[الإسراء : 1] سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ
1 - (سبحان) أي تنزيه (الذي أسرى بعبده) محمد صلى الله عليه وسلم (ليلا) نصب على الظرف والإسراء سير الليل وفائدة ذكره الاشارة بتنكيره إلى تقليل مدته (من المسجد الحرام) أي مكة (إلى المسجد الأقصى) بيت المقدس لبعده منه (الذي باركنا حوله) بالثمار والأنهار (لنريه من آياتنا) عجائب قدرتنا (إنه هو السميع البصير) أي العالم بأقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله فأنعم عليه بالإسراء المشتمل على اجتماعه بالأنبياء وعروجه إلى السماء ورؤية عجائب الملكوت ومناجاته له تعالى فإنه صلى الله عليه وسلم
قال أبو جعفر محمد بن جرير الطبري : يعني تعالى ذكره بقوله تعالى " سبحان الذي أسرى بعبده ليلا " تنزيها للذي أسرى بعبده وتبرئة له مما يقول فيه المشركون من أن له من خلقه شريكاً، وأن له صاحبة وولداً وعلواً له وتعظيماً عما أضافوه إليه ، ونسبوه من جهالاتهم وخطأ أقوالهم .
وقد بينت فيما مضى قبل ، أن قوله " سبحان " اسم وضع موضع المصدر، فنصب لوقوعه موقعه بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع . وقد كان بعضهم يقول : نصب لأنه غير موصوف ، وللعرب في التسبيح أماكن تستعمله فيها . فمنها الصلاة، كان كثير من أهل التأويل يتأولون قول الله "فلولا أنه كان من المسبحين" فلولا أنه كان من المصلين . ومنها الاستثناء، كان بعضهم يتأول قول الله تعالى : "ألم أقل لكم لولا تسبحون" : لولا تستثنون ، وزعم أن ذلك لغة لبعض أهل اليمن ، يستشهد لصحة تأويله ذلك بقوله "إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين * ولا يستثنون" قال : " قال أوسطهم ألم أقل لكم لولا تسبحون " فذكرهم تركهم الاستثناء . ومنها النور، وكان بعضهم يتأول في الخبر الذي روي "عن النبي صلى الله عليه وسلم: لولا ذلك لأحرقت سبحات وجهه ما أدركت من شيء " أنه عنى بقوله سبحات وجهه : نور وجهه .
وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله : " سبحان الذي أسرى بعبده " ، قال أهل التأويل ذكره من قال ذلك
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق، قال : أخبرنا الثوري ، عن عثمان بن موهب ، عن موسى بن طلحة ، " عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن التسبيح أن يقول الإنسان : سبحان الله ، قال :إنزاه الله عن السوء ".
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثنا عبدة بن سليمان ، عن الحسن بن صالح ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : سبحان الله قال : إنكاف لله . وقد ذكرنا من الاثار في ذلك ما فيه الكفاية فيما مضى من كتابنا هذا قبل . والإسراء والسرى سير الليل . فمن قال : أسرى، قال يسري إسراء ، ومن قال سرى ، قال : يسري سرى ، كما قال الشاعر:
وليلة ذات دجى سريت ولم يلتني عن سراها ليت
ويروى : ذات ندى سريت .
ويعني بقوله " ليلا " من الليل. وكذلك كان حذيفة بن اليمان يقرؤها .
حدثنا أبو كريب ، قال : سمعت أبا بكر بن عياش ورجل يحدث عنده بحديث حين أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم فقال له : لا تجىء بمثل عاصم ولا زر، قال : قرأ حذيفة سبحان الذي أسرى بعبده من الليل من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى وكذا قرأ عبد الله.
وأما قوله إمن المسجد الحرام فإنه اختلف فيه وفي معناه ، فقال بعضهم : يعني من الحرم، وقال : الحرم كله مسجد. وقد بينا ذلك في غير موضع من كتابنا هذا. وقال : وقد ذكر لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ليلة أسري به إلى المسجد الأقص كان نائما في بيت أم هانئ ابنة أبي طالب.
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد، قال : ثنا سلمة، قال : ثنا محمد بن إسحاق ، قال : ثني محمد بن السائب عن أبي صالح بن باذان عن أم هانئ بنت أبي طالب، في مسرى النبي صلى الله عليه وسلم ، أنها كانت تقول :
ما أسري برسول صلى الله عليه وسلم إلا وهو في بيتي نائم عندي تلك الليلة، فصلى العشاء الاخرة، ثم نام ونمنا، فلما كان قبيل الفجر، أهبنا رسول صلى الله عليه وسلم ، فلما صلى الصبح وصلينا معه قال : يا أم هانىء لقد صليت
معكم العشاء الاخرة كما رأيت بهذا الوادي ، ثم جئت بيت المقدس فصليت فيه ، ثم صليت صلاةالغداة معكم الآن كما ترين .
وقال آخرون : بل أسري به من المسجد، وفيه كان حين أسري به .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن بشار، قال : ثنا محمد بن جعفر بن عدي ، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة ، عن أنس بن مالك ، عن مالك بن صعصة ، وهو رجل من قومه قال : قال نبي الله صلى الله عليه وسلم بينا عند البيت بين النائم واليقظان ، إذ سمعت قائلا يقول أحد الثلاثة، فأتيت بطست من ذهب فيها من ماءزمزم ، فشرح صدري إلى كذا وكذا قال قتادة : قلت : ما يعني به ؟ قان : إلى أسفل بطنه ، قال : فاستخرج قلبي فغسل بماء زمزم ثم أعيد مكانه ثم حشي إيمانا وحكمة، ثم أتيت بدابة أبيض ، وفي رواية أخرى : بدابة بيضاء يقال له البراق ، فوق الحمار ودون البغل ، يقع خطوة منتهى طرفه ، فحملت عليه ، ثم انطلقنا حتى أتينا إلى بيت المقدس فصليت فيه بالنبيين والمرسلين إماماً، ثم عرج بي إلى السماء الدنيا... فذكر الحديث . ؟
حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا خالد بن الحا رث ، قال : ثنا سعيد، عن قتادة ، عن أنس بن مالك ، عن مالك ، يعني ابن صعصعة رجل من قومه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، نحوه .
حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا ابن أبي عدي ، عن سعيد، عن قتادة ، عن أنس بن مالك ، عن مالك بن صعصعةرجل من قومه ، قال : قال نبي الله صلى الله عليه وسلم ، ثم ذكر نحوه .
حدثنا ابن حميد، قال : ثنا سلمة، قال : قال محمد بن إسحاق : ثني عمرو بن عبد الرحمن ، عن الحسن بن أبي الحسن ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بينا أنا نائتم في الحجر جاءني جبريل فهمزني بقدمه ، فجلست فلم أر شيئا، فعدت لمضجعي ، فجاءني الثانية فهمزني بقدمه ، فجلسث فلم أرشيئا، فعدت لمضجعي ، فجاءني الثالثة فهمزني بقدمه ، فجلست ، فأخذ بعضدي فقمت معه ، فخرج بي إلى باب المسجد، فإذا دابة بيضاء بين الحمار والبغل ، له في فخذيه جناحان يحفز بهما رجليه ، يضع يده في منتهى طرفه ، فحملني عليه ثم خرج معي ، لايفوتني ولا أفوته .
حدثنا الربيع بن سليمان ، قال : أخبرنا ابن وهب ، عن سليمان بن بلال عن شريك بن أبي نمر، قال : سمعت أنساً يحدثنا عن ليلة المسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم من مسجد الكعبة أنه جاءه ثلاثة نفر قبل أن يوحى إليه وهو نائم في المسجد الحرام ، فقال أولهم : أيهم هو؟ قال أوسطهم هو خيرهم ، فقال أحدهم : خذوا خيرهم ، فكانت تلك الليلة، فلم يرهم حتى جاؤوا ليلة أخرىفيما يرى قلبه ، والنبي صلى الله عليه وسلم تنام عيناه ، ولا ينام قلبه.وكذلك الأنبياء تنام أعينهم ، ولا تنام قلوبهم . فلم يكلموه حتى احتملوه فوضعوه عند بئرزمزم ، فتولاه منهم جبرئيل عليه السلام ، فشق ما بين نحره إلى لبته ، حتى فرغ من صدره وجوفه ، فغسله من ماء زمزم حتى أنقى جوفه ، ثم أتي طست من ذهب فيه تور محشو إيماناً وحكمة، فحشا به جوفه وصدره ولغاديده ،ثم أطبقه ثم ركب البراق ، فسار حتى أتى به إلى بيت المقدس فصلى فيه بالنبيين والمرسلين إماما، ثم عرج به إلى السماء الدنيا، فضرب بابا من أبوابها، فناداه أهل السماء: من هذا؟ قال : هذا جبرئيل، قيل : من معك ؟ قال : محمد، قيل : أو قد بعث إليه ؟ قال :
نعم ، قالوا: فمرحباً به وأهلاً! فيستبشر به أهل السماء، لا يعلم أهل السماء بما يريد الله بأهل الأرض حتى يعلمهم ، فوجد في السماء الدنيا آدم، فقال له جبرئيل: هذا أبوك ، فسلم عليه ، فرد عليه ، فقال :مرحبا بك وأهلأ بابني ، فنعم الابن أنت ! ثم مضى به إلى السماء الثانية، فاستفتح جبرئيل باباً من أبوابها،
فقيل : من هذا؟ فقال : جبرئيل، قيل : ومن معك ؟ قال: محمد، قيل : أو قد أرسل إليه ؟ قال : نعم قد أرسل إليه ، فقيل : مرحبا به وأهلا ! ففتح لهما، فلما صعد فيها فإذا هو بنهرين يجريان ، فقال : ما هذان
النهران يا جبرئيل؟ قال : هذا النيل والفرات عنصرهما ، ثم عرج به إلى السماء الثالثة، فاستفتح جبرئيل
بابا من أبوابها، فقيل : من هذا؟ قال: جبرئيل، قيل : ومن معك ؟ قال :محمد، قيل : أو قد بعث إليه؟ قال : نعم قد بعث إليه ، قيل : مرحبا به وأهلا، ففتح له فإذا هو بنهر عليه قباب وقصور من لؤلؤ وزبرجد وياقوت ، وغير ذلك مما لا يعلمه إلا الله ، فذهب يشم ترابه ، فإذا هو مسك أذفر، فقال : يا جبرئيل ما هذا
النهر؟ قال : هذا الكوثر الذي خبا لك ربك في الاخرة . ثم عرج به إلى الرابعة، فقالوا له مثل ذلك ، ثم عرج به إلى الخامسة، فقالوا له مثل، ذلك ، ثم عرج به إلى السادسة، فقالوا له مثل ذلك ، ثم عرج به إلى السابعة، فقالوا له مثل ذلك . وكل سماء فيها أنبياء قد سماهم أنس، فوعيت منهم إدريس في الثانية، وهارون في الرابعة، وآخر في الخامسة لم أحفظ اسمه ، وإبراهيم في السادسة، و موسى في السابعة بتفضيل كلامه الله، فقال موسى: رب لم أظن أن يرفع علي أحد، ثم علا به فوق ذلك بما لا يعلمه إلا الله ، حتى جاء سدرة المنتهى ، ودنا باب الجبار رب العزة، فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى ، فأوحى إلى عبده ما شاء، وأوحى الله فيما أوحى خمسين صلاة على أمته كل يوم وليلة، ثم هبط حتى بلغ موسى فاحتبسه فقال : يا محمد ماذا عهد إليك ربك ؟ قال : عهد إلي خمسين صلاة على أمتي كل يوم وليلة، قال إن أمتك لا تستطيع ذلك ، فارجع فليخفف عنك وعنهم! فالتفت إلى جبرئيل كأنه يستشيره في ذلك ، فاشارإليه أن نعم ، فعاد به جبرئيل حتى أتى الجبار عز وجل وهو مكانه ، فقال : رب خفف عنا، فإن أمتي لا تستطيع هذا، فوضع عنه عشر صلوات ، ثم رجع إلى موسى عليه السلام فاحتبسه ، فلم يزل يردده موسى إلى ربه حتى صارت إلى خمس صلوات ، ثم احتبسه عند الخمس ، فقال : يا محمد قد والله راودت بني إسرائيل على أدنى من هذه الخمس ، فضعفوا وتركوه ، فامتك أضعف أجساداً وقلوباً وأبصاراً وأسماعاً، فارجع فيخفف عنك ربك ! كل ذلك يلتفت إلى جبرئيل ليشير عليه ، ولا يكره ذلك جبرئيل، فرفعه عند الخمس ، فقال : يا رب إن أمتي ضعاف أجسادهم وقلوبهم وأسماعهم وأبصارهم ، فخفف عنا! قال الجبار جل جلاله : يا محمد! قال : لبيك وسعديك ! فقال : إني لا يبدل القول لدي كما كتبت عليك في أم الكتاب ، ولك بكل حسنة عشر أمثالها، وهي خمسون في أم الكتاب ، وهي خمس عليك . فرجع إلى موسى ، فقال : كيف فعلت ؟ فقال : خفف عني ، أعطانا بكل حسنة عشر أمثالها، قال : قد والله راودت بني إسرائيل على أدنى من هذا فتركوه فارجع فليخفف عنك أيضا، قال : يا موسى قد والله استحييت من ربي مما أختلف إليه ، قال : فاهبط باسم الله فاستيقظ وهو في المسجد الحرام .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب ، أن يقال : إن الله عز وجل أخبر أنه أسرى بعبده من المسجد الحرام والمسجد الحرام هو الذي يتعارفه الناس بينهم إذا ذكروه ، وقوله "إلى المسجد الأقصى" يعني : مسجد بيت المقدس ، وقيل له : الأقصى، لأنه أبعد المساجد التي تزار، ويبتغى في زيارته الفضل بعد المسجد الحرام . فتأويل الكلام تنزيها لله وتبرئة له مما نحله المشركون من الإشراك والأنداد والصاحبة،وما يجل عنه جل جلاله ، الذي سار بعبده ليلا من بيته الحرام إلى بيته الأقصى .
ثم اختلف أهل العلم في صفة إسراء اللة تبارك وتعالى بنبيه صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد
الأقصى، فقال بعضهم : أسرىالله بجسده ، فسار به ليلا على البراق من بيته الحرام إلى بيته الأقصى حتى أتاه فأراه ما شاء أن يريه من عجائب أمره وعبره وعظيم سلطانه ، فجمعمت له به الأنبياء، فصلى بهم هنالك ، وعرج به إلى السماء حتى صعد به فوق السموات السبع ، وأوحى إليه هنالك ما شاء أن يوحي ثم رجع إلى المسجد الحرام من ليلته ، فصلى به صلاة الصبح .
ذكر من قال ذلك ، وذكر بعض الروايات التي رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بتصحيحه :
حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني يونس بن يزيد ، عن ابن شهاب ، قال : أخبرني ابن المسيب و أبو سلمة بن عبد الرحمن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسري به على
البراق ، وهي دابة إبراهيم التي كان يزور عليها بيت الحرام ، يقع حافرها موضع طرفها، قال : فمرت بعير من عيرات قريش بواد من تلك الأودية ، فنفرت العير، وفيها بعير عليه غرارتان : سوداء، وزرقاء ، حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم إيلياء فأتي بقدحين : قدح خمر، وقدح لبن ، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم قدح اللبن ، فقال له جبريئل: هديت إلى الفطرة، لو أخذت قدح الخمر غوت أمتك قال ابن شهاب: فأخبرني ابن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقي هناك إبراهيم وموسى وعيسى، فنعتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال: فأما موسى فضرب رجل الرأس كانه من رجال شنؤة، وأما عيسى فرجل أحمر كأنما خرج من ديماس ، فأشبه من رأيت به عروة بن مسعود الثقفي وأما إبراهيم فأنا أشبه ولده به ، فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حدث قريشا أنه أسري به ، قال عبد الله : فارتد ناس كثير بعد ما أسلموا، قال أبو سلمة : فأتى أبو بكر الصديق ، فقيل له : هل لك في صاحبك ، يزعم أنه أسري به إلى بيت المقدس ثم رجع في ليلة واحدة! قال أبو بكر: أو قال ذلك ؟ قالوا:
نعم ، قال : فاشهد إن كان قال ذلك لقد صدق ،قالوا أفتشهد أنه جاء الشام في ليلة واحدة؟ قال : إني أ صدقه بابعد من ذلك ، أصدقه بخبر السماء. قال أبو سلمة: سمعت جابر بن عبد الله يقول : سمعت رسول الله يقول لما كذبتني قريش قمت فمثل الله لي بيت المقدس ، فطفقت أخبرهم عن اياته وأنا أنظر إليه.
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : ثني يعقوب بن عبد الرحمن الزهري ، عن أبيه ، عن عبد الرحمن بن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص ، عن أنس بن مالك ، قال: لما جاء جبرئيل عليه السلام بالبراق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكأنها ضربت بذنبها، فقال لها جبرئيل : مه يا براق ، فوالله إن ركبك مثله ! فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا هو بعجوز ناء عن الطريق : أي على جنب الطريق .
قال أبو جعفر: ينبغي أن يقال : نائية، ولكن أسقط منها التأنيث .
فقال : ما هذه يا جبرئيل؟ قال : سريا محمد، فسار ما شاء الله أن يسير، فإذا شيء يدعوه متنحياً عن الطريق يقول : هلم يا محمد، قال جبرئيل: سر يا محمد، فسار ما شاء الله أن يسير، قال : ثم لقيه خلق من الخلائق ، فقال أحدهم : السلام عليك يا أول ، والسلام عليك يا آخر، والسلام عليك يا حاشر، فقال له جبرئيل: اردد السلام يا محمد، قال : فرد السلام ، ثم لقيه الثاني ، فقال له مثل مقالة الأولين ، حتى انتهى إلى بيت المقدس ، فعرض عليه الماء واللبن والخمر، فتناول رسول الله صلى الله عليه وسلم اللبن ، فقال له
جبرئيل: أصبت يا محمد الفطرة، ولو شربت الماء لغرقت وغرقت أمتك ، ولو شربت الخمر لغويت وغوت أمتك . ثم بعث له آدم فمن دونه من الأنبياء، فامهم رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الليلة، ثم قال له جبرئيل : أما العجوز التي رأيت على جانب الطريق ، فلم يبق من الدنيا إلا بقدر ما بقي من عمر تلك العجوز، وأما الذي أراد أن تميل إليه ، فذاك عدو الله إبليس ، أراد أن تميل إليه ، وأما الذين سلموا عليك، فذاك إبراهيم وموسى وعيسى.
