[إبراهيم : 43] مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء
43 - (مهطعين) مسرعين حال (مقنعي) رافعي (رؤوسهم) إلى السماء (لا يرتد إليهم طرفهم) بصرهم (وأفئدتهم) قلوبهم (هواء) خالية من العقل لفزعهم
يقول تعالى ذكره : إنما يؤخر ربك يا محمد هؤلاء الظالمين الذين يكذبونك ، ويجحدون نبوتك ، ليوم تشخص فيه الأبصار . يقول : إنما يؤخر عقابهم ، وإنزال العذاب بهم ، إلى يوم تشخص فيه أبصار الخلق ، وذلك يوم القيامة .
كما حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : "ليوم تشخص فيه الأبصار" ، شخصت فيه والله ابصارهم ، فلا ترتد إليهم .
وأما قوله : "مهطعين" فإن أهل التأويل اختلفوا في معناه ، فقال بعضهم : معناه : مسرعين .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا هاشم بن القاسم ، عن أبي سعيد المؤدب ، عن سالم ، عن سعيد بن جبير : "مهطعين" ، قال : النسلان ، وهو الخبب ، أو ما دون الخبب ،شك أو سعيد ، يخبون وهم ينظرون .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال :حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة "مهطعين" ، قال : مسرعين .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : "مهطعين" ، يقول: منطلقين عامدين إلى الداعي .
وقال آخرون : معنى ذلك : مديمي النظر .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن سعد ، قال : حدثني ابي ، قال : حدثني عمي ، قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : "مهطعين" ، يعني بالإهطاع : النظر من غير أن يطرف .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثني أبي ، عن سعيد بن مسروق ، عن أبي الضحى "مهطعين" ، قال : الإهطاع : التحميج الدائم الذي لا يطرف .
حدثني المثنى قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا هشيم ، عن مغيرة ، عن أبي الخير بن تميم بن حذلم ، عن أبيه ، في قوله : "مهطعين" ، قال : الإهطاع : التحميج .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا المحاربي ، عن جويبر ، عن الضحاك "مهطعين" قال : شدة النظر الذي لا يطرف .
حدثني المثنى قال : أخبرنا عمرو ، قال : أخبرنا هشيم ، عن جويبر ، عن الضحاك ، في قوله : "مهطعين" ، قال: شدة النظر في غير طرف .
حدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : "مهطعين" ، الإهطاع : شدة النظر في غير طرف .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، وحدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا شبابة ، قال : حدثنا ورقاء ، وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، وحدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد "مهطعين" قال : مديمي النظر .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .
وقال آخرون : معنى ذلك : لا يرفع رأسه .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : "مهطعين" ، قال : المهطع الذي لا يرفع رأسه . والإهطاع في كلام العرب بمعنى الإسراع أشهر منه بمعنى إدامة النظر ، ومن الإهطاع بمعنى الإسراع ، قول الشاعر :
‌وبمهطع سرح كأن زمامه في رأس جذع من أوال مشذب
وقول الآخر :
بمستهطع رسل كأن جديله بقيدوم رعن من صوام ممنع
وقوله : "مقنعي رؤوسهم" ، يعني رافعي رؤوسهم وإقناع الرأس : رفعه ، ومنه قول الشماخ :
يباكرن العضاه بمقنعات نواجذهن كالحدإ الوقيع
يعني : أنهن يباكرن العضاه برؤوسهن مرفوعات إليها لتتناول منها ، ومنه أيضاً قول الراجز :
أنغض نحوي رأسه وأقنعا كأنما أبصر شيئا أطمعا
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني عمي ، قال : حدثني ابي ، عن ابيه ، عن ابن عباس ، قوله : "مقنعي رؤوسهم" ، قال : الإقناع : رفع رؤوسهم .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، وحدثني الحسن بن محمد ، قال : حدثنا شبابة ، قال : حدثنا ورقاء ، وقال الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، وحدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : "مقنعي رؤوسهم" ، قال : رافعيها .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا أبو بكر ، عن ابي سعد ، قال : قال الحسن : وجوه الناس يوم القيامة إلى السماء لا ينظر أحد إلى أحد .
