[الرعد : 29] الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ
29 - (الذين آمنوا وعملوا الصالحات) مبتدأ خبره (طوبى) مصدر من الطيب ، أو شجرة في الجنة يسير الراكب في ظلها مائة عام ما يقطعها (لهم وحسن مآب) مرجع
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : ويهدي إليه من أناب بالتوبة الذين آمنوا .
و "الذين آمنوا" ، في موضع نصب ، رد على "من" ، لأن "الذين آمنوا" ، هم "من أناب" ، ترجم بها عنها .
وقوله : "وتطمئن قلوبهم بذكر الله" ، يقول : وتسكن قلوبهم وتستأنس بذكر الله ، كما :
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : "وتطمئن قلوبهم بذكر الله" ، يقول : سكنت إلى ذكر الله واستأنست به .
وقوله : "ألا بذكر الله تطمئن القلوب" ، يقول : ألا بذكر الله تسكن وتستأنس قلوب المؤمنين .
وقيل : إنه عنى بذلك قلوب المؤمنين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا شبابة قال ، حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : "ألا بذكر الله تطمئن القلوب" ، لمحمد وأصحابه .
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ـ :
وحدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "ألا بذكر الله تطمئن القلوب" ، قال : لمحمد وأصحابه .
قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا أحمد بن يونس قال ، حدثنا سفيان بن عيينة في قوله : "وتطمئن قلوبهم بذكر الله" ، قال : هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم .
وقوله : "الذين آمنوا وعملوا الصالحات" ، الصالحات من الأعمال ، وذلك العلم بما أمرهم ربهم ، "طوبى لهم" .
و "طوبى" ، في موضع رفع بـ "لهم" .
وكان بعض اهل البصرة والكوفة يقول : ذلك رفع ، كما يقال في الكلام : ويل لعمرو .
قال أبو جعفر : وإنما أوثر الرفع في "طوبى" ، لحسن الإضافة فيه بغير لام . وذلك أنه يقال فيه : طوباك ، كما يقال : ويلك ، و ويبك ، ولولا حسن الإضافة فيه بغير لام ، لكان النصب فيه أحسن وأفصح ، كما النصب في قولهم : تعساً لزيد ، وبعداً له وسحقاً ، أحسن ، إذ كانت الإضافة فيها بغير لام لا تحسن .
وقد اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : "طوبى لهم" .
فقال بعضهم : معناه : نعم ما لهم .
ذكر من قال ذلك :
حدثني جعفر بن محمد البروري من أهل الكوفة قال ، حدثنا أبو زكريا الكلبي ، عن عمر بن نافع قال : سئل عكرمة عن "طوبى لهم" ، قال : نعم ما لهم .
حدثنا أحمد بن إسحاق قال ، حدثنا أبو أحمد قال ، حدثنا عمر بن نافع ، عن عكرمة في قوله : "طوبى لهم" ، قال : نعم ما لهم .
حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثني عمر بن نافع قال : سمعت عكرمة في قوله : "طوبى لهم" ، قال : نعم ما لهم .
وقال آخرون : معناه : غبطة لهم .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو هشام قال ، حدثنا أبو خالد الأحمر ، عن جويبر ، عن الضحاك : "طوبى لهم" ، قال : غبطة لهم .
حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الرحمن بن مغراء ، عن جويبر ، عن الضحاك ، مثله .
قال ، حدثنا عمرو بن عون قال ، أخبرنا هشيم ، عن جويبر ، عن الضحاك ، مثله .
وقال آخرون : معناه : فرح وقرة عين .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي بن داود والمثنى بن إبراهيم قالا ، حدثنا عبد الله قال ، حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله : "طوبى لهم" ، يقول : فرح وقرة عين .
وقال آخرون : معناه : حسنى لهم .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : "طوبى لهم" ، يقول : حسنى لهم ، وهي كلمة من كلام العرب .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : "طوبى لهم" ، هذه كلمة عربية ، يقول الرجل : طوبى لك ، أي : أصبت خيراً .
وقال آخرون : معناه : خير لهم .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو هشام قال ، حدثنا ابن يمان قال ، حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم قال : خير لهم .
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا جرير ، عن منصور ، عن إبراهيم في قوله : "طوبى لهم" ، قال : الخير والكرامة التي أعطاهم الله .
وقال آخرون : "طوبى لهم" ، اسم من أسماء الجنة ، ومعنى الكلام :الجنة لهم .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا ابن يمان ، عن أشعث ، عن جعفر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : "طوبى لهم" ، قال : اسم الجنة ، بالحبشية .
حدثنا أبو هشام قال ، حدثنا ابن يمان ، عن أشعث ، عن جعفر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : "طوبى لهم" ، قال : اسم ارض الجنة ، بالحبشية .
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا يعقوب ، عن جعفر ، عن سعيد بن مشجوج في قوله : "طوبى لهم" ، قال : طوبى ، اسم الجنة ، بالهندية .
حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا داود بن مهران قال ، حدثنا يعقوب ، عن جعفر بن أبي المغيرة ، عن سعيد بن مشجوج قال : اسم الجنة بالهندية : "طوبى" .
حدثنا أبو هشام قال ، حدثنا ابن يمان قال ، حدثنا سفيان ، عن السدي ، عن عكرمة : "طوبى لهم" ، قال : الجنة .
قال ، حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا شبابة قال ، حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : "طوبى لهم" ، قال : الجنة .
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .
حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن ابيه ، عن ابن عباس قوله : " الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب " ، قال : لا خلق الله الجنة وفرغ منها قال : " الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب " ، وذلك حين أعجبته .
حدثنا أحمد قال ، حدثنا أبو أحمد قال ، حدثنا شريك ،عن ليث ، عن مجاهد : "طوبى لهم" ، قال : الجنة .
وقال آخرون : "طوبى لهم" ، شجرة في الجنة .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن بشار ، قال ، حدثنا عبد الرحمن قال ، حدثنا قرة بن خالد ، عن موسى بن سالم قال ، قال ابن عباس : "طوبى لهم" ، شجرة في الجنة .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن الأشعث بن عبد الله ، عن شهر بن حوشب ، عن أبي هريرة : "طوبى لهم" ، شجرة في الجنة ، يقول لها : تفتقي لعبدي عما شاء ! فتنفتق له عن الخيل بسروجها ولجمها ، وعن الإبل بأزمتها ، وعما شاء من الكسوة .
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا يعقوب ، عن جعفر ، عن شهر بن حوشب قال : طوبى ، شجرة في الجنة ، كل شجر الجنة منها ،أغصانها من وراء سور الجنة .
حدثني المثنى قال ، حدثنا سويد بن نصر قال ، أخبرنا ابن المبارك ، عن معمر ، عن الأشعث بن عبد الله ، عن شهر بن حوشب ، عن أبي هريرة قال : في الجنة شجرة يقال لها طوبى ، يقول الله لها : تفتقي . فذكر نحو حديث ابن عبد الأعلى ، عن ابن ثور .
حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا عبد الجبار ،قال حدثنا مروان قال ، أخبرنا العلاء ، عن شمر بن عطية في قوله : "طوبى لهم" ، قال : هي شجرة في الجنة يقال لها طوبى .
حدثني المثنى قال ، حدثنا سويد قال ، أخبرنا ابن المبارك ، عن سفيان ، عن منصور ، عن حسان ابي الأشرس ، عن مغيث بن سمي قال : طوبى ، شجرة في الجنة ، ليس في الجنة دار إلا فيها غصن منها ، فيجيء الطائر فيقع ، فيدعوه فيأكل من أحد جنبيه قديداً ، ومن الآخر شواء ، ثم يقول : طر ، فيطير .
قال ، حدثنا أبو صالح قال ، حدثني معاوية ، عن بعض أهل الشأم قال : إن ربك أخذ لؤلؤة فوضعها على راحتيه ، ثم دملجها بين كفيه ، ثم غرسها وسط أهل الجنة ، ثم قال لها : امتدي حتى تبلغي مرضاتي . ففعلت ، فلما استوت تفجرت من أصولها أنهار الجنة ، وهي طوبى .
حدثنا الفضل بن الصباح قال ، حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم الصنعاني قال ، حدثني عبد الصمد بن معقل : أنه سمع وهباً يقول : إن في الجنة شجرة يقال لها طوبى ، يسير الراكب في ظلها مئة عام لا يقطعها ، زهرها رياط ، وورقها برود ، وقضبانها عنبر ، وبطحاؤها ياقوت ، وترابها كافور ، ووحلها مسك ، يخرج من أصلها أنهار الخمر واللبن والعسل ، وهي مجلس لأهل الجنة . فبينا هم في مجلسم إذ أتتهم ملائكة من ربهم يقودون نجباً مزمومة بسلاسل من ذهب ، وجوهها كالمصابيح من حسنها ، ووبرها كخز المرعزى من لينه ، عليها رحال ألواحها من ياقوت ، ودفوفها من ذهب ، وثيابها من سندس وإستبرق ، فينيخونها ويقولون : إن ربنا أرسلنا إليكم لتزوروه وتسلموا عليه ، قال : فيركبونها ، قال : فهي أسرع من الطائر ، وأوطأ من الفراش ، نجباً من غير مهنة ، يسير الرجل إلى جنب أخيه وهو يكلمه ويناجيه ، لا تصيب أذن راحلة منها أذن صاحبتها ، ولا برك راحلة برك صاحبتها ، حتى إن الشجرة لتتنحى عن طرقهم لئلا تفرق بين الرجل وأخيه ، قال : فيأتون إلى الرحمن الرحيم فيسفر لهم عن وجهه الكريم حتى