حدثني علي بن سهل ، قال : ثنا حجاج ، قال : أخبرناأبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية الرياحي ، عن أبي هريرة أو غيره شك أبو جعفر في قول الله عز وجل " سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير" قال: جاء جبرئيل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعه ميكائيل ، فقال جبرئيل لميكائيل : ائتني بطست من ماء زمزم كيما أطهر قلبه ، وأشرح له صدره ، قال : فشق عن بطنه ، فغسله ثلاث مرات ، واختلف إليه ميكائيل بثلاث طسات من ماء زمزم ، فشرح صدره ، ونزع ما كان فيه من غل، وملأه حلما وعلما وإيمانا ويقينا وإسلاما، وختم بين كتفيه بخاتم النبوة، ثم أتاه بفرس فحمل عليه كل خطوة منه منتهى طرفه وأقصى بصره ، قال : فسار وسار معه جبرئيل عليه السلام ، فأتى على قوم يزرعون في يوم ويحصدون في يوم ، كلما حصدوا عاد كما كان ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا جبرئيل ما هذا؟ قال : هؤلاء المجاهدون في سبيل الله، تضاعف لهم الحسنة بسبع مئة ضعف ، وما أنفقوا من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين ، ثم أتى على قوم ترضخ رؤوسهم بالصخر، كلما رضحت عادت كما كانت ، لا يفتر عنهم من ذلك شيء ، فقال : ما هؤلاء يا جبرئيل؟ قال : هؤلاء الذين تتثاقل رؤوسهم عن الصلاة المكتوبة، ثم أتى على قوم على أقبالهم رقاع، وعلى أدبارهم رقاع ، يسرحون كما تسرح الإبل والغنم ، ويأكلون الضريع والزقوم ورضف جهنم وحجارتها، قال : ما هؤلاء يا جبرئيل؟ قال : هؤلاء لا يؤدون صدقات أموالهم ، وما ظلمهم الله شيئا، وماالله بظلام للعبيد، ثم أتى على قوم بين أيديهم لحم نضيج في قدور، ولحم آخر نىء قذر خبيث ، فجعلوا يأكلون من النيء ويدعون النضيج الطيب ، فقال : ما هؤلاء يا جبرئيل ؟ قال : هذا الرجل من أمتك ، تكون عنده المرأة الحلال الطيب ، فيأتي امرأة خبيثة فيبيت عندها حتى يصبح ، والمرأة تقوم من عند زوجها حلالا طيبا، فتأتي رجلا خبيثا، فتبيت معه حتى تصبح ، قال : ثم أتى على خشبة في الطريق لا يمربها
ثوب إلا شمته ، ولا شيء إلا خرقته قال : ما هذا يا جبرئيل؟ قال : هذا مثل أقوام من أمتك يقعدون على الطريق فيقطعونه . ثم قرأ "ولا تقعدوا بكل صراط توعدون وتصدون" ثم أتى على رجل قد جمع حزمة حطب عظيمة لا يستطيع حملها، وهو يزيد عليها، فقال : ما هذا يا جبرئيل قال : هذا الرجل من أمتك تكون عنده أمانات الناس لا يقدر على أدائها، وهو يزيد عليها، ويريد أن يحملها، فلا يستطيع ذلك ، ثم لا إتى على قوم تقرض ألسنتهم وشفاههم بمقاريض من حديد، كلما قرضت
عادت كما كانت لا يفتر عنهم ! ذلك شيء ، قال : ما هؤلاء يا جبرئيل؟ فقال : هؤلاء خطباء أمتك خطباء الفتنة يقولون ما لا يفعلون ، ثم أتى على جحر صغير يخرج منه ثور عظيم ، فجعل الثور يريد أن يرجع من
حيث خرج فلا يستطيع ، فقال : ما هذا يا جبرئيل؟ قال : هذا الرجل يتكلم بالكلمة العظيمة، ثم يندم عليها، فلا يستطيع أن يردها، ثم أتى على واد، فوجد ريحا طيبة باردة، وفيه ريح المسك ، وسمع صوتا،فقال : يا جبرئيل ما هذه الريح الطيبة الباردة وهذه الرائحة التي كريح المسك ، وما هذا الصوت قال هذا صوت الجنة تقول : يا رب آتني ما وعدتني ، فقد كثرت غرفي وإستبرقي وحريري وسندسي وعبقريي ،ولؤلؤي ومرجاني ، وفضتي وذهبي ، وأكوابي وصحافي وأباريقي ، وفواكهي ونخلي ورماني ، ولبني وخمري ،فآتني ما وعدتني ، فقال : لك كل مسلم ومسلمة، ومؤمن ومؤمنة، ومن آمن بي وبرسلي ، وعمل صالحا ولم يشرك بي ، ولم يتخذ من دوني أندادا، ومن خشيتي فهو امن ، ومن سألني أعطيته ، ومن أقرضني جزيته ، ومن توكل علي كفيته ، إني أنا الله لا إله إلا أنا لا أخلف الميعاد، وقد أفلح المؤمنون ، وتبارك الله أحسن الخالقين ، قالت : قد رضيت ، ثم أتى على واد فسمع صوتاً منكراً، ووجد ريحاً منتنة، فقال ما هذه الريح يا جبرئيل وما هذا الصوت ؟ قال : هذا صوت جهنم ، تقول : يا رب اتني ما وعدتني ، فقد كثرت سلاسلي وأغلالي ، وسعيري وجحيمي ، وضريعي وغساقي وعذابي وعقابي ، وقد بعد قعري واشتد حري ، فآتني ما وعدتني ، قال : لك كل مشرك ومشركة، وكافر وكافرة، وكل خبيث وخبيثة، وكل جبار لا يؤمن بيوم الحساب ، قالت : قد رضيت ، قال : سار حتى أتى بيت المقدس ، فنزل فربط فرسه إلى صخرة، ثم . دخل فصلى مع الملائكة، فلما قضيت الصلاة، قالوا : يا جبرئيل من هذا معك ؟ قال : محمد، فقالوا : أوقد أرسل إليه ؟ قال : نعم ، قالوا : حياه الله من أخ ومن خليفة، فنعم الأخ ونعم الخليفة، ونعم المجيء جاء ، قال : ثم قي أرواح الأنبياء فأثنوا على ربهم ، فقال إبراهيم : الحمد لله الذي اتخذني خليلا وأعطاني ملكا عظيما، وجعلني أمة قانتا لله يؤتم بي ، وأنقذني من النار، وجرر علي بردا وسلاما، ثم إن موسى أثنى على ربه فقال : الحمد لله الذي كلمني تكليما، وجعل هلاك آل فرعون ونجاة بني إسرائيل على يدي ، وجعل من أمتي قوما يهدون. بالحق وبه يعدلون ، ثم إن داود عليه السلام أثنى على ربه ، فقال : الحمد لله الذي جعل لي ملكا عظيما وعلمني الزبور، وألان لي الحديد، وسخر لي الجبال يسبحن والطير، وأعطاني الحكمة وفصل الخطاب ، ثم إن سليمان أثنى على ربه ، فقال : الحمد لله الذي سخر لي الرياح ، وسخر لي الشياطين ، يعملون لي ما شئت من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب ، وقدور راسيات ، وعلمني منطق الطير، وآتاني من كل شيء فضلا، وسخر لي جنود الشياطين والإنس والطير، وفضلني على كثير من عباده المؤمنين ، وآتاني ملكا عظيما لا ينبغي لأحد من بعدي ، وجعل ملكي ملكا طيبا ليس علي فيه حساب ، ثم إن عيسى عليه السلام أثنى على ربه ، فقال : الحمد لله الذي جعلني كلمته وجعل مثلي مثل آدم خلقه من تراب ، ثم قال له : كن فيكون ، وعلمني الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل ، وجعلني أخلق من الطين كهيئة الطير، فأنفخ فيه ، فيكون طيرا بإذن الله ، وجعلني أبرىء الأكمه والأبرص ، وأحيي الموتى بإذن الله ، ورفعني وطهرني وأعاذني وأمي من الشيطان الرجيم ، فلم يكن للشيطان علينا سبيل ، قال : ثم إن محمدا في صلى الله عليه وسلم أثنى على ربه ، فقال : كلكم أثنى على، ربه ، وأنا مثن على ربي ، فقال : الحمد لله الذي أرسلني رحمة للعالمين ، وكافة للناس بشيرا ونذيرا، وأنزل علي الفرقان فيه تبيان كل شيء ، وجعل أقتي خير أمة أخرجت للناس ، وجعل أمتي وسطا ،وجعل أمتي هم الأولون وهم الآخرون ، وشرح لي صدري ، ووضع عني وزري ورفع لي ذكري ، وجعل في فاتحا خاتما . قال إبراهيم بهذا فضلكم محمد - قال أبو نجر ، وهو الرازي: خاتم النبوة، وفاتح بم الشفاعة يوم القيامة - ثم أقي إليه بانية ثلاثة مغطاة أفواهها، فاتي بإناء منها فيه ماء، فقيل : اشرب ، فشرب منه يسيرا، ثم دفع إليه إناء آخر فيه لبن ، فقيل له : اشرب ، فشرب منه حتى روي ، ثم دفع إليه إناء آخر فيه خمر، فقيل له :اشرب ، فقال : لا أريده قد رويت ، فقال له جبرئيل صلى الله عليه وسلم : أما إنها ستحرم على أمتك ، ولو شربت منها لم يتبعك من أمتك إلا القليل ، ثم عرج به إلى سماء الدنيا، فاستفتح جبرئيل بابا من أبوابها. فقيل : من هذا؟ قال : جبرئيل ، قيل : ومن معك ؟ فقال : محمد، قالوا : أوقد أرسل إليه ؟ قال: نعم ، قالوا : حياه الله من أخ ومن خليفة، فنعم الأخ ونعم الخليفة، ونعم المجيء جاء، فدخل فإذا هو برجل تام الخلق لم ينقص من خلقه شيء ، كما ينقص من خلق الناس ، على يمينه باب يخرج منه ريح طيبة، وعن شماله باب يخرج منه ريح خبيثة، إذا نظر إلى الباب الذي عن يمينه ضحك استبشر، وإذا نظر إلى الباب الذي عن شماله بكى وحزن ، فقلت : يا جبرئيل من هذا الشيخ التام الخلق الذي لم ينقص من خلقه شيء ، وما هذان البابان ؟ قال : هذا أبوك ادم ، وهذا الباب الذي عن يمينه باب الجنة، إذا نظر إلى من يدخله من ذريته ضحك واستبشر، والباب الذي عن شماله باب جهنم ، إذا نظر إلى من يدخله من ذريته بكى وحزن ، ثم صعد به جبرئيل صلى الله عليه وسلم إلى السماء الثانية فاستفتح ، فقيل : من هذا؟ قال : جبرئيل ، قيل : ومن معك ؟ قال : محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : أوقد أرسل إليه ؟ قال : نعم ، قالوا : حياه الله من أخ ومن خليفة، فنعم الأخ ونعم الخليفة ؟نعم المجيء جاء، قال : فإذا هو بشابين ، فقال : يا جبرئيل من هذان الشابان ؟ قال : هذا عيسى ابن مريم ، ويحيى بن زكريا ابنا الخالة، قال : فصعد به إلى السماء الثالثة، فاستفتح ، فقالوا : من هذا؟ قال :جبرئيل ، قالوا : ومن معك ؟ قال : محمد، قالوا : أوقد أرسل إليه ؟ قال : نعم ، قالوا : حياه الله من أخ ومن خليفة، فنعم الأخ ونعم الخليفة، ونعم المجيء جاء، قال : فدخل فإذا هو برجل قد فضل على الناس كلهم في الحسن ، كما فضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب ، قال : من هذا يا جبرئيل الذي فضل على الناس في الحسن ؟ قال : هذا أخوك يوسف ، ثم صعد به إلى السماء الرابعة، فاستفتح ، فقيل : من هذا؟ قال : جبرئيل ، قالوا : ومن معك ؟ قال : محمد ، قالوا : أوقد أرسل إليه ؟ قال : نعم ، قالوا : حياه الله من أخ ومن خليفة، فنعم الأخ ونعم الخليفة، ءونعم المجيء جاء، قال : فدخل فإذا هو برجل ، قال : من هذا يا جبرئيل ؟ قال : هذا إدريس رفعه الله مكانأ عليا . ثم صعد به إلى السماء الخامسة، فاستفتح جبرئيل ، فقالوا : من هذا؟ فقال : جبرئيل ، قالوا : ومن معك ؟ قال : محمد، قالوا : أوقد أرسل إليه ؟ قال : نعم ، قالوا: حياه الله من أخ ومن خليفة، فنعم الأخ ونعم الخليفة، ونعم المجيء جاء، ثم دخل فإذا برجل جالس وحوله قوم يقص عليهم ، قال : من هذا يا جبرئيل ومن هؤلاء الذين حوله ؟ قال : هذا هارون المحبب في قومه ، وهؤلاء بنو إسرائيل ، ثم صعد به إلى السماء السادسة، فاستفتح جبرئيل ، فقيل له : من هذا؟ قال : جبرئيل ، قالوا : ومن معك ؟ قال : محمد، قالوا : أوقد أرسل إليه ؟ قال : نعم ، قالوا : حياه الله من أخ ومن خليفة، فنعم الأخ ونعم الخليفة، ونعم المجيء جاء ، فإذا هو برجل جالس ، فجاوزه ، فبكى الرجل ، فقال : يا جبرئيل من هذا؟ قال : موسى ، قال : فما باله يبكي ؟ قال : تزعم بنو إسرائيل أني أكرم بني ادم على الله ، وهذا رجل من بني آدم قد خلفني في دنيا، وأنا في أخرى، فلو أنه بنفسه لم أبال ، ولكن مع كل نبي أمته ، ثم صعد به إلى السماء السابعة، فاستفتح جبرئيل ، فقيل : من هذا؟ قال :جبرئيل ، قالوا : ومن معك ؟ قال : محمد، قالوا : أوقد أرسل إليه ؟ قال : نعم ، قالوا : حياه الله من أخ ومن خليفة ، فنعم ألأخ ونعم الخليفة، ونعم المجيء جاء، قال : فدخل فإذا هو برجل أشمط جالس عند باب الجنة على كرسي ، وعنده قوم جلوس بيض الوجوه ، أمثال القراطيس ، وقوم في ألوانهم شيء ، فقام هؤلاء الذين في ألوانهم شيء ، فدخلوا نهرا فاغتسلوا فيه ، فخرجوا وقد خلص من ألوانهم شيء ، ثم دخلوا نهرا اخر، فاغتسلوا فيه ، فخرجوا وقد خلص من ألوانهم شيء ، ثم دخلوا نهرا اخر فاغتسلوا فيه ، فخرجوا وقد خلص من ألوانهم شيء ، فصارت مثل ألوان أصحابهم ، فجاءوا فجلسوا إلى أصحابهم ، فقال : يا جبرئيل من هذا الأشمط ، ثم من هؤلاء البيض وجوههم ، ومن هؤلاء الذين في ألوانهم شيء ، وما هذه الأنهار التي دخلوا ، فجاءوا وقد صفت ألوانهم ؟ قال : هذا أبوك إبراهيم أول من شمط على الأرض ، وأما هؤلاء البيض الوجوه : فقوم لم يلبسوا إيمانهم بظلم ، وأما هؤلاء الذين في ألوانهم شيء ، فقوم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا ، فتابوا ، فتاب الله عليهم ، وأما الأنهار: فأولها رحمة الله ، وثانيها : نعمة الله ، والثالث : سقاهم ربهم شرابا طهورا، قال : ثم انتهى إلى السدرة ، فقيل له : هذه السدرة ينتهي إليها كل أحد خلا من أمتك على سنتك ، فإذا هي شجرة يخرج من أصلها أنهار من ماء غيرآسن ، وأنهار من لبن لم يتغيرطعمه ، وأنهار من خمر لذة للشاربين ، وأنهار من عسل مصفى، وهي شجرة يسير الر اكب في ظلها سبعين عاما لا يقطعها، والورقة منها مغطية للأمة كلها، قال : فغشيها نور ا ألخالأق عز وجل ، وغشيتها الملائكة أمثال الغربان حين يقعن على الشجرة، قال : فكلمه عند ذلك ، فقال له : سل ، فقال : اتخذت إبراهيم خليلا، وأعطيته ملكا عظيما، وكلمت موسى تكليما، وأعطيت داود ملكا عظيما، وألنت له الحديد،وسخرت له الجبال ، وأعطيت سليمان ملكا عظيما، وسخرت له الجن والإنس والشياطين ، وسخرت له الرياح وأعطيته ملكا لا ينبغي لأحد من بعده ، وعلمت عيسى التوراة والإنجيل ، وجعلته يبرىء الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله ، وأعذته وأمه من الشيطان الرجيم ، فلم يكن للشيطان عليهما سبيل فقال له ربه : قد اتخذتك حبيبا وخليلا، وهو مكتوب في التوراة : حبيب الله ، وأرسلتك إلى الناس كافة بشيرا ونذيرا ، وشرحت لك صدرك ، ووضعت عنك وزرك ، ورفعت لك ذكرك ، فلا أذكر إلا ذكرت معي ، وجعلت أمتك أمة وسطا، وجعلت أمتك هم الأولون والآخرون ، وجعلت أمتك لا تجوز لهم خطبة،حتى يشهدوا أنك عبدي ورسولي ، وجعلت من أمتك أقواما قلوبهم أناجيلهم ، وجعلتك أول النبيين خلقا ،وآخرهم بعثا، وأولهم يقض له ، وأعطيتك سبعا من المثاني ، لم يعطها نبي قبلك ، وأعطيتك الكوثر،وأعطيتك ثمانية أسهم : ألإسلام ، وا لهجرة ، وا لجهاد ، وا لصدقة ،والصلاة ، وصوم رمضان ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر، وجعلتك فاتحا وخاتما، فقال النبي !:صلى الله عليه وسلم فضلني ربي بست : أعطاني فواتح الكلم وخواتيمه ، وجوامع الحديث ، وأرسلني إلى الناس كافة بشيرا ونذيرا ، وقذف في قلوب عدوي الرعب من مسيرة شهر، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي وجعلت لي الأرض كلها طهورا ومسجدا، قال : وفرض علي خمسين صلاة، فلما رجع إلى موسى، قال : بم أمرت يا محمد؟ قال بخمسين صلاة، قال : ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف ، فإن أمتك أضعف الأمم ، فقد لقيت من بني إسرائيل شدة، قال : فرجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى ربه فسأله التخفيف ، فوضع عنه عشرا، ثم رجع إلى موسى، فقال : بكم أمرت ؟ قال : باربعين ، قال : ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف ، فإن أمتك أضعف الأمم ، وقد لقيت من بنى إسرائيل شدة، قال : فرجع إلى ربه ، فسأله التخفيف ، فوضع عنه عشرا ، فرجع إلى موسى ،فقال : بكم أمرت ؟ قال : أمرت بثلاثين ، فقال له موسى : ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف ، فإن أمتك أضعف الأمم ، وقد لقيت من بني إسرائيل شدة، قال فرجع إلى ربه فسأله التخفيف ، فوضع عنه عشرا فرجع إلى موسى فقال : بكم أمرت ؟ قال : بعشرين ، قال : ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف ، فإن أمتك أضعف الأمم ، وقد لقيت من بني إسرائيل شدة، قال : فرجع إلى ربه فسأله التخفيف ، فوضع عنه عشرا،فرجح إلى موسى، فقال : بكم أمرت ؟ قال : بعشر، قال : ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف ، فإن أمتك أضعف الأمم ، وقد لقيت من بني إسرائيل شدة، قال : فرجع على حياء إلى ربه فسأله التخفيف ، فوضع عنه خمسا، فرجع إلى موسى، فقال : بكم أمرت ؟ قال : بخمس ، قال : ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف ،فإن أمتك أضعف الأمم ، وقد لقيت من بني إسرائيل شدة، قال : قد رجعت إلى ربي حعى استحييت فما أنا راجع إليه ، فقيل له : أما إنك كما صبرت نفسك على خمس صلوات فإنهن يجزين عنك خمسين صلاة، فإن كل حسنة بعشر أمثالها، قال : فرضي محمد صلى الله عليه وسلم كل الرضا فكان موسى أشدهم عليه حين مر به ، وخيرهم له حين رجع إليه.
حدثني محمد بن عبيد الله ، قال : أخبرنا أبو النضر هاشم بن القاسم ، قال : ثنا أبو جعفرالرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية أو غيره شك أبوجعفر عن أبي هريرة في قوله " سبحان الذي أسرى بعبده." إلى قوله " إنه هو السميع البصير " قال : جاء جبرئيل إلى النبي صلى الله عليه وسلم نحو حديث علي بن سهل ، عن حجاج ، إلا أنه قال : جاء جبرئيل ومعه ميكائيل ، وقال فيه : وإذا بقوم يسرحون كما تسرح الأنعام يأكلون الضريع والزقوم ، وقال في كل موضع قال علي ما هؤلاء، من هؤلاء يا جبرئيل ،وقال في موضع تقرض ألسنتهم تقص ألسنتهم وقال أيضا في موضع قال علي! فيه : ونعم الخليفة. قال في ذكر الخمر، فقال : لا أريده قد رويت ، قال جبرئيل : قد أصبت الفطرة يا محمد، إنها ستحرم على أمتك ، وقال في سدرة المنتهى أيضا : هذه السدرة المنتهى، إليها ينتهي كل أحد خلا على سبيلك من أمتك ، وقال أيضا في الورقة منها تظل الخلق كلهم ، تغشاها الملائكة مثل الغربان حين يقعن! على الشجرة، من حب الله عز وجل . وسائر الحديث مثل حديث علي .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال ثنا محمد بن ثور،عن معمر، عن أبي هارون العبدي، عن أبي سعيد الخدري - وحدثني الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : ثنا معمر ،قال : أخبرنأ أبو هارون العبدي ، عن أبي سعيد الخدري ، واللفظ لحديث الحسن بن يحيى ، في قوله
"سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى " قال : ثنا النبي صلى الله عليه وسلم عن ليلة أسري به فقال نبي الله : أتيت بدابة هي أشبه الدواب بالبغل ، له أذنان مضطربتان وهو البراق ، وهو الذي كان تركبه الأنبياء قبلي ، فركبته ، فانطلق بي يضع يده عند منتهى بصره ، فسمعت نداء عن يميني : يا محمد على رسلك أسألك ، فمضيت ولم أعرج عليه ، ثم سمعت نداء عن شمالي : يا محمد على رسلك أسألك ، فمضيت ولم أعرج عليه ، ثم إستقبلت امرأة في الطريق ، فرأيت عليها من كل زينة من زينة الدنيا رافعة يدها، تقون : يا محمد على رسلك أسألك ، فمضيت ولم أعرج عليها، ثم أتيت بيت المقدس -أو قال المسجد الأقصى- فنزلت عن الدابة فاوثقتها بالحلقة التي كانت الأنبياء توثق بها، ثم د خلت المسجد فصليت فيه ، فقال لي جبرئيل : ماذا رأيت في وجهك ؟ فقلت : سمعت نداء عن يميني أن يا محمد على رسلك أسألك ، فمضيت ولم أعرج عليه ، قال : ذاك . داعي اليهود، أما لو أنك وقفت عليه لتهودت أمتك، قال : ثم سمعت نداء عن يساري أن يا محمد على رسلك أسألك ، فمضيت ولم أعرج عليه ، قال : ذاك داعي النصارى، أما إنك لو وقفت عليه لتنصرت أمتك ، قلت : ثم استقبلتني امرأة عليها من كل زينة من زينة الدنيا رافعة يدها تقول على رسلك أسألك ، فمضيت ولم أعرج عليها،قال تلك الدنيا تزينت لك ، أما إنك لو
أحسن ما رأيت ألم تر إلى الميت كيف يحد بصرة إليه فعرج بنا فيه حتى انتهينا إلى باب السماء الدنيا، فاستفتح جبرئيل ، فقيل من هذا؟ قال : جبرئيل . قيل : ومن معك ؟ قال : محمد، قيل : أوقد أرسل إليه ؟ قال نعم ، ففتحوا وسلموا علي وإذا ملك موكل يحرس السماء يقال له إسماعيل ، معه سبعون ألف ملك مع كل ملك منهم مئة ألف ، ثم قرأ "وما يعلم جنود ربك إلا هو" وإذا أنا برجل كهيئته يوم خلقه الله لم يتغير منه شيء ، فإذا هو تعرض عليه أرواح ذريته ، فإذا كانت روح مؤمن ، قال : روح طيبة، وريح طيبة ، اجعلوا كتابه في عليين ، وإذا كان روح كافر قال : روح خبيثة وريح خبيثة، اجعلوا كتابه في سجيل ، فقلت : يا جبرئيل من هذا؟ قأل : أبوك آدم ، فسلم علي ورحب بي ودعا لي بخير وقال : مرحبا بالنبي الصالح والولد الصالح ، ثم نظرت فإذا أنا بقوم لهم مشافر كمشافر الإبل ، وقد وكل بهم من يأخذ بمشافرهم ، ثم يجعل في أفواههم صخرا من نار يخرج من أسافلهم ، قلت : يا جبرئيل من هؤلاء؟ قال هؤلاء الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما، ثم نظرت فإذا أنا بقوم يحذى من جلودهم ويرد في أفواههم ، ثم يقال : كلوا كما أكلتم ، فإذا أكره ما خلق الله لهم ذلك ، قلت من هؤلاء يا جبرئيل ؟ قال : هؤلاء الهمازون ا اللمازون الذين يأكلون لحوم الناس ، ويقعون في أعراضهم بالسبب ، ثم نظرت فإذا أنا بقوم على مائدة عليها لحم مشوي كأحسن ما رأيت من اللحم ، وإذا حولهم جيف ، فجعلوا يميلون على الجيف ياكلون منها ويدعون ذلك اللحم ، قلت : من هؤلاء يا جبرئيل ؟ قال : هؤلاء الزناة عمدوا إلى ما حرم الله عليهم ، وتركوا ما أحل الله لهم ، ثم نظرت فإذا أنا بقوم لهم بطون كأنها البيوت وهي على سابلة آل فرعون ، فإذا مر بهم آل فرعون ثاروا ، فيميل باحدهم بطنه فيقع ، فيتوطئوهم آل فرعون بأرجلهم ، وهم يعرضون على النار غدوا وعشيا، قلت : من هؤلاء يا جبرئيل ؟ قال : هؤلاء أكلة الربا، ربا في بطونهم ،فمثلهم كمثل الذي يتخطه الشيطان من المس ، ثم نظرت ، فإذا أنا بنساء معلقات بثديهن ، ونساء منكسات بأرجلهن قلت : من هؤلاء يا جبرئيل ؟ قال : هن اللاتي يزنين ويقتلن أولادهن قال : ثم صعدنا إلى السماء الثانية، فإذا أنا بيوسف وحوله تبع من أمته ، ووجهه كالقمر ليلة البدر، فسلم عل! ورحب بي ،ثم مضينا إلى السماء الثالثة، فإذا أنا بابني الخالة يحيى وعيسى ؟ يشبه أحدهما صاحبه ، ثيابهما وشعرهما، فسلما علي ، ورحبا بي ، ثم مضينا إلى السماء الرابعة، فإذا أنا بإدريس ، فسلم علي ورحب وقد قال الله و" رفعناه مكانا عليا" ثم مضينا إلى السماء الخامسة، فإذا أنا بهارون المحبب في قومه ، حوله تبع كثير من أمته ، فوصفه النبي صلى الله عليه وسلم : طويل اللحية تكاد لحيته تمس سرته ، فسلم علي ورحب ، ثم مضينا إلى السماء السادسة فإذا أنا بموسى بن عمران ، فوصفه النبي صلى الله عليه وسلم فقال : كثير الشعر لو كان عليه قميصان خرج شعره منهما، قال موسى : تزعم الناس أني أكرم الخلق على الله ، فهذا أكرم على الله مني ، ولو كان وحده لم أكن أبالي ، ولكن كل نبي ومن تبعه من أمته ، ثم مضينا إلى السماء السابعة، فإذا أنا بإبراهيم وهو جالس مسند ظهره إلى البيت المعمور فسلم علي وقال : مرحبا بالنبي الصالح والولد الصالح ، فقيل : هذا مكانك ومكان أمتك ، ثم تلا " إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين " ثم دخلت البيت المعمور فصليت فيه ، وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إلى يوم القيامة، ثم نظرت فإذا أنا بشجرة إن كانت الورقة منها لمغطية هذه الأمة، فإذا في أصلها عين تجري قد تشغبت شعبتين ، فقلت : ما هذا يا جبرئيل ؟ قال :
وقفت عليها لاختارت أمتك الدنيا على الآخرة، ثم أتيت بإناءين أحدهما فيه لبن ، والآخر فيه خمر، فقيل لي : اشرب أيهما شئت ، فأخذت اللبن فشربته ، قال : أصبت الفطرة-أوقال :أخذت الفطرة .
قال معمر: وأخبرني الزهري ، عن ابن المسيب أنه قيل له : أما إنك لو أخذت الخمر غوت أمتك .قال أبو هارون في حديث أبي سعيد : ثم جيء بالمعراج الذي تعرج فيه أرواح بني ادم فإذا هو. أما هذا: فهو نهر الرحمة، وأما هذا : فهو الكوثر الذي أعطاكه الله فاغتسلت في نهر الرحمة فغفر لي ما
تقدم من ذنبي وما تأخر، ثم أخذت على الكوثر حتى دخلت الجنة، فإذا فيها ما لا عين رأت ، ولا أذن
سمعت ، ولا خطر على قلب بشر، وإذا فيها رمان كأنه جلود الإبل المقتبة، وإذا فيها طير كأنها البخت ،
فقال أبو بكر : إن تلك الطير لناعمة، قال : أكلتها أنعم منها يا أبا بكر، وإني لأرجو أن تأكل منها، ورأيت فيها جارية، فسالتها : لمن أنت ؟ فقالت : لزيد بن حارثة، فبشر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم زيدا، قال : ثم إن الله أمرني بأمره ، وفرض عل! خمسين صلاة، فمررت على موسى ، فقال : بم أمرك ربك ؟ قلت : فرض علي خمسين صلاة، قال : ارجع إلى ربك فأسأله التخفيف ، فإن أمتك لن يقوموا بهذا، فرجعت إلى ربى فسألته فوضع عني عشرا، ثم رجعت إلى موسى، فلم أزل أرجع إلى ربي إذا مررت بموسى حتى فرض علي خمس صلوات ، فقال موسى : ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف ، فقلت : قد رجعت إلى ربي حتى استحييت - أو قال : قلت : ما أنا براجع - فقيل لي : إن لك بهذه الخمس صلوات خمسين صلاة،الحسنة بعشر أمثالها، ومن هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة، ومن عملها كتبت له عشرا، ومن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب شيئا، فإن عملها كتبت واحدة
حدثئا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، قال : ثني روح بن القاسم ،عن أبي هارون عمارة بن جوين العبدي ، عن أبي سعيد الخدري - وحدثنا ابن حميد ، قال ثنا سلمة ،لمال -وثني أبو جعفر، عن أبي هارون ، عن أبي سعيد ، قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لما فرغت مما كان في بيت المقدس ، أتي بالمعراج ، ولم أر شيئا قط أحسن منه ، وهو الذي يمد إليه ميتكم عينيه إذا حضر ، فأصعدني صاحبي فيه حتى انتهى إلى باب من الأبواب يقال له باب الحفظة، عليه ملك يقا له إسماعيل ، تحت يديه اثنا عشر ألف ملك ، تحت يدي كل ملك منهم اثنا عشر ألف ملك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حدث هذا الحديث "ما يعلم جنود ربك إلا هو" ثم ذكر نحو حديث معمر ، عنأبي هارون إلا أنه قال في حديثه قال : ثم دخلء بي الجنة فرأيت فيها جارية، فسألتها لمن أنت ؟ وقد أعجبتني حين رأيتها، فقالت : لزيد بن حارثة، فبشر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة، ثم انتهى حديث ابن حميد عن سلمة إلى ههنا.
