[الرعد : 39] يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ
39 - (يمحو الله) منه (ما يشاء ويثبت) بالتخفيف والتشديد ، فيه ما يشاء من الأحكام وغيرها (وعنده أم الكتاب) أصله الذي لا يتغير منه شيء وهو ما كتبه في الأزل
ك وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد قال قالت قريش حين أنزل وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله ما نراك يا محمد تملك من شيء لقد فرغ من الأمر فأنزل الله يمحو الله ما يشاء ويثبت
قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك :
فقال بعضهم : يمحو الله ما يشاء من أمور عباده فيغيره ، إلا الشقاء والسعادة ، فإنهما لا يغيران .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا بحر بن عيسى ، عن ابن ابي ليلى ، عن المنهال ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في قوله : "يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب" ، قال : يدبر الله أمر العبادة ، فيمحو ما يشاء إلا الشقاء والسعادة والحياة والموت .
حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا ... ابن أبي ليلى ، عن المنهال بن عمرو ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في قوله : "يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب" ، قال : كل شيء غير السعادة والشقاء ، فإنهما قد فرغ منهما .
حدثني علي بن سهل قال ، حدثنا يزيد ، وحدثنا أحمد قال ، حدثنا أبو أحمد ، عن سفيان ، عن ابن أبي ليلى ، عن المنهال ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس يقول : "يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب" ، قال : إلا الشقاء ، والموت والحياة .
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين ، وقبيصة قالا ، حدثنا سفيان ، عن ابن أبي ليلى ، عن المنهال بن عمرو ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، مثله .
حدثنا عمرو بن علي قال ، حدثنا وكيع قال ، حدثنا ابن أبي ليلى ، عن المنهال بن عمرو ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قوله : "يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب" ، قال قال ابن عباس : إلا الحياة والموت ، والشقاء والسعادة .
حدثني المثنى قال ، حدثنا عمرو بن عون قال ، أخبرنا هشيم ، عن ابن أبي ليلى ، عن المنهال بن عمرو ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في قوله : "يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب" ، قال : يقدر الله أمر السنة في ليلة القدر ، إلا الشقاوة والسعادة والموت والحياة .
حدثنا عمرو بن علي قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد في قوله : "يمحو الله ما يشاء ويثبت" ، قال : إلا الحياة والموت والسعادة والشقاوة ، فإنهما لا يتغيران .
حدثنا عمرو قال ، حدثنا عبد الرحمن قال ، حدثنا معاذ بن عقبة ، عن منصور ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا أبو أحمد قال ، حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، مثله .
قال ، حدثنا أبو أحمد قال ، حدثنا سفيان ، عن منصور قال : قلت لـ مجاهد : إن كنت كتبتني سعيداً فأثبتني ، وإن كنت كتبتني شقياً فامحني ، قال : الشقاء والسعادة قد فرغ منهما .
حدثنا أحمد قال ، حدثنا أبو أحمد قال ، حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ـ قال ، حدثنا سعيد بن سليمان قال ، حدثنا شريك ، عن منصور ، عن مجاهد : "يمحو الله ما يشاء ويثبت" ، قال : ينزل الله كل شيء في السنة في ليلة القدر ، فيمحو ما يشاء من الآجال والأرزاق والمقادير ، إلا الشقاء والسعادة ، فإنهما ثابتان .
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا جرير ، عن منصور قال ، سألت مجاهداً فقلت : أرأيت دعاء أحدنا يقول : اللهم إن كان اسمي في السعداء فأثبته فيهم ، وإن كان في الأشقياء فامحه منهم واجعله في السعداء ، فقال حسن : ثم أتيته بعد ذلك بحول ، أو أكثر من ذلك ، فسألته عن ذلك فقال : ( إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين * فيها يفرق كل أمر حكيم ) ، قال : يقضى في ليلة القدر ما يكون في السنة من رزق أو مصيبة ، ثم يقدم ما يشاء ويؤخر ما يشاء ، فأما كتاب الشقاء والسعادة فهو ثابت لا يغير .
وقال آخرون : معنى ذلك : أن الله يمحو ما يشاء ويثبت من كتاب سوى أم الكتاب الذي لا يغير منه شيء .
ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى قال ، حدثنا حجاج قال ، حدثنا حماد ، عن سليمان التيمي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس أنه قال في هذه الآية : "يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب" ، قال : كتابان ، كتاب يمحو منه ما يشاء ويثبت ، وعنده أم الكتاب .
حدثنا عمرو بن علي قال ، حدثنا سهل بن يوسف قال ، حدثنا سليمان التيمي ، عن عكرمة في قوله :"يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب" ، قال : الكتاب كتابان : كتاب يمحو الله منه ما يشاء ويثبت ، وعنده أم الكتاب .
قال ، حدثنا أبو عامر قال ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن سليمان التيمي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، بمثله .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا المعتمر بن سليمان ، عن أبيه ، عن عكرمة قال : الكتاب كتابان ، "يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب" .
وقال آخرون : بل معنى ذلك أنه يمحو كل ما يشاء ، ويثبت كل ما أراد .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا عثام ، عن الأعمش ، عن شقيق أنه كان يقول : اللهم إن كنت كتبتنا أشقياء فامحنا واكتبنا سعداء ، وإن كنت سعداء فأثبتنا ، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب .
حدثنا عمرو قال ، حدثنا وكيع قال ، حدثنا الأعمش ، عن أبي وائل قال : كان مما يكثر أن يدعو بهؤلاء الكلمات : اللهم إن كنت كتبتنا أشقياء فامحنا واكتبنا سعداء ، وإن كنت كتبتنا سعداء فأثبتنا ، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب .
قال ، حدثنا معاذ بن هشام قال ، حدثنا أبي ، عن أبي حكيمة ، عن أبي عثمان النهدي : أن عمر بن الخطاب قال وهو يطوف بالبيت ويبكي : اللهم إن كنت كتبت علي شقوة أو ذنباً فامحه ، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب ، فاجعله سعادةً ومغفرةً .
قال ، حدثنا معتمر ، عن أبيه ، عن أبي حكيمة ، عن أبي عثمان قال : وأحسبني قد سمعته من أبي عثمان ، مثله .
قال ، حدثنا أبو عامر قال ، حدثنا قرة بن خالد ، عن عصمة أبي حكيمة ، عن أبي عثمان النهدي ، عن عمر رحمه الله ، مثله .
