[الحجر : 96] الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللّهِ إِلـهًا آخَرَ فَسَوْفَ يَعْمَلُونَ
96 - (الذين يجعلون مع الله إلها آخر) صفة وقيل مبتدأ ولتضمنه معنى الشرط دخلت الفاء في خبره وهو (فسوف يعلمون) عاقبة أمرهم
يقول تعالى ذكره محمد صلى الله عليه وسلم : إنا كفيناك المستهزئين يا محمد ، الذين يستهزئون بك ، ويسخرون منك ، فاصدع بأمر الله ، ولا تخف شيئاً سوى الله ، فإن الله كافيك من ناصيك وآذاك ، كما كفاك المستهزئين ، وكان رؤساء المستهزئين قوماً من قريش معروفين .
ذكر أسمائهم :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، قال : حدثني محمد ، قال : كان عظماء المستهزئين كما حدثني يزيد بن رومان ، عن عروة بن الزبير خمسة نفر من قومه ، وكانوا ذوي أسنان وشرف في قومهم من بني أسد بن عبد العزى بن قصي : الأسود بن المطلب أبو زمعة ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني قد دعا عليه لما كان يبلغه من أذاه واسنهزائه ، فقال : اللهم أعم بصره ، وأثكله ولده . ومن بني زهرة الأسود بن عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زهرة ، ومن بني مخزوم : الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن مخزوم ، ومن بني سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي : العاص بن وائل بن هشام بن سعيد بن سعد بن سهم ، ومن خزاعة : الحارث بن الطلاطلة بن عمرو بن الحارث بن عمرو بن ملكان . فلما تمادوا في الشر وأكثروا برسول الله صلى الله عليه وسلم الاستهزاء ، أنزل الله تعالى ذكره "فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين * إنا كفيناك المستهزئين" ... إلى قوله "فسوف يعلمون" قال محمد بن إسحاق ، فحدثني يزيد بن رومان ، عن عروة بن الزبير أو غيره من العلماء ، أن جبرئيل أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يطوفون بالبيت فقام ، وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنبه ، فمر به الأسود بن المطلب ، فرمى في وجهه بورقة خضراء ، فعمي ، ومر به الأسود بن عبد يغوث ، فأشار إلى بطنه فاستسقى بطنه ، فمات منه حبناً ، ومر به الوليد بن المغيرة ، فأشار إلى أثر جرح بأسفل كعب رجله كان اصابه قبل ذلك بسنتين ، وهو يجر سبله ، يعني إزاره ، وذلك أنه مر برجل من خزاعة يريش نبلاً له ، فتعلق سهم من نبله بإزاره ، فخدش رجله ذلك الخدش وليس بشيء ، فانتقض به فقتله ، ومر به العاص بن وائل السهمي ، فأشار إلى أخمص رجله ، فخرج على حمار له يريد الطائف ، فوقص على شبرقة ، فدخل في أخمص رجله منها شوكة ، فقتلته .
قال أبو جعفر : الشبرقة : المعروف بالحسك ، منه حبناً، والحبن : الماء الأصفر ، ومر به الحارث ابن الطلاطلة ، فأشار إلى رأسه ، فامتخط قيحاً ، فقتله .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد القرشي ، عن رجل ، عن ابن عباس ، قال : كان رأسهم الوليد بن المغيرة ، وهو الذي جمعهم .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن زياد ، عن سعيد بن جبير ، في قوله "إنا كفيناك المستهزئين" قال : كان المستهزئون : الوليد بن المغيرة ، والعاص بن وائل ، وأبو زمعة والأسود بن عبد يغوث ، والحارث بن عيطلة ، فاتاه جبرئيل ، فأومأ بإصبعه إلى رأس الوليد ، فقال : ما صنعت شيئاً ، قال : كفيت ، وأومأ إلى أخمص العاص ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ما صنعت شيئاً ، فقال : كفيت ، وأومأ بيده إلى عين أبي زمعة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ما صنعت شيئاً ، قال : كفيت ، وأومأ بإصبعه إلى رأس الأسود فقال النبي صلى الله عليه وسلم : دع لي خالي ، فقال : كفيت ، وأومأ بإصبعه إلى بطن الحارث ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ما صنعت شيئاً ، قال كفيت . قال : فمر الوليد على قين لخزاعة وهو يجر ثيابه ، فتعلقت بثوبه بروة أو شررة ، وبين يديه نساء ، فجعل يستحيي أن يطأ من ينتزعها ، وجعلت تضرب ساقه فخدشته ، فلم يزل مريضاً حتى مات ، وركب العاص بن وائل بغلة له بيضاء إلى حاجة له بأسفل مكة ، فذهب ينزل ، فوضع أخمص قدمه على شبرقة ، فحكت رجله ، فلم يزل يحكها حتى مات ، وعمي أبو زمعة ، وأخذت الأكلة في رأس الأسود ، وأخذ الحارث الماء في بطنه .