[يوسف : 35] ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ
35 - (ثم بدا) ظهر (لهم من بعد ما رأوا الآيات) الدالات على براءة يوسف أن يسجنوه دل على هذا (ليسجننه حتى) إلى (حين) ينقطع فيه كلام الناس فسجن
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره :ثم بدا للعزيز ، زوج المرأة التي راودت يوسف عن نفسه .
وقيل : بدا لهم ، وهو واحد ، لأنه لم يذكر اسمه ويقصد بعينه ،وذلك نظير قوله : " الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم " ، وقيل : أن قائل ذلك كان واحداً .
وقيل معنى قوله : "ثم بدا لهم" ، في الرأي الذي كانوا رأوه من ترك يوسف مطلقاً ، ورأوا أن يسجنوه من بعد ما رأوا الآيات ببراءته مما قذفته به امرأة العزيز .
وتلك الآيات ، كانت قد القميص من دبر ، وخمشاً في الوجه ،وقطع أيديهن ، كما :
حدثنا أبو كريب قال حدثنا وكيع ،عن نصر بن عوف ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : "ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات" ، قال : كان من الآيات : قد من القميص ، وخمش في الوجه .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، وابن نمير ،عن نصر ، عن عكرمة ، مثله .
حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا شبابة قال ، حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات" ، قال : قد من القميص من دبر .
حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم ،عن عيسى ،عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "من بعد ما رأوا الآيات" ، قال : قد من القميص من دبر .
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ـ ... قال ، وحدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ،عن معمر ، عن قتادة : "من بعد ما رأوا الآيات" ، قال : "الآيات" ، حزهن أيديهن ،وقد القميص .
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثنا حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد قال : قد القميص من دبر .
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : "ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه" ، ببراءته مما أتهم به ،من شق قميصه من دبر ، "ليسجننه حتى حين" .
حدثنا ابن وكيع قال ،حدثنا عمرو ،عن أسباط ، عن السدي : "من بعد ما رأوا الآيات" ، القميص ، وقطع الأيدي .
وقوله : "ليسجننه حتى حين" ، يقول : ليسجننه إلى الوقت الذي يرون فيه رأيهم .
وجعل الله ذلك الحبس ليوسف ، فيما ذكر ، عقوبة له من همه بالمرأة ، وكفارة لخطيئته .
حدثت عن يحيى بن أبي زائدة ،عن إسرائيل ، عن خصيف ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : "ليسجننه حتى حين" ، عثر يوسف عليه السلام ثلاث عثرات : حين هم بها فسجن . وحين قال : " اذكرني عند ربك " ، فلبث في السجن بضع سنين ، وأنساه الشيطان ذكر ربه . وقال لهم : " إنكم لسارقون " ، فقالوا : " إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل " .
وذكر أن سبب حبسه في السجن ، كان شكوى امرأة العزيز إلى زوجها أمره وأمرها ، كما :
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عمرو بن محمد ، عن أسباط ،عن السدي : "ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين" ، قال : قالت المرأة لزوجها : إن هذا العبد العبراني قد فضحني في الناس ،يعتذر إليهم ، ويخبرهم أني راودته عن نفسه ، ولست أطيق أن أعتذر بعذري ، فإما أن تأذن لي فأخرج فأعتذر ، وإما أن تحبسه كما حبستني . فذلك قول الله : "ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين" .
وقد اختلف أهل العربية في وجه دخول هذه اللام في :"ليسجننه" .
فقال بعض البصريين : دخلت ههنا ، لأنه موضع يقع في أي ، فلما كان حرف الاستفهام يدخل فيه دخلته النون ، لأن النون تكون في الاستفهام تقول : بدا لهم أيهم يأخذن ، أي : استبان لهم .
وأنكر ذلك بعض أهل العربية فقال : هذا يمين ، وليس قوله : هل تقومن بيمين ، ولتقومن ، لا يكون إلا يميناً .
وقال بعض نحويي الكوفة : "بدا لهم" بمعنى القول ، و القول يأتي بكل الكلام ، بالقسم وبالاستفهام ، فلذلك جاز : بدا لهم قام زيد ، وبدا لهم ليقومن .
وقيل :إن الحين في هذا الموضع . معني به سبع سنين .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا المحاربي ، عن داود، عن عكرمة : "ليسجننه حتى حين" ، قال : سبع سنين .