حدثني المثنى قال ، حدثنا الحجاج قال ، حدثنا حماد قال ، حدثنا أبو حكيمة قال : سمعت أبا عثمان النهدي قال : سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول ، وهو يطوف بالكعبة : اللهم إن كنت كتبتني في أهل السعادة فأثبتني فيها ، وإن كنت كتبت علي الذنب والشقوة فامحني وأثبتني في أهل السعادة ، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب .
قال ، حدثنا الحجاج بن المنهال قال ، حدثنا حماد ، عن خالد الحذاء ، عن أبي قلابة ، عن ابن مسعود أنه كان يقول : اللهم إن كنت كتبتني في أهل الشقاء فامحني وأثبتني في أهل السعادة .
حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني ابي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : "يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب" ، يقول : هو الرجل يعمل الزمان بطاعة الله ، ثم يعود لمعصية الله ، فيموت على ضلاله ، فهو الذي يمحو . والذي يثبت : الرجل يعمل بمعصية الله ، وقد كان سبق له خير حتى يموت وهو في طاعة الله ، فهو الذي يثبت .
حدثنا أحمد قال ، حدثنا أبو أحمد قال ، حدثنا شريك ، عن هلال بن حميد ، عن عبد الله بن عكيم ، عن عبد الله أنه كان يقول : اللهم إن كنت كتبتني في السعداء فأثبتني في السعداء ، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب .
حدثني المثنى قال ، حدثنا الحجاج قال ، حدثنا حماد ، عن أبي حمزة ، عن إبراهيم : أن كعباً قال لعمر رحمة الله عليه : يا أمير المؤمنين ، لولا آية في كتاب الله لأنبأتك ما هو كائن إلى يوم القيامة . قال : وما هي ؟ قال : قول الله : "يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب" .
حدثت عن الحسين قال ، سمعت أبا معاذ يقول ، حدثنا عبيد قال ، سمعت الضحاك يقول في قوله : "لكل أجل كتاب" ، الآية يقول : "يمحو الله ما يشاء" ، يقول : أنسخ ما شئت ، وأصنع من الأفعال ما شئت ، إن شئت زدت فيها ، وإن شئت نقصت .
حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا عفان قال ، حدثنا همام قال ، حدثنا الكلبي قال : "يمحو الله ما يشاء ويثبت" ، قال : يمحي من الرزق ويزيد فيه ، ويمحي من الأجل ويزيد فيه . قلت : من حدثك ! قال : أبو صالح ، عن جابر بن عبد الله بن رئاب الأنصاري ، عن النبي صلى الله عليه وسلم . فقدم الكلبي بعد فسئل عن هذه الآية : "يمحو الله ما يشاء ويثبت" ، قال : يكتب القول كله ، حتى إذا كان يوم الخميس ، طرح منه كل شيء ليس فيه ثواب ولا عليه عقاب ، مثل قولك : أكلت ، شربت ،دخلت ، خرجت ، ذلك ونحوه من الكلام ، وهو صادق ، ويثبت ما كان فيه الثواب وعليه العقاب .
حدثنا الحسن قال ، حدثنا عبد الوهاب قال ، سمعت الكلبي ، عن أبي صالح ، نحوه ، ولم يجاوز ابا صالح .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : أن الله ينسخ ما يشاء من أحكام كتابه ، ويثبت ما يشاء منها فلا ينسخه .
ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس : "يمحو الله ما يشاء" ، قال : من القرآن . يقول : يبدل الله ما يشاء فينسخه ، ويثبت ما يشاء فلا يبدله ، "وعنده أم الكتاب" ، يقول : وجملة ذلك عنده في أم الكتاب ، الناسخ والمنسوخ ، وما يبدل وما يثبت ، كل ذلك في كتاب .
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : "يمحو الله ما يشاء ويثبت" ، هي مثل قوله : ( ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ) ، وقوله : "وعنده أم الكتاب" ، أي جملة الكتاب وأصله .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عنقتادة : "يمحو الله ما يشاء ويثبت" ، ما يشاء ، وهو الحكيم ، "وعنده أم الكتاب" ، وأصله .
حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : "يمحو الله ما يشاء" ، بما ينزل على الأنبياء ، "ويثبت" ، ما يشاء مما ينزل على الأنبياء ، قال : "وعنده أم الكتاب" ، لا يغير ولا يبدل .
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، قال قال ابن جريج : "يمحو الله ما يشاء" ، قال : ينسخ . قال : "وعنده أم الكتاب" ، قال : الذكر .
وقال آخرون : معنى ذلك أنه يمحو من قد حان أجله ، ويثبت من لم يجىء أجله إلى أجله .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثنا ابن أبي عدي ، عن عوف ، عن الحسن في قوله : "يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب" ، يقول : يمحو من جاء أجله فذهب ، والمثبت الذي هو حي يجري إلى أجله .
حدثنا عمرو بن علي قال ، حدثنا يحيى قال ، حدثنا عوف قال : سمعت الحسن يقول : "يمحو الله ما يشاء" ، قال : من جاء أجله ، "ويثبت" ، قال :من لم يجىء أجله إلى أجله .
حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا هوذة قال ، حدثنا عوف ، عن الحسن ، نحو حديث ابن بشار .
قال ، حدثنا عبد الوهاب بن عطاء قال ، أخبرنا سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن في قوله : "لكل أجل كتاب" ، قال : آجال بني آدم في كتاب ، يمحو الله من أجله ويثبت ، وعنده أم الكتاب .
قال ، حدثنا شبابة قال ، حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قول الله : "يمحو الله ما يشاء ويثبت" ، قالت قريش حين أنزل : ( وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله ) : ما نراك ، يا محمد ، تملك من شيء ، ولقد فرغ من الأمر ! فأنزلت هذه الآية تخويفاً ووعيداً لهم : إنا إن شئنا أحدثنا له من أمرنا ما شئنا ، ونحدث في كل رمضان ، فنمحو ونثبت ما يشاء من أرزاق الناس ومصائبهم ، وما نعطيهم ، وما نقسم لهم .
حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن ابي نجيح ، عن مجاهد ، نحوه .
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، نحوه .
وقال آخرون : معنى ذلك : ويغفر ما يشاء من ذنوب عباده ، ويترك ما يشاء فلا يغفر .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا حكام ، عن عمرو ، عن عطاء ، عن سعيد في قوله : "يمحو الله ما يشاء ويثبت" ، قال: يثبت في البطن الشقاء والسعادة ، وكل شيء ، فيغفر منه ما يشاء ، ويؤخر ما يشاء .