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن الزهري ،عن ابن المسيب ، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصف لأصحابه ليلة أسري به إبراهيم وموسى وعيسى فقال : أما إبراهيم فلم أر رجلا أشبه بصاحبكم منه . وأما موسى فرجل ادم طوال جعد أقني ، كأنه من رجال شنوءة . وأما عيسى فرجل أحمر بين القصير والظويل سبط الشعر كثير خيلان الوجه ، كأنه خرج من ديماس ، كأن رأسه يقطر ماء وما به ماء، أشبه س رأيت به عروة بن مسعود .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة، عن محمد ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب ،عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحوه ، ولم يقل عن أبي هريرة . .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، عن أنس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم بالبراق ليلة أسري به مسرجا ملجما ليركبه ، فاستصعب عليه ، فقال له جبرئيل : ما يحملك على هذا ؟ فوالله ما ركبك أحد قط أكرم على الله منه ! قال : فارفض عرقا
حدثنا بشر، قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة في قوله " سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله " أسري بنبي الله عشاء من مكة إلى بيت المقدس ، فصلى نبي الله فيه ، فأراه الله من آياته وأمره بما شاء ليلة أسري به ، ثم أصبح بمكة . ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : حملت على دابة يقال لها البراق ، فوق الحمار ودون البغل ، يضع حافره عند منتهى طرفه ، فحدث نبي الله بذلك أهل مكة ، فكذب به المشركون وأنكروه وقالوا : يامحمد تخبرنا أنك أتيت بيت المقدس ، وأقبلت من ليلتك ، ثم أصبحت عندنا بمكة ؟ فما كنت تجيئنا به ، وتأتي به قبل اليوم مع هذا فصدقه أبو بكر الصديق من أجل ذلك .
حدثنا ابن أبي الشوارب ، قال : ثنا عبد الواحد بن زياد ، قال : ثنا سليمان الشيباني ، عن عبد الله بن شداد قال : لما كان ليلة أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بدابة يقال لها البراق ، دون البغل وفوق الحمار ، تضع حافرها عند منتهى ظفرها ، فلما أتى بيت المقدس أتى بإناءين : إناء من لبن ، وإناء من خمر ، فشرب اللبن ، قال : فقال له جبرئيل : هديت وهديت أمتك .
وقال آخرون ممن قال أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الأقصى بنفسه وجسمه : أسري به عليه السلام ، غير أنه لم يدخل بيت المقدس ، ولم يصل فيه ، ولم ينزل عن البراق حتى رجع إلى مكة .
ذكر من قال ذلك .
حدثنا محمد بن بشار ، قال : ثنا يحيى بن سعيد القطان ، قال : ثنا سفيان ، قال : ثني عاصم بن بهدلة عن زربن حبيش ، عن حذيفة بن اليمان ، أنه قال في هذه الآية " سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى " قال : لم يصل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولو صلى فيه لكتب عليكم الصلاة فيه ، كما كتب عليكم الصلاة عند الكعبة .
حدثنا أبو كريب ، قال : سمعت أبو بكر بن عياش ، ورجل يحدث عنده بحديث حين أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم فقال له : لا يجيء بمثل عاصم ولا زر ، قال : قال حذيفة لزر بن حبيش ، قال : وكان زر رجلا شريفاً من أشراف العرب ، قال : قرأ حذيفة "سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير " وكذا قرأ عبد الله قال . وهذا كما يقولون : إنه دخل المسجد الأقصى فصلى فيه ، ثم دخل فربط دابته ، قال : قلت : والله قد دخله ، قال : من أنت فإني أعرف وجهك ولا أدري ما اسمك ؟ قال : قلت : زر بن حبيش ، قال : ما عملك هذا ؟ قال : قلت : : من قبل القرآن ، قال : من أخذ بالقرآن أفلح ، قال : فقلت :" سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله " قال : فنظر إلي فقال : ياأصلع ، هل ترى دخله ؟ قال : قلت : لا والله ، قال حذيفة : أجل والله الذي لا إله إلا هو ما دخله ، ولو دخله لوجبت عليكم صلاة فيه ، لا والله ما نزل عن البراق حتى رأى الجنة والنار ، وما أعد الله في الآخرة أجمع ، وقال : تدري ما البراق ؟ قال : دابة دون البغل وفوق الحمار ، خطوه مد البصر .
وقال آخرون : بل أسري بروحه ، ولم يسر بجسده .
ذكر من قال ذلك .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، قال : ثني يعقوب بن عتبة بنالمغيرة بن الأخنس ، أن معاوية بن أبي سفيان كان إذا سئل عن مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : كانت رؤيا من الله صادقة .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عرج محمد، قال : ثني بعض ال أ بي بكر، أن عائشة كانت تقول : ما فقد جسد رسول الله ، ولكن الله أسرى بروحه .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، قال ابن إسحاق : فلم ينكر ذلك من قولها الحسن أن هذه الآية نزلت " وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس " ولقول الله في الخبر عن
!براهيم ، إذ قال لابنه " يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى" ثم مضى على ذلك ، فعرفت أن الوحي ياتي الأنبياء من الله أيقاظا ونياما، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : تنام عيني وقلبي يقظان فالله أعلم أي ذلك كان قد جاءه وعاين فيه من أمر الله ما عاين على أي حالاته كان نائما أو يقظانا كل ذلك حق وصدق.
والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال : إن الله أسرى بعبده محمد صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، كما أخبر الله عباده ، وكما تظاهرت به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أن الله حمله على البراق حين أتاه به ، وصلى هنالك بمن صلى من الأنبياء والرسل ، فأراه ما أراه من الايات ، ولا معنى لقول من قال : أسري بروحه دون جسده ، لأن ذلك لو كان كذلك لم يكن في ذلك ما يوجب أن يكون ذلك دليلا على نبوته ، ولا حجة له على رسالته ، ولا كان الذين أنكروا حقيقة ذلك من أهل الشرك ، وكانوا يدفعون به عن صدقه فيه ، إذ لم يكن منكرا عندهم ، ولا عند أحد من ذوي الفطرة الصحيحة من بني ادم أن يرى الرائي منهم في المنام ما على مسيرة سنة، فكيف ما هو على مسيرة شهر أوأقل ؟ وبعد ، فإن الله إنما أخبر في كتابه أنه أسرى بعبده ، ولم يخبرنا أنه أسرى بروح عبده ، وليس جائزا لأحد أن يتعدى ما قال الله إلى غيره . فإن ظن ظان أن ذلك جائز، إذ كانت العرب تفعل ذلك في كلامها، كما قال قائلهم
‌ حسبت بغام راحلتي عناقا وما هي ويب غيرك بالعناق
يعني : حسبت بغام راحلتي صوت عناق ، فحذف الصوت واكتفي منه بالعناق ، فإن العرب تفعل
ذلك فيما كان مفهوما مراد المتكلم منهم به من الكلام . فاما فيما لا دلالة عليه إلا بظهوره ، ولا يوصل إلى معرفة مراد المتكتم إلا ببيانه ، فإنها لا تحذف ذلك ، ولا دلالة تدل على أن مراد الله من قوله أسرى بعبده أسرى بروح عبده ، بل الأدلة الواضحة، والأخبار المتتابعة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله أسرى به على دابة يقال لها البراق ، ولو كان الإسراء بروحه لم تكن الروح محمولة على البراق ، إذ كانت الدواب لا تحمل إلا الأجسام. إلا أن يقول قائل : إن معنى قولنا : أسرى بروحه : رأى في المنام أنه أسري بجسده على البراق ، فيكذب حينئذ بمعنى الأخبار التي رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جبرئيل حمله على البراق ،
لأن ذلك إذا كان مناما على قول قائل هذا القول ، ولم تكن الروح عنده مما تركب الدواب ، ولم يحمل
على البراق جسم النبي صلى الله عليه وسلم ، لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم على قوله حمل على البراق لا جسمه ، ولا شيء منه ، وصار الأمر عنده كبعض أحلام النائمين ، وذلك دفع لظاهر التنزيل ، وما تتابعت به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

، وجاءت به الآثار عن الأئمة من الصحابة والتابعين .
وقوله الذي باركنا حوله يقول تعالى ذكره : الذي جعلنا حوله البركة لسكانه في معايشهم وأقواتهم وحروثهم وغروسهم . وقوله "لنريه من آياتنا " يقول تعالى ذكره : كي نري عبدنا محمدا من آياتنا، يقول : من عبرنا وأدلتنا وحججنا، وذلك هو ما قد ذكرت في الأخبار التي رويتها انفا، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أريه في طريقه إلى بيت المقدس ، وبعد مصيره إليه من عجائب العبر والمواعظ
كما حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال ثنا سعيد عن قتادة ، قوله " لنريه من آياتنا" ما أراه الله من الآيات والعبر في طريق بيت المقدس .
وقوله "إنه هو السميع البصير " يقول تعالى ذكره . إن الذي أسرى بعبده هو السميع لما يقول هؤلاء
المشركون من أهل مكة في مسرى محمد صلى الله عليه وسلم من مكة إلى بيت المقدس ، ولغير ذلك من قولهم وقول غيرهم ، البصير بما يعملون من الأعمال ، لا يخفى عليه شيء من ذلك ، ولا يعزب عنه علم شيء منه ، بل هو محيط بجميعه علما، ومحصيه عددا، وهو لهم بالمرصاد، ليجزي جميعهم بما هم أهله .
وكان بعض البصريين يقول : كسرت إن من قوله " إنه هو السميع البصير "لأن معنى الكلام قل يامحمد : سبحان الذي أسرى بعبده ، وقل : إنه هو السميع البصير.
تفسير سورة الإسراء
هذه السورة مكية ، إلا ثلاث آيات : قوله عز وجل : وإن كادوا ليستفزونك نزلت حين جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد ثقيف ، وحين قالت اليهود : ليست هذه بأرض الأنبياء . وقوله عز وجل : وقل ربي أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق . وقوله تعالى : إن ربك أحاط بالناس . وقال مقاتل : وقوله عز وجل إن اللذين أوتوا العلم من قبله . وقال ابن مسعود رضي الله عنه في بني إسرائيل والكهف ومريم إنهن من العتاق الأول ، وهن من تلادي ، يريد من قديم كسبه .
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى " سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير "
فيه ثمان مسائل :
الأولى : قوله تعالى : سبحان سبحان اسم موضوع موضع المصدر ، وهو غير متمكن ، لأنه لا يجري بوجوه الإعراب ، ولا تدخل عليه الألف واللام ، ولم يجري منه فعل ، ولم ينصرف لأن في آخره زائدتين ، تقول : سبحت تسبيحا وسبحانا ، مثل كفرت اليمين تكفيرا وكفرانا . ومعناه التنزيه والبراءة لله عز وجل من كل نقص . فهو ذكر عظيم لله تعالى لا يسمح لصلح لغيره ، فأما قول الشاعر
أقول لما جاءني فخره سبحان من علقمة الفاخر
فإنما ذكره على طريق النادر . وقد روى طلحة بن عبيد الله الفياض أحد العشرة أنه قال للني صلى الله عليه وسلم : ما معنى سبحان الله فقال " تنزيه الله من كل سوء " . والعامل فيه على مذهب سيبويه الفعل الذي معناه لا من لفظه ، إذ لم يجر من لفظه فعل ، وذلك مثل قعد القرفصاء ، واشتمل الصماء ، فالتقدير عنده : أنزه الله تنزيها ، فوقع سبحان الله مكان قولك تنزيها .
الثانية : قوله تعالى " أسرى بعبده " أسرى فيه لغتان : سرى وأسرى ، كسقى وأسقى ، كما تقدم . قال :
أسرى عليه من الجوزاء سارية تزجي الشمال عليه جامد البرد
وقال آخر :
حى النضيرة ربة الخدر أسرى إلي ولم تكن تسري
فجمع بين اللغتين في البيتين . والإسراء : سير الليل ، يقال : سريت مسرى وسرى ، وأسريت إسراء ، قال الشاعر :
وليلة ذات ندى سريت ولم يلتني من سراها ليت
وقيل : أسرى سار من أول الليل ، وسرى سار من آخره ، والأول أعرف .
الثالثة : قوله تعالى " بعبده " قال العلماء : لو كان للنبي صلى الله عليه وسلم اسم أشرف منه لسماه به في تلك الحالة العلية . وفي معناه أنشدوا :
يا قوم قلبي عند زهراء يعرفه السامع والرائي
لا تدعني إلا بيا عبدها فإنه أشرف أسمائي
وقد تقدم . قال القشري : لما رفعه الله تعالى إلى حضرة السنية ، وأرقاه فوق الكواكب العلوية ، ألزمه اسم العبودية تواضعا للأمة .
الرابعة : ثبت الإسراء في جميع المصنفات الحديث ، وروي عن الصحابة في كل أقطار الإسلام فهو من المتواتر بهذا الوجه . وذكر النقاش ممن رواه عشرين صحابيا . روى الصحيح عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أتيت بالبراق وهو دابة أبيض طويل فوق الحمار ودون البغل يضع حافره عند منتهى طرفه قال فركبته حتى أتيت بيت المقدس قال فربطته بالحلقة التي تربط بها الأنبياء قال ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ثم خرجت فجاءني جبريل عليه السلام بإناء من الخمر وإناء من لبن فاخترت اللبن فقال جبريل اخترت الفطرة قال ثم عرج بنا إلى السماء " . ومما ليس في الصحيحين ما خرجه الآجوري والسمرقندي قال الآجوري عن أبي سعيد الخدري في قوله تعالى " سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله " قال أبو سعيد : حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ليلة أسرى به ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : " أتيت دابة هي أشبه الدواب بالبغل له أذنان يضطربان وهو البراق الذي كانت الأنبياء تركبه قبل فركبته فانطلق تقع يداه عند منتهى بصره فسمعت نداء عن يميني يا محمد على رسلك حتى أسألك فمضيت ولم أعرج عليه ثم سمعت نداء عند يساري يا محمد على رسلك فمضيت ولم أعرج عليه ثم استقبلتني امرأة عليها من كل زينة الدنيا رافعة يديها تقول على رسلك حتى أسألك فمضيت ولم أعرج ثم أتيت بيت المقدس الأقصى فنزلت عن الدابة فأوثقته في الحلقة التي كانت الأنبياء توثق بها ثم دخلت المسجد وصليت فيه فقال لي جبريل عليه السلام ما سمعت يا محمد فقلت سمعت نداء عن يميني يا محمد على رسلك حتى أسألك فمضيت ولم أعرج عليه فقال ذلك داع اليهود ولو وقفت لتهودت أمتك قال ثم سمعت نداء عن يساري على رسلك حتى أسألك فمضيت ولم أعرج عليه فقال ذلك داعي النصارى أما إنك لو وقفت لتنصرت أمتك قال ثم استقبلتني امرأة عليها من كل زينة الدنيا رافعة يديها تقول على رسلك فمضيت ولم أعرج عليها فقال تلك الدنيا وقفت لاخترت الدنيا على الآخرة قال ثم أتيت بإناءين أحدهما فيه لبن والآخر فيه خمر فقيل لي خذ فاشرب أيهما شئت فأخذت اللبن فشربته فقال لي جبريل أصبت الفطرة ولو أنك أخذت الخمر غوت أمتك ثم جاء بالمعراج الذي تعرج فيه أرواح بني آدم فإذا هو أحسن مما رأيت أو لم تروا إلى الميت كيف يحد بصره إليه فعرج بنا حتى أتينا باب السماء الدنيا فاستفتح جبريل فقيل من هذا قال جبريل قالوا ومن معك قال محمد قالوا وقد أرسل إليه قال نعم ففتحوا لي وسلموا علي وإذا ملك يحرس السماء يقال له إسماعيل معه سبعون ألف ملك مع كل ملك مائة ألف قال وما يعلم جنود ربك إلا هو " إلى أن قال : " ثم مضينا إلى السماء الخامسة وإذا أنا بهارون بن عمران المحب في قومه وحوله تبع كثير من أمته فوصفه النبي صلى الله عليه وسلم وقال طويل اللحية تكاد لحيته تضرب في سرته ثم مضينا إلى السماء السادسة فإذا أنا بموسى فسلم ملي ورحب بي فوصفه النبي صلى الله عليه وسلم فقال رجل كثير الشعر ولو كان عليه قميصان خرج شعره منهما " . وروى البزار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بفرس فحمل عليه ، كل خطوة منه أقصى بصره . وقد جاء في صفة البراق من حديث ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بينا أنا نائم في الحجر إذ أتاني آت فحركني برجله فاتبعت الشخص فإذا هو جبريل عليه السلام قائم على باب المسجد معه دابة دون البغل وفوق الحمار وجهها وجه إنسان وخفها خف حافر وذنبها ذنب ثور وعرفها عرف الفرس فلما أدناها مني جبريل عليه السلام نفرت ونفشت عرفها فمسحها جبريل عليه السلام وقال يا برقة لا تنفري من محمد فو الله ما ركبك ملك مقرب ولا نبي مرسل أفضل من محمد صلى الله عليه وسلم ولا أكرم على الله منه قالت قد علمت أنه كذلك وأنه صاحب الشفاعة وإني أحب أن أكون في شفاعته فقلت أنت في شفاعتي إن شاء الله تعالى " . وذكر أبو سعيد عبد الملك بن محمد النيسابوري عن أبي سعيد الخدري قال :
لما مر النبي صلى الله عليه وسلم بإدريس عليه السلام في السماء الرابعة قال :" مرحبا بالأخ الصالح الذي وعدنا أن نراه فلم نره إلا الليلة قال فإذا فيها مريم بنت عمران لها سبعون قصرا من لؤلؤ ولأم موسى بن عمران سبعون قصرا من مرجانه حمراء مكللة باللؤلؤ أبوابها وأسرتها من عرق واحد فلما عرج المعراج إلى السماء الخامسة وتسبيح أهلها سبحان من جمع بين الثلج والنار من قالها مرة واحدة كان له مثل ثوابهم استفتح الباب جبريل علية السلام ففتح له فإذا هو بكهل لم ير قط كهل أجمل منه عظيم العينين تضرب لحيته قريبا من سرته قد كاد أن تكون شمطه وحوله قوم جلوس يقص عليهم فقلت يا جبريل من هذا قال هارون المحب في قومه .
وذكر الحديث .
فهذه نبذة مختصرة من أحاديث الإسراء خارجة عن الصحيحين ، ذكرها أبو الربيع سليمان بن سبع بكمالها في كتاب ( شفاء الصدور
له . ولا خلاف بين أهل العلم وجماعة أهل السير أن الصلاة إنما فرضت على النبي صلى الله عليه وسلم بمكة في حين الإسراء حين عرج به إلى السماء . واختلفوا في تاريخ الإسراء وهيئة الصلاة ، وهل كان إسراء بروحة . أو جسده . فهذه ثلاث مسائل تتعلق بالآية ، وهي مما ينبغي الوقوف عليها والبحث عنها ، وهي أهم من سرد تلك الأحاديث ، أنا أذكر ما وقفت عليه فيها من أقاويل العلماء واختلاف الفقهاء بعون الله تعالى . فأما المسألة الأولى _ وهي هل كان إسراء بروحه أو جسده ، اختلف في ذنبه السلف والخلف ، فذهبت طائفة إلى أنه إسراء بالروح ، ولم يفارق شخصه مضجعه ، وأنها كانت رؤيا رأى فيها الحقائق ن ورؤيا الأنبياء حق . ذهب إلى هذا معاوية وعائشة ، وحكي عن الحسن وابن إسحاق . وقالت طائفة : كان الإسراء بالجسد يقظة إلى بيت المقدس ، وإلى السماء بالروح ، واحتجوا بقوله تعالى : " سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى " فجعل المسجد الأقصى غاية الإسراء . قالوا : ولو كان الإسراء بجسده إلى زائد على المسجد الأقصى لذكره ، فإنه كان يكون أبلغ في المدح . وذهب معظم السلف والمسلمين إلى أنه كان إسراء بالجسد وفي اليقظة، وأنه ركب البراق بمكة ، ووصل إلى بيت المقدس وصلى فيه ثم أسري بجسده وعلى هذا تدل الأخبار التي أشرنا إليها والآية . وليس في الإسراء بجسده وجال يقظته استحالة ، ولا يعدل عن الظاهر والحقيقة إلى التأويل إلا عند الاستحالة ، ولو كان مناما لقال بروح عبده ولم يقل بعبده . وقوله : " ما زاغ البصر وما طغى " يدل على ذلك.ولو كان مناما لما كانت فيه آية ولا معجزة ، ولما قالت له أم هانئ : لا تحدث الناس فيكذبوك ، ولا فضل أبو بكر بالتصديق ، ولما أمكن قريشا التشنيع والتكذيب ، وقد كذبه قريش فيما أخبر به حتى ارتد أقوام كانوا آمنوا ، فلو كان بالرؤيا لم يستنكر ، وقد قال له المشركون : إن كنت صادقا فخبرنا عن عيرنا أين لقيتها قال : بمكان كذا وكذا مررت عليها ففزع فلان فقيل له ك ما رأيت يا فلان ، قال : ما رأيت شيئا غير أن الإبل قد نفرت . قالوا فأخبرنا متى تأتنا العير قال : تأتيكم يوم كذا وكذا . قالوا : أية ساعة قال: ما أدري ، طلوع الشمس من هاهنا أسرع أم طلوع العير من هاهنا . فقال الرجل : ذلك اليوم هذه الشمس قد طلعت . وقال رجل : هذه عيركم قد طلعت ، واستخبروا النبي صلى الله عليه وسلم عن صفة بيت المقدس فوصفه لهم ولم يكن رآه قبل ذلك . روى الصحيح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله علية وسلم : " لقد رأيتني في الحجر وقريش تسألني عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها فكربت كربا ما كربت مثله قط قال فرفعه الله لي أنظر إليه فما سألوني عن شيء إلا أنبأتهم به " الحديث . وقد اعترض قول عائشة ومعاوية : إنما أسرى بنفس رسول الله صلى الله عليه وسلم " بأنها كانت صغيرة لم تشاهد ، ولا حدثت عن النبي صلى الله عليه وسلم . أما معاوية فكان كافرا في ذلك الوقت غير مشاهد للحال ، ولم يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم .ومن أراد الزيادة على ما ذكرنا فليقف على كتاب الشفاء للقاضي عياض يجد من ذلك الشفاء .وقد احتج لعائشة بقوله تعالى : " وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس " فسماها رؤيا . وهذا يرده قوله تعالى : " سبحان الذي أسرى بعبده ليلا " ولا يقال في النوم أسرى . وأيضا فقد يقال لرؤية العين : رؤيا ، على ما يأتي بيانه في هذه السورة . وفي نصوص الأخبار الثابتة دلالة واضحة على أن الإسراء كان بالبدن ، وإذا ورد الخبر بشيء هو مجوز في العقل في قدرة الله تعالى فلا طريق إلى الإنكار ، لا سيما في زمن خرق العوائد، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم معارج ، فلا يبعد أن يكون البعض بالرؤيا ، وعليه يحمل قوله عليه السلام في الصحيح : " بينا أنا عند البيت بين النائم واليقظان " . ويحتمل أن يرد من الإسراء إلى نوم . والله أعلم .
المسألة الثانية : في تاريخ الإسراء ، وقد اختلف العلماء في ذلك أيضا ، واختلف في ذلك على ابن شهاب ، فروى عنه موسى بن عقبة أنه أسري به إلى بيت المقدس قبل خروجه إلى المدينة بسنة . وروى عنه يونس عن عروة عن عائشة قالت : توفيت خديجة قبل أن تفرض الصلاة . قال ابن شهاب : و ذلك بعد مبعث النبي صلى الله عليه وسلم بسبعة أعوام . وروى عنه الوقاصي قال : أسري به بعد مبعثه بخمس سنين . قال ابن شهاب : وفرض الصيام بالمدينة قبل بدر ، وفرضت الزكاة و الحج بالمدينة وحرمت الخمر بعد أحد .وقال ابن إسحاق : أسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى وهو بيت المقدس ، وقد نشأ الإسلام بمكة في القبائل . وروى عنه يونس بن بكير قال : صلت خديجة مع النبي صلى الله علي وسلم وسيأتي , قال أبو عمر : وهذا يدلك على أن الإسراء كان قبل الهجرة بأعوام ، لأن خديجة قد توفيت قبل الهجرة بخمس سنين وقيل بثلاث وقيل بأربع . وقول ابن اسحق مخال لقول ابن شهاب ، على أن ابن شهاب قد اختلف عنه كما تقدم . وقال الحربي : أسري به ليلة سبع وعشرين من شهر ربيع الآخر قبل الهجرة بسنة . وقال أبو بكر محمد بن ابن علي بن القاسم الذهبي في تاريخه : أسري به من مكة إلى بيت المقدس ، وعرج به إلى السماء بعد مبعثه بثمانية عشرا شهرا . قال أبو عمر : لا أعلم أحدا من أهل السير قال ما حكاه الذهبي ، ولم يستند قوله إلى أحد ممن يضاف إليه هذا العلم منهم ، ولا رفعه إلى أحد ممن يضاف إليه هذا العلم منهم ، ولا رفعه إلى من يحتج به عليهم .
