليدفع شعاعها ، وللام للتأقيت مثلها في : لثلاث خلون "إلى غسق الليل"إلى ظلمته وهو وقت صلاة العشاء الأخيرة."وقرآن الفجر " وصلاة الصبح ، سميت قرآناً لأنه ركنها كما سميت ركوعاً وسجوداً ، واستدل به على وجوب القراءة فيها ولا دليل فيه لجواز أن يكون التجوز لكونها مندوبة فيها ، نعم لو فسر القراءة في صلاة الفجر دل الأمر بإقامتها على الوجوب فيها نصاً وفي غيرها قياساً . "إن قرآن الفجر كان مشهوداً "تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار، أو شواهد القدرة من تبدل الظلمة بالضياء والنوم الذي هو أخو الموت بالانتباه أو كثير من المصلين أو من حقه أن يشهده الجم الغفير، والآية جامعة للصلوات الخمس إن فسر الدلوك بالزوال ولصلوات الليل وحدها إن فسر بالغروب . وقيل المراد بالصلاة صلاة المغرب وقوله"لدلوك الشمس إلى غسق الليل"بيان لمبدأ الوقت ومنتهاه ، واستدل به على أن الوقت يمتد إلى غروب الشفق.
78. Establish worship at the going down of the sun until the dark of night, and (the recital of) the Quran at dawn. Lo! (the recital of) the Quran at dawn is ever witnessed.
78 - Establish regular prayers at the sun's decline till the darkness of the night, and the morning prayer and reading: for the prayer and reading in the morning carry their testimony.