قال أبو جعفر : وأولى الأقوال التي ذكرت في ذلك بتأويل الآية واشبهها بالصواب ، القول الذي ذكرناه عن الحسن و مجاهد ، وذلك أن الله تعالى ذكره توعد المشركين الذين سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم الآيات بالعقوبة ، وتهددهم بها ، وقال لهم :( وما كانت لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله لكل أجل كتاب ) ، يعلمهم بذلك أن لقضائه فيهم أجلاً مثبتاً في كتاب ، هم مؤخرون إلى وقت مجيء ذلك الأجل . ثم قال لهم : فإذا جاء ذلك الأجل ، يجيء الله بما شاء ممن قد دنا أجله وانقطع رزقه ، أو حان هلاكه أو اتضاعه من رفعه أو هلاك مال ، فيقضي ذلك في خلقه ، فذلك محوه ، ويثبت ما شاء ممن بقي أجله ورزقه وأكله ، فيتركه على ما هو عليه فلا يمحوه .
وبهذا المعنى جاء الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذلك ما :
حدثني محمد بن سهل بن عسكر قال ، حدثنا ابن ابي مريم قال ، حدثنا الليث بن سعد ، عن زيادة بن محمد ، عن محمد بن كعب القرظي ، عن فضالة بن عبيد ، عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن الله يفتح الذكر في ثلاث ساعات يبقين من الليل ، في الساعة الأولى منهن ينظر في الكتاب الذي لا ينظر فيه أحد غيره ، فيمحو ما يشاء ويثبت" . ثم ذكر ما في الساعتين الأخريين .
حدثنا موسى بن سهل الرملي قال ، حدثنا آدم قال ، حدثنا الليث قال ، حدثنا زيادة بن محمد ، عن محمد بن كعب القرظي ، عن فضالة بن عبيد ، عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن الله ينزل في ثلاث ساعات يبقين من الليل ، يفتح الذكر في الساعة الأولى الذي لم يره أحد غيره ، يمحو ما يشاء ويثبت ما يشاء" .
حدثني محمد بن سهل بن عسكر قال ، حدثنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا ابن جريج ، عن عطاء عن ابن عباس قال : إن لله لوحاً محفوظاً مسيرة خمسمائة عام ، من درة بيضاء لها دفتان من ياقوت ، والدفتان لوحان لله ، كل يوم ثلاثمائة وستون لحظةً ، يمحو ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور قال ، حدثنا المعتمر بن سليمان ، عن ابيه قال ، حدثني رجل ، عن أبيه ، عن قيس بن عباد أنه قال : العاشر من رجب هو يوم يمحو الله فيه ما يشاء .
القول في تأويل قوله تعالى : "وعنده أم الكتاب" .
قال ابو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : "وعنده أم الكتاب" .
فقال بعضهم : معناه : وعنده الحلال والحرام .
ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى قال ، حدثنا مسلم بن إبراهيم قال ، حدثنا محمد بن عقبة قال ، حدثنا مالك بن دينار قال : سألت الحسن قلت :"أم الكتاب" ، قال : الحلال والحرام . قال قلت له :فما الحمد لله رب العالمين ؟ قال : هذه أم القرآن .
وقال آخرون : معناه : وعنده جملة الكتاب وأصله .
ذكر من قال ذلك :
حدنثا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : "وعنده أم الكتاب" ، قال : جملة الكتاب واصله .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، مثله .
حدثت عن الحسين قال ، سمعت أبا معاذ يقول ، حدثنا عبيد قال ، سمعت الضحاك يقول في قوله : "وعنده أم الكتاب" ، قال : كتاب عند رب العالمين .
حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق بن يوسف ، عن جويبر ،عن الضحاك : "وعنده أم الكتاب" ، قال : جملة الكتاب وعلمه . يعني بذلك ما ينسخ منه وما يثبت .
حدثني المثنى قال ، حدثنا ابو صالح قال ، حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس : "وعنده أم الكتاب" ، يقول : وجملة ذلك عنده في أم الكتاب ، الناسخ والمنسوخ ، وما يبدل وما يثبت ، كل ذلك في كتاب .
وقال آخرون في ذلك ما :
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثنا معتمر بن سليمان ، عن أبيه ، عن سيار ، عن ابن عباس : أنه سأل كعباً عن "أم الكتاب" قال : علم الله ، ما هو خالق ، وما خلقه عاملون ، فقال لعلمه : كن كتاباً ، فكان كتاباً .
وقال آخرون : هو الذكر .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، قالأبو جعفر : لا أدري فيه ابن جريج أم لا قال ، قال ابن عباس : "وعنده أم الكتاب" ، قال : الذكر .
قال ابو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : وعنده أصل الكتاب وجملته . وذلك أنه تعالى ذكره أخبر أنه يمحو ما يشاء ويثبت ما يشاء ، ثم عقب ذلك بقوله : "وعنده أم الكتاب" ، فكان بيناً أن معناه : وعنده أصل المثبت منه والممحو وجملته في كتاب لديه .
قال أبو جعفر : واختلفت القرأة في قراءة قوله : "ويثبت" .
فقرأ ذلك عامة قرأة المدينة والكوفة : ويثبت بتشديد الباء ، بمعنى : ويتركه ويقره على حاله فلا يمحوه .
وقرأه بعض المكيين وبعض البصريين وبعض الكوفيين : "ويثبت" ، بالتخفيف ، بمعنى : يكتب .
وقد بينا قبل أن معنى ذلك عندنا : إقراره مكتوباً وترك محوه على ما قد بينا . فإذا كان ذلك كذلك ، فالتثبيت به أولى ، والتشديد أصوب من التخفيف ، وإن كان التخفيف قد يحتمل توجيهه في المعنى إلى التشديد ، والتشديد إلى التخفيف ، لتقارب معنييهما .
وأما المحو فإن للعرب فيه لغتين : فأما مضر فإنها تقول : محوت الكتاب أمحوه محواً وبه التنزيل ، ومحوته أمحاه محواً .
وذكر عن بعض قبائل ربيعة أنها تقول : محيت أمحى .