المسألة الثالثة : و أما فرض الصلاة وهيئتها حين فرضت ، فلا خلاف بين أهل العلم وجماعة أهل السير أن الصلاة إنما فرضت بمكة ليلة الإسراء حين عرج به إلى السماء ، وذلك منصوص في الصحيح وغيره .وإنما اختلفوا في هيئتها حين فرضت ، ففروي عن عائشة رضي الله عنها أنها فرضت ركعتين ركعتين ، ثم زيد في صلاة الحضر فأكملت أربعا ، وأقرت صلاة السفر على ركعتين . وبذلك قال الشعبي وميمون بن مهران ومحمد بن إسحاق . قال الشعبي : إلا المغرب . قال يونس بن بكير : وقال ابن إسحاق : ثم إن جبريل عليه السلام أتى النبي صلى الله عليه وسلم حين فرضت عليه الصلاة يعني في الإسراء فهمز له بعقبه في ناحية الوادي فانفجرت عين ماء فتوضأ جبريل ومحمد ينظر عليهما السلام فوضأ وجهه واستنشق وتمضمض ومسح برأسه وأذنيه ورجليه إلى الكعبين ونضح فرجه ، ثم قام يصلي ركعتين بأربع سجدات ، فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أقر الله عينه وطابت نفسه وجاءه ما يحب من أمر الله تعالى ، فأخذ بيد خديجة ثم أتى بها العين فتوضأ كما توضأ جبريل ثم ركع ركعتين وأربع سجدات هو وخديجة ، ثم كان هو وخديجة يصليان سواء . وروي عن ابن عباس أنها فرضت في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين . وكذلك قال نافع بن جبير والحسن بن أبي الحسن البصري ، وهو قول ابن جريج ، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يوافق ذلك . ولم يختلفوا في أن جبريل عليه السلام هبط صبيحة ليلة الإسراء عند الزوال ، فعلم النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة ومواقيتها . وروى يونس بن بكير عن سالم مولى أبي المهاجر قال سمعت ميمون بن مهران يقول : كان أول الصلاة مثنى ، ثم صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعا فصارت سنة ، وأقرت اللصلاة للمسافر وهي تمام . قال أبو عمر : وهذا إسناد لا يحتج بمثله ، وقوله فصارت سنة قول منكر ، وكذلك استثناء الشعبي المغرب وحدها ولم يذكر الصبح قول لا معنى له . وقد أجمع المسلمون أن فرض الصلاة في الحضر أربع إلا المغرب والصبح ولا يعرفون غير ذلك عملا ونقلا مستفيضا ، ولا يضرهم الإختلاف فيما كان أصل فرضها .
الخامسة : قد مضى الكلام في الأذن في المائدة والحمد لله .ومضى في آل عمران أن أول مسجد وضع في الأرض المسجد الحرام ، ثم المسجد الأقصى . وأن بينهما أربعين عاما من حديث أبي ذر ، وبناء سليمان عليه السلام المسجد الأقصى ودعاؤه له من حديث عبد الله بن عمرو ووجه الجمع في ذلك ، فتأمله هناك فلا معنى لإعادة . ونذكر هنا قوله صلى الله عليه وسلم :
" لا تشد الرحال إلا إلى ثلاث مساجد إلى المسجد الحرام وإلى مسجدي هذا وإلى المسجد إيلياء أو بيت المقدس " .خرجه مالك من حديث أبي هريرة . وفيه ما يدل على فضل هذه المساجد الثلاثة على سائر المساجد ، لهذا قال العلماء : من نذر صلاة في مسجد لا يصل إليه إلا برحلة و راحلة فلا يفعل ، ويصلي في مسجده ، إلا في ثلاثة المساجد المذكورة فإنه من نذر صلاة فيها خرج إليها . وقد قال مالك وجماعة من أهل العلم فيمن نذر رباطا في ثغر يسده : فإنه يلزمه الوفاء حيث كان الرباط لأنه طاعة لله عز وجل . وقد زاد أبو البختري في هذا الحديث مسجد الجند ، ولا يصح وهو موضوع ، وقد تقدم في مقدمة الكتاب .
السادسة : قوله تعالى : " إلى المسجد الأقصى " سمى الأقصى لبعد ما بينه وبين المسجد الحرام ، وكان أبعد مسجد عن أهل مكة في الأرض يعظم بالزيارة ، ثم قال " الذي باركنا حوله " قيل : بالثمار وبمجاري الأنهار . وقيل : بمن دفن حوله من الأنبياء والصالحين ، وبهذا جعله مقدسا . وروى معاذ ابن جبل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " يقول الله تعالى يا شام أنت صفوتي من بلادي وأنا سائق إليك صفوتي من عبادي " . " لنريه من آياتنا " هذا من باب تلوين الخطاب . والآيات التي أراه الله من العجائب التي أخبر بها الناس ، وإسرائه من مكة إلى المسجد الأقصى في ليلة وهو مسيرة شهر ، وعروجه إلى السماء ووصفه الأنبياء واحدا واحدا ، حسبما ثبت في صحيح مسلم وغيره . " إنه هو السميع البصير " تقدم .
تفسير سورة الإسراء وهي مكية
قال الإمام الحافظ المتقن أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري : حدثنا آدم بن أبي إياس , حدثنا شعبة عن أبي إسحاق قال: سمعت عبد الرحمن بن يزيد , سمعت ابن مسعود رضي الله عنه قال في بني إسرائيل والكهف ومريم: إنهن من العتاق الأول وهن من تلادي. وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرحمن , حدثنا حماد بن زيد عن مروان أبي لبابة , سمعت عائشة تقول: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول ما يريد أن يفطر, ويفطر حتى نقول ما يريد أن يصوم, وكان يقرأ كل ليلة بني إسرائيل والزمر " .
بسم الله الرحمـن الرحيم
يمجد تعالى نفسه, ويعظم شأنه, لقدرته على ما لايقدر عليه أحد سواه, فلا إله غيره ولا رب سواه, "الذي أسرى بعبده" يعني محمداً صلى الله عليه وسلم "ليلاً" أي في جنح الليل "من المسجد الحرام" وهو مسجد مكة "إلى المسجد الأقصى" وهو بيت المقدس الذي بإيلياء معدن الأنبياء من لدن إبراهيم الخليل عليه السلام, ولهذا جمعوا له هناك كلهم فأمهم في محلتهم ودارهم, فدل على أنه هو الإمام الأعظم, والرئيس المقدم, صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين. وقوله تعالى: "الذي باركنا حوله" أي في الزروع والثمار "لنريه" أي محمداً "من آياتنا" أي العظام. كما قال تعالى: "لقد رأى من آيات ربه الكبرى" وسنذكر من ذلك ما وردت به السنة من الأحاديث عنه صلى الله عليه وسلم, وقوله تعالى: "إنه هو السميع البصير" أي السميع لأقوال عباده مؤمنهم وكافرهم, مصدقهم ومكذبهم, البصير بهم فيعطي كلاً منهم ما يستحقه في الدنيا والاخرة.
قال الإمام أبو عبد الله البخاري : حدثني عبد العزيز بن عبد الله , حدثنا سليمان ـ هو ابن بلال ـ عن شريك بن عبد الله قال: " سمعت أنس بن مالك يقول ليلة أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم من مسجد الكعبة: إنه جاءه ثلاثة نفر قبل أن يوحى إليه وهو نائم في المسجد الحرام فقال أولهم: أيهم هو ؟ فقال أوسطهم: هو خيرهم, فقال آخرهم: خذوا خيرهم, فكانت تلك الليلة فلم يرهم حتى أتوه ليلة أخرى فيما يرى قلبه وتنام عينه ولا ينام قلبه ـ وكذلك الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم ـ فلم يكلموه حتى يحتملوه فوضعوه عند بئر زمزم, فتولاه منهم جبريل فشق جبريل ما بين نحره إلى لبته حتى فرغ من صدره وجوفه, فغسله من ماء زمزم بيده حتى أنقى جوفه, ثم أتى بطست من ذهب فيه تور من ذهب محشو إيماناً وحكمة فحشا به صدره ولغاديده ـ يعني عروق حلقه ـ ثم أطبقه ثم عرج به إلى السماء الدنيا, فضرب باباً من أبوابها, فناداه أهل السماء: من هذا ؟ فقال: جبريل, قالوا: ومن معك ؟ قال: معي محمد, قالوا: وقد بعث إليه ؟ قال: نعم, قالوا: فمرحباً به وأهلاً, يستبشر به أهل السماء لا يعلم أهل السماء بما يريد الله به في الأرض حتى يعلمهم, فوجد في السماء الدنيا آدم فقال له جبريل: هذا أبوك آدم فسلم عليه, فسلم عليه ورد عليه آدم فقال: مرحباً وأهلاً بابني نعم الابن أنت, فإذا هو في السماء الدنيا بنهرين يطردان فقال: ما هذان النهران يا جبريل ؟ قال: هذان النيل والفرات عنصرهما.
ثم مضى به في السماء فإذا هو بنهر آخر عليه قصر من لؤلؤ وزبرجد, فضرب بيده فإذا هو مسك أذفر فقال: ما هذا يا جبريل ؟ قال: هذا الكوثر الذي خبأه لك ربك, ثم عرج به إلى السماء الثانية فقالت الملائكة له مثل ما قالت له الملائكة الأولى: من هذا ؟ قال: جبريل. قالوا: ومن معك ؟ قال: محمد صلى الله عليه وسلم. قالوا: وقد بعث إليه ؟ قال: نعم. قالوا: مرحباً به وأهلاً, ثم عرج به إلى السماء الثالثة فقالوا له مثل ما قالت الأولى والثانية, ثم عرج به إلى السماء الرابعة فقالوا له مثل ذلك, ثم عرج به إلى السماء الخامسة فقالوا له مثل ذلك, ثم عرج به إلى السماء السادسة فقالوا له مثل ذلك, ثم عرج به إلى السماء السابعة فقالوا له مثل ذلك, كل سماء فيها أنبياء قد سماهم فوعيت منهم إدريس في الثانية وهارون في الرابعة وآخر في الخامسة لم أحفظ اسمه, وإبراهيم في السادسة وموسى في السابعة بتفضيل كلام الله تعالى, فقال موسى: رب لم أظن أن يرفع علي أحد, ثم علا به فوق ذلك بما لا يعلمه إلا الله عز وجل حتى جاء سدرة المنتهى, ودنا الجبار رب العزة فتدلى, حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى, فأوحى الله إليه فيما يوحي خمسين صلاة على أمتك كل يوم وليلة, ثم هبط به حتى بلغ موسى فاحتبسه موسى فقال: يا محمد ماذا عهد إليك ربك ؟ قال: عهد إلي خمسين صلاة كل يوم وليلة قال: إن أمتك لا تستطيع ذلك فارجع فليخفف عنك ربك وعنهم. فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى جبريل كأنه يستشيره في ذلك فأشار جبريل أن نعم إن شئت, فعلا به إلى الجبار تعالى وتقدس فقال وهو في مكانه: يا رب خفف عنا فإن أمتي لا تستطيع هذا فوضع عنه عشر صلوات ثم رجع إلى موسى فاحتبسه, فلم يزل يرده موسى إلى ربه حتى صارت إلى خمس صلوات, ثم احتبسه موسى عند الخمس فقال: يا محمد والله لقد راودت بني إسرائيل قومي على أدنى من هذا فضعفوا فتركوه, فأمتك أضعف أجساداً وقلوباً وأبداناً وأبصاراً وأسماعاً, فارجع فليخفف عنك ربك, كل ذلك يلتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى جبريل ليشير عليه ولا يكره ذلك جبريل, فرفعه عند الخامسة فقال يا رب إن أمتي ضعفاء أجسادهم وقلوبهم وأسماعهم وأبصارهم وأبدانهم فخفف عنا فقال الجبار تبارك وتعالى: يا محمد. قال لبيك وسعديك قال: إنه لا يبدل القول لدي كما فرضت عليك في أم الكتاب, فكل حسنة بعشر أمثالها فهي خمسون في أم الكتاب, وهي خمس عليك, فرجع إلى موسى فقال: كيف فعلت ؟ فقال خفف عنا أعطانا بكل حسنة عشر أمثالها قال موسى: قد والله راودت بني إسرائيل على أدنى من ذلك فتركوه, فارجع إلى ربك فليخفف عنك أيضاً. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا موسى قد والله استحييت من ربي عز وجل مما أختلف إليه قال: فاهبط باسم الله " .
قال: واستيقظ وهو في المسجد الحرام. هكذا ساقه البخاري في كتاب التوحيد, ورواه في صفة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن إسماعيل بن أبي أويس عن أخيه أبي بكر عبد الحميد عن سليمان بن بلال . ورواه مسلم عن هارون بن سعيد عن ابن وهب عن سليمان قال فزاد ونقص وقدم وأخر, وهو كما قال مسلم فإن شريك بن عبد الله بن أبي نمر اضطرب في هذا الحديث وساء حفظه ولم يضبطه كما سيأتي بيانه إن شاء الله في الأحاديث الأخر, ومنهم من يجعل هذا مناماً توطئة لما وقع بعد ذلك والله أعلم. وقد قال الحافظ أبو بكر البيهقي في حديث شريك زيادة تفرد بها, على مذهب من زعم أنه صلى الله عليه وسلم رأى الله عز وجل يعني قوله, " ثم دنا " الجبار رب العزة " فتدلى * فكان قاب قوسين أو أدنى ". قال وقول عائشة وابن مسعود وأبي هريرة في حملهم هذه الايات على رؤيته جبريل أصح, وهذا الذي قاله البيهقي رحمه الله في هذه المسألة هو الحق, فإن أبا ذر قال: " يا رسوله الله هل رأيت ربك ؟ قال: نور أنى أراه " وفي رواية: "رأيت نوراً" أخرجه مسلم , وقوله: " ثم دنا فتدلى " إنما هو جبريل عليه السلام, كما ثبت ذلك في الصحيحين عن عائشة أم المؤمنين, وعن ابن مسعود , وكذلك هو في صحيح مسلم عن أبي هريرة , ولا يعرف لهم مخالف من الصحابة في تفسير هذه الاية بهذا.
وقال الإمام أحمد : حدثنا حسن بن موسى حدثنا حماد بن سلمة , أخبرنا ثابت البناني عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أتيت بالبراق وهو دابة أبيض فوق الحمار ودون البغل, يضع حافره عند منتهى طرفه, فركبت فسار بي حتى أتيت بيت المقدس, فربطت الدابة بالحلقة التي يربط فيها الأنبياء, ثم دخلت فصليت فيه ركعتين ثم خرجت فأتاني جبريل بإناء من خمر وإناء من لبن, فاخترت اللبن فقال جبريل: أصبت الفطرة. قال: ثم عرج بي إلى السماء الدنيا فاستفتح جبريل فقيل له من أنت ؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك ؟ قال: محمد. قيل: وقد أرسل إليه ؟ قال: قد أرسل إليه. ففتح لنا فإذا أنا بآدم فرحب بي ودعا لي بخير, ثم عرح بنا إلى السماء الثانية فاستفتح جبريل فقيل له: من أنت. قال: جبريل. قيل: ومن معك ؟ قال: محمد. قيل: وقد أرسل إليه ؟ قال: قد أرسل إليه, ففتح لنا فإذا أنا بابني الخالة يحيى وعيسى فرحبا بي ودعوا لي بخير ثم عرج بي إلى السماء الثالثة فاستفتح جبريل فقيل: من أنت قال: جبريل فقيل ومن معك فقال محمد فقيل وقد أرسل له قال قد أرسل له ففتح لنا فإذا أنا بيوسف عليه السلام, وإذا هو قد أعطي شطر الحسن فرحب بي ودعا لي بخير. ثم عرج بنا إلى السماء الرابعة فاستفتح جبريل, فقيل: من أنت ؟ قال: جبريل. فقيل: ومن معك ؟ قال: محمد, فقيل: وقد أرسل إليه ؟ قال: قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بإدريس فرحب بي ودعا لي بخير ثم يقول الله تعالى: "ورفعناه مكاناً عليا" ثم عرج بنا إلى السماء الخامسة فاستفتح جبريل فقيل من أنت ؟ قال جبريل, فقيل: ومن معك ؟ قال: محمد. فقيل: قد أرسل إليه ؟ قال: قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بهارون, فرحب بي ودعا لي بخير ثم عرج بنا إلى السماء السادسة فاستفتح جبريل فقيل من أنت ؟ قال جبريل قيل ومن معك ؟ قال: محمد. فقيل: وقد بعث إليه ؟ قال قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بموسى عليه السلام, فرحب بي ودعا لي بخير ثم عرج بنا إلى السماء السابعة فاستفتح جبريل فقيل من أنت ؟ قال: جبريل. قيل ومن معك ؟ قال: محمد. فقيل وقد بعث إليه ؟ قال قد بعث إليه, ففتح لنا فإذا أنا بإبراهيم عليه السلام, وإذا هو مستند إلى البيت المعمور, وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ثم لا يعودون إليه, ثم ذهب بي إلى سدرة المنتهى فإذا ورقها كآذان الفيلة, وإذا ثمرها كالقلال, فلما غشيها من أمر الله ما غشيها تغيرت فما أحد من خلق الله تعالى يستطيع أن يصفها من حسنها.
قال: فأوحى الله إلي ما أوحى, وقد فرض علي في كل يوم وليلة خمسين صلاة فنزلت حتى انتهيت إلى موسى, قال ما فرض ربك على أمتك ؟ قلت خمسين صلاة في كل يوم وليلة, قال ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك, فإن أمتك لا تطيق ذلك وإني قد بلوت بني إسرائيل وخبرتهم, قال فرجعت إلى ربي فقلت أي رب خفف عن أمتي فحط عني خمساً, فنزلت حتى انتهيت إلى موسى فقال ما فعلت ؟ فقلت قد حط عني خمساً فقال إن أمتك لا تطيق ذلك فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك, قال فلم أزل أرجع بين ربي وبين موسى ويحط عني خمساً خمساً حتى قال: يا محمد هن خمس صلوات في كل يوم وليلة بكل صلاة عشر, فتلك خمسون صلاة ومن هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة, فإن علمها كتبت عشراً, ومن هم بسيئة فلم يعلمها لم تكتب, فإن عملها كتبت سيئة واحدة, فنزلت حتى انتهيت إلى موسى فأخبرته, فقال ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك فإن أمتك لا تطيق ذلك, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد رجعت إلى ربي حتى استحييت" ورواه مسلم عن شيبان بن فروخ عن حماد بن سلمة بهذا السياق, وهو أصح من سياق شريك .
قال البيهقي : وفي هذا السياق دليل على أن المعراج كان ليلة أسري به عليه الصلاة والسلام من مكة إلى بيت المقدس, وهذا الذي قاله هو الحق الذي لاشك فيه ولا مرية, وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق , حدثنا معمر عن قتادة عن أنس " أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بالبراق ليلة أسري به مسرجاً ملجماً ليركبه, فاستصعب عليه فقال له جبريل: ما يحملك على هذا فوالله ما ركبك قط أكرم على الله منه ؟ قال: فارفض عرقا " , ورواه الترمذي عن إسحاق بن منصور عن عبد الرزاق , وقال غريب لا نعرفه إلا من حديثه. وقال أحمد أيضاً: حدثنا أبو المغيرة , حدثنا صفوان , حدثني راشد بن سعيد وعبد الرحمن بن جبير عن أنس قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما عرج بي إلى ربي عز وجل مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون بها وجوههم وصدورهم, فقلت: من هؤلاء يا جبريل ؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم" وأخرجه أبو داود من حديث صفوان بن عمرو به, ومن وجه آخر ليس فيه أنس , فالله أعلم, وقال أيضاً: حدثنا وكيع , حدثنا سفيان عن سليمان التيمي عن أنس قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مررت ليلة أسري بي على موسى عليه السلام قائماً يصلي في قبره".
ورواه مسلم من حديث حماد بن سلمة عن سليمان بن طرخان التيمي وثابت البناني , كلاهما عن أنس , قال النسائي : هذا أصح من رواية من قال سليمان عن ثابت عن أنس , وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده: حدثنا وهب بن بقية , حدثنا خالد عن التيمي عن أنس قال: أخبرني بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به, مر على موسى وهو يصلي في قبره, وقال أبو يعلى : حدثنا إبراهيم بن محمد بن عرعرة , حدثنا معتمر عن أبيه قال: سمعت أنساً أن النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به مر بموسى وهو يصلي في قبره, قال أنس ذكر أنه حمل على البراق فأوثق الدابة أو قال الفرس. قال أبو بكر : " صفها لي, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هي كذه وذه فقال: أشهد أنك رسول الله " . وكان أبو بكر رضي الله عنه قد رآها , وقال الحافظ أبو بكر أحمد بن عمرو البزار في مسنده : حدثنا سلمة بن شبيب , حدثنا سعيد بن منصور , حدثنا الحارث بن عبيد عن أبي عمران الجوني عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بينا أنا نائم إذ جاء جبريل عليه السلام فوكز بين كتفي فقمت إلى شجرة فيها كوكري الطير, فقعد في أحدهما وقعدت في الاخر, فسمت وارتفعت حتى سدت الخافقين, وأنا أقلب طرفي ولو شئت أن أمس السماء لمسست, فالتفت إلى جبريل كأنه حلس لاط فعرفت فضل علمه بالله علي, وفتح لي باب من أبواب السماء فرأيت النور الأعظم, وإذا دون الحجاب رفرف الدر والياقوت وأوحي إلي ما شاء الله أن يوحى " ثم قال ولا نعلم روى هذا الحديث إلا أنس ولا نعلم رواه عن أبي عمران الجوني إلا الحارث بن عبيد , وكان رجلاً مشهوراً من أهل البصرة.
ورواه الحافظ البيهقي في الدلائل عن أبي بكر القاضي عن أبي جعفر محمد بن علي بن دحيم عن محمد بن الحسين بن أبي الحسين , عن سعيد بن منصور فذكره بسنده مثله ثم قال وقال غيره في هذا الحديث في آخره ولط دوني, أو قال دون الحجاب رفرف الدر والياقوت, ثم قال هكذا رواه الحارث بن عبيد ورواه حماد بن سلمة عن أبي عمران الجوني عن محمد بن عمير بن عطارد , أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في ملإ من أصحابه فجاءه جبريل فنكت في ظهره, فذهب به إلى الشجرة وفيها مثل وكري الطير, فقعد في أحدهما وقعد جبريل في الاخر فنشأت بنا حتى بلغت الأفق, فلو بسطت يدي إلى السماء لنلتها فدلي بسبب وهبط النور فوقع جبريل مغشياً عليه كأنه حلس, فعرفت فضل خشيته على خشيتي فأوحي إلي نبياً: ملكاً أو نبياً عبداً وإلى الجنة ما أنت, فأومأ إلي جبريل وهو مضطجع أن تواضع قال قلت لا بل نبياً عبداً, قلت وهذا إن صح يقتضي أنها واقعة غير ليلة الإسراء, فإنه لم يذكر فيها بيت المقدس ولا الصعود إلى السماء فهي كائنة غير ما نحن فيه, والله أعلم وقال البزار أيضاً: حدثنا عمرو بن عيسى حدثنا أبو بحر , حدثنا شعبة عن قتادة عن أنس أن محمداً صلى الله عليه وسلم رأى ربه عز وجل, وهذا غريب.
وقال أبو جعفر بن جرير : حدثنا يونس , حدثنا عبد الله بن وهب , حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن الزهري عن أبيه عن عبد الرحمن بن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص عن أنس بن مالك قال: " لما جاء جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبراق فكأنها حركت ذنبها, فقال لها جبريل مه يا براق فوالله ما ركبك مثله, وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو بعجوز على جانب الطريق فقال: ما هذه يا جبريل ؟ قال: سر يا محمد, قال فسار ما شاء الله أن يسير فإذا شيء يدعوه متنحياً عن الطريق فقال هلم يا محمد, فقال له جبريل: سر يا محمد فسار ما شاء الله أن يسير, قال فلقيه خلق من خلق الله فقالوا السلام عليك (يا أول), السلام عليك (يا آخر), السلام عليك يا حاشر, فقال له جبريل اردد السلام يا محمد فرد السلام, ثم لقيه الثانية فقال له مثل مقالته الأولى ثم الثالثة كذلك, حتى انتهى إلى بيت المقدس فعرض عليه الخمر والماء واللبن فتناول رسول الله صلى الله عليه وسلم اللبن, فقال له جبريل أصبت الفطرة ولو شربت الماء لغرقت وغرقت أمتك, ولو شربت الخمر لغويت ولغوت أمتك, ثم بعث له آدم فمن دونه من الأنبياء عليهم السلام فأمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الليلة. ثم قاله له جبريل: أما العجوز التي رأيت على جانب الطريق فلم يبق من الدنيا إلا كما بقي من عمر تلك العجوز. وأما الذي أراد أن تميل إليه فذاك عدو الله إبليس أراد أن تميل إليه, وأما الذين سلموا عليك فإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام " , وهكذا رواه الحافظ البيهقي في دلائل النبوة من حديث ابن وهب . وفي بعض ألفاظه نكارة وغرابة.