ينظروا إليه ، فإذا رأوه قالوا : اللهم أنت السلام ومنك السلام ، وحق لك الجلال والأكرام . قال : فيقول تبارك وتعالى عند ذلك أنا السلام ومني السلام وعليكم حقت رحمتي ومحبتي ، مرحباً بعبادي الذي خشوني بغيب ، وأطاعوا أمري . قال : فيقولون : ربنا إنا لم نعبدك حق عبادتك ، ولم نقدرك حق قدرك ، فأذن لنا بالسجود قدامك . قال : فيقول الله : إنها ليست بدار نصب ولا عبادة ، ولكنها دار ملك ونعيم ، وإني قد رفعت عنكم نصب العبادة ، فسلوني ما شئتم ، فإن لكل رجل منكم أمنيته ، فيسألونه ، حتى إن أقصرهم أمنيةً ليقول : رب ، تنافس أهل الدنيا في دنياهم فتضايقوا فيها ،رب فآتني كل شيء دون منزلتك ،هذا لك مني ، وسأتحفك بمنزلتي ، لأنه ليس في عطائي نكد ولا تصريد . قال : ثم يقول : أعرضوا على عبادي ما لم تبلغ أمانيهم ، ولم يخطر لهم على بال . قال : فيعرضون عليهم حتى يقضوهم أمانيهم التي في انفسهم ، فيكون فيما يعرضون عليهم براذين مقرنة ، عن كل أربعة منها سرير من ياقوتة واحدة ، على كل سرير منها قبة من ذهب مفرغة ، في كل قبة منها فرش من فرش الجنة مظاهرة ، في كل قبة منها جاريتان من الحور العين ، على كل جارية منهن ثوبان من ثياب الجنة ،ليس في لون إلا وهو فيهما ، ولا ريح طيبة إلا قد عبقتا به ، ينفذ ضوء وجوههما غلظ القبة ، حتى يظن من يراهما أنهما من دون القبة ، يرى مخهما من فوق سوقهما كالسلك الأبيض من ياقوتة حمراء ، يريان له من الفضل على صاحبته كفضل الشمس على الحجارة ، أو أفضل ، ويرى هولهما مثل ذلك . ثم يدخل إليهما فيحييانه ويقبلانه ويعانقانه ويقولان له : والله ما ظننا أن الله يخلق مثلك ، ثم يأمر الله الملائكة فيسيرون بهم صفاً في الجنة ، حتى ينتهي كل رجل منهم إلى منزلته التي أعدت له .
حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا علي بن جرير ، عن حماد قال : شجرة في الجنة ، في دار مؤمن غصن منها .
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا جرير ، عن منصور ، عن حسان بن أبي الأشرس ، عن مغيث بن سمي قال : "طوبى" ، شجرة في الجنة ، لو أن رجلاً ركب قلوصاً جذعاً أو جذعةً ثم دار بها ، لم يبلغ المكان الذي ارتحل منه حتى يموت هرماً . وما من أهل الجنة منزل إلا فيه غصن من أغصان تلك الشجرة متدل عليهم ، فإذا أرادوا أن يأكلوا من الثمرة تدلى إليهم فيأكلون منه ما شاؤوا ، ويجيء الطير فيأكلون منه قديداً وشواءً ما شاؤوا ، ثم يطير .
وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر بنحو ما قال من قال : هي شجرة .
ذكر الرواية بذلك :
حدثني سليمان بن داود القومسي قال ، حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع قال ، حدثنا معاوية بن سلام ، عن زيد : أنه سمع أبا سلام قال ، حدثنا عامر بن زيد البكالي : أنه سمع عتبة عن عبد السلمي يقول : "جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، في الجنة فاكهة ؟ قال : نعم ، فيها شجرة تدعى طوبى ، هي تطابق الفردوس . قال : أي شجر أرضنا تشبه ؟ قال : ليست تشبه شيئاً من شجر أرضك ، ولكن أتيت الشأم ؟ فقال : لا ، يا رسول الله . فقال : فإنها تشبه شجرة تدعى الجوزة ، تنبت على ساق واحدة ، ثم ينتشر أعلاها . قال : ما عظم أصلها ؟ قال : لو ارتحلت جذعة من إبل أهلك ، ما أحاطت بأصلها حتى تنكسر ترقوتاها هرما" .
حدثنا الحسن بن شبيب قال ، حدثنا محمد بن زياد الجزري ، عن فرات بن أبي الفرات ، عن معاوية بن قرة ، عن أبيه قال : "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " طوبى لهم وحسن مآب " ، شجرة غرسها الله بيده ، ونفخ فيها من روحه ، نبتت بالحلي والحلل ، وإن أغصانها لترى من وراء سور الجنة" .
حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، أخبرني عمرو بن الحارث ، أن دراجاً حدثه ، أن أبا الهيثم حدثه عن أبي سعيد الخدري ، "عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أن رجلاً قال له : يا رسول الله ، ما طوبى ؟ قال : شجرة في الجنة مسيرة مئة سنة ، ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها" .