قوله تعالى: " يمحو الله ما يشاء ويثبت " أي يمحو من ذلك الكتاب ما يشاء أن يوقعه بأهله ويأتي به. ( ويثبت) ما يشاء، أي يؤخره إلى وقته، يقال: محوت الكتاب محواً، أي أذهبت أثره. ( ويثبت) أي ويثبته، كقوله: " والذاكرين الله كثيرا والذاكرات " ( الأزاب: 35) أي والذاكرات الله.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم ( ويثبت) بالتخفيف، وشدد الباقون، وفي قراءة ابي عباس، واختيار أبي حاتم وأبي عبيد لكثرة من قرأ بها، لقوله: " يثبت الله الذين آمنوا " ( إبراهيم: 27). وقال ابن عمر: سمت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " يمحو الله ما يشاء ويثبت إلا السعادة والشقاوة والموت ". وقال ابن عباس: يمحو الله ما يشاء ويثبت إلا أشياء، الخلق والخلق والأجل والرزق والسعادة والشقاوة، وعنه: هما كتابان سوى أم الكتاب، يمحو الله منهما ما يشاء ويثبت. " وعنده أم الكتاب " الذي لا يتغير منه شيء. قال القشيري : وقيل السعادة والشقاوة والخلق والخلق والرزق لا تتغير، فالآية فيما عدا هذه الأشياء، وفي هذا القول نوع تحكم.
قلت: مثل هذا لا يدرك بالرأي والاجتهاد، وإنما يؤخذ توقيفاً، فإن صح فالقول به يجب ويوقف عنده، وإلا فتكون الآية عامة في جميع الأشياء، وهو الأظهر والله أعلم، وهذا يروى معناه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وابن مسعود وأبي وائل وكعب الأحبار وغيرهم، وهو قول الكلبي . وعن أبي عثمان النهدي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يطوف بالبيت وهو يبكي ويقول: اللهم إن كنت كتبتني في أهل السعادة فأثبتني فيها، وإن كنت كتبتني في أهل الشقاوة والذنب فامحني وأثبتني في أهل السعادة والمغفرة، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت، وعندك أم الكتاب. وقال ابن مسعود: اللهم إن كنت كتبتني في السعداء فأثبتني فيهم، وإن كنت كتبتني في الأشقياء فامحني من الأشقياء واكتبني في السعداء، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت، وعندك أم الكتاب. وكان أبو وائل يكثر أن يدعو: اللهم إن كنت كتبتنا أشقياء فامح واكتبنا سعداء، وإن كنت كتبتنا سعداء فأثبتنا، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب. وقال كعب لعمر بن الخطاب: لولا آية في كتاب الله لأنبأتك بما هو كائن إلى يوم القيامة. ( يمحو الله ما يشاء ويثبت وعند أم الكتاب). وقال مالك بن دينار في المرأة التي دعا لها: اللهم إن كان في بطنها جارية فأبدلها غلاماً فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب. وقد تقدم في الصحيحين عن أبي هريرة قال: " سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من سره أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه ". ومثله عن أنس بن مال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من أحب " فذكره بلفظه سواء، وفيه تأويلان: أحدهما: معنوي، وهو ما يبقى بعده من الثناء الجميل والذكر الحسن، والأجر المتكرر، فكأنه لم يمت. والآخر: يؤخر أجله المكتوب في اللوح المحفظ، والذي في علم الله ثابت لا تبدل له، كما قال: ( يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب). وقيل لابن عباس لما روى الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من أحب أن يمد الله في عمره وأجله ويبسط له في رزقه فليتق الله وليصل رحمه " كيف يزداد في العمر والأجل؟‍ فقال: قال الله عز وجل: " هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده " ( الأنعام: 2). فالأجل الأول أجل العبد من حين ولادته إلى حين موته، والأجل الثاني - يعني المسمى عنده - من حين وفاته إلى يوم يلقاه في البرزخ لا يعلمه إلا الله، فإذا اتقى العبد ربه ووصل رحمه زاده الله في أجل عمره الأول من أجل البرزخ ما شاء، وإذا عصى وقطع رحمه نقصه الله من أجل عمره في الدنيا ما شاء فيزيده في أجل البرزخ، فإذا تحتم الأجل في علمه السابق امتنع الزيادة والنقصان، لقوله تعالى: " فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون " ( يونس: 61) فتوافق الخبر والآية، وهذه زيادة في نفس العمر وذات الأجل على ظاهر اللفظ، في اختيار حبر الأمة، والله أعلم. وقال مجاهد: يحكم الله أمر السنة في رمضان فيمحو ما يشاء ويثبت ما يشاء، إلا الحياة والموت، والشقاء والسعادة، وقد مضى القول فيه. وقال الضحاك : يمحو الله ما يشاء من ديوان الحفظة ما ليس فيه ثواب ولا عقاب، ويثبت ما فيه ثواب وعقاب، وروى معناه أبو صالح عن ابن عباس. وقال الكلبي : يمحو من الرزق ويزيد فيه، ويمحو من الأجل ويزيد فيه، ورواه عن النبي صلى الله عليه وسلم. ثم سئل الكلبي عن هذه الآية فقال: يكتب القول كله، حتى إذا كان يوم الخميس طرح منه كل شيء ليس فيه ثواب ولا عقاب، مثل قولك: أكلت وشربت ودخلت وخرجت ونحوه، وهو صادق، ويثبت ما فيه الثواب والعقاب. وقال قتادة وابن زيد وسعيد بن جبير: يمحو الله ما يشاء من الفرائض والنوافل فينسخه ويبدله، ويثبت ما يشاء فلا ينسخه، وجملة الناسخ والمنسوخ عنده في أم الكتاب، ونحوه ذكره النحاس و المهدوي عن ابن عباس، قال النحاس : وحدثنا بكر بن سهل، قال حدثنا أبو صالح، وعن معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، ( يمحو الله ما يشاء) يقول: يبدل الله من القرآن ما يشاء فينسخه، ( ويثبت) ما يشاء