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا هشيم ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير ، في قوله "إنا كفيناك المستهزئين" قال : هم خمسة رهط من قريش : الوليد بن المغيرة ، والعاص بن وائل ، وأبو زمعة ، والحارث بن عيطلة ، والأسود بن قيس .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا هشيم ، عن أبي بشير ، عن سعيد بن جبير ، في قوله "إنا كفيناك المستهزئين" قال : الوليد بن المغيرة ، والعاص بن زائل السهمي ، والأسود بن عبد يغوث ، والأسود بن المطلب ، والحارث بن عيطلة .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا ابن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن عن عكرمة في قوله "إنا كفيناك المستهزئين" قال : هم خمسة كلهم هلك قبل بدر : العاص بن وائل ، والوليد بن المغيرة ، وأبو زمعة بن عبد الأسود ، والحارث بن قيس ، والأسود بن عبد يغوث .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن عيينة ، عن عمرو ، عن عكرمة "إنا كفيناك المستهزئين" قال : الوليد بن المغيرة ، والعاص بن وائل ، والأسود ، والحارث بن عيطلة .
حدثنا المثنى ، قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا هشيم ، عن أبي بكر الهذلي ، قال : قلت لـ لزهري : إن سعيد بن جبير و عكرمة اختلفا في رجل من المستهزئين ، فقال سعيد : هو الحارث بن عيطلة ،وقال عكرمة : هو الحارث بن قيس ، فقال : صدقا كانت أمة تسمى عيطلة وأبوه قيس .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا هشيم ، عن حصين ، عن الشعبي ، قال : المستهزئين سبعة ، وسمى منهم أربعة .
حدثنا ابن وكيع ، حدثنا أبي ، عن إسرائيل ، عن جابر ، عن عامر : "إنا كفيناك المستهزئين" قال : كانوا من قريش خمسة نفر : العاص بن وائل السهمي ، كفي بصداع أخذه في رأسه ، فسال دماغه حتى كان يتكلم من أنفه ، والوليد بن المغيرة المخزومي ، كفي برجل من خزاعة أصلح سهماً له ، فندرت منه شظية ، فوطىء عليها فمات ، وهبار بن الأسود ، وعبد يغوث بن وهب ،والحارث بن عيطلة .
حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن جابر ، عن عامر "إنا كفيناك المستهزئين" قال : كلهم من قريش : العاص بن وائل ، فكفي بأنه أصابه صداع في رأسه ، فسال دماغه حتى لا يتكلم إلا من تحت أنفه ، والحارث بن عيطلة بصفر في بطنه ، وابن الأسود فكفي بالجدري ، والوليد بأن رجلاً ذهب ليصلح سهماً له ، فوقعت شظية ، فوطىء عليها ، وعبد يغوث فكفي بالعمى ، ذهب بصره .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، وعن مقسم "إنا كفيناك المستهزئين" قال : هم الوليد بن المغيرة ، والعاص بن وائل ، وعدي بن قيس ، والأسود بن عبد يغوث ، والأسود بن المطلب ، مروا رجلاً رجلاً على النبي صلى الله عليه وسلم ومعه جبرئيل ، فإذا مر به رجل منهم قال جبرئيل : كيف تجد هذا ؟ فيقول : بئس عدو الله ، فيقول جبرئيل : كفاكه ، فأما الوليد بن المغيرة ، فتردى ، فتعلق سهم بردائه ، فذهب يجلس ، فقطع أكحله ، فنزف فمات ، وأما الأسود بن عبد يغوث ، فأتي بغصن فيه شوك ، فضرب به وجهه ، فسالت حدقتاه على وجهه ، فكان يقول : دعوت على محمد دعوة ، ودعا علي دعوة ، فاستجيب لي ، واستجيب له ، دعا علي أن أعمى فعميت ، ودعوت عليه أن يكون وحيداً فريداً في أهل يثرب فكان كذلك . وأما العاص بن وائل ، فوطىء على شوكة فتساقط لحمه عن عظامه حتى هلك . وأما الأسود بن المطلب ، وعدي بن قيس ، فإن أحدهما قام من الليل وهو ظمآن ، فشرب ماء من جرة ، فلم يزل يشرب حتى انفتق بظنه فمات ، وأما الآخر فلدغته حية فمات .
حثدنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة وعثمان ،عن مقسم مولى ابن عباس ، في قوله "إنا كفيناك المستهزئين" ثم ذكر نحو يحدث ابن عبد الأعلى ، عن ابن ثور .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : "كما أنزلنا على المقتسمين * الذين جعلوا القرآن عضين" هم رهط خمسة من قريش ، عضهوا القرآن ، زعم بعضهم أنه سحر ، وزعم بعضهم أنه شعر ، وزعم بعضهم أنا أساطير الأولين . أما أحدهم : فالأسود بن عبد يغوث ، أتى على نبي الله صلى الله عليه وسلم وهو عند البيت ، فقال له : كيف تجد هذا ؟ قال : بئس عبد الله على أنه خالي ،قال : كفيناك ، ثم أتى عليه عدي بن قيس أخو بني سهم ، فقال الملك : كيف تجد هذا . قال : بئس عبد الله ، قال : كفيناك ‍‍، ثم أتى عليه الأسود عبد المطلب ، فقال له الملك : كيف تجد هذا ؟ قال : بئس عبد الله ، قال : كفيناك ، ثم أتى عليه العاص بن وائل ، فقال له الملك : كيف تجد هذا ؟ قال : بئس عبد الله ، قال : كفيناك . فأما الأسود بن يغوث ، فأتي بغصن من شوك فضرب به وجهه حتى سالت حدقتاه على وجهه ، فكان بعد ذلك يقول : دعا علي محمد بدعوة ، ودعوت عليه بأخرى ، فاستجاب الله له في ، واستجاب الله لي فيه ، دعا علي أن أثكل وأن أعمى ، فكان كذلك ، ودعوت عليه أن يصير شريداً طريداً ، فطردناه مع يهود يثرب وسراق الحجيج ، وكان كذلك . وأما الوليد بن المغيرة ، فذهب يرتدي ، فتعلق بردائه سهم غرب ،فأصاب أكحلة أو أبجله ، فأتي في كل ذلك ، فمات . وأما العاص بن وائل ، فوطىء على شوكة ، فأتي في ذلك جعل يتساقط لحمه عضواً عضواً فمات وهو كذلك . وأما الأسود بن المطلب ، وعدي بن قيس ، فلا أدري ما أصابهما .
"ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر ، نهى أصحابه عن قتل أبي البختري ، وقال : خذوه أخذاً ، فإنه قد كان له بلاء ، فقال له أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : يا أبا البختري إنا قد نهينا عن قتلك فهلم إلى الأمنة والأمان ، فقال أبو البختري : وابن أخي معي ، فقالوا : لم نؤمر إلا بك ، فراودوه ثلاث مرات ، فابى إلا وابن أخيه معه ، قال : فأغلظ للنبي صلى الله عليه وسلم الكلام ، فحمل عليه رجل من القوم فطعنه فقتله ، فجاء قاتله وكأنما على ظهره جبل أوثقه ، مخافة أن يلومه النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما أخبر بقوله ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : أبعده الله وأسحقه" ، وهم المستهزئون الذين قال الله "إنا كفيناك المستهزئين" وهم الخمسة الذين قيل لهم : "إنا كفيناك المستهزئين" : استهزؤوا بكتاب الله ، ونبيه صلى الله عليه وسلم .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "إنا كفيناك المستهزئين" هم من قريش .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، وزعم ابن أبي بزة : أنهم العاص بن وائل السهمي ، والوليد بن المغيرة الوحيد ، والحارث بن عدي بن سهم بن العيطلة ، والأسود بن المطلب ابن أسد بن عبد العزى بن قصي ، وهو أبو زمعة ،والأسود بن عبد يغوث ، وهو ابن خال رسول الله صلى الله عليه وسلم .
حدثني القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : أخبرني عمرو بن دينار ، عن ابن عباس ، نحو حديث محمد بن عبد الأعلى ، عن محمد بن ثور ، غير أنه قال : كانوا ثمانية ، ثم عددهم وقال : كلهم مات قبل بدر .
وقوله "الذين يجعلون مع الله إلها آخر فسوف يعلمون" وعيد من الله تعالى ذكره ، وتهديد للمستهزئين الذين أخبر نبيه صلى الله عليه وسلم أنه قد كفاه أمرهم بقوله تعالى ذكره : إنا كفيناك يا محمد الساخرين منك ، الجاعلين مع الله شريكاً في عبادته ، فسوف يعلمون ما يلقون من عذاب الله عند مصيرهم إليه في القيامة ، وما يحل بهم من البلاء .
