[يوسف : 76] فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاء أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِن وِعَاء أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلاَّ أَن يَشَاء اللّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مِّن نَّشَاء وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ
76 - (فبدأ بأوعيتهم) ففتشها (قبل وعاء أخيه) لئلا يتهم (ثم استخرجها) أي السقاية (من وعاء أخيه) قال تعالى : (كذلك) الكيد (كدنا ليوسف) علمناه الاحتيال في أخذ أخيه (ما كان) يوسف (ليأخذ أخاه) رقيقاً عن السرقة (في دين الملك) حكم مصر لأن جزاءه الضرب وتغريم مثلي المسروق لا الاسترقاق (إلا أن يشاء الله) أخذه بحكم أبيه أي لم يتمكن من أخذه إلا بمشيئة الله بإلهامه سؤال إخوته وجوابهم بسنتهم (نرفع درجات من نشاء) بالإضافة والتنوين في العلم كيوسف (وفوق كل ذي علم) من المخلوقين (عليم) أعلم منه حتى ينتهي إلى الله تعالى
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : ففتش يوسف أوعيتهم ورحالهم ، طالباً بذلك صواع الملك ، فبدأ في تفتيشه بأوعية إخوته من أبيه ، فجعل يفتشها وعاءً وعاءً قبل وعاء أخيه من أبيه وأمه ، فإنه أخر تفتيشه ، ثم فتش آخرها وعاء أخيه ، فاستخرج الصواع من وعاء أخيه .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : "فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه" ، ذكر لنا أنه كان لا ينظر في وعاء إلا استغفر الله ، تأثماً مما قذفهم به ، حتى بقي أخوه ، وكان أصغر القوم ، قال : ما أرى هذا أخذ شيئاً ! قالوا : بلى ، فاستبره ! ألا وقد علموا حيث وضعوا سقايتهم ، "ثم استخرجها من وعاء أخيه" .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة قال :"ثم استخرجها من وعاء أخيه" ، قال : كان كلما فتح متاعاً استغفر تائباً مما صنع ،حتى بلغ متاع الغلام فقال : ما أظن هذا أخذ شيئاً ! قالوا : بلى ، فاستبره !
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عمرو بن محمد ، عن أسباط ،عن السدي قال : "فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه" ، فلما بقي رحل الغلام قال : ما كان هذا الغلام ليأخذه ! قالوا : والله لا يترك حتى تنظر في رحله ، لنذهب وقد طابت نفسك . فأدخل يده فاستخرجه من رحله .
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : لما قال الرسول لهم : "ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم" ، قالوا : ما نعلمه فينا ولا معنا . قال : لستم ببارحين حتى أفتش أمتعتكم ، وأعذر في طلبها منكم ! فبدأ بأوعيتهم وعاءً وعاءً يفتشها وينظر ما فيها ، حتى مر على وعاء أخيه ففتشه ، فاستخرجها منه ، فأخذ برقبته ، فانصرف به إلى يوسف ، يقول الله : "كذلك كدنا ليوسف" .
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : ذكر لنا أنه كان كلما بحث متاع رجل منهم استغفر ربه تأثماً ، قد علم أين موضع الذي يطلب ! حتى إذا بقي أخوه ، وعلم أن بغيته فيه ، قال : لا أرى هذا الغلام أخذه ، ولا أبالي أن لا أبحث متاعه ! قال إخوته : إنه أطيب لنفسك وأنفسنا أن نستبرىء متاعه أيضاً . فلما فتح متاعه ، استخرج بغيته منه ، قال الله : "كذلك كدنا ليوسف" .
واختلف أهل العربية في الهاء والألف ، اللتين في قوله : "ثم استخرجها من وعاء أخيه" .
فقال بعض نحويي البصرة : هي من ذكر الصواع . قال وأنث وقد قال : "ولمن جاء به حمل بعير" ، لأنه عنى الصواع . قال و الصواع ، مذكر ، ومنهم من يؤنث الصواع ، وعنى ههنا السقاية ، وهي مؤنثة . قال : وهما اسمان لواحد ، مثل الثوب و الملحفة ، مذكر ومؤنث لشيء واحد .
وقال بعض نحويي الكوفة في قوله : "ثم استخرجها من وعاء أخيه" ، ذهب إلى تأنيث : السرقة . قال : وإن يكن الصواع في معنى الصاع ، فلعل هذا التأنيث من ذلك . قال : وإن شئت جعلته لتأنيث السقاية . قال : و الصواع ، ذكر ، و الصاع يؤنث ويذكر . فمن أنثه قال : ثلاث أصوع ، مثل ثلاث أدور ، ومن ذكره قال أصواع ، مثل : ابواب .
وقال آخر منهم : إنما أنث الصواع حين أنث ، لأنه أريدت به السقاية ، وذكر حين ذكر ، لأنه أريد به الصواع . قال : وذلك مثل الخوان و المائدة ، سنان الرمح ، و عالتيه ، وما أشبه ذلك ، من الشيء الذي يجتمع فيه اسمان أحدهما مذكر ، والآخر مؤنث .
