[النحل : 47] أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرؤُوفٌ رَّحِيمٌ
47 - (أو يأخذهم على تخوف) تنقص شيئا فشيئا حتى يهلك الجميع حال من الفاعل أو المفعول (فإن ربكم لرؤوف رحيم) حيث لم يعاجلهم بالعقوبة
يعني تعالى ذكره بقوله : "أو يأخذهم في تقلبهم" أو يهلكهم في تصرفهم في البلاد ، وترددهم في أسفارهم "فما هم بمعجزين" يقول جل ثناؤه : فإنهم لا يعجزون الله من ذلك إن أراد أخذهم كذلك .
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى وعلي بن داود ، قالا : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : حدثني معاوية ، عن علي ،عن ابن عباس ، قوله "أو يأخذهم في تقلبهم" يقول : في اختلافهم .
حدثني محمد بن سعد ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني عمي ، قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله "أو يأخذهم في تقلبهم فما هم بمعجزين" قال : إن شئت أخذته في سفر .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : "أو يأخذهم في تقلبهم" في أسفارهم .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ،عن قتادة ، مثله .
وقال ابن جريج في ذلك ما :
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج : "أو يأخذهم في تقلبهم" قال : التقلب : أن يأخذهم بالليل والنهار .
وأما قوله : "أو يأخذهم على تخوف" فإنه يعني : أو يهلكهم بتخوف ، وذلك بنقص من أطرافهم ونواحيهم الشيء بعد الشيء حتى يهلك جميعهم ، يقال منه :تخوف مال فلان الإنفاق : إذا انتقصه ، ونحو تخوفه من التخوف بعنى : التنقص ، قول الشاعر :
تخوف السير منها تامكا قردا كما تخوف عود النبعة السفن
يعني بقوله : تخوف السير : تنقص سنامها . وقد ذكرنا عن الهيثم بن عدي أنه كان يقول : هي لغة لأزد شنوءة معروفة لهم ، ومنه قول الآخر :
تخوف عدوهم مال وأهدى سلاسل في الحلوق لها صليل
وكان الفراء يقول : تحوفته : أي تنقصته ، تحوفاً : أي أخذته من حافاته وأطرافه ، قال : فهذا الذي سمعته ، وقد أتى التفسير بالحاء وهما بمعنى . قال : ومثله ما قرىء بوجهين قوله : إن لك في النهار سبحاً وسبخاً .
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن المسعودي ، عن إبراهيم بن عامر بن مسعود ، عن رجل ، عن عمر أنه سألهم عن هذه الآية : "أو يأخذهم في تقلبهم فما هم بمعجزين * أو يأخذهم على تخوف" فقالوا : ما نرى إلا أنه عند تنقص ما يردده من الآيات ، فقال عمر : ما أرى إلا انه على ما تنتقصون من معاصي الله ، قال : فخرج ممن كان عند عمر ،فلقي أعرابياً ، فقال : يا فلان ما فعل ربك ؟ قال : قد تخيفته ، يعني تنقصته ، قال : فرجع إلى عمر فأخبره ، فقال : قذر الله ذلك .
حدثني محمد بن سعد ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني عمي ، قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : "أو يأخذهم على تخوف" يقول : إن شئت أخذته على أثر موت صاحبه وتخوف بذلك .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عطاء الخراساني ، عن ابن عباس : "على تخوف" قال : التنقص والتفزيع .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن ابي نجيح ، عن مجاهد :"أو يأخذهم على تخوف" على تنقص .
حدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، وحدثني المثنى ، قال : أخبرنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد "على تخوف" قال : تنقص .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : "أو يأخذهم على تخوف" فيعاقب أو يتجاوز .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله "أو يأخذهم على تخوف" قال :كان يقال : التخوف : التنقص ، ينتقصهم من البلدان من الأطراف .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله "أو يأخذهم على تخوف" يعني : يأخذ العذاب طائفة ويترك أخرى ، ويعذب القرية ويهلكها ، ويترك أخرى إلى جنبها .
