[الإسراء : 101] وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَونُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا
101 - (ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات) وهي اليد والعصا والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والطمس والسنين ونقص الثمرات (فاسأل) يا محمد (بني إسرائيل) عنه سؤال تقرير للمشركين على صدقك أو فقلنا له إسأل وفي قراءة بلفظ الماضي (إذ جاءهم فقال له فرعون إني لأظنك يا موسى مسحورا) مخدوعا مغلوبا على عقلك
يقول تعالى ذكره : ولقد آتينا موسى بن عمران تسع آيأت بينات تبين لمن رآها أنها حجج لموسى شاهدة على صدقه وحقيقة نبوته .
وقد اختلف أهل التأويل فيهن وما هن .
فقال بعضهم في ذلك ما:
حدثني به محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله " ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات " قال : التسع الآيات البينات : يده ، وعصاه ، ولسا نه ، والبحر ، وا لطوفان ، وا لجراد ، والقمل ، وا لضفادع ، والدم ، آيات مفصلات .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله " ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات " إلقاء العصا مرتين عند فرعون ، ونزع يده ، والعقدة التي كانت بلسانه ، وخمس آيات في الأعراف : الطوفان ، والجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم . وقال آخرون نحواً من هذا القول ، غير أنهم جعلوا آيتين منهن : إحداهما الطمسة ، والأخرى الحجر.
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن بريدة بن سفيان ، عن محمد بن كعب القرظي ، مال : سألني عمر بن عبد العزيز ، عن قوله " ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات " فقلت له : هي الطوفان ، والجراد ، والقمل ،
والضفادع ، والدم ، وا لبحر، وعصاه ، والطمسة ، وا لحجر ، فقال : وما الطمسة؟ فقلت : دعا موسى وأمن هارون ، فقال : قد أجيبت دعوتكما، وقال عمر: كيف يكون الفقه إلا هكذا، فدعا عمر بن عبد ألعزيز بخريطة كانت لعبد العزيز بن مروان أصيبت بمصر، فإذا فيها الجوزة والبيضة والعدسة ما تنكر، مسخت حجارة كانت من أموال فرعون أصيبت بمصر. وقال اخرون نحواً من ذلك إلا أنهم جعلوا اثنتين منهن : إحداهما السنين ، والأخرى النقص من الثمرات .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يحيى بن واضح ، قال : ثنا الحسين بن واقد ، عن يزيد النحوي ، عن عكرمة و مطر الوراق ، في قوله " تسع آيات " قالا : الطوقان ، والجراد، والقمل ، والضفادع ، والدم ، والعصا ، واليد ، والسنون ، ونقص من الثمرات .
حدثني يعقوب ، قال : ثنا هشيم ، عن مغيرة ، عن الشعبي ، في قوله " تسع آيات بينات " قال : الطوفان ، والجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم ،
والسنين ، ونقص من ا لثمرات ، وعصاه ، ويده .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : سئل عطاء بن أبي رباح عن قوله " ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات" ما هي ؟ قال : الطوفان ، والجراد، والقمل ، والضفادع ، والدم ، وعصى موسى ، ويده .
قال ابن جريج : وقال مجاهد مثل قول عطاء ، وزاد : " أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات " قال : هما التاسعتان ، ويقولون : التاسعتان : السنين ، وذهاب عجمة لسان موسى .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، عن ابن عباس ، في قوله " تسع آيات بينات " . وهي متتابعات ، " ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات " قال : السنين في أهل البوادي ، ونقص من الثمرات لأهل القرى ، فهاتان آياتان ، والطوفان ، والجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم ، هذه خمس ، ويد موسى إذ أخرجها بيضاء للناظرين من غير سوء : البرص ، وعصاه إذ ألقاها، فإذا هي ثعبان مبين .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، عن ابن عباس ، قوله " ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات " قال : يد موسى ، وعصاه ، والطوفان ، والجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم والسنين ، ونقص من الثمرات .
وقال آخرون نحواً من ذلك إلا أنهم جعلوا السنين ، والنقص من الثمرات اية واحدة، وجعلوا التاسعة : تلقف العصا ما يأفكون .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : لقد أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، قال : قاك الحسن ، في قوله " تسع آيات بينات " ، " ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات " قال : هذه آية واحدة ، والطوفان ، والجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم ، ويد موسى ، وعصاه إذ ألقاها فإذا هي ثعبان مبين ، وإذ ألقاها فإذا هي تلقف ما يأفكون .
