[الإسراء : 50] قُل كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا
50 - (قل) لهم (كونوا حجارة أو حديدا)
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل يا محمد للمكذبين بالبعث بعد الممات من قومك القائلين " أإذا كنا عظاما ورفاتا أإنا لمبعوثون خلقا جديدا " كونوا إن عجبتم من إنشاء ألله إياكم ، وإعادته أجسامكم ، خلقاً جديداً بعد بلاكم في التراب ، ومصيركم رفاتاً ، وأنكرتم ذلك من قدرته حجارة أو حديدا، أو خلقاً مما يكبر في صدوركم إن قدرتم على ذلك ، فإني أحييكم وأبعثكم خلقاً جديداً بعد مصيركم كذلك كما بدأتكم أول مرة .
قوله تعالى : " قل كونوا حجارة أو حديدا " أي قل لهم يا محمد كونوا على جهة التعجيز حجارة أو حديدا في الشدة والقوة . قال الطبري : أي إن عجبتم من إنشاء الله لكم عظاما ولحما فكونوا أنتم حجارة أو حديدا إن قدرتم . وقال على بن عيسى : معناه أنكم لو كنتم حجارة أو حديدا لم تفوتوا الله عز وجل إذا أرادكم ، إلا أنه خرج مخرج الأمر ، لأنه أبلغ في الإلزام . وقيل : معناه لو كنتم حجارة أو حديدا لأعادكم كما بدأكم ، ولأماتكم ثم أحياكم . وقال مجاهد : المعنى كونوا ما شئتم فستعادون . النحاس : وهذا قول حسن ، لأنهم لا يستطيعون أن يكونوا حجارة ، وإنما المعنى أنهم قد أقروا بخالقهم وأنكروا البعث فقيل لهم استشعروا أن تكونوا ما شئتم ، فلو كنتم حجارة أو حديدا لبعثتم كما خلقتم أول مرة .
يقول تعالى مخبراً عن الكفار المستبعدين وقوع المعاد القائلين استفهام إنكار منهم لذلك " أإذا كنا عظاما ورفاتا " أي تراباً, قاله مجاهد . وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما: غباراً, " أإنا لمبعوثون خلقا جديدا " أي يوم القيامة بعدما بلينا وصرنا عدماً لا نذكر, كما أخبر عنهم في الموضع الاخر " يقولون أإنا لمردودون في الحافرة * أإذا كنا عظاما نخرة * قالوا تلك إذا كرة خاسرة ". وقوله تعالى: "وضرب لنا مثلاً ونسي خلقه" الايتين, فأمر الله سبحانه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجيبهم فقال: "قل كونوا حجارة أو حديداً" إذ هما أشد امتناعاً من العظام والرفات " أو خلقا مما يكبر في صدوركم " قال ابن إسحاق عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد : سألت ابن عباس عن ذلك, فقال: هو الموت, وروى عطية عن ابن عمر أنه قال في تفسير هذه الاية: لو كنتم موتى لأحييتكم, وكذا قال سعيد بن جبير وأبو صالح والحسن وقتادة والضحاك وغيرهم, ومعنى ذلك أنكم لو فرضتم أنكم لو صرتم إلى الموت الذي هو ضد الحياة, لأحياكم الله إذا شاء, فإنه لا يمتنع عليه شيء إذا أراده.
وقد ذكر ابن جرير ههنا حديثاً "يجاء بالموت يوم القيامة وكأنه كبش أملح, فيوقف بين الجنة والنار, ثم يقال: يا أهل الجنة أتعرفون هذا ؟ فيقولون: نعم, ثم يقال: يا أهل النار أتعرفون هذا ؟ فيقولون: نعم, فيذبح بين الجنة والنار, ثم يقال: يا أهل الجنة خلود بلا موت, ويا أهل النار خلود بلا موت" وقال مجاهد " أو خلقا مما يكبر في صدوركم " يعني السماء والأرض والجبال, وفي رواية: ما شئتم فكونوا فسيعيدكم الله بعد موتكم, وقد وقع في التفسير المروي عن الإمام مالك عن الزهري في قوله: "أو خلقاً مما يكبر في صدوركم" قال النبي صلى الله عليه وسلم: قال مالك ويقولون هو الموت.
