[يوسف : 37] قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ
37 - (قال) لهما مخبراً أنه عالم بتعبير الرؤيا (لا يأتيكما طعام ترزقانه) في منامكما (إلا نبأتكما بتأويله) في اليقظة (قبل أن يأتيكما) تأويله (ذلكما مما علمني ربي) فيه حث على إيمانهما ثم قواه بقوله (إني تركت ملة) دين (قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم) تأكيد (كافرون)
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : قال يوسف للفتيين اللذين استعبراه الرؤيا : "لا يأتيكما" ، أيها الفتيان ، في منامكما ، "طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله" ، في يقظتكما ،"قبل أن يأتيكما" .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عمرو عن أسباط ، عن السدي قال : قال يوسف لهما : "لا يأتيكما طعام ترزقانه" ، في النوم ، "إلا نبأتكما بتأويله" ، في اليقظة .
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : قال يوسف لهما :"لا يأتيكما طعام ترزقانه" ، يقول : في نومكما ، "إلا نبأتكما بتأويله" .
ويعني بقوله : "بتأويله" ، ما يؤول إليه ويصير ما رأيا في منامهما من الطعام الذي رأيا أنه أتاهما فيه .
وقوله : "ذلكما مما علمني ربي" ، يقول : هذا الذي أذكر أني أعلمه من تعبير الرؤيا ، مما علمني ربي فعلمته ، "إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله" ، وجاء الخبر مبتدأ ، أي تركت ملة قوم ، والمعنى : ما ملت : وإنما ابتدأ بذلك ، لأن في الابتداء الدليل على معناه .
وقوله : "إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله" ، يقول : إني برئت من ملة من لا يصدق بالله ويقر بوحدانيته ، "وهم بالآخرة هم كافرون" ، يقول : وهم مع تركهم الإيمان بواحدنية الله ، لا يقرون بالمعاد والبعث ، ولا بثواب ولا عقاب .
وكررت هم مرتين ، فقيل : "هم بالآخرة هم كافرون" ، لما دخل بينهما قوله : "بالآخرة" ، فصارت هم الأولى كالملغاة ، وصار الاعتماد على الثانية ، كما قيل : " وهم بالآخرة هم يوقنون " ، وكما قيل : " أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون " .
فإن قال قائل : ما وجه هذا الخبر ومعناه من يوسف ؟ وأين جوابه الفتيين عما سألاه من تعبير رؤياهما ، من هذا الكلام ؟
قيل له :إن يوسف كره أن يجيبهما عن تأويل رؤياهما ، لما علم من مكروه ذلك على أحدهما ، فأعرض عن ذكره ، وأخذ في غيره ، ليعرضا عن مسألته الجواب عما سألاه من ذلك .
وبنحو الذي قال بعض أهل العلم .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ،عن ابن جريج في قوله : "إني أراني أعصر خمرا وقال الآخر إني أراني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه نبئنا بتأويله" ، قال : فكره العبارة لهما ،وأخبرهما بشيء لم يسألاه عنه ، ليريهما أن عنده علماً. وكان الملك إذا أراد قتل إنسان صنع له طعاماً معلوماً ، فأرسل به إليه ، فقال يوسف : "لا يأتيكما طعام ترزقانه" ، إلى قوله :"تشكرون" ، فلم يدعاه ، فعدل بهما ،وكره العبارة لهما . فلم يدعاه حتى يعبر لهما ، فعدل بهما وقال : "يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار" ، إلى قوله : "يعلمون" ، فلم يدعاه حتى عبر لهما ، فقال : "يا صاحبي السجن أما أحدكما فيسقي ربه خمرا وأما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه" ، قالا : ما رأيناه شيئاً ، إنما كنا نلعب ! قال : "قضي الأمر الذي فيه تستفتيان" .
قال أبو جعفر : وعلى هذا التأويل الذي تأوله ابن جريج ، فقوله : "لا يأتيكما طعام ترزقانه" ، في اليقظة لا في النوم ، وإنما أعلمهما على هذا القول أن عنده علم ما يؤول إليه أمر الطعام الذي يأتيهما من عند الملك ومن عنده غيره ، لأنه قد علم النوع الذي إذا ما أتاهما علامة لقتل من أتاه ذلك منهما ، والنوع الذي إذا أتاه كان علامة لغير ذلك ، فأخبرهما أنه عنده علم ذلك .