وقال آخرون في ذلك ما
حدثني محمد بن المثنى ، قال : ثني محمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن عمرو بن مرة ، قال : سمعت عبد الله بن سلمة يحدث عن صفوان بن عسال ، قال : قال يهودي لصاحبه : اذهب بنا إلى النبي حتى نسأله عن هذه الاية " ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات " قال : لا تقل له نبي ، فإنه إن سمعك صارت له أربعة أعين ، قال : فسألا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لا تشركوا بالله شيئاً، ولا تسرقوا، ولاتزنوا، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ،ولا تسحروا، ولا تأكلوا الربا، ولا تمشوا ببريء إلى ذي سلطان ليقتله ، ولا تقذفوا محصنة أو قال : لا تفروا من الزحف . شعبة الشاك وأنتم يا يهود عليكم خاصة لا تعدوا في السبت ، فقبلا يده ورجله ، وقالا : نشهد أنك نبي ، قال : فما يمنعكما أن تسلما؟ قالا: إن داود دعا أن لا يزال من ذريته نبي ، وإنا نخشى أن تقتلنا يهود .
حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا سهل بن يوسف و أبو داود و عبد الرحمن بن مهدي ، عن سعيد ، عن عمرو ، قال : سمعت عبد الله بن سلمة يحدث عن صفوان بن عسال المرادي ، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه ، إلا أن ابن مهدي قال : لا تمشوا إلى ذي سلطان وقال ابن مهدي : أراه قال : ببريء .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا عبد الله بن إدريس و أبو أسامة بنحوه ، عن شعبة بن الحجاج ، عن عمرو بن مرة، عن عبد الله بن سلمة ، عن صفوان بن عسال ، قال : قال .يهودى لصاحبه : اذهب بنا الى هذا النبي ، فقال صاحبه : لا تقل نبي ، إنه لو سمعك كان له أربع أعين ، قال : فأتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يسألانه عن تسع آيات بينات ، فقال : هن : ولا تشركوا بالله شيئاً، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقلعوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ، ولا تمشوا ببريء إلى ذي سلطان ليقتله ، ولا تسحروا، ولا تأكلوا الربا، ولا تقذفوا المحصنة، ولا تولوا يوم الزحف وعليكم خاصة يهود: أن لا تعدوا في السبت ، قال : فقبلوا يديه ورجليه ، وقالوا : نشهد أنك نبي ، قال : فما يمنعكم أن تتبعوني ؟ قالوا : إن داود دعا أن لا يزال من ذريته نبي ، وإنا نخاف إن اتبعناك أن تقتلنا يهود .
حدثنا مجاهد بن موسى ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا شعبة بن الحجاج ، عن عمرو بن مرة ، عن عبد الله بن سلمة ، عن صفوان بن عسال ، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه .
وأما قوله " فاسأل بني إسرائيل إذ جاءهم " فإن عامة قراء الإسلام على قراءته على وجه الأمر بمعنى : فاسأل يا محمد بني إسرائيل إذ جاءهم موسى .
وروي عن الحسن البصري في تأويله ما:
حدثني به الحارث ، قال : ثنا القاسم ، قال : ثنا حجاج ، عن هارون ، عن إسماعيل ، عن الحسن " فاسأل بني إسرائيل " قال : سؤالك إياهم : نظرك في القرآن .
وروي عن ابن عباس أنه كان يقرأ ذلك " فاسأل " بمعنى : فسأل موسى فرعون بني إسرائيل أن يرسلهم معه على وجه الخبر.
ذكر من قال ذلك :
حدثنا أحمد بن يوسف ، قال : ثنا القاسم ، قال : ثنا حجاج ، عن هارون ، عن حنظلة السدوسي ، عن شهر بن حوشب ، عن ابن عباس ، أنه قرأفسأل بني إسرإئيل إذ جاءهم يعني أن موسى سأل فرعون بني إسرائيل أن يرسلهم معه .
والقراءة التي لا أستجيز أن يقرأ بغيرها، هي القراءة التي عليها قراء الأمصار، لإجماع الحجة من القراء على تصويبها، ورغبتهم عما خالفها.
