[يوسف : 61] قَالُواْ سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ
61 - (قالوا سنراود عنه أباه) سنجتهد في طلبه منه (وإنا لفاعلون) ذلك
قوله تعالى : "قالوا سنراود عنه أباه وإنا لفاعلون" .
قوله تعالى: " قالوا سنراود عنه أباه " أي سنطلبه منه، ونسأله أن يرسله أن يرسله معنا. " وإنا لفاعلون " أي لضامنون المجيء به، ومحتالون في ذلك.
مسألة: إن قيل: كيف استجار يوسف إدخال الحزن على أبيه بطلب أخيه؟ قيل له: عن هذا أربعة أجوبة: أحدها: يجوز أن يكون الله عز وجل أمره بذلك ابتلاء ليعقوب، ليعظم له الثواب، فاتبع أمره فيه. الثاني: يجوز أن يكون أراد أن ينبه يعقوب على حال يوسف عليهما السلام. الثالث: للتضاعف المسرة ليعقوب برجوع ولديه عليه. الرابع: ليقدم سرور أخيه بالاجتماع معه قبل إخوته، لميل كان منه إليه، والأول أظهر، والله أعلم.
ذكر السدي ومحمد بن إسحاق وغيرهما من المفسرين أن السبب الذي أقدم إخوة يوسف بلاد مصر, أن يوسف عليه السلام لما باشر الوزارة بمصر ومضت السبع السنين المخصبة, ثم تلتها السبع السنين المجدبة, وعم القحط بلاد مصر بكمالها, ووصل إلى بلاد كنعان وهي التي فيها يعقوب عليه السلام وأولاده, وحينئذ احتاط يوسف عليه السلام للناس في غلاتهم, وجمعها أحسن جمع, فحصل من ذلك مبلغ عظيم وهدايا متعددة هائلة, وورد عليه الناس من سائر الأقاليم والمعاملات, يمتارون لأنفسهم وعيالهم, فكان لا يعطي الرجل أكثر من حمل بعير في السنة, وكان عليه السلام, لا يشبع نفسه, ولا يأكل هو والملك وجنودهما إلا أكلة واحدة في وسط النهار, حتى يتكفا الناس بما في أيديهم مدة السبع سنين, وكان رحمة من الله على أهل مصر.
وما ذكره بعض المفسرين من أنه باعهم في السنة الأولى بالأموال, وفي الثانية بالمتاع, وفي الثالثة بكذا, وفي الرابعة بكذا, حتى باعهم بأنفسهم وأولادهم بعد ما تملك عليهم جميع ما يملكون, ثم أعتقهم ورد عليهم أموالهم كلها, الله أعلم بصحة ذلك, وهو من الإسرائيليات التي لا تصدق ولا تكذب, والغرض أنه كان في جملة من ورد للميرة إخوة يوسف عن أمر أبيهم لهم في ذلك, فإنه بلغهم أن عزيز مصر يعطي الناس الطعام بثمنه, فأخذوا معهم بضاعة يعتاضون بها طعاماً, وركبوا عشرة نفر, واحتبس يعقوب عليه السلام عنده ابنه بنيامين شقيق يوسف عليه السلام, وكان أحب ولده إليه بعد يوسف, فلما دخلوا على يوسف وهو جالس في أبهته ورياسته وسيادته, عرفهم حين نظر إليهم, وهم له منكرون أي لا يعرفونه, لأنهم فارقوه وهو صغير حدث, وباعوه للسيارة ولم يدروا أين يذهبون به, ولا كانوا يستشعرون في أنفسهم أن يصير إلى ما صار إليه, فلهذا لم يعرفوه, وأما هو فعرفهم. فذكر السدي وغيره أنه شرع يخاطبهم, فقال لهم كالمنكر عليهم: ما أقدمكم بلادي ؟ فقالوا: أيها العزيز إنا قدمنا للميرة, قال: فلعلكم عيون ؟ قالوا: معاذ الله. قال: فمن أين أنتم ؟ قالوا من بلاد كنعان, وأبونا يعقوب نبي الله. قال: وله أولاد غيركم ؟ قالوا: نعم كنا اثني عشر, فذهب أصغرنا, هلك في البرية وكان أحبنا إلى أبيه, وبقي شقيقه فاحتبسه أبوه ليتسلى به عنه, فأمر بإنزالهم وإكرامهم "ولما جهزهم بجهازهم" أي أوفى لهم كيلهم, وحمل لهم أحمالهم, قال: ائتوني بأخيكم هذا الذي ذكرتم لأعلم صدقكم فيما ذكرتم " ألا ترون أني أوفي الكيل وأنا خير المنزلين " يرغبهم في الرجوع إليه, ثم رهبهم فقال: "فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي" الاية, أي إن لم تقدموا به معكم في المرة الثانية فليس لكم عندي ميرة, "ولا تقربون * قالوا سنراود عنه أباه وإنا لفاعلون" أي سنحرص على مجيئه إليك بكل ممكن, ولا نبقي مجهوداً لتعلم صدقنا فيما قلناه, وذكر السدي أنه أخذ منهم رهائن حتى يقدموا به معهم, وفي هذا نظر لأنه أحسن إليهم ورغبهم كثيراً, وهذا لحرصه على رجوعهم, "وقال لفتيانه" أي غلمانه "اجعلوا بضاعتهم" أي التي قدموا بها ليمتاروا عوضاً عنها "في رحالهم" أي في أمتعتهم من حيث لا يشعرون, "لعلهم يرجعون" بها, قيل: خشي يوسف عليه السلام أن لا يكون عندهم بضاعة أخرى يرجعون للميرة بها. وقيل: تذمم أن يأخذ من أبيه وإخوته عوضاً عن الطعام, وقيل أراد أن يردهم إذا وجدوها في متاعهم تحرجاً وتورعاً, لأنه يعلم ذلك منهم والله أعلم.
61- فـ"قالوا سنراود عنه أباه" أي سنطلبه منه، ونجتهد في ذلك بما نقدر عليه وقيل معنى المراودة هنا: المخادعة منهم لأبيهم والاحتيال عليه حتى ينتزعوه منه "وإنا لفاعلون" هذه المراودة غير مقصرين فيها، وقيل معناه: وإنا لقادرون على ذلك، لا نتعانى به ولا نتعاظمه.
61-"قالوا سنراود عنه أباه"، أي: نطلبه ونسأله أن يرسله معنا، "وإنا لفاعلون"، ما أمرتنا به.
61."قالوا سنراود عنه أباه " سنجتهد في طلبه من أبيه . "وإنا لفاعلون" ذلك لا نتوانى فيه.
61. They said: We will try to win him from his father: that we will surely do.
61 - They said: we shall certainly seek to get our wish about him from his father: indeed we shall do it.