[الإسراء : 65] إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلاً
65 - (إن عبادي) المؤمنين (ليس لك عليهم سلطان) تسلط وقوة (وكفى بربك وكيلا) حافظا لهم منك
يقول تعالى ذكره لإبليس : إن عبادي الذين أطاعوني ، فاتبعوا أمري وعصوك يا إبليس ، ليس لك عليهم حجة .
وقوله " وكفى بربك وكيلا " يقول جل ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : وكفاك يا محمد ربك حفيظاً ، وقيما بأمرك ، فانقد لأمره ، وبلغ رسالاته هؤلاء المشركين ، ولا تخف أحداً ، فإنه قد توكل بحفظك ونصرتك .
كما حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله " إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلا " وعباده المؤمنون ، وقال الله في آية أخرى " إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون "
قوله تعالى: "إن عبادي ليس لك عليهم سلطان" قال ابن عباس: هم المؤمنون وقد تقدم الكلام فيه. "وكفى بربك وكيلا" أي عاصما من القبول من إبليس، وحافظا من كيده وسوء مكره.
لما سأل إبليس النظرة قال الله له "اذهب" فقد أنظرتك كما قال في الاية الأخرى قال: " فإنك من المنظرين * إلى يوم الوقت المعلوم " ثم أوعده ومن اتبعه من ذرية آدم جهنم "قال اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم" أي على أعمالكم "جزاءً موفوراً" قال مجاهد وافراً, وقال قتادة موفوراً عليكم لا ينقص لكم منه. وقوله تعالى: "واستفزز من استطعت منهم بصوتك" قيل هو الغناء قال مجاهد باللهو والغناء أي استخفهم بذلك وقال ابن عباس في قوله "واستفزز من استطعت منهم بصوتك" قال كل داع دعا إلى معصية الله عز وجل وقال قتادة واختاره ابن جرير , وقوله تعالى: "وأجلب عليهم بخيلك ورجلك" يقول واحمل عليهم بجنودك خيالتهم ورجلتهم فإن الرجل جمع راجل كما أن الركب جمع راكب وصحب جمع صاحب ومعناه تسلط عليهم بكل ما تقدر عليه وهذا أمر قدري كقوله تعالى "ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزاً" أي تزعجهم إلى المعاصي إزعاجاً وتسوقهم إليها سوقاً وقال ابن عباس ومجاهد في قوله "وأجلب عليهم بخيلك ورجلك" قال كل راكب وماش في معصية الله وقال قتادة : إن له خيلاً ورجالاً من الجن والإنس وهم الذين يطيعونه تقول العرب أجلب فلان على فلان إذا صاح عليه ومنه نهى في المسابقة عن الجلب والجنب ومنه اشتقاق الجلبة وهي ارتفاع الأصوات, وقوله تعالى: "وشاركهم في الأموال والأولاد" قال ابن عباس ومجاهد : هو ما أمرهم به من إنفاق الأموال في معاصي الله, وقال عطاء : هو الربا, وقال الحسن : هو جمعها من خبيث وإنفاقها في حرام, وكذا قال قتادة , وقال العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما أما مشاركته إياهم في أموالهم فهو ما حرموه من أنعامهم يعني من البحائر والسوائب ونحوها وكذا قال الضحاك وقتادة وقال ابن جرير والأولى أن يقال إن الاية تعم ذلك كله, وقوله "والأولاد" قال العوفي عن ابن عباس ومجاهد والضحاك يعني أولاد الزنا, وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس هو ما كانوا قتلوه من أولادهم سفهاً بغير علم, وقال قتادة والحسن البصري : قد والله شاركهم في الأموال والأولاد مجسوا وهودوا ونصروا وصبغوا على غير صبغة الإسلام, وجزؤوا أموالهم جزءاً للشيطان, وكذا قال قتادة سواء, وقال أبو صالح عن ابن عباس هو تسميتهم أولادهم عبد الحارث وعبد الشمس وعبد فلان قال ابن جرير وأولى الأقوال بالصواب أن يقال كل مولود ولدته أنثى عصى الله فيه بتسميته بما يكرهه الله أو بإدخاله في غير الدين الذي ارتضاه الله أو بالزنا بأمه أو بقتله أو غير ذلك من الأمور التي يعصى الله بفعله به أو فيه فقد دخل في مشاركة إبليس فيه من ولد ذلك الولد له أو منه لأن الله لم يخصص بقوله "وشاركهم في الأموال والأولاد" معنى الشركة فيه بمعنى دون معنى فكل