فلا يبدله، ( وعنده أم الكتاب) يقول: جملة ذلك عنده في أم الكتاب، الناسخ والمنسوخ. وقال سعيد بن جبير أيضاً: يغفر ما يشاء - يعني - من ذنوب عباده، ويترك ما يشاء فلا يغفره. وقال عكرمة: يمحو ما يشاء - يعني بالتوبة - جميع الذنوب ويثبت بدل الذنوب حسنات قال تعالى: " إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا " ( الفرقان: 70) الآية. وقال الحسن: ( يمحو الله ما يشاء) من جاء أجله، ( ويثبت) من لم يأت أجله. وقال الحسن: يمحو الآباء، ويثبت الأبناء. وعنه أيضاً: ينسى الحفظة من الذنوب ولا يسنى. وقال السدي : ( يمحو الله ما يشاء) يعني: القمر، ( ويثبت) يعني: الشمس، بيانه قوله: " فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة " ( الإسراء: 12) وقال الربيع بن أنس: هذا في الأرواح حالة النوم، يقبضها عند النوم، ثم إذا أراد موته فجأة أمسكه، ومن أراد بقاءه أثبته ورده إلى صاحبه، بيانه قوله: " الله يتوفى الأنفس حين موتها " ( الزمر: 42) الآية. وقال علي بن أبي طالب: يمحو الله ما يشاء من القرون، كقوله: " ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون " ( يس: 31) ويثبت ما يشاء منها، كقوله: " ثم أنشأنا من بعدهم قرنا آخرين " ( المؤمنون: 31) فيمحو قرناً، ويثبت قرناً. وقيل: هو الرجل يعمل الزمن الطويل بطاعة الله، ثم يعمل بمعصية الله فيموت على ضلاله، فهو الذي يمحو، والذي يثبت: الرجل يعمل بمعصية الله الزمان الطويل ثم يتوب، فيمحوه الله من ديوان السيئات، ويثبته في ديوان الحسنات، ذكره الثعلبي و الماوردي عن ابن عباس. وقيل: يمحو الله ما يشاء - يعني الدنيا - ويثبت الآخرة. وقال قيس بن عباد في اليوم العاشر من رجب: هو اليوم الذي يمحو الله فيه ما يشاء، ويثبت فيه ما يشاء، وقد تقدم عن مجاهد أن ذلك يكون في رمضان. وقال ابن عباس: إن لله لوحاً محفوظاً مسيرة خمسمائة عام، من درة بيضاء، لها دفتان من ياقوتة حمراء لله في كل يوم ثلاثمائة وستون نظرة، يثبت ما يشاء ويمحو ما يشاء. وروى أبو الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله سيحانه يفتح الذكر في ثلاث ساعات يبقين من الليل فينظر في الكتاب الذي لا ينظر فيه أحد غيره فيثبت ما يشاء ويمحو ما يشاء ". والعقيدة أنه لا تبديل لقضاء الله، وهذا المحو والإثبات مما سبق به القضاء، وقد تقدم أن من القضاء ما يكون واقعاً محتوماً، وهو الثابت، ومنه ما يكون مصروفاً بأسباب، وهو الممحو، والله أعلم. الغزنوي : وعندي أن ما في اللوح خرج عن الغيب لإحاطة بعض الملائكة، فيحتمل التبديل، لأن إحاطة الخلق بجميع علم الله محال، وما في علمه من تقدير الأشياء لا يبدل. " وعنده أم الكتاب " أي أصل ما كتب من الآجال وغيرها. وقيل: أم الكتاب اللوح المحفوظ الذي لا يبدل ولا يغير. وقد قيل: إنه يجري فيه التبديل. وقيل: إنما يجري في الجرائد الأخر. وسئل ابن عباس عن أم الكتاب فقال: علم الله ما هو خالق. وما خلقه عاملون، فقال لعلمه: كن كتاباً، ولا تبديل في علم الله، وعنه أنه الذكر، دليله قوله تعالى: " ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر " ( الأنبياء: 105) وهذا يرجع معناه إلى الأول، وهو معنى قول كعب. قال كعب الأحبار: أم الكتاب علم الله تعالى بما خلق وبما هو خالق.
يقول تعالى: وكما أرسلناك يا محمد رسولاً بشرياً, كذلك قد بعثنا المرسلين قبلك بشراً, يأكلون الطعام, ويمشون في الأسواق, ويأتون الزوجات, ويولد لهم, وجعلنا لهم أزواجاً وذرية, وقد قال تعالى لأشرف الرسل وخاتمهم " قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي " وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أما أنا فأصوم وأفطر, وأقوم وأنام, وآكل اللحم, وأتزوج النساء, فمن رغب عن سنتي فليس مني". وقال الإمام أحمد: حدثنا يزيد, أنبأنا الحجاج بن أرطاة عن مكحول قال: قال أبو أيوب: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أربع من سنن المرسلين: التعطر والنكاح. والسواك, والحناء". وقد رواه أبو عيسى الترمذي عن سفيان بن وكيع عن حفص بن غياث, عن الحجاج, عن مكحول, عن أبي الشمال, عن أبي أيوب فذكره, ثم قال: وهذا أصح من الحديث الذي لم يذكر فيه أبو الشمال.
وقوله: "وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله" أي لم يكن يأتي قومه بخارق إلا إذا أذن له فيه, ليس ذلك إليه بل إلى الله عز وجل يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد, "لكل أجل كتاب" أي لكل مدة مضروبة, كتاب مكتوب بها, وكل شيء عنده بمقدار "ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض إن ذلك في كتاب إن ذلك على الله يسير" وكان الضحاك بن مزاحم يقول في قوله: "لكل أجل كتاب" أي لكل كتاب أجل, يعني لكل كتاب أنزله من السماء مدة مضروبة عند الله, ومقدار معين, فلهذا "يمحو الله ما يشاء" منها, "ويثبت" يعني حتى نسخت كلها بالقرآن الذي أنزله الله على رسوله صوات الله وسلامه عليه. وقوله "يمحو الله ما يشاء ويثبت" اختلف المفسرون في ذلك فقال الثوري ووكيع وهشيم عن ابن أبي ليلى, عن المنهال بن عمرو, عن سعيد بن جبير! عن ابن عباس: يدبر أمر السنة, فيمحو الله ما يشاء إلا الشقاء والسعادة والحياة والموت, وفي رواية "يمحو الله ما يشاء ويثبت" قال: كل شيء إلا الموت والحياة والشقاء والسعادة, فإنهما قد فرغ منهما.
