[الرعد : 5] وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ الأَغْلاَلُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدون
5 - (وإن تعجب) يا محمد من تكذيب الكفار لك (فعجبٌ) حقيق بالعجب (قولهم) منكرين للبعث (أئذا كنا تراباً أئنا لفي خلق جديد) لان القادر على إنشاء الخلق وما تقدم على غير مثال قادر على إعادتهم وفي الهمزتين في الموضعين التحقيق وتحقيق الأولى وتسهيل الثانية وإدخال ألف بينهما على الوجهين وتركها ، وفي قراءة بالاستفهام في الأول والخبر في الثاني وأخرى وعكسه (أولئك الذين كفروا بربهم وأولئك الأغلال في أعناقهم وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون)
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : "وإن تعجب" ، يا محمد ، من هؤلاء المشركين المتخذين ما لا يضر ولا ينفع آلهة يعبدونها من دوني ، " فعجب قولهم أإذا كنا ترابا " ، وبلينا فعدمنا ، " أإنا لفي خلق جديد " ، إنا لمجدد إنشاؤنا وإعادتنا خلقاً جديداً كما كنا قبل وفاتنا ‍‍، تكذيباً منهم بقدرة الله ، وجحوداً للثواب والعقاب والبعث بعد الممات ، كما :
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثناسعيد ، عن قتادة قوله :"وإن تعجب فعجب" ، إن عجبت ، يا محمد ، " فعجب قولهم أإذا كنا ترابا أإنا لفي خلق جديد " ، عجب الرحمن تبارك وتعالى من تكذيبهم بالبعث بعد الموت .
حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : "وإن تعجب فعجب قولهم" ، قال : إن تعجب من تكذيبهم ، وهم قد رأوا من قدرة الله وأمره وما ضرب لهم من الأمثال ، فأراهم من حياة الموتى في الأرض الميتة ، إن تعجب من هذه فتعجب من قولهم : " أإذا كنا ترابا أإنا لفي خلق جديد " ، أو لا يرون أنا خلقناهم من نطفة ؟ فالخلق من نطفة أشد أم الخلق من تراب وعظام ؟
واختلف في وجه تكرير الاستفهام في قوله : "أإنا لفي خلق جديد "، بعد الاستفهام الأول في قوله :" أإذا كنا ترابا " ، أهل العربية .
فقال بعض تحويي البصرة : الأول ظرف ، والآخر هو الذي وقع عليه الاستفهام ، كما تقول : ايوم الجمعة زيد منطلق ؟ قال : ومن أوقع استفهاماً آخر على قوله : " أإذا كنا ترابا " ، جعله ظرفاً لشيء مذكور قبله ، كأنهم قيل لهم : تبعثون ؟ فقالوا : " أإذا كنا ترابا " ؟ ثم جعل هذا استفهاماً آخر . قال : هذا بعيد . قال : وإن شئت لم تجعل في قولك : "أإذا " استفهاماً ، وجعلت الاستفهام في اللفظ على "ائنا" ، كأنك قلت : أيوم الجمعة أعبد الله منطلق ؟ وأضمرت نفيه . فهذا موضع ما ابتدأت فيه بـ " أإذا " ، وليس بكثير في الكلام . لو قتل : اليوم إن عبد الله منطلق ، لم يحسن ، وهو جائز . وقد قالت العرب : ما علمت إنه لصالح ، تريد : إنه لصالح ما علمت .
وقال غيره : " أإذا " ، جزاء ، وليست بوقت ، وما بعدها جواب لها ، إذا لم يكن في الثاني استفهام ، المعنى له ، لأنه هو المطلوب . وقال : الا ترى أنك تقول : أن تقم يقوم زيد ، ويقم ؟ ، من جزم فلأنه وقع موقع جواب الجزاء ، ومن رفع فلأن الاستفهام له ، واستشهد بقول الشاعر :
‌حلفت له إن تدلج الليل ، لا يزل أمامك بيت من بيوتي سائر
فجزم جواب اليمين لأنه وقع موقع جواب الجزاء ، والوجه الرفع . قال : فهكذا هذه الآية . قال : ومن أدخل الاستفهام ثانية ، فلأنه المعتمد عليه ، وترك الجزاء الأول .