فيه أربع مسائل
الأولى: قوله تعالى: " ثم بدا لهم " أي ظهر للعزيز وأهل مشورته ممن بعد أن رأوا الآيات أي علامات براءة يوسف - من قد القميص من دبر، وشهادة الشاهد، وحز الأيدي، وقلة صبرهن عن لقاء يوسف - أن يسجنوه كتماناً للقصة ألا تشيع في العامة، وللحيلولة بينه وبينها. وقيل: هي البركات التي كانت تنفتح عليهم ما دام يوسف فيهم، والأول أصح. قال مقاتل عن مجاهد عن ابن عباس في قوله: ( ثم بدا لهم من بعد ما رأوه الآيات) قال: القميص من الآيات، وشهادة الشاهد من الآيات، وقطع الأيدي من الآيات، وإعظام النساء إياه من الآيات. وقيل: ألجأها الخجل من الناس، والوجل من اليأس إلى أن رضيت بالحجاب مكان خوف الذهاب، لتشتفي إذا منعت من نظره، قال:
وما صبابة مشتاق على أمل من اللقاء كمشتاق بلا أمل
أو كادته رجاء أن يمل حبسه فيبذل نفسه.
الثانية: قوله تعالى: " ليسجننه " ( يسجننه) في موضع الفاعل، أي ظهر لهم أن يسجنوه، هذا قول سيبويه . قال المبرد: وهذا غلط، لا يكون الفاعل جملة، ولكن الفاعل ما دل عليه ( بدا) وهو مصدر، أي بدا لهم بداء، فحذف لأن الفعل يدل عليه، كما قال الشاعر:
وحق لمن أبو موسى أبوه يوفقه الذي نصب الجبالا
أي وحق الحق، فحذف. وقيل: المعنى ثم بدا لهم رأي لم يكونوا يعرفونه، وحذف هذا لأن في الكلام دليلاً عليه، وحذف أيضاً القول، أي قالوا: ليسجننه، واللام جواب ليمين مضمر، قاله الفراء، وهو فعل مذكر لا فعل مؤنث، ولو كان فعلاً مؤنثاً لكان يسجنانه، ويدل على هذا قوله ( لهم) ولم يقل لهن، فكأنه أخبر عن النسوة وأعوانهن فغلب المذكر، قاله أبو علي. وقال السدي : كان سبب حبس يوسف أن امرأة العزيز شكت إليه أنه شهرها ونشر خبرها، فالضمير على هذا في ( لهم) للملك.
الثالثة: قوله تعالى: " حتى حين " أي إلى مدة غير معلومة، قاله كثير من المفسرين. وقال ابن عباس: إلى انقطاع ما شاع في المدينة. وقال سعيد بن جبير: إلى ستة أشهر. وحكى الكيا أنه عنى ثلاثة عشر شهراً. عكرمة. تسع سنين. الكلبي : خمس سنين. مقاتل: سبع. وقد مضى في ( البقرة) القول في الحين وما يرتبط به من الأحكام. وقال وهب: أقام في السجن اثنتي عشرة سنة. و ( حتى) بمعنى إلى، كقوله " حتى مطلع الفجر " ( القدر: 5) وجعل الله الحبس تطهيراً ليوسف صلى الله عليه وسلم من همه بالمرأة. وكأن العزيز وإن عرف براءة يوسف - أطاع المرأة في سجن يوسف. قال ابن عباس: عثر يوسف ثلاث عثرات: حين هم بها فسجن، وحين قال للفتى: " اذكرني عند ربك " فلبث في السجن بضع سنين، وحين قال لإخوته: " إنكم لسارقون " فقالوا: ( إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل).
الرابعة: أكره يوسف عليه السلام على الفاحشة بالسجن، وأقام خمسة أعوام، وما رضي بذلك لعظيم منزلته وشريف قدره، ولو أكره رجل بالسجن على الزنى ما جاز له إجماعاً. فإن أكره بالضرب فقد اختلف فيه العلماء، والصحيح أنه إذا كان فادحاً فإنه يسقط عنه إثم الزنى وحده. وقد قال بعض علمائنا: إنه لا يسقط عنه الحد، وهو ضعيف، فإن الله تعالى لا يجمع على عبده العذابين، ولا يصرفه بين بلاءين، فإنه من أعظم الحرج في الدين. " وما جعل عليكم في الدين من حرج " ( الحج: 78). وسيأتي بيان هذا في ( النحل) إن شاء الله. وصير يوسف، واستعاذ به من الكيد، فاستجاب له على ما تقدم.
يقول تعالى: ثم ظهر لهم من المصلحة فيما رأوه أنهم يسجنونه إلى حين, أي إلى مدة, وذلك بعد ما عرفوا براءته وظهرت الايات, وهي الأدلة على صدقه في عفته ونزاهته, وكأنهم ـ والله أعلم ـ إنما سجنوه لما شاع الحديث إيهاماً أنه راودها عن نفسها وأنهم سجنوه على ذلك. ولهذا لما طلبه الملك الكبير في آخر المدة امتنع من الخروج حتى تتبين براءته مما نسب إليه من الخيانة. فلما تقرر ذلك, خرج وهو نقي العرض صلوات الله عليه وسلامه. وذكر السدي أنهم إنما سجنوه لئلا يشيع ما كان منها في حقه, ويبرأ عرضه فيفضحها.