وقال مجاهد "يمحو الله ما يشاء ويثبت" إلا الحياة والموت والشقاء والسعادة فإنهما لا يتغيران. وقال منصور: سألت مجاهداً, فقلت: أرأيت دعاء أحدنا يقول: اللهم إن كان اسمي في السعداء فأثبته فيهم, وإن كان في الأشقياء فامحه عنهم, واجعله في السعداء ؟ فقال: حسن: ثم لقيته بعد ذلك بحول أو أكثر, فسألته عن ذلك فقال: "إنا أنزلناه في ليلة مباركة" الايتين, قال: يقضي في ليلة القدر ما يكون في السنة من رزق أو مصيبة, ثم يقدم ما يشاء ويؤخر ما يشاء, فأما كتاب السعادة والشقاوة فهو ثابت لا يغير, وقال الأعمش, عن أبي وائل شقيق بن سلمة: إنه كان كثيراً ما يدعو بهذا الدعاء: اللهم إن كنت كتبتنا أشقياء, فامحه واكتبنا سعداء, وإن كنت كتبتنا سعداء فأثبتنا, فإنك تمحو ما تشاء وتثبت, وعندك أم الكتاب, رواه ابن جرير, وقال ابن جرير أيضاً: حدثنا عمرو بن علي حدثنا معاذ بن هشام, حدثنا أبي عن أبي حكيمة عصمة, عن أبي عثمان النهدي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال وهو يطوف بالبيت ويبكي: اللهم إن كنت كتبت علي شقوة أو ذنباً فامحه, فإنك تمحو ما تشاء وتثبت, وعندك أم الكتاب, فاجعله سعادة ومغفرة.
وقال حماد عن خالد الحذاء, عن أبي قلابة, عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه كان يدعو بهذا الدعاء أيضاً. ورواه شريك عن هلال بن حميد, عن عبد الله بن عكيم, عن ابن مسعود بمثله. وقال ابن جرير: حدثني المثنى, حدثنا حجاج, حدثنا خصاف عن أبي حمزة, عن إبراهيم, أن كعباً قال لعمر بن الخطاب: يا أمير المؤمنين , لولا آية في كتاب الله لأنبأتك بما هو كائن إلى يوم القيامة. قال: وما هي ؟ قال: قول الله تعالى: "يمحو الله ما يشاء" الاية, ومعنى هذه الأقوال أن الأقدار ينسخ الله ما يشاء منها, ويثبت منها ما يشاء, وقد يستأنس لهذا القول بما ورواه الإمام احمد: حدثنا وكيع, وحدثنا سفيان هو الثوري, عن عبد الله بن عيسى, عن عبد الله بن أبي الجعد, عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه, ولا يرد القدر إلا الدعاء, ولا يزيد في العمر إلا البر", ورواه النسائي وابن ماجه من حديث سفيان الثوري به.
وثبت في الصحيح أن صلة الرحم تزيد في العمر. وفي حديث آخر "إن الدعاء والقضاء ليعتلجان بين السماء والأرض". وقال ابن جرير: حدثني محمد بن سهل بن عسكر, حدثنا عبد الرزاق, أخبرنا ابن جرير عن عطاء, عن ابن عباس قال: إن لله لوحاً محفوظاً مسيرة خمسمائة عام من درة بيضاء لها دفتان من ياقوت ـ والدفتان: لوحان ـ لله عز وجل, كل يوم ثلاثمائة وستون لحظة, يمحو ما يشاء ويثبت, وعنده أم الكتاب. وقال الليث بن سعد عن زيادة بن محمد, عن محمد بن كعب القرظي, عن فضالة بن عبيد, عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يفتح الذكر في ثلاث ساعات يبقين من الليل, في الساعة الأولى منها ينظر في الذكر الذي لا ينظر فيه أحد غيره فيمحو ما يشاء ويثبت" وذكر تمام الحديث, رواه ابن جرير.
وقال الكلبي: يمحو الله ما يشاء ويثبت, قال: يمحو من الرزق ويزيد فيه, ويمحو من الأجل ويزيد فيه, فقيل له: من حدثك بهذا ؟ فقال: أبو صالح عن جابر بن عبد الله بن رئاب, عن النبي صلى الله عليه وسلم, ثم سئل بعد ذلك عن هذه الاية, فقال: يكتب القول كله حتى إذ كان يوم الخميس طرح منه كل شيء ليس فيه ثواب ولا عقاب, مثل قولك: أكلت وشربت, ودخلت وخرجت, ونحو ذلك من الكلام, وهو صادق, ويثبت ما كان فيه الثواب وعليه العقاب, وقال عكرمة عن ابن عباس: الكتاب كتابان, فكتاب يمحو الله منه ما يشاء ويثبت, وعنده أم الكتاب,
وقال العوفي عن ابن عباس في قوله: "يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب" يقول: هو الرجل يعمل الزمان بطاعة الله ثم يعود لمعصية الله, فيموت على ضلالة, فهو الذي يمحو, والذي يثبت الرجل يعمل بمعصية الله, وقد كان سبق له خير حتى يموت وهو في طاعة الله وهو الذي يثبت, وروي عن سعيد بن جبير أنها بمعنى "يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء قدير". وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس "يمحو الله ما يشاء ويثبت" يقول: يبدل ما يشاء فينسخه, ويثبت ما يشاء فلا يبدله, "وعنده أم الكتاب" وجملة ذلك عنده في أم الكتاب الناسخ والمنسوخ, وما يبدل وما يثبت كل ذلك في كتاب, وقال قتادة في قوله: "يمحو الله ما يشاء ويثبت" كقوله: "ما ننسخ من آية أو ننسها" الاية. وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله: "يمحو الله ما يشاء ويثبت" قال: قالت كفار قريش لما نزلت "وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله": ما نرى محمداً يملك شيئاً وقد فرغ من الأمر, فأنزلت هذه الاية تخويفاً ووعيداً لهم, إنا إن شئنا أحدثنا له من أمرنا ما شئنا, ونحدث في كل رمضان, فيمحو ما يشاء, ويثبت ما يشاء من أرزاق الناس ومصائبهم وما يعطيهم وما يقسم لهم.
وقال الحسن البصري "يمحو الله ما يشاء ويثبت" قال: من جاء أجله يذهب, ويثبت الذي هو حي يجري إلى أجله, وقد اختار هذا القول أبو جعفر بن جرير رحمه الله, وقوله: "وعنده أم الكتاب" قال: الحلال والحرام, وقال قتادة: أي جملة الكتاب وأصله, وقال الضحاك "وعنده أم الكتاب" قال: كتاب عند رب العالمين, وقال سنيد بن داود: حدثني معتمر عن أبيه, عن يسار, عن ابن عباس أنه سأل كعباً عن أم الكتاب, فقال: علم الله ما هو خالق وما خلقه عاملون, ثم قال لعلمه: كن كتاباً فكان كتاباً, وقال ابن جريج عن ابن عباس "وعنده أم الكتاب" قال: الذكر.
