[يوسف : 39] يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ
39 - (يا صاحبي) ساكني (السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار) خير ؟ استفهام تقرير
قال أبو جعفر : ذكر أن يوسف صلوات الله عليه قال هذا القول للفتيين اللذين دخلا معه السجن ،لأن أحدهما كان مشركاً ، فدعاه بهذا القول إلى الإسلام وترك عبادة الآلهة والأوثان ، فقال : "يا صاحبي السجن" ، يعني : يا من هو في السجن ،وجعلهما صاحبيه ، لكونهما فيه ، كما قال الله تعالى لسكان الجنة : " أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون " ، وكذلك قال لأهل النار ،وسماهم أصحابها ، لكونهم فيها .
وقوله : "أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار "، يقول : أعبادة أرباب شتى متفرقين ، وآلهة لا تنفع ولا تضر ، خير أن عبادة المعبود الواحد الذي لا ثاني له في قدرته وسلطانه ،الذي قهر كل شيء فذلله وسخره ، فأطاعه طوعاً وكرهاً .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : "يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون" ، إلى قوله :"لا يعلمون" ، لما عرف نبي الله يوسف أن أحدهما مقتول ، دعاهما إلى حظهما من ربهما ، وإلى نصيبهما من آخرتهما .
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "يا صاحبي السجن" ، يوسف يقوله .
قال ، حدثتا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : ثم دعاهما إلى الله وإلى الإسلام ، فقال : "يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار" ، أي :خير أن تعبدوا إلهاً واحداً ، أو آلهة متفرقة لا تغني عنكم شيئاً ؟
قوله تعالى: " يا صاحبي السجن " أي يا ساكني السجن، وذكر الصحبة لطول مقامهما فيه، كقولك: أصحاب الجنة، وأصحاب النار. " أأرباب متفرقون " أي في الصغر والكبر والتوسط، أو متفرقون في العدد. " خير أم الله الواحد القهار " وقيل: الخطاب لهما ولأهل السجن، وكان بين أيديهم أصنام يعبدونها من دون الله تعالى، فقال ذلك إلزاماً للحجة، أي آلهة شتى لا تضر ولا تنفع. ( خير أم الله الواحد القهار) الذي قهر كل شيء. نظيره: " آلله خير أما يشركون " ( النمل: 59) وقيل: أشار بالتفرق إلى أنه لو تعدد الإله لتفرقوا في الإرادة ولعلا بعضهم على بعض، وبين أنها إذا تفرقت لم تكن آلهة.
ثم إن يوسف عليه السلام أقبل على الفتيين بالمخاطبة والدعاء لهما إلى عبادة الله وحده لا شريك له, وخلع ما سواه من الأوثان التي يعبدها قومهما, فقال: "أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار" أي الذي ذل كل شيء لعز جلاله وعظمة سلطانه, ثم بين لهما أن التي يعبدونها ويسمونها آلهة إنما هو جهل منهم, وتسمية من تلقاء أنفسهم, تلقاها خلفهم عن سلفهم, وليس لذلك مستند من عند الله, ولهذا قال: "ما أنزل الله بها من سلطان" أي حجة ولا برهان, ثم أخبرهم أن الحكم والتصرف والمشيئة والملك كله لله, وقد أمر عباده قاطبة أن لا يعبدوا إلا إياه, ثم قال تعالى: "ذلك الدين القيم" أي هذا الذي أدعوكم إليه من توحيد الله وإخلاص العمل له, هو الدين المستقيم الذي أمر الله به, وأنزل به الحجة والبرهان الذي يحبه ويرضاه "ولكن أكثر الناس لا يعلمون" أي فلهذا كان أكثرهم مشركين, "وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين". وقد قال ابن جرير: إنما عدل بهم يوسف عن تعبير الرؤيا إلى هذا, لأنه عرف أنها ضارة لأحدهما, فأحب أن يشغلهما بغير ذلك لئلا يعاودوه فيها. فعاودوه فأعاد عليهم الموعظة, وفي هذا الذي قاله نظر, لأنه قد وعدهما أولاً بتعبيرها, ولكن جعل سؤالهما له على وجه التعظيم والاحترام وصلة وسبباً إلى دعائهما إلى التوحيد والإسلام, لما رأى في سجيتهما من قبول الخير والإقبال عليه والإنصات إليه, ولهذا لما فرغ من دعوتهما شرع في تعبير رؤياهما من غير تكرار سؤال فقال:
قوله: 39- " يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار " جعلهما مصاحبين للسجن لطول مقامهما فيه، وقيل المراد: يا صاحبي في السجن، لأن السجن ليس بمصحوب بل مصحوب فيه، وأن ذلك من باب يا سارق الليلة. وعلى الأول يكون من باب قوله: "أصحاب الجنة أصحاب النار" والاستفهام للإنكار مع التقريع والتوبيخ، ومعنى التفرق هنا هو التفرق في الذوات والصفات والعدد: أي هل الأرباب المتفرقون في ذواتهم المختلفون في صفاتهم المتنافون في عددهم خير لكما يا صاحبي السجن، أم الله المعبود بحق المتفرد في ذاته وصفاته الذي لا ضد له ولا ند ولا شريك، القهار الذي لا يغالبه مغالب ولا يعانده معاند؟ أورد يوسف عليه السلام على صاحبي السجن هذه الحجة القاهرة على طريق الاستفهام، لأنهما كانا ممن يعبد الأصنام، وقد قيل إنه كان بين أيديهما أصنام يعبدونها عند أن خاطبهما بهذا الخطاب.
39-"يا صاحبي السجن"، جعلهما صاحبي السجن لكونهما فيه، كما يقال لسكان الجنة: أصحاب الجنة، ولسكان النار: أصحاب النار، "أأرباب متفرقون"، أي: آلهة شتى، هذا من ذهب، وهذا من فضة، وهذا من حديد، وهذا أعلى، وهذا أوسط، وهذا أدنى، متباينون لا تضر ولا تنفع، "خير أم الله الواحد القهار"، الذي لا ثاني له. القهار: الغالب على الكل. ثم بين عجز الأصنام فقال:
39."يا صاحبي السجن" أي يا ساكنيه ، أو يا صاحبي فيه فأضافهما إليه على الاتساع كقوله:يا سارق الليلة أهل الدار "أأرباب متفرقون"شتى متعددة متساوية الأقدام ."خير أم الله الواحد" المتوحد بالألوهية ."القهار"الغالب الذي لا يعادله ولا يقاومه غيره.
39. O my two fellow prisoners! Are divers lords better, or Allah the One, the Almighty?
39 - O my two companions. of the prison (I ask you): are many lords differing among themselves better, or the one God, supreme and Irresistible?