هذه صفة المستهزئين. وقيل: هو ابتداء وخبره ( فسوف يعلمون).
يقول تعالى آمراً رسوله صلى الله عليه وسلم بإبلاغ ما بعثه به وبإنفاذه والصدع به, وهو مواجهة المشركين به, كما قال ابن عباس في قوله: "فاصدع بما تؤمر" أي أمضه, وفي رواية "افعل ما تؤمر" وقال مجاهد: هو الجهر بالقرآن في الصلاة. وقال أبو عبيدة عن عبد الله بن مسعود: ما زال النبي صلى الله عليه وسلم مستخفياً حتى نزلت "فاصدع بما تؤمر", فخرج هو وأصحابه. وقوله: "وأعرض عن المشركين * إنا كفيناك المستهزئين" أي بلغ ما أنزل إليك من ربك, ولا تلتفت إلى المشركين الذين يريدون أن يصدوك عن آيات الله " ودوا لو تدهن فيدهنون " ولا تخفهم فإن لله كافيك إياهم وحافظك منهم, كقوله تعالى: "يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس".
وقال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا يحيى بن محمد بن السكن, حدثنا إسحاق بن إدريس, حدثنا عون بن كهمس عن يزيد بن درهم, عن أنس قال: سمعت أنساً يقول في هذه الاية, " إنا كفيناك المستهزئين * الذين يجعلون مع الله إلها آخر " قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم فغمزه بعضهم فجاء جبريل, أحسبه قال: فغمزهم, فوقع في أجسادهم كهيئة الطعنة فماتوا. قال محمد بن إسحاق: كان عظماء المستهزئين كما حدثني يزيد بن رومان عن عروة بن الزبير خمسة نفر, وكانوا ذوي أسنان وشرف في قومهم من بني أسد بن عبد العزى بن قصي الأسود بن المطلب أبي زمعة , كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني قد دعا عليه لما كان يبلغه من أذاه واستهزائه, فقال: "اللهم أعم بصره, وأثكله ولده" ومن بني زهرة الأسود بن عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زهرة, ومن بني مخزوم الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم, ومن بني سهم ابن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي العاص بن وائل بن هشام بن سعيد بن سعد, ومن خزاعة الحارث بن الطلاطلة بن عمرو بن الحارث بن عبد بن ـ عمرو بن ملكان ـ. فلما تمادوا في الشر وأكثروا برسول الله صلى الله عليه وسلم الاستهزاء أنزل الله تعالى: " فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين * إنا كفيناك المستهزئين * الذين يجعلون مع الله إلها آخر فسوف يعلمون ".
وقال ابن إسحاق: فحدثني يزيد بن رومان عن عروة بن الزبير أو غيره من العلماء,أن جبريل أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يطوف بالبيت , فقام وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنبه, فمر به الأسود بن عبد يغوث فأشار إلى بطنه, فاستسقى بطنه, ومر به الوليد بن المغيرة, فأشار إلى أثر جرح بأسفل كعب رجله, وكان أصابه قبل ذلك بسنتين, وهو يجز إزاره, وذلك أنه مر برجل من خزاعة يريش نبلاً له, فتعلق سهم من نبله بإزاره فخدش رجله ذلك الخدش, وليس بشيء, فانتفض به فقتله, ومر به العاص بن وائل, فأشار إلى أخمص قدمه فخرج على حمار له يريد الطائف, فربض على شبرقة فدخلت في أخمص قدمه فقتلته, ومر به الحارث بن الطلاطلة فأشار إلى رأسه فامتخط قيحاً فقتله.
قال محمد بن إسحاق: حدثني محمد بن أبي محمد عن رجل, عن ابن عباس قال: كان رأسهم الوليد بن المغيرة وهو الذي جمعهم, وهكذا روي عن سعيد بن جبير وعكرمة نحو سياق محمد بن إسحاق به, عن يزيد عن عروة بطوله, إلا أن سعيداً يقول: الحارث بن غيطلة, وعكرمة يقول الحارث بن قيس. قال الزهري: وصدقا هو الحارث بن قيس, وأمه غيطلة, وكذا روي عن مجاهد ومقسم وقتادة وغير واحد أنهم كانوا خمسة. وقال الشعبي: كانوا سبعة, والمشهور الأول: وقوله: "الذين يجعلون مع الله إلهاً آخر فسوف يعلمون" تهديد شديد ووعيد أكيد لمن جعل مع لله معبوداً آخر.
