[يوسف : 92] قَالَ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ
92 - (قال لا تثريب) عتب (عليكم اليوم) خصَّه بالذكر لأنه مظنة التثريب فغيره أولى (يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين) وسألهم عن أبيه فقالوا ذهبت عيناه فقال :
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : قال يوسف لإخوته : "لا تثريب" ، يقول : لا تغيير عليكم ، ولا إفساد لما بيني وبينكم من الحرمة وحق الأخوة ، ولكن لكم عندي الصفح والعفو .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : "لا تثريب عليكم" ، لم يثرب عليهم أعمالهم .
حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله بن الزبير قوله : "لا تثريب عليكم اليوم" ، قال : قال سفيان : لا تعيير عليكم .
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : "لا تثريب عليكم اليوم"، أي : لا تأنيث عليكم اليوم عندي فيما صنعتم .
وحدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدي قال : اعتذروا إلى يوسف فقال : "لا تثريب عليكم اليوم" ، يقول : لا أذكر لكم ذنبكم .
وقوله : "يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين" ، وهذا دعاء من يو سف لإخوته ، بأن يغفر الله لهم ذنوبهم فيما أتوا إليه وركبوا منه من الظلم . يقول : عفا الله لكم عن ذنبكم وظلمكم ، فستره عليكم ، "وهو أرحم الراحمين"، يقول : والله أرحم الراحمين لمن تاب من ذنبه ،وأناب إلى طاعته بالتوبة من معصيته ، كما :
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ،عن ابن إسحاق : "يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين" ، حين اعترفوا بذبنهم .
قوله تعالى: " لا تثريب عليكم اليوم " أي قال يوسف - وكان حليماً موفقاً -: ( لا تثريب عليكم اليوم) وتم الكلام. ومعنى ( اليوم): الوقت. والتثريب التعيير والتوبيخ، أي لا تعيير ولا توبيخ ولا لوم عليكم اليوم، قاله سفيان الثوري وغيره، ومنه قوله عليه السلام: " إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها الحد ولا يثرب عليها " أي لا يعيرها، وقال بشر:
فعفوت عنهم عفو غير مثرب وتركتهم لعقاب يوم سرمد
وقال الأصمعي : ثربت عليه وعربت عليه بمعنى إذا قبحت عليه فعله. وقال الزجاج: المعنى لا إفساد لما بيني وبينكم من الحرمة، وحق الإخوة، ولكم عندي العفو والصفح، وأصل التثريب الإفساد، وهي لغة أهل الحجاز. و"عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بعضادتي الباب يوم فتح مكة، وقد لاذ الناس بالبيت فقال: الحمد لله الذي صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده ثم قال: ماذا تظنون يا معشر قريش قالوا: خيراً، أخ كريم، وابن أخ كريم وقد قدرت، قال: وأنا أقول كما قال أخي يوسف ( لا تثريب عليكم اليوم) فقال عمر رضي الله عنه: ففضت عرقاً من الحياء من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذلك أني قد كنت قلت لهم حين دخلنا مكة: اليوم ننتقم منكم ونفعل، فلما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال استحيت من قولي" " يغفر الله لكم " مستقبل فيه معنى الدعاء، سأل الله أن يستر عليهم ويرحمهم. وأجاز الأخفش الوقف على ( عليكم) والأول هو المستعمل، فإن في الوقف على ( عليكم) والابتداء بـ ( ـاليوم يغفر الله لكم) جزم بالمغفرة في اليوم، وذلك لا يكون إلا عن وحي، وهذا بين. وقال عطاء الخراساني: طلب الحوائج من الشباب أسهل منه من الشيوخ، ألم تر قول يوسف: ( لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم) وقال يعقوب: ( سوف أستغفر لكم ربي).
يقول تعالى مخبراً عن يوسف عليه السلام, أنه لما ذكر له إخوته ما أصابهم من الجهد والضيق وقلة الطعام وعموم الجدب, وتذكر أباه وما هو فيه من الحزن لفقد ولديه مع ما هو فيه من الملك والتصرف والسعة, فعند ذلك أخذته رقة ورأفة ورحمة وشفقة على أبيه وإخوته, وبدره البكاء فتعرف إليهم, فيقال: إنه رفع التاج عن جبهته, وكان فيها شامة, وقال "هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون" يعني كيف فرقوا بينه وبين أخيه "إذ أنتم جاهلون" أي إنما حملكم على هذا الجهل بمقدار هذا الذي ارتكبتموه, كما قال بعض السلف: كل من عصى الله فهو جاهل, وقرأ "ثم إن ربك للذين عملوا السوء بجهالة" الاية, والظاهر ـ والله أعلم ـ أن يوسف عليه السلام إنما تعرف إليهم بنفسه بإذن الله تعالى له في ذلك, كما أنه إنما أخفى منهم نفسه في المرتين الأوليين بأمر الله تعالى له في ذلك, والله أعلم ولكن لما ضاق الحال واشتد الأمر, فرج الله تعالى من ذلك الضيق, كما قال تعالى: " فإن مع العسر يسرا * إن مع العسر يسرا " فعند ذلك قالوا "أإنك لأنت يوسف ؟" وقرأ أبي بن كعب " أإنك لأنت يوسف ", وقرأ ابن محيصن "أنت يوسف", والقراءة المشهورة هي الأولى, لأن الاستفهام يدل على الاستعظام أي أنهم تعجبوا من ذلك أنهم يترددون إليه من سنتين وأكثر وهم لا يعرفونه وهو مع هذا يعرفهم ويكتم نفسه, فلهذا قالوا على سبيل الاستفهام: "أإنك لأنت يوسف قال أنا يوسف وهذا أخي".