وقوله " فقال له فرعون إني لأظنك يا موسى مسحوراً " يقول : فقال لموسى فرعون : إني لأظنك يا موسى تتعاطى علم السحر، فهذه العجائب التي تفعلها من سحرك ، وقد يجوز أن يكون مراداً به إني لأظنك يا موسى ساحراً، فوضع مفعول موضع فاعل ، كما قيل : إنك مشئوم علينا وميمون ، وإنما هو شائم ويامن. وقد تأول بعضهم حجاباً مستوراً، بمعنى : حجاباً ساتراً، والعرب قد تخرج فاعلاً بلفظ مفعول كثيرا.
قوله تعالى : " ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات " اختلف في هذه الآيات ، فقيل : هي بمعنى آيات الكتاب ، كما روى الترمذي و النسائي عن صفوان بن عسال المرادي : أن يهوديين قال أحدهما لصاحبة : اذهب بنا إلى هذا النبي نسأله ، فقال : لا تقل له نبي فإنه إن سمعنا كان له أربعة أعين ، فأتيا النبي صلى الله عليه وسلم فسألاه عن قوله الله تعالى : ( ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات ) " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تشركوا بالله شيئاً ولا تزنوا ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا ولا تسرقوا ولا تسحروا ولا تمشوا ببريء إلى سلطان فيقتله ولا تأكلوا الربا ولا تقذفوا محصنة ولا تفروا من الزحف " شك شعبة وعليكم يا معشر اليهود خاصة ألا تعدوا في السبت فقبلا يديه ورجليه وقالا : نشهد أنك نبي قال : فما يمنعكما أن تسلما قالا ، إن داود دعا الله ألا يزال في ذريته نبي وإنا نخاف إن أسلمنا أن تقتلنا اليهود ، قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح ، وقد مضى في البقرة ، وقيل : الآيات بمعنى المعجزات والدلالات قال ابن عباس و الضحاك : الآيات التسع : العصا واليد واللسان والبحر والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم ، آيات مفصلات ، وقال الحسن و الشعبي : الخمس المذكورة في الأعراف يعنيان الطوفان وما عطف عليه ، واليد والعصا والسنين والنقص من الثمرات ، وروي نحوه عن الحسن ، إلا أنه يجعل السنين والنقص من الثمرات واحدة ، وجعل التاسعة تلقف العصا ما يأفكون ، وعن مالك كذلك ، إلا أنه جعل مكان السنين والنقص من الثمرات : البحر والجبل ، وقال محمد بن كعب : هي الخمس التي في الأعراف والبحر والعصا والحجر والطمس على أموالهم ، وقد تقدم شرح هذه الآيات مستوفى والحمد لله ، "فاسأل بني إسرائيل إذ جاءهم " أي سلهم يا محمد إذ جاءهم موسى بهذه الآيات ، حسبما تقدم بيانه في يونس ، وهذا سؤال استفهام ليعرف اليهود صحة ما يقول محمد صلى الله عليه وسلم ، ( فقال له فرعون إني لأظنك يا موسى مسحوراً ) أي ساحراً بغرائب أفعالك ، قاله الفراء و أبو عبيدة ، فوضع المفعول موضع الفاعل ، كما تقول : هذا مشؤوم وميمون ، أي شائم ويامن ، وقيل مخدوعاً ، وقيل مغلوباً ، قاله مقاتل ، وقيل غير هذا ، وقد تقدم ، وعن ابن عباس و أبي نهيك أنهما قرأا ( فسأل بني إسرائيل ) على الخبر ، أي سأل موسى فرعون أن يخلي بني إسرائيل ويطلق سبيلهم ويطلق سبيلهم ويرسلهم معه .
