[إبراهيم : 16] مِّن وَرَآئِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِن مَّاء صَدِيدٍ
16 - (من ورائه) أي امامه (جهنم) يدخلها (ويسقى) فيها (من ماء صديد) هو ما يسيل من جوف أهل النار مختلطا بالقيح والدم
قوله تعالى : "من ورائه جهنم ويسقى من ماء صديد" .
قوله تعالى: " من ورائه جهنم " أي من وراء ذلك الكافر جهنم، أي من بعد هلاكه. ووراء بمعنى بعد، قال النابغة :
حلفت فلم أترك لنفسك ريبةً وليس وراء الله للمرء مذهب
أي بعد الله جل جلاله، وكذلك قوله تعالى: " ومن ورائه عذاب غليظ " ( إبراهيم: 17) أي من بعده، وقوله تعالى: " ويكفرون بما وراءه " ( البقرة: 91) أي بما سواه، قاله الفراء. وقال أبو عبيد: بما بعده. وقيل: ( من ورائه) أي من أمامه ومنه قول الشاعر:
ومن روائك يوم أنت بالغه لا حاضر معجز عنه ولا بادي
وقال آخر:
أترجو بنو مروان سمعي وطاعتي وقومي تميم والفلاة ورائيا
وقال لبيد:
أليس ورائي إن تراخت منيتي لزوم العصا تحنى عليها الأصابع
يريد أمامي. وفي التنزيل: " وكان وراءهم ملك " ( الكهف: 79) أي أمامهم، وإلى هذا ذهب أبو عبيدة وأبو علي قطرب وغيرهما. وقال الأخفش : هو كما يقال هذا الأمر من ورائك، أي سوف يأتيك، وأنا من وراء فلان أي في طلبه وسأصل إليه. وقال النحاس : في قوله ( من ورائه جهنم) أي من أمامه، وليس من الأضداد ولكنه من توارى، أي استتر. وقال الأزهري : إن وراء تكون بمعنى خلف وأمام فهو من الأضداد، وقاله أبو عبيدة أيضاً، واشتقاقها مما توارى واستتر، فجهنم توارى ولا تظهر، فصارت من رواء لأنها لا ترى، حكاه ابن الأنباري وهو حسن.
قوله تعالى: " ويسقى من ماء صديد " أي من ماء مثل الصديد، كما يقال للرجل الشجاع أسد، أي مثل الأسد، وهو تمثيل وتشبيه. وقيل: هو ما يسيل من أجسام أهل النار من القيح والدم. وقال محمد بن كعب القرظي والربيع بن أنس: هو غسالة أهل النار، وذلك ماء يسيل من فروج الزناة والزواني. وقيل: هو من ماء كرهته تصد عنه، فيكون الصديد مأخوذاً من الصد. وذكر ابن المبارك، أخبرنا صفوان بن عمرو عن عبيد الله بن بسر عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: " ويسقى من ماء صديد "
يخبر تعالى عما توعدت به الأمم الكافرة رسلهم من الإخراج من أرضهم والنفي من بين أظهرهم, كما قال قوم شعيب له ولمن آمن به: "لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا" الاية. وكما قال قوم لوط: "أخرجوا آل لوط من قريتكم" الاية, وقال تعالى إخباراً عن مشركي قريش: "وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها وإذاً لا يلبثون خلافك إلا قليلاً". وقال تعالى: "وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين" وكان من صنعه تعالى أنه أظهر رسوله ونصره, وجعل له بسبب خروجه من مكة أنصاراً وأعواناً وجنداً يقاتلون في سبيل الله تعالى, ولم يزل يرقيه تعالى من شيء إلى شيء حتى فتح له مكة التي أخرجته, ومكن له فيها, وأرغم أنوف أعدائه منهم ومن سائر أهل الأرض حتى دخل الناس في دين الله أفواجاً, وظهرت كلمة الله ودينه على سائر الأديان في مشارق الأرض ومغاربها في أيسر زمان, ولهذا قال تعالى: " فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين * ولنسكننكم الأرض من بعدهم " وكما قال: " ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين * إنهم لهم المنصورون * وإن جندنا لهم الغالبون ", وقال تعالى: "كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز", وقال تعالى: "ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر" الاية, " قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين ", وقال تعالى: "وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون" وقوله: "ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد" أي وعيدي هذا لمن خاف مقامي بين يدي يوم القيامة وخشي من وعيدي وهو تخويفي وعذابي كما قال تعالى: " فأما من طغى * وآثر الحياة الدنيا * فإن الجحيم هي المأوى " وقال "ولمن خاف مقام ربه جنتان".