(طريق أخرى) عن أنس بن مالك , وفيها غرابة ونكارة جداً وفي سنن النسائي والمجتبى ولم أرها في الكبير قال: حدثنا عمرو بن هشام , حدثنا مخلد هو ابن الحسين عن سعيد بن عبد العزيز , حدثنا يزيد بن أبي مالك حدثنا أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أتيت بدابة فوق الحمار ودون البغل خطوها عند منتهى طرفها, فركبت ومعي جبريل عليه السلام فسرت فقال انزل فصل فصليت فقال أتدري أين صليت ؟ صليت بطيبة وإليها المهاجر, ثم قال انزل فصل فصليت فقال أتدري أين صليت ؟ صليت بطور سيناء حيث كلم الله موسى, ثم قال انزل فصل فصليت, فقال أتدري أين صليت ؟ صليت ببيت لحم حيث ولد عيسى عليه السلام, ثم دخلت بيت المقدس فجمع لي الأنبياء عليهم السلام فقدمني جبريل عليه السلام حتى أممتهم ثم صعد بي إلى السماء الدنيا فإذا فيها آدم عليه السلام, ثم صعد بي إلى السماء الثانية فإذا فيها ابنا الخالة عيسى ويحيى عليهما السلام, ثم صعد بي إلى السماء الثالثة فإذا فيها يوسف عليه السلام, ثم صعد بي إلى السماء الرابعة فإذا فيها هارون عليه السلام, ثم صعد بي إلى السماء الخامسة فإذا فيها إدريس عليه السلام.
ثم صعد بي إلى السماء السادسة فإذا فيها موسى عليه السلام, ثم صعد بي إلى السماء السابعة فإذا فيها إبراهيم عليه السلام, ثم صعدبي فوق سبع سموات وأتيت سدرة المنتهى فغشيتني ضبابة فخررت ساجداً فقيل لي إني يوم خلقت السموات والأرض فرضت عليك وعلى أمتك خمسين صلاة, فقم بها أنت وأمتك فرجعت بذلك حتى أمر بموسى عليه السلام, فقال ما فرض ربك على أمتك قلت خمسين صلاة, قال فإنك لا تستطيع أن تقوم بها لا أنت ولا أمتك, فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فرجعت إلى ربي فخفف عني عشراً, ثم أتيت موسى فأمرني بالرجوع فرجعت فخفف عني عشراً, ثم ردت إلى خمس صلوات, قال فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فإنه فرض على بني إسرائيل صلاتين فما قاموا بهما, فرجعت إلى ربي عز وجل فسألته التخفيف, فقال إني يوم خلقت السموات والأرض فرضت عليك وعلى أمتك خمسين صلاة, فخمس بخمسين فقم بها أنت وأمتك, قال فعرفت أنها من الله عز وجل صري فرجعت إلى موسى عليه السلام فقال ارجع فعرفت أنها من الله عز وجل صرى ـ يقول أي حتم ـ فلم أرجع " .
(طريق أخرى) وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا هشام بن عمار , حدثنا خالد بن يزيد بن أبي مالك عن أبيه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: " لما كان ليلة أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس أتاه جبريل بدابة فوق الحمار ودون البغل, حمله جبريل عليها ينتهي خفها حيث ينتهي طرفها, فلما بلغ بيت المقدس وبلغ المكان الذي يقال له باب محمد صلى الله عليه وسلم أتى إلى الحجر الذي ثمة, فغمزه جبريل بأصبعه فثقبه, ثم ربطها ثم صعد فلما استويا في صرحة المسجد قال جبريل يا محمد هل سألت ربك أن يريك الحور العين ؟ فقال نعم فقال فانطلق إلى أولئك النسوة, فسلم عليهن وهن جلوس عن يسار الصخرة, قال: فأتيتهن فسلمت عليهن فرددن علي السلام فقلت من أنتن ؟ فقلن: نحن خيرات حسان نساء قوم أبرار نقوا فلم يدرنوا. وأقاموا فلم يظعنوا, وخلدوا فلم يموتوا, قال ثم انصرفت فلم ألبث إلا يسيراً حتى اجتمع ناس كثير, ثم أذن مؤذن وأقيمت الصلاة, قال فقمنا صفوفاً ننتظر من يؤمنا فأخذ بيدي جبريل عليه السلام فقدمني فصليت بهم, فلما انصرفت قال جبريل: يا محمد أتدري من صلى خلفك ؟ ـ قال ـ قلت لا ـ قال صلى خلفك كل نبي بعثه الله عز وجل.
قال: ثم أخذ بيدي جبريل فصعد بي إلى السماء, فلما انتهينا إلى الباب استفتح فقالوا من أنت ؟ قال أنا جبريل, قالوا ومن معك ؟ قال محمد قالوا وقد بعث إليه ؟ قال نعم ـ قال ـ ففتحوا له وقالوا مرحباً بك وبمن معك ـ قال ـ فلما استوى على ظهرها إذا فيها آدم, فقال لي جبريل يا محمد ألا تسلم على أبيك آدم ـ قال ـ قلت بلى, فأتيته فسلمت عليه فرد علي وقال مرحباً بابني الصالح والنبي الصالح ـ قال ـ ثم عرج بي إلى السماء الثانية, فاستفتح فقالوا من أنت قال جبريل قالوا ومن معك قال محمد, قالوا وقد بعث إليه, قال نعم, ففتحوا له وقال مرحباً بك وبمن معك فإذا فيها عيسى وابن خالته يحيى عليهما السلام, ـ قال ـ ثم عرج بي إلى السماء الثالثة فاستفتح, قالوا من أنت ؟ قال جبريل, قالوا ومن معك ؟ قال محمد, قالوا وقد بعث إليه ؟ قال نعم, ففتحوا له وقالوا مرحباً بك وبمن معك, فإذا فيها يوسف عليه السلام, ثم عرج بي إلى السماء الرابعة فاستفتح قالوا من أنت ؟ قال جبريل, فقالوا ومن معك قال محمد قالوا وقد بعث إليه قال نعم ـ قال ـ ففتحوا له وقالوا مرحباً بك وبمن معك فإذا فيها إدريس عليه السلام ـ قال ـ فعرج بي إلى السماء الخامسة فاستفتح جبريل فقالوا من أنت قال جبريل قالوا ومن معك قال محمد, قالوا وقد بعث إليه ؟ قال نعم ـ قال ـ ففتحوا وقالوا مرحباً بك وبمن معك وإذا فيها هارون عليه السلام.
ثم عرج بي إلى السماء السادسة فاستفتح جبريل فقالوا من أنت, قال جبريل, قالوا ومن معك, قال محمد, قالوا وقد بعث إليه ؟ قال نعم ـ قال ـ ففتحوا وقالوا مرحباً بك وبمن معك, وإذا فيها موسى عليه السلام, ثم عرج بي إلى السماء السابعة, فاستفتح جبريل فقالوا من أنت ؟ قال جبريل, قالوا ومن معك ؟ قال محمد, قالوا وقد بعث إليه ؟ قال نعم ففتحوا له وقالوا مرحباً بك وبمن معك وإذا فيها إبراهيم عليه السلام فقال جبريل يا محمد ألا تسلم على أبيك إبراهيم ؟ قلت بلى, فأتيته فسلمت عليه فرد علي السلام وقال مرحباً بابني الصالح والنبي الصالح, ثم انطلق بي على ظهر السماء السابعة حتى انتهى بي إلى نهر عليه خيام اللؤلؤ والياقوت والزبرجد, وعليه طير أخضر أنعم طير رأيت, فقلت يا جبريل إن هذا الطير لناعم قال يا محمد آكله أنعم منه, ثم قال يا محمد أتدري أي نهر هذا ـ قال ـ قلت لا, قال هذا الكوثر الذي أعطاك الله أياه, فإذا فيه آنية الذهب والفضة يجري على رضراض من الياقوت والزمرد ماؤه أشد بياضاً من اللبن ـ قال ـ فأخذت من آنيته آنية من الذهب, فاغترفت من ذلك الماء فشربت فإذا هو أحلى من العسل وأشد رائحة من المسك.
ثم انطلق بي حتى انتهيت إلى الشجرة فغشيتني سحابة فيها من كل لون (فرفضني) جبريل وخررت ساجداً لله عز وجل فقال الله لي: يا محمد إني يوم خلقت السموات والأرض افترضت عليك وعلى أمتك خمسين صلاة, فقم بها أنت وأمتك ـ قال ـ ثم انجلت عني السحابة فأخذ بيدي جبريل فانصرفت سريعاً, فأتيت على إبراهيم فلم يقل شيئاً, ثم أتيت على موسى فقال ما صنعت يا محمد ؟ فقلت فرض ربي علي وعلى أمتي خمسين صلاة. قال فلن تستطيعها أنت ولا أمتك فارجع إلى ربك فاسأله أن يخفف عنك, فرجعت سريعاً حتى انتهيت إلى الشجرة فغشيتني السحابة ورفضني جبريل وخررت ساجداً وقلت ربي إنك فرضت علي وعلى أمتي خمسين صلاة ولن أستطيعها أنا ولا أمتي فخفف عنا, قال وضعت عنكم عشراً ـ قال ـ ثم انجلت عني السحابة وأخذ بيدي جبريل ـ قال ـ فانصرفت سريعاً حتى أتيت على إبراهيم فلم يقل لي شيئاً, ثم أتيت على موسى فقال لي ما صنعت يا محمد ؟ فقلت وضع عني ربي عشراً قال فأربعون صلاة لن تستطيعها أنت ولا أمتك فارجع إلى ربك فاسأله أن يخفف عنكم. فذكر الحديث كذلك إلى خمس صلوات وخمس بخمسين ثم أمره موسى أن يرجع فيسأله التخفيف فقال, إني استحييت منه تعالى" .
قال ثم انحدر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل: "ما لي لم آت أهل سماء إلا رحبوا بي وضحكوا لي غير رجل واحد فسلمت عليه فرد علي السلام ورحب بي ولم يضحك لي قال: يا محمد ذاك مالك, خازن جهنم, لم يضحك منذ خلق ولو ضحك إلى أحد لضحك إليك, قال ثم ركب منصرفاً فبينا هو في بعض الطريق مر بعير لقريش تحمل طعاماً, منها جمل عليه غرارتان غرارة سوداء وغرارة بيضاء, فلما حاذى بالعير نفرت منه واستدارت وصرع ذلك البعير وانكسر, ثم إنه مضى فأصبح فأخبر عما كان " , فلما سمع المشركون قوله أتوا أبا بكر فقالوا يا أبا بكر هل لك في صاحبك ؟ يخبر أنه أتى في ليلته هذه مسيرة شهر ورجع في ليلته, فقال أبو بكر رضي الله عنه إن كان قاله فقد صدق وإنا لنصدقه فيما هو أبعد من هذا لنصدقه على خبر السماء فقال المشركون لرسول الله صلى الله عليه وسلم " ما علامة ما تقول قال مررت بعير لقريش وهي في مكان كذا وكذا فنفرت الإبل منا واستدارت وفيها بعير عليه غرارتان غرارة سوداء وغرارة بيضاء فصرع فانكسر فلما قدمت العير سألوهم فأخبروهم الخبر على مثل ما حدثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن ذلك سمي أبو بكر الصديق وسألوه وقالوا هل كان فيمن حضر معك موسى وعيسى ؟ قال نعم قالوا فصفهم لنا قال: أما موسى فرجل آدم كأنه من رجال أزد عمان, وأما عيسى فرجل ربعة سبط تعلوه حمرة كأنما يتحادر من شعره الجمان" هذا سياق فيه غرائب عجيبة.
قال الإمام أحمد : حدثنا عفان , حدثنا همام قال: سمعت قتادة يحدث عن أنس بن مالك أن مالك بن صعصعة حدثه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم حدثهم عن ليلة أسري به قال: "بينما أنا في الحطيم ـ وربما قال قتادة في الحجر ـ مضطجعاً إذ أتاني آت, فجعل يقول لصاحبه الأوسط بين الثلاثة ـ قال ـ فأتاني فقد ـ سمعت قتادة يقول فشق ـ ما بين هذه إلى هذه وقال قتادة فقلت للجارود وهو إلى جنبي: ما يعني ؟ قال: من ثغرة نحره إلى شعرته, وقد سمعته يقول من قصته إلى شعرته قال: فاستخرج قلبي ـ قال ـ فأتيت بطست من ذهب مملوء إيماناً وحكمة فغسل قلبي ثم حشي ثم أعيد ثم أتيت بدابة دون البغل وفوق الحمار أبيض قال فقال الجارود : هو البراق يا أبا حمزة ؟ قال نعم يقع خطوه عند أقصى طرفه قال: فحملت عليه فانطلق بي جبريل عليه السلام حتى أتى بي إلى السماء الدنيا فاستفتح, فقيل من هذا ؟ قال جبريل, قيل ومن معك ؟ قال محمد, قيل أوقد أرسل إليه ؟ قال نعم فقيل: مرحباً به ولنعم المجيء عليه ـ قال ـ فتح لنا فلما خلصت فإذا فيها آدم عليه السلام, قال هذا أبوك آدم فسلم عليه, فسلمت عليه فرد السلام ثم قال مرحباً بالابن الصالح والنبي الصالح, ثم صعد حتى أتى السماء الثانية فاستفتح فقيل من هذا ؟ فقال جبريل قيل ومن معك ؟ قال محمد قيل أو قد أرسل إليه ؟ قال نعم قيل: مرحباً به ولنعم المجيء جاء قال ففتح لنا, فلما خلصت فإذا عيسى ويحيى وهما ابنا الخالة, قال هذان يحيى وعيسى فسلم عليهما ـ قال ـ فسلمت عليهما فردا السلام ثم قالا: مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح, ثم صعد حتى أتى السماء الثالثة فاستفتح فقيل من هذا ؟ فقال جبريل قيل ومن معك ؟ قال محمد قيل أو قد أرسل إليه ؟ قال نعم قيل: مرحباً به ولنعم المجيء جاء ـ قال ـ قال ففتح لنا, فلما خلصت فإذا إذا يوسف عليه السلام قال هذا يوسف ـ قال ـ فسلمت عليه فرد السلام ثم قال: مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح, ثم صعد حتى أتى السماء الرابعة فاستفتح فقيل من هذا ؟ قال جبريل, قيل ومن معك ؟ قال محمد, قيل أو قد أرسل إليه ؟ قال نعم قيل: مرحباً به ولنعم المجيء جاء ـ قال ـ ففتح لنا فلما خلصت فإذا إدريس عليه السلام, قال هذا إدريس, قال فسلمت عليه فرد السلام ثم قال: مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح, ـ قال ـ ثم صعد حتى أتى السماء الخامسة فاستفتح فقيل من هذا ؟ قال جبريل, قيل ومن معك ؟ قال محمد, قيل أو قد أرسل إليه ؟ قال نعم, قيل: مرحباً به ولنعم المجيء جاء, ففتح لنا فلما خلصت فإذا هارون عليه السلام قال هذا هارون فسلم عليه فسلمت عليه فرد السلام, ثم قال: مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح ـ قال ـ ثم صعد حتى أتى السماء السادسة فاستفتح فقيل من هذا ؟ قال جبريل, قيل ومن معك ؟ قال محمد, قيل أو قد أرسل إليه ؟ قال نعم, قيل: مرحباً به ولنعم المجيء جاء, ففتح لنا فلما خلصت فإذا بموسى عليه السلام قال هذا موسى فسلم عليه فسلمت عليه فرد السلام, ثم قال: مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح ـ قال ـ فلما تجاوزته بكى قيل له: ما يبكيك ؟ قال: أبكي لأن غلاماً بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر مما يدخلها من أمتي. قال ثم صعد حتى أتى السماء السابعة فاستفتح فقيل من هذا ؟ قال جبريل, قيل ومن معك ؟ قال محمد, قيل أو قد بعث إليه ؟ قال نعم, قيل: مرحباً به ولنعم المجيء جاء, ففتح لنا فلما خلصت فإذا إبراهيم عليه السلام فقال هذا إبراهيم فسلم عليه فسلمت عليه فرد السلام, ثم قال: مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح ـ قال ـ ثم رفعت إلى سدرة المنتهى فإذا نبقها مثل قلال هجر, وإذا ورقها مثل آذان الفيلة, فقال هذه سدرة المنتهى, قال وإذا أربعة أنهار: نهران باطنان ونهران ظاهران, فقلت: ما هذا يا جبريل ؟ قال: أما الباطنان فنهران في الجنة, وأما الظاهران فالنيل والفرات ـ قال ـ ثم رفع إلى البيت المعمور".
قال قتادة : وحدثنا الحسن عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى البيت المعمور يدخله كل يوم سبعون ألفاً ثم لا يعودون فيه, ثم رجع إلى حديث أنس قال: "ثم أتيت بإناء من خمر وإناء من لبن وإناء من عسل. ـ قال ـ فأخذت اللبن قال هذه الفطرة أنت عليها وأمتك ـ قال ـ ثم فرضت علي الصلاة خمسين صلاة كل يوم ـ قال ـ فنزلت حتى أتيت موسى, فقال ما فرض ربك على أمتك ؟ قال فقلت خمسين صلاة كل يوم, قال إن أمتك لا تستطيع خمسين صلاة وإني خبرت الناس قبلك, وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة, فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك ـ قال ـ فرجعت فوضع عني عشراً ـ قال ـ فرجعت إلى موسى فقال بم أمرت ؟ قلت بأربعين صلاة كل يوم, قال إن أمتك لا تستطيع أربعين صلاة كل يوم, وإني قد خبرت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة, فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك ـ قال ـ فرجعت فوضع عشراً أخر, فرجعت إلى موسى فقال بم أمرت ؟ فقلت أمرت بثلاثين صلاة, قال إن أمتك لا تستطيع ثلاثين صلاة كل يوم, وإني قد خبرت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة, فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك ـ قال ـ فرجعت فوضع عشراً أخر, فرجعت إلى موسى فقال بم أمرت ؟ فقلت أمرت بعشرين صلاة كل يوم, قال إن أمتك لا تستطيع عشرين صلاة كل يوم, وإني قد خبرت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة, فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك ـ قال ـ فرجعت فوضع عشراً عني أخر, فرجعت إلى موسى فقال بم أمرت ؟ فقلت أمرت بعشر صلوات كل يوم, قال إن أمتك لا تستطيع لعشر صلوات كل يوم, وإني قد خبرت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة, فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك ـ قال ـ فرجعت فأمرت بخمس صلوات كل يوم, فرجعت إلى موسى فقال بما أمرت قال أمرت بخمس صلوات كل يوم قال إن أمتك لا تستطيع خمس صلوات كل يوم, وإني قد خبرت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة, فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك ـ قال ـ قلت قد سألت ربي حتى استحييت, ولكن أرضى وأسلم, فنفذت فنادى مناد قد أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي" وأخرجاه في الصحيحين من حديث قتادة بنحوه.
قال البخاري : حدثنا يحيى بن بكير , حدثنا الليث عن يونس عن ابن شهاب , عن أنس بن مالك قال: كان أبو ذر يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "فرج عن سقف بيتي وأنا بمكة, فنزل جبريل ففرج صدري ثم غسله بماء زمزم, ثم جاء بطست من ذهب ممتلىء حكمة وإيماناً, فأفرغه في صدري, ثم أخذ بيدي فعرج بي إلى السماء الدنيا, فلما جئت إلى السماء قال جبريل لخازن السماء: افتح قال: من هذا ؟ قال: جبريل, قال هل معك أحد ؟ قال: نعم معي محمد صلى الله عليه وسلم, فقال: أرسل إليه ؟ قال: نعم فلما فتح علونا السماء الدنيا فإذا رجل قاعد على يمينه أسودة وعلى يساره أسودة, إذا نظر قبل يمينه ضحك وإذا نظر قبل شماله بكى, فقال مرحباً بالنبي الصالح والابن الصالح قال: قلت لجبريل: من هذا ؟ قال: هذا آدم وهذه الأسودة عن يمينه وعن شماله نسم بنيه, فأهل اليمين منهم أهل الجنة, والأسودة التي عن شماله أهل النار, فإذا نظر عن يمينه ضحك, وإذا نظر عن شماله بكى, ثم عرج بي إلى السماء الثانية فقال لخازنها افتح, فقال له خازنها مثل ما قاله الأول, ففتح" قال أنس فذكر أنه وجد في السموات آدم وإدريس وموسى وعيسى وإبراهيم, ولم يثبت كيف منازلهم غير أنه ذكر أنه وجد آدم في السماء الدنيا, وإبراهيم في السادسة, قال أنس : " فلما مر جبريل والنبي صلى الله عليه وسلم بإدريس, قال: مرحباً بالنبي الصالح والأخ الصالح, فقلت: من هذا ؟ قال: إدريس, ثم مررت بموسى فقال: مرحباً بالنبي الصالح والأخ الصالح, فقلت: من هذا ؟ قال: هذا موسى, ثم مررت بعيسى, فقال: مرحباً بالنبي الصالح والأخ الصالح, قلت: من هذا ؟ قال: هذا عيسى, ثم مررت بإبراهيم فقال: مرحباً بالنبي الصالح والابن الصالح, قلت: من هذا ؟ قال: هذا إبراهيم ". قال الزهري : فأخبرني ابن حزم أن ابن عباس وأبا حبة الأنصاري كانا يقولان: قال النبي صلى الله عليه وسلم "ثم عرج بي حتى ظهرت لمستوى أسمع فيه صريف الأقلام".
قال ابن حزم وأنس بن مالك : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ففرض الله على أمتي خمسين صلاة, فرجعت بذلك حتى مررت على موسى عليه السلام, فقال: ما فرض الله على أمتك ؟ قلت: فرض خمسين صلاة, قال موسى: فارجع إلى ربك فإن أمتك لا تطيق ذلك, فرجعت فوضع شطرها, فرجعت إلى موسى, قلت: وضع شطرها, فقال: ارجع إلى ربك, فإن أمتك لا تطيق ذلك, فرجعت فوضع شطرها, فرجعت إليه فقال: ارجع إلى ربك فإن أمتك لا تطيق ذلك, فراجعته فقال: هي خمس وهي خمسون لا يبدل القول لدي, فرجعت إلى موسى فقال: ارجع إلى ربك, قلت: قد استحييت من ربي, ثم انطلق بي حتى انتهى إلى سدرة المنتهى فغشيها ألوان لا أدري ما هي, ثم أدخلت الجنة, فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ, وإذا ترابها من المسك" وهذا لفظ البخاري في كتاب الصلاة, ورواه في ذكر بني إسرائيل وفي الحج وفي أحاديث الأنبياء من طرق أخرى عن يونس به, ورواه مسلم في صحيحه في كتاب الإيمان منه عن حرملة عن ابن وهب عن يونس به نحوه.
وقال الإمام أحمد : حدثنا عفان , حدثنا همام عن قتادة عن عبد الله بن شقيق قال: قلت لأبي ذر: لو رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لسألته, قال: وما كنت تسأله ؟ قال: كنت أسأله: هل رأى ربه ؟ فقال: إني قد سألته, فقال: قد رأيته نوراً أنى أراه هكذا قد وقع في رواية الإمام أحمد , وأخرجه مسلم في صحيحه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن وكيع , عن يزيد بن إبراهيم عن قتادة عن عبد الله بن شقيق , عن أبي ذر قال: " سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم هل رأيت ربك ؟ قال: نور أنى أراه". وعن محمد بن بشار عن معاذ بن هشام : حدثنا أبي عن قتادة عن عبد الله بن شقيق قال: قلت لأبي ذر : لو رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لسألته, فقال: عن أي شيء كنت تسأله ؟ قال: كنت أسأله هل رأيت ربك ؟ قال أبو ذر: قد سألت فقال رأيت نوراً.
قال عبد الله بن الإمام أحمد : حدثنا محمد بن إسحاق بن محمد المسيني , حدثنا أنس بن عياض , حدثنا يونس بن يزيد قال: قال ابن شهاب : قال أنس بن مالك : كان أبي بن كعب يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "فرج سقف بيتي وأنا بمكة, فنزل جبريل ففرج صدري ثم غسله من ماء زمزم, ثم جاء بطست من ذهب ممتلىء حكمة وإيماناً, فأفرغها في صدري, ثم أطبقه, ثم أخذ بيدي فعرج بي إلى السماء فلما جاء السماء الدنيا إذا رجل عن يمينه أسودة, وعن يساره أسودة, فإذا نظر قبل يمينه تبسم, وإذا نظر قبل يساره بكى, فقال: مرحباً بالنبي الصالح والابن الصالح, قال: قلت لجبريل: من هذا ؟ قال: هذا آدم, وهذه الأسودة التي عن يمينه وعن شماله نسم بنيه, فأهل يمينه هم أهل الجنة, والأسودة التي عن شماله هم أهل النار, فإذا نظر قبل يمينه ضحك, وإذا نظر قبل يساره بكى ـ قال ـ ثم عرج بي جبريل حتى أتى السماء الثانية, فقال لخازنها: افتح, فقال له خازنها مثل ما قال خازن السماء الدنيا, ففتح له" قال أنس : فذكر أنه وجد في السموات آدم وإدريس وموسى وإبراهيم وعيسى, ولم يثبت لي كيف منازلهم غير أنه ذكر أنه وجد آدم عليه السلام في السماء الدنيا, وإبراهيم في السماء السادسة, قال أنس : " فلما مر جبريل عليه السلام ورسول الله صلى الله عليه وسلم بإدريس قال: مرحباً بالنبي الصالح والأخ الصالح, قال قلت من هذا يا جبريل ؟ قال: هذا إدريس ـ قال ثم مررت بموسى فقال: مرحباً بالنبي الصالح والأخ الصالح, فقلت من هذا ؟ قال: موسى, ثم مررت بعيسى فقال: مرحباً بالنبي الصالح والأخ الصالح, قلت من هذا ؟ قال: هذا عيسى ابن مريم ـ قال ـ ثم مررت بإبراهيم, فقال: مرحباً بالنبي الصالح والابن الصالح, قلت: من هذا ؟ قال: هذا إبراهيم".