يخبر تعالى أنه بعث موسى بتسع آيات بينات وهي الدلائل القاطعة على صحة نبوته وصدقه فيما أخبر به عمن أرسله إلى فرعون, وهي العصا واليد والسنين والبحر والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات, قاله ابن عباس . وقال محمد بن كعب : هي اليد والعصا, والخمس في الأعراف والطمسة والحجر, وقال ابن عباس أيضاً ومجاهد وعكرمة والشعبي وقتادة : هي يده وعصاه والسنين ونقص الثمرات والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم, وهذا القول ظاهر جلي حسن قوي, وجعل الحسن البصري السنين ونقص الثمرات واحدة, وعنده أن التاسعة هي تلقف العصا ما يأفكون "فاستكبروا وكانوا قوماً مجرمين" أي ومع هذه الايات ومشاهدتهم لها, كفروا بها وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً, وما نجعت فيهم: فكذلك لو أجبنا هؤلاء الذين سألوا منك ما سألوا, وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً إلى آخرها, لما استجابوا ولا آمنوا إلا أن يشاء الله, كما قال فرعون لموسى وقد شاهد منه ما شاهد من هذه الايات " إني لأظنك يا موسى مسحورا " قيل: بمعنى ساحر, والله تعالى أعلم. فهذه الايات التسع التي ذكرها هؤلاء الأئمة هي المراد ههنا, وهي المعنية في قوله تعالى: " وألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب يا موسى لا تخف إني لا يخاف لدي المرسلون * إلا من ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء فإني غفور رحيم * وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء في تسع آيات إلى فرعون وقومه إنهم كانوا قوما فاسقين " فذكر هاتين الايتين العصا واليد وبين الايات الباقيات في سورة الأعراف وفصلها. وقد أوتي موسى عليه السلام آيات أخر كثيرة, منها ضربة الحجر بالعصا, وخروج الماء منه, ومنها تظليلهم بالغمام وإنزال المن والسلوى, وغير ذلك مما أوتيه بنو إسرائيل بعد مفارقتهم بلاد مصر, ولكن ذكر ههنا التسع الايات التي شاهدها فرعون وقومه من أهل مصر, فكانت حجة عليهم فخالفوها وعاندوها كفراً وجحوداً.
فأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد : حدثنا يزيد حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة قال: سمعت عبد الله بن سلمة يحدث عن صفوان بن عسال المرادي رضي الله عنه قال: قال يهودي لصاحبه: اذهب بنا إلى هذا النبي حتى نسأله عن هذه الاية "ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات" فقال: لا تقل له نبي, فإنه لو سمعك لصارت له أربع أعين, فسألاه, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تشركوا بالله شيئاً, ولا تسرقوا, ولا تزنوا, ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق, ولا تسحروا, ولا تأكلوا الربا, ولا تمشوا ببريء إلى ذي سلطان ليقتله, ولا تقذفوا محصنة ـ أو قال لا تفروا من الزحف شعبة الشاك ـ وأنتم يا يهود عليكم خاصة أن لا تعدوا في السبت فقبلا يديه ورجليه, وقالا: نشهد أنك نبي. قال: فما يمنعكما أن تتبعاني ؟ قالا: لأن دواد عليه السلام دعا أن لا يزال من ذريته نبي, وإنا نخشى إن أسلمنا أن تقتلنا يهود" . فهذا الحديث رواه هكذا الترمذي والنسائي وابن ماجه وابن جرير في تفسيره من طرق عن شعبة بن الحجاج به, وقال الترمذي : حسن صحيح. وهو حديث مشكل, و عبد الله بن سلمة في حفظه شيء, وقد تكلموا فيه, ولعله اشتبه عليه التسع الايات بالعشر الكلمات فإنها وصايا في التوراة لا تعلق لها بقيام الحجة على فرعون, والله أعلم, ولهذا قال موسى لفرعون "لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السموات والأرض بصائر" أي حججاً وأدلة على صدق ما جئتك به "وإني لأظنك يا فرعون مثبوراً" أي هالكاً, قاله مجاهد وقتادة , وقال ابن عباس : ملعوناً, وقال أيضاً هو والضحاك "مثبوراً" أي مغلوباً, والهالك كما قال مجاهد يشمل هذا كله, قال الشاعر عبد الله بن الزبعري :
إذ أجاري الشيطان في سنن الغـ ـي ومن مال ميله مثبور
وقرأ بعضهم برفع التاء من قوله علمت, وروي ذلك عن علي بن أبي طالب , ولكن قراءة الجمهور بفتح التاء على الخطاب لفرعون, كما قال تعالى: " فلما جاءتهم آياتنا مبصرة قالوا هذا سحر مبين * وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا " الاية, فهذا كله مما يدل على أن المراد بالتسع الايات إنما هي ما تقدم ذكره من العصا واليد والسنين ونقص من الثمرات والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم, التي فيها حجج وبراهين على فرعون وقومه, وخوارق ودلائل على صدق موسى ووجود الفاعل المختار الذي أرسله, وليس المراد منها كما ورد في الحديث, فإن هذه الوصايا ليس فيها حجج على فرعون وقومه, وأي مناسبة بين هذا وبين إقامة البراهين على فرعون ؟ وما جاءهم هذا الوهم إلا من قبل عبد الله بن سلمة, فإن له بعض ما ينكر, والله أعلم. ولعل ذينك اليهوديين إنما سألا عن العشر الكلمات فاشتبه على الرواي بالتسع الايات فحصل وهم في ذلك, والله أعلم.