( قال) لهما يوسف: " لا يأتيكما طعام ترزقانه " يعني لا يجيئكما غداً طعام من منزلكما " إلا نبأتكما بتأويله " لتعلما أني أعلم تأويل رؤياكما، فقالا: افعل! فقال لهما: يجيئكما كذا وكذا، فكان على ما قال، وكان هذا من علم الغيب خص به يوسف. وبين أن الله خصه بهذا العلم لأنه ترك ملة قوم لا يؤمنون بالله، يعني دين الملك. ومعنى الكلام عندي: العلم بتأويل رؤياكما، والعلم بما يأتيكما من طعامكما والعلم بدين الله، فاسمعوا أولاً ما يتعلق بالدين لتهتدوا، ولهذا لم يعبر لهما حتى دعاهما إلى الإسلام، فقال: " يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار * ما تعبدون " الآية كلها، على ما ياتي. وقيل: علم أن أحدهما مقتول فدعاهما إلى الإسلام ليسعدا به. وقيل: إن يوسف كره أن يعبر لهما ما سألاه لما علمه من المكروه على أحدهما فأعرض عن سؤالهما، وأخذ في غيره فقال: ( لا يأتيكما طعام ترزقانه) في النوم ( إلا نبأتكما) بتفسيره في اليقظة، قاله السدي ، فقالا له: هذا من فعل العرافين والكهنة، فقال لهما يوسف عليه السلام: ما أنا بكاهن، وإنما ذلك مما علمنيه ربي، إني لا أخبركما به تكهناً وتنجيماً، بل هو بوحي من الله عز وجل. وقال ابن جريج: كان الملك إذا أراد قتل إنسان صنع له طعاماً معروفاً فأرسل به إليه، فالمعنى: لا يأتيكما طعام ترزقانه في اليقظة، فعلى هذا ( ترزقانه) أي يجري عليكما من جهة الملك أو غيره. ويحتمل يزرقكما الله. قال الحسن: كان يخبرهما بما غاب، كعيسى عليه السلام. وقيل: إنما دعاهما بذلك إلى الإسلام، وجعل المعجزة التي يستدلان بها إخبارهما بالغيوب.
يخبرهما يوسف عليه السلام أنهما مهما رأيا في المنام من حلم فإنه عارف بتفسيره يخبرهما بتأويله قبل وقوعه, ولهذا قال: "لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله". ومجاهد: يقول "لا يأتيكما طعام ترزقانه" في يومكما "إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما", وكذا قال السدي. وقال ابن أبي حاتم رحمه الله: حدثنا علي بن الحسين, حدثنا محمد بن العلاء, حدثنا محمد بن يزيد شيخ له, عن الحسن بن ثوبان, عن عكرمة, عن ابن عباس قال: ما أدري لعل يوسف عليه السلام كان يعتاف وهو كذلك, لأني أجد في كتاب الله حين قال للرجلين: "لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله" قال: إذا جاء الطعام حلواً أو مراً اعتاف عند ذلك. ثم قال ابن عباس: إنما علم فعلم, وهذا أثر غريب, ثم قال: وهذا إنما هو من تعليم الله إياي, لأني اجتنبت ملة الكافرين بالله واليوم الاخر, فلا يرجون ثواباً ولا عقاباً في المعاد "واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب" الاية, يقول: هجرت طريق الكفر والشرك, وسلكت طريق هؤلاء المرسلين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين, وهكذا يكون حال من سلك طريق الهدى, واتبع طريق المرسلين, وأعرض عن طريق الضالين, فإن الله يهدي قلبه, ويعلمه ما لم يكن يعلم, ويجعله إماماً يقتدى به في الخير, وداعياً إلى سبيل الرشاد "ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس" هذا التوحيد وهو الإقرار بأنه لا إله إلا الله وحده لا شريك له "من فضل الله علينا" أي أوحاه إلينا وأمرنا به. "وعلى الناس" إذ جعلنا دعاة لهم إلى ذلك " ولكن أكثر الناس لا يشكرون " أي لا يعرفون نعمة الله عليهم بإرسال الرسل إليهم, بل "بدلوا نعمة الله كفراً وأحلوا قومهم دار البوار". وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن سنان, حدثنا أبو معاوية, حدثنا حجاج عن عطاء, عن ابن عباس أنه كان يجعل الجد أباً ويقول: والله فمن شاء لاعنته عند الحجر, ما ذكر الله جداً ولا جدة, قال الله تعالى يعني إخباراً عن يوسف: "واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب".
