[الإسراء : 104] وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُواْ الأَرْضَ فَإِذَا جَاء وَعْدُ الآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا
104 - (وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض فإذا جاء وعد الآخرة) أي الساعة (جئنا بكم لفيفا) جميعا أنتم وهم
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن بشار ، قان : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن منصور ، عن ابن أبي رزين " جئنا بكم لفيفا " قال : من كل قوم .
وقال آخرون : بل معناه : جئنا بكم جميعاً.
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله " جئنا بكم لفيفا " قال : جميعاً .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد " جئنا بكم لفيفا " جميعاً .
حدثنا القاسم ، قال ؟ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا بشر ، قل : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله " فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا " : أي جميعاً ، أولكم وآخركم .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله " جئنا بكم لفيفا " قال : جميعاً.
حدثت عن الحسين ، قال : سمعمت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله " جئنا بكم لفيفا" يعني جميعاً، ووحد اللفيف ، وهو خبر عن الجميع ، لأنه بمعنى المصدركقول القائل : لففته لفاً ولفيفاً.
قوله تعالى : " وقلنا من بعد " أي من بعد إغراقه ، " لبني إسرائيل اسكنوا الأرض " أي أرض الشأم ومصر ، " فإذا جاء وعد الآخرة " أي القيامة ، " جئنا بكم لفيفا " أي من قبوركم مختلطين من كل موضع ، قد اختلط المؤمن بالكافر لا يتعارفون ولا ينحاز أحد منكم إلى قبيلته وحيه ، وقال ابن عباس و قتادة : جئنا بكم جيمعاً من جهات شتى ، والمعنى واحد ، قال الجوهري : واللفيف ما اجتمع من الناس من قبائل شتى ، يقال : جاء القوم بلفهم ولفيفهم ، أي وأخلاطهم ، وقوله تعالى : " جئنا بكم لفيفا " أي مجتمعين مختلطين ، وطعام لفيف إذا كان مخلوطاً من جنسين فصاعداً ، وفلان لفيف فلان أي صديقه ، قال الأصمعي : اللفيف جمع وليس له واحد ، وهو مثل الجميع ، والمعنى : أنهم يخرجون وقت الحشر من القبور كالجراد المنتشر مختلطين لا يتعارفون وقال الكلبي : " فإذا جاء وعد الآخرة " يعني مجيء عيسى عليه السلام من السماء .
يخبر تعالى أنه بعث موسى بتسع آيات بينات وهي الدلائل القاطعة على صحة نبوته وصدقه فيما أخبر به عمن أرسله إلى فرعون, وهي العصا واليد والسنين والبحر والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات, قاله ابن عباس . وقال محمد بن كعب : هي اليد والعصا, والخمس في الأعراف والطمسة والحجر, وقال ابن عباس أيضاً ومجاهد وعكرمة والشعبي وقتادة : هي يده وعصاه والسنين ونقص الثمرات والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم, وهذا القول ظاهر جلي حسن قوي, وجعل الحسن البصري السنين ونقص الثمرات واحدة, وعنده أن التاسعة هي تلقف العصا ما يأفكون "فاستكبروا وكانوا قوماً مجرمين" أي ومع هذه الايات ومشاهدتهم لها, كفروا بها وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً, وما نجعت فيهم: فكذلك لو أجبنا هؤلاء الذين سألوا منك ما سألوا, وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً إلى آخرها, لما استجابوا ولا آمنوا إلا أن يشاء الله, كما قال فرعون لموسى وقد شاهد منه ما شاهد من هذه الايات " إني لأظنك يا موسى مسحورا " قيل: بمعنى ساحر, والله تعالى أعلم. فهذه الايات التسع التي ذكرها هؤلاء الأئمة هي المراد ههنا, وهي المعنية في قوله تعالى: " وألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب يا موسى لا تخف إني لا يخاف لدي المرسلون * إلا من ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء فإني غفور رحيم * وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء في تسع آيات إلى فرعون وقومه إنهم كانوا قوما فاسقين " فذكر هاتين الايتين العصا واليد وبين الايات الباقيات في سورة الأعراف وفصلها. وقد أوتي موسى عليه السلام آيات أخر كثيرة, منها ضربة الحجر بالعصا, وخروج الماء منه, ومنها تظليلهم بالغمام وإنزال المن والسلوى, وغير ذلك مما أوتيه بنو إسرائيل بعد مفارقتهم بلاد مصر, ولكن ذكر ههنا التسع الايات التي شاهدها فرعون وقومه من أهل مصر, فكانت حجة عليهم فخالفوها وعاندوها كفراً وجحوداً.
فأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد : حدثنا يزيد حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة قال: سمعت عبد الله بن سلمة يحدث عن صفوان بن عسال المرادي رضي الله عنه قال: قال يهودي لصاحبه: اذهب بنا إلى هذا النبي حتى نسأله عن هذه الاية "ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات" فقال: لا تقل له نبي, فإنه لو سمعك لصارت له أربع أعين, فسألاه, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تشركوا بالله شيئاً, ولا تسرقوا, ولا تزنوا, ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق, ولا تسحروا, ولا تأكلوا الربا, ولا تمشوا ببريء إلى ذي سلطان ليقتله, ولا تقذفوا محصنة ـ أو قال لا تفروا من الزحف شعبة الشاك ـ وأنتم يا يهود عليكم خاصة أن لا تعدوا في السبت فقبلا يديه ورجليه, وقالا: نشهد أنك نبي. قال: فما يمنعكما أن تتبعاني ؟ قالا: لأن دواد عليه السلام دعا أن لا يزال من ذريته نبي, وإنا نخشى إن أسلمنا أن تقتلنا يهود" . فهذا الحديث رواه هكذا الترمذي والنسائي وابن ماجه وابن جرير في تفسيره من طرق عن شعبة بن الحجاج به, وقال الترمذي : حسن صحيح. وهو حديث مشكل, و عبد الله بن سلمة في حفظه شيء, وقد تكلموا فيه, ولعله اشتبه عليه التسع الايات بالعشر الكلمات فإنها وصايا في التوراة لا تعلق لها بقيام الحجة على فرعون, والله أعلم, ولهذا قال موسى لفرعون "لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السموات والأرض بصائر" أي حججاً وأدلة على صدق ما جئتك به "وإني لأظنك يا فرعون مثبوراً" أي هالكاً, قاله مجاهد وقتادة , وقال ابن عباس : ملعوناً, وقال أيضاً هو والضحاك "مثبوراً" أي مغلوباً, والهالك كما قال مجاهد يشمل هذا كله, قال الشاعر عبد الله بن الزبعري :
إذ أجاري الشيطان في سنن الغـ ـي ومن مال ميله مثبور
وقرأ بعضهم برفع التاء من قوله علمت, وروي ذلك عن علي بن أبي طالب , ولكن قراءة الجمهور بفتح التاء على الخطاب لفرعون, كما قال تعالى: " فلما جاءتهم آياتنا مبصرة قالوا هذا سحر مبين * وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا " الاية, فهذا كله مما يدل على أن المراد بالتسع الايات إنما هي ما تقدم ذكره من العصا واليد والسنين ونقص من الثمرات والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم, التي فيها حجج وبراهين على فرعون وقومه, وخوارق ودلائل على صدق موسى ووجود الفاعل المختار الذي أرسله, وليس المراد منها كما ورد في الحديث, فإن هذه الوصايا ليس فيها حجج على فرعون وقومه, وأي مناسبة بين هذا وبين إقامة البراهين على فرعون ؟ وما جاءهم هذا الوهم إلا من قبل عبد الله بن سلمة, فإن له بعض ما ينكر, والله أعلم. ولعل ذينك اليهوديين إنما سألا عن العشر الكلمات فاشتبه على الرواي بالتسع الايات فحصل وهم في ذلك, والله أعلم.
وقوله: "فأراد أن يستفزهم من الأرض" أي يخليهم منها ويزيلهم عنها, " فأغرقناه ومن معه جميعا * وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض " وفي هذا بشارة لمحمد صلى الله عليه وسلم بفتح مكة مع أن السورة مكية نزلت قبل الهجرة, وكذلك فإن أهل مكة هموا بإخراج الرسول منها, كما قال تعالى: "وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها" الايتين, ولهذا أورث الله رسوله مكة فدخلها عنوة على أشهر القولين, وقهر أهلها ثم أطلقهم حلماً وكرماً, كما أورث الله القوم الذين كانوا يستضعفون من بني إسرائيل مشارق الأرض ومغاربها, وأورثهم بلاد فرعون وأموالهم وزروعهم وثمارهم وكنوزهم, كما قال كذلك وأورثناها بني إسرائيل, وقال ههنا " وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا " أي جميعكم أنتم وعدوكم, قال ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك : لفيفاً أي جميعاً.
104- "وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض" أي من بعد إغراقه ومن معه، والمراد بالأرض هنا: أرض مصر التي أراد أن يستفزهم منها "فإذا جاء وعد الآخرة" أي الدار الآخرة وهو القيامة، أو الكرة الآخرة، أو الساعة الآخرة "جئنا بكم لفيفاً" قال الجوهري: اللفيف ما اجتمع من الناس من قبائل شتى، يقال جاء القوم بلفهم ولفيفهم: أي بأخلاطهم، فالمراد هنا جئنا بكم من قبوركم مختلطين من كل موضع، قد اختلط المؤمن بالكافر. قال الأصمعي: اللفيف جمع وليس له واحد، وهو مثل الجمع.
104 - " وقلنا من بعده " ، أي من بعد هلاك فرعون ، " لبني إسرائيل : اسكنوا الأرض " ، يعني أرض مصر والشام ، " فإذا جاء وعد الآخرة " ، يعني يوم القيامة ، " جئنا بكم لفيفاً " أي : جميعاً إلى موقف القيامة . واللفيف : الجمع الكثير : إذا كانوا مختلطين من كل نوع ، يقال : لفت الجيوش إذا اختلطوا ، وجمع القيامة كذلك ، فيهم المؤمن والكافر، والبر والفاجر .
وقال الكلبي : ( فإذا جاء وعد الآخرة ) : يعني مجيء عيسى من السماء ( جئنا بكم لفيفاً ) أي : النزاع من كل قوم ، من هاهنا ومن هاهنا لفوا جميعاً .
104."وقلنا من بعده "من بعد فرعون أو إغراقه. "لبني إسرائيل اسكنوا الأرض"التي أراد أن يستفزكم منها ."فإذا جاء وعد الآخرة "الكرة أو الحياة أو الساعة أو الدار الآخرة يعين قيام القيامة . "جئنا بكم لفيفاً "مختلطين إياكم وإياهم ثم نحكم بينك ونمير سعداءكم من أشقيائكم ، واللفيف الجماعات من قبائل شتى.
104. And We said unto the Children of Israel after him: Dwell in the land; but when the promise of the Hereafter cometh to pass we shall bring you as a crowd gathered out of various nations.'
104 - And we said thereafter to the children of Israel, dwell securely in the land (of promise): but when the second of the warnings came to pass, we gathered you together in a mingled crowd