وقوله: "فأراد أن يستفزهم من الأرض" أي يخليهم منها ويزيلهم عنها, " فأغرقناه ومن معه جميعا * وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض " وفي هذا بشارة لمحمد صلى الله عليه وسلم بفتح مكة مع أن السورة مكية نزلت قبل الهجرة, وكذلك فإن أهل مكة هموا بإخراج الرسول منها, كما قال تعالى: "وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها" الايتين, ولهذا أورث الله رسوله مكة فدخلها عنوة على أشهر القولين, وقهر أهلها ثم أطلقهم حلماً وكرماً, كما أورث الله القوم الذين كانوا يستضعفون من بني إسرائيل مشارق الأرض ومغاربها, وأورثهم بلاد فرعون وأموالهم وزروعهم وثمارهم وكنوزهم, كما قال كذلك وأورثناها بني إسرائيل, وقال ههنا " وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا " أي جميعكم أنتم وعدوكم, قال ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك : لفيفاً أي جميعاً.
قوله: 101- "ولقد آتينا موسى تسع آيات" أي علامات دالة على نبوته. قيل ووجه اتصال هذه الآية بما قبلها أن المعجزات المذكورة كأنها مساوية لتلك الأمور التي اقترحها كفار قريش، بل أقوى منها، فليس عدم الاستجابة لما طلبوه من الآيات إلا لعدم المصلحة في استئصالهم إن لمن يؤمنوا بها. قال أكثر المفسرين: الآيات التسع: هي الطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، والعصا، واليد، والسنين، ونقص الثمرات. وجعل الحسن مكان السنين ونقص الثمرات البحر والجبل. وقال محمد بن كعب القرظي: هي الخمس التي في الأعراف، والبحر، والعصا، والحجر، والطمس على أموالهم. وقد تقدم الكلام على هذه الآيات مستوفى، وسيأتي حديث صفوان بن عسال في تعداد هذه الآيات التسع "فاسأل بني إسرائيل" قرأ ابن عباس وابن نهيك فسأل على الخبر: أي سأل موسى فرعون أن يخلي بني إسرائيل ويطلق سبيلهم ويرسلهم معه، وقرأ الآخرون "فاسأل" على الأمر: أي سلهم يا محمد حين "جاءهم" موسى، والسؤال سؤال استشهاد لمزيد الطمأنينة والإيقان، لأن الأدلة إذا تضافرت كان ذلك أقوى والمسؤولون مؤمنو بني إسرائيل كعبد الله بن سلام وأصحابه "فقال له فرعون إني لأظنك يا موسى مسحوراً" الفاء هي الفصيحة: أي فأظهر موسى عند فرعون ما آتيناه من الآيات البينات وبلغه ما أرسل به فقال له فرعون. والمسحور: الذي سحر فخولط عقله. وقال أبو عبيدة والفراء: هو بمعنى الساحر، فوضع المفعول موضع الفاعل.
101 - قوله عز وجل : " ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات " ، أي : دلالات واضحات ، فهي الآيات التسع .
قال ابن عباس و الضحاك : هي العصا ، واليد البيضاء ، والعقدة التي كانت بلسانه فحلها ، وفلق البحر ، والطوفان ، والجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم .
وقال عكرمة وقتادة و مجاهد و عطاء : هي الطوفان ، والجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم ، والعصا ، واليد ، والسنون ، ونقص الثمرات .
وذكر محمد بن كعب القرظي : الطمس ، والبحر بدل السنين ، ونقص من الثمرات ، قال : فكان الرجل منهم مع أهله في فراشه وقد صارا حجرين ، والمرأة منهم قائمة تخبز وقد صارت حجراً .
وقال بعضهم : هن آيات الكتاب .