وجملة 37- "قال لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما" مستأنفة جواب سؤال مقدر، ومعنى ذلك أنه يعلم شيئاً من الغيب، وأنه لا يأتيهما إلى السجن طعام إلا أخبرهما بماهيته قبل أن يأتيهما، وهذا ليس من جواب سؤالهما تعبير ما قصاه عليه، بل جعله عليه السلام مقدمة قبل تعبيره لرؤياهما بياناً لعلو مرتبته في العلم، وأنه ليس من المعبرين الذين يعبرون الرؤيا عن ظن وتخمين، فهو كقول عيسى عليه السلام "وأنبئكم بما تأكلون" وإنما قال يوسف عليه السلام لها بهذا ليحصل الانقياد منها له فيما يدعوهما إليه بعد ذلك من الإيمان بالله والخروج من الكفر، ومعنى ترزقانه: يجري عليهما من جهة الملك أو غيره، والجملة صفة لطعام، أو يرزقكما الله سبحانه، والاستثناء بقوله: "إلا نبأتكما بتأويله" مفرغ من أعم الأحوال: أي يأتيكما، وسماه تـأويلاً بطريق المشاكلة، لأن الكلام في تأويل الرؤيا، أو المعنى: إلا نبأتكما بما يؤول إليه الكلام من مطابقة ما أخبركما به للواقع، والإشارة بقوله: "ذلكما" إلى التأويل، والخطاب للسائلين له عن تعبير رؤياهما "مما علمني ربي" بما أوحاه إلي وأهمني إياه لا من قبيل الكهانة والتنجيم ونحو ذلك مما يكثر فيه الخطأ، ثم بين لهما أن ذلك الذي ناله من هذه الرتبة العلية والعلوم الجملة هو بسبب ترك الملة التي لا يؤمن أهلها بالله ولا بالآخرة واتباعه لملة الأنبياء من آبائه فقال: "إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله" وهو كلام مستأنف يتضمن التعليل لما قبله، والمراد بالترك هو عدم التلبس بذلك من الأصل، لا أنه قد كان تلبس به، ثم تركه كما يدل عليه قوله: "ما كان لنا أن نشرك بالله" ثم وصف هؤلاء القوم بما يدل على تصلبهم في الكفر وتهالكهم عليه. فقال " وهم بالآخرة هم كافرون " أي هم مختصون بذلك دون غيرهم لإفراطهم في الكفر بالله .
37-"قال لا يأتيكما طعام ترزقانه"، قيل: أراد به في النوم يقول لا يأتيكما طعام ترزقانه في نومكما، "إلا نبأتكما بتأويله"، في اليقظة.
وقيل: أراد به في اليقظة، يقول: لا يأتيكما طعام ن منازلكما ترزقانه، تطعمانه وتأكلانه إلا نبأتكما بتأويله بقدره ولونه والوقت الذي يصل فيه إليكما.
"قبل أن يأتيكما"، قبل أن يصل إليكما، وأي طعام أكلتم وكم أكلتم ومتى أكلتم، فهذا مثل معجزة عيسى عليه السلام حيث قال: "وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم" (آل عمران - 49) فقالا: هذا فعل العرافين والكهنة، فمن أين لك هذا العلم؟ فقال: ما أنا بكاهن وإنما "ذلكما"، العلم، "مما علمني ربي إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون"، وتكرار "هم"على التأكيد.
37." قال لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله " أي بتأويل ما قصصتما علي ، أو بتأويل الطعام يعني بيان ماهيته وكيفيته فإنه يشبه تفسير المشكل ، كأنه أراد أن يدعوهما إلى التوحيد ويرشدهما إلى الطريق القويم قبل أن يسعف إلى ما سألاه منه كما هو طريق الأنبياء والنازلين منازلهم من العلماء في الهداية والإرشاد ،فقدم ما يكون معجزة له من الإخبار بالغيب ليدلههما على صدقه في الدعوة والتعبير ، "قبل أن يأتيكما ذلكما " أي ذلك التأويل . "مما علمني ربي" بالإلهام والوحي وليس من قبيل التكهن أو التنجيم ."إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون" تعليل لما قبله أي علمني ذلك لأني تركت ملة أولئك .
37. He said: The food which ye are given (daily) shall not come unto you but I shall tell you the interpretation ere it cometh unto you. This is of that which my Lord hath taught me. Lo! I have forsaken the religion of folk who believe not in Allah and are disbelievers in the Hereafter.
37 - He Said: Befor anf food comes (in due course) to feed either of you I will surely reveal to you the truth and meaning of this ere it befall you that is part of the (duty) which my Lord hath taught me. I Have (I assure you) abandoned the ways of a people that believe not in God and that (even) deny the hereafter.