[النحل : 31] جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَآؤُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللّهُ الْمُتَّقِينَ
31 - (جنات عدن) إقامة مبتدأ خبره (يدخلونها تجري من تحتها الأنهار لهم فيها ما يشاؤون كذلك) الجزاء (يجزي الله المتقين)
يعني تعالى ذكره بقوله : "جنات عدن" بساتين للمقام . وقد بينا اختلاف أهل التأويل في معنى عدن فيما مضى بما أغنى عن إعادته "يدخلونها" يقول :يدخلون جنات عدن . وفي رفع جنات أوجه ثلاثة : أحدها : أن يكون مرفوعاً على الابتداء ، والآخر بالعائد من الذكر في قوله "يدخلونها" . والثالث : على أن يكون خبر النعم ، فيكون المعنى : إذا جعلت خبر النعم ولنعم دار المتقين جنات عدن ، ويكون "يدخلونها" في موضع حال ، كما يقال : نعم الدار دار تسكنها أنت ، وقد يجوز أن يكون إذا كان الكلام بهذا التأويل : يدخلونها ، من صلة جنات عدن . وقوله "تجري من تحتها الأنهار" يقول : تجري من تحت أشجارها والأنهار "لهم فيها ما يشاؤون" يقول : للذين أحسنوا في هذه الدنيا في جنات عدن ما يشاؤون مما تشتهي انفسهم ، وتلذ أعينهم "كذلك يجزي الله المتقين" يقول : كما يجزي الله هؤلاء الذين أحسنوا في هذه الدنيا بما وصف لكم أيها الناس أنه جزاهم به في الدنيا والآخرة ، كذلك يجزي الذين اتقوه بأداء فرائضه واجتناب معاصيه .
" جنات عدن " بدلاً من الدار فلذلك ارتفع. وقيل: ارتفع على تقدير هي جنات، فهي مبينة لقوله: ( دار المتقين)، أو تكون مرفوعة بالابتداء، التقدير: جنات عدن نعم دار المتقين. " يدخلونها " في موضع الصفة، أي مدخولة. وقيل: ( جنات) رفع بالابتداء، وخبره ( يدخلونها) وعليه يخرج قول الحسن. والله أعلم. " تجري من تحتها الأنهار " تقدم معناه في البقرة. " لهم فيها ما يشاؤون " أي مما تمنوه وأرادوه. " كذلك يجزي الله المتقين " أي مثل هذا الجزاء يجزي الله المتقين.
هذا خبر عن السعداء بخلاف ما أخبر به عن الأشقياء, فإن أولئك قيل لهم: "ماذا أنزل ربكم" قالوا معرضين عن الجواب: لم ينزل شيئاً إنما هذا أساطير الأولين, وهؤلاء قالوا: خيراً, أي أنزل خيراً, أي رحمة وبركة لمن اتبعه وآمن به. ثم أخبر عما وعد الله عباده فيما أنزله على رسله فقال: "للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة" الاية, كقوله تعالى: "من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون" أي من أحسن عمله في الدنيا أحسن الله إليه عمله في الدنيا والاخرة, ثم أخبر بأن دار الاخرة خير أي من الحياة الدنيا, والجزاء فيها أتم من الجزاء في الدنيا, كقوله: "وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير" الاية. وقال تعالى: "وما عند الله خير للأبرار" وقال تعالى: " والآخرة خير وأبقى " وقال لرسوله صلى الله عليه وسلم " وللآخرة خير لك من الأولى " ثم وصف الدار الاخرة فقال: "ولنعم دار المتقين".
وقوله: "جنات عدن" بدل من دار المتقين أي لهم في الاخرة جنات عدن, أي مقام يدخلونها "تجري من تحتها الأنهار" أي بين أشجارها وقصورها " لهم فيها ما يشاؤون " كقوله تعالى: "وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وأنتم فيها خالدون". وفي الحديث "إن السحابة لتمر بالملأ من أهل الجنة وهم جلوس على شرابهم, فلا يشتهي أحد منهم شيئاً إلا أمطرته عليه حتى إن منهم لمن يقول أمطرينا كواعب أتراباً فيكون ذلك" "كذلك يجزي الله المتقين" أي كذلك يجزي الله كل من آمن به واتقاه وأحسن عمله, ثم أخبر تعالى عن حالهم عند الاحتضار أنهم طيبون أي مخلصون من الشرك والدنس وكل سوء, وأن الملائكة تسلم عليهم وتبشرهم بالجنة, كقوله تعالى: " إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة أن لا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون * نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون * نزلا من غفور رحيم " وقد قدمنا الأحاديث الواردة في قبض روح المؤمن وروح الكافر عند قوله تعالى: " يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء ".
وارتفاع 31- "جنات عدن" على أنها مبتدأ خبرها ما بعدها، أو خبر مبتدأ محذوف، وقيل يجوز أن تكون هي المخصوص بالمدح "يدخلونها" هو إما خبر المبتدأ، أو خبر بعد خبر، وعلى تقدير تنكير عدن تكون صفة لجنات وكذلك "تجري من تحتها الأنهار" وقيل يجوز أن تكون الجملتان في محل نصب على الحال على تقدير أن لفظ عدن علم، وقد تقدم معنى جري الأنهار من تحت الجنات " لهم فيها ما يشاؤون " أي لهم في الجنات ما تقع عليهم مشيئتهم صفواً عفواً يحصل لهم بمجرد ذلك "كذلك يجزي الله المتقين" أي مثل ذلك الجزاء يجزيهم، والمراد بالمتقين كل من يتقي الشرك وما يوجب النار من المعاصي.
31-ثم فسرها فقال: " جنات عدن يدخلونها تجري من تحتها الأنهار لهم فيها ما يشاؤون كذلك يجزي الله المتقين ".
31."جنات عدن"خبر مبتدأ محذوف ويجوز أن يكون المخصوص بالمدح. " يدخلونها تجري من تحتها الأنهار لهم فيها ما يشاؤون "من أنواع المشتهيات ، وفي تقديم الظرف تنبيه على أن الإنسان لا يجد جميع ما يريده إلا في الجنة ."كذلك يجزي الله المتقين "مثل هذا الجزاء يجزيهم وهو يؤيد الوجه الأول .
31. Gardens of Eden which they enter, underneath which rivers flow, wherein they have what they will. Thus Allah repayeth those who ward off (evil).
31 - Gardens of eternity which they will enter: beneath them flow (pleasant) rivers: they will have therein all that they wish: thus doth God reward the righteous,