وقوله: " ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون * فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين " أي وإنا لنعلم يا محمد أنك يحصل لك من أذاهم لك ضيق صدر وانقباض فلا يهيدنك ذلك ولا يثنينك عن إبلاغك رسالة الله, وتوكل عليه فإنه كافيك وناصرك عليهم, فاشتغل بذكر الله وتحميده وتسبيحه وعبادته التي هي الصلاة, ولهذا قال: "فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين". كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي, حدثنا معاوية بن صالح عن أبي الزاهرية عن كثير بن مرة عن نعيم بن همار أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "قال الله تعالى يا ابن آدم لا تعجز عن أربع ركعات من أول النهار أكفك آخره" ورواه أبو داود والنسائي من حديث مكحول عن كثير بن مرة بنحوه, ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلى.
وقوله: "واعبد ربك حتى يأتيك اليقين" قال البخاري: قال سالم: الموت, وسالم هذا هو سالم بن عبد الله بن عمر, كما قال ابن جرير: حدثنا محمد بن بشار, حدثنا يحيى بن سعيد عن سفيان, حدثني طارق بن عبد الرحمن عن سالم بن عبد الله "واعبد ربك حتى يأتيك اليقين" قال: الموت, وهكذا قال مجاهد والحسن وقتادة وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وغيره, والدليل على ذلك قوله تعالى إخباراً عن أهل النار أنهم قالوا "لم نك من المصلين * ولم نك نطعم المسكين * وكنا نخوض مع الخائضين * وكنا نكذب بيوم الدين * حتى أتانا اليقين" وفي الصحيح من حديث الزهري عن خارجة بن زيد بن ثابت, عن أم العلاء امرأة من الأنصار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دخل على عثمان بن مظعون وقد مات, قالت أم العلاء: رحمة الله عليك أبا السائب, فشهادتي عليك لقد أكرمك الله, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وما يدريك أن الله أكرمه ؟" فقلت: بأبي وأمي يا رسول الله, فمن ؟ فقال: "أما هو فقد جاءه اليقين, وإني لأرجو له الخير" ويستدل بهذه الاية الكريمة وهي قوله: "واعبد ربك حتى يأتيك اليقين" على أن العبادة كالصلاة ونحوها واجبة على الإنسان ما دام عقله ثابتاً, فيصلي بحسب حاله.
كما ثبت في صحيح البخاري عن عمران بن حصين رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "صل قائماً, فإن لم تستطع فقاعداً, فإن لم تستطع فعلى جنب" ويستدل بها على تخطئة من ذهب من الملاحدة إلى أن المراد باليقين المعرفة, فمتى وصل أحدهم إلى المعرفة سقط عنه التكليف عندهم, وهذا كفر وضلال وجهل, فإن الأنبياء عليهم السلام كانوا هم وأصحابهم أعلم الناس بالله وأعرفهم بحقوقه وصفاته, وما يستحق من التعظيم, وكانوا مع هذا أعبد وأكثر الناس عبادة ومواظبة على فعل الخيرات إلى حين الوفاة, وإنما المراد باليقين ههنا الموت, كما قدمناه, ولله الحمد والمنة, والحمد لله على الهداية وعليه الاستعانة والتوكل, وهو المسؤول أن يتوفانا على أكمل الأحوال وأحسنها, فإنه جواد كريم.
آخر تفسير سورة الحجر, والحمد لله رب العالمين.
ثم وصف هؤلاء المستهزئين بالشرك فقال: 96- "الذين يجعلون مع الله إلهاً آخر" فلم يكن ذنبهم مجرد الاستهزاء، بل لهم ذنب آخر وهو الشرك بالله سبحانه، ثم توعدهم فقال: "فسوف يعلمون" كيف عاقبتهم في الآخرة وما يصيبهم من عقوبة الله سبحانه.
96-وقال ابن عباس: أنه أكل حوتا مالحا فأصابه العطش فلم يزل يشرب عليه من الماء حتى أنقد بطنه فمات، فذلك قوله تعالى: "إنا كفيناك المستهزئين"، بك وبالقرآن "الذين يجعلون مع الله إلها آخر فسوف يعلمون"
96."الذين يجعلون مع الله إلهاً آخر فسوف يعلمون"عاقبة أمرهم في الدارين .
96. Who set some other god along with Allah. But they will come to know.
96 - Those who adopt, with God, another god: but soon will they come to know.