حدثني المثنى قال : حدثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن عثمان بن الأسود ، أنه سمع مجاهداً يقول في قوله : "مهطعين مقنعي رؤوسهم" ، قال: رافع رأسه هكذا ، "لا يرتد إليهم طرفهم" .
حدثني المثى قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا هشيم ، عن جويبر ، عن الضحاك ، في قوله : "مقنعي رؤوسهم" ، قال : رافعي رؤوسهم .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : "مقنعي رؤوسهم" ، قال : الإقناع : رفع رؤوسهم .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ،عن قتادة : "مقنعي رؤوسهم" ، قال : المقنع الذي يرفع رأسه شاخصاً بصره لا يطرف .
حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول ، في قوله : "مقنعي رؤوسهم" ، قال: رافعيها .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال: قال ابن زيد ، في قوله : "مقنعي رؤوسهم" ، قال : المقنع الذي يرفع رأسه .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا المحاربي ، عن جويبر ، عن الضحاك "مقنعي رؤوسهم" ، قال: رافعي رؤوسهم .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثتا هاشم بن القاسم ، عن أبي سعيد ، عن سالم ، عن سعيد : "مقنعي رؤوسهم" ، قال :رافعي رؤوسهم .
وقوله : "لا يرتد إليهم طرفهم" ، يقول : لا ترجع إليهم لشدة النظر أبصارهم .
كما حدثني محمد بن سعد ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني عمي ، قال : حدثني أبي ،عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : "لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء" ، قال : شاخصة أبصارهم .
وقوله : "وأفئدتهم هواء" ، اختلف أهل التأويل في تأويله ، فال بعضهم : معناه : متخرقة لا تعي من الخير شيئاً .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن مرة ، في قوله : "وأفئدتهم هواء" ، قال : متخرقة لا تعي شيئاً .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا مالك بن مغول ، عن أبي إسحاق ، عن مرة ، بمثل ذلك .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن مرة ، مثله .
حدثنا محمد بن عمارة ، قال : حدثنا سهل بن عامر ، قال : حدثنا مالك و إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن مرة ، مثله .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن مرة : "وأفئدتهم هواء" ، قال : متخرقة لا تعي شيئاً من الخير .
حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا يحيى بن عباد ، قال : حدثنا مالك ، يعني ابن مغول ، قال : سمعت أبا إسحاق ، عن مرة إلا أنه قال : لا تعي شيئاً ، ولم يقل من الخير .
حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا شبابة ، قال : أخبرنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن مرة ، مثله .
حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا مالك بن مغول ، وإسرائيل عن أبي إسحاق ، عن مرة ، "وأفئدتهم هواء" ، قال أحدهما : خربة ، وقال الآخر : متخرقة لا تعي شيئاً .
حدثني محمد بن سعد ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني عمي ، قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، "وأفئدتهم هواء" ، قال: ليس فيها شيء من الخير فهي كالخربة .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال :حدثي حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، قال : ليس من الخير شيء في أفئدتهم ، كقولك للبيت الذي ليس فيه شيء إنما هو هواء .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال ابن زيد في قوله : "وأفئدتهم هواء" ، قال : الأفئدة : القلوب هواء كما قال الله ، ليس فيها عقل ولا منفعة .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن أبي بكرة ، عن أبي صالح "وأفئدتهم هواء" ، قال: ليس فيها شيء من الخير .
وقال آخرون : إنها لا تستقر في مكان تردد في أجوافهم .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن وكيع و أحمد بن إسحاق ، قالا : حدثنا أبو احمد ، قال : حدثنا شريك ، عن سالم ، عن سعيد : "وأفئدتهم هواء" ، قال : تمور في أجوافهم ، ليس لها مكان تستقر فيه .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا هاشم بن القاسم ، عن أبي سعيد ، عن سالم ، عن سعيد ، بنحوه .