وقوله : "كذلك كدنا ليوسف" ، يقول : هكذا صنعنا ليوسف ، حتى يخلص أخاه لأبيه وأمه من إخوته لأبيه ، بإقرار منهم أن له أن يأخذه منهم ويحتبسه في يديه ، ويحول بينه وبينهم . وذلك أنهم قالوا ، إذ قيل لهم :"ما جزاؤه إن كنتم كاذبين" : جزاء من سرق الصواع ، أن من وجد ذلك في رحله فهو مسترق به . وذلك كان حكمهم في دينهم . فكاد الله ليوسف ، كما وصف لنا ، حتى أخذ أخاه منهم ، فصار عنده بحكمهم وصنع الله له .
وقوله : "ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله" ، يقول : ما كان يوسف ليأخذ أخاه في حكم ملك مصر وقضائه وطاعته منهم ،لأنه لم يكن من حكم ذلك الملك وقضائه أن يسترق أحد بالسرق ، فلم يكن ليوسف أخذ أخيه في حكم ملك أرضه ، إلا أن يشاء الله بكيده الذي كاده له ، حتى أسلم من وجد في وعائه الصواع إخوته ورفقاؤه بحكمهم عليه ، وطابت أنفسهم بالتسليم .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل :
ذكر من قال ذلك :
حدثنا الحسن قال ، حدثنا شبابة قال ، حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : "ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك" ، إلا فعلة كادها الله له ، فاعتل بها يوسف .
حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثني أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "كذلك كدنا ليوسف" ، كادها الله له ، فكانت علةً ليوسف .
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : "ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله" ، قال : إلا فعلة كادها الله ، فاعتل بها يوسف . قال حدثني حجاج ، عن ابن جريج قوله : "كذلك كدنا ليوسف" ، قال : صنعنا .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدي : "كذلك كدنا ليوسف" ، يقول : صنعنا ليوسف .
حدثت عن الحسين قال ، سمعت أبا معاذ يقول ، أخبرنا عبيد بن سليمان قال ، سمعت الضحاك يقول في قوله : "كذلك كدنا ليوسف" ، يقول : صنعنا ليوسف .
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله : "ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك" .
فقال بعضهم : ما كان ليأخذ أخاه في سلطان الملك .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد قال ،حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ،عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : "ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك" ، يقول :في سلطان الملك .
حدثت عن الحسين قال ، سمعت أبا معاذ يقول ، حدثنا عبيد بن سليمان قال ، سمعت الضحاك يقول في قوله : "ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك" ، يقول : في سلطان الملك .
وقال آخرون : معنى ذلك : في حكمه وقضائه .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : "ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله" ، يقول : ما كان ذلك في قضاء الملك أن يستعبد رجلاً بسرقة .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : "في دين الملك" ، قال : لم يكن ذلك في دين الملك ، قال : حكمه .
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو صالح محمد بن ليث المروزي ، عن رجل قد سماه ، عن عبد الله بن المبارك ، عن أبي مودود المديني قال : سمعت محمد بن كعب القرظي يقول : "قالوا جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه" ، "كذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك" ، قال : دين الملك لا يؤخذ به من سرق أصلاً ، ولكن الله كاد لأخيه حتى تكلموا ما تكلموا به ، فأخذهم بقولهم ، وليس في قضاء الملك .
حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق ، عن معمر قال : بلغه في قوله : "ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك" ، قال : كان حكم الملك أن من سرق ضوعف عليه الغرم .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدي : "ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك" ، يقول : في حكم الملك .
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : "ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك" ، أي : بظلم ، ولكن الله كاد ليوسف ليضم إليه أخاه .
حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : "ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك" ، قال : ليس في دين الملك أن يؤخذ السارق بسرقته . قال : وكان الحكم عند الأنبياء ، يعقوب وبنيه ، أن يؤخذ السارق بسرقته عبداً يسترق .
قال ابو جعفر : وهذه الأقوال ، وإن اختلفت ألفاظ قائليها في معنى : "دين الملك" ، فمتقاربة المعاني ، لأن من أخذه في سلطان الملك عامله بعمله ، فبرضاه أخذه إذاً لا بغيره ، وذلك منه حكم عليه ، وحكمه عليه قضاؤه .
وأصل الدين ، الطاعة . وقد بينت ذلك في غير هذا الموضع بشواهده بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .
وقوله : "إلا أن يشاء الله" ، كما :
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدي : "إلا أن يشاء الله" ، ولكن صنعنا له ، بأنهم قالوا : "فهو جزاؤه" .
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "إلا أن يشاء الله" ، إلا بعلة كادها الله ، فاعتل بها يوسف .