وقوله: "واستفتحوا" أي استنصرت الرسل ربها على قومها, قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة, وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: استفتحت الأمم على أنفسها كما قالوا: "اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم" ويحتمل أن يكون هذا مراداً وهذا مراداً, كما أنهم استفتحوا على أنفسهم يوم بدر واستفتح رسول الله صلى الله عليه وسلم واستنصر, وقال الله تعالى للمشركين: "إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح وإن تنتهوا فهو خير لكم" الاية, والله أعلم, "وخاب كل جبار عنيد" أي متجبر في نفسه عنيد معاند للحق, كقوله تعالى: " ألقيا في جهنم كل كفار عنيد * مناع للخير معتد مريب * الذي جعل مع الله إلها آخر فألقياه في العذاب الشديد " وفي الحديث "إنه يؤتى بجهنم يوم القيامة, فتنادي الخلائق, فتقول: إني وكلت بكل جبار عنيد" الحديث أي خاب وخسر حين اجتهد الأنبياء في الابتهال إلى ربها العزيز المقتدر.
وقوله: " من ورائه جهنم " وراء هنا بمعنى أمام, كقوله تعالى: "وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصباً" وكان ابن عباس يقرؤها: وكان أمامهم ملك, أي من وراء الجبار العنيد جهنم, أي هي له بالمرصاد يسكنها مخلداً يوم المعاد, ويعرض عليها غدواً وعشياً إلى يوم التناد "ويسقى من ماء صديد" أي في النار ليس له شراب إلا من حميم وغساق, فهذا حار في غاية الحرارة, وهذا بارد في غاية البرد والنتن, كما قال: " هذا فليذوقوه حميم وغساق * وآخر من شكله أزواج " وقال مجاهد وعكرمة: الصديد من القيح والدم. وقال قتادة: هو ما يسيل من لحمه وجلده, وفي رواية عنه: الصديد ما يخرج من جوف الكافر قد خالط القيح والدم. وفي حديث شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد بن السكن قالت: قلت يا رسول الله ما طينة الخبال ؟ قال "صديد أهل النار". وفي رواية "عصارة أهل النار".
وقال الإمام أحمد: حدثنا علي بن إسحاق, أنبأنا عبد الله, أخبرنا صفوان بن عمرو عن عبيد الله بن بسر, عن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: " ويسقى من ماء صديد * يتجرعه " قال: "يقرب إليه فيكرهه, فإذا أدني منه شوى وجهه, ووقعت فروة رأسه, فإذا شربه قطع أمعاءه حتى يخرج من دبره" يقول الله تعالى: "وسقوا ماء حميماً فقطع أمعاءهم" ويقول: "وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه" الاية, وهكذا رواه ابن جرير من حديث عبد الله بن المبارك به. ورواه هو وابن أبي حاتم من حديث بقية بن الوليد عن صفوان بن عمرو به.
وقوله: "يتجرعه" أي يتغصصه ويتكرهه, أي يشربه قهراً وقسراً لا يضعه في فمه حتى يضربه الملك بمطراق من حديد, كما قال تعالى: "ولهم مقامع من حديد" "ولا يكاد يسيغه" أي يزدرده لسوء طعمه ولونه وريحه وحرارته أو برده الذي لا يستطاع "ويأتيه الموت من كل مكان" أي يألم له جميع بدنه وجوارحه وأعضائه. قال عمرو بن ميمون بن مهران: من كل عظم وعصب وعرق. وقال عكرمة: حتى من أطراف شعره, وقال إبراهيم التيمي: من موضع كل شعرة, أي من جسده حتى من أطراف شعره. وقال ابن جرير: "ويأتيه الموت من كل مكان" أي من أمامه وخلفه, وفي رواية: وعن يمينه وشماله, ومن فوقه ومن تحت أرجله, ومن سائر أعضاء جسده.
وقال الضحاك عن ابن عباس "ويأتيه الموت من كل مكان" قال: أنواع العذاب الذي يعذبه الله بها يوم القيامة في نار جهنم, ليس منها نوع إلا يأتيه الموت منه لو كان يموت, ولكن لا يموت لأن الله تعالى قال: "لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها" ومعنى كلام ابن عباس رضي الله عنه أنه ما من نوع من هذه الأنواع من العذاب إلا إذا ورد عليه اقتضى أن يموت منه لو كان يموت, ولكنه لا يموت ليخلد في دوام العذاب والنكال, ولهذا قال تعالى: "ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت".