39- "يمحو الله ما يشاء ويثبت" أي يمحو من ذلك الكتاب ويثبت ما يشاء منه، يقال محوت الكتاب محواً إذا أذهبت أثره. قرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم "ويثبت" بالتخفيف. وقرأ الباقون بالتشديد، واختار هذه القراءة أبو حاتم وأبو عبيد. وظاهر النظم القرآني العموم في كل شيء مما في الكتاب فيمحو ما يشاء محوه من شقاوة أو سعادة أو رزق أو عمر أو خير أو شر، ويبدل هذا بهذا، ويجعل هذا مكان هذا "لا يسأل عما يفعل وهم يسألون" وإلى هذا ذهب عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود وابن عباس وأبو وائل وقتادة والضحاك وابن جريج وغيرهم، وقيل الآية خاصة بالسعادة والشقاوة، وقيل يمحو ما يشاء من ديوان الحفظة، وهو ما ليس فيه ثواب ولا عقاب ويثبت ما فيه الثواب والعقاب، وقيل يمحو ما يشاء من الرزق، وقيل يمحو من الأجل، وقيل يمحو ما يشاء من الشرائع فينسخه ويثبت ما يشاء فلا ينسخه، وقيل يمحو ما يشاء من ذنوب عباده ويترك ما يشاء، وقيل يمحو ما يشاء من الذنوب بالتوبة ويترك ما يشاء منها مع عدم التوبة، وقيل يمحو الآباء وثبت الأبناء، وقيل يمحو القمر ويثبت الشمس كقوله: "فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة" وقيل يمحو ما يشاء من الأرواح التي يقبضها حال النوم
فيميت صاحبه ويثبت ما يشاء فيرده إلى صاحبه، وقيل يمحو ما يشاء من القرون ويثبت ما يشاء منها، وقيل يمحو الدنيا ويثبت الآخرة، وقيل غير ذلك مما لا حاجة إلى ذكره، والأول أولى كما تفيده ما في قوله: ما يشاء من العموم مع تقدم ذكر الكتاب في قوله "لكل أجل كتاب" ومع قوله "وعنده أم الكتاب" أي أصله، وهو اللوح المحفوظ، فالمراد من الآية أنه يمحو ما يشاء مما في اللوح المحفوظ فيكون كالعدم، ويثبت ما يشاء مما فيه فيجري فيه قضاؤه وقدره على حسب ما تقتضيه مشيئته، وهذا لا ينافي ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من قوله: "جف القلم" وذلك لأن المحو والإثبات هو من جملة ما قضاه الله سبحانه، وقيل إن أم الكتاب هو علم الله تعالى بما خلق وما هو خالق.
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: "يفرحون بما أنزل إليك" قال: أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فرحوا بكتاب الله وبرسوله وصدقوا به "ومن الأحزاب من ينكر بعضه" يعني اليهود والنصارى والمجوس. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن زيد في الآية: قال هؤلاء من آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل الكتاب يفرحون بذلك، ومنهم من يؤمن به، ومنهم من لا يؤمن به "ومن الأحزاب من ينكر بعضه" قال: الأحزاب الأمم اليهود والنصارى والمجوس. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: " وإليه مآب " قال: إليه مصير كل عبد. وأخرج ابن ماجه وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه من طريق قتادة عن الحسن عن سمرة قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التبتل. وقرأ قتادة "ولقد أرسلنا رسلاً من قبلك" الآية. وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن سعد بن هشام قال: دخلت على عائشة فقلت: إني أريد أن أتبتل؟ قالت لا تفعل، أما سمعت الله يقول "ولقد أرسلنا رسلاً من قبلك وجعلنا لهم أزواجاً وذرية" وقد ورد في النهي عن التبتل والترغيب في النكاح ما هو معروف. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال: قالت قريش حين أنزل "ما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله" ما نراك يا محمد تملك من شيء، ولقد فرغ من الأمر، فأنزلت هذه الآية تخويفاً لهم ووعيداً لهم "يمحو الله ما يشاء ويثبت" إنا إن شئنا أحدثنا له من أمرنا شيئاً، ويحدث الله في كل رمضان فيمحو ما يشاء ويثبت من أرزاق الناس ومصائبهم وما يعطيهم وما يقسم لهم. وأخرج عبد الرزاق والفريابي وابن جرير وابن نصر وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عن ابن عباس في قوله "يمحو الله ما يشاء ويثبت" قال: ينزل الله في كل شهر رمضان إلى سماء الدنيا، فيدبر أمر السنة إلى السنة فيمحو ما يشاء ويثبت إلا الشقاوة والسعادة والحياة والموت. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه في الآية قال: هو الرجل يعمل الزمان بطاعة الله، ثم يعود لمعصية الله فيموت على ضلالة، فهو الذي يمحو، والذي يثبت الرجل يعمل بمعصية الله وقد سبق له خير حتى يموت على طاعة الله. وأخرج ابن جرير ومحمد بن نصر وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عنه أيضاً في الآية قال: هما كتابان يمحو الله ما يشاء من أحدهما ويثبت، وعنده أم الكتاب: أي جملة الكتاب. وأخرج ابن جرير عنه أيضاً قال "إن لله لوحاً محفوظاً مسيرة خمسمائة عام من درة بيضاء له دفتان من ياقوت، والدفتان لوحان: لله كل يوم ثلاث وستون لحظة يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب". وإسناده عند ابن جرير: هكذا حدثنا محمد بن شهر بن عسكر حدثنا عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس فذكره. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والطبراني عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله ينزل في ثلاث ساعات يبقين من الليل فيفتح الذكر في الساعة الأولى منها ينظر في الذكر الذي لا ينظر فيه أحد غيره فيمحو الله ما يشاء ويثبت" الحديث. وأخرج الطبراني في الأوسط وابن مردويه بإسناد. قال السيوطي: ضعيف عن ابن عمر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يمحو الله ما يشاء ويثبت إلا الشقاوة والسعادة والحياة والممات". وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس مرفوعاً بنحوه. وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس قال "لا ينفع الحذر من القدر، ولكن الله يمحو بالدعاء ما يشاء من القدر". وأخرج ابن جرير عن قيس بن عباد قال العاشر من رجب وهو يوم يمحو الله فيه ما يشاء. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عنه نحوه بأطول منه. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عمر بن الخطاب أنه قال وهو يطوف بالبيت اللهم إن كنت كتبت علي شقوة أو ذنباً فامحه، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت، وعندك أم الكتاب، فاجعله سعادة ومغفرة. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر والطبراني عن ابن مسعود نحوه. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في المدخل عن ابن عباس في قوله: "يمحو الله ما يشاء ويثبت" قال: يبدل الله ما يشاء من القرآن فينسخه، ويثبت ما يشاء فلا يبدله "وعنده أم الكتاب" يقول: وجملة ذلك عنده في أم الكتاب: الناسخ والمنسوخ، ما يبدل، وما يثبت كل ذلك في كتاب. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس "وعنده أم الكتاب" قال: الذكر. وأخرج ابن المنذر عن مجاهد مثله. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن يسار عن ابن عباس أنه سأل كعباً عن أم الكتاب؟ فقال: علم الله ما هو خالق، وما خلقه عالمون، فقال لعلمه كن كتاباً، فكان كتاباً.