وقوله : "أولئك الذين كفروا بربهم" ، يقول تعالى ذكره : هؤلاء الذين أنكروا البعث وجحدوا الثواب والعقاب ، وقالوا :"أإذا كنا ترابا أإنا لفي خلق جديد " ، هم الذين جحدوا قدرة ربهم وكذبوا رسوله ، وهم الذين في أعناقهم الأغلال يوم القيامة في نار جهنم ، فأولئك "أصحاب النار" ، يقول : هم سكان النار يوم القيامة ، "هم فيها خالدون" ، يقول : هم فيها ماكثون أبداً ، لا يموتون فيها ولا يخرجون منها .
قوله تعالى: " وإن تعجب فعجب قولهم " أي إن تعجب يا محمد من تكذيبهم لك بعد ما كنت عندهم الصادق الأمين فأعجب منه تكذيبهم بالبعث، والله تعالى لا يتعجب، ولا يجوز عليه التعجب، لأنه تغير النفس بما تخفى أسبابه، وإنما ذكر ذلك ليتعجب منه نبيه والمؤمنون. وقيل المعنى: أي إن عجبت يا محمد من إنكارهم الإعادة مع إقرارهم بأني خالق السماوات والأرض والثمار المختلفة من الأرض الواحدة فقولهم عجب يعجب منه الخلق، لأن الإعادة في معنى الابتداء. وقيل: الآية في منكري الصانع، أي إن تعجب من إنكارهم الصانع مع الأدلة الواضحة بأن المتغير لا بد له من مغير فهو محل التعجب، ونظم الآية يدل على الأول والثاني، لقوله: " أإذا كنا ترابا " أي أنبعث إذا كنا تراباً؟!. " أإنا لفي خلق جديد " وقريء ( إنا). و " الأغلال " جمع غل، وهو طوق تشد به اليد إلى العنق، أي يغلون يوم القيامة، بدليل قوله: " إذ الأغلال في أعناقهم " ( غافر: 71) إلى قوله: " ثم في النار يسجرون " ( غافر: 72). وقيل: الأغلال أعمالهم السيئة التي هي لازمة لهم.
يقول تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم: "وإن تعجب" من تكذيب هؤلاء المشركين بالمعاد, مع ما يشاهدونه من آيات الله سبحانه ودلائله في خلقه على أنه القادر على ما يشاء, ومع ما يعترفون به من أنه ابتدأ خلق الأشياء فكونها بعد أن لم تكن شيئاً مذكوراً, ثم هم بعد هذا يكذبون خبره في أنه سيعيد العالم خلقاً جديداً, وقد اعترفوا وشاهدوا ما هو أعجب مما كذبوا به, فالعجب من قولهم " أإذا كنا ترابا أإنا لفي خلق جديد ", وقد علم كل عالم وعاقل أن خلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس, وأن من بدأ الخلق فالإعادة عليه أسهل, كما قال تعالى: " أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى بلى إنه على كل شيء قدير " ثم نعت المكذبين بهذا فقال: "أولئك الذين كفروا بربهم وأولئك الأغلال في أعناقهم" أي يسحبون بها في النار "وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون" أي ماكثون فيها أبداً لا يحولون عنها ولا يزولون.
