[الرعد : 18] ِلَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْاْ بِهِ أُوْلَـئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ
18 - (للذين استجابوا لربهم) أجابوه بالطاعة (الحسنى) الجنة (والذين لم يستجيبوا له) وهم الكفار (لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به) من العذاب (أولئك لهم سوء الحساب) وهو المؤاخذة بكل ما عملوه لا يغفر منه شيء (ومأواهم جهنم وبئس المهاد) الفراش هي
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : أما الذين استجابوا لله فآمنوا به حين دعاهم إلى الإيمان به ، وأطاعوا فاتبعوا رسوله وصدقوه فيما جاءهم به من عند الله ، "أن لهم الحسنى" ، وهي الجنة ، كذلك :
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : "للذين استجابوا لربهم الحسنى" ، وهي الجنة .
وقوله : "والذين لم يستجيبوا له لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به" ، يقول تعالى ذكره : وأما الذين لم يستجيبوا لله حين دعاهم إلى توحيده والإقرار بربوبيته ، ولم يطيعوه فيما أمرهم به ، ولم يتبعوا رسوله فيصدقوه فيما جاءهم به من عندهم ربهم ، فلو أن لهم ما في الأرض جميعاً من شيء ومثله معه ملكاً لهم ، ثم قبل مثل ذلك منهم ، وقبل منهم بدلاً من العذاب الذي أعده الله لهم في نار جهنم وعوضاً ، لافتدوا به أنفسهم منه . يقول الله : "أولئك لهم سوء الحساب" ، يقول : هؤلاء الذين لم يستجيبوا لله ، "لهم سوء الحساب" ، يقول : لهم عند الله أن يأخذهم بذنوبهم كلها ، فلا يغفر لهم منها شيئاً، ولكن يعذبهم على جميعها ، كما :
حدثنا الحسن بن عرفة قال ، حدثنا يونس بن محمد قال ، حدثنا عون ، عن فرقد السبخي قال ، قال لنا شهر بن حوشب : "سوء الحساب" ، أن لا يتجاوز لهم عن شيء .
حدثني يعقوب قال ، حدثنا ابن علية قال ، حدثني حجاج بن أبي عثمان قال ، حدثني فرقد السبخي قال ، قال إبراهيم النخعي : يا فرقد ، أتدري ما "سوء الحساب" ؟ قلت : لا ! قال : هو أن يحاسب الرجل بذنبه كله لا يغفر له منه شيء .
وقوله :" ومأواهم جهنم" يقول : ومسكنهم الذي يسكنونه يوم القيامة ، جهنم ، "وبئس المهاد" ، يقول : وبئس الفراش والوطاء جهنم التي هي مأواهم يوم القيامة .
ثم قال: " للذين استجابوا لربهم " أي أجابوا، واستجاب بمعنى أجاب، قال:
فلم يستجبه عند ذاك مجيب
وقد تقدم، أي أجاب إلى ما دعاه الله من التوحيد والنبوات. " الحسنى " لأنها في نهاية الحسن. وقيل: من الحسنى النصر في الدنيا، والنعيم المقيم غداً. " والذين لم يستجيبوا له " أي لم يجيبوا إلى الإيمان به. " لو أن لهم ما في الأرض جميعا " أي من الأموال. " ومثله معه " ملك لهم. " لافتدوا به " من عذاب يوم القيامة، نظيره في ( آل عمران) " إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا " ( آل عمران: 10)، " إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به " ( آل عمران: 91) حسب ما تقدم بيانه هناك. " أولئك لهم سوء الحساب " أي لا يقبل لهم حسنة، ولا يتجاوز لهم عن سيئة. وقال فرقد السبخي قال لي إبراهيم النخعي: يا فرقد! أتدري ما سوء الحساب؟ قلت لا! قال أن يحاسب الرجل بذنبه كله لا يفقد منه شيء. " ومأواهم " أي مسكنهم ومقامهم. " جهنم وبئس المهاد " أي الفراش الذي مهدوا لأنفسهم.
يخبر تعالى عن مآل السعداء والأشقياء فقال: "للذين استجابوا لربهم" أي أطاعوا الله ورسوله, وانقادوا لأوامره, وصدقوا أخباره الماضية والاتية, فلهم "الحسنى" وهو الجزاء الحسن, كقوله تعالى مخبراً عن ذي القرنين أنه قال: " أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا * وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى وسنقول له من أمرنا يسرا ", وقال تعالى: "للذين أحسنوا الحسنى وزيادة". وقوله: "والذين لم يستجيبوا له" أي لم يطيعوا الله, "لو أن لهم ما في الأرض جميعاً" أي في الدار الاخرة لو أن يمكنهم أن يفتدوا من عذاب الله بملء الأرض ذهباً ومثله معه لافتدوا به, ولكن لا يقبل منهم, لأنه تعالى لا يقبل منهم يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً "أولئك لهم سوء الحساب" أي في الدار الاخرة. أي يناقشون على النقير والقطمير, والجليل والحقير, ومن نوقش الحساب عذب, ولهذا قال "ومأواهم جهنم وبئس المهاد".