39- "يمحو الله ما يشاء ويثبت"، قرأ ابن كثير وأبو عمرو، وعاصم و يعقوب "ويثبت" بالتخفيف وقرأ الآخرون بالتشديد.
واختلفوا في معنى الآية:
فقال سعيد بن جبير، و قتادة: يمحو الله ما يشاء من الشرائع والفرائض فينسخه ويبدله، ويثبت ما يشاء منها فلا ينسخه
وقال ابن عباس: يمحو الله ما يشاء ويثبت إلا الرزق والأجل والسعادة والشقاوة.
وروينا عن حذيفة بن أسيد عن النبي صلى الله عليه وسلم: "يدخل الملك على النطفة بعدما تستقر في الرحم بأربعين، أو خمس وأربعين ليلة، قيقول: يا رب أشقي أم سعيد؟ فيكتبان، فيقول: أي رب أذكر أم أنثى؟ فيكتبان، ويكتب عمله وأثره وأجله ورزقه، ثم تطوى الصحف فلا يزاد فيها ولا ينقص".
وعن عمر وابن مسعود- رضي الله عنهما - أنهما قالا: يمحو السعادة والشقاوة أيضا، ويمحو الرزق والأجل ويثبت ما يشاء.
وروي عن عمر رضي الله عنه أنه كان يطوف بالبيت وهو يبكي ويقول: اللهم أن كنت كتبتني في أهل السعادة فأثبتني فيها، وإن كنت كتبت علي الشقاوة فامحني، وأثبتني في أهل السعادة والمغفرة، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب. ومثله عن ابن مسعود.
وفي بعض الآثار: أن الرجل يكون قد بقي من عمره ثلاثون سنة فيقطع رحمه فترد إلى ثلاثة أيام، والرجل يكون قد بقي من عمره ثلاثة أيام فيصل رحمه فيمد إلى ثلاثين سنة.
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أبو منصور السمعاني، حدثنا أبو جعفر الرياني، حدثنا حميد ابن زنجويه، حدثنا عبد الله بن صالح، حدثني الليث بن سعد، حدثني زيادة بن محمد الأنصاري، عن محمد بن كعب القرظي، عن فضالة بن عبيد، عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ينزل الله عز وجل في آخر ثلاث ساعات يبقين من الليل، فينظر في الساعة الأولى منهن في أم الكتاب الذي لا ينظر فيه أحد غيره فيمحو ما يشاء ويثبت".
وقيل: معنى الآية: إن الحفظة يكتبون جميع أعمال بني آدم وأقوالهم، فيمحو الله من ديوان الحفظة ما ليس فيه ثواب ولا عقاب، مثل قوله: أكلت، شربت، دخلت خرجت، ونحوها من كلام هو صادق فيه، ويثبت ما فيه ثواب وعقاب، هذا قول الضحاك و الكلبي.
وقال الكلبي: يكتب القول كله، حتى إذا كان يوم الخميس طرح منه كل شيء ليس فيه ثواب ولا عقاب.
وقال عطية عن ابن عباس: هو الرجل يعمل بطاعة الله عز وجل ثم يعود لمعصية الله فيموت على ضلالة فهو الذى يمحو، والذي يثبت: الرجل يعمل بطاعة الله، فيموت وهو في طاعة الله عز وجل فهو الذى يثبت.
وقال الحسن: "يمحو الله ما يشاء" أي من جاء أجله يذهب به ويثبت من لم يجئ أجله إلى أجله.
وعن سعيد بن جبير قال: "يمحو الله ما يشاء" من ذنوب العباد فيغفرها ويثبت ما يشاء فلا يغفرها.
وقال عكرمة: "يمحو الله ما يشاء" من الذنوب بالتوبة، ويثبت بدل الذنوب حسنات، كما قال الله تعالى: "فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات" (الفرقان-70)، وقال السدي: "يمحو الله ما يشاء" يعني القمر "ويثبت" يعني الشمس، بيانه قوله تعالى: "فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة" (الإسراء-12).
وقال الربيع: هذا في الأرواح يقبضها الله تعالى عند النوم، فمن أراد موته محاه فأمسكه، ومن أراد بقاءه أثبته ورده إلى صاحبه، بيانه قوله عز وجل: "الله يتوفى الأنفس حين موتها" الآية (الزمر-42), "وعنده أم الكتاب"، أي: أصل الكتاب، وهو اللوح المحفوظ الذي لا يبدل ولا يغير.
وقال عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما: هما كتابان: كتاب سوى أم الكتاب، يمحو منه ما يشاء ويثبت، وأم الكتاب الذي لا يغير منه شيء.
وعن عطاء عن ابن عباس قال: إن لله تعالى لوحا محفوظا مسيرة خمسمائة عام، من درة بيضاء لها دفتان من ياقوت، لله فيه كل يوم ثلثمائة وستون لحظة "يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب".
وسأل ابن عباس كعبا عن أم الكتاب؟ فقال: علم الله، ما هو خالق، وما خلقه عاملون.
39."يمحو الله ما يشاء"ينسخ ما يستصوب نسخه."ويثبت "ما تقتضيه حكمته.وقيل يمحو سيئات التائب ويثبت الحسنات مكانها.وقيل يمحو من كتاب الحفظة ما لا يتعلق به جزاء ويترك غيره مثبتاً ما رآه وحده في صميم قلبه.وقيل يمحو قرناً ويثبت آخرين .وقيل يمحو الفاسدات ويثبت الكائنات . وقرأنافع وابن عامر وحمزة والكسائيويثبت بالتشديد."وعنده أم الكتاب"أصل الكتاب وهو اللوح المحفوظ إذ ما من كائن إلا وهو مكتوب فيه.
39. Allah effaceth what He will, and establisheth (what He will), and with Him is the source of ordinance.
39 - God doth blot out or confirm what he pleaseth: with him is the mother of the book.