قال أبو جعفر : فعلى هذا التأويل الذي ذكرنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الرواية به ،يجب أن يكون القول في رفع قوله : "طوبى لهم" ، خلاف القول الذي حكيناه عن أهل العربية فيه . وذلك أن الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن طوبى اسم شجرة في الجنة . فإذ كان كذلك ، فهو اسم لمعرفة كزيد وعمرو . وإذا كان كذلك لم يكن في قوله : " وحسن مآب" ، إلا الرفع ، عطفاً به على "طوبى" .
وأما قوله : " وحسن مآب " ، فإنه يقول : وحسن منقلب ، كما :
حدثني المثنى قال ، حدثنا عمرو بن عون قال ، أخبرنا هشيم ، عن جويبر ، عن الضحاك : " وحسن مآب " ، قال : حسن منقلب .
قوله تعالى: " الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم " ابتداء وخبره. وقيل: معناه لهم طوبى، فـ ( ـطوبى) رفع بالابتداء، ويجوز أن يكون موضعه نصباً على تقدير: جعل لهم طوبى، ويعطف عليه ( وحسن مآب) على الوجهين المذكورين، فترفع أو تنصب. وذكر عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن يحيى بن أبي كثير عن عمرو بن أبي يزيد البكالي عن عتبة بن عبد السلمي قال: " جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن الجنة وذكر الحوض فقال: فيها فاكهة؟ قال: نعم شجرة تدعى طوبى قال: يا رسول الله! أي شجرة أرضنا تشبه؟ قال: لا تشبه شيئاً من شجر أرضك أأتيت الشام هناك شجرة تدعى الجوزة تنبت على ساق ويفترش أعلاها. قال: يا رسول الله! فما عظم أصلها! قال: لو ارتحلت جذعة من إبل أهلك ما أحطت بأصلها حتى تنكسر ترقوتها هرماً ". وذكر الحديث، وقد كتبناه بكماله في أبواب الجنة من كتاب التذكرة ، وذكر ابن المبارك قال: أخبرنا معمر عن الأشعث عن عبد الله عن شهر بن حوشب عن أبي هريرة قال: في الجنة شجرة يقال لها طوبى، يقول الله تعالى لها: تفتقي لعبدي عما شاء، فتفتق له عن فرس بسرجه ولجامه وهيئته كما شاء، وتفتق عن الراحلة برحلها وزمامها وهيئتها كما شاء، وعن النجائب والثياب. وذكر ابن وهب من حديث شهر بن حوشب عن أبي أمامة الباهلي قال: ( طوبى) شجرة في الجنة ليس منها دار إلا وفيها غصن منها، ولا طير حسن إلا هو فيها، ولا ثمرة إلا هي منها، وقد قيل: إن أصلها في قصر النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة، ثم تنقسم فروعها على منازل أجل الجنة، كما انتشر منه العلم والإيمان على جميع أهل الدنيا. وقال ابن عباس: ( طوبى لهم) فرح لهم وقرة عين، وعنه أيضاً أن ( طوبى) اسم الجنة بالحبشية، وقال سعيد بن جبير. الربيع بن أنس: هو البستان بلغة الهند، قال القشيري : إن صح هذا فهو وفاق بين اللغتين. وقال قتادة: ( طوبى لهم) حسنى لهم. عكرمة: نعمى لهم. إبراهيم النخعي: خير لهم، وعنه أيضاً كرامة من الله لهم. الضحاك : غبطة لهم. النحاس : وهذه الأقوال متقاربة، لأن طوبى فعلى من الطيب، أي العيش الطيب لهم، وهذه الأشياء ترجع إلى الشيء الطيب. وقال الزجاج: طوبى فعلى من الطيب، وهي الحالة المستطابة لهم، والأصل طيبى، فصارت الياء واواً لسكونها وضم ما قبلها، كما قالوا: موسر وموقن. قلت: والصحيح أنها شجرة، للحديث المرفوع الذي ذكرناه، وهو صحيح على ما ذكره السهيلي ، ذكره أبو عمر في التمهيد ، ومنه نقلناه، وذكره أيضاً الثعلبي في تفسيره، وذكر أيضاً المهدوي و القشيري عن معاوية بن قرة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " طوبى شجرة في الجنة غرسها الله بيده ونفخ فيها من روحه تنبت الحلي والحلل وإن أغصانها لترى من وراء سور الجنة " ومن أراد زيادة على هذه الأخبار فليطالع الثعلبي . وقال ابن عباس: ( طوبى) شجرة في الجنة أصلها في دار علي، وفي دار كل مؤمن منها غصن. وقال أبو جعفر محمد بن علي: " سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى: ( طوبى لهم وحسن مآب) قال: ( شجرة أصلها في داري وفروعها في الجنة) ثم سئل عنها مرة أخرى فقال: ( شجرة أصلها في دار علي وفروعها في الجنة). فقيل له: يا رسول الله! سئلت عنها فقلت: ( أصلها في داري وفروعها في الجنة) ثم سئلت عنها فقلت: ( أصلها في دار علي وفروعها في الجنة) فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن داري ودار علي غداً في الجنة واحدة في مكان واحد) "وعنه صلى الله عليه وسلم: ( هي شجرة أصلها في داري وما من دار من دوركم إلا مدلى فيها غصن منها) " وحسن مآب " آب إذا رجع. وقيل: تقدير الكلام الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله وعملوا الصالحات طوبى لهم.