وقوله : "نرفع درجات من نشاء" ، اختلفت القرأة في قراءة ذلك .
فقرأه بعضهم : نرفع درجات من نشاء ، بإضافة الدرجات إلى من ، بمعنى نرفع منازل من نشاء رفع منازله ومراتبه في الدنيا بالعلم على غيره ، كما رفعنا مرتبة يوسف في ذلك ومنزلته في الدنيا على منازل إخوته ومراتبهم .
وقرأ ذلك آخرون :"نرفع درجات من نشاء" ، بتنوين الدرجات ، بمعنى : نرفع من نشاء مراتب ودرجات في العلم على غيره ، كما رفعنا يوسف . فـ من على هذا القراءة نصب ، وعلى القراءة الأولى خفض . وقد بينا ذلك في سورة الأنعام .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج قال ، قال ابن جريج قوله : "نرفع درجات من نشاء" ، يوسف وإخوته ، أوتوا علماً ، فرفعنا يوسف فوقهم في العلم .
وقوله : "وفوق كل ذي علم عليم" ، يقول تعالى ذكره : وفوق كل عالم من هو أعلم منه ، حتى ينتهي ذلك إلى الله . وإنما عنى بذلك أن يوسف أعلم إخوته ، وأن فوق يوسف من هو أعلم من يوسف ، حتى ينتهي ذلك إلى الله .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثنا أبو عامر العقدي قال ، حدثنا سفيان ، عن عبد الأعلى الثعلبي ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : أنه حدث بحديث فقال رجل عنده :"وفوق كل ذي علم عليم" ، فقال ابن عباس : بئسما قلت ! إن الله هو عليم ، وهو فوق كل عالم .
حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا وكيع ، وحدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن عبد الأعلى ، عن سعيد بن جبير ، قال : حدث ابن عباس بحديث ، فقال رجل عنده : الحمد لله ، "وفوق كل ذي علم عليم" ! فقال ابن عباس : العالم الله ، وهو فوق كل عالم .
حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا الثوري ، عن عبد الأعلى ، عن سعيد بن جبير قال : كنا عند ابن عباس ، فحدث حديثاً ، فتعجب رجل فقال : الحمد لله ، "فوق كل ذي علم عليم" ! فقال ابن عباس : بئسما قلت : الله العليم ، وهو فوق كل عالم .
حدثنا الحسن بن محمد ، وابن وكيع قالا ، حدثنا عمرو بن محمد قال ، أخبرنا إسرائيل ، عن سالم ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : "وفوق كل ذي علم عليم" ، قال : يكون هذا أعلم من هذا ، وهذا أعلم من هذا ، والله فوق كل عالم .
حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا سعيد بن منصور قال ، أخبرنا أبو الأحوص ، عن عبد الأعلى ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : "وفوق كل ذي علم عليم" ، قال : الله الخبير العليم ، فوق كل عالم .
حدثني المثنى قال ، حدثنا عبيد الله قال ، أخبرنا إسرائيل ، عن عبد الأعلى ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : "وفوق كل ذي علم عليم" ، قال : الله فوق كل عالم .
حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا وكيع ، وحدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن أبي معشر ، عن محمد بن كعب قال : سأل رجل علياً عن مسألة ، فقال فيها . فقال الرجل : ليس هكذا ! ولكن كذا وكذا . قال علي : أصبت وأخطأت ، "وفوق كل ذي علم عليم" .
حدثني يعقوب ، وابن وكيع قالا ، حدثنا ابن علية ، عن خالد ، عن عكرمة في قوله :"وفوق كل ذي علم عليم" ، قال : علم الله فوق كل أحد .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن نمير ، عن نضر ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : "وفوق كل ذي علم عليم" ، قال : الله عز وجل .
حدثنا ابن وكيع ، حدثنا يعلى بن عبيد ، عن سفيان ، عن عبد الأعلى ، عن سعيد بن جبير : "وفوق كل ذي علم عليم" ، قال : الله أعلم من كل أحد .
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا جرير ، عن ابن شبرمة ، عن الحسن في قوله : "وفوق كل ذي علم عليم" ، قال : ليس عالم إلا فوقه عالم ، حتى ينتهي العلم إلى الله .
حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا عاصم قال ، حدثنا جويرية ، عن بشير الهجيمي قال : سمعت الحسن قرأ هذه الآية يوماً : "وفوق كل ذي علم عليم" ، ثم وقف فقال : إنه والله ما أمسى على ظهر الأرض عالم إلا فوقه من هو أعلم منه ، حتى يعود العلم إلى الذي علمه .
حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا علي ، عن جرير ، عن ابن شبرمة ، عن الحسن : "وفوق كل ذي علم عليم" ، قال : فوق كل عالم عالم ، حتى ينتهي العلم إلى الله .