قوله:5- "وإن تعجب فعجب قولهم" أي إن تعجب يا محمد من تكذيبهم لك بعد ما كنت عندهم من الصادقين فأعجب منه تكذيبهم بالبعث. والله تعالى عليه لا يجوز عليه التعجب، لأنه تغير النفس بشيء تخفى أسبابه وإنما ذكر ذلك ليعجب منه رسوله وأتباعه. قال الزجاج: أي هذا موضوع عجب أيضاً أنهم أنكروا البعث، وقد بين لهم من خلق السموات والأرض ما يدل على أن البعث أسهل في القدرة، وقيل الآية في منكري الصانع: أي إن تعجب من إنكارهم الصانع مع الأدلة الواضحة بأن المتغير لا بد له من مغير، فهو محل التعجب، والأول أولى لقوله: " أإذا كنا ترابا أإنا لفي خلق جديد " وهذه الجملة في محل رفع على البدلية من قولهم، ويجوز أن تكون في محل نصب على أنها مقول القول والعجب على الأول كلامهم، وعلى الثاني تكلمهم بذلك، والعامل في إذا ما يفيده قوله: " أإنا لفي خلق جديد " وهو نبعث أو نعاد. والاستفهام منهم للإنكار المفيد لكمال الاستبعاد، وتقديم الظرف في قوله: "لفي خلق" لتأكيد الإنكار بالبعث. وكذلك تكرير الهمزة في قوله: أإنا. ثم لما حكى الله سبحانه ذلك عنهم حكم عليهم بأمور ثلاثة: الأول "أولئك الذين كفروا بربهم" أي أولئك المنكرون لقدرته سبحانه على البعث هم المتمادون في الكفر الكاملون فيه. والثاني "وأولئك الأغلال في أعناقهم" الأغلال: جمع غل، وهو طوق تشد به اليد إلى العنق: أي يغلون بها بوم القيامة. وقيل الأغلال أعمالهم السيئة التي هي لازمة لهم لزوم الأطواق للأعناق: والثالث "وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون" لا ينفكون عنها بحال من الأحوال، وفي توسيط ضمير الفصل دلالة على تخصيص الخلود بمنكري البعث.
5- "وإن تعجب فعجب قولهم"، العجب تغير النفس برؤية المستبعد في العادة، والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعناه: إنك إن تعجب من إنكارهم النشأة الآخرة مع إقرارهم بابتداء الخلق من الله عز وجل فعجب أمرهم.
وكان من المشركون ينكرون البعث، مع إقرارهم بابتداء الخلق من الله تعالى، وقد تقرر في القلوب أن الإعادة أهون من الابتداء، فهذا موضع العجب.
وقيل: معناه: وإن تعجب من تكذيب المشركين واتخاذهم ما لا يضر ولا ينفع آلهة يعبدونها وهم قد رأوا من قدرة الله تعالى ما ضرب لهم به الأمثال فعجب قولهم، أي: فتعجب أيضا من قولهم: " أإذا كنا ترابا "، بعد الموت، " أإنا لفي خلق جديد "، أي: نعاد خلقا جديدا كما كنا قبل الموت.
قرأ نافع والكسائي ويعقوب " أإذا " مستفهما "إنا" بتركه، على الخبر، ضده: أبو جعفر وابن عامر. وكذلك في "سبحان" في موضعين، والمؤمنون، والم السجدة، وقرأ الباقون بالاستفهام فيهما وفي/ الصافات في موضعين هكذا إلا إن أبا جعفر يوافق نافعا في أول الصافات فيقدم الاستفهام ويعقوب لا يستفهم الثانية " أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما أإنا لمدينون " (الصافات-53).
قال الله تعالى: "أولئك الذين كفروا بربهم وأولئك الأغلال في أعناقهم"، يوم القيامة "وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون".
5."وإن تعجب"يا محمد من إنكارهم البعث."فعجب قولهم"حقيق بأن يتعجب منه فإن، من قدر على إنشاء ما قص عليك كانت الإعادة أيسر شيء عليه ،والآيات المعدودة كما هي دالة على وجود المبدأ فهي دالة على إمكان الإعادة من حيث إنها تدل على كمال علمه وقدرته وقبول المواد لأنواع تصرفاته." أإذا كنا ترابا أإنا لفي خلق جديد "بدل من قولهم أو مفعول له، والعامل في إذا محذوف دل عليه :" أإنا لفي خلق جديد "."أولئك الذين كفروا بربهم"لأنهم كفروا بقدرته على البعث."وأولئك الأغلال في أعناقهم" مقيدون بالضلال لا يرجى خلاصهم أو يغلون يوم القيامة ."وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون" لا ينفكون عنها ، وتوسيط الفصل لتخصيص الخلود بالكفار.
5. And if thou wonderest, then wondrous is their saying: When we are dust, are we then forsooth (to be raised) in a new creation? Such are they who disbelieve in their Lord; such have carcans on their necks; such are rightful owners of the Fire, they will abide therein.
5 - If thou dost marvel (at their want of faith), strange is their saying: when we are (actually) dust, shall we indeed then be in a creation renewed? they are those who deny their Lord they are those round whose necks will be yokes (of servitude): they will be companions of the fire, to dwell therein (for aye)