قال ابن شهاب : وأخبرني ابن حزم أن ابن عباس وأبا حبة الأنصاري كانا يقولان: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم عرج بي حتى ظهرت لمستوى أسمع صريف الأقلام" قال ابن حزم وأنس بن مالك : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض الله على أمتي خمسين صلاة, قال: فرجعت بذلك حتى أمر على موسى, فقال موسى: ماذا فرض ربك على أمتك ؟ قلت: فرض عليهم خمسين صلاة فقال لي موسى: راجع ربك فإن أمتك لا تطيق ذلك, قال: فراجعت ربي فوضع شطرها, فرجعت إلى موسى فأخبرته, فقال: ارجع إلى ربك, فإن أمتك لا تطيق ذلك, فرجعت فقال: هي خمس وهي خمسون, لا يبدل القول لدي, قال: فرجعت إلى موسى, فقال, راجع ربك فقلت: قد استحييت من ربي, قال: ثم انطلق بي حتى أتى سدرة المنتهى, قال: فغشيها ألوان ما أدري ما هي, قال: ثم دخلت الجنة, فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ, وإذا ترابها المسك" هكذا رواه عبد الله بن أحمد في مسند أبيه , وليس هو في شيء من الكتب الستة, وقد تقدم في الصحيحين من طريق يونس عن الزهري , عن أبي ذر مثل هذا السياق سواء, فالله أعلم.
قال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا عبد الرحمن بن المتوكل ويعقوب بن إبراهيم واللفظ له, قالا: حدثنا أبو نميلة , حدثنا الزبير بن جنادة عن عبد الله بن بريدة , عن أبيه قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان ليلة أسري بي ـ قال ـ فأتى جبريل الصخرة التي ببيت المقدس ـ قال ـ فوضع أصبعه فيها فخرقها فشد بها البراق" ثم قال البزار : لا نعلم رواه عن الزبير بن جنادة إلا أبو نميلة , ولا نعلم هذا الحديث إلا عن بريدة , وقد رواه الترمذي في التفسير من جامعه عن يعقوب بن إبراهيم الدورقي به, وقال غريب.
قال الإمام أحمد : حدثنا يعقوب , حدثنا أبي عن صالح عن ابن شهاب قال: قال أبو سلمة : سمعت جابر بن عبد الله يحدث أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لما كذبتني قريش حين أسري بي إلى بيت المقدس, قمت في الحجر فجلى الله لي بيت المقدس, فطفقت أخبرهم عن آياته وأنا أنظر إليه" أخرجاه في الصحيحين من طرق عن حديث الزهري به. وقال البيهقي : حدثنا أحمد بن الحسن القاضي , حدثنا أبو العباس الأصم , حدثنا العباس بن محمد الدوري : حدثنا يعقوب بن إبراهيم , حدثنا أبي عن صالح بن كيسان , عن ابن شهاب قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول: " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انتهى إلى بيت المقدس لقي فيه إبراهيم وموسى وعيسى, وأنه أتي بقدحين: قدح من لبن وقدح من خمر, فنظر إليهما, ثم أخذ قدح اللبن, فقال جبريل: أصبت هديت للفطرة, لو أخذت الخمر لغوت أمتك, ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة فأخبر أنه أسري به فافتتن ناس كثير كانوا قد صلوا معه " , وقال ابن شهاب : قال أبو سلمة بن عبد الرحمن : فتجهز, أو كلمة نحوها, ناس من قريش إلى أبي بكر فقالوا: هل لك في صاحبك يزعم أنه جاء إلى بيت المقدس ثم رجع إلى مكة في ليلة واحدة ؟ فقال أبو بكر : أو قال ذلك ؟ قالوا: نعم, قال: فأنا أشهد لئن كان قال ذلك لقد صدق, قالوا: فتصدقه بأن يأتي الشام في ليلة واحدة ثم يرجع إلى مكة قبل أن يصبح ؟ قال: نعم أنا أصدقه بأبعد من ذلك, أصدقه بخبر السماء, قال أبو سلمة : فبها سمي أبو بكر الصديق . قال أبو سلمة : فسمعت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يحدث " أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لما كذبتني قريش حين أسري بي إلى بيت المقدس, قمت في الحجر فجلى الله لي بيت المقدس, فطفقت أخبرهم عن آياته وأنا أنظر إليه".
قال الإمام أحمد : حدثنا أبو النضر , حدثنا سليمان عن شيبان , عن عاصم , عن زر بن حبيش قال: أتيت على حذيفة بن اليمان رضي الله عنه, وهو يحدث عن ليلة أسري بمحمد صلى الله عليه وسلم, وهو يقول: فانطلقا حتى أتيا بيت المقدس فلم يدخلاه, قال: قلت: بل دخله رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلتئذ وصلى فيه, قال: ما اسمك يا أصلع ؟ فأنا أعرف وجهك, ولا أدري ما اسمك, قال: قلت أنا زر بن حبيش , قال: فما علمك بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى فيه ليلتئذ ؟ قال: قلت القرآن يخبرني بذلك, قال: فمن تكلم بالقرآن فلج اقرأ, قال: فقلت: " سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى " قال: يا أصلع, هل تجد صلى فيه ؟ قلت: لا. قال: والله ما صلى فيه رسول الله ليلتئذ, لو صلى فيه لكتبت عليكم صلاة فيه كما كتب عليكم صلاة في البيت العتيق, والله ما زايلا البراق حتى فتحت لهما أبواب السماء فرأيا الجنة والنار ووعد الاخرة أجمع, ثم عادا عودهما على بدئهما, قال: ثم ضحك حتى رأيت نواجذه. قال: ويحدثونه أنه ربطه لا يفر منه, وإنما سخره له عالم الغيب والشهادة, قلت: يا عبد الله , أي دابة البراق ؟ قال: دابة أبيض طويل, هكذا خطوه مد البصر. ورواه أبو داود الطيالسي عن حماد بن سلمة , عن عاصم به. ورواه الترمذي والنسائي في التفسير من حديث عاصم وهو ابن أبي النجود به. وقال الترمذي : حسن, وهذا الذي قاله حذيفة رضي الله عنه وما أثبته غيره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من ربط الدابة بالحلقة, ومن الصلاة ببيت المقدس مما سبق وما سيأتي مقدم على قوله, والله أعلم بالصواب.
قال الحافظ أبو بكر البيهقي في كتاب دلائل النبوة: حدثنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ , حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب , حدثنا أبو بكر يحيى بن أبي طالب , حدثنا عبد الوهاب بن عطاء , حدثنا أبو محمد راشد الحماني عن أبي هارون العبدي , عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال له أصحابه: " يا رسول الله, أخبرنا عن ليلة أسري بك فيها. قال: قال الله عز وجل "سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً" الاية: قال: فأخبرهم, قال: فبينما أنا نائم عشاء في المسجد الحرام إذ أتاني آت فأيقظني, فاستيقظت فلم أر شيئاً, فإذا أنا بكهيئة خيال فأتبعته بصري حتى خرجت من المسجد الحرام, فإذا أنا بدابة أدنى شبهاً بدوابكم هذه, بغالكم هذه, غير أنه مضطرب الأذنين يقال له البراق, وكانت الأنبياء تركبه قبلي, يقع حافره عند مد بصره, فركبته, فبينما أنا أسير عليه إذ دعاني داع من يميني: يا محمد انظرني أسألك, يا محمد انظرني أسألك, يا محمد انظرني أسألك, فلم أجبه ولم أقم عليه, فبينما أنا أسير عليه إذ دعاني داع عن يساري: يا محمد انظرني أسألك, فلم أجبه ولم أقم عليه, فبينما أنا أسير إذا أنا بامرأة حاسرة عن ذراعيها وعليها من كل زينة خلقها الله, فقالت: يا محمد, انظرني أسألك, فلم ألتفت إليها ولم أقم عليها حتى أتيت بيت المقدس, فأوثقت دابتي بالحلقة التي كانت الأنبياء توثقها بها.
ثم أتاني جبريل عليه السلام بإنائين: أحدهما خمر والاخر لبن, فشربت اللبن وأبيت الخمر, فقال جبريل: أصبت الفطرة, أما إنك لو أخذت الخمر غوت أمتك, فقلت: الله أكبر الله أكبر, فقال جبريل: ما أريت في وجهك هذا ؟ قال: فقلت بينما أنا أسير إذا دعاني داع عن يميني: يا محمد انظرني أسألك فلم أجبه ولم أقم عليه, قال ذاك داعي اليهود, أما إنك لو أجبته أو وقفت عليه لتهودت أمتك ـ قال ـ فبينما أنا أسير إذ دعاني داع عن يساري قال: يا محمد انظرني أسألك فلم ألتفت ولم أقم عليه, قال: ذاك داعي النصارى أما إنك لو أجبته لتنصرت أمتك ـ قال ـ فبينما أنا أسير إذا أنا بامرأة حاسرة عن ذراعيها عليها من كل زينة خلقها الله تقول: يا محمد انظرني أسألك فلم أجبها ولم أقم عليها, قال: تلك الدنيا, أما إنك لو أجبتها أو قمت عليها لاختارت أمتك الدنيا على الاخرة.
قال: ثم دخلت أنا وجبريل بيت المقدس, فصلى كل واحد منا ركعتين, ثم أتيت بالمعراج الذي كانت تعرج عليه أرواح بني آدم فلم ير الخلائق أحسن من المعراج أما رأيت الميت حين يشق بصره طامحاً إلى السماء, فإنما يشق بصره طامحاً إلى السماء عجبه بالمعراج, قال: فصعدت أنا وجبريل, فإذا أنا بملك يقال له إسماعيل وهو صاحب السماء الدنيا وبين يديه سبعون ألف ملك مع كل ملك جنوده مائة ألف ملك, قال: قال الله عز وجل: "وما يعلم جنود ربك إلا هو" قال: فاستفتح جبريل باب السماء, قيل: من هذا ؟ قال جبريل. قيل: ومن معك ؟ قال: محمد. قيل: أوقد بعث إليه ؟ قال: نعم, فإذا أنا بآدم كهيئته يوم خلقه الله عز وجل على صورته, فإذا هو تعرض عليه أرواح ذريته من المؤمنين, فيقول: روح طيبة ونفس طيبة اجعلوها في عليين, ثم تعرض عليه أرواح ذريته الفجار, فيقول: روح خبيثة ونفس خبيثة اجعلوها في سجين, فمضيت هنيهة فإذا أنا بأخونة عليها لحم مشرح ليس يقربها أحد, وإذا أنا بأخونة أخرى عليها لحم قد أروح وأنتن عندها أناس يأكلون منها, قلت: يا جبريل من هؤلاء ؟ قال: هؤلاء من أمتك يأتون الحرام ويتركون الحلال, قال: ثم مضيت هنيهة, فإذا أنا بأقوام مشافرهم كمشافر الإبل, قال: فتفتح أفواههم فيلقمون من ذلك الجمر, ثم يخرج من أسافلهم فسمعتهم يضجون إلى الله عز وجل فقلت: من هؤلاء يا جبريل ؟ قال: هؤلاء من أمتك "الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً" قال: ثم مضيت هنيهة, فإذا أنا بنساء تعلقن بثديهن, فسمعتهن يضججن إلى الله عز وجل, قلت: يا جبريل من هؤلاء النساء ؟ قال: هؤلاء الزناة من أمتك. قال: ثم مضيت هنيهة, فإذا أنا بأقوام بطونهم أمثال البيوت كلما نهض أحدهم خر فيقول: اللهم لاتقم الساعة. قال: وهم على سابلة آل فرعون, قال: فتجيء السابلة فتطؤهم, قال فسمعتهم يضجون إلى الله ـ قال ـ قلت يا جبريل من هؤلاء ؟ قال: هؤلاء من أمتك "الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس" قال: ثم مضيت هنيهة, فإذا أنا بأقوام يقطع من جنوبهم اللحم فيلقمونه, فيقال له: كل كما كنت تأكل من لحم أخيك, قلت: يا جبريل من هؤلاء ؟ قال: هؤلاء الهمازون من أمتك اللمازون.
قال: ثم صعدنا إلى السماء الثانية, فإذا أنا برجل أحسن ما خلق الله عز وجل قد فضل الناس في الحسن كالقمر ليلة البدر على سائر الكواكب, قلت: ياجبريل من هذا ؟ قال: هذا أخوك يوسف ومعه نفر من قومه, فسلمت عليه فرد علي.
ثم صعدنا إلى السماء الثالثة, واستفتح فإذا أنا بيحيى وعيسى عليهما السلام, ومعهما نفر من قومهما, فسلمت عليهما وسلما علي, ثم صعدنا إلى السماء الرابعة, فإذا أنا بإدريس قد رفعه الله مكاناً علياً, فسلمت عليه فسلم علي.
قال: ثم صعدنا إلى السماء الخامسة فإذا أنا بهارون ونصف لحيته بيضاء ونصفها سوداء تكاد لحيته تصيب سرته من طولها, قلت: يا جبريل من هذا ؟ قال: هذا المحبب في قومه, هذا هارون بن عمران ومعه نفر من قومه, فسلمت عليه وسلم علي.
ثم صعدت إلى السماء السادسة, فإذا أنا بموسى بن عمران رجل آدم, كثير الشعر, لو كان عليه قميصان لنفذ شعره دون القميص, فإذا هو يقول: يزعم الناس أني أكرم على الله من هذا, بل هذا أكرم على الله مني. قال: قلت يا جبريل من هذا ؟ قال: هذا أخوك موسى بن عمران عليه السلام ومعه نفر من قومه, فسلمت عليه وسلم علي.
ثم صعدت إلى السماء السابعة, فإذا أنا بأبينا إبراهيم خليل الرحمن, ساند ظهره إلى البيت المعمور كأحسن الرجال, قلت: يا جبريل من هذا ؟ قال: هذا أبوك إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام ومعه نفر من قومه, فسلمت عليه فسلم علي. وإذا أنا بأمتي شطرين: شطر عليهم ثياب بيض كأنها القراطيس, وشطر عليهم ثياب رمد قال ـ فدخلت البيت المعمور, ودخل معي الذين عليهم الثياب البيض وحجب الاخرون الذين عليهم الثياب السود وهم على خير, فصليت أنا ومن معي في البيت المعمور, ثم خرجت أنا ومن معي.
قال والبيت المعمور يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه إلى يوم القيامة. قال: ثم رفعت إلى سدرة المنتهى, فإذا كل ورقة منها تكاد تغطي هذه الأمة, وإذا فيها عين تجري يقال لها سلسبيل فينشق منها نهران (أحدهما) الكوثر (والاخر) يقال له نهر الرحمة, فاغتسلت فيه فغفر لي ما تقدم من ذنبي وما تأخر.
قال إني رفعت إلى الجنة فاستقبلتني جارية, فقلت: لمن أنت يا جارية ؟ قالت: لزيد بن حارثة , وإذا بأنهار من ماء غير آسن, وأنهار من لبن لم يتغير طعمه, وأنهار من خمر لذة للشاربين, وأنهار من عسل مصفى, وإذا رمانها كالدلاء عظماً, وإذا أنا بطيرها كأنها بختكم هذه, فقال عندها صلى الله عليه وسلم إن الله تعالى قد أعد لعباده الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ـ قال ـ ثم عرضت علي النار, فإذا فيها غضب الله وزجره ونقمته, لو طرحت فيها الحجارة والحديد لأكلتها ثم أغلقت دوني.
ثم إني رفعت إلى سدرة المنتهى فتغشاني فكان بيني وبينه قاب قوسين أو أدنى. قال وينزل على كل ورقة منها ملك من الملائكة ـ قال ـ وفرضت علي خمسون صلاة, وقال لك بكل حسنة عشر, فإذا هممت بالحسنة فلم تعملها كتبت لك حسنة, فإذا عملتها كتبت لك عشراً, وإذا هممت بالسيئة فلم تعملها لم يكتب عليك شيء, فإن عملتها كتبت عليك سيئة واحدة.
ثم رجعت إلى موسى فقال بم أمرك ربك ؟ فقلت: بخمسين صلاة. قال: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك, فإن أمتك لا تطيق ذلك, ومتى لا تطيقه تكفر, فرجعت إلى ربي فقلت: يا رب خفف عن أمتى, فإنها أضعف الأمم, فوضع عني عشراً وجعلها أربعين, فما زلت أختلف بين موسى وربي كلما أتيت عليه قال لي مثل مقالته, حتى رجعت إليه, فقال لي: بم أمرت ؟ فقلت أمرت بعشر صلوات. قال ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك, فناداني عندها تممت فريضتي وخففت عن عبادي وأعطيتهم بكل حسنة عشر أمثالها.
ثم رجعت إلى موسى فقال: بم أمرت ؟ فقلت بخمس صلوات. قال: ارجع إلى ربك فإنه لا يؤوده شيء, فاسأله التخفيف لأمتك, فقلت: رجعت إلى ربي حتى استحييت. ثم أصبح بمكة يخبرهم بالأعاجيب: إني أتيت البارحة بيت المقدس وعرج بي إلى السماء, ورأيت كذا وكذا, فقال أبو جهل يعني ابن هشام: ألا تعجبون مما قال محمد ؟ يزعم أنه أتى البارحة بيت المقدس, ثم أصبح فينا وأحدنا يضرب مطيته مصعدة شهراً ومقفلة شهراً, فهذه مسيرة شهرين في ليلة واحدة, قال: فأخبرتهم بعير لقريش لما كنت في مصعدي رأيتها في مكان كذا وكذا, وأنها نفرت, فلما رجعت وجدتها عند العقبة, وأخبرهم بكل رجل وبعيره كذا وكذا, ومتاعه كذا وكذا, فقال أبو جهل: يخبرنا بأشياء, فقال رجل منهم: أنا أعلم الناس ببيت المقدس, وكيف بناؤه وهيئته, وكيف قربه من الجبل, فإن يك محمد صادقاً فسأخبركم وإن يك كاذباً فسأخبركم, فجاء ذلك المشرك فقال: يا محمد أنا أعلم الناس ببيت المقدس فأخبرني: كيف بناؤه, وكيف هيئته, وكيف قربه من الجبل ؟ قال فرفع لرسول الله صلى الله عليه وسلم بيت المقدس من مقعده, فنظر إليه كنظر أحدنا إلى بيته, قال: بناؤه كذا وكذا, وهيئته كذا وكذا, وقربه من الجبل كذا وكذا, فقال الاخر: صدقت, فرجع إليهم فقال: صدق محمد فيما قال أو نحواً من هذا الكلام."
وكذا رواه الإمام أبو جعفر بن جرير بطوله عن محمد بن عبد الأعلى , عن محمد بن ثور عن معمر عن أبي هارون العبدي , وعن الحسن بن يحيى عن عبد الرزاق عن معمر , عن أبي هارون العبدي به. ورواه أيضاً من حديث ابن إسحاق حدثني روح بن القاسم عن أبي هارون به نحو سياقه المتقدم, ورواه ابن أبي حاتم عن أبيه عن أحمد بن عبدة , عن أبي عبد الصمد عبد العزيز بن عبد الصمد , عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري , فذكره بسياق طويل حسن أنيق, أجود مما ساقه غيره على غرابته وما فيه من النكارة. ثم ذكره البيهقي أيضاً من رواية نوح بن قيس الحداني وهشيم ومعمر عن أبي هارون العبدي واسمه عمارة بن جوين وهو مضعف عند الأئمة, وإنما سقنا حديثه ههنا لما فيه من الشواهد لغيره, ولما رواه البيهقي : أخبرنا الإمام أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن , أنبأنا أبو نعيم أحمد بن محمد بن إبراهيم البزار , حدثنا أبو حامد بن بلال , حدثنا أبو الأزهر , حدثنا يزيد بن أبي حكيم قال: " رأيت في النوم رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: يا رسول الله, رجل من أمتك يقال له سفيان الثوري لا بأس به. فقال رسول الله لا بأس به" حدثنا عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري عنك يا رسول الله ليلة أسري بك, " قلت رأيت في السماء, فحدثته بالحديث فقال لي نعم فقلت له: يا رسول الله إن ناساً من أمتك يحدثون عنك في السرى بعجائب ؟ قال لي ذلك حديث القصاص".
قال الإمام أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل الترمذي حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن العلاء بن الضحاك الزبيدي حدثنا عمرو بن الحارث عن عبد الله بن سالم الأشعري عن محمد بن الوليد بن عامر الزبيدي حدثنا الوليد بن عبد الرحمن عن جبير بن نفير حدثنا شداد بن أوس قال: " قلنا يا رسول الله كيف أسري بك ؟ قال صليت لأصحابي صلاة العتمة بمكة معتماً فأتاني جبريل عليه السلام بدابة أبيض أو قال بيضاء فوق الحمار ودون البغل فقال اركب فاستصعب علي فرازها بأذنها ثم حملني عليها فانطلقت تهوي بنا يقع حافرها حيث انتهى طرفها حتى بلغنا أرضاً ذات نخل فأنزلني فقال صل فصليت ثم ركبت فقال أتدري أين صليت ؟ قلت الله أعلم, قال صليت بيثرب صليت بطيبة.
فانطلقت تهوي بنا يقع حافرها عند منتهى طرفها ثم بلغنا أرضاً قال انزل ثم قال صل فصليت ثم ركبنا فقال أتدري أين صليت ؟ قلت الله أعلم, قال صليت بمدين عند شجرة موسى, ثم انطلقت تهوي بنا يقع حافرها حيث أدرك طرفها ثم بلغنا أرضاً بدت لنا قصور فقال انزل فنزلت فقال صل فصليت ثم ركبنا فقال أتدري أين صليت ؟ قلت الله أعلم, قال صليت ببيت لحم حيث ولد عيسى المسيح ابن مريم ثم انطلق بي حتى دخلنا المدينة من بابها اليماني فأتى قبلة المسجد فربط فيه دابته ودخلنا المسجد من باب تميل فيه الشمس والقمر فصليت من المسجد حيث شاء الله وأخذني من العطش أشد ما أخذني فأتيت بإنائين في أحدهما لبن وفي الاخر عسل أرسل إلي بهما جميعاً فعدلت بينهما ثم هداني الله عز وجل فأخذت اللبن فشربت حتى قرعت به جبيني وبين يدي شيخ متكىء على مثواة له فقال أخذ صاحبك الفطرة إنه ليهدى.
ثم انطلق بي حتى أتينا الوادي الذي فيه المدينة فإذا جهنم تنكشف عن مثل الروابي قلت يا رسول الله كيف وجدتها ؟ قال وجدتها مثل الحمة السخنة ثم انصرف بي فمررنا بعير لقريش بمكان كذا وكذا قد أضلوا بعيراً لهم قد جمعه فلان فسلمت عليهم فقال بعضهم هذا صوت محمد ثم أتيت أصحابي قبل الصبح بمكة فأتاني أبو بكر رضي الله عنه فقال يا رسول الله أين كنت الليلة فقد التمستك في مظانك, فقال علمت أني أتيت من بيت المقدس الليلة, فقال يا رسول الله إنه مسيرة شهر فصفه لي, قال ففتح لي صراط كأني إليه لا يسألني عن شيء إلا أنبأته به, فقال أبو بكر أشهد أنك لرسول الله , وقال المشركون انظروا إلى ابن أبي كبشة يزعم أنه أتى بيت المقدس الليلة, قال فقال إن من آية ما أقول لكم أني مررت بعير لكم في مكان كذا وكذا وقد أضلوا بعيراً لهم فجمعه فلان وإن مسيرهم ينزلون بكذا ثم بكذا ويأتونكم يوم كذا وكذا يقدمهم جمل آدم عليه مسح أسود وغراراتان سوداوان.
فلما كان ذلك اليوم قد أشرف الناس ينظرون حين كان قريباً من نصف النهار حتى أقبلت العير يقدمهم ذلك الجمل الذي وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم ". هكذا رواه البيهقي من طريقين عن أبي إسماعيل الترمذي به ثم قال بعد تمامه هذا إسناد صحيح, وروى ذلك مفرقاً من أحاديث غيره ونحن نذكر من ذلك إن شاء الله ما حضرنا ثم ساق أحاديث كثيرة في الإسراء كالشاهد لهذا الحديث, وقد روى هذا الحديث عن شداد بن أوس بطوله الإمام أبو عبد الرحمن بن أبي حاتم في تفسيره عن أبيه عن إسحاق بن إبراهيم بن العلاء الزبيدي به, ولا شك أن هذا الحديث أعني الحديث المروي عن شداد بن أوس مشتمل على أشياء منها ما هو صحيح كما ذكره البيهقي ومنها ما هو منكر كالصلاة في بيت لحم. وسؤال الصديق عن نعت بيت المقدس وغير ذلك والله أعلم.