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : "وفوق كل ذي علم عليم" ، حتى ينتهي العلم إلى الله ، منه بدىء ، وتعلمت العلماء ، وإليه يعود . وفي قراءة عبد الله : وفوق كل عالم عليم .
قال أبو جعفر : إن قال لنا قائل : وكيف جاز ليوسف أن يجعل السقاية في رحل أخيه ، ثم يسرق قوماً أبرياء من السرق ، ويقول : "أيتها العير إنكم لسارقون" ؟
قيل : إن قوله : "أيتها العير إنكم لسارقون" ، إنما هو خبر من الله عن مؤذن أذن به ، لا خبر عن يوسف . وجائز أن يكون المؤذن أذن بذلك إذ فقد الصواع ، ولا يعلم بصنيع يوسف . وجائز أن يكون كان أذن المؤذن بذلك عن أمر يوسف ، واستجاز الأمر بالنداء بذلك ، لعلمه بهم أنهم قد كانوا سرقوا سرقةً في بعض الأحوال ، فأمر المؤذن أن يناديهم بوصفهم بالسرق ، ويوسف يعني ذلك السرق لا سرقهم الصواع . وقد قال بعض أهل التأويل : إن ذلك كان خطأ من فعل يوسف ، فعاقبه الله بإجابة القوم إياه : "إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل" ، وقد ذكرنا الرواية فيما مضى بذلك .
قوله تعالى: " فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه " إنما بدأ يوسف برحالهم لنفي التهمة والريبة من قلوبهم إن بدا بوعاء أخيه. والوعاء يقال بضم الواو وكسرها، لغتان، وهو ما يحفظ فيه المتاع ويصونه. " ثم استخرجها من وعاء أخيه " يعني بنيامين، أي استخرج السقاية أو الصواع عند من يؤنث، وقال: ( ولمن جاء به) فذكر، فلما رأى ذلك إخوته نكسوا رؤوسهم، وظنوا الظنون كلها، وأقبلوا عليه وقالوا ويلك يا بنيامين! ما رأينا كاليوم قط، ولدت أمك ( راحيل) أخوين لصين! قال لهم أخوهم: والله ما سرقته، ولا علم بمن وضعه في متاعي. ويروى أنهم قالوا له: يا بنيامين! أسرقت؟ قال: لا والله، قالوا: فمن جعل الصواع في رحلك؟ قال: الذي جعل البضاعة في رحالكم. يقال: إن المفتش كان إذا فرغ من رحل رجل استغفر الله عز وجل تائباً من فعله ذلك، وظاهر كلام قتادة وغيره أن المستغفر كان يوسف، لأنه كان يفتشهم ويعلم أين الصواع حتى فرغ منهم، وانتهى إلى رحل بنيامين فقال: ما أظن هذا الفتى رضي بهذا ولا أخذ شيئاً، فقال له إخوته: والله لا نبرح حتى تفتشه، فهو أطيب لنفسك ونفوسنا، ففتش فأخرج السقاية، وهذا التفتيش من يوسف يقتضي أن المؤذن سرقهم برأيه، فيقال: إن جميع ذلك ما بأمر من الله تعالى، ويقوي ذلك قوله تعالى: " كذلك كدنا ليوسف ".
قوله تعالى: " كذلك كدنا ليوسف ".
فيه ثلاث مسائل:
الأولى: قوله تعالى: " كدنا " معناه صنعنا، عن ابن عباس. القتبي: دبرنا. ابن الأنباري: أردنا، قال الشاعر:
كادت وكدت وتلك خير إرادة لو عاد من عهد الصبا ما قد مضى
وفيه جواز التوصل إلى الأغراض بالحيل إذا لم تخالف شريعة، ولا هدمت أصلاً، خلافاً لأبي حنيفة في تجويزه الحيل وإن خالفت الأصول، وخرمت التحليل.
الثانية: أجمع العلماء على أن للرجل قبل حلول الحول التصرف في ماله بالبيع والهبة إذا لم ينو الفرار من الصدقة، وأجمعوا على أنه إذا حال الحول وأظل الساعي أنه لا يحل له التحيل ولا النقصان، ولا أن يفرق بين مجتمع، ولا أن يجمع بين متفرق. وقال مالك : إذا فوت من ماله شيئاً ينوي به الفرار من الزكاة قبل الحول بشهر أو نحوه لزمته الزكاة عند الحول، أخذاً منه بقوله عليه السلام: " خشية الصدقة ". وقال أبو حنيفة : إن نوى بتفريقه الفرار من الزكاة قبل الحول بيوم لا يضره، لأن الزكاة لا تلزم إلا بتمام الحول، ولا يتوجه إليه معنى قوله: " خشية الصدقة " إلا حينئذ. قال ابن العربي : سمعت أبا بكر محمد بن الوليد الفهري وغيره يقول: كان شيخنا قاضي القضاة أبو عبد الله محمد بن علي الدامغاني صاحب عشرات الآلف دينار من المال، فكان إذا جاء رأس الحول دعا بنيه فقال لهم: كبرت سني، وضعفت قوتي، وهذا مال لا أحتاجه فهو لكم، ثم يخرجه فيحمله الرجال على أعناقهم إلى دور بنيه، فإذا جاء رأس الحول ودعا بنيه لأمر قالوا: يا أبانا! إنما أملنا حياتك، وأما المال فأي رغبة لنا فيه ما دمت حيا، أنت و مالك لنا، فخذه إليك، ويسير الرجال به حتى يضعوه بين يديه، فيرده إلى موضعه، يريد بتبديل الملك إسقاط الزكاة على رأي أبي حنيفة في التفريق بين المجتمع، والجمع بين المتفرق، وهذا خطب عظيم وقد صنف البخاري رضي الله عنه في جامعه كتابا مقصوداً فقال: كتاب الحيل .