وقال آخرون : معنى ذلك : أنها خرجت من أماكنها فنشبت بالحلوق .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن وكيع و أحمد بن إسحاق ، قالا : حدثنا أبو أحمد الزبيري ، عن إسرائيل ، عن سعيد ، عن مسروق ، عن أبي الضحى : "وأفئدتهم هواء" ، قال : قد بلغت حناجرهم .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة في قوله : "وأفئدتهم هواء" ، قال : هواء ليس فيها شيء ، خرجت من صدورهم ، فنشبت في حلوقهم .
حدثنا بشر، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : "وأفئدتهم هواء" ، انتزعت حتى صارت في حناجرهم لا تخرج من أفواههم ، ولا تعود إلى أمكنتها .
وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب في تأويل ذلك قول من قال : معناه : أنها خالية ليس فيها شيء من الخير ، ولا تعقل شيئاً ، وذلك أن العرب تسمي كل أجوف خاو : هواء ، ومنه قول حسان بن ثابت :
ألا ابلغ أبا سفيان عني فأنت مجوف نخب هواء
ومنه قول الآخر :
ولا تك من أخدان كل يراعة هواء كسقب البان جوف مكاسره
" مهطعين " أي مسرعين، قاله الحسن وقتادة وسعيد بن جبير، مأخوذ من أهطع يهطع إهطاعاً إذا أسرع. ومنه قوله تعالى: " مهطعين إلى الداع " ( القمر: 8) أي مسرعين. قال الشاعر:
بدجلة دارهم ولقد أراهم بدجلة مهطعين إلى السماع
وقيل: المهطع الذين ينظر في ذلك وخشوع، أي ناظرين من غير أن يطرفوا، قاله ابن عباس، وقال مجاهد و الضحاك : ( مهطعين) أي مديمي النظر. وقال النحاس : والمعروف في اللغة أن يقال: أهطع إذا أسرع، قال أبو عبيد: وقد يكون الوجهان جميعاً يعني الإسراع مع إدامة النظر. وقال ابن زيد: المهطع الذي لا يرفع رأسه. " مقنعي رؤوسهم " أي رافعي رؤوسهم ينظرون في ذلك. وإقناع الرأس رفعه، قاله ابن عباس ومجاهد. قال ابن عرفة و القتبي وغيرهما: المقنع الذي يرفع رأسه ويقبل ببصره على ما بين يديه، ومنه الإقناع في الصلاة وأقنع صوته إذا رفعه. وقال الحسن: وجوه الناس يومئذ إلى السماء لا ينظر أحد إلى أحد. وقيل: ناكسي رؤوسهم، قال المهدوي : ويقال أقنع إذا رفع رأسه، وأقنع إذا طأطأ رأسه ذلة وخضوعاً، والآية محتملة الوجهين، وقاله المبرد، والقول الأول أعرف في اللغة، قاله الراجز:
أنغض نحوي رأسه وأقنعا كأنما أبصر شيئاً أطمعا
وقال الشماخ يصف إبلاً:
يباكرن العضاه بمقنعات نواجذهن كالحدإ الوقيع
يعني: برؤوس مرفوعات إليها لتتناولهن. ومنه قيل: مقنعة لارتفاعها. ومنه قنع الرجل إذا رضي، أي رفع رأسه عن السؤال. وقنع إذا سأل أي أتى ما يتقنع منه، عن النحاس . وفم مقنع أي معطوفة أسنانه إلى داخل. ورجل مقنع بالتشديد، أي عليه بيضة قاله الجوهري . " لا يرتد إليهم طرفهم " أي لا ترجع إليهم أبصارهم من شدة النظر فهي شاخصة النظر. يقال: طرف الرجل طرفاً إذا أطبق جفنه على الآخر، فسمي النظر طرفاً لأنه به يكون. والطرق العين. قال عنترة:
وأغض طرفي ما بدت لي جارتي حتى يواري جارتي مأواها