وقوله : "فإن ربكم لرؤوف رحيم" يقول : فإن ربكم إن لم يأخذ هؤلاء الذين مكروا السيئات بعذاب معجل لهم ، وأخذهم بموت وتنقص بعضهم في أثر بعض ، لرؤوف بخلقه ، رحيم بهم ، ومن رأفته ورحمته بهم لم يخسف بهم الأرض ، ولم يعجل لهم العذاب ،ولكن يخوفهم وينقصهم بموت .
" أو يأخذهم على تخوف " قال ابن عباس ومجاهد وغيرهما: أي على تنقص من أموالهم ومواشيهم وزروعهم. وكذا قال ابن الأعرابي : أي على تنقص من الأموال والأنفس والثمرات حتى أهلكهم كلهم. وقال الضحاك : هو من الخوف، المعنى: يأخذ طائفة ويدع طائفة، فتخاف الباقية أن ينزل بها ما نزل بصاحبتها. وقال الحسن: ( على تخوف) أن يأخذ القرية فتخافه القرية الأخرى، وهذا هو معنى القول الذي قبله بعينه، وهما راجعان إلى المعنى الأول، وأن التخوف التنقص، تخوفه تنقصه، وتخوفه الدهر وتخونه ( بالفاء والنون) بمعنىً، يقال: تخونني فلان حقي إذا تنقصك. قال ذو الرمة:
لا، بل هو الشوق من دار تخونها مرأً سحاب ومراً بارح ترب
وقال لبيد:
تخونها نزولي وارتحالي
أي تنقص لحمها وشحمها. وقال الهيثم بن عدي: التخوف ( بالفاء) التنقص، لغة لأزدشنوءة. وأنشد:
تخوف غدرهم مالي وأهدى سلاسل في الحلوق لها صليل
وقال سعيد بن المسيب: بينما عمر بن الخطاب رضي الله عنه على المنبر قال: يا أيها الناس، ما تقولون في قول الله عز وجل: ( أو يأخذهم على تخوف) فسكت الناس، فقال شيخ من بني هذيل: هي لغتنا يا أمير المؤمنين، التخوف التنقص. فخرج رجل فقال: يا فلان، ما فعل دينك؟ قال: تخوفته، أي تنقصه، فرجع فأخبر عمر فقال عمر: أتعرف العرب ذلك في أشعارهم؟ قال نعم، قال شاعرنا أبو كبير الهذلي يصف ناقة تنقص السير سنامها بعد تمكه واكتنازه:
تخوف الرحل منها تامكاً قرداً كما تخوف عند النبعة السفن
فقال عمر: يا أيها الناس، عليكم بديوانكم شعر الجاهلية فإن فيه تفسير كتابتكم ومعاني كلامكم. تمك السنام يتمك تمكاً، أي طال وارتفع، فهو تامك. والسفن والمسفن ما ينجر به الخشب. وقال الليث بن سعد: ( على تخوف) على عجل. وقيل: على تقريع بما قدموه من ذنوبهم، وهذا مروي عن ابن عباس أيضاً. وقال قتادة: ( على تخوف) أن يعاقب أو يتجاوز. " فإن ربكم لرؤوف رحيم " أي لا يعاجل بل يمهل.
يخبر تعالى عن حلمه وإنظاره العصاة الذين يعملون السيئات ويدعون إليها, ويمكرون بالناس في دعائهم إياهم وحملهم عليها, مع قدرته على أن يخسف بهم الأرض أو يأتيهم العذاب "من حيث لا يشعرون", أي من حيث لا يعلمون مجيئه إليهم, كقوله تعالى: "أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور * أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصباً فستعلمون كيف نذير." وقوله: "أو يأخذهم في تقلبهم" أي في تقلبهم في المعايش واشتغالهم بها في أسفارهم ونحوها من الأشغال الملهية, قال قتادة والسدي: تقلبهم أي أسفارهم, وقال مجاهد والضحاك وقتادة "في تقلبهم" في الليل والنهار كقوله "أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتاً وهم نائمون * أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون".
