[النحل : 113] وَلَقَدْ جَاءهُمْ رَسُولٌ مِّنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ
113 - (ولقد جاءهم رسول منهم) محمد صلى الله عليه وسلم (فكذبوه فأخذهم العذاب) الجوع والخوف (وهم ظالمون)
يقول تعالى ذكره : ولقد جاء أهل هذه القرية التي وصف الله صفتها في هذه الآية التي قبل هذه الاية "رسول منهم" يقول :رسول الله صلى الله عليه وسلم منه . يقول : من أنفسهم يعرفونه ، ويعرفون نسبه وصدق لهجته ، يدعوهم إلى الحق ، وإلى طريق مستقيم "فكذبوه" ولم يقبلوا منه ما جاءهم به من عند الله "فأخذهم العذاب" وذلك لباس الجوع والخوف مكان الأمن والطمأنينة والرزق الواسع الذي كان قبل ذلك يرزقونه ، وقتل بالسيف "وهم ظالمون" يقول : وهم مشركون ، وذلك أنه قتل عظماؤهم يوم بدر بالسيف على الشرك .
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عنقتادة :"ولقد جاءهم رسول منهم" إي والله ، يعرفون نسبه وأمره ، "فكذبوه فأخذهم العذاب وهم ظالمون" ، فأخذهم الله بالجوع والخوف والقتل .
قوله تعالى "ولقد جاءهم رسول منهم فكذبوه " هذا يدل على أنها مكة وهو قول ابن عباس ومجاهد وقتادة "فأخذهم العذاب" وهو الجوع الذي وقع بمكة . وقيل الشدائد والجوع منها .
هذا مثل أريد به أهل مكة, فإنها كانت آمنة مطمئنة مستقرة يتخطف الناس من حولها, ومن دخلها كان آمنا لا يخاف, كما قال تعالى: " وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا أولم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقا من لدنا ", وهكذا قال ههنا: "يأتيها رزقها رغداً" أي هنيئاً سهلاً "من كل مكان فكفرت بأنعم الله" أي جحدت آلاء الله عليها وأعظمها بعثة محمد صلى الله عليه وسلم إليهم, كما قال تعالى: " ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار * جهنم يصلونها وبئس القرار " ولهذا بدلهم الله بحاليهم الأولين خلافهما, فقال: "فأذاقها الله لباس الجوع والخوف" أي ألبسها وأذاقها الجوع بعد أن كان يجبى إليهم ثمرات كل شيء, ويأيتها رزقها رغداً من كل مكان, وذلك لما استعصوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبوا إلا خلافه فدعا عليهم بسبع كسبع يوسف, فأصابتهم سنة أذهبت كل شيء لهم, فأكلوا العلهز وهو وبر البعير يخلط بدمه إذا نحروه.
وقوله: "والخوف" وذلك أنهم بدلوا بأمنهم خوفاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حين هاجروا إلى المدينة من سطوته وسراياه وجيوشه, وجعل كل ما لهم في دمار وسفال حتى فتحها الله على رسوله صلى الله عليه وسلم وذلك بسبب صنيعهم وبغيهم وتكذيبهم الرسول صلى الله عليه وسلم الذي بعثه الله فيهم منهم, وامتن به عليهم في قوله: "لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم" الاية. وقوله تعالى: " فاتقوا الله يا أولي الألباب الذين آمنوا قد أنزل الله إليكم ذكرا * رسولا " الاية, وقوله: " كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون * فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون " وكما أنه انعكس على الكافرين حالهم فخافوا بعد الأمن, وجاعوا بعد الرغد, فبدل الله المؤمنين من بعد خوفهم أمناً, ورزقهم بعد العيلة, وجعلهم أمراء الناس وحكامهم وسادتهم وقادتهم وأئمتهم, وهذا الذي قلناه من أن هذا المثل ضرب لأهل مكة قاله العوفي عن ابن عباس, وإليه ذهب مجاهد وقتادة وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم, وحكاه مالك عن الزهري رحمهم الله.
وقال ابن جرير: حدثني ابن عبد الرحيم البرقي, حدثنا ابن أبي مريم, حدثنا نافع بن يزيد, حدثنا عبد الرحمن بن شريح أن عبد الكريم بن الحارث الحضرمي حدثه أنه سمع مشرح بن هاعان يقول: سمعت سليم بن عتر يقول: صدرنا من الحج مع حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وعثمان رضي الله عنه محصور بالمدينة, فكانت تسأل عنه ما فعل ؟ حتى رأت راكبين فأرسلت إليهما تسألهما فقالا: قتل, فقالت حفصة: والذي نفسي بيده إنها القرية ـ تعني المدينة ـ التي قال الله تعالى: "وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله" قال ابن شريح: وأخبرني عبيد الله بن المغيرة عمن حدثه أنه كان يقول إنها المدينة.
113- "ولقد جاءهم" يعني أهل مكة "رسول منهم" من جنسهم يعرفونه ويعرفون نسبه، فأمرهم بما فيه نفعهم ونهاهم عما فيه ضرهم "فكذبوه" فيما جاء به "فأخذهم العذاب" النازل بهم من الله سبحانه، والحال أنهم في حال أخذ العذاب لهم "ظالمون" لأنفسهم بإيقاعها في العذاب الأبدي ولغيرهم بالإضرار بهم وصدهم عن سبيل الله، وهذا الكلام من تمام المثل المضروب. وقيل إن المراد بالعذاب هنا هو الجوع الذي أصابهم، وقيل القتل يوم بدر.
113 - " ولقد جاءهم رسول منهم " ، محمد صلى الله عليه وسلم ، " فكذبوه ،فأخذهم العذاب وهم ظالمون " .
113."ولقد جاءهم رسول منهم"يعني محمداً صلى الله عليه وسلم ،والضمير لأهل مكة عاد إلى ذكرهم بعد ما ذكر مثلهم."فكذبوه فأخذهم العذاب وهم ظالمون"أي حال التباسهم بالظلم والعذاب ما أصابهم من الجدب الشديد،أو وقعة بدر.
113. And verily there had come unto them a messenger from among them, but they had denied him, and So the torment seized them while they were wrong-doers.
113 - And there came to them an Apostle from among themselves, but they falsely rejected him; so the wrath seized them even in the midst of their iniquities.