وقال جميل:
وأقصر طرفي دون جمل كرامةً لجمل وللطرف الذي أنا قاصرة
" وأفئدتهم هواء " أي لا تغني شيئاً من شدة الخوف. ابن عباس: خالية من كل خير. السدي : خرجت قلوبهم من صدورهم فنشبت في حلوقهم، وقال مجاهد ومرة وابن زيد: خاوية خربة متخرقة ليس فيها خير ولا عقل، كقولك في البيت الذي ليس فيه شيء: إنما هو هواء، وقاله ابن عباس. والهواء في اللغة المجوف الخالي، ومنه قول حسان:
ألا أبلغ أبا سفيان عني فأنت مجوف نخب هواء
وقال زهير يصف ناقة صغيرة الرأس:
كأن الرجل منها فوق صعل من الظلمان جؤجؤه هواء
فارغ أي خال، وفي التنزيل: " وأصبح فؤاد أم موسى فارغا " ( القصص: 10) أي من كل شيء إلا من هم موسى. وقيل: في الكلام إضمار، أي ذات هواء وخلاء.
يقول تعالى: ولا تحسبن الله يا محمد غافلاً عما يعمل الظالمون, أي لا تحسبنه إذا أنظرهم وأجلهم أنه غافل عنهم مهمل لهم لا يعاقبهم على صنعهم, بل هو يحصي ذلك ويعده عليهم عداً "إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار" أي من شدة الأهوال يوم القيامة, ثم ذكر تعالى كيفية قيامهم من قبورهم وعجلتهم إلى قيام المحشر, فقال: "مهطعين" أي مسرعين, كما قال تعالى: "مهطعين إلى الداع" الاية, وقال تعالى: " يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا * يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا * يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما * وعنت الوجوه للحي القيوم ", وقال تعالى: "يوم يخرجون من الأجداث سراعاً" الاية. وقوله "مقنعي رؤوسهم" قال ابن عباس ومجاهد وغير واحد: رافعي رؤوسهم "لا يرتد إليهم طرفهم" أي أبصارهم ظاهرة شاخصة مديمون النظر, لا يطرفون لحظة لكثرة ما هم فيه من الهول والفكرة والمخافة لما يحل بهم, عياذاً بالله العظيم من ذلك, ولهذا قال: "وأفئدتهم هواء" أي وقلوبهم خاوية خالية ليس فيها شيء لكثرة الوجل والخوف, ولهذا قال قتادة وجماعة: إن أمكنة أفئدتهم خالية لأن القلوب لدى الحناجر قد خرجت من أماكنها من شدة الخوف. وقال بعضهم: هي خراب لا تعي شيئاً لشدة ما أخبر به تعالى عنهم, ثم قال تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم:
43- "مهطعين" أي مسرعين من أهطع يهطع إهطاعاً: إذا أسرع، وقيل المهطع: الذي ينظر في ذل وخشوع. ومنه:
بدجلة دارهم ولقد أراهم بدجلة مهطعين إلى السماء
وقيل المهطع: الذي يديم النظر. قال أبو عبيدة: قد يكون الوجهان جميعاً، يعني الإسراع مع إدامة النظر، وقيل المهطع الذي لا يرفع رأسه. وقال ثعلب: المهطع الذي ينظر في ذل وخضوع، وقيل هو الساكت. قال النحاس: والمعروف في اللغة أهطع: إذا أسرع "مقنعي رؤوسهم" أي رافعي رؤوسهم، وإقناع الرأس: رفعه، وأقنع صوته: إذا رفعه، والمعنى: أنهم يومئذ رافعون رؤوسهم إلى السماء ينظرون إليها نظر فزع وذل ولا ينظر بعضهم إلى بعض. وقيل إن إقناع الرأس نكسه، وقيل يقال أقنع: إذا رفع رأسه، وأقنع: إذا طأطأ ذلة وخضوعاً، والآية محتملة للوجهين. قال المبرد: والقول الأول أعرف في اللغة. قال الشاعر:
أنغض نحوي رأسه وأقنعا كأنما أبصر شيئاً أطمعا
"لا يرتد إليهم طرفهم" أي لا ترجع إليهم أبصارهم، وأصل الطرف: تحريك الأجفان، وسميت العين طرفاً لأنه يكون بها، ومن إطلاق الطرف على العين قول عنترة:
وأغض طرفي إن بدت لي جارتي حتى يواري جارتي مأواها
"وأفئدتهم هواء" الهواء في اللغة: المجوف الخالي الذي لم تشغله الأجرام، والمعنى: أن قلوبهم خالية عن العقل والفهم لما شاهدوا من الفزع والحيرة والدهش، وجعلها نفس الهوى مبالغة، ومنه قيل للأحمق والجبان قلبه هواء: أي لا رأي فيه ولا قوة، وقيل معنى الآية أنها خرجت قلوبهم عن مواضعها فصارت في الحناجر. وقيل المعنى: إن أفئدة الكفار في الدنيا خالية عن الخير، وقيل المعنى: وأفئدتهم ذات هواء. ومما يقارب معنى هذه الآية قوله تعالى: "وأصبح فؤاد أم موسى فارغاً" أي خالياً من كل شيء إلا من هم موسى.
"مهطعين"، قال قتادة: مسرعين.
قال سعيد بن جبير: الاهطاع النسلان كعدو الذئب.
وقال مجاهد: مديمي النظر.
ومعنى الإهطاع: أنهم لا يلتفون يمينا ولا شمالا، ولا يعرفون مواطن أقدامهم.
"مقنعي رؤوسهم"، أي: رافعي رؤوسهم.
قال القتيبي: المقنع: الذي يرفع رأسه ويقبل ببصره على ما بين يديه.
وقال الحسن: وجوه الناس يوم القيامة إلى السماء، لا ينظر أحد إلى أحد.
"لا يرتد إليهم طرفهم" أي: لا ترجع إليهم أبصارهم من شدة النظر، وهي شاخصة قد شغلهم ما بين أيديهم.
"وأفئدتهم هواء"، أي: خالية. قال قتادة: خرجت قلوبهم عن صدروهم، فصارت في حناجرهم، لا تخرج من أفواههم ولا تعود إلى أماكنها، فالأفئدة هواء لا شيء فيها، ومنه سمي ما بين السماء والأرض هواء لخلوه.
وقيل: خالية لا تعي شيئا ولا تعقل من الخوف.
وقال الأخفش: جوفاء لا عقول لها، والعرب تسمى كل أجوف خاو هواء.
وقال سعيد بن جبير: "وأفئدتهم هواء" أي: مترددة، تمور في أجوافهم، ليس لها مكان تستقر فيه.
وحقيقة المعنى: أن القلوب زائفة عن أماكنها، والأبصار شاخصة من هول ذلك اليوم.
43."مهطعين"أي مسرعين إلى الداعي، أو مقبلين بأبصارهم لا يطوفون هيبة وخوفاً ، وأصل الكلمة هو الإقبال على الشيء ."مقنعي رؤوسهم"رافعيها"لا يرتد إليهم طرفهم"بل تثبت عيونهم شاخصة لا تطرف، أولا يرجع إليهم نظرهم فينظروا إلى أنفسهم ."وأفئدتهم هواء"خلاء أي خالية عن الفهم لفرط الحيرة والدهشة ، ومنه يقال للأحمق وللجبان قلبه هواء أي لا رأي فيه ولا قوة قال زهير:
من الظلمان جؤجؤه هواء
وقيل خالية من الخير خاوية من الحق.
43. As they come hurrying on in fear, their heads upraised, their gaze returning not to them, and their hearts as air.
43 - They running forward with necks outstretched, their heads uplifted, their gaze returning not towards them, and their hearts a (gaping) void