أخبرنا أبو سعيد أحمد بن إبراهيم الشريحي ، أخبرنا أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي ، أخبرني الحسن بن محمد الثقفي ، أخبرنا هارون بن محمد بن هارون العطار ، أنبأنا يوسف بن عبد الله بن ماهان ، حدثنا الوليد الطيالسي ، حدثنا شعبة بن عمرو بن مرة ، عن عبد الله بن مسلمة ، عن صفوان بن عسال المرادي ، "أن يهودياً قال لصاحبه : تعال حتى نسأل هذا النبي ، فقال الآخر : لا تقل نبي ، فإنه لو سمع صارت له أربعة أعين ، فأتياه فسألاه عن هذه الآية : " ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات " فقال : لا تشركوا بالله شيئاً ، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ، ولا تزنوا ، ولا تأكلوا الربا ، ولا تسحروا ، ولا تمشوا بالبريء إلى سلطان ليقتله ، ولا تسرفوا ، ولا تقذفوا المحصنة ، ولا تفروا من الزحف ، وعليكم خاصة اليهود أن لا تعدوا في السبت ، فقبلا يده ، وقالا : نشهد أنك نبي ، قال : فما يمنعكم أن تتبعوني ؟ قالا : إن داود دعا ربه أن لا يزال في ذريته نبي ، وإنا نخاف إن تبعناك أن يقتلنا اليهود ."
" فاسأل " ، يا محمد " بني إسرائيل إذ جاءهم " ، موسى ، يجوز أن يكون الخطاب معه والمراد غيره ، ويجوز أن يكون خاطبه عليه السلام وأمره بالسؤال ليتبين كذبهم مع قومهم . " فقال له فرعون إني لأظنك يا موسى مسحوراً " ، أي : مطبوباً سحروك ، قاله الكلبي .
وقال ابن عباس : مخدوعاً .
وقيل : مصروفاً عن الحق .
وقال الفراء ، و أبو عبيدة : ساحراً ، فوضع المفعول موضع الفاعل .
وقال محمد بن جرير : معطى علم السحر ، فهذه العجائب التي تفعلها من سحرك .
101."ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات"هي العصا واليد والجراد والقمل والضفادع والدم وانفجار الماء من الحجر وانفلاق البحر ونتق الطور على بني إسرائيل . وقيل الطوفان والسنون ونقص الثمرات مكان الثلاثة الأخيرة . "وعن صفوان أن يهودياً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عنها فقال : أن لا تشركوا بالله شيئاً ولا تسرفوا ولا تزنوا ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا تسحروا ولا تأكلوا الربا، ولا تمشوا ببريء إلى ذي سلطان ليقتله ولا تقذفوا محصنة ولا تفروا من الزحف .وعليكم خاصة اليهود أن لا تعدوا في السبت ، فقبل اليهودي يده ورجله ."فعلى هذا المراد بالآيات الأحكام العامة للملل الثابتة في كل الشرائع ، سميت بذلك لأنها تدل على حال من يتعاطى متعلقها في الآخرة من السعادة أو الشقاوة . وقوله وعليكم خاصة اليهود أن لا تعدوا ، حكم مستأنف زائد على الجواب ولذلك غير فيه سياق الكلام ."فاسأل بني إسرائيل إذ جاءهم "فقلنا له سلهم من فرعون ليرسلهم معك ، أو سلهم عن حال دينهم ويؤيده قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل على لفظ المضي بغير همز وهو لغة قريش و"إذ"متعلق بقلنا أو اسأل على هذه القراءة أو فاسأل يا محمد بني إسرائيل عما جرى بين موسى وفرعون إذ جاءهم ، أو عن الآيات ليظهر للمشركين صدقك أو لتتسلى نفسك ، أو لتعلم أنه تعالى لو أتى بما اقترحوا لأصروا على العناد والمكابرة كمن قبلهم ، أو ليزداد يقينك لأن تظاهر الأدلة يوجب قوة اليقين وطمأنينة القلب وعلى هذا كان "إذ"نصباً بآيتنا أو بإضمار يخبروك على أنه جواب الأمر، أو بإضمار اذكر على الاستئناف"فقال له فرعون إني لأظنك يا موسى مسحوراً"سحرت فتخبط عقلك.
101. And verily We gave unto Moses nine tokens, clear proofs (of Allah's Sovereignty) . Do but ask the Children of Israel how he came unto them, then Pharaoh said unto him : Lo! I deem thee one bewitched, O Moses.
101 - To Moses we did give nine clear signs: ask the children of Israel: when he came to them, Pharaoh said to him: O Moses I consider thee, indeed, to have been worked upon by sorcery