[النحل : 87] وَأَلْقَوْاْ إِلَى اللّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ
87 - (وألقوا إلى الله يومئذ السلم) أي استسلموا لحكمه (وضل) غاب (عنهم ما كانوا يفترون) من أن آلهتهم تشفع لهم
يقول تعالى ذكره : وألقى المشركون إلى الله يومئذ السلم . يقول : استسلموا يومئذ وذلوا لحكمه فيهم ، ولم تغن عنهم آلهتهم التي كانوا يدعون في الدنيا من دون الله ، وتبرأت منهم ، ولا قومهم ، ولاعشائرهم الذين كانوا في الدنيا يدافعون عنهم . والعرب تقول : ألقيت إليه كذا تعني بذلك قلت له . وقوله : "وضل عنهم ما كانوا يفترون" يقول : وأخطأهم من آلهتهم ما كانوا يأملون من الشفاعة عند الله بالنجاة .
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله "وألقوا إلى الله يومئذ السلم" يقول : ذلوا واستسلموا يومئذ "وضل عنهم ما كانوا يفترون" .
"وألقوا إلى الله يومئذ السلم " يعني المشركين أي استسلموا لعذابه وخضعوا لعزه وقيل استسلم العابد والمعبود وانقادوا لحكمه فيهم "وضل عنهم ما كانوا يفترون " أي زال عنهم ما زين لهم الشيطان وما كانوا يؤملون من شفاعة آلهتهم .
يخبر تعالى عن شأن المشركين يوم معادهم في الدار الاخرة, وأنه يبعث من كل أمة شهيداً وهو نبيها, يشهد عليها بما أجابته فيما بلغها عن الله تعالى: "ثم لا يؤذن للذين كفروا" أي في الاعتذار, لأنهم يعلمون بطلانه وكذبه, كقوله: " هذا يوم لا ينطقون * ولا يؤذن لهم فيعتذرون " فلهذا قال: "ولا هم يستعتبون * وإذا رأى الذين ظلموا" أي الذين أشركوا "العذاب فلا يخفف عنهم" أي لا يفتر عنهم ساعة واحدة. "ولا هم ينظرون" أي لا يؤخر عنهم بل يأخذهم سريعاً من الموقف بلا حساب, فإنه إذا جيء بجهنم تقاد بسبعين ألف زمام, مع كل زمام سبعون ألف ملك, فيشرف عنق منها على الخلائق, وتزفر زفرة لا يبقى أحد إلا جثا لركبتيه, فتقول: إني وكلت بكل جبار عنيد الذي جعل مع الله إلها آخر وبكذا وبكذا, وتذكر أصنافاً من الناس, كما جاء في الحديث, ثم تنطوي عليهم وتلتقطهم من الموقف كما يلتقط الطائر الحب, قال الله تعالى: " إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا * وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين دعوا هنالك ثبورا * لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا ", وقال تعالى: "ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها ولم يجدوا عنها مصرفاً" وقال تعالى: "لو يعلم الذين كفروا حين لا يكفون عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم ولا هم ينصرون * بل تأتيهم بغتة فتبهتهم فلا يستطيعون ردها ولا هم ينظرون".
ثم أخبر تعالى عن تبري آلهتهم منهم أحوج ما يكونون إليها فقال: "وإذا رأى الذين أشركوا شركاءهم" أي الذين كانوا يعبدونهم في الدنيا " قالوا ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعوا من دونك فألقوا إليهم القول إنكم لكاذبون " أي قالت لهم الالهه: كذبتم ما نحن أمرناكم بعبادتنا, كما قال تعالى: "ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون * وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين" وقال تعالى: "واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزاً * كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضداً" وقال الخليل عليه الصلاة والسلام "ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض" الاية, وقال تعالى: "وقيل ادعوا شركاءكم" الاية, والايات في هذا كثيرة.
وقوله: "وألقوا إلى الله يومئذ السلم" قال قتادة وعكرمة: ذلوا واستسلموا يومئذ, أي استسلموا لله جميعهم فلا أحد إلا سامع مطيع, وكقوله تعالى: "أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا" أي ما أسمعهم وما أبصرهم يومئذ, وقال: " ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا " الاية, وقال: "وعنت الوجوه للحي القيوم" أي خضعت وذلت واستكانت وأنابت واستسلمت. وقوله "وألقوا إلى الله يومئذ السلم وضل عنهم ما كانوا يفترون" أي ذهب واضمحل ما كانوا يعبدونه افتراء على لله فلا ناصر لهم ولا معين ولا مجير.
ثم قال تعالى: "الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا" الاية, أي عذاباً على كفرهم وعذاباً على صدهم الناس عن اتباع الحق كقوله تعالى: "وهم ينهون عنه وينأون عنه" أي ينهون الناس عن اتباعه ويبتعدون هم منه أيضاً "وإن يهلكون إلا أنفسهم وما يشعرون" وهذا دليل على تفاوت الكفار في عذابهم كما يتفاوت المؤمنون في منازلهم في الجنة ودرجاتهم, كما قال تعالى: "قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون" وقد قال الحافظ أبو يعلى: حدثنا سريج بن يونس, حدثنا أبو معاوية, حدثنا الأعمش عن عبد الله بن مرة, عن مسروق, عن عبد الله في قول الله: "زدناهم عذاباً فوق العذاب" قال: زيدوا عقارب أنيابها كالنخل الطوال. وحدثنا شريح بن يونس, حدثنا إبراهيم بن سليمان, حدثنا الأعمش عن الحسن, عن ابن عباس في الاية أنه قال: "زدناهم عذابا فوق العذاب" قال: هي خمسة أنهار تحت العرش يعذبون ببعضها في الليل وببعضها في النهار.
87- "وألقوا إلى الله يومئذ السلم" أي ألقى المشركون يوم القيامة الاستسلام والانقياد لعذابه والخضوع لعزته، وقيل استسلم العابد والمعبود وانقادوا لحكمه فيهم "وضل عنهم ما كانوا يفترون" أي ضاع وبطل ما كانوا يفترونه من أن لله سبحانه شركاء وما كانوا يزعمون من شفاعتهم لهم، وأن عبادتهم لهم تقربهم إلى الله سبحانه.
87 - " وألقوا " ، يعني المشركين " إلى الله يومئذ السلم " ، استسلموا وانقادوا لحكمه فيهم ، ولم تغن عنهم آلهتهم شيئاً ، " وضل " ، وزال ،" عنهم ما كانوا يفترون" ، من أنها تشفع لهم .
87."وألقوا "وألقى الذين ظلموا."إلى الله يومئذ السلم"الاستسلام لحكمه بعد الاستكبار في الدنيا."وضل عنهم "وضاع عنهم وبطل . "ما كانوا يفترون"من أن آلهتهم ينصرونهم ويشفعون لهم حين كذبوهم وتبرؤوا منهم.
87. And they proffer unto Allah submission on that day, and all that they used to invent hath failed them.
87 - That day shall they (openly) show (their) submission to God; and all their inventions shall leave them in the lurch.