قلت: وترجم فيه أبواباً منها: ( باب الزكاة وألا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين متفرق خشية الصدقة). وأدخل فيه حديث أنس بن مالك، وأن أبا بكر كتب له فريضة الصدقة، وحديث " طلحة بن عبيد الله أن أعرابياً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثائر الرأس. الحديث، وفي آخره: أفلح إن صدق أو دخل الجنة إن صدق ". وقال بعض الناس: في عشرين ومائة بعير حقتان، فإن أهلكها متعمداً أو وهبها أو احتال فيها فراراً من الزكاة فلا شيء عليه، ثم أردف بحديث أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يكون كنز أحدكم يوم القيامة شجاعاً أقرع له زبيبتان ويقول أنا كنزك " الحديث، قال المهلب: إنما قصد البخاري في هذا الباب أن يعرفك أن كل حيلة يتحيل بها أحد في إسقاط الزكاة فإن إثم ذلك عليه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما منع من جمع الغنم وتفريقها خشية الصدقة فهم منه هذا المعنى، وفهم من قوله: ( أفلح من صدق) أن من رام أن ينقض شيئاً من فرائض الله بحيلة يحتالها أنه لا يفلح، ولا يقوم بذلك عذره عند الله، وما أجاز الفقهاء من تصرف صاحب المال في ماله قرب حلول الحول إنما هو ما لم يرد بذلك الهرب من الزكاة، ومن نوى ذلك فالإثم عنه غير ساقط، والله حسيبه، وهو كمن فر من صيام رمضان قبل رؤية الهلال بيوم، واستعمل سفراً لا يحتاج إليه، رغبةً عن فرض الله الذي كتبه الله على المؤمنين، فالوعيد متوجه عليه، ألا ترى عقوبة من منع الزكاة يوم القيامة بأي وجه متعمداً كيف تطؤه الإبل، ويمثل له ماله شجاعاً أقرع!؟ وهذا يدل على أن الفرار من الزكاة لا يحل، وهو مطالب بذلك في الآخرة.
الثالثة: قال ابن العربي : قال بعض علماء الشافعية في قوله تعالى: " كذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه ". دليل على وجه الحيلة إلى المباح، واستخرج الحقوق، وهذا وهم عظيم، وقوله تعالى: " وكذلك مكنا ليوسف في الأرض " قيل فيه: كما مكنا ليوسف ملك نفسه عن امرأة العزيز مكنا له ملك الأرض عن العزيز، أو مثله مما لا يشبه ما ذكره. قال الشفعوي: ومثله قوله عز وجل: " وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث " ( ص~:44) وهذا ليس حيلة، وإنما هو حمل لليمين على الألفاظ أو على المقاصد. قال الشفعوي: ومثله حديث أبي سعيد الخدري في عامل خيبر أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم بتمر جنيب، الحديث، ومقصود الشافعية من هذا الحديث أنه عليه السلام أمره أن يبيع جمعاً ويبتاع جنيباً من الذي باع منه الجمع أو من غيره. وقالت المالكية: معناه من غيره، لئلا يكون جنيبا بجمع، والدراهم ربا، كما قال ابن عباس: جريرة بجريرة والدراهم ربا.
قوله تعالى: " في دين الملك " أي سلطانه، عن ابن عباس. ابن عيسى: عاداته، أي يظلم بلا حجة. مجاهد: في حكمه، وهو استرقاق السراق. " إلا أن يشاء الله " أي إلا بأن يشاء الله أن يجعل السقاية في رحله تعلة وعذرا له. وقال قتادة: بل كان حكم الملك الضرب والغرم ضعفين، ولكن شاء الله أن يجري على ألسنتهم حكم بني إسرائيل، على ما تقدم.