وقوله تعالى: "فسيقولون من يعيدنا" أي من يعيدنا إذا كنا حجارة أو حديداً أو خلقاً آخر شديداً "قل الذي فطركم أول مرة" أي الذي خلقكم ولم تكونوا شيئاً مذكوراً ثم صرتم بشراً تنتشرون, فإنه قادر على إعادتكم ولو صرتم إلى أي حال "وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه" الاية, وقوله تعالى: " ينغضون إليك رؤوسهم " قال ابن عباس وقتادة : يحركونها استهزاء, وهذا الذي قالاه هو الذي تعرفه العرب من لغاتها, لأن إنغاض هو التحرك من أسفل إلى أعلى أو من أعلى إلى أسفل, ومنه قيل للظليم وهو ولد النعامة نغض, لأنه إذا مشى عجل بمشيته وحرك رأسه, ويقال: نفصت سنه إذا تحركت وارتفعت من منبتها وقال الراجز:
ونغضت من هرم أسنانها
وقوله: "ويقولون متى هو" إخبار عنهم بالإستبعاد منهم لوقوع ذلك, كما قال تعالى: "ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين" وقال تعالى: "يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها". وقوله: "قل عسى أن يكون قريباً" أي احذروا ذلك, فإنه قريب سيأتيكم لا محالة, فكل ما هو آت آت. وقوله تعالى: "يوم يدعوكم" أي الرب تبارك وتعالى: "إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون" أي إذا أمركم بالخروج منها, فإنه لا يخالف ولا يمانع, بل كما قال تعالى: "وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر" "إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون". وقوله "فإنما هي زجرة واحدة * فإذا هم بالساهرة" أي إنما هو أمر واحد بانتهار, فإذا الناس قد خرجوا من باطن الأرض إلى ظاهرها, كما قال تعالى: "يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده" أي تقومون كلكم إجابة لأمره وطاعة لإرادته. قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : فتستجيبون بحمده, أي بأمره, وكذا قال ابن جريج : وقال قتادة بمعرفته وطاعته.
وقال بعضهم "يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده" أي وله الحمد في كل حال. وقد جاء في الحديث "ليس على أهل لا إله إلا الله وحشة في قبورهم, كأني بأهل لا إله إلا الله يقومون من قبورهم ينفضون التراب عن رؤوسهم يقولون لا إله إلا الله" وفي رواية يقولون "الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن" وسيأتي في سورة فاطر. وقوله تعالى: "وتظنون" أي يوم تقومون من قبوركم "إن لبثتم" أي في الدار الدنيا "إلا قليلاً", وكقوله تعالى: "كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها", وقال تعالى: "يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقاً * يتخافتون بينهم إن لبثتم إلا عشرا * نحن أعلم بما يقولون إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلا يوماً", وقال تعالى: "ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة كذلك كانوا يؤفكون", وقال تعالى: " قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين * قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فاسأل العادين * قال إن لبثتم إلا قليلا لو أنكم كنتم تعلمون ".
50- " قل كونوا حجارة أو حديدا * أو خلقا " آخر " مما يكبر في صدوركم " قال ابن جرير: معناه إن عجبتم من إنشاء الله لكم عظاماً ولحماً فكونوا أنتم حجارة أو حديداً إن قدرتم على ذلك، وقال علي بن عيسى: معناه إنكم لو كنتم حجارة أو حديداً لأعادكم كما بدأكم ولأماتكم ثم أحياكم. قال النحاس: وهذا قول حسن، لأنهم لا يستطيعون أن يكونوا حجارة أو حديداً، وإنما المعنى أنهم قد أقروا بخالقهم وأنكروا البعث، فقيل لهم استشعروا أن تكونوا ما شئتم، فلو كنتم حجارة أو حديداً لبعثتم كما خلقتم أول مرة. قلت: وعلى هذا الوجه قررنا جواب الشبهة قبل هذا.
50 - " قل " لهم يا محمد : " كونوا حجارةً أو حديداً" ، في الشدة والقوة ، وليس هذا بأمر إلزام بل هو أمر تعجيز ، أي : استشعروا في قلوبكم أنكم حجارة أو حديد في القوة .
50."قل"جواباً لهم ."كونوا حجارةً أو حديداً".
50. Say: Be ye stones or iron
50 - Say: (nay) be ye stones or iron,