وقوله: " قد من الله علينا " أي بجمعه بيننا بعد التفرقة وبعد المدة "إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين * قالوا تالله لقد آثرك الله علينا" الاية, يقولون معترفين له بالفضل والأثرة عليهم في الخلق والخلق والسعة والملك والتصرف والنبوة أيضاً, على قول من لم يجعلهم أنبياء, وأقروا له بأنهم أساءوا إليه وأخطأوا في حقه "قال لا تثريب عليكم اليوم" يقول: أي لا تأنيب عليكم ولا عتب عليكم اليوم, ولا أعيد عليكم ذنبكم في حقي بعد اليوم, ثم زادهم الدعاء لهم بالمغفرة فقال: "يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين" قال السدي: اعتذروا إلى يوسف فقال: "لا تثريب عليكم اليوم" يقول: لا أذكر لكم ذنبكم: وقال ابن إسحاق والثوري " لا تثريب عليكم " أي لا تأنيب عليكم اليوم عندي فيما صنعتم, "يغفر الله لكم" أي يستر الله عليكم فيما فعلتم "وهو أرحم الراحمين".
92- "قال لا تثريب عليكم" التثريب التعيير والتوبيخ: أي لا تعيير ولا توبيخ، ولا لوم عليكم. قال الأصمعي ثربت عليه: قبحت عليه فعله. وقال الزجاج: المعنى لا إفساد لما بيني وبينكم من الحرمة وحق الأخوة، ولكم عندي الصلح والعفو، وأصل التثريب الإفساد، وهي لغة أهل الحجاز. وقال ابن الأنباري: معناه قد انقطع عنكم توبيخي عند اعترافكم بالذنب. قال ثعلب: ثرب فلان على فلان إذا عدد عليه ذنوبه، وأصل التثريب من الثرب، وهو الشحم الذي هو غاشية الكرش، ومعناه إزالة التثريب، كما أن التجليد والتقريع إزالة الجلد والقرع وانتصاب اليوم بالتثريب: أي لا أثرب عليكم أو منتصب بالعامل المقدر في عليكم وهو مستقر أو ثابت أو نحوهما أي لا تثريب مستقر أو ثابت عليكم. وقد جوز الأخفش الوقف على عليكم، فيكون اليوم متعلق بالفعل الذي بعده. وقد ذكر مثل هذا ابن الأنباري. ثم دعا لهم بقوله : "يغفر الله لكم" على تقدير الوقف على اليوم أو أخبرهم بأن الله قد غفر لهم ذلك اليوم على تقدير الوقف على عليكم "وهو أرحم الراحمين" يرحم عباده رحمة لا يتراحمون بها فيما بينهم فيجازي محسنهم ويغفر لمسيئهم.
92-"قال"، يوسف وكان حليما، "لا تثريب عليكم اليوم"، لا تعيير عليكم اليوم، ولا أذكر لكم ذنبكم بعد اليوم، "يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين".
92."قال لا تثريب عليكم "لا تأنيب علكم تفعيل من الثرب وهو الشحم الذي يغشى الكرش للإزالة كالتجليد، فاستعير للتقريع الذي يمزق العرض ويذهب ماء الوجه."اليوم"متعلق بال"تثريب"أو بالمقدر للجار الواقع خبراً للـ"لا تثريب"والمعنى لا أثر بكم اليوم الذي هو مظنته فما ظنكم بسائر الأيام أو بقوله: "يغفر الله لكم"لأنه صفح عن جريمتهم حينئذ واعترفوا بها."وهو أرحم الراحمين"فإنه يغفر الصغائر والكبائر ويتفضل على التائب ، ومن كرم يوسف عليه الصلاة والسلام أنهم لما عرفوه أرسلوا إليه وقالوا: إنك تدعونا بالبكرة و العشي إلى الطعام ونحن نستحي منك لما فرط منا فيك ، فقال إن أهل مصر كانوا ينظرون إلى بالعين الأولى ويقولون: سبحان من بلغ عبداً بيع بعشرين درهماً ما بلغ ، ولقد شرفت بكم وعزمت في عيونهم حيث علموا أنكم اخوتي إني من حفدة إبراهيم عليه الصلاة والسلام .
92. He said: Have no fear this day! May Allah forgive you, and He is the Most Merciful of those who show mercy.
92 - He said: this day let no reproach be (cast) on you; God will forgive you, and he is the most merciful of those who show mercy