يخبر تعالى عن قيل المشركين "لولا" أي هلا "أنزل عليه آية من ربه", كقولهم "فليأتنا بآية كما أرسل الأولون". وقد تقدم الكلام على هذا غير مرة, وأن الله قادر على إجابة ما سألوا, وفي الحديث إن الله أوحى إلى رسوله لما سألوه أن يحول لهم الصفا ذهباً, وأن يجري لهم ينبوعاً, وأن يزيح الجبال من حول مكة, فيصير مكانها مروج وبساتين: إن شئت يا محمد أعطيتهم ذلك, فإن كفروا أعذبهم عذاباً لا أعذبه أحداً من العالمين, وإن شئت فتحت عليهم باب التوبة والرحمة, فقال: "بل تفتح لهم باب التوبة والرحمة", ولهذا قال لرسوله: "قل إن الله يضل من يشاء ويهدي إليه من أناب" أي هو المضل والهادي سواء بعث الرسول بآية على وفق ما اقترحوا أو لم يجبهم إلى سؤالهم, فإن الهداية والإضلال ليس منوطاً بذلك ولا عدمه, كما قال: " وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون " وقال: " إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون * ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم " وقال: "ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلاً ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله ولكن أكثرهم يجهلون", ولهذا قال: "قل إن الله يضل من يشاء ويهدي إليه من أناب" أي ويهدي إليه من أناب إلى الله ورجع إليه واستعان به وتضرع لديه "الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله" أي تطيب وتركن إلى جانب الله, وتسكن عند ذكره, وترضى به مولى ونصيراً, ولهذا قال: "ألا بذكر الله تطمئن القلوب" أي هو حقيق بذلك.
وقوله: " الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب " قال ابن أبي طلحة عن ابن عباس: فرح وقرة عين. وقال عكرمة: نعم ما لهم. وقال الضحاك: غبطة لهم. وقال إبراهيم النخعي: خير لهم. وقال قتادة: هي كلمة عربية, يقول الرجل: طوبى لك, أي أصبت خيراً. وقال في رواية: طوبى لهم حسنى لهم, "وحسن مآب" أي مرجع, وهذه الأقوال شيء واحد, لا منافاة بينها. وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس "طوبى لهم" قال: هي أرض الجنة بالحبشية, وقال سعيد بن مسجوح: طوبى اسم الجنة بالهندية, وكذا روى السدي عن عكرمة: طوبى لهم هي الجنة, وبه قال مجاهد. وقال العوفي عن ابن عباس: لما خلق الله الجنة وفرغ منها, قال: " الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب " وذلك حين أعجبته.
وقال ابن جرير حدثنا ابن حميد, حدثنا يعقوب عن جعفر, عن شهر بن حوشب قال: طوبى شجرة في الجنة, كل شجر الجنة منها, أغصانها من وراء سور الجنة, وهكذا روي عن أبي هريرة وابن عباس ومغيث بن سليمان وأبي إسحاق السبيعي, وغير واحد من السلف أن طوبى شجرة في الجنة في كل دار منها غصن منها. وذكر بعضهم أن الرحمن تبارك وتعالى غرسها بيده من حبة لؤلؤة, وأمرها أن تمتد, فامتدت إلى حيث يشاء الله تبارك وتعالى, وخرجت من أصلها ينابيع أنهار الجنة من عسل وخمر وماء ولبن. وقد قال عبد الله بن وهب: حدثنا عمرو بن الحارث أن دراجا أبا السمح حدثه عن أبي الهيثم, عن أبي سعيد الخدري, مرفوعاً "طوبى شجرة في الجنة مسيرة مائة سنة, ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها".
وقال الإمام أحمد: حدثنا حسن بن موسى, سمعت عبد الله بن لهيعة, حدثنا دراج أبو السمح أن أبا الهيثم حدثه عن أبي سعيد الخدري, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رجلاً قال: يا رسول الله: طوبى لمن رآك وآمن بك, قال: "طوبى لمن رآني وآمن بي, وطوبى ثم طوبى ثم طوبى لمن آمن بي ولم يرني" قال له رجل: وما طوبى ؟ قال: "شجرة في الجنة مسيرتها مائة عام ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها". وروى البخاري ومسلم جميعاً عن إسحاق بن راهويه, عن مغيرة المخزومي عن وهيب عن أبي حازم, عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها" قال: فحدثت به النعمان بن أبي عياش الزرقي, فقال: حدثني أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن في الجنة شجرة يسير الراكب الجواد المضمر السريع مائة عام ما يقطعها".