قال الإمام أحمد : حدثنا عثمان بن محمد , حدثنا جرير عن قابوس عن أبيه قال: حدثنا ابن عباس قال: " ليلة أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم, دخل الجنة فسمع في جانبها وخشاً فقال: يا جبريل ما هذا ؟ قال: هذا بلال المؤذن, فقال النبي صلى الله عليه وسلم حين جاء إلى الناس قد أفلح بلال رأيت له كذا وكذا قال: فلقيه موسى عليه السلام, فرحب به قال: مرحباً بالنبي الأمي, قال: وهو رجل آدم طويل, سبط شعره مع أذنيه أو فوقهما, فقال: من هذا يا جبريل ؟ قال: هذا موسى, قال: فمضى فلقيه شيخ جليل متهيب فرحب به وسلم عليه, وكلهم يسلم عليه, قال: من هذا يا جبريل ؟ قال: هذا أبوك إبراهيم ـ قال ـ ونظر في النار فإذا قوم يأكلون الجيف, قال: من هؤلاء يا جبريل ؟ قال هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس, ورأى رجلاً أحمر أزرق جداً قال: من هذا يا جبريل ؟ قال: هذا عاقر الناقة ـ قال ـ فلما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجدالأقصى, قام يصلي فإذا النبيون أجمعون يصلون معه, فلما انصرف جيء بقدحين أحدهما عن اليمين والاخر عن الشمال, في أحدهما لبن وفي الاخر عسل,فأخذ اللبن فشرب منه, فقال الذي كان معه القدح: أصبت الفطرة " , إسناد صحيح, ولم يخرجوه.
(طريق أخرى) ـ قال الإمام أحمد : حدثنا حسن , حدثنا ثابت أبو زيد , حدثنا هلال , حدثني عكرمة عن ابن عباس قال: أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس, ثم جاء من ليلته فحدثهم بمسيره وبعلامة بيت المقدس وبعيرهم, فقال الناس: نحن لا نصدق محمداً بما يقول, فارتدوا كفاراً فضرب الله رقابهم مع أبي جهل, وقال أبو جهل: يخوفنا محمد بشجرة الزقوم, هاتوا تمراً وزبداً فتزقموا, ورأى الدجال في صورته رؤيا عين ليس برؤيا منام وعيسى وموسى وإبراهيم, " وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الدجال فقال رأيته فيلمانياً أقمر هجاناً, إحدى عينيه قائمة كأنها كوكب دري, كأن شعر رأسه أغصان شجرة, ورأيت عيسى عليه السلام أبيض, جعد الرأس حديد البصر, ومبطن الخلق, ورأيت موسى عليه السلام أسحم آدم, كثير الشعر, شديد الخلق, ونظرت إلى إبراهيم عليه السلام فلم أنظر إلى أرب منه إلا نظرت إليه مني حتى كأنه صاحبكم, قال جبريل: سلم على مالك, فسلمت عليه" ورواه النسائي من حديث أبي زيد ثابت عن هلال , وهو ابن خباب به, وهو إسناد صحيح.
(طريق أخرى) قال البيهقي : أنبأنا أبو عبد الله الحافظ , أنبأنا أبو بكر الشافعي , أنبأنا إسحاق بن الحسن , حدثنا الحسين بن محمد , حدثنا شيبان عن قتادة عن أبي العالية قال: حدثنا ابن عم نبيكم صلى الله عليه وسلم ابن عباس رضي الله عنهما قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رأيت ليلة أسري بي موسى بن عمران رجلاً طوالاً جعداً, كأنه من رجال شنوءة, ورأيت عيسى بن مريم عليه السلام مربوع الخلق إلى الحمرة والبياض سبط الرأس وأرى مالكاً خازن جهنم والدجال في آيات أراهن الله إياه " , قال: "فلا تكن في مرية من لقائه" فكان قتادة يفسرها أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قد لقي موسى عليه السلام "وجعلناه هدى لبني إسرائيل" قال: جعل الله موسى هدى لبني إسرائيل, رواه مسلم في الصحيح عن عبد بن حميد عن يونس بن محمد , عن شيبان , وأخرجاه من حديث شعبة عن قتادة مختصراً.
(طريق أخرى) وقال البيهقي : أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان , أنبأنا أحمد بن عبيد الصفار , حدثنا دبيس المعدل , حدثنا عفان قال: حدثنا حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما أسري بي مرت بي رائحة طيبة, فقلت: ما هذه الرائحة ؟ قالوا: ماشطة بنت فرعون وأولادها, سقط المشط من يدها فقالت: باسم الله, فقالت بنت فرعون أبي, قالت ربي وربك ورب أبيك, قالت أولك رب غير أبي ؟ قالت نعم ربي وربك ورب أبيك الله.. قال: فدعاها, فقال: ألك رب غيري ؟ قالت نعم ربي وربك الله عز وجل. قال فأمر بنقرة من نحاس, فأحميت ثم أمر بها أن تلقى فيها, قالت: إن لي إليك حاجة, قال: ما هي ؟ قالت: تجمع عظامي وعظام ولدي في موضع, قال: ذاك لك لما لك علينا من الحق, قال: فأمر بهم فألقوا واحداً واحداً حتى بلغ رضيعاً فيهم, فقال: يا أمه قعي ولا تقاعسي, فإنك على الحق " , قال: وتكلم أربعة في المهد وهم صغار: هذا وشاهد يوسف وصاحب جريج وعيسى بن مريم عليه السلام. إسناد لا بأس به, ولم يخرجوه.
(طريق أخرى) قال الإمام أحمد أيضاً: حدثنا محمد بن جعفر وروح بن المعين قالا: حدثنا عوف عن زرارة بن أوفى عن ابن عباس قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما كان ليلة أسري بي, فأصحبت بمكة فظعت وعرفت أن الناس مكذبي فقعد معتزلاً حزيناً, فمر به عدوالله أبو جهل, فجاء حتى جلس إليه فقال له كالمستهزىء: هل كان من شيء فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم قال: وما هو ؟ قال: إني أسري بي الليلة, قال: إلى أين ؟ قال: إلى بيت المقدس قال: ثم أصبحت بين ظهرانينا ؟ قال نعم, قال فلم ير أن يكذبه مخافة أن يجحد الحديث إن دعا قومه إليه, فقال: أرأيت إن دعوت قومك أتحدثهم بما حدثتني ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم فقال: يا معشر بني كعب بن لؤي, قال: فانفضت إليه المجالس وجاؤوا حتى جلسوا إليهما, قال: حدث قومك بما حدثتني, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني أسري بي الليلة فقالوا: إلى أين ؟ قال إلى بيت المقدس. قالوا: ثم أصبحت بين ظهرانينا ؟ قال نعم. قال فمن بين مصفق ومن بين واضع يده على رأسه متعجباً للكذب, قالوا: وتستطيع أن تنعت لنا المسجد ؟ وفيهم من قد سافر إلى ذلك البلد ورأى المسجد, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فما زلت أنعت حتى التبس علي بعض النعت قال فجيء بالمسجد وأنا أنظر إليه حتى وضع دون دار عقيل أو عقال فنعته وأنا أنظر إليه قال وكان مع هذا نعت لم أحفظه قال فقال القوم: أما النعت فوالله لقد أصاب فيه" وأخرجه النسائي من حديث عوف بن أبي جميلة وهو الأعرابي به, ورواه البيهقي من حديث النضر بن شميل وهوذة عن عوف وهو ابن أبي جميلة الأعرابي أحد الأئمة الثقات.
قال الحافظ أبو بكر البيهقي : أخبرنا أبو عبد الله الحافظ , حدثنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب , حدثنا السري بن خزيمة , حدثنا يوسف بن بهلول , حدثنا عبد الله بن نمير عن مالك بن مغول عن الزبير بن عدي عن طلحة بن مصرف عن مرة الهمداني , عن عبد الله بن مسعود قال: لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم فانتهى إلى سدرة المنتهى وهي في السماء السادسة, وإليها ينتهي ما يصعد به حتى يقبض منها, وإليها ينتهي ما يهبط به من فوقها حتى يقبض "إذ يغشى السدرة ما يغشى" قال: غشيها فراش من ذهب, وأعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلوات الخمس وخواتيم سورة البقرة, وغفر لمن لا يشرك بالله شيئاً المقحمات يعني الكبائر.
ورواه مسلم في صحيحه عن محمد بن عبد الله بن نمير وزهير بن حرب , كلاهما عن عبد الله بن نمير به, ثم قال البيهقي وهذا الذي ذكره عبد الله بن مسعود طرف من حديث المعراج, وقد رواه أنس بن مالك عن مالك بن صعصعة عن النبي صلى الله عليه وسلم, ثم عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم, ثم رواه مرة مرسلاً من دون ذكرهما, ثم إن البيهقي ساق الأحاديث الثلاثة كما تقدم, قلت: وقد روي عن ابن مسعود بأبسط من هذا, وفيه غرابة, وذلك فيما رواه الحسن ابن عرفة في جزئه المشهور: حدثنا مروان بن معاوية عن قتادة بن عبد الله النهمي , حدثنا أبو ظبيان الجنبي قال: كنا جلوساً عند أبي عبيدة بن عبد الله يعني ابن مسعود , ومحمد بن سعد بن أبي وقاص وهما جالسان, فقال محمد بن سعد لأبي عبيدة : حدثنا عن أبيك ليلة أسري بمحمد صلى الله عليه وسلم, فقال أبوعبيدة : لا بل حدثنا أنت عن أبيك, فقال محمد : لو سألتني قبل أن أسألك لفعلت, قال فأنشأ أبو عبيدة يحدث يعني عن أبيه كما سئل, قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتاني جبريل عليه السلام بدابة فوق الحمار ودون البغل, فحملني عليه ثم انطلق يهوي بنا كلما صعد عقبة استوت رجلاه كذلك يديه, وإذا هبط استوت يداه مع رجليه, حتى مررنا برجل طوال سبط آدم كأنه من رجال أزد شنوءة, فيرفع صوته يقول أكرمته وفضلته, قال: فدفعنا إليه فسلمنا عليه فرد السلام, فقال, من هذا معك يا جبريل ؟ قال: هذا أحمد, قال مرحباً بالنبي الأمي العربي الذي بلغ رسالة ربه ونصح لأمته, قال ثم اندفعنا فقلت من هذا يا جبريل ؟ قال هذا موسى بن عمران. قال قلت ومن يعاتب ؟ قال يعاتب ربه فيك, قلت: ويرفع صوته على ربه ؟ قال: إن الله قد عرف له حدته. قال: ثم اندفعنا حتى مررنا بشجرة كأن ثمرها السرج, تحتها شيخ وعياله, قال: فقال لي جبريل: اعمد إلى أبيك إبراهيم, فدفعنا إليه فسلمنا عليه فرد السلام, فقال إبراهيم: من هذا معك يا جبريل ؟ قال: هذا ابنك أحمد, قال: فقال مرحباً بالنبي الأمي الذي بلغ رسالة ربه, ونصح لأمته, يا بني إنك لاق ربك الليلة, وإن أمتك آخر الأمم وأضعفها, فإن استطعت أن تكون حاجتك أو جلها في أمتك فافعل.
قال: ثم اندفعنا حتى انتهينا إلى المسجد الأقصى, فنزلت فربطت الدابة في الحقلة التي في باب المسجد التي كانت الأنبياء تربط بها, ثم دخلت المسجد فعرفت النبيين من بين قائم وراكع وساجد, قال: ثم أتيت بكأسين من عسل ولبن, فأخذت اللبن فشربت, فضرب جبريل عليه السلام منكبي وقال: أصبت الفطرة ورب محمد, قال: ثم أقيمت الصلاة فأممتهم, ثم انصرفنا فأقبلنا " إسناد غريب, ولم يخرجوه, فيه من الغرائب سؤال الأنبياء عنه عليه السلام ابتداء, ثم سؤاله عنهم بعد انصرافه, والمشهور في الصحاح كما تقدم أن جبريل كان يعلمه بهم أولاً ليسلم عليهم سلام معرفة, وفيه أنه اجتمع بالأنبياء عليهم السلام قبل دخوله المسجد الأقصى, والصحيح أنه إنما اجتمع بهم في السموات, ثم نزل إلى بيت المقدس ثانياً وهم معه. وصلى بهم فيه, ثم أنه ركب البراق وكر راجعاً إلى مكة, والله أعلم.
(طريق أخرى) قال الإمام أحمد : حدثنا هشيم , حدثنا العوام عن جبلة بن سحيم عن مؤثر بن عفازة , عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم " قال لقيت ليلة أسري بي إبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام, فتذاكروا أمر الساعة, قال: فردوا أمرهم إلى إبراهيم عليه السلام, فقال: لا علم لي بها, فردوا أمرهم إلى موسى فقال: لا علم لي بها, فردوا أمرهم إلى عيسى, فقال: ما أوحيتها فلا يعلم بها أحد إلا الله عز وجل, وفيما عهد إلي ربي أن الدجال خارج, قال: ومعي قضيبان فإذا رآني ذاب كما يذوب الرصاص, قال: فيهلكه الله إذا رآني حتى إن الحجر والشجر يقول: يا مسلم إن تحتي كافراً فتعال فاقتله, قال: فيهلكهم الله ثم يرجع الناس إلى بلادهم وأوطانهم, قال: فعند ذلك يخرج يأجوج ومأجوج, وهم من كل حدب ينسلون فيطأون بلادهم فلا يأتون على شيء إلا أهلكوه, ولا يمرون على ماء إلا شربوه, قال: ثم يرجع الناس إلي فيشكونهم فأدعو الله عليهم فيهلكهم ويميتهم حتى تجري الأرض من نتن ريحهم, أي تنتن, قال: فينزل الله المطر فيجترف أجسادهم حتى يقذفهم في البحر, ففيما عهد إلي ربي أن ذلك إذا كان كذلك أن الساعة كالحامل المتم لا يدري أهلها متى تفجؤهم بولادتها ليلاً أو نهارا ".
وأخرجه ابن ماجه عن بندار عن يزيد بن هارون , عن العوام بن حوشب رواية عبد الرحمن بن قرظ أخي عبد الله بن قرظ الثمالي , قال سعيد بن منصور : حدثنا مسكين ميمون بن مؤذن مسجد الرملة , حدثني عروة بن رويم عن عبد الرحمن بن قرظ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى من بين زمزم والمقام, جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره, فطارا به حتى بلغ السموات العلى, فلما رجع قال: سمعت تسبيحاً في السموات العلى مع تسبيح كثير, سبحت السموات العلى من ذي المهابة مشفقات من ذي العلو بما علا سبحان العلي الأعلى سبحانه وتعالى. ونذكر ههنا الحديث عند قوله تعالى من هذه السورة "تسبح له السموات السبع" الاية.
قال الإمام أحمد : حدثنا أسود بن عامر , حدثنا حماد بن سلمة عن أبي سنان , عن عبيد بن آدم وأبي مريم وأبي شعيب أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان بالجابية, فذكر فتح بيت المقدس قال: قال أبو سلمة : فحدثني أبو سنان عن عبيد بن آدم , قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول لكعب : أين ترى أن أصلي ؟ فقال: إن أخذت عني صليت خلف الصخرة, فكانت القدس كلها بين يديك, فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ضاهيت اليهودية, ولكن أصلي حيث صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فتقدم إلى القبلة فصلى, ثم جاء فبسط رداءه وكنس الكناسة في ردائه, وكنس الناس, فلم يعظم الصخرة تعظيماً يصلي وراءها وهي بين يديه كما أشار كعب الأحبار وهو من قوم يعظمونها حتى جعلوها قبلتهم, ولكن من الله عليه بالإسلام فهدي إلى الحق, ولهذا لما أشار بذلك, قال له أمير المؤمنين عمر : ضاهيت اليهودية ولا أهانها إهانة النصارى الذين كانوا قد جعلوها مزبلة من أجل أنها قبلة اليهود, ولكن أماط عنها الأذى وكنس عنها الكناسة بردائه. وهذا شبيه بما جاء في صحيح مسلم عن أبي مرثد الغنوي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها".
آياتها مائة وإحدى عشرة آية، وهي مكية
إلا ثلاث آيات قوله عز وجل "وإن كادوا ليستفزونك" نزلت حين جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد ثقيف، وحين قالت اليهود: ليست هذه بأرض الأنبياء، وقوله: "وقل رب أدخلني مدخل صدق". وقوله: "إن ربك أحاط بالناس" وزاد مقاتل قوله: "إن الذين أوتوا العلم من قبله". وأخرج النحاس وابن مردويه عن ابن عباس قال: نزلت سورة بني إسرائيل بمكة. وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير مثله. وأخرج البخاري وابن الضريس وابن مردويه عن ابن مسعود قال: في بني إسرائيل والكهف ومريم، إنهن من العتاق الأول وهن من تلادي. وأخرج أحمد والترمذي وحسنه والنسائي والحاكم وابن مردويه عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ كل ليلة بني إسرائيل والزمر. وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي عمرو الشيباني قال: صلى بنا عبد الله الفجر فقرأ السورتين الآخرة منهما بنو إسرائيل.
قوله: 1- "سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً" هو مصدر سبح، يقال سبح يسبح تسبيحاً وسبحاناً، مثل كفر اليمين تكفيراً وكفرانا، ومعناه التنزيه والبراءة لله من كل نقص. وقال سيبويه: العامل فيه فعل لا من لفظه، والتقدير أنزه الله تنزيهاً، فوقع سبحانه مكان تنزيهاً، فهو على هذا مثل قعد القرفصاء واشتمل الصماء، وقيل هو علم للتسبيح كعثمان للرجل، وانتصابه بفعل مضمر متروك إظهاره تقديره أسبح الله سبحان، ثم نزل منزلة الفعل وسد مسده وقد قدمنا في قوله: "سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا" طرفاً من الكلام المتعلق بسبحان. والإسراء قيل: هو سير الليل، يقال سرى وأسرى: كسقى وأسقى لغتان، وقد جمع بينهما الشاعر في قوله:
حي النضير وربة الخدر أسرت إلي ولم تكن تسري
وقيل هو سير أول الليل خاصة، وإذا كان الإسراء لا يكون إلا في الليل فلا بدل للتصريح بذكر الليل بعده من فائدة، فقيل أراد بقوله ليلاً تقليل مدة الإسراء وأنه أسرى به في بعض الليل من مكة إلى الشام مسافة أربعين ليلة. ووجه دلالة ليلاً على تقليل المدة ما فيه من التنكير الدال على البعضية، بخلاف ما إذا قلت سريت الليل فإنه يفيد استيعاب السير له جميعاً. وقد استدل صاحب الكشاف على إفادة ليلاً للبعضية بقراءة عبد الله وحذيفة من الليل. وقال الزجاج: معنى أسرى بعبده ليلاً سير عبدي يعني محمداً ليلاً وعلى هذا فيكون معنى أسرى معنى سير فيكون للتقييد بالليل فائدة، وقال بعبده ولم يقل بنبيه أو رسوله أو بمحمد تشريفاً له صلى الله عليه وسلم قال أهل العلم: لو كان غير هذا الاسم أشرف منه لسماه الله سبحانه به في هذا المقام العظيم والحالة العلية:
لا تدعني إلا بيا عبدها فإنه أشرف أسمائي
ادعاء بأسماء نبزا في قبائلها كأن أسماء أضحت بعض أسمائي
"من المسجد الحرام" قال الحسن وقتادة: يعني المسجد نفسه وهو ظاهر القرآن. وقال عامة المفسرين: أسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم من دار أم هانئ، فحملوا المسجد الحرام على مكة أو الحرام لإحاطة كل واحد منهما بالمسجد الحرام، أو لأن الحرم كله مسجد. ثم ذكر سبحانه الغاية التي أسرى برسوله صلى الله عليه وسلم إليها فقال: "إلى المسجد الأقصى" وهو بيت المقدس، وسمي الأقصى لبعد المسافة بينه وبين المسجد الحرام ولم يكن حينئذ وراءه مسجد، ثم وصف المسجد الأقصى بقوله: "الذي باركنا حوله" بالثمار والأنهار والأنبياء والصالحين، فقد بارك الله سبحانه حول المسجد الأقصى ببركات الدنيا والآخرة، وفي باركنا بعد قوله أسرى التفات من الغيبة إلى التكلم. ثم ذكر العلة التي أسرى به لأجلها فقال: "لنريه من آياتنا" أي ما أراه الله سبحانه في تلك الليلة من العجائب التي من جملتها قطع هذه المسافة الطويلة في جزء من الليل "إنه" سبحانه "هو السميع" بكل مسموع، ومن جملة ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "البصير" بكل مبصر، ومن جملة ذلك ذات رسوله وأفعاله.
وقد اختلف أهل العلم هل كان الإسراء بجسده صلى الله عليه وسلم مع روحه أو بروحه فقط؟ فذهب معظم السلف والخلف إلى الأول. وذهب إلى الثاني طائفة من أهل العلم منهم عائشة ومعاوية والحسن وابن إسحاق وحكاه ابن جرير عن حذيفة بن اليمان. وذهبت طائفة إلى التفصيل فقالوا: كان الإسراء بجسده يقظة إلى بيت المقدس وإلى السماء بالروح، واستدلوا على هذا التفصيل بقوله إلى المسجد الأقصى، فجعله غاية للإسراء بذاته صلى الله عليه وسلم، فلو كان الإسراء من بيت المقدس إلى السماء وقع بذاته لذكره، والذي دلت عليه الأحاديث الصحيحة الكثيرة هو ما ذهب إليه معظم السلف والخلف من أن الإسراء بجسده وروحه يقظة إلى بيت المقدس، ثم إلى السموات، ولا حاجة إلى التأويل وصرف هذا النظم القرآني وما يماثله من ألفاظ الأحاديث إلى ما يخالف الحقيقة، ولا مقتضى لذلك إلى مجرد الاستبعاد وتحكيم محض العقول القاصرة عن فهم ما هو معلوم من أنه لا يستحيل عليه سبحانه شيء، ولو كان ذلك مجرد رؤيا كما يقوله من زعم أن الإسراء كان بالروح فقط، وأن رؤيا الأنبياء حق لم يقع التكذيب من الكفرة للنبي صلى الله عليه وسلم عند إخباره لهم بذلك حتى ارتد من ارتد ممن لم يشرح بالإيمان صدراً، فإن الإنسان قد يرى في نومه ما هو مستبعد، بل ما هو محال ولا ينكر ذلك أحد، وأما التمسك لمن قال بأن هذا الإسراء إنما كان بالروح على سبيل الرؤيا بقوله "وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس" فعلى تسليم أن المراد بهذه الرؤيا هو هذا الإسراء، فالتصريح الواقع هنا بقوله: "سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً" والتصريح في الأحاديث الصحيحة الكثيرة بأنه أسرى به لا تقصر عن الاستدلال بها على تأويل هذه الرؤيا الواقعة في الآية برؤية العين، فإنه قد يقال لرؤية العين رؤيا، وكيف يصح حمل هذا الإسراء على الرؤيا مع تصريحه صلى الله عليه وسلم بأنه كان عند أن أسري به بين النائم واليقظان.
وقد اختلف أيضاً في تاريخ الإسراء، فروي أن ذلك كان قبل الهجرة إلى المدينة بسنة، وروي أن الإسراء كان قبل الهجرة بأعوام. ووجه ذلك أن خديجة صلت مع النبي صلى الله عليه وسلم وقد ماتت قبل الهجرة بخمس سنين، وقيل بثلاث، وقيل بأربع، ولم تفرض الصلاة إلا ليلة الإسراء. وقد استدل بهذا ابن عبد البر على ذلك، وقد اختلفت الرواية عن الزهري. وممن قال بأن الإسراء كان قبل الهجرة بسنة الزهري في رواية عنه، وكذلك الحربي فإنه قال: أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم ليلة سبع وعشرين من ربيع الأول قبل الهجرة بسنة. وقال ابن القاسم في تاريخه: كان الإسراء بعد مبعثه بثمانية عشر شهراً. قال ابن عبد البر: لا أعلم أحداً من أهل السير قال بمثل هذا. وروي عن الزهري أنه أسري به قبل مبعثه بسبعة أعوام، وروي عنه أنه قال: كان قبل مبعثه بخمس سنين. وروى يونس عن عروة عن عائشة أنها قالت: توفيت خديجة قبل أن تفرض الصلاة.
1- مكية وهي مائة وإحدى عشرة آية .
" سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً " سبحان الله : تنزيه الله تعالى من كل سوء ، ووصفه بالبراءة من كل نقص على طريق المبالغة ، ويكون " سبحان " بمعنى التعجب ، "أسرى بعبده " أي : سيره ، وكذلك سرى به ، والعبد هو : محمد صلى الله عليه وسلم .
" من المسجد الحرام " ، قيل : كان الإسراء من مسجد مكة ، روى قتادة عن أنس عن مالك ابن صعصعة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " بينا أنا في المسجد الحرام في الحجر بين النائم واليقظان إذ أتاني جبريل بالبراق " ، فذكر حديث المعراج .
وقال قوم : عرج به من دار أم هانئ بنت أبي طالب ، ومعنى قوله : " من المسجد الحرام" أي : من الحرم .
قال مقاتل : كانت ليلة الإسراء قبل الهجرة بسنة . ويقال : كان في رجب . وقيل : كان في شهر رمضان.
" إلى المسجد الأقصى " ، يعني : بيت المقدس ، وسمي أقصى لأنه أبعد المساجد التي تزار . وقيل : لبعده من المسجد الحرام .
" الذي باركنا حوله " ، بالأنهار والأشجار والثمار . وقال مجاهد : سماه مباركاً لأنه مقر الأنبياء ومهبط الملائكة والوحي ، ومنه يحشر الناس يوم القيامة .
" لنريه من آياتنا " ، من عجائب قدرتنا، وقد رأى هناك الأنبياء والآيات الكبرى .
" إنه هو السميع البصير " ، ذكر ( السميع ) لينبه على أنه المجيب لدعائه ، وذكر ( البصير ) لينبه على أنه الحافظ له في ظلمة الليل .