قوله تعالى: " نرفع درجات من نشاء " أي بالعلم والإيمان. وقريء ( نرفع درجات من نشاء) بمعنى: نرفع من نشاء درجات، وقد مضى في ( الأنعام) وقوله: " وفوق كل ذي علم عليم " روى إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال: يكون ذا أعلم من ذا وذا أعلم من ذا، والله فوق كل عالم. وروى سفيان عن عبد الأعلى عن سعيد بن جبير قال: كنا عند ابن عباس رحمه الله فتحدث بحديث فتعجب منه رجل فقال: سبحان الله! وفوق كل ذي علم عليم، فقال ابن عباس: بئس ما قلت، الله العليم وهو فوق كل عالم.
لما اتهمهم أولئك الفتيان بالسرقة, قال لهم إخوة يوسف " تالله لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض وما كنا سارقين " أي لقد تحققتم وعلمتم منذ عرفتمونا, لأنهم شاهدوا منهم سيرة حسنة أنا "ما جئنا لنفسد في الأرض وما كنا سارقين" أي ليست سجايانا تقتضي هذه الصفة, فقال لهم الفتيان "فما جزاؤه" أي السارق إن كان فيكم "إن كنتم كاذبين" أي: أي شيء يكون عقوبته إن وجدنا فيكم من أخذه ؟ "قالوا جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه كذلك نجزي الظالمين" وهكذا كانت شريعة إبراهيم عليه السلام, أن السارق يدفع إلى المسروق منه, وهذا هو الذي أراد يوسف عليه السلام, ولهذا بدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه, أي فتشها قبله تورية, "ثم استخرجها من وعاء أخيه" فأخذه منهم بحكم اعترافهم والتزامهم, وإلزاماً لهم بما يعتقدونه, ولهذا قال تعالى: "كذلك كدنا ليوسف" وهذا من الكيد المحبوب المراد الذي يحبه الله ويرضاه, لما فيه من الحكمة والمصلحة المطلوبة.
وقوله: "ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك" أي لم يكن له أخذه في حكم ملك مصر قاله الضحاك وغيره, وإنما قيض الله له أن التزم له إخوته بما التزموه, وهو كان يعلم ذلك من شريعتهم, ولهذا مدحه الله تعالى فقال: "نرفع درجات من نشاء" كما قال تعالى: "يرفع الله الذين آمنوا منكم" الاية, "وفوق كل ذي علم عليم" قال الحسن البصري: ليس عالم إلا فوقه عالم حتى ينتهي إلى الله عز وجل, وكذا روى عبد الرزاق عن سفيان الثوري, عن عبد الأعلى الثعلبي, عن سعيد بن جبير, قال: كما عند ابن عباس فحدث بحديث عجيب, فتعجب رجل فقال: الحمد لله فوق كل ذي علم عليم, فقال ابن عباس: بئس ما قلت: الله العليم فوق كل عالم, وكذا روى سماك عن عكرمة, عن ابن عباس "وفوق كل ذي علم عليم" قال: يكون هذا أعلم من هذا, وهذا أعلم من هذا, والله فوق كل عالم, وهكذا قال عكرمة, وقال قتادة: وفوق كل ذي علم عليم, حتى ينتهي العلم إلى الله, منه بدىء, وتعلمت العلماء, وإليه يعود, وفي قراءة عبد الله, وفوق كل عالم عليم.
فأقبل يوسف على ذلك 76- " فبدأ بأوعيتهم " تفتيش "أوعيتهم" أي أوعية الإخوة العشرة "قبل وعاء أخيه" أي قبل تفتيشهلوعاء أخيه بنيامين دفعاً للتهمة ورفعاً لما دبره من الحيلة "ثم استخرجها" أي السقاية أو الصواع، لأنه يذكر ويؤنث " كذلك كدنا ليوسف " أي مثل ذلك الكيد العجيب كدنا ليوسف: يعني علمناه إياه وأوحينا إليه، والكيد مبدؤه السعي في الحيلة والخديعة، ونهايته إلقاء المخدوع من حيث لا يشعر في أمر مكروه لا سبيل إلى دفعه، وهو محمول في حق الله سبحانه على النهاية لا على البداية. قال القتيبي: معنى كدنادبرنا. وقال ابن الأنباري أردنا. وفي الآية دليل على جواز التوصل إلى الأغراض الصحيحة بما صورته صورة الحيلة والمكيدة إذا لم يخالف ذلك شرعاً ثابتاً "ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك" أي ما كان يوسف ليأخذ أخاه بنيامين في دين الملك: أي ملك مصر، وفي شريعته التي كان عليها، بل كان دينه وقضاؤه أن يضرب السارق ويغرم ضعف ما سرقه دون الاستعباد سنة كما هو دين يعقوب وشريعته. وحاصل أن يوسف ما كان يتمكن من إجراء حكم يعقوب على أخيه مع كونه مخالفاً لدين الملك وشريعته لولا ما كاد الله له ودبره وأراده حتى وجد السبيل إليه: وهو ما أجراه على ألسن إخوته من قولهم: إن جزاء السارق الاسترقاق، فكان قولهم هذا هو يمشيئة الله وتدبيره، وهو معنى قوله: "إلا أن يشاء الله" أي إلا حال مشيئته وإذنه بذلك وإرادته له، وهذه الجملة: أعني ما كان ليأخذ أخاه إلخ تعليل لما صنعه الله من الكيد ليوسف أو تفسير له. "نرفع درجات من نشاء" بضروب العلوم والمعارف والعطايا والكرامات كما رفعنا درجة يوسف بذلك "فوق كل ذي علم" ممن رفعه الله بالعلم "عليم" أرفع رتبة منهم وأعلى درجة لا يبلغون مداه ولا يرتقون شأوه. وقيل معنى ذلك: أن فوق كل أهل العلم عليم وهو الله سبحانه.