وقوله: "فما هم بمعجزين" أي لا يعجزون الله على أي حال كانوا عليه. وقوله: "أو يأخذهم على تخوف" أي أو يأخذهم الله في حال خوفهم من أخذه لهم, فإنه يكون أبلغ وأشد, فإن حصول ما يتوقع مع الخوف شديد, ولهذا قال العوفي عن ابن عباس: "أو يأخذهم على تخوف" يقول: إن شئت أخذته على أثر موت صاحبه وتخوفه بذلك, وكذا روي عن مجاهد والضحاك وقتادة وغيرهم. ثم قال تعالى: "فإن ربكم لرؤوف رحيم" أي حيث لم يعاجلكم بالعقوبة, كما ثبت في الصحيحين "لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله, إنهم يجعلون له ولداً وهو يرزقهم ويعافيهم" وفيهما "إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته" ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم "وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد" وقال تعالى: "وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة ثم أخذتها وإلي المصير".
47- "أو يأخذهم على تخوف" أي حال تخوف وتوقع للبلايا بأن يكونوا متوقعين للعذاب حذرين منه غير غافلين عنه، فهو خلاف ما تقدم من قوله "أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون"، وقيل معنى "على تخوف" على تنقص. قال ابن الأعرابي: أي على تنقص من الأموال والأنفس والثمرات حتى أهلكهم. قال الواحدي: قال عامة المفسرين: على تخوف قال تنقص: إما بقتل أو بموت، يعني بنقص من أطرافهم ونواحيهم يأخذهم الأول فالأول حتى يأتي الأخذ على جميعهم. قال، والتخوف التنقص، يقال هو يتخوف المال: أي يتنقصه، ويأخذ من أطرافه انتهى، يقال تخوفه الدهر وتخونه بالفاء والنون: تنقصه، قال ذو الرمة:
لا بل هو الشوق من دار تخوفها مرا سحاب ومرا بارح ترب
وقال لبيد:
تخوفها نزولي وارتحالي
أي تنقص لحمها وشحمها. قال الهيثم بن عدي: التخوف بالفاء التنقص لغة لأزد شنودة، وأنشد:
تخوف عدوهم مالي وأهدى سلاسل في الحلوق لها صليل
وقيل على تخوف: على عجل قاله الليث بن سعد، وقيل على تقريع با قدموه من ذنوبهم، روي ذلك عن ابن عباس، وقيل على تخوف: أن يعاقب ويتجاوز قاله قتادة: "فإن ربكم لرؤوف رحيم" لا يعاجل، بل يمهل رأفة ورحمة لكم مع استحقاقهم للعقوبة.
47- " أو يأخذهم على تخوف "، والتخوف: التنقص، أي: ينقص من أطرافهم ونواحيهم الشيء بعد الشيء حتى يهلك جميعهم، يقال: تخوفه الدهر وتخونه: إذا نقصه وأخذ ماله وحشمه .
ويقال هذا لغة بني هذيل .
وقال الضحاك و الكلبي : من الخوف أي: يعذب طائفة فيتخوف الآخرون أن يصيبهم مثل ما أصابهم .
"فإن ربكم لرؤوف رحيم "، حين لم يعجل بالعقوبة .
47."أو يأخذهم على تخوف"على مخافة بأن يهلك قوماً قبلهم فيتخوفوا فيأتيهم العذاب وهم متخوفون، أو على أن ينقصهم شيئاً بعد شيء في أنفسهم وأموالهم حتى يهلكوا من تخوفته إذا تنقصته . روي أن عمر رضي الله تعالى عنه قال على المنبر : ما تقولون فيها فسكتوا فقام شيخ من هذيل فقال: هذه لغتنا التخوف التنقص ، فقال هل تعرف العرب ذلك في أشعارها قال نعم ، قال شاعرنا أبو كبير يصف ناقته:
تخوف الرحل منها بامكاً قرداً كما تخوف عود النبعة السفن
فقال عمر عليكم بديوانكم لا تضلوا قالوا: وما ديواننا قال: شعر الجاهلية، فإن فيه تفسير كتابكم ومعاني كلامكم."فإن ربكم لرؤوف رحيم"حيث لا يعاجلكم بالعقوبة.
47. Or that He will not seize them with a gradual wasting? Lo! thy Lord is indeed Full of Pity, Merciful!
47 - Or that he may not call them to account by a process of slow wastage for thy Lord is indeed full of kindness and mercy.