وروى عن عائشة رضي الله عنه أنها كانت تقول : ما فقد جسد النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكن الله أسرى بروحه .
والأكثرون على أنه بجسده في اليقظة ، وتواترت الأخبار الصحيحة على ذلك .
أخبرنا أبو عمر عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أخبرنا أبو حامد أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن يوسف ، حدثنا أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري ، حدثنا هدبة بن خالد ، حدثنا همام بن يحيى حدثنا قتادة (ح) قال البخاري : وقال لي خليفة العصفري : حدثنا يزيد بن زريع ، حدثنا سعيد و هشام . قال : حدثنا قتادة ( ح ) عن مالك بن صعصعة رضي الله عنه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم ، حدثهم عن ليلة أسرى به ، (ح) قال البخاري : حدثنا يحيى بن بكير ، حدثنا الليث ، عن يونس عن ابن شهاب عن أنس قال : كان أبو ذر يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (ح) ، وأخبرنا أبو سعيد إسماعيل بن عبد القاهر ، أخبرنا أبو الحسن عبد الغفار بن محمد [ الفارسي أنبأنا أبو الحسين محمد بن عيسى الجلودي ، حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد ] بن سفيان ، حدثنا أبو الحسين مسلم بن الحجاج ، حدثنا شيبان بن فروخ ، حدثنا حماد بن سلمة ، حدثنا ثابت البناني عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال - [ دخل حديث بعضهم في بعض - قال أبو ذر : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ] " فرج عني سقف بيتي ، وأنا بمكة ، فنزل جبريل ففرج صدري ، ثم غسله بماء زمزم ، ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمةً وإيماناً ، فأفرغه في صدري ، ثم أطبقه " .
وقال مالك بن صعصعة : إن نبي الله صلى الله عليه وسلم حدثهم عن ليلة أسري به قال : " بينما أنا في الحطيم ، وربما قال في الحجر ، بين النائم واليقظان ، وذكر بين رجلين ، فأتيت بطست من ذهب مملوء حكمة وإيماناً فشق من النحر إلى مراق البطن ، واستخرج قلبي فغسل ثم حشي ، ثم أعيد " .
وقال سعيد و هشام : ثم غسل البطن بماء زمزم ثم ملئ إيماناً وحكمةً ، ثم أوتيت بالبراق ، وهو دابة أبيض طويل ، فوق الحمار ودون البغل ، يضع حافره عند منتهى طرفه ، فركبته فانطلقت مع جبريل حتى أتيت بيت المقدس ، قال : فربطته بالحلقة التي تربط بها الأنبياء ،قال : ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ثم خرجت ،فجاءني جبريل بإناء من خمر وإناء من لبن ، فاخترت اللبن ، فقال جبريل : اخترت الفطرة ، فانطلق بي جبريل حتى أتى السماء الدنيا فاستفتح ،قيل من هذا ؟ قال : جبريل : قيل : ومن معك ؟ قال : محمد ، قيل : وقد أرسل إليه ؟ قال : نعم ، قيل : مرحباً به ، فنعم المجيء جاء ، ففتح ، فلما خلصت ، فإذا فيها آدم ، فقال لي : هذا أبوك آدم ، فسلم عليه ، فسلمت عليه ، فرد السلام ، ثم قال : مرحباً بالنبي الصالح والابن الصالح .
وفي حديث أبي ذر : علونا السماء الدنيا ، فإذا رجل قاعد عن يمينه أسودة وعن يساره أسودة ، إذا نظر قبل يمينه ضحك ، وإذا نظر قبل شماله بكى ، فقال : مرحباً بالنبي الصالح ، والابن الصالح . قلت لجبريل : من هذا ؟ قال : هذا آدم وهذه الأسودة التي عن يمينه وشماله نسم بنيه ، فأهل اليمين منهم أهل الجنة ، والأسودة التي عن شماله أهل النار، فإذا نظر عن يمينه ضحك ، وإذا نظر قبل شماله بكى .
ثم صعد حتى أتى السماء الثانية فاستفتح ، قيل : من هذا ؟ قال : جبريل ، قيل : ومن معك ؟ قال : محمد ،قيل : وقد أرسل إليه ؟ قال : نعم ، قيل : مرحباً به فنعم المجيء جاء ، ففتح ، فلما خلصت ، إذا بيحيى وعيسى ، عليهما السلام ، وهما ابنا خالة ،قال : هذا يحيى وعيسى ، فسلم عليهما، فسلمت فردا ، ثم قالا : مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح .
ثم صعد بي إلى السماء الثالثة فاستفتح ، قيل : من هذا ؟ قال : جبريل ، قال : ومن معك ؟ قال محمد ، قيل : وقد أرسل إليه ؟ قال : نعم ، قيل : مرحباً به فنعم المجيء جاء ، ففتح ، فلما خلصت ، فإذا يوسف ، وإذا هو قد أعطي شطر الحسن ، قال : هذا يوسف فسلم عليه ، فسلمت عليه فرد علي ، ثم قال : مرحباً بالأخ الصالح ،والنبي الصالح .
ثم صعد بي حتى أتى السماء الرابعة فاستفتح ، قيل : من هذا ؟ قال : جبريل ، قيل : ومن معك ؟ قال : محمد ، قيل : وقد أرسل إليه ؟ قال : نعم ، قيل : مرحباً به فنعم المجيء جاء ، ففتح ، فلما خلصت فإذا إدريس ، قال هذا إدريس فسلم عليه ، فسلمت عليه ،فرد ثم قال : مرحباً بالأخ الصالح والنبي والصالح .
ثم صعد بي حتى أتى السماء الخامسة فاستفتح قيل : من هذا ؟ قال : جبريل ، قيل : ومن معك ؟ قال : محمد ، قيل : وقد أرسل إليه ؟ قال : نعم ، قيل : مرحباً به ، فنعم المجيء جاء ، فلما خلصت فإذا هارون ، قال : هذا هارون فسلم عليه ، فسلمت عليه فرد ثم قال : مرحباً بالأخ الصالح ،والنبي الصالح .
ثم صعد بي حتى أتى السماء السادسة فاستفتح قيل : من هذا ؟ قال : جبريل ، قيل : ومن معك ؟ قال : محمد ، قيل : وقد أرسل إليه ؟ قال : نعم ، قيل: مرحباً به ، فنعم المجيء جاء ، فلما خلصت فإذا موسى ، قال : هذا موسى فسلم عليه ، فسلمت عليه فرد ثم قال : مرحباً بالنبي الصالح والأخ الصالح ، فلما جاوزت بكى قيل له : ما يبكيك ؟ قال : أبكي لأن غلاماً بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر ممن يدخلها من أمتي .
ثم صعد بي إلى السماء السابعة ،فاستفتح جبريل ، قيل : من هذا ؟ قال جبريل ، قيل : ومن معك ؟ قال : محمد ، قيل : وقد أرسل إليه ؟ قال : نعم ، قيل: مرحباً به فنعم المجيء جاء ، فلما خلصت فإذا إبراهيم ، قال : هذا أبوك إبراهيم ، فسلم عليه ، فسلمت عليه فرد السلام ، ثم قال : مرحباً بالنبي الصالح ، والابن الصالح ، فرفع لي البيت المعمور ، فسألت جبريل ؟ فقال: هذا البيت المعمور يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك ،إذا خرجوا لم يعودوا إليه آخر ما عليهم .
وقال ثابت عن أنس : فإذا أنا بإبراهيم مسند ظهره إلى البيت المعمور ، إذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه ،ثم ذهب بي إلى سدرة المنتهى فإذا نبقها مثل قلال هجر ، وإذا ورقها مثل آذان الفيلة ، قال : فلما غشيها من أمر الله ما غشي تغيرت ، فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها ، في أصلها أربعة أنهار : نهران باطنان ، ونهران ظاهران ، فقلت : ما هذان يا جبريل ؟ فقال : أما الباطنان ، فنهران في الجنة ، وأما الظاهرات فالنيل والفرات .
وأوحى إلي ما أوحى ، ففرض علي خمسين صلاةً في كل يوم وليلة ، فنزلت إلى موسى ،فقال: ما فرض ربك على أمتك ؟ قلت : خمسين صلاة ، قال : ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف ، فإن أمتك لا تطيق ذلك ، فإني قد بلوت بني إسرائيل وخبرتهم ، قال : فرجعت إلى ربي فقلت : يا رب خفف على أمتي ، فحط عني خمساً ، فرجعت إلى موسى فقلت : حط عني خمسة ، قال : إن أمتك لا تطيق ذلك فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف .
قال : فلم أزل أرجع بين ربي وبين موسى حتى قال : يا محمد إنهن خمس صلوات كل يوم وليلة ،لكل صلاة عشر ، هي خمس وهي خمسون ، لا يبدل القول لدي ،ومن هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة ، فإن علمها كتبت له عشراً ، ومن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب شيئاً ، فإن عملها كتبت سيئة واحدة .
قال : فنزلت حتى انتهيت إلى موسى فأخبرته ، فقال : ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك .
فقلت : سألت ربي حتى استحييت ولكني أرضى وأسلم ،قال : فلما جاوزت نادى مناد : أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي ، ثم أدخلت الجنة فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ ، وإذا ترابها المسك .
قال ابن شهاب : فأخبرني ابن حزم أن ابن عباس وأبا حبة الأنصاري ، كانا يقولان : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " ثم عرج بي حتى ظهرت لمستوىً فيه صريف الأقلام " .
قال ابن حزم و أنس : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " ففرض الله على أمتي خمسين صلاة " .
وروى معمر عن قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم :" أتي بالبراق ليلة أسرى به ملجماً مسرجاً ، فاستصعب عليه ، فقال جبريل : أبمحمد تفعل هذا ؟ فما ركبك أحد أكرم على الله منه ، فارفض عرقاً ".
وقال ابن بريده عن أبيه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لما انتهينا إلى بيت المقدس قال جبريل بأصبعه ، فخرق بها الحجر وشد بها البراق ".
أنبأنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، حدثنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثني محمود ، أنبأنا عبد الرزاق ، أنبأنا معمر عن الزهري ، أخبرني سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليلة أسرى بي لقيت موسى، قال : فنعته ، فإذا هو رجل- حسبته قال : مضطرب - رجل الرأس كأنه من رجال شنوءة . قال : ولقيت عيسى ،فنعته النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ربعة ، أحمر ، كأنما خرج من ديماس ، يعني : الحمام ، ورأيت إبراهيم وأنا أشبه ولده به ،قال : وأتيت بإناءين : أحدهما لبن ، والآخر فيه خمر ، فقيل له : خذ أيهما شئت ،فأخذت اللبن فشربته ،فقيل لي : هديت الفطرة [ أو أصبت الفطرة ] ، أما إنك لو أخذت الخمر غوت أمتك " .
أنبأنا عبد الواحد المليحي ، حدثنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، حدثنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا الحميدي ، حدثنا سفيان ، حدثنا عمرو ، عن عكرمة ، عن ابن عباس في قوله : " " وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس "، قال : هي رؤيا عين أريها النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أسرى به إلى بيت المقدس . قال : والشجرة الملعونة في القرآن قال : هي شجرة الزقوم ".
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، حدثنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا عبد العزيز بن عبد الله ، حدثني سليمان ، عن شريك بن عبد الله قال : سمعت أنس بن مالك يقول : ليلة أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم من مسجد الكعبة أنه جاءه ثلاثة نفر ، قبل أن يوحى إليه ، وهو نائم في المسجد الحرام ، فقال أولهم : أيهم هو ؟ فقال : أوسطهم هو خيرهم ، فقال آخرهم : خذوا خيرهم ، فكانت تلك الليلة فلم يرهم حتى أتوه ليلة أخرى فيما يرى قلبه ، وتنام عينه ، ولا ينام قلبه ، وكذلك الأنبياء تنام أعينهم ، ولا تنام قلوبهم ، فلم يكلموه حتى احتملوه ووضعوه عند بئر زمزم ، فشق جبريل ما بين نحره إلى لبته حتى فرغ من صدره وجوفه ، فغسله من ماء زمزم بيده . وساق حديث المعراج بقصته . فقال : فإذا هو في السماء الدنيا بنهرين يطردان ، قال : هذا النيل والفرات ، عنصرهما واحد ، ثم مضى به في السماء الثانية ، فإذا هو بنهر آخر عليه قصر من لؤلؤ وزبرجد ، فضرب يده فإذا هو مسك أذفر ، قال : ما هذا يا جبريل ؟ قال : هذا الكوثر الذي خبأ لك ربك . وساق الحديث ، وقال : ثم عرج بي إلى السماء السابعة ، وقال : قال موسى : رب لم أظن أن ترفع علي أحداً ، ثم علا به فوق ذلك بما لا يعمله إلا الله حتى جاء سدرة المنتهى ، ودنا الجبار رب العزة فتدلى حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى ، فأوحى إليه فيما يوحى إليه الله خمسين صلاة كل يوم وليلة ، وقال : فلم يزل يردده موسى إلى ربه حتى صارت إلى خمس صلوات ، ثم احتبسه موسى عند الخمس ، فقال : يا محمد والله لقد راودت بني إسرائيل قومي على أدنى من هذا فضعفوا عنه وتركوه ، فأمتك أضعف قلوباً وأجساداً وأبداناً وأبصاراً وأسماعاً ، فارجع فليخفف عنك ربك ، كل ذلك يلتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى جبريل ليشير عليه ، ولا يكره ذلك جبريل ، فرفعه عند الخامسة ، فقال : يا رب إن أمتي ضعفاء أجسادهم وقلوبهم وأسماعهم وأبدانهم فخفف عنا ، فقال الجبار : يا محمد ، قال : لبيك وسعديك ،قال : إنه لا يبدل القول لدي ، كما فرضت عليك في أم الكتاب ، فكل حسنة بعشر أمثالها ، فهي خمسون في أم الكتاب ، وهي خمس عليك ، فقال موسى : ارجع إلى ربك فليخفف عنك أيضا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :قد والله استحييت من ربي مما اختلفت إليه ، قال : فاهبط بسم الله. فاستيقظ وهو في المسجد الحرام .
وروى مسلم هذا الحديث مختصراً عن هارون بن سعيد الإيلي ، عن ابن وهب ، عن سليمان ابن بلال .
قال شيخنا الإمام رضي الله عنه : قد قال بعض أهل الحديث ما وجدنا ل محمد بن إسماعيل و ل مسلم في كتابيهما شيئاً لا يحتمل مخرجاً إلا هذا ،وأحال الأمر فيه إلى شريك بن عبد الله ، وذلك أنه ذكر فيه أن ذلك قبل أن يوحى إليه ، واتفق أهل العلم على أن المعراج كان بعد الوحي بنحو من اثنتي عشرة سنة قبل الهجرة بسنة .
وفيه أيضاً : ( أن الجبار دنا فتدلى ) . وذكرت عائشة أن الذي دنا فتدلى جبريل عليه السلام .
قال شيخنا الإمام رضي الله عنه : وهذا الاعتراض عندي لا يصح ، لأن هذا كان رؤيا في النوم ، أراه الله عز وجل قبل الوحي ، بدليل آخر الحديث : قال فاستيقظ وهو في المسجد الحرام ، ثم عرج به في اليقظة بعد الوحي قبل الهجرة بسنة تحقيقاً لرؤياه من قبل،كما أنه رأى فتح مكة في المنام عام الحديبية سنة ست من الهجرة ، ثم كان تحقيقه سنة ثمان ونزل قوله عز وجل :" لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق " ( الفتح - 27 )
وروي أنه لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به وكان بذي طوى قال : يا جبريل إن قومي لا يصدقوني ، قال : يصدقك أبو بكر وهو الصديق .
قال ابن عباس ، وعائشة ، رضي الله عنهم ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : لما كانت ليلة أسري بي فأصبحت بمكة فضقت بأمري وعرفت أن الناس مكذبي ، فروي أنه عليه الصلاة و السلام قعد معتزلاً حزيناً ، فمر به أبو جهل فجلس إليه فقال له كالمستهزئ : هل استفدت من شيء ؟ قال : نعم إني أسري بي الليلة قال : إلى أين ؟ قال : إلى بيت المقدس ، قال : ثم أصبحت بين ظهرانينا ، قال : نعم ، فلم ير أبو جهل أنه ينكر ، مخافة أن يجحده الحديث ، قال : أتحدث قومك ما حدثتني ؟ قال : نعم ، قال أبو جهل : يا معشر بني كعب بن لؤي هلموا ، قال : فانفضت إليه المجالس فجاؤوا حتى جلسوا إليهما ، قال : فحدث قومك ما حدثتني قال : نعم إني أسري بي الليلة ، قالوا إلى أين ؟ قال : إلى بيت المقدس ، قالوا : ثم أصبحت بين ظهرانينا ؟ قال : نعم ،قال: فمن بين مصفق ، ومن بين واضع يده على رأسه متعجباً ، وارتد ناس ممن كان آمن به وصدقه ، وسعى رجل من المشركين إلى أبي بكر فقال : هل لك في صاحبك يزعم أنه أسري به الليلة إلى بيت المقدس ، قال : أوقد قال ذلك ؟ قال : نعم ، قال : لئن كان قال ذلك لقد صدق ، قالوا : وتصدقه أنه ذهب إلى بيت المقدس في ليلة وجاء قبل أن يصبح ؟ قال : نعم ، إني لأصدقه بما هو أبعد من ذلك ، أصدقه بخبر السماء في غدوة أو روحة ، فلذلك سمي أبو بكر الصديق .
قال : وفي القوم من قد أتى المسجد الأقصى ،فقالوا : هل تستطيع أن تنعت لنا المسجد ؟ قال : نعم ، قال : ذهبت أنعت وأنعت ،فمازلت أنعت حتى التبس علي [ بعض النعت ] ، قال : فجيء بالمسجد وأنا أنظر إليه حتى وضع دون دار عقيل فنعت المسجد ، وأنا أنظر إليه ، فقال القوم : أما النعت فوالله لقد أصاب ، ثم قالوا : يا محمد أخبرنا عن عيرنا هي أهم إلينا، فهل لقيت منها شيئاً ؟ قال : نعم مررت على عير بني فلان ،وهي بالروحاء ، وقد أضلوا بعيرا لهم ،وهم في طلبه، وفي رحالهم قدح من ماء فعطشت فأخذته فشربته ، ثم وضعته كما كان فسلوهم هل وجدوا الماء في القدح حين رجعوا إليه ؟ قالوا : هذه آية ، قال : ومررت بعير بني فلان ، وفلان وفلان راكبان قعوداً لهما بذي طوى ، فنفر بعيرهما مني فرمى بفلان ، فانكسرت يده ،فسلوهما عن ذلك ، قالوا : وهذه آية . قالوا : فأخبرنا عن عيرنا نحن ؟ قال : مررت بها بالتنعيم ، قالوا : فما عدتها وأحمالها وهيئتها ومن فيها ؟ فقال : نعم ، هيئتها كذا وكذا ، وفيها فلان وفلان ، يقدمها جمل أورق عليه غرارتان مخيطتان ، تطلع عليكم عند طلوع الشمس ، قالوا وهذه آية . ثم خرجوا يشتدون نحو الثنية وهم يقولون : والله لقد قص محمد شيئا وبينه حتى أتوا كدىً ، فجلسوا عليه فجعلوا ينتظرون متى تطلع الشمس فيكذبونه ، إذ قال قائل منهم : والله هذه الشمس قد طلعت ، وقال آخر : وهذه والله الإبل قد طلعت ، يقدمها بعير أورق ، فيها فلان وفلان ، كما قال لهم ، فلم يؤمنوا ، " وقالوا : إن هذا إلا سحر مبين " .
أنبأنا إسماعيل بن عبد القاهر ، أنبأنا عبد الغافر بن محمد ، أنبأنا محمد بن عيسى الجلودي ، أنبأنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، حدثنا مسلم بن الحجاج ،حدثني زهير بن حرب ، حدثنا حجر بن المثنى ، أنبأنا عبد العزيز وهو ابن أبي سلمة - عن عبد الله بن الفضل ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة رضي الله عنهم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لقد رأيتني في الحجر ، وقريش تسألني عن مسراي ،فسألتني عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها ، فكربت كرباً ما كربت مثله قط ، قال : فرفعه الله لي أنظر إليه ، ما يسألوني عن شيء إلا أنبأتهم به ،ولقد رأيتني في جماعة من الأنبياء ، فإذا موسى قائم يصلي ،فإذا رجل ضرب جعد كأنه من رجال شنوءة وإذا عيسى قائم يصلي ، أقرب الناس به شبهاً عروة بن مسعود الثقفي ، وإذا إبراهيم قائم يصلي ، أشبه الناس به صاحبكم - يعني نفسه - فجاءت الصلاة فأممتهم ، فلما فرغت من الصلاة قال لي قائل : يا محمد هذا مالك صاحب النار فسلم عليه . فالتفت إليه فبدأني بالسلام ".
وقيل إلا قوله تعالى: "وإن كادوا ليفتنونك "إلى آخر ثمان آيات وهي مائة وإحدى عشرة آية.
بسم الله الرحمن الرحيم
1."سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً "سبحان اسم بمعنى التسبيح "الذي" هو التنزيه يستعمل علماً له فيقطع عن الإضافة ويمنع عن الصرف قال:
قد قلت لما جاءني فخره سبحان من علقمة الفاخر
وانتصابه بفعل متروك إظهاره ، وتصدير الكلام به للتنزيه عن العجز عما ذكر بعد .و"أسرى"وسرى بمعنى ، و"ليلاً"نصب على الظرف. وفائدته الدلالة بتنكيره على تقليل مدة الإسراء ، ولذلك قرئ : من الليل . أي بعضه كقوله: "ومن الليل فتهجد به"."من المسجد الحرام"بعينه "لما روي أنه عليه الصلاة السلام قال: بينا أنا في المسجد الحرام في الحجر عند البيت بين النائم واليقظان إذ أتاني جبريل بالبراق".أو من الحرم وسماه المسجد الحرام لأنه كله مسجد أو لأنه محيط به ، أو ليطابق المبدأ المنتهى ." لما روي أنه صلى الله عليه وسلم كان نائماً في بيت أم هانئ بعد صلاة العشاء فأسري به ورجع من ليلته ، وقص القصة عليها وقال : مثل لي الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فصليت بهم .ثم خرج إلى المسجد الحرام وأخبر به قريشاً فتعجبوا منه استحالة ، وارتد ناس ممن آمن به ، وسعى رجال إلى أبي بكر رضي الله تعالى عنه فقال: إن كان قال لقد صدق ، فقالوا: أتصدقه على ذلك ، فقال :إني لأصدقه على أبعد من ذلك فسمي الصديق، و استنعته طائفة سافروا إلى بيت المقدس فجلى له فطفق ينظر إليه وينعته لهم ، فقالوا : أما النعت فقد أصاب فقالوا أخبرنا عن عيرنا ، فأخبرهم بعدد جمالها وأحوالها وقال تقدم يوم كذا مع طلوع الشمس بقدمها جمل أورق، فخرجوا يشتدون إلى الثنية فصادفوا العير كما أخبر ، ثم لم يؤمنوا وقالوا ما هذا إلا سحر مبين وكان ذلك قبل الهجرة بسنة ". واختلف في أنه كان في المنام أو في اليقظة بروحه أو بجسده ، والأكثر على أنه أسري بجسده إلى بيت المقدس . ثم عرج به إلى السموات حتى انتهى إلى سدرة المنتهى ، ولذلك تعجب قريش و استحالوه، والاستحالة مدفوعة بما ثبت في الهندسة أن ما بين طرفي قرص الشمس ضعف ما بين طرفي كرة الأرض مائة ونيفاً وستين مرة ، ثم إن طرفها الأسفل يصل موضع طرفها الأعلى في أقل من ثانية ، وقد برهن في الكلام أن الأجسام متساوية في قبول الأعراض وأن الله قادر على كل الممكنات فيقدر أن يخلق مثل هذه الحركة السريعة في بدن النبي صلى الله عليه وسلم ، أو فيما يحمله ، والتعجب من لوازم المعجزات ."إلى المسجد الأقصى "بيت المقدس لأنه لم يكن حينئذ وراءه مسجد."الذي باركنا حوله"ببركات الدين والدنيا لأنه مهبط الوحي ومتعبد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من لدن موسى عليه الصلاة والسلام ، ومحفوف بالأنهار والأشجار."لنريه من آياتنا " كذهابه في برهة من الليل مسرة شهر ومشاهدته بيت المقدس وتمثل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام له ، ووقوفه على مقاماتهم ، وصرف الكلام من الغيبة إلى التكلم لتعظيم تلك البركات والآيات . وقرئ ليريه بالياء ."إنه هو السميع "لأقوال محمد صلى الله عليه وسلم ."البصير"بأفعاله فيكرمه ويقربه على حسب ذلك .
Surah 17. Al-Israa (Bani Israel)
1. Glorified be He Who carried His servant by night from the Inviolable Place of Worship to the Far Distant Place of Worship the neighborhood whereof We have blessed, that We might show him of Our tokens! Lo! He, only He, is the Nearer, the Seer.
SURA 17: AL.ISRA
1 - Glory to (God) who did take his servant for a journey by night from the sacred Mosque to the farthest Mosque, whose precincts we did bless, in order that we might show him some of our signs: for he is the one who heareth and seeth (all things).