ما عصي الله فيه أو به او أطيع الشيطان فيه أو به فهو مشاركة, وهذا الذي قاله متجه وكل من السلف رحمهم الله فسر بعض المشاركة فقد ثبت في صحيح مسلم عن عياض بن حماد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال "يقول الله عز وجل إني خلقت عبادي حنفاء فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم" وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لو أن أحدهم إذا أراد أن يأتي أهله قال بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا فإنه إن يقدر بينهما ولد في ذلك لم يضره الشيطان أبداً" وقوله تعالى: "وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غروراً" كما أخبر تعالى عن إبليس أنه يقول إذا حصحص الحق يوم يقضي بالحق "إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم" الاية وقوله تعالى "إن عبادي ليس لك عليهم سلطان" إخبار بتأييده تعالى عباده المؤمنين وحفظه إياهم وحراسته لهم من الشيطان الرجيم ولهذا قال تعالى "وكفى بربك وكيلاً" أي حافظاً ومؤيداً ونصيراً, وقال الإمام أحمد حدثنا قتيبة حدثنا ابن لهيعة عن موسى بن وردان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن المؤمن لينضي شياطينه كما ينضي أحدكم بعيره في السفر" ينضي أي يأخذ بناصيته ويقهره.
65- "إن عبادي ليس لك عليهم سلطان" يعني عباده المؤمنين كما في غير هذا الموضع من الكتاب العزيز من أن إضافة العباد إليه يراد بها المؤمنون لما في الإضافة من التشريف، وقيل المراد جميع العباد بدليل الاستثناء بقوله في غير هذا الموضع "إلا من اتبعك من الغاوين"، والمراد بالسلطان التسلط "وكفى بربك وكيلاً" يتوكلون عليه، فهو الذي يدفع عنهم كيد الشيطان ويعصمهم من إغوائه.
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: قال إبليس إن آدم خلق من تراب من طين خلق ضعيفاً وإني خلقت من نار، والنار تحرق كل شيء "لأحتنكن ذريته إلا قليلاً" فصدق ظنه عليهم. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه "لأحتنكن ذريته" قال: لأستولين. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن مجاهد "لأحتنكن ذريته" قال: لأحتوينهم. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد قال: لأضلنهم. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد "موفوراً" قال: وافراً. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "واستفزز من استطعت منهم بصوتك" قال: صوته كل داع دعا إلى معصية الله "وأجلب عليهم بخيلك" قال: كل راكب في معصية الله "ورجلك" قال كل راجل في معصية الله " وشاركهم في الأموال " قال: كل مال في معصية الله "والأولاد" قال: كل ما قتلوا من أولادهم وأتوا فيهم الحرام. وأخرج الفريابي وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عنه في الآية قال: كل خيل تسير في معصية الله، وكل مال أخذ بغير حقه، وكل ولد زنا. وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس في الآية قال: "الأموال" ما كانوا يحرمون من أنعامهم "والأولاد" أولاد الزنا. وأخرج ابن جرير عنه أيضاً قال: " الأموال " البحيرة والسائبة والوصيلة لغير الله "والأولاد" سموا عبد الحارث وعبد شمس.
65 - قوله : " إن عبادي ليس لك عليهم سلطان ، وكفى بربك وكيلاً " ، أي حافظاً من يوكل الأمر إليه .
65."إن عبادي "يعني المخلصين ، وتعظيم الإضافة والتقييد في قوله:"إلا عبادك منهم المخلصين"يخصصهم "ليس لك عليهم سلطان"أي على إغوائهم قدرة . "وكفى بربك وكيلاً"يتوكلون عليه في الاستعاذة منك على الحقيقة .
65. Lo! My (faithful) bondmen over them thou hast no power, and thy Lord sufficeth as (their) guardian.
65 - As for my servants, no authority shalt thou have over them: enough is thy Lord for a disposer of affairs.