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "وقال يا بني لا تدخلوا من باب واحد" قال: رهب يعقوب عليهم العين. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر عن محمد بن كعب قال: خشي عليهم العين. وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وأبو الشيخ عن النخعي في قوله: "وادخلوا من أبواب متفرقة" قال: أحب يعقوب أن يلقى يوسف أخاه في خلوة. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: "إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها" قال: خيفة العين على بنيه. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: "وإنه لذو علم لما علمناه" قال: إنه لعامل بما علم، ومن لا يعمل لا يكون عالماً. وأخرج هؤلاء عنه في قوله: " آوى إليه أخاه " قال: ضمه إليه. وفي قوله: "فلا تبتئس" قال: لا تحزن ولا تيأس، وفي قوله: "فلما جهزهم بجهازهم" قال: قضى حاجتهم وكال لهم طعامهم، وفي قوله: "جعل السقاية" قال: هو إناء الملك الذي يشرب منه "في رحل أخيه" قال: في متاع أخيه. وأخرج ابن أبي حاتم وابن الأنباري في المصاحف عن ابن عباس في قوله: "جعل السقاية" قال: هو الصواع، وكل شيء يشرب منه فهو صواع. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد نحوه. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد نحوه أيضاً. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: "أيتها العير" قال: كانت العير حميراً. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في قوله: " ولمن جاء به حمل بعير " قال: حمل حمار طعام، وهي لغة. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله: "وأنا به زعيم" يقول: كفيل. وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير ومجاهد وقتادة والضحاك مثله. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الربيع بن أنس في قوله: "ما جئنا لنفسد في الأرض" يقول: ما جئنا لنعصي في الأرض. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله: "فما جزاؤه" قال: عرفوا الحكم في حكمهم فقالوا "من وجد في رحله فهو جزاؤه" وكان الحكم عند الأنبياء يعقوب وبنيه أن يؤخذ السارق بسرقته عبداً يسترق. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: "فبدأ بأوعيتهم" قال: ذكر لنا أنه كان كلما فتح متاع رجل استغفر تأثما مما صنع حتى بقي متاع الغلام، قال ما اظن أن هذا أخذ شيئاً، قالوا بلى فاستبره، وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن لضحاك في قوله: "كذلك كدنا ليوسف" قال: كذلك صنعنا ليوسف "ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك" يقول: في سلطان الملك، قال: كان في دين ملكهم أنه سرق أخذت منه السرقة ومثلها معها من ماله فيعطيه المسروق. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: "ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك" يقول: في سلطان الملك. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: "إلا أن يشاء الله" قال: إلا بعلة كادها الله ليوسف فاعتل بها. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه في قوله: "نرفع درجات من نشاء" قال: يوسف وإخوته أوتوا علماً فرفعنا يوسف في العلم فوقهم درجة. وأخرج الفريابي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير قال: كنا عند ابن عباس فحدث بحديث، فقال رجل عنده: "وفوق كل ذي علم عليم" فقال ابن عباس: بئس ما قلت، الله العليم الخبير، وهو فوق كل عالم. وأخرج ابن جرير عن محمد بن كعب قال: سأل رجل علياً عن مسألة، فقال فيها، فقال الرجل ليس هكذا ولكن كذا وكذا، قال علي: أصبت وأخطأت "وفوق كل ذي علم عليم". وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن عكرمة في قوله: "وفوق كل ذي علم عليم" قال: علم الله فوق كل عالم.
76-"فبدأ بأوعيتهم"، لإزالة التهمة، "قبل وعاء أخيه"، فكان يفتش أوعيتهم واحدا واحدا. قال قتادة: ذكر لنا أنه كان لا يفتح متاعا ولا ينظر في وعاء إلا استغفر الله تأثما مما قذفهم به حتى إذا لم يبق إلا رحل بنيامين، قال: ما أظن هذا أخذه، فقال إخوته: والله لا نترك حتى تنظر في رحله فإنه أطيب لنفسك ولأنفسنا، فلما فتحوا متاعه استخرجوه منه. فذلك قوله تعالى:
"ثم استخرجها من وعاء أخيه"، وإنما أنث الكناية في قوله "ثم استخرجها" والصواع مذكر، بدليل قوله: " ولمن جاء به حمل بعير "، لأنه رد الكناية هاهنا إلى السقاية.