معنى: 35- "بدا لهم" ظهر لهم، والضمير للعزيز وأصحابه الذين يدبرون الأمر معه ويشيرون عليه، وأما فاعل" بدا لهم" فقال سيبويه هو "ليسجننه": أي ظهر لهم أن يسجنوه. قال المبرد: وهذا غلط لأن الفاعل لا يكون جملة، ولكن الفاعل ما دل عليه بدا وهو المصدر كما قال الشاعر:
وحق لمن أبو موسى أبوه يوفقه الذي نصب الجبالا
أي وحق الحق فحذف الفاعل لدلالة الفعل عليه: وقيل الفاعل المحذوف هو رأى: أي وظهر لهم رأي لم يكونوا يعرفونه من قبل، وهذا الفاعل حذف [لدلالته] وليسجننه عليه، واللام في ليسجننه جواب قسم محذوف على تقدير القول: أي ظهر لهم من بعد ما رأوا الآيات قائلين والله ليسجننه. وقرىء لتسجننه بالمثناة الفوقية على الخطاب، إما للعزيز ومن معه، أو له وحده على طريق التعظيم، والآيات قيل هي القميص وشهادة الشاهد وقطع الأيدي، وقيل هي البركات التي فتحها الله عليهم بعد وصول يوسف إليهم ولم يجد ذلك فيهم بل كانت امرأته هي الغالبة على رأيه الفاعلة لما يطابق هواها في يوسف، وإنفاذ ما تقدم منها من الوعيد له بقولها" ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونا من الصاغرين " قيل وسبب ظهور هذا الرأي لهم في سجن يوسف أنهم أرادوا ستر القالة وكتم ما شاع في الناس من قصة امرأة العزيز معه، وقيل إن العزيز قصد بسجنه الحيلولة بينه وبين امرأته لما علم أنها قد صارت بمكان من حبه لا تبالي معه بحمل نفسها علبه على أي صفة كانت، ومعنى قوله "حتى حين" إلى مدة غير معلومة كما قال أكثر المفسرين، وقيل إلى انقطاع ما شاع في المدينة. وقال سعيد بن جبير: إلى سبع سنين، وقيل إلى خمس، وقيل إلى ستة أشهر، وقد تقدم في البقرة الكلام في تفسير الحين، وحتى بمعنى إلى.
35-"ثم بدا لهم"، أي: للعزيز وأصحابه في الرأي، وذلك أنهم أرادوا أن يقتصروا من أمر يوسف على الأمر بالإعراض. ثم بدا لهم أن يحبسوه. "من بعد ما رأوا الآيات"، الدالة على براءة يوسف من قد القميص، وكلام الطفل، وقطع النساء أيديهن وذهاب عقولهن، "ليسجننه حتى حين"، إلى مدة يرون فيه رأيهم.
وقال عطاء: إلى أن تنقطع مقالة الناس.
قال عكرمة: سبع سنين.
وقال الكلبي: خمس سنين.
قال السدي: وذلك أن المرأة قالت لزوجها: إن هذا العبد العبراني قد فضحني في الناس، يخبرهم أني راودته عن نفسه، فإما أن تأذن لي فأخرج فأعتذر إلى الناس، وإما أن تحبسه، فحبسه، وذكر أن الله تعالى جعل ذلك الحبس تطهيرا ليوسف عليه السلام من همه بالمرأة.
قال ابن عباس: عثر يوسف ثلاث عثرات حين هم بها فسجن، وحين قال "اذكرني عند ربك" فلبث في السجن بضع سنين، وحين قال للإخوة "إنكم لسارقون"، فقالوا: "إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل".
35."ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات" ثم ظهر للعزيز وأهله من بعد ما رأوا الشواهد الدالة على براءة يوسف كشهادة الصبي وقد القميص وقطع النساء أيديهن واستعصامه عنهن وفاعل "بدا" مضمر يفسره ."ليسجننه حتى حين" وذلك لأنها خدعت زوجها وحملته على سجنه زماناً حتى تبصر ما يكون منه ، أو يحسب الناس أنه المجرم فلبث في السجن سبع سنين . وقرئ بالتاء على أن بعضهم خاطب به العزيز على التعظيم أو العزيز ومن يليه ،وعتى بلغة هذيل.

35. And it seemed good to them (the men folk) after they had seen the signs (of his innocence) to imprison him for a time.
35 - Then it occurred to the men, after they had seen the Signs, (that it was best) to imprison him for a time.