وقوله: "ومن ورائه عذاب غليظ" أي وله من بعد هذه الحال عذاب آخر غليظ, أي مؤلم صعب شديد أغلظ من الذي قبله, وأدهى وأمر, وهذا كما قال تعالى عن شجرة الزقوم: " إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم * طلعها كأنه رؤوس الشياطين * فإنهم لآكلون منها فمالئون منها البطون * ثم إن لهم عليها لشوبا من حميم * ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم " فأخبر أنهم تارة يكونون في أكل زقوم, وتارة في شرب حميم, وتارة يردون إلى جحيم, عياذاً بالله من ذلك, وهكذا قال تعالى: " هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون * يطوفون بينها وبين حميم آن ", وقال تعالى: " إن شجرة الزقوم * طعام الأثيم * كالمهل يغلي في البطون * كغلي الحميم * خذوه فاعتلوه إلى سواء الجحيم * ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم * ذق إنك أنت العزيز الكريم * إن هذا ما كنتم به تمترون ", وقال: " وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال * في سموم وحميم * وظل من يحموم * لا بارد ولا كريم ", وقال تعالى: " هذا وإن للطاغين لشر مآب * جهنم يصلونها فبئس المهاد * هذا فليذوقوه حميم وغساق * وآخر من شكله أزواج " إلى غير ذلك من الايات الدالة على تنوع العذاب عليهم, وتكراره وأنواعه, وأشكاله مما لا يحصيه إلا الله عز وجل جزاءً وفاقاً "وما ربك بظلام للعبيد".
16- "من ورائه جهنم" أي من بعده جهنم، والمراد بعد هلاكه على أن وراء ها هنا بمعنى بعد، ومنه قول النابغة:
حلفت فلم أترك لنفسك ريبة وليس وراء الله للمرء مذهب
أي ليس بعد الله، ومثله قوله: " ومن ورائه عذاب غليظ " أي من بعده. كذا قال الفراء، وقيل من ورائه: أي من أمامه. قال أبو عبيد: هو من أسماء الأضداد، لأن أحدهما ينقلب إلى الآخر، ومنه قول الشاعر:
ومن ورائك يوم أنت بالغه لا حاضر معجز عنه ولا بادي
وقال آخر:
أترجو بنو مروان سمعي وطاعتي وقومي تميم والفلاة ورائيا
أي أمامي، ومنه قوله تعالى: "وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصباً" أي أمامهم، وبقول أبي عبيدة هذا قال قطرب. وقال الأخفش: هو كما يقال: هذا الأمر من ورائك: أي سوف يأتيك، وأنا من وراء فلان أي في طلبه. وقال النحاس: من ورائه: أي من أمامه، وليس من الأضداد، ولكنه من توارى: أي استتر فصارت جهنم من ورائه، لأنها لا ترى، وحكى مثله ابن الأنباري "ويسقى من ماء صديد" معطوف على مقدر جواباً عن سؤال سائل، كأنه قيل فماذا يكون إذن؟ قيل يلقى فيها ويسقى، والصديد ما يسيل من جلود أهل النار واشتقاقه من الصد، لأنه يصد الناظرين عن رؤيته، وهو دم مختلط بقيح، والصديد صفة لماء، وقيل عطف بيان منه.
"من ورائه جهنم" أي: أمامه، كقوله تعالى "وكان وراءهم ملك" (الكهف-76) أي: أمامهم.
قال أبو عبيدة: هو من الأضداد.
وقال الأخفش: هو كما يقال هذا الأمر من ورائك يريد أنه سيأتيك، وأنا من وراء فلان يعني أصل إليه.
وقال مقاتل: "من ورائه جهنم" أي: بعده.
"ويسقى من ماء صديد" أي: من ماء هو صديد، وهو ما يسيل من أبدان الكفار من القيح والدم.
وقال محمد بن كعب: ما يسيل من فروج الزناة، يسقاه الكافر.
16."من ورائه جهنم "أي من بين يديه فإنه مرصد بها واقف على شفيرها في الدنيا مبعوث إليها في الآخرة . وقيل من وراء حياته وحقيقته ما توارى عنك ."ويسقى من ماء" عطف على محذوف تقديره من ورائه جهنم يلقى فيها ما يلقى " ويسقى من ماء " " صديد" عطف بيان لـ"ماء"وهو ما يسيل من جلود أهل النار .
16. Hell is before him, and he is made to drink a festering water.
16 - In front of such a one is hell, and he is given, for drink, boiling fetid water.