وفي صحيح البخاري من حديث يزيد بن زريع عن سعيد, عن قتادة, عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قول الله تعالى: "وظل ممدود" قال: "في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها". وقال الإمام أحمد: حدثنا سريج, حدثنا فليح عن هلال بن علي, عن عبد الرحمن بن أبي عمرة, عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة سنة, اقرأوا إن شئتم "وظل ممدود"" .أخرجاه في الصحيحين. وفي لفظ لأحمد أيضاً: حدثنا محمد بن جعفر وحجاج, قالا: حدثنا شعبة: سمعت أبا الضحاك يحدث عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها سبعين ـ أو مائة سنة ـ هي شجرة الخلد". وقال محمد بن إسحاق عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير, عن أبيه, عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر سدرة المنتهى, فقال: "يسير في ظل الغصن منها الراكب مائة سنة ـ أو قال ـ يستظل في الفنن منها مائة راكب, فيها فراش الذهب كأن ثمرها القلال" رواه الترمذي.
وقال إسماعيل بن عياش عن سعيد بن يوسف, عن يحيى بن أبي كثير, عن أبي سلام الأسود قال: سمعت أبا أمامة الباهلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما منكم من أحد يدخل الجنة إلا انطلق به إلى طوبى, فتفتح له أكمامها فيأخذ من أي ذلك شاء, إن شاء أبيض وإن شاء أحمر, وإن شاء أصفر, وإن شاء أسود مثل شقائق النعمان وأرق وأحسن", وقال الإمام أبو جعفر بن جرير: حدثنا محمد بن عبد الأعلى, حدثنا محمد بن ثور عن معمر, عن أشعث بن عبد الله, عن شهر بن حوشب, عن أبي هريرة رضي الله عنه, قال: طوبى شجرة في الجنة, يقول الله لها: تفتقي لعبدي عما شاء, فتفتق له عن الخيل بسروجها ولجمها, وعن الإبل بأزمتها, وعما شاء من الكسوة.
وقد روى ابن جرير عن وهب بن منبه ههنا أثراً غريباً عجيباً, قال وهب رحمه الله: إن في الجنة شجرة يقال لها طوبى, يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها, زهرها رياط, وورقها برود, وقضبانها عنبر, وبطحاؤها يا قوت, وترابها كافور, ووحلها مسك, يخرج من أصلها أنهار الخمر واللبن والعسل, وهي مجلس لأهل الجنة, فبينما هم في مجلسهم إذ أتتهم ملائكة من ربهم يقودون نجباً مزمومة, بسلاسل من ذهب, وجوهها كالمصابيح حسناً, ووبرها كخز المرعزي من لينه, عليها رحال ألواحها من ياقوت, ودفوفها من ذهب, وثيابها من سندس وإستبرق, فينيخونها يقولون: إن ربنا أرسلنا إليكم لتزوروه وتسلموا عليه. قال: فيركبونها فهي أسرع من الطائر, وأوطأ من الفراش, نجباً من غير مهنة, يسير الرجل إلى جنب أخيه وهو يكلمه ويناجيه, لا تصيب أذن راحلة منها أذن الاخرى, ولا برك رحلة برك الأخرى, حتى إن الشجرة لتتنحى عن طريقهم لئلا تفرق بين الرجل وأخيه, قال: فيأتون إلى الرحمن الرحيم فيسفر لهم عن وجهه الكريم حتى ينظروا إليه, فإذا رأوه قالوا: اللهم أنت السلام ومنك السلام وحق لك الجلال والإكرام, قال: فيقول تعالى عند ذلك: أنا السلام ومني السلام وعليكم حقت رحمتي ومحبتي, مرحباً بعبادي الذين خشوني بغيب وأطاعوا أمري, قال: فيقولون: ربنا لم نعبدك حق عبادتك, ولم نقدرك حق قدرك, فأذن لنا في السجود قدامك. قال: فيقول الله: إنها ليست بدار نصب ولا عبادة, ولكنها دار ملك ونعيم, وإني قد رفعت عنكم نصب العبادة, فسلوني ما شئتم, فإن لكل رجل منكم أمنيته, فيسألونه حتى أن أقصرهم أمنية ليقول: ربي تنافس أهل الدنيا في دنياهم فتضايقوا فيها رب فآتني مثل كل شيء كانوا فيها من يوم خلقتها إلى أن انتهت الدنيا, فيقول الله تعالى: لقد قصرت بك أمنيتك, ولقد سألت دون منزلتك, هذا لك مني, وسأتحفك بمنزلتي لأنه ليس في عطائي نكد ولا قصر يد, قال: ثم يقول: اعرضوا على عبادي ما لم يبلغ أمانيهم, ولم يخطر لهم على بال, قال: فيعرضون عليهم حتى تقصر بهم أمانيهم التي في أنفسهم, فيكون