ثم بين سبحانه من ضرب له مثل الحق ومثل الباطل من عباده، فقال فيمن ضرب له مثل الحق 18- "للذين استجابوا لربهم" أي أجابوا دعوته إذ دعاهم إلى توحيده وتصديق أنبيائه والعمل بشرائعه، والحسنى صفة موصوف محذوف: أي المثوبة الحسنى وهي الجنة، وقال سبحانه فيمن ضرب له مثل الباطل "والذين لم يستجيبوا" لدعوته إلى ما دعاهم إليه، والموصول مبتدأ وخبره الجملة الشرطية، وهي "لو أن لهم ما في الأرض جميعاً" من أصناف الأموال التي يتملكها العباد ويجمعونها بحيث لا يخرج عن ملكهم منها شيء "ومثله معه" أي مثل ما في الأرض جميعاً كائناً معه ومنضماً إليه "لافتدوا به" أي بمجموع ما ذكر وهو ما في الأرض ومثله. والمعنى: ليخلصوا به مما هم فيه من العذاب الكبير والهول العظيم، ثم بين الله سبحانه ما أعده لهم فقال "أولئك" يعني الذين لم يستجيبوا "لهم سوء الحساب" قال الزجاج: لأن كفرهم أحبط أعمالهم، وقال غيره: سوء الحساب المناقشة فيه، وقيل هو أن يحاسب الرجل بذنبه كله لا يغفر منه شيء "ومأواهم جهنم" أي مرجعهم إليها "وبئس المهاد" أي المستقر الذي يستقرون فيه. والمخصوص بالذم محذوف.
وقد أخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: "هو الذي يريكم البرق خوفاً وطمعاً" قال: خوفاً للمسافر يخاف أذاه ومشقته، وطمعاً للمقيم يطمع في رزق الله ويرجو بركة المطر ومنفعته. وأخرج أبو الشيخ عن الحسن قال: خوفاً لأهل البحر وطمعاً لأهل البر. وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك قال: الخوف ما يخاف من الصواعق والطمع: الغيث. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والخرائطي في مكارم الأخلاق والبيهقي في سننه من طرق عن علي بن أبي طالب قال: البرق مخاريق من نار بأيدي ملائكة السحاب يزجرون به السحاب. وروي عن جماعة من السلف ما يوافق هذا ويخالفه، ولعلنا قد قدمنا في سورة البقرة شيئاً من ذلك. وأخرج أحمد عن شيخ من بني غفار قد صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله ينشئ السحاب فتنطق أحسن النطق وتضحك أحسن الضحك" قيل والمراد بنطقها الرعد، وبضحكها البرق. وقد ثبت عند أحمد والترمذي والنسائي في اليوم والليلة والحاكم في مستدركه من حديث ابن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سمع
الرعد والصواعق قال: "اللهم لا تقتلنا بغضبك، ولا تهلكنا بعذابك، وعافنا قبل ذلك". وأخرج العقيلي وضعفه وابن مردويه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ينشئ الله السحاب ثم ينزل فيه الماء، فلا شيء أحسن من ضحكه، ولا شيء أحسن من نطقه، ومنطقه الرعد وضحكه البرق". وأخرج ابن مردويه عن جابر بن عبد الله أن خزيمة بن ثابت، وليس بالأنصاري، سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن منشأ السحاب فقال: "إن ملكاً موكلاً يلم القاصية ويلحم الدانية في يده مخراق، فإذا رفع برقت وإذا زجر رعدت، وإذا ضرب صعقت". وأخرج أحمد والترمذي وصححه والنسائي وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل والضياء في المختارة عن ابن عباس قال:" أقبلت يهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا أبا القاسم إنا نسألك عن خمسة أشياء، فإن أنبأتنا بهن عرفنا أنك نبي واتبعناك، فأخذ عليهم ما أخذ إسرائيل على بنيه إذ قال: الله على ما نقول وكيل، قال: هاتوا، قالوا: أخبرنا عن علامة النبي؟ قال: تنام عيناه ولا ينام قلبه، قالوا: أخبرنا كيف تؤنث المرأة وكيف تذكر؟ قال: يلتقي الماءان، فإذا
علا ماء الرجل ماء المرأة أذكرت، وإذا علا ماء المرأة ماء الرجل أنثت، قالوا: أخبرنا عما حرم إسرائيل على نفسه؟ قال: كان يشتكي عرق النساء، فلم يجد شيئاً يلائمه إلا ألبان كذا وكذا: يعني الإبل، فحرم لحومها، قالوا: صدقت، قالوا أخبرنا ما هذا الرعد؟ قال: ملك من ملائكة الله موكل بالسحاب بيده مخراق من نار يزجر به السحاب يسوقه حيث أمره الله، قالوا: فما هذا الصوت الذي نسمع؟ قال: صوته. قالوا: صدقت إنما بقيت واحدة، وهي التي نتابعك إن أخبرتنا، إنه ليس من نبي إلا له ملك يأتيه بالخبر، فأخبرنا من صاحبك؟ قال: جبريل، قالوا: جبريل ذاك ينزل بالخراب والقتال والعذاب عدونا، لو قلت ميكائيل الذي ينزل بالرحمة والنبات والقطر لكان، فأنزل الله: "قل من كان عدواً لجبريل" إلى آخر الآية". وأخرج البخاري في الأدب المفرد وابن أبي الدنيا في المطر وابن جرير عن ابن عباس أنه كان إذا سمع صوت الرعد قال: سبحان الذي سبحت له، وقال: إن الرعد ملك ينعق بالغيث كما ينعق الراعي بغنمه. وقد روي نحو هذا عنه من طرق. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي هريرة أن الرعد صوت الملك، وكذا أخرج نحوه أبو الشيخ عن ابن عمر. وأخرج ابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس قال: الرعد ملك اسمه الرعد، وصوته هذا تسبيحه، فإذا اشتد زجره احتك السحاب واضطرم من خوفه فتخرج الصواعق من بينه. وأخرج ابن أبي حاتم والخرائطي وأبو الشيخ في العظمة عن أبي عمران الجوني قال: إن بحوراً من نار دون العرش تكون منها الصواعق. وأخرج أبو الشيخ عن السدي قال: الصواعق نار. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس "وهو شديد المحال" قال: شديد القوة. وأخرج ابن جرير عن علي قال: شديد الأخذ. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عنه في قوله: "له دعوة الحق" قال: التوحيد: لا إله إلا الله. وأخرج عبد الرزاق والفريابي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي في الأسماء والصفات من طرق عن ابن عباس في قوله: دعوة الحق قال: شهادة أن لا إله إلا الله. وأخرج ابن جرير عن علي في قوله: " إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه " قال: كان الرجل العطشان يمد يده إلى البئر ليرتفع الماء إليه وما هو ببالغه. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في الآية قال: هذا مثل المشرك الذي عبد مع الله غيره، فمثله كمثل الرجل العطشان الذي ينظر إلى خياله في الماء من بعيد
وهو يريد أن يتناوله ولا يقدر عليه. وأخرج أبو الشيخ عنه في قوله: "هل يستوي الأعمى والبصير" قال: المؤمن والكافر. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه أيضاً في قوله: "أنزل من السماء ماء" الآية قال: هذا مثل ضربه الله احتملت منه القلوب على قدر يقينها وشكها، فأما الشك فلا ينفع معه العمل، وأما اليقين فينفع الله به أهله، وهو قوله: "فأما الزبد فيذهب جفاءً" وهو الشك "وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض" وهو اليقين، وكما يجعل الحلي في النار فيؤخذ خالصه ويترك خبثه، فكذلك يقبل الله اليقين ويترك الشك. وأخرج هؤلاء عنه أيضاً "فسالت أودية بقدرها" قال: الصغير قدر صغره والكبير قدره كبره.
18- قوله تعالى: "للذين استجابوا لربهم"، أجابوا، لربهم، فأطاعوه، "الحسنى" الجنة، "والذين لم يستجيبوا له لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به"، أي: لبذلوا ذلك يوم القيامة افتداء من النار، "أولئك لهم سوء الحساب". قال إبراهيم النخعي: سوء الحساب: أن يحاسب الرجل بذنبه كله لا يغفر له من شيء / "ومأواهم" في الآخرة "جهنم وبئس المهاد"، الفراش، أي: بئس ما مهد لهم.
18."للذين استجابوا"للمؤمنين الذين استجابوا ."لربهم الحسنى"الاستجابة الحسنى"والذين لم يستجيبوا له "وهم الكفرة واللام متعلقة بضرب على أنه جعل ضرب المثل لشأن الفريقين ضرب المثل لهما . وقيل للذين استجابوا خبر الحسنى وهي المثوبة أو الجنة والذين لم يستجيبوا مبتدأ حبره ."لو أن لهم ما في الأرض جميعاً ومثله معه لافتدوا به"وهو على الأول كلام مبتدأ لبيان مآل غير المستجيبين "أولئك لهم سوء الحساب"وهو المناقشة فيه بأن يحاسب الرجل بذنبه لا يغفر منه شيء ."ومأواهم"مرجعهم."جهنم وبئس المهاد"المستقر والمخصوص بالذم محذوف .
18. For those who answered Allah's call is bliss; and for those who answered not His call, if they had all that is in the earth, and therewith the like thereof, they would proffer it as ransom. Such will have a woeful reckoning, and thee habitation will be hell, a dire abode.
18 - For those who respond to their Lord, are (all) good things. but those who respond not to him, even if they had all that is in the heavens and on earth, and as much more, (in vain) would they offer it for ransom. for them will the reckoning be terrible: their abode will be hell, what a bed of misery