وقيل: الصواع يذكر ويؤنث.
فلما أخرج الصواع من رحل بنيامين نكس إخوته رؤوسهم من الحياء، وأقبلوا على بنيامين وقالوا: ما الذى صنعت فضحتنا وسودت وجوهنا يا بني راحيل؟ ما يزال لنا منكم البلاء، متى أخذت هذا الصواع؟ فقال بنيامين: بل بنو راحيل لا يزال لهم منكم بلاء ذهبتم بأخي فأهلكتموه في البرية، ووضع هذا الصواء في رحلي الذي وضع البضاعة في رحالكم، فأخذوا بنيامين رقيقا.
وقيل: إن ذلك الرجل أخذ برقبته ورده إلى يوسف كما يرد السراق.
"كذلك كدنا ليوسف"، والكيد هاهنا جزاء الكيد، يعني: كما فعلوا في الابتداء بيوسف من الكيد فعلنا بهم. وقد قال يعقوب عليه السلام ليوسف: "فيكيدوا لك كيدا"، فكدنا ليوسف في أمرهم.
والكيد من الخلق: الحيلة، ومن الله تعالى التدبير بالحق.
وقيل: كدنا: ألهمنا. وقيل: دبرنا. وقيل: أردنا.
ومعناه: صنعنا ليوسف حتى ضم أخاه إلى نفسه، وحال بينه وبين إخوته.
"ما كان ليأخذ أخاه" فيضمه إلى نفسه، "في دين الملك"، أي: في حكمه. قاله قتادة. وقال ابن عباس: في سلطانه. "إلا أن يشاء الله"، يعني: إن يوسف لم يكن يتمكن من حبس أخيه في حكم الملك لولا ما كدنا له بلطفنا حتى وجد السبيل إلى ذلك، وهو ما أجرى على ألسنة الإخوة أن جزاء السارق الاسترقاق، فحصل مراد يوسف بمشيئة الله تعالى.
"نرفع درجات من نشاء"، بالعلم كما رفعنا درجة يوسف على إخوته.
وقرأ يعقوب: "يرفع"، و "يشاء" بالياء فيهما وإضافة درجات إلى "من" في هذه السورة.
والوجه أن الفعل فيهما مسند إلى الله تعالى، وقد تقدم ذكره في قوله: "إلا أن يشاء الله" أي: يرفع الله درجات من يشاء. وقرأ الباقون بالنون فيهما، إلا أن الكوفيين قرؤوا: "درجات" بالتنوين، ومن سواهم بالإضافة، أي: نرفع به نحن، والرافع أيضا هو الله تعالى.
"وفوق كل ذي علم عليم". قال ابن عباس: فوق كل ذي عالم عالم إلى أن ينتهي العلم إلى الله تعالى. فالله تعالى فوق كل عالم.
76."فبدأ بأوعيتهم"فبدأ المؤذن . وقيل يوسف لأنهم ردوا إلى مصر . "قبل وعاء أخيه"بنيامين نفياً للتهمة."ثم استخرجها" أي السقاية أو الصواع لأنه يذكر ويؤنث."من وعاء أخيه" وقرئ بضم الواو وبقلبها همزة . "كذلك"مثل ذلك الكيد ."كدنا ليوسف"بأن علمناه إياه وأوحينا به إليه."ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك"ملك مصر لأن دينه الضرب وتغريم ضعف ما أخذ دون الاسترقاق وهو بيان للكيد ." إلا أن يشاء الله " أن جعل ذلك الحكم حكم الملك، فالاستثناء من أعم الأحوال ويجوز أن يكون منقطعاً أي لكن أخذه بمشيئة الله تعالى وإذنه."نرفع درجات من نشاء"بالعلم كما رفعنا درجته."وفوق كل ذي علم عليم"أرفع درجة منه ، واحتج به من زعم أنه تعالى عالم بذاته إذ لو كان ذا علم لكان فوقه من هو أعلم منه.والجواب أن المراد كل ذي علم من الخلق لأن الكلام فيهم ولأن العليم هو الله سبحانه وتعالى ، ومعناه الذي له العلم البالغ لغة ولأنه لا فرق بينه وبين قولنا فوق كل العلماء عليم وهو مخصوص.
76. Then he (Joseph) began the search with their bags before his brother's bag, then he produced it from his brother's bag. Thus did We contrive for Joseph. He could not have taken his brother according to the king's law unless Allah willed. We raise by grades (of mercy) whom We will, and over every lord of knowledge there is one more knowing.
76 - So he began (the search) with their baggage, before (he came to) the baggage of his brother: at length he brought it out of his brother's baggage. thus did we plan for Joseph. he could not take his brother by the law of the king except that God willed it (so). We raise to degrees (of wisdom) whom we please: but over all endued with knowledge is one, the All Knowing.