فيما يعرضون عليهم براذين مقرنة, على كل أربعة منها سرير من ياقوتة واحدة, على كل سرير منها قبة من ذهب, مفرغة في كل قبة منها فرش من فرش الجنة, متظاهرة في كل قبة منها جاريتان من الحور العين, على كل جارية منهن ثوبان من ثياب الجنة, وليس في الجنة لون إلا وهو فيهما, ولا ريح ولا طيب إلا قد عبق بهما, ينفذ ضوء وجوههما غلظ القبة حتى يظن من يراهما أنهما دون القبة, يرى مخهما من فوق سوقهما كالسلك الأبيض في ياقوتة حمراء يريان له من الفضل على صاحبته كفضل الشمس على الحجارة أو أفضل, ويرى هو لهما مثل ذلك ويدخل إليهما فيحييانه, ويقبلانه, ويتعلقان به, ويقولان له: والله ما ظننا أن الله يخلق مثلك ثم يأمر الله تعالى الملائكة فيسيرون بهم صفاً في الجنة حتى ينتهي كل رجل منهم إلى منزلته التي أعدت له, وقد روى هذا الأثر ابن أبي حاتم بسنده عن وهب بن منبه, وزاد: فانظروا إلى موهوب ربكم الذي وهب لكم, فإذا هو بقباب في الرفيق الأعلى, وغرف مبنية من الدر والمرجان, أبوابها من ذهب, وسررها من ياقوت, وفرشها من سندس وإستبرق, ومنابرها من نور يفور من أبوابها, وعراصها نور مثل شعاع الشمس عنده مثل الكوكب الدري في النهار المضيء, وإذا بقصور شامخة في أعلى عليين من الياقوت يزهو نورها, فلولا أنه مسخر إذاً لالتمع الأبصار, فما كان من تلك القصور من الياقوت الأبيض فهو مفروش بالحرير الأبيض, وما كان فيها من الياقوت الأحمر فهو مفروش بالعبقري الأحمر, وما كان فيها من الياقوت الأخضر فهو مفروش بالسندس الأخضر, وما كان فيها من الياقوت الأصفر فهو مفروش بالأرجوان الأصفر, مبوبة بالزمرد الأخضر والذهب الأحمر والفضة البيضاء, قوائمها وأركانها من الجوهر, وشرفها قباب من لؤلؤ, وبروجها غرف من المرجان, فلما انصرفوا إلى ما أعطاهم ربهم, قربت لهم براذين من ياقوت أبيض, منفوخ فيها الروح, تجنبها الولدان المخلدون بيد كل وليد منهم حكمة برذون من تلك البراذين, ولجمها وأعنتها من فضة بيضاء منظومة بالدر والياقوت, سروجها سرر موضونة مفروشة بالسندس والإستبرق, فانطلقت بهم تلك البراذين تزف بهم ببطن رياض الجنة, فلما انتهوا إلى منازلهم, وجدوا الملائكة قعوداً على منابر من نور ينتظرونهم ليزوروهم ويصافحوهم ويهنئوهم كرامة ربهم, فلما دخلوا قصورهم وجدوا فيها جميع ما تطاول به عليهم, وما سألوا وتمنوا, وإذا على باب كل قصر من تلك القصور أربعة جنان: جنتان ذواتا أفنان, وجنتان مدهامتان, وفيهما عينان نضاختان, وفيهما من كل فاكهة زوجان, وحور مقصورات في الخيام, فلما تبوءوا منازلهم واستقروا قرارهم, قال لهم ربهم: هل وجدتم ما وعد ربكم حقاً ؟ قالوا: نعم وربنا. قال: هل رضيتم ثواب ربكم ؟ قالوا: ربنا رضينا فارض عنا. قال: برضاي عنكم حللتم داري, ونظرتم إلى وجهي, وصافحتكم ملائكتي, فهنيئاً لكم, "عطاء غير مجذوذ" ليس فيه تنغيص ولا تصريد, فعند ذلك قالوا: الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن, وأدخلنا دار المقامة من فضله, لا يمسنا فيها نصب, ولا يمسنا فيها لغوب, إن ربنا لغفور شكور, وهذا سياق غريب, وأثر عجيب, ولبعضه شواهد, ففي الصحيحين أن الله تعالى يقول لذلك الرجل يكون آخر أهل الجنة دخولاً الجنة: تمن, فيتمنى, حتى إذا انتهت به الأماني يقول الله تعالى: تمن من كذا, وتمن من كذا, يذكره, ثم يقول: ذلك لك وعشرة أمثاله.
وفي صحيح مسلم عن أبي ذر, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل "يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك من ملكي شيئاً إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل في البحر". الحديث بطوله, وقال خالد بن معدان: إن في الجنة شجرة يقال لها طوبى, لها ضروع كلها ترضع صبيان أهل الجنة, وإن سقط المرأة يكون في نهر من أنهار الجنة يتقلب فيه حتى تقوم القيامة, فيبعث ابن أربعين سنة, رواه ابن أبي حاتم.
29- " الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب " الموصول مبتدأ خبره الجملة الدعائية، وهي طوبى لهم على التأويل المشهور، ويجوز أن يكون الموصول في محل نصب على المدح، وطوبى لهم خبر مبتدأ محذوف، ويجوز أن يكون المصول بدلاً من القلوب على حذف مضاف: أي قلوب الذين آمنوا. قال أبو عبيدة والزجاج وأهل اللغة: طوبى فعلى من الطيب. قال ابن الأنباري: وتأويلها الحال المستطابة، وقيل طوبى شجرة في الجنة، وقيل هي الجنة، وقيل هي البستان بلغة الهند، وقيل معنى طوبى لهم: حسنى لهم، وقيل خير لهم، وقيل كرامة لهم، وقيل غبطة لهم، قال النحاس: وهذه الأقوال متقاربة، والأصل طيبى فصارت الياء واواً لسكونها وضم ما قبلها، واللام في لهم للبيان مثل سقيا لك ورعيا لك. وقرئ حسن مآب بالنصب والرفع، من آب إذا رجع: أي وحسن مرجع، وهو الدار الآخرة.
29- "الذين آمنوا وعملوا الصالحات"، ابتداء، "طوبى لهم" خبره.
واختلفوا في تفسير "طوبى".
روي عن ابن عباس رضي الله عنهما: فرح لهم وقرة عين.
وقال عكرمة: نعم مالهم.
وقال قتادة: حسنى لهم.
وقال معمر عن قتادة: هذه كلمة عربية، يقول الرجل للرجل: طوبى لك أي أصبت خيرا.
وقال إبراهيم: خير لهم وكرامة.
وقال الفراء: أصله من الطيب، والواو فيه لضمة الطاء، وفيه لغتان، تقول العرب: طوباك وطوبى لك أي لهم الطيب.
"وحسن مآب" أي: حسن المنقلب.
قال سعيد بن جبير عن ابن عباس: طوبى اسم الجنة بالحبشية.
قال الربيع: هو البستان بلغة الهند.
وروي عن أبي أمامة وأبي هريرة أبي الدرداء قالوا: طوبى شجرة في الجنة تظل الجنان كلها.
وقال عبيد بن عمير. هي شجرة في جنة عدن أصلها في دار النبي صلى الله عليه وسلم، وفي كل دار وغرفة غصن منها لم يخلق الله لونا ولا زهرة إلا وفيها منها إلا السواد، ولم يخلق الله تعالى فاكهة ولا ثمرة إلا وفيها منها. تنبع من أصلها عينان: الكافور والسلسبيل.
قال مقاتل: لك ورقة منها تظل أمة عليها ملك يسبح الله عز وجل بأنواع التسبيح.
وروي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه "أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما طوبى؟ قال: شجرة في الجنة مسيرة مائة سنة، ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها".
وعن معاوية بن قرة عن أبيه يرفعه: "طوبى شجرة غرسها الله تعالى بيده، ونفخ فيها من روحه، تنبت الحلي والحلل وإن أغصانها لترى من وراء سور الجنة".
أخبرنا محمد بن عبد الله بن أبي توبة، أخبرنا محمد بن أحمد بن الحارث، أخبرنا محمد بن يعقوب الكسائي، أخبرنا عبد الله بن محمود، أنبأنا إبراهيم بن عبد الله الخلال، حدثنا عبد الله بن المبارك عن إسماعيل بن أبي خالد، عن زياد مولى بني مخزوم، أنه سمع أبيا هريرة رضي الله عنه يقول: إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة سنة لا يقطعها، اقرؤوا إن شئتم: "وظل ممدود" (الواقعة-30) فبلغ ذلك كعبا فقال: صدق والذي أنزل التوراة على موسى عليه السلام والقرآن على محمد صلى الله عليه وسلم، لو أن رجلا ركب حقة أو جذعة ثم دار بأصل تلك الشجرة ما بلغها حتى يسقط هرما، إن الله تعالى غرسها بيده ونفخ فيها من روحه، وإن أفنانها لمن وراء سور الجنة، ما في الجنة نهر إلا وهو يخرج من أصل تلك الشجرة.
وبهذا الإسناد عن عبد الله بن المبارك عن معمر عن الأشعث بن عبد الله عن شهر بن حوشب عن أبي هريرة قال: في الجنة شجرة يقال لها طوبى، يقول الله عز وجل لها: تفتقي لعبدي عما شاء فتفتق له عن فرس بسرجه ولجامه وهيئته كما شاء، يفتق له عن الراحلة برحلها وزمامها وهيئتها كما شاء وعن الثياب.
29." الذين آمنوا وعملوا الصالحات "مبتدأ خبره."طوبى لهم"وهو فعلى من الطيب قلبت ياؤه واواً لضمة ما قبلها مصدر لطاب كبشرى وزلفى، ويجوز فيه الرفع والنصب ولذلك قرئ ."وحسن مآب"بالنصب
29. Those who believe and do right: Joy is for them, and bliss (their) journey's end.
29 - For those who believe and work righteousness